الياس بجاني
"مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم: هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَب، أَو مِنَ العَوْسَجِ تِين؟" (متى7/13).
ماذا يتوقع المواطن اللبناني من طاولة الحوار التي شكلها الرئيس سليمان في حين أن البند الأساس الذي هو بند سلاح حزب الله الميليشياوي والمذهبي والإرهابي بامتياز، والإيراني � السوري المرجعية والتمويل والقرار والقيادة والأهداف، قد تم الالتفاف عليه وعُهِّر وأحيط برزمة إبليسية من الشروط التعجيزية والممنوعات والمحرمات تحت عناوين التخوين والصهينة والتهديدات الإجرامية المستعارة من أدبيات وثقافة حزب الله من مثل بتر أيدي وقطع أعناق وبقر بطون كل اللذين يقتربون من سلاح الغزوات هذا.
بالواقع لا توقعات إيجابية من الطاولة لأن أولويات معظم المشاركين فيها هي غير لبنانية كما مرجعياتهم وقراراتهم، وهي كما يعرف القاصي والداني أولويات مصلحية ونفعية ذاتية ومذهبية ليس لها علاقة بالمواطن اللبناني ولا بوطن الأرز والسيادة والحرية والاستقلال. لا أمل ولا رجاء من الربع الذي سيجتمع للحوار في قصر بعبدا فهؤلاء من ثمارهم عرفهم ويعرفهم اللبناني السيادي.
من هنا لا رجاء من طاولة الحوار والمؤسف أن غالبية العاملين في الحقلين السياسي والشأن العام في لبنان، وتحديداً المسيحيين منهم مصابون بحالة قاتلة وبائية من الضياع الإيماني أعراضها هي فقدان الرجاء، والخوف، واضمحلال الثقة بالنفس، والارتباك العملاني، وضبابية المواقف، والابتعاد عن معايير القيم والأخلاقيات. لقد أصبح حضورهم غياب بقرار ذاتي عن مهام وواجبات تحمُل المسؤوليات الوطنية والشهادة للحق.
إنه وبسبب خنوعهم واستسلامهم المجاني فقدوا علة وجودهم وأضاعوا بوصلة الحق والشفافية ولم يعودوا مدركين أو مهتمين بسلم الأوليات وتنحصر أقوالهم وأفعالهم وغاياتهم بمصالحهم الذاتية والمغانم والنفوذ والمنافع، في حين أن أولوياتهم الموروبة والنرجسية تحركها مركبات العقد النفسية من حقد وكراهية وخداع ورفض للآخر.
ميشال عون مثلا كان يصر يوم كان في سدة الحكم وبعدها في المنفى على محاكمة النظام السوري لارتكابه جرائم فظيعة ضد الإنسانية في لبنان، ويسعى لتكسير رأس الرئيس حافظ الأسد، ويعتبر في خطابه وأدبياته السياسية والوطنية أن حزب الله وسلاحه ومربعاته مشكلة وورطة تمنعان قيام الدولة، وقد حارب الميليشيات لأنها "وباء"، ونادى بحصرية السلاح بالسلطات الشرعية، وقال علنية إن مزارع شبعا كذبة كبيرة وأكد أن حزب الله لم يحرر الجنوب إلا من أهله.
عون اليوم ولأن أولوياته أصبحت شخصية وعائلية ونفعية وليست وطنية أو إيمانية لبس العباءة السورية بفرح ونشوة ولحس كل شعاراته، ودفن كل ماضيه، وانقلب على تاريخه، ونقض أدبياته، وطالب اللبنانيين بالاعتذار من سوريا، وقد أصبحت عاصمة الأمويين محجاً له ولإتباعه، كما تقزم إلى ملحقاً بحزب الله ومدافعاً عن سلاحه ومبشراً بانتصاراته الإلهية وإلى بوق وصنج يرن بأمرة فرمانات ملالي الضاحية، وحكام البعث، وتطول قائمة كفره وهرطقاته.
في القاطع الآخر النائب وليد جنبلاط الذي كان يجاهر بضرورة إسقاط النظام السوري مع حليفه عبد الحليم خدام، ويصف حكام الشام بالأفاعي والثعابين، ويتهمهم بقتل الحريري وباغتيال والده، ها هو اليوم يُقبل الأيادي السورية مستغفراً ونادماً وتائباً ليلاً نهاراً بعد أن انحصرت أولويته بنعمة قبول حاكم الشام مسامحته والعفو عنه واستقباله، وقد أصبح شعار "لبنان أولاً" ثقيلاً على قلبه. وتملقاً لعيون الشقيقة وطمعاً برضاها راح يفتش في أقبية قصره وفي دفاتره القديمة عن شعارات بالية وقضايا ميتة ويجاهر بها ويسوق لها عله ينال صك الغفران ويُسمح له بالحج إلى قصر المهاجرين.
في سياق مواز انقلب تجمع 14 آذار على معظم وعوده وعهوده، وبعد أن كانت أولويته "والسما زرقاء" عدم قبول سلاح ودويلة حزب الله ومعاقبة هذا الجيش الإيراني الميليشياوي والأصولي الذي استباح الحرمات والأملاك وسفك الدماء في غزوة 7 آيار 2008 ، تراجع التجمع بقدرة قادر وتغيرت وتبدلت أولوياته وأذعن ورضخ وشرعن السلاح والدويلة في البيان الوزاري وراح يدعي مبرراً ومفذلكاً بأن ما أقدم عليه هو انعطاف إستراتيجي يندرج في سعيه الدؤوب والهادف للعبور إلى الدولة. هذا وقد جاءت زيارة الرئيس سعد الحريري الصادمة إلى سوريا في سياق تبدل الأولويات، علماً أن نتائجها حتى الآن لم تكن موفقة ولا واعدة كما شُيِّعَ رغم كل التنازلات التي رافقتها والشروط السورية التي تمت على أساسها.
�من جانب آخر نشاهد بأسى وخيبة أمل قيادات الأحزاب المسيحية السيادية وقد انقلبت أولوياتهم رأساً على عقب وهم الذين قدم مجتمعهم عشرات الآلاف من الشهداء والمعاقين وقاوم بفروسية وعناد على مدار سنين طوية دفاعاً عن أولوية التشبث بالهوية والتاريخ والتميز والحفاظ على الوجود الحر والكريم. هؤلاء الفاقدين نعمة الإيمان والخائبين برجائهم تنازلوا طوعاً ودون مقابل عن الهوية والقضية وباتوا بذمية فاقعة يخجلون من تحالفاتهم السابقة ويقدمون بمناسبة ودون مناسبة ومع كل إطلالة إعلامية فحوصات دم بوطنيتهم ويجترون كالببغاوات مفردات خشبية لم تكن في يوم من أدبيات أهلهم ومجتمعهم ومفكريهم، هذا وقد أوصلهم تبدل الأولويات إلى التخلي عن أهلهم الموجودين في إسرائيل وعدم الدفاع عن حقوقهم التي تُنتهك علناً ويمنعون من العودة إلى وطنهم وأهلهم.
أما الحكام والمسؤولين فتموضعهم الرمادي لا يسر وقد واختاروا لأنفسهم حال المتفرجين الراضين طوعاً بدفن رؤوسهم في الرمال، في حين أن أولوياتهم مغربة عن واجباتهم والالتزامات ومقتصرة على التملق لحزب الله واسترضاء حكام سوريا وتجنب اتخاذ أية مواقف داعمة لمصلحة الوطن ودستوره والحريات.
"مِنْ ثِمَارِهِم تَعْرِفُونَهُم: هَلْ يُجْنَى مِنَ الشَّوْكِ عِنَب، أَو مِنَ العَوْسَجِ تِين؟" (متى 7/13). إن مشكلة هؤلاء جميعاً، هي أنانيتهم وجبنهم وتخليهم عن سلم أولويات الوطن والمواطن، فبئس هكذا قيادات. إنهم مصابون بعمي البصر والبصيرة ومن يسير خلفهم يقع معهم في أفخاخ الخنوع والارتهان والغنمية. إن المشكلة الأساس هي مشكلة أولويات ويا ليت هؤلاء جميعاً يتذكرون قول السيد المسيح: "مرتا مرتا تهتمين بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد"، والمطلوب منهم أن تكون أولوياتهم الوطن الحر والسيد والمستقبل
الثلاثاء، مارس 02، 2010
أولويات قيادات لبنان المقلوبة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق