الجمعة، فبراير 01، 2008

بين قرار (مَزّوز) وقرش (شَدْمي) ... سَجل أيها التاريخ



د. عدنان بكريه
بعد مرور واحد وخمسون عاما على مجزرة كفر قاسم والحكم على بطلها ( شدمي) بدفع غرامة تساوي قرشا تُكَرر المهزلة نفسها .....أو ما سجلها التاريخ باسم (مهزلة قرش شدمي )... ويقرر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية (ميني مزوز) تبرأة المسؤولين عن مقتل ثلاثة عشر شهيدا من أبنائنا فلسطينيي الداخل إثر هبة الأقصى عام 2000 عندما انتفض الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده دفاعا عن قدسية الأقصى بعدما وطأت قدمي (شارون) ارض الأقصى منتهكا حرمته وقداسته مستفزا مشاعر المسلمين والعرب.
إننا نرى بهذا القرار انتهاكا صارخا لحقوقنا وكرامتنا الوطنية وبصقة توجه لوجوهنا جميعا... وهنا من حقنا أن نسأل أنفسنا... هل سنقبل بان تتكرر مهزلة قرش شدمي ؟! ونحن الذين نتباهى بأننا تجاوزنا جيل المراهقة وبلغنا سن الرشد الذي يؤهلنا على رد الصاع صاعين لمن ينتهكون كرامة الانسان الفلسطيني في كل مكان وكل زمان .
إن تزامن هذا القرار مع الهجمة الشرسة على شعبنا في الضفة وغزة وعلى قيادة جماهيرنا الفلسطينية في الداخل وآخرها قرار مزوز نفسه بتقديم لائحة اتهام ضد الشيخ الجليل (رائد صلاح) بتهمة التحريض على العنف في باب المغاربة عندما وقف مدافعا عن الأقصى قبل عام .. يعطي أكثر من مدلول وفي مقدمتها
أن العقلية الصهيونية العنصرية لم ولن تتغير وتتبدل، بل إنها ازدادت غلوا في العداء لشعبنا وجماهيرنا في الداخل والخارج.. لا بل تجاوزت حدود أخلاقيات التعامل السياسي مع الأقلية الفلسطينية هنا.
لقد قلنا دائما إن دولة عاجزة عن إنصاف الأقلية هي دولة عنصرية ولا يمكنها أن تدعي الديمقراطية وتتبجح بها أمام العالم لتبييض صورتها القاتمة... لا يمكنها أن تحافظ على نمطها الديمقراطي المزيف والبروز أمام العالم بأنها واحة الديمقراطية !! لقد داس (ميني مزوز) الديمقراطية وحقوق الأقليات تحت قدميه بقراره هذا والذي إن عبر عن شيء انما يعبر عن العنصرية المستشرية داخل جهاز الحكم في إسرائيل من أعلى الهرم إلى القاعدة وحتى لو تبدلت وتغيرت القيادات .
لم نر في العالم المتحضر دولة تقتل مواطنيها لمجرد أنهم عبروا وبطرق سلمية عن غضبهم ودافعوا عن مقدساتهم وتضامنوا مع الأقصى.. إلا في إسرائيل التي تدعي التحضر والديمقراطية.. فأية ديمقراطية هذه التي تبرأ المجرم الحقيقي وتذنب الضحية ؟؟!! وأي تحضر هذا الذي يجعل من الجلاد ضحية ومن الضحية جلاد ؟
إن الرسالة الأخرى التي نفهمها من قرار مزوز مخاطبة العرب هنا بلغة الاستعلاء وإبلاغنا بأننا سنبقى عربا حتى لو صدر ألف قرار عن لجنة (أور) التي شكلت آنذاك للتحقيق في حيثيات المجزرة وألقت المسؤولية آنذاك على بعض أبطال المجزرة من الدرجة الثانية وبرأت أبطال المجزرة الحقيقيين (ايهود باراك) الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء (وشلومو بن عامي) وزير الشرطة آنذاك .. أي أنها أوجدت كبوش فداء لامتصاص نقمة المواطنين الفلسطينيين في الداخل .. واليوم يطل علينا المستشار القضائي ميني مزوز موجها صفعة لقرارات لجنة (أور ) ولكرامة الأقلية الفلسطينية معلنا طي ملفات مجرمي هبة الأقصى من ضباط شرطة ومسؤولين وزاريين من هنا علينا أن نفهم الرسالة الواضحة لهذا القرار الذي يشكل وصمة عار على جبين المؤسسة الحاكمة في إسرائيل .. رسالة مفادها أننا لسنا من الدرجة الثانية كما أسمونا بل تدرجنا نحو الأسفل حتى أصبحنا مواطنين من الدرجة العاشرة.
إن ما هو مطلوب عدم التعويل على لجان التحقيق الوهمية التي شكلتها حكومات إسرائيل في السابق أيضا كلجنة (كاهان ) التي شكلت بعيد مجزرة صبرا وشاتيلا .. فكيف للجلاد أن ينصب نفسه قاضيا في دولة تفتقر للعدالة والديمقراطية واحترام الأقليات؟؟!
إن ما هو مطلوب رفع القضية إلى أعلى المستويات القضائية العالمية وبأسرع وقت... لأننا لو مررنا مر الكرام على هذا القرار فلن تتورع الحكومة مستقبلا عن ارتكاب المزيد من عمليات القتل والتهويد والمصادرة وانتهاك كرامتنا وحتى تهجيرنا.. فهذا الهاجس يشغل مفكري الحركة الصهيونية منذ قيام الدولة .
أما الأمر الهام إن أبطال مجزرة هبة الأقصى (كايهود براك) نجح كرئيس للحكومة بالأصوات العربية ونجح كرئيس لحزب العمل قبل أشهر بالأصوات العربية كذالك !! فهل سنتعلم الدرس اليوم ؟ أم أننا بحاجة لمزيد من الشهداء كي نعي من نحن وكيف تنظر إلينا المؤسسة الحاكمة ؟! هل نحن بحاجة لدروس ولمجازر أخرى كي نعود إلى رشدنا ونرفض رفضا باتا زعانف الأحزاب الصهيونية التي تطل علينا قبيل الانتخابات ناثرة الوعودات بالمساواة ... وسرعان ما تتطاير هذه الوعودات بعد إقفال صناديق الاقتراع .
إلى متى سنبقى بسطاء نثق بأحزاب تنتهك كرامتنا وكرامة شعبنا كل يوم ؟ أنا لا أعمم لكن الحقيقة المرة أن عددا لا بأس به من أبناء شعبنا في الداخل ينتشي من وعودات الأحزاب الصهيونية ويفضل السيء على الاسوء .. وبهذه الطريقة استطاعت بعض الأحزاب الصهيونية الديماغوغية أن تحصد عشرات آلاف الأصوات من المواطنين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني مستغلة أوضاعهم الاقتصادية السيئة واعدة إياهم بتحسين ظروفهم المعيشية بعد الانتخابات ! هذه هي الحقيقة المرّة التي يجب أن نعترف بها .
علينا أن نصحو من غيبوبتنا ونعي بأننا نتعامل مع عدو شرس لا يريدنا مواطنين في الدولة واكبر برهان على هذا قرار المستشار القضائي للحكومة( ميني مزوز) الأخير .
غرامة القرش التي فرضت على مرتكب مجزرة كفر قاسم عام 56 وسجلها التاريخ باسم (مهزلة قرش شدمي) ما زالت ماثلة في الذاكرة الجماعية لشعبنا ... لكنها تحولت الى ذكرى مؤلمة ... فهل سيتحول شهداء هبة الأقصى الذين لم تجف دماءهم بعد وما زالوا أحياءا في الوجدان الفلسطيني إلى ذكرى عابرة في التاريخ الفلسطيني ؟؟؟ هل سنواجه مهازل أخرى ؟
الدكتور عدنان بكريه / فلسطين / الجليل

ليست هناك تعليقات: