الثلاثاء، نوفمبر 03، 2009

اتفاق من لا يملك مع من لا يستحق

رامي سليمان الدهشان

المتابع للمشهد الفلسطيني خلال فترة المصلحة التي ما زالت معلقة ولم يعد عند الكثيرين آمالا بالوصول إلي توافق وحل , يجد أن هنالك طبخ سياسي على نار هادئة ,هدفها إقصاء حماس عن المشهد السياسي بالطرق الديمقراطية .

بالفترات السابقة لاحظنا المراجعة الفورية من قبل حماس لكل ورقة توافق تطرح, والشروع في طلب تعديلات وعمل صياغات عليها ,للوصول إلي توافق وطني ينهي حالة الانقسام مع الحفاظ على الثوابت التي تضمن حق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته وتقرير مصيره,إلا أن تكرار التأجيل أزعج أحيانا كثيرة الحزب الحاكم في مصر.

لكن لورقة الضغط الأخيرة ما يميزها عن غيرها ,وبحسب المصادر فقد ضغطت الإدارة الأمريكية وحلفائها على الجانب المصري لإدخال شروط الرباعية ضمن الاتفاق والعمل على تحريم وتجريم المقاومة.

والحل الأمثل للوصول إلي اتفاق وطني شامل يضمن أن لا تتكرر أحداث غزة ,كما أوصت الورقة المصرية في مقدمتها فقط ووضعت لذلك ضمانات عملية ذاتيه وليست ضمانات دولية,أن نعود لنص الاتفاق الأخير ,والذي رفضت حماس التوقيع عليه بحجه عدد من التحفظات ,في مقابل إسراع فتح للتوقيع ولماذا؟.

اللجنة المكلفة تطوير منظمة التحرير (كإطار قيادي مؤقت) بنص الاتفاق ,لها من الصلاحيات في البت بالقضايا المصيرية ما لم يملكه حزب سياسي فلسطيني بكل ما تحمل الكلمة من معني ,وينص على"معالجة القضايا المصيرية في الشأن السياسي والوطني واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق" , مع العلم أنه تم حذف بند في الورقة الأولى ينص على "وتعتبر هذه المهام غير قابلة للتعطيل باعتبارها إجماعا وطنيا تم التوافق عليه",مما يعني أن الاتفاق يبلور رؤية جديدة وخطيرة جدا لتصفية القضية.

ولا يخفي على أحد أهمية الجزء الثاني من الاتفاق والذي أولى اهتماما كبيرا للانتخابات في عدد صفحاته, حتى هرول محمود عباس المنتهية ولايته دستوريا بإعلانها في 24/يناير/2010م ,مما أعطى انطباعا على المستوى السياسي أن الهدف من ذلك تعطيل المصالحة وتعجيل الانتخابات,لتحريك الناخب ووفق اعتقاد الكثيرين للتصويت بالترهب وأن الديمقراطية قد كشرت عن أنيابها .

فالحصار والدمار الذي وقع على قطاع تسيطر عليه حماس , في مقابل رخاء اقتصادي موعود من قبل نتياهوا (السلم الاقتصادي),قد يطال هذا الشبح الجميع بما فيها قوت أبناءكم ,فليس الكل مقاوم ومستعد للتضحية كما يتصورون.

وفي آلية عمل الأجهزة الأمنية ,يشكك الكثيرين في كفاءتها وانتمائها للشعب وقضاياه , خصوصا ما نشهده حاليا في الضفة يكفي للتدليل كم أن أمر الأجهزة الأمنية مرهون بيد جنرال أمريكي سعي جاهدا ونجح في صناعة (الفلسطيني الجديد), والحكومة المصرية بالتزامها بما وقعت عليه في إتفاق كامب ديفيد تشترك وسلطة رام الله باعتقال ومحاربة وتحريم وتجريم المقاومة وإنشاء أجهزة قادرة على حماية العدو .

وينص الاتفاق على " احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن","ويحظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر لكل جهاز",وأيضا" تجريم وتحريم استخدام السلاح لأسباب خارج المهمات الوظيفية وبعيداً عن اللوائح والأنظمة المنصوص عليها".

والتركيز هنا على قطاع غزة ,بزج " عدد (ثلاثة آلاف) عنصر من منتسبي الأجهزة الأمنية السابقة في الشرطة والأمن الوطني والدفاع المدني في الأجهزة القائمة في قطاع غزة بعد توقيع اتفاقية الوفاق الوطني مباشرة، على أن يزداد هذا العدد تدريجياً حتى إجراء الانتخابات التشريعية وفق آلية يتم التوافق عليها",وبديهيا من دون الضفة!!, لأن دايتون قد يسلم أوراقه بعد ما أنجز مهامه المنوط بها.

وكل ما تم الإعلان عنه له مرجعية واحدة ومحددة , ألا وهو محمود عباس ,فالسلطة المنتخبة لا ولن تملك من زمام الأمور شيء , والمنتهية ولايته بيده كل شيء؛ فذلك قانون الغاب!!.

ولعل النظام المصري كان معنيا بما يقوم به من تكريس وجود محمود عباس بعد تزكيته عربيا , ومن زاوية أخري تري الأنظمة العربية أن استقلالية القرار الفلسطيني الهدف الأول بعد المحافظة على استمرارها للأبد في الحكم,وذلك لزيادة تعبة القرار الفلسطيني لسياسة الأنظمة العربية المجاورة وخصوصا المطبعة ,فالأنظمة العربية سعت بعد التطورات التي تلت اتفاقية كامبد ديفيد إلي فك ارتباطها بالقضية الفلسطينية بحجة استقلالية القرار الفلسطيني ,فتلك خطيئة من خطايا الأنظمة العربية أن تدعم محمود عباس وحاشيته بهذا الشكل وتجعله مرجعية عليا لكل المفاصل المهمة؛وأيضا جاء نص الاتفاق بتحديد صاحب مقولة "السلام خيار استراتيجي" المرجعية العليا ,لأجل تقويض وإضعاف الحركات الإسلامية.

وليست تلك نتيجة بل هذا واقع ,ويتم تصدير مقوماتها –الهيمنة على كل شيء - لأي شخص لديه القدرة على صنع سلام مع الإسرائيليين ,ومن تلك المقومات والتي برع فيها حكام العرب تمسكهم بجهاز المخابرات العامة لتكون بحسب الاتفاق" المخابرات العامة هي هيئة أمنية نظامية مستقلة تتبع الرئيس الفلسطيني",ولا يقتصر الأمر ضمن حدود ما يراه المتفقون البعيدين عن رؤية المفاوضات والتعاون المشترك ,بل هناك إمكانية لعودة التنسيق الأمني بين غزة والاحتلال ,أي" التعاون المشترك مع أجهزة الدول الصديقة المشابهة لمكافحة آية أعمال تهدد السلم والأمن المشترك، أو أي مجالات الأمن الداخلي، شريطة المعاملة بالمثل",بنص الوثيقة.

وفي نهاية الشوط الطويل لإتمام الوثيقة ,مصر الشقيقة تدعم وترعي نشر ثقافة التسامح والمحبة والمصالحة والشراكة السياسية ؛ وذلك ينص عليه في ظل تغييب أي نص أو ذكر للاحتلال والأرض المسلوبة أو الحصار وشحذ همم الطرفين للمقاومة أو قطاع غزة المدمر وآليات إعادة بناءه عربيا ودوليا !!.

ولكي تمر وثيقة الوفاق بسلام ودون تردد أو مضض إن تم التوافق عليها ,ولإغلاق الملف نهائيا ,يجب أن تغير السلطة من سلوكها فعليا في الضفة تجاه المعتقلين السياسيين والعدول عن قرارات إغلاق المؤسسات الاجتماعية,لكن سلوك أجهزة الأمن القمعية هناك لا يبشر بخير أبدا.

إذن هو اتفاق بين من لا يملك الشرعية ومن لا يستحق الأرض-والذي يستحقها هم أهلها الأصليون-,والباحث عن شريك سلام ,وحياته كلها مفاوضات ,نتوقع منه المزيد من مسلسل التنازلات - مفاوضات دون شرط - والرضي بالتوصيات والمقترحات التي تفرضها الدول الحاضنة للوجود الصهيوني على أرض فلسطين.

والإدارة الأمريكية المتراجعة عن مواقفها ووعودها , والغير قادرة على وقف بناء البؤر الاستيطانية , يبرهن بأن الضغط سيتوجه ليلقي بثقله على كواهل الفلسطينيين لدفعهم لاستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة ,ولدفع العرب باتجاهين,الأول التطبيع , والثاني تقوية مواقف أبو مازن السياسية عربيا ودعمه ,ومضمون زيارات هيلاري كلينتون الأخيرة للدول العربية تثبت ذلك .

والرخاء السياسي المصطنع وهدوء الأعصاب ,ليس إلا طبخ سياسي للوصول للمراد (الانتخابات) لعملية تزوير واسعة النطاق لإرادة الشعب,أي الطرق الديمقراطية اللعينة لإقصاء حماس والقوي الإسلامية على الساحة ,وخصوصا أن حماس لن تشارك فيها وستمنع التصويت والفعاليات في غزة ,مما يمهد الطريق أمامهم لإدانتها وتشديد الحصار والخناق على قطاع غزة وأنها حركة غير ديمقراطية بل (إمارة ظلامية),ويجب محاربتها بكل الوسائل.

وبالتالي تكون إسرائيل قد تهربت من تقرير غولدستون وما سيشابهه مستقبلا إن حدثت أي حرب قذرة على الشعب الفلسطيني ,ويدعمها في تلك المواقف أركان سلطة رام الله الذين يعبرون عن استغرابهم من التقرير ,وكأنه لا ينتغي وصوله لمحكمة الجنايات الدولية, والدليل أن نمر حماد مستشار محمود عباس قال"بمجرد اعتماد التقرير بمجلس حقوق الإنسان سيتم مباشرة إرسال أفراد من الشرطة لاعتقال مجرمي الحرب؟!، أو الحديث بأن التقرير سينقل مباشرة للمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة من ارتكبوا الجرائم بحق الشعب الفلسطيني!!".

نخلص بالقول أن الوثيقة هي عبارة عن التزامات جديدة تجاه المحتل , وتنازلات مضافة إلي قائمة الانهيارات السابقة؛فتجريم وتحريم المقاومة هو هدف وطني ,ونزع كل الصلاحيات من القادة الشرعيين والمنتخبين لصالح محمود عباس وبأمر من الإدارة الأمريكية قمة العمل الوطني المشترك!!؛وذلك يذكرنا بعهد بوش الابن وما قامت به إدارته من سحب لصلاحيات ياسر عرفات لصالح رئيس الوزراء المفروض على الفلسطينيين وقتها محمود عباس .

ونجد أنه لا حديث عن الاحتلال والحصار والدمار الذي لحق بقطاع غزة ,ولا حتى الحث باتجاه الفعل المقاوم المشروع ضد الاحتلال ,للتذرع في النهاية بمقولة (السلاح الواحد) كما صرح نمر حماد !!.

والسلوك السياسي يقول أن الاتفاقيات السرية والتصفوية للقضية ماضية ما بين الحلفاء ؛وعلى حماس أن تجد بدائل أخري تتناسب وطبيعة المرحلة مع التمسك بالثوابت والحقوق وحق تقرير المصير ,وعليها أن تجدد من سلوكها الفكري والسياسي بأداء أحسن .

Ramy.politician@gmail.com
Ramy.political@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: