محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com
الديبلوماسية العربية تمثل مأزق مثلها في ذلك مثل كافة الأنظمة العربيةالإستبدادية المأزومة , لأن الأنظمة المأزومة حتماً تنتج ديبلوماسية مأزومة تعبر عن رأي النظام الحاكم فقط , والأنظمة العربية ليست لها رؤية واضحة في التعامل مع أزمة الشعب الفلسطيني المأزوم في غزة , لأن هذه الأنظمة تاجرت بالقضية الفلسطينية وهي من صنعت هذه الأزمة , فكيف لم صنع الأزمة واقتات منها ومازال يقتات أن يساعد في حلها , ولايمكن لهذه الديبلوماسية أن يكون لها أي أثر فعال في شأن إيقاف العدوان الإسرائيلي المجرم علي شعب غزة والذي أصبح وأمسي رهين محبس تنظيم حماس برؤيته الدينية الجهادية الحنبلية , وفي ذات الوقت رهين محبس تنظيم إسرائيل اليميني بأجنحته الدينية المتطرفة والإرهابية التي تقتات بأوراق التلمود والتوراة والمفاهيم الدينية التي تحرض علي العنف وتجعله مقدساً , إلا أن الفارق بين تنظيم حماس ومفهومه المقدس للعنف يجد مظلة من الشرعية الدينية حال كون هذا التنظيم الديني يعيش علي أرض محتلة , وبالتالي يصبح من حقه أن يتخذ من المقاومة سبلاً عديدة لتحقيق مآرب الإستقلال , وبالطبع فإن الدولة العبرية دولة إحتلال يتوجب مقاومتها حسب الشرعية الدولية وماتضمنته من إتفاقيات وعهود ومواثيق دولية تعطي الحق للشعوب المحتلة في النضال لكي تنال الإستقلال وتتحرر من ربقة ومذلة الإستعمار, مع إحتفاظ الإسرائيليين بذات مفاهيم العنف الديني .
ومع الفارق العسكري في موازيين القوي بين الدول العربية وبين إسرائيل , وكذلك الفارق الحضاري بما يحتويه من عوامل ثقافية وتكنولوجيا , وأساليب الحياة السياسية القائمة أعمدتها علي الديمقراطية والحرية السياسية وتداول الحكم والسلطة في إسرائيل , تبقي إسرائيل متفردة نوعياً علي الدول العربية في هذه المسألة الخطيرة التي تبني عليها مفاهيم التقدم والتنمية وأسباب القوة الإجتماعية التي تقرر للسلطة السياسية , والتي ينحصر دورها في تنفيذ القرارات الصادرة من القوة الإجتماعية للدولة الإسرائيلية.
الديبلوماسية العربية تفتقد إلي الحرية في أخذ المبادرة الديبلوماسية حال كونها دائماً تأتي ديبلوماسية محمولة علي عكازين , لأن أطرافها الطبيعية مبتورة بإرادة أنظمتها الحاكمة , ومركب لها أطراف صناعية تتحرك بإحداها بطرف الطغيان , والطرف الآخر طرف الإستبداد , ومن ثم كيف يكون لحامل رؤية الطغيان والإستبداد رأي ؟!!
سمات الديبلوماسية العربية أنها تفتقد لعلم التفاوض السياسي والإجتماعي , بإعتباره علم وفن , تغيب مناهجه عن عقلية الديبلوماسية العربية , لأن العقل في الأساس يكاد يكون غائب عن التفاوض جملة وتفصيلاً , ولأن العربي تعلم دائماً أن مالا يؤخذ كله يترك كله !!
أي ديبلوماسية تقوم علي تعزيز سلطة نظام حاكم دون النظر للواقع الذي يحكم مسألة التفاوض بأبعاده التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية , تكون مصيرها الفشل التام , فإذا كانت الأنظمة هي صاحبة الصوت في المفاوضات وأخذ القرارات , فإن الديبلوماسية العربية هي الصدي لهذا الصوت , ذلك الصوت وصداه اللذين يمثلان الإنتصار للإيديولوجية السياسية ومحاولة تعميقها في أرض الواقع الذي أصبح متخاصماً مع الإيديولوجيات , وكارهاً لها , بل وبالفعل لابد وأن تبني الديبلوماسية علي البراجماتية النفعية , وأن تبحث عن أسباب الحصول علي المصلحة سواء كانت آنية , أو مؤجلة , ولكن الإيديولوجيات لفاسدة تفسد الديبلوماسية لأنها تنتصر فقط لذاتها , ولاتنتصر للمصلحة .
وفي حالة الديبلوماسية العربية وبإسقاطها علي أزمة الشعب الفلسطيني في غزة , ماذا يمكن أن تقدم لشعب غزة المراقة دماؤه في مجزرة صنعها الجيش الإسرائيلي له , وقتل وذبح وشرد , وأذل , وأهان , ودمر البنية التحتية المنهارة أصلاً في غزة ليعود بها إلي ماقبل السياسة .
أزمة الديبلوماسية العربية أنها تقوم علي ولاءات خارج النطاق العربي / العربي , ومصالح متخاصمة ومتضادة مع المصالح العربية / العربية , فالأزمة كائنة في الأساس بين أصحاب الشأن الفلسطيني / الفلسطيني , ومن ثم توزعت الولاءات بين فتح , وحماس , فمن الدول العربية من يرغب في أزالة حركة حماس من الوجود الفلسطيني , والعودة بالسلطة الفلسطينية ممثلة في حركة فتح ولو كان ذلك علي ظهر دبابة إسرائيلية , ولو كان الأمر متعلقاً بإبادة شعب غزة المقهور بقرارات حركة حماس , وبطغيان الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة .
فماذا يمكن أن ننتظر من الديبلوماسية المصرية والأردنية وهما دولتان تربطهما بالدولة العبرية إتفاقيات سلام , وبالذات خطورة الأمر ومرارته في حلق الديبلوماسية المصرية بما يخص الشأن الفلسطيني , حال كون حركة حماس تمثل الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين , وجماعة الإخوان المسلمين في مصر تعتبر ورقة يلوح بها النظام المصري في وجه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي , علي زعم منه أنها البديل في الحكم في حالة تفعيل الديمقراطية والحريات الفردية والإجتماعية وتفعيل حقوق الإنسان , وينظر إلي جماعة الإخوان المسلمين في مصر علي أساس أنها جماعة محظورة , فكيف إذاً للنظام المصري أن يتعامل مع حماس , وفي حالة تعامله مع حركة حماس في اي مفاوضات بين الفصائل الفلسطينية , لايتم التعامل معها سياسياً , ولكن عبر أجهزة المخابرات , والوزير عمر سليمان هو صاحب هذا الملف الذي يخص غزة تحديداً , وهناك مسألة أخري, مسألة فتح معبر رفح للفلسطينين , ذلك المعبر المشروط بالرباعية الدولية , والذي لايوجد من دول الرباعية الدولية غير مصر فقط , وحسب نظرة النظام المصري فإن حماس حكومة مقالة من جانب السلطة الرسمية التي يترأسها محمود عباس , بل وهناك خطورة في الأمر تتعلق بإتفاقية كامب ديفيد والتي تجعل الأرض المصرية خالية من الجيش المصري , وأعداد الجنود فيها لايتجاوز 750 جندي من الأمن المركزي , ففي حالة عبور شعب غزة للمعبر تجاه مصر فسيكون العبور بالالآف ومعهم أسلحتهم , مما يشكل أزمة للنظام المصري في حفظ الأمن داخل الحدود المصرية , وكذلك أزمة مع إسرائيل والدول الحليفة لها !!
ومن هنا كان دور مصر مخزي علي المستوي الشعبي / الجماهيري , الذي يفكر بمنطق العاطفة .
والأردن لايمكن لها أن تُحدث أي خروقات لمعاهدة وادي عربة , والمبرمة بينها وبين إسرائيل , وكذلك النظام السوري الذي يراهن علي إحراج النظام المصري حال سعي النظام السوري لإبرام محادثات مباشرة بينه وبين الدولة العبرية , والتي ستصل إلي سلام دافيئ مع إسرائيل تكون الجولان ليست فقط من نصيب حضن سوريا بعد فراق طويل , ولكن بحثاً عن دور شرق أوسطي كبير لسوريا عبر هذا السلام الدافئ مع بعض التسويات السياسية مع إيران , وتركيا والإتحاد الأوروبي وأمريكا وإسرائيل ,لتجميد دور حماس في غزة , ودور حزب الله في لبنان .
ويأتي دور باقي الدول العربية التي تجمعها بإسرائيل حالات تطبيع علي أعلي المستويات , لدرجة أن إحدي الدول العربية الكبري ذات الوزن في المنطقة توجد بينها وبين الدولة العبرية مفاوضات سرية , يتم تسريبها من آن للآخر منعاً للصدمة الشعبية / الجماهيرية في البلاد العربية .
الديبلوماسية العربية لايمكن لها أن تحقق نصراً أياً كان هذا النصر , وليس لديها المقدرة أن تحرز سلاماً مشروطاً بأي شروط , لأن الأنظمة العربية التي تمثلها هذه الديبلوماسية غير قادرة علي خوض معركة ضد إسرائيل تحقق من خلال خوضها النصر , وفي ذات الوقت غير قادرة أدبياً , أو علي المستوي الأخلاقي بالمفهوم السياسي أن تحقق سلاماً مع إسرائيل , وأزمة غزة تقع بين حد العجز عن تحقيق النصر , وبين حد عدم القدرة عن إبرام إتفاقيات سلام , ومن هنا تتأتي أزمة الديبلوماسية العربية التي تعتبر الصدي لصوت أنظمة الطغيان والإستبداد العربية , التي تخاطب الشعوب والجماهير وتسعي دائماً لتغييب العقول العربية بإدارة صراعات متوهمة في الماضي , في حالات متتالية من مداراة خيبات الحاضر .
ولايمكن لديبلوماسية عربية تغيب عن أنظمة دولها الديمقراطية والحريات الفردية والإجتماعية وحقوق الإنسان أن تنتج حلولاً لأي أزمة من أي نوع , ولايمكن للدولة المركزية التي هي شعار ومنهج للدول العربية إلا أن تحيل الدول لأشكال بدائية تمثل مراحل ماقبل الدولة ,أوما قبل السياسة , بل وتمثل روح القبيلة , الذي هو بمثابة رأس النظام الذي لايعلو صوت علي صوته , ولا يجوز لرأي أن يسبق رأيه , ومن ثم ستبقي أزمة غزة قائمة بلا حل , إلي أن تعود غزة لمصر , والضفة للأردن , وتضيع القضية الفلسطينية , إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً !!
فهل تقدر الديبلوماسية العربية علي إقناع حماس بوقف إطلاق صواريخ القسام علي الأراضي المحتلة في إسرائيل ؟
وهل يمكن أن يكون لهذه الديبلوماسية بأطرافها الصناعية أن تضغط علي إسرائيل لوقف هذا العدوان والوصول إلي هدنة دائمة ؟
أم أن الديبلوماسية العربية ستظل تخوض غمار المعركة الصوتية شأنها شأن الجماهير التي لاتملك إلا الصراخ والعويل , حتي تكون إسرائيل قد إنتهت من الهجوم البري , وحققت أهدافها من هذا العدوان , بسبب صواريخ القسام ونهج حماس , والتخاذل العربي ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق