زهير الخويلدي
" إن الظن متى لم يظهر له معاند فكأنه عند معتقده يقين" أبو نصر الفارابي
يستحيل على المرء أن يخرج من عصره إلا متوحدا متأملا ويتعذر عليه الابتعاد عن مجتمعه والانعزال إلا مهاجرا مغتربا ويتعذر عليه التخلع من زمانية وجوده إلا سائرا نحو المجهول وتائها في دروب لا تؤدي إلى أي مقصد ولكن يستحيل عليه أيضا البقاء على حاله والاستمرار إلى ما لانهاية له في المعاودة والتأبد والتكرار لاسيما وأن دوام الحال من الحال وأن التطور سنة الحياة والتاريخ يجري الى مستقر له ونظرا لأن الأيام تتداول بين الناس والحياة نفسها هي سيلان لنهر عظيم لا يسبح فيه المرء مرتين بل يعرف الصيرورة ويكون في تدفق مستمر وفي كل مطلع شمس يولد نهار جديد.
من هذا المنطلق يبحث الكائن الآدمي عن سبل للخروج من وضعه وطرق لتنمية شخصيته ما استطاع إلى ذلك سبيلا ويستعين في ذلك بجهود من سبقوه دون وصاية ولا ركون للحلول الجاهزة أو المستنسخة من واقع آخر ودون أن يطلب المساعدة من غيره مفضلا الحركة على السكون والنشاط على الفراغ متقلبا بين النظر والعمل وبين الأخلاق والفن وبين الثقافة والسياسة ومقتربا من الجسارة والإقدام على العطالة والاحتباس ومتبعا المسلكية الوجودية التالية:
- دراسة الواقع المحيط به دراسة شاملة ومستفيضة وهو ما يمكنه من العثور على شبكة كاملة من العادات والتقاليد والمعتقدات في الحياة الاجتماعية والتي غلبت عليها روح المغالطة والتقليد والظن مما جعلها تقلص مساحة الوعي وتقيد السلوك وتنمط التفكير.
- يتساءل المرء عن الأسباب التي حولت هذه الشبكة من الآراء والظنون وهذا النسيج من الأفكار المشتركة والاعتقادات الراسخة إلى عائق يمنع الحراك ويقف حجر عثرة أمام الإقبال على الوجود واستنشاق مهجة الحياة ويستخلص أن المسايرة والإتباع والرضا بالتطابق والاستسلام للعقل الهووي هي من العوامل المنتجة للامتثالية المقيتة وتعميم غريزة القطيع الاجترارية.
- يشرع المر في البحث عن شروط مغايرة للحياة وفي خلق إمكانيات أرحب للوجود تساعده على خوض تجارب تفكيرية مبتكرة وسن قيم عملية نافعة وتفتح عينيه على أهمية المطالبة بالحرية وترشده إلى مدى حاجته إلى نور العقل ومدنية الإطار الاجتماعي.
فكيف يكون التفكير في المنشود هو تجاوز مرتبة اليومي وارتقاء إلى درجة التفلسف؟ والى مدى يستطيع التفلسف الأصيل القطع مع الظن واستثمار اليومي في بناء رؤية ثورية للعالم تعيد وضع الإنسان بالقرب من نفسه؟ فأين هو الوعي الفلسفي الثاقب الذي يجعل الناس يبصرون الظنون ويحاربون الاعتقاد في اللايقين؟ ألا يتطلب الأمر ظهور المعاند الذي يحول وجهة الحشود من الاعتقاد في اليقين إلى اكتشاف الظنون وتخطيها؟ فهل أن الآراء هي التي تصنع رؤى الناس أم أن رؤى الناس هي التي تصنع الآراء؟ ولكن إذا كان كل معاند له رأي أليس قوله هذا هو مجرد رأي له لا يحق له أن يلزم به غيره؟ أليس من الأجدر لنا جميعا عوض اللف والدوران حول أنفسنا أن نفكر في المابعد وأن نتوجه اليه على التو؟
كاتب فلسفي
الاثنين، نوفمبر 02، 2009
الذهاب إلى المابعد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق