محمد داود
كانت المفاجأة في أكثر من مقام قبل عدة أيام بفتيان لا تعرف كتابة ولا قراءة الحروف الانجليزية، ولكنني ذهلت وبدون مبالغة عندما التقيت بفتيان أوشكت على نهاية مرحلة من الثانوية وهي لا تعرف كتابة أسمائها الشخصية، بل لا تجيد قراءة وكتابة الحروف والكلمات العربية، فكانت بالنسبة لي صدمة وطامة كبرى، الأمر الذي دفعني للمساءلة عن دوافع هذه الكارثة الحديثة التي تهدد بنسف جيل كامل، جيل نراهن عليه دوماً بأن يحافظ على المكنون الثقافي والعلمي الفلسطيني، لينقل هذا المخزون والإرث أجيالاً بعد أجيال حتى تبقى فلسطين منارة برجالها وعلمائها.
ولكن الحقيقة المداهمة لهم والتي أصبحت محاطة بهم من كل جانب، روادها نحن الذين ندفعهم إليها، بهدف تجهيلهم،.. نعم نحن نساهم في قتل أوقاتهم غير مكترثين، نسعى بكل جهد مستطاع إلى تلقينهم وغرس الثقافات الدخيلة الجديدة المرفوضة من قبل ديننا الإسلامي الحنيف، جديدة على تقاليدنا ومبادئنا وقيمنا، جديدة على إرثنا وتاريخنا النضالي المقاوم النظيف أسطورة كل عصر.
إنهم محاطون بتحديات جسام وإغراءات ندفعهم نحوها بكل قوة، بل ينالون الثواب والأجر عليها، والنتيجة ضياع وتجهيل وغياب تام للعلم والمعرفة، والمصير هو الفشل والمستقبل المجهول والغامض، في أوقات أغلقت إسرائيل أبوابها وتفشت ظاهرة البطالة، فتكدس عشرات الألوف من العمال الذين أصبحوا عاطلين، بلا عمل، ليكونوا عالة على المجتمع، وهو هدف سعت إليه منذ احتلالها لفلسطين، بعد أن كانت سيرة الإنسان الفلسطيني لامعة تصدح في كل مكان لينال درجات من الشرف والأوسمة والقدوة الحسنة، فأصبح رمزاً ومنارة العلم والمعرفة والعطاء، وقد كان له اليد في بناء ورقي العديد من الدول والشعوب العربية الشقيقة، ولنا الفخر.
إنهم محاطون بوسائل تدميرية تفتك بهم وحينها لا تنفع النصيحة، ... محاطون بأجهزة حاسوب ومحلات منتشرة تتنافس فيما بينها، كرست وقتها للرذيلة وتدمير الذات وأخطرها " الفيديو جيمز أو الكمبيوتر جيمز"، لدرجة أنهم أوصلوا أطفالنا إلى درجة من الإدمان والسرقة للمال وهدره والكذب والخداع وقتل الوقت.
في أي زمان أصبحنا نعيش وأطفالنا بلغوا سن الرشد وهم لا يدركون ولا يفقهون شيئاً في العلم والمعرفة والحياة، فيما تنامت غرائز ورغبات أخرى أسوأها ثقافة العنف والكذب والسرقة والتسول، نتيجة تصاعد ظاهرة الانفلات الأمني والانقسام السياسي والجغرافي أوصل التعليم إلى أدنى مستوياته لا سيما بعد استمرار إضراب المعلمين في قطاع غزة وتراجع المسيرة التعليمية.
حوافز عدة ينالها فلذات أكبادنا أهمها الترفيع الآلي، و عدم اهتمام الأسرة وهو يضعف موقف المعلم، نتيجة عوامل عدة أهمها غياب الرعاية والمساءلة .. غياب الأمن الاجتماعي والنفسي، والاقتصادي والتربية الحسنة، لذلك ادعوا كل أصحاب الضمائر الحية أن تتقي الله في أبنائنا جيل الغد المشرق و رهان المستقبل، وأن ترحم هذا المخزون البشري التحرري، من هذه الآفة التي لا يهمها إلا كسب المال بأي طريقة أو ثمن كان ولذلك أدعو:
1- أن تغلق محلات الفيديو جيمز التي أصبحت منتشرة في أحياء وطرقات غزة وتحديداً مقابل المدارس.
2- أن تستبدل بمؤسسات ومراكز علمية تخدم الأطفال والطلاب علمياً وثقافياً، ويكون دورها مكمل للمدرسة والأسرة وإن سعت لنوع من الأسلوب الترفيهي التعليمي ويفضل أن تدعم من قبل جهات تشرف عليها وإن وصلت للمجانية.
3- الاهتمام بأبنائنا لا سيما في ظل تراجع المسيرة التعليمية، وتعويضهم عن النقص التعليمي المشهود.
4- خلق روح المحبة والتسامح وتربيتهم على مبادئ الصدق والأخلاق ونبذ العنف.
5- توعيتهم دينياً وسياسياً واجتماعياً وحب الدين والوطن.
والله من وراء القصد
كاتب وباحث
الخميس، أكتوبر 16، 2008
ارحموا أطفالكم من سياسة التجهيل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق