سعيد الشيخ
لم يأمرنا ديننا الحنيف التجرد من انسانيتنا عند الاختلاف مع الاخرين، خاصة عندما يكون هؤلاء اموات. بل اجاز لنا الترحم عليهم وعدم الشماتة بهم.
وعليه فانني اعترف بانني مصدوم ومرتعب مما قرأته في مقال محمد اسعد بيوض التميمي الكاتب والباحث الاسلامي في موقع "الحقيقة الدولية" الاردني والذي تناول فيه سيرة المرحوم الدكتور جورج حبش بكثير من التجني والكذب والجهل بالتاريخ.
فالدكتور حبش غني عن التعريف ويعرف جميع الذين عاصروه بأنه قامة نضالية في تاريخ ثورتنا المعاصرة. ويشهد له بالمواقف المبدأية الذين اختلفوا معه قبل الذين ايدوه وناصروه وانخرطوا معه في تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . وهو الفصيل الفلسطيني المنبثق عن حركة القوميين العرب، وهذا التنظيم وللامانة التاريخية ظل اكثر امانة على تطلعات واحلام شعبنا في التحرير والعودة. حيث وفي زحمة المؤامرات والمشاريع التصفوية كانت الانظار تتجه صوب حكيم الثورة - وهوالاسم الذي اطلقه المرحوم ياسر عرفات على الدكتور حبش- لتلقي ما سيعلنه من مواقف تحدد مسار المقاومة وتمنع الانزلاق في وحل المشاريع التصفوية وتعيد البوصلة باتجاه فلسطين، كل فلسطين. وهوالقائل "لا سلام مع الاحتلال، ولا تعايش مع الصهيونية".
اما ان يكون الدكتور حبش قد ولد لعائلة فلسطينية أرثوذكسية حيث يعيب التميمي عليه ذلك، فهذا لن يمنعه ان يكون مناضلا قوميا بل ورائدا يدعو الى وحدة الامة في مشروع قومي يحفظ لهذه الامة تحررها وكرامتها واستقلالها. وهو على هذه الطريق قد افنى سنوات عمره ولم يؤخذ عليه سيئة واحدة في حين كان الكثير من القيادات الفلسطينية يغرق في قضايا الفساد ومنهم من حوّل الثورة الى مشاريع ربحوية تعود الى الذات والى العشيرة والى المحسوبيات.
لكن الرجل المؤمن بخيارات شعبه وامته ظل نائيا عن هذا السقوط.. ظل قلبه يتسع لكل هموم الوطن، ولم يسجل احد ممن كان مقربا منه ان له حياة خاصة . فحياة الحكيم كانت كفاح دائم وشعلة متقدة تنير طريق الحرية والتحرر. وعندما يتعب القلب الكبير يقدم الحكيم استقالته من الامانة العامة للجبهة الشعبية مفسحا الطريق للقيادات الشابة في الجبهة ان تتابع المسيرة وتكمل مشواره الطويل . وهذه سابقة صحية في حياتنا العربية حيث لم يشهدها اي اطار سياسي او سلطوي على طول وعرض الخريطة العربية.
نعم يموت الحكيم .. ويحزن عليه الوطن كل الوطن، حتى المخيمات والشتات. وهذا ما هو الا من بديهيات الوفاء والاخلاص لدى شعبنا تجاه مناضليه وشهدائه. وهذا ما ينكره التميمي حيث يذكر في مقاله ان الشعب الفلسطيني لم يقم مجالس العزاء للفيقيد وهو بذلك اي التميمي يريد ان يفصّل شعبا حسب اهوائه. والادهى من ذلك يعيب على حركة حماس ان تصدر بيان نعي بالفقيد ويطالبها بالتراجع عنه... وكأن هذا التميمي يريد بنا أمة بلا عواطف ولا مشاعر..امة ماتت فيها الانسانية .
اذا الاناء ينضح بما فيه ، فأن مقال محمد التميمي لا ينضح الا بالجحود. وامامه كأنني امام مخلوق قد شق من حائط وعليه تنطبق كل صفات التحجر.
ويبقى السؤال الصارخ: لمصلحة من يتم تشويه حقبة تاريخية من النضال ضد الرجعية والصهيونية والامبريالية. هذه الحقبة التي مثلها المناضل جورج حبش بأجلى صورها البليغة؟.
سعيد الشيخ/ كاتب فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق