سعيد علم الدين
قلوبنا متعلقة في هذه الساعات الحزينة مع أهلنا في غزة المنكوبة. اللحظات تمر كئيبة علينا كما هي ثقيلة عليهم. متمنين لهم وفي أسرع وقت ممكن الخلاص من هذه المأساة الجديدة التي يعانونها:
قصفا مستمرا وقتلا ودماراً، ظلاما بسبب انقطاع الكهرباء وحصاراً، جوعا وعطشا وحالات انسانية خطيرة اخرى يكابدونها كفقدان دواء وما شابه ذلك تدعو للقلق العميق.
نشكر الكبيرة مصر التي هبت تقوم بواجبها العربي والإنساني تجاه الجرحى على أكمل وجه وبشهادة ابن شقيق اسماعيل هنية، الذي يعالج في أحد مستشفياتها. والذي قال "المصريون أفضل من تعاملت معهم علي وجه الأرض ولا تصدقوا ما تسمعونه ووجه الشكر لكل المصريين حكومة وشعباً علي الرعاية الكريمة التي يحظي بها الفلسطينيون".
هذا ورغم ما تتعرض له مصر من تجريح وحقد وتهجم من جماعات المحور الإيراني السوري وعلى رأسهم نصرالله وأسياده في طهران.
ولكن الكبير يبقى كبيرا، ولا يلتفت الى صغائر الصغار.
كملك السعودية الكبير الذي أطلق حملة تبرعات شعبية عاجلة في عموم مناطق المملكة للمساهمة في مساعدة غزة. وكان قد أمر بتأمين المستلزمات الطبية والأدوية وشحنها إلى قطاع غزة، إضافة إلى تأمين طائرات الإخلاء الطبي لنقل ما يمكن من المصابين والجرحى من الفلسطينيين من العريش في مصر إلى المملكة.
وفي الوقت الذي تعمل دول الاعتدال العربي بصمت على المساعدة وتضميد جراح اهل غزة، نرى من الجانب الاخر جماعة المحور الإيراني في حالة من الهلع والهستيريا والصراخ مليئة بالثرثرة والشتائم على مصر والسعودية.
فمثلا انتقد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي اليوم الجمعة 09.01.02، مواقف بعض الدول العربية التي قال إنها "تواكب إسرائيل ولا تدافع عن الفلسطينيين".
وماذا ينتظر هو وصواريخه البعيدة المدى وأذنابه لمساعدة الفلسطينيين والدفاع عنهم؟ هل هي للاستعراض التلفزيوني فقط؟
أليس هذا قمة النفاق بعينه؟ اليست حماس حليفتهم والمدعومة منهم؟ هو يطلب من الدول الأخرى الدخول في الحرب، وكأن الحرب نزهة، في الوقت الذي هو ومحوره من يهددون ويتوعدون ويريدون تحرير القدس ويختلقون الحروب. منذ أيام تحدث نعيم قاسم عن تحرير كامل فلسطين. فليتفضل وهو الذي يملك عشرات الآلاف من الصواريخ الطازجة.
الملالي هنا لا يهمهم دماء اهل غزة وجراحهم النازفة، بقدر ما يهمهم ان يعلنوا نصرا الهيا على شاكلة نصرهم في لبنان الذي قتل 1500 لبناني ودمر البلد، في الوقت الذي كانوا يتفرجون على احتراق لبنان مع بشار من البعيد.
نطالب بأن يتوقف اطلاق النار فورا، ونهائيا ويعم السلام ارض فلسطين المثخنة بالجراح. لكي تنهض الدولة الفلسطينية الديمقراطية المعتدلة بعاصمتها القدس وحدود 67، معبرة عن طموحات هذا الشعب الأبي وتطلعاته المشروعة في الحرية والكرامة الوطنية والاستقلال.
والدولة الفلسطينية اليوم هي حاجة اسرائيلية ماسة، بقدر ما هي حاجة فلسطينية وعربية ودولية ماسة ايضا.
وإلا كيف ستعيش اسرائيل في منطقتنا العربية على المدى البعيد بسلام!
وإلا كيف سيتوقف البعض من الكسب البخس الرخيص متاجرة بدماء الأبرياء وبهذه القضية المربحة لهم ولأنانياتهم والمكلفة جدا لشعوب المنطقة جمعاء، كما يتكسب حزب الله وحماس وغيرهم!
نحمل هنا المسؤولية لإسرائيل، لأنه بيديها مفاتيح السلام، ونحمل المسؤولية أيضا وبالقدر نفسه لمن يعمل على عرقلة السلام من دول المحور الإيراني السوري وأذنابهم المطيعة والذليلة من لبنانيين وفلسطينيين، لأنه بيديهم مفاتيح إثارة المشاكل والفوضى والإرهاب واستدراج إسرائيل للحروب والخراب، كما يحدث الآن في غزة وكما حدث في تموز 06 في لبنان.
وتأملوا تناقض هذا المحور الإيراني السوري الغريب العجيب:
ففي حرب تموز وعندما كانت إسرائيل تدمر لبنان، كانت هناك اتصالات سرية ومفاوضات بين النظام السوري والإسرائيليين. وبرعاية رئيسة الجمهورية السويسرية، كما ذكرت لاحقا. وشاهدنا بعد ذلك المبعوث السوري سليمان في البرلمان الإسرائيلي. أي تلك المفاوضات كانت نشطة بينما الدم اللبناني يراق على الطرقات. تلك المفاوضات كانت الأساس للمفاوضات التي دخلت فيها تركيا على الخط. أي أن نظام الممانعة السوري استغل دماء 1500 ضحية لبنانية وتدمير البلد بواسطة ذنبه نصرالله، لكي يؤسس لمفاوضات مع الدولة العبرية. وما ان استطاعت حكومة السنيورة بجهودها الدبلوماسية الجبارة إيقاف الحرب، حتى كان بشار الأسد أول القافزين كالقرود على الميكروفون ليعلن النصر على إسرائيل وتوظيفه سياسيا. وتبعه قرد نظام الملالي الآخر نجاد. حدث ذلك قبل أن يعلن نصر الله خطاب النصر ويهديه إلى الضباط الأربعة ووقف اقرار المحكمة الدولية. وهذا ما حدث بالضبط بعد حرب تموز من حرب تخوينية شرسة وعمليات خطف واغتيالات بشعة وفتن واشاعات واعتداءات ضد قوى 14 اذار والحكومة والدولة والشرعية والبرلمان والدستور، لإصرارهم على اقرار المحكمة الدولية. شارك فيها بكل حماس وسرور المهووس بكرسي الرئاسة ميشال عون المغرور، والذي صفعته أحداث غزة على وجهه، فلبد مقللا من ثرثراته التافهة، ومنزويا في رابيته مع صهره منتظرا وقف اطلاق النار، كما حدث في حرب تموز، لكي يقفز مع القرود القافزين على الميكرفونات ويعلن النصر الذي تدفع ثمنه الآن الأم الفلسطينية الباكية.
فهذه المأساة الغزية الحالية زجهم بها عن سابق صور وتصميم وتخطيط أهل ثقافة الموت والعناد والمغامرة والانتحار، أي إيران التي مولت وسلحت وحمست حماس على رفض التهدئة، والانقلاب قبل ذلك برعونة على الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية، ومواجهة العالم أجمع، وحرضتها على الفتك بطريقة بشعة بمناضلي حركة فتح والقوى الفلسطينية الأخرى، مسيطرة من خلال قوة المال الإيراني الطاهر على غزة.
حتى أن اسرائيل وكل مهارة مخابراتها لم تستطع شق الصف الفلسطيني كما استطاعت ايران بأموالها النظيفة.
وعندما وقعت الواقعة ترك احمدي نجاد حليفه اسماعيل هنية يتلقى الضربات الاسرائيلية بلا ظهر يستند عليه، موعزا لأبواقه النشاز بالهجوم على مصر، وتحميلها مسؤولية سياسات محورهم الإيراني السوري العاجز.
فمثلا بوق ايران في لبنان حسن نصر الله يدعو الى انقلاب في مصر والاردن وكل دول الاعتدال العربي. حتى ولو أخذناه على قد عقله وقامت انقلابات كما يحلم نصرالله فما الذي سيحصل؟
وبعد هزيمة 48 وقعت انقلابات عسكرية في مصر وسوريا والعراق وليبيا وغيرها. وماذا كانت النتيجة؟ ضياع ودول مخابرات ودكتاتوريات عاجزة وهزائم وتعقيدات ومآس جديدة.
أي ان ما يدعو اليه نصر الله لن يؤدي الى تحرير فلسطين بقدر ما سيؤدي الى تدمير الدول العربية. كما دمرنا العراق واستطاعت ايران بسهوله اختراقه بمخابراتها والهيمنة عليه.
أي ان ما دعا اليه نصر الله هو خراب العالم العربي ليقع بيد ايران.
وفي الوقت الذي كانت تنهار فيه جراء القصف مقرات ومراكز وبنايات حكومة هنية الواحدة بعد الأخرى، أطل علينا رئيس نظرية محو اسرائيل عن الخارطة أحمدي نجاد زاهدا من مدينة زاهدان الإيرانية ليؤكد "إن انهيار إسرائيل أمر محتوم". كيف لا وخفة عقله وتأثير الصور التلفزيونية على دماغه الصغير جعلته يربط اوتماتيكيا ومن دون تفكير بين انهيار البنايات في غزة بانهيار اسرائيل.
كلام نجاد هذا يذكر بمثل شعبي لبناني يقول " عيش يا كديش لينبت الحشيش".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق