سعيد الحمد
– اعلامي من البحرين
لاشك أن العديد من المثقفين والكتاب سوف يكتبون بمرارة عن المفارقة المؤلمة في دلالاتها.. ففي الوقت الذي كانت فيه لجنة نوبل تعلن أسماء العلماء الغربيين المستحقين لأهم جائزة عالمية لانجازاتهم العلمية الفائقة التميز والتي ستكون لها انعكاسات لافتة ومهمة من حيث تقدم البشرية..
في هذا الوقت بالذات تستغرق ولن نقول تغرق مجتمعاتنا العربية ومشهدنا الثقافي والاجتماعي العام في جدالات ساخنة وطاحنة حول ظاهرة الفتاوى التي انفلتت من جديد وهذه المرة بشكل يهدر ويبدد آخر ما تبقى لنا من بقايا عقلنا العربي المبذول أصلاً والمهدور أساساً في جدالات وسجالات حول ما تضخه آلة الفكر الخرافي ولن نقول الديني، فالدين من هذا الفكر براء من فتاوى خرافية مثل تحريم أكل الزلابية وفتوى عدم خلط خضراوات السلطة بين »المذكر والمؤنث من أنواع وأسماء الخضار« ومن فتوى إحلال وإباحة قتل ملاك وأصحاب القنوات الفضائية وغيرها من فتاوى لعل آخرها فتوى النقاب »الأعور« أبو عين واحدة الذي يبدو أنه توطئة ومقدمة تهيئ المناخ لاستحضار واستعمال »شادور« ونقاب طالبان التي بدأت الروح تعود اليها نتيجة الحالة التي تمر بها المنطقة الممتدة من هنا الى جبال الأفغان مروراً بكل البلدان الواقعة على طريق الحرير والتوابل والذي أصبح الآن طريق القنابل الفكرية والثقافية التي تسعى لإحياء مشروع أهل الكهف الأول بعد تراجع مشروع الصحوة السياسية ذات الغلاف الديني وما جرى في المشروع من مظاهر تفخيخ وتفجير وتدمير. إنها بالفعل مفارقة شديدة المرارة شديدة القسوة والوطأة على نفوسنا..
فهم هناك في الغرب »الصليبي الكافر والملعون على لسان البعض منا صباح مساء« يمضون بلا كلل في استكمال انجازاتهم وأعمالهم العلمية وكشوفاتهم المعرفية التي بهروا بها العالم ومن خلالها فرضوا وجودهم الذي لا يستغني عنه أشد مناوئيهم كراهية لهم والذين عندما يصابون بوعكة صحية عابرة سرعان ما يستقلون أول طائرة ليحطوا هناك في بلاد »الكفار« طلباً لنجدتهم وعلمهم وطبهم وطبابتهم وبحثاً عن دواء يشفي العليل منهم ويعيد له شبابه الذي مضى وما زال في النفس بقية من طلب للذات الدنيا لن يوفره له سوى هذا »الغرب« الملعون سراً وعلانية.. وهي حالة أخرى مريرة.
لكنها في المجمل مفارقة شديدة المرارة عندما نكتشف بؤس الحالة العربية والاسلامية وهي تتخبط في صراع طويل، لم ينتهِ حول فتاوى الخرافات التي يدفع بها بلا هوادة، فيما البعض الآخر يطلع علينا بنسخة مهترئة من خطابات ومن أفكار ومن مقولات وكتابات يومية مرسلة بين الناس تزيف وعيهم وتسلبه بعد أن تعمل فيه تشويهاً حيث الأسطوانة المشروخة تديرها عقلية المؤامرة والتي ما زالت ترى في جائزة نوبل العالمية مجرد »جائزة امبريالية تحركها اصابع الصهيونية والاستعمار لا تمنح الا وفق شروط مصالح الامبريالية الابتزازية ومشاريع الهيمنة«.
وهكذا تزداد الحالة العربية والاسلامية سوءاً وتستمر غيبوبتها المزدوجة ما بين ثقافة الخرافة متجسدة في تلك الفتاوى، وما بين ثقافة ترفع راية التحرر والتقدم لكنها »وهنا المفارقة الأخرى«، تلتقي وتتعانق في منتصف الطريق مع ثقافة الخرافة من حيث منهجها القائم على أساس عقلية المؤامرة لتصبح النتيجة واحدة هي تغييب الوعي من جهة وتقييده من جهة أخرى..!!
انها بالفعل حالة مستعصية على الفهم مستعصية على الحل لا تملك سوى اعادة انتاج أفكارها المأزومة وتدوير أزماتها بمثل هذه الأفكار التي لا تملك البديل الحقيقي والحل الحقيقي بما يترك فراغاً واسعاً من الطبيعي في اجوائه، أن تتمكن الفكرة الخرافية والمشروع الثقافي الخرافي الذي يغرقنا في جدالات وسجالات ومناقشات نفتح لها الأرض والفضاء حول قتل أو تعزيز أو مجرد جلد ملاك الفضائيات وآكلي الزلابية وخالطي خضراوات السلطة. وفيما هم هناك في الغرب يتفوقون على العالم بمزيد من الانجازات العلمية الكبيرة لا نملك هنا إلا أن نقتل الذات أو نجلدها.. وهل هناك من مفارقة أكثر بؤساً!؟؟
البريد الالكتروني:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق