الاثنين، نوفمبر 30، 2009

احذروا تصريحات هذا الشيطان الماكر

محمد داود

هو أفيغدور ليبرمان؛ والمشهور بتصريحاته العنصرية الإجرامية والتهجم على العرب والفلسطينيين على وجه التحديد؛ حتى أنها أصبحت إحدى سماته البارزة؛ التي تحتل اليوم مساحة واسعة وعناوين بارزة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية وكذلك الفلسطينية وهنا تكمن الخطورة من تسويقها، خاصة وأن ليبرمان يمثل لاعب رئيس على الساحة السياسية الإسرائيلية وتمثل تصريحاته المخادعة والمجنونة والعبثية هدفاً؛ تكشف مدى حقده وكراهيته وعنصريته باعتباره رجل المهمات القذرة والشخصية الصراعية المثيرة للجدل والأزمات.

ويعود اختيار المجرم ليبرمان الذي هاجر من مولدافيا بالاتحاد السوفيتي عام 1978، مكان ولادته إلى فلسطين المحتلة حتى أخذ يتولى المناصب ويصعد رويداً رويداً ويطمح ليتولى رئاسة سدة الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي بدئها بمحاولة اجتذاب للجمهور الروسي فشكل حزب "إسرائيل بيتنا"، نسبة إلى حزب روسي كان بزعامة الرئيس الروسي السابق يلتسين يدعى (روسيا بيتنا) وكان هدف ليبرمان هو كسب تعاطف المهاجَرين الروس الذين أيدوا ذلك الحزب وأخذوا ينضمون إليه؛ ووفق المعطيات يتضح أن المجتمع الإسرائيلي يميل نحو التطرف نتيجة التداعيات المحلية و الإقليمية السياسية والعسكرية .

لذلك ساق ليبرمان في بداية الأمر سلسة من التصريحات المتطرفة والمتناقضة والتي لاقت ترحيباً وقبولاً في الإقناع رغم أنه علماني، لكن توجه المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف كما أسلفنا؛ ساهمت في صعود المتطرف ليبرمان نتيجة عوامل محلية وإقليمية؛ أبرزها:"حرب تموز على لبنان، وإعادة انتشار الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة وحربه الأخيرة عليه، والدعم الأميركي المتواصل سياسياً وعسكرياً ولوجستياً؛ خاصة في عهد إدارة بوش والذي طالب بيهودية الدولة، في اللحظة ذاتها يعيش النظام العربي حالة من الركود والانكماش نتيجة الانقسام والصراعات الداخلي بين أقطابه المتناحرة، وهو ما ينطبق على النظام السياسي الفلسطيني الذي يعاني الآخر من استقطاب وصراع داخلي أدى إلى تشتت في المواقف والخطابة وتراجع للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية".

هذه العوامل وغيرها دفعت بليبرمان إلى تصعيد لهجته العدوانية، فقد طالب بتسوية قطاع غزة بالأرض، وتحويلها إلى ملاعب كرة، بعد قصفه بالطائرات الإسرائيلية كما اقترح بقصف الفلسطينيين بقنبلة نووية، هذه التصريحات لم تكن جديدة فهو دعا من قبل إلى ضرب السد العالي لإغراق مصر وهاجم رئيسها المبارك قائلاً: إذا أراد الرئيس المصري أن يفاوضنا، فليحضر إلينا، وإلا فليذهب إلى الجحيم". ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل طالب بكل صلافة وعنصرية إلى تدمير السلطة الفلسطينية وعدم الانسحاب من الأرض المحتلة، وإلى إجلاء الفلسطينيين من عرب 48 لأنه يرى أن المشكلة المركزية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ليست الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، إنما الأقلية الفلسطينية التي تعيش في الدولة، وهي تنم عن "الوجه الجديد لليمين القومي". ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن المشروع الصهيوني قائم بحد ذاته على العدوان والتوسع وسفك الدماء.

ليبرمان وجد الظروف الملائمة بعد أن فاز حزبه ب-15 مقعداً في الكنيست وهو رقم صعب فأستطاع خلال توليه منصب وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، بأن يستثمر تصريحاته الهادفة إلى استمالة العقول فوجدت صدى وترويج في الإعلام الفلسطيني والعربي وأخذت تنقلها وتتداولها باهتمام فيما بينها متجاهلة شخص ليبرمان "الحاقد والماكر" وما الغرض من تصريحاته التي ترمي في الحقيقة إلى إفساد العلاقات وخلط الأوراق وزعزعة الأمن الإقليمي والوطني والقومي وإرباك الرأي العام الفلسطيني والعربي وتأجيج نار الفتنة والشقاق لاسيما في اللحظة التي يفلح المصريون بأن يحرزوا تقدماً على صعيد المصالحة الوطنية، فيخرج ليبرمان بتصريح كاذب بحق طرف فلسطيني ويكيلها، وقد ساق القول أن السلطة الفلسطينية هي من مارست ضغوطاً على إسرائيل للذهاب حتى النهاية في الحرب على غزة في إطار عملية الرصاص المصبوب"، بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية سحب الطلب الذي قدمته ضد إسرائيل للمحكمة الدولية في لاهاي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد سكان قطاع غزة، كما وهاجم ليبرمان دولة الكويت ووصفها بأنها ارتكبت جرائم بحق الفلسطينيين إبان غزو العراق لأراضيها، جاء اتهام ليبرمان بعد أن دعمت الكويت تقرير غولدستيون الهادف إلى فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الإنسانية في قطاع غزة.

لذلك يجب أن نكون حذرين أثناء التعامل ليس في تصريحات ليبرمان فحسب بل مع جميع التصريحات التي تبث وتذاع وتكتب وتنقل في الإعلام الصهيوني والتي في الغالب يكمن ورائها هدف سياسي أو أمني أو تكتيكي.... باعتباره جزء من المعركة التي يستخدمها العدو في حربه علينا وأن نتدارك المغزى منه.

الشجاعة هي قوة الإرادة

زهير الخويلدي

"إن من يثبت وسط الأخطار ويتصرف حيالها كما يجب لهو أشجع بحق ممن يسلك بثبات في الأوضاع المطمئنة."[1]

لا يمكن الحديث عن الفلسفة إذا ما أهملت الشجاعة لاسيما وأن أهم فضيلة ينبغي أن يتحلى بها الفيلسوف هي أن يكون شجاعا ، وطالما أن هذه الهيئة الأخلاقية هي من الأمور صعبة التحقيق وترتبط بالمشقة والمكابدة ولذلك ظلت موضع مدح وتعظيم، وقد وضعت الشجاعة منذ القدم جنبا إلى جنب مع الحكمة والعفة والعدالة ولكنها في الفترة الحديثة أصبحت مقترنة بالإرادة والحرية والقوة تقاوم إغراء اللذة وتتغلب على كل تخوف من الألم.

إن أهم مبرر يدعونا إلى الاهتمام بمسألة الشجاعة هو ما نشاهده اليوم بأم أعيننا من استيلاء الكسل والجبن على النفوس وتعمد اختيار القعود والانتظار على الحركة والنشاط وبروز ضعف الشخصية وانحطاط مستوى الارتقاء لدى الأفراد والوقوع فريسة الاستلاب والسعادة الوهمية وفقدان القيمة الذاتية عند كل فرد وتفضيل العيش مع الحشود رغم ما يسببه ذلك من امتثالية للسائد ورضوخ للعادة والاقتناع بحياة القطيع.

إن الشجاعة هي الثبات عند كل خطر وضبط النفس أثناء مواجهة كل محنة وذلك بالانتصار على الخوف واعتماد الجسارة والإقدام والتحلي بقوة الشكيمة ورباطة الجأش والصبر على وقوع الشر وحضور الذهن عند الشدائد وذهاب التشتت عن العقل وحضور التركيز والحصافة والكيس والفطنة في كل موقف عصيب والقدرة على احتمال النوائب وتقلبات الدهر.إن الموقف الشجاع هو الموقف النقدي الذي يحتكم إليه المرء عند المحاسبة والمراقبة وقول الحق والشهادة على العصر وهو كذلك ما يميز الإنسان وتعوز الحيوان لارتباطها بالقوة الغضبية والإرادة العاقلة التي تجعلها تقاوم الميول.

" إن كثيرا من الأعمال اليومية يحتاج إلى شجاعة لا تقل عن شجاعة الجنود"[2]وإن الشجاعة ترتبط بالسلوك اليومي للبشر وتتنزل مكانة مرموقة في سلم القيم وهي كذلك مبدأ يتقمصه الفرد بشكل منعزل وتؤمن به المجموعات وتسطر على ضوئه طباعها ومزاجها وعلاوة على ذلك هي مناخ عام يتنفسه الناس في لحظات المنعطفات والتحولات الكبرى التي تمر بها الشعوب وقد تتحول إلى عقيدة مشتركة ورأي جماعي في لحظات المواجهة والتحدي وترتبط بالعزيمة والإرادة. وربما الشعب الفاقد للشجاعة هو الشعب الذي له إرادة ضعيفة أو تكون إرادته سيئة وشريرة وتتغلب عليه انفعالات الجبن والتملق، أما الشعب الشجاع فهو الشعب المغامر الذي يحبذ أفراده التجول والسفر ويهيمن على الطبيعة. ولكن يمكن أن نميز بين الشجاعة البدنية والشجاعة الأدبية حيث تتساوى شجاعة الكتاب والعلماء مع شجاعة المحاربين والسياسيين. إن اللافت للنظر أن الشجاعة تفيد أيضا قوة الإرادة وإرادة القوة التي تنفذ موضوع التصميم مهما كانت الضغوطات والموانع والسعي لبلوغ إلى الأهداف والمرامي.

وتتكون الشجاعة من جملة من العناصر الطبيعية والملكات الروحية والأفعال الإرادية وتسعى إلى التوافق مع نظام الكون وماهية الإنسان وقد ذكر التوحيدي أن "الشجاعة قوة مركبة من العز والغضب تدعو الى شهوة الانتقام. الجبن ضده"، تأتي في مرتبة ثانية بعد الحكمة وتمر بثلاثة مراحل تبدأ بالسرية ثم تعلن عن نفسها وتجهر بنضالها لتسمو في مرحلة ثالثة في مستوى الضمير أين ينحل التقابل بين الذاتي والموضوعي.

والشجاعة هي وسط عادل بين رذيلتين هما الجبن والتهور لاسيما وان الإفراط فيها يؤدي المغامرة والمقامرة والمهلك والتفريط فيها يؤدي إلى خلاف ذلك أي إلى الاستكانة والرضا بالذل وحياة الخضوع ولذلك ترتبط الشجاعة بالثقة والخشية في نفس الوقت، الثقة بالذات والخشية من الآخرين وقراءة ألف حساب لهم وعدم استسهالهم والاستهانة بهم. إن الغاية من الشجاعة ليس تحصيل المنفعة المادية وإنما نيل الشرف والمجد ولذلك كانت الشجاعة من الأمور المرغوب فيها ولم تكن من الأمور المتروكة. وقد قال أرسطو:"إن الشجاع يتحمل الآلام لأنه من النبل أن يتصرف على هذا النحو ومن المخجل له أن يتنصل منها وذلك شأن الملاكم الذي يتحمل اللكمات على أمل الفوز بالتاج"[3].

الشجاع يثور على الجبن ويجعل الحياة موضع رهان فإذا كان الجبان يفضل المحافظة على البقاء حتى في ظل العبودية فإن الشجاع يفضل الذكر الحسن على البقاء ويغالب التوجس ويواجه المصاعب بكل اقتدار. ومن المعلوم أن العالم لن ينقذه من بؤسه الجبناء المترددين بل الأشخاص الأحرار الذين لا يخضعون إلا لأنفسهم. وقد رأى أرسطو: أن الشجاعة لا تتمثل في قول ما نعتقده بل في الاعتقاد في ما نقول ويقصد أنها ترتبط بالصدق والانتماء إلى الحقيقة والوفاء للمبدأ وانجاز العهود والالتزام بالمواثيق.

إن الشجاعة تعقل وجودة روية والتزام بطريق الفضيلة و"الاجتماع على الفضيلة لا يقع فيه تباين أصلا ولا تفاسد لأن الغرض في الفضيلة واحد هو الخير الذي يراد لنفسه لا لشيء آخر غيره."[4]

ما نراهن عليه هو تحصيل الاستقامة في السلوك والسيطرة على النفس بتقوية الإرادة وتصليب الشخصية بالدراسة المتأنية للواقع والبحث عن الحقائق الأكثر عمق وبتحقيق الانسجام مع نظام الكون والتكيف مع المتغيرات والعمل وفق تكافؤ النواميس واختلاف الشرائع بالخروج من قوقعة الذات والتعاطف مع الغير وإيجاد وضعيات تعلم بالانطلاق من الأسئلة التالية: لماذا ينبغي على الإنسان أن يكون صالحا في حياته؟ وكيف يكتسب درجة الصلاح؟ وماذا يفعل بذلك؟ وما الفرق بين الصالح والفاسد؟ وما دور الشجاعة في مقاومة الفساد الذي أصاب الفرد واستشرى في المدينة؟

مجمل القول أن "الحشود تتفادى أية أخلاقية عالية ليس لأنها شريرة بل لأنها تفتقر إلى القدرة على أن تكون طيبة"[5] وأن الشجاعة الحقيقية هي العفو عند المقدرة وتفضيل التسامح في وضح غير متسامح والرغبة في السلم زمن الحرب والدعوة إلى زرع الأمل في عصر الجدب والتصحر وتحمل المسؤولية بشكل فردي في مجتمع يجمع على التنصل منها ويحتمي بالروح الجماعية للحشد تعويضا نفسيا لأناه الضعيفة قاصرة النمو ولرحم الأم الذي فصل عنه إلى المجهول.

إن الشجاع هو الذي يفهم حياته الخاصة ويعمقها بالتجارب ويجعلها منسجمة مع الحياة العامة يقدم على الخطر دون خوف وهو الذي يصبر على الألم دون شكوى ويبدي من الحصافة وشدة القلب عند البأس الشيء الكبير. ولا ترتبط الشجاعة بالحرب والقوة والعنف فهذه علامات ضعف بل ترتبط بالعقل والحكمة وبالتالي:"ليست الشجاعة أن نوكل إلى القوة حل النزاعات التي باستطاعة العقل أن يحلها بل هي دفع الإنسان إلى السمو." ربما تساعد الشجاعة الناس على العود على بدء والانخراط في مشروع الخلق الجديد والولادة الثانية التي ترتبط بانتصار شعلة الحرية الآدمية على سكون السببية الطبيعية، الم يقل الله نفسه في القرآن في سورة ق:الآية 14 :"بل هم في لبس من خلق جديد"؟

لا تعني الشجاعة المجازفة بحياة الآخرين وتعريض مستقبل الحياة على الأرض للخطر بل تفيد السهر على ضمان وجود أحسن لإنسانية الآخر في المستقبل وتحمل المسؤولية والاعتراف بالدين تجاه الإنسانية واللاتبادلية معها وتعمل على أن تكون عواقب أفعال الإنسان غير هدامة وغير مفسدة لشروط البقاء على الأرض ومتسقة مع استمرار حياة إنسانية حقيقية على الأرض في المستقبل.

إن التدرب على الشجاعة هو جود من الوجود الغاية منه تمكين كل فرد من ترصيع مكان له في العالم ومن يساهم في صناعة المشترك وأن يتكلم بالجملة الكونية ويعيش حياته بملء وعيه وبكامل مشيئته.

اللافت للنظر أن امتلاك الإنسان للشجاعة يساعده على الدنو من اكتساب درجات الكمال الإلهي والاتصاف بمقام الإنسان الكامل الذي ينطق بالكلمة الجامعة ويمثل الحقيقة الآدمية الكلية التي وصفها محي الدين ابن عربي في فصوص الحكم بأنها "عين جلاء مرآة العالم وروح الصورة التي يعطيها الله عن نفسه في المحل المنظور" . غني عن البيان أيضا أن الإنسان الشجاع هو الإنسان الكلي كامل الإرادة ناجز الفعل ومدبر العقل ومحقق الكينونة ومخرجها من العدم إلى الوجود. إن الشجاعة تجعل الإنسان ثباتا من جهة كينونته المعقولة وموجودا من جهة كينونته المحسوسة تصديقا لما قاله الشيخ الأكبر في فصوص الحكم:" ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك." لكن أليس من الشجاعة أن نعتقد في أن مثل هذا القول: "ثم شيء فصار كونا وكان غيبا فصار عينا" هو القول الحق؟ ألا يؤدي هذا الإقرار بالشجاعة على الصعيد الوجودي إلى الاستنتاج بأن عالمنا هو أحسن العوالم ليس لكونه ممكنا بل لكونه واجب؟ وهل يمكن أن ننتهي إلى إثبات نظرية الأعيان الثابتة للإنسان الكلي التي تمنح للأشياء قدرة للظهور في العالم؟ ألم يقل ابن عربي في السياق نفسه:" لولا أن الشيء من قوته التكوين من نفسه، عند هذا القول ما تكون"؟ لكن أليس الافتقار إلى الشجاعة في استعمال العقل دون إشراف الغير هو واحد من الأسباب التي أبقت البشرية في حالة القصور والوصاية وحرمتها من الأنوار؟ ألم يكن شعار التنوير الأول هو تشجع على استعمال عقلك بنفسك وبطريقة منهجية وخاصة؟ ماذا يفعل المرء بقيمة الشجاعة في ظل ظهور أخلاق الحياة والبيئة والمهنة والتجارة والإعلام؟ ألا تترجم الشجاعة ذاتها الاتكال الفردي على التصورات الكبرى لديانة التقدم وما رافقها من ارادوية volontarisme مغشوشة؟ وكيف نعيد الروح لقيم أفقدت ثقافة ما بعد الأخلاق ثقة الانسان بها؟

المراجع:

Aristote, Ethique à Nicomaque, Édition Vrin

أبو نصر الفارابي، فصول منتزعة ، دار المشرق بيروت،

أحمد أمين، كتاب الأخلاق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 2005

جون ، باينس، أسس التعامل والأخلاق للقرن الواحد والعشرين، ترجمة أحمد رمو، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة،دمشق، طبعة أولى 2002، ص41

[1] Aristote, Ethique à Nicomaque, Édition Vrin, pp.158-159 .

[2] أحمد أمين، كتاب الأخلاق، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 2005 ص153

[3] Aristote, Ethique à Nicomaque, Édition Vrin, pp.158

[4] أبو نصر الفارابي، فصول منتزعة ، دار المشرق بيروت، ص101.

.[5] جون ، باينس، أسس التعامل والأخلاق للقرن الواحد والعشرين، ترجمة أحمد رمو، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة،دمشق، طبعة أولى 2002، ص41

الأحد، نوفمبر 29، 2009

خارطة الطريق ترجمة فصل آخر من كتاب خطتي للسلام

د. أفنان القاسم

نحو مؤتمر بال فلسطيني (18)

عنصران لم يلعبا في صالح ايهود باراك في الانتخابات، الانتفاضة الثانية التي تفجرت بعد "نزهة" أرييل شارون المستفزة في ساحة المسجد الأقصى، والقمع الدموي الذي أجراه باراك نفسه ضد الأقلية العربية في الجليل المطالبة بالعدالة والديمقراطية وتحسين حياتها اليومية دون أن تخفي دعمها "العاطفي" لإخوتها في الكفاح تحت الاحتلال. عندما رأى العرب الإسرائيليون دماء أبنائهم كيف سالت بغزارة لم يصوتوا له ولا لخصمه، وترك امتناعهم عن التصويت الطريق مفتوحة لليمين الصاعد بقوة من أجل استرداد السلطة. بدت كل حسابات هذا الشخص وكأنها لم تكن أمام صعود اليمين وأقصى اليمين هذا الناتج عن جو الرعب الذي نشره شارون في الأراضي المحتلة وباراك داخل إسرائيل نفسها. حط جو الهولوكوست في النفوس، فأمكن لشارون تشريع سياسة العنف المتشددة وغير المشفقة نحو الفلسطينيين، وكانت فرصته الذهبية لنسف اتفاقات أوسلو 1 و 2 وكذلك الاتفاقات الأخرى، وقد تم له ذلك بإعادة احتلال ما انسحب الجيش الإسرائيلي منه وممارسة إرهاب الدولة على مرأى ومسمع العالم أجمع دون أن يجرؤ أحد على رفع إصبعه الصغير من أجل إيقافه، مما يوضح مرة على مرة العيب المرتبط بهذه الاتفاقات وهشاشة الحال التي ندت عنها.


في هذا الجو من تفاقم العنف والحرب الذي بثته القبضة الحاكمة في إسرائيل، اقترحت الرباعية – الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الإتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة – "خارطة طريق" تقضي بإنشاء دولة فلسطينية على مراحل من هنا إلى العام 2005 تتعايش سلميا إلى جانب إسرائيل. ومع الأسف، خارطة الطريق هذه تضل الطريق منذ البداية! فهي تقلب الأدوار وتقدم شروطا لاحقة لنهاية الإحتلال كشرط أولي لكل الشروط الأخرى من أجل الوصول إلى حل الدولتين إسرائيلية وفلسطينية، وهي تعلق تحقيق ذلك بوقف "العنف والإرهاب"، وليس بانسحاب الجيش الإسرائيلي الذي هو سبب هذا "العنف" وهذا "الإرهاب". إضافة إلى أنها تعتبر الإدارة الفلسطينية مسئولة عن "العنف والإرهاب"، وتطالبها ب"المكافحة فعلا ضد الإرهاب" كما لو كانت هي التي تختبئ خلفه. ومع ذلك الكل يعلم أن الذنب في مادة العنف يعود على القادة الإسرائيليين المستفزين والمعتدين، والأنكى من كل هذا عندما تنهر خارطة الطريق عرفات وأتباعه ليضعوا حدا "بالفعل" للإسلاميين، وتنذرهم ب"احترام مبادئ الديمقراطية والحرية"! وفي هذا تناقض مطلق، وحشو لغوي لا أكثر، يرميان إلى تمويه هذا المطلب الدافع إلى العته، والذي هو إحراق البلد وإراقة دماء أبنائه.


وفوق ذلك، ومنذ المقدمة، يرجح الميزان لصالح إسرائيل، معها تصبح الرباعية مهذبة، تختار جيدا كلماتها، لا تنذر أحدا بالقيام "فعلا" بأي شيء: "على إسرائيل أن تكون جاهزة للعمل من أجل أن ترى دولة فلسطينية النور". وإذا لم تكن جاهزة خلال ألف سنة أخرى؟ خارطة الطريق لا تؤكد في هذا الأمر شيئا، ولا في أمر الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتكلم عن "أراض محتلة" مكرسة الصيغة المشبوهة للقرار 242. وفي الأخير تربط نهاية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني باعتراف البلدان العربية بإسرائيل، هذا الاعتراف الذي تم بشكل غير رسمي، مما لا يسعد شارون على الإطلاق، فهو يعرف هذا ولا يبالي به أقل مبالاة، بما أن كل القادة العرب من المحيط إلى الخليج في جيبه.


المرحلة الأولى:

تطالب المرحلة الأولى هذه من خارطة الطريق ب"إنهاء الإرهاب والعنف، بعودة حياة الفلسطينيين إلى طبيعتها، وببناء مؤسساتهم الوطنية".


نهاية الإرهاب والعنف غير ممكنة إلا إذا كان هناك تعهد يلزم الطرفين بينما ويا للمفارقة يجب على الفلسطينيين فقط "الالتزام بوضع حد للعنف حالا والعودة إلى تعاونهم الأمني مع إسرائيل" كما لو كانوا هم "المحتلين". وحالا! تخفي اللهجة الإجبارية هنا بشكل رديء استحالة تحقيق هذا الفعل. لقد أوقف الإسلاميون بعد اجتماع القاهرة كل فعل انتحاري ولكن الجيش الإسرائيلي واصل هجماته ذات "الهدف" ضد سياسيي فصائلهم. على إسرائيل إذن أن تضع حدا لكل عنف، هي التي تنتهك كل التزام، وتعتقد أن بإمكانها القضاء على الإسلاميين بقتلها رؤسائهم. على العكس، بأعمال كهذه تغذي إسرائيل أكثر الحركة الإسلامية وتعمل على دعمها، وغرضها في الواقع عدم التوصل إلى أي حل أو على الأقل إلى الحل الذي تفرضه. ونحن هنا بعيدون تمام البعد عما تتمنى الرباعية رؤيته على أرض الواقع، والأمريكان لا يجهلون ذلك: فهم يصونون استراتيجية شارون في الوقت الذي يقفون فيه إلى جانب شركائهم في سلام كاذب. هذه هي خارطة الطريق المحرَّرَة من طرف تكنوقراط الدبلوماسية الأميركية.


على أي حال إنه لمن المحال لفلسطينيي عرفات أن يضعوا حدا للعنف، أولا لأن الإسلاميين منزرعون بين الناس، وثانيا لأن عرفات، كما سبق لي وقلت، لن يغامر في خوض غمار حرب أهلية في تقديره لا يمكن كسبها مسبقا. أضف إلى ذلك، التعاون المدعو بالأمني مع إسرائيل، كما كان الحال غداة التوقيع على اتفاقيات أوسلو، لم يعط شيئا كبيرا في مادة الأمن. إذن والحال هذه إنه لمن المستحيل إرضاء مثل هذا الطلب، ومن المستحيل أيضا إعادة الحياة اليومية للفلسطينيين إلى طبيعتها، وكذلك إعادة بناء مؤسساتهم الوطنية طالما لم تنسحب إسرائيل من كل المناطق التي أعادت احتلالها منذ سبتمبر 2000 (وليس من مناطق أعيد احتلالها كما يقال في خارطة الطريق) ومن كل الأراضي المحتلة. لماذا لا تنذر الرباعية إسرائيل بالانسحاب "حالا" كما تفعله مع عرفات؟ وإنه لمن المستحيل أيضا القيام بإصلاحات سياسية مع عرفات وفريقه من الفاسدين، وكأننا نطلب من طبيب أن يعالج شخصا مصابا بسرطان لا يشفى.


ثم هم يظهرون عدم الجدية عندما يطلبون من عرفات "الاعتراف دون لبس بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن"، وكأنه لم يعترف بذلك عندما وقع على اتفاقات أوسلو وألغى ميثاقا يحث على محو دولة إسرائيل. ومن جديد نعود إلى العنف، وتغدو الرباعية في طلبها أكثر مباشرة عندما توجب على عرفات وأزلامه وقف إطلاق للنار غير مشروط (إنذارها دوما وأبدا)، إنهاء التحريض على العنف، إلقاء القبض على كل من يريد مواصلة العنف، تحطيم بنى الإرهابيين التحتية، مصادرة أسلحتهم...


كل هذا مسخرة بمسخرة!


أولا وقبل كل شيء لأن من المحال تدمير شبكات تذهب في جذورها عميقا في الطبقات الشعبية، فمن سيحبس عرفات ومن؟ كل الشعب؟ ماذا سيدمر وماذا؟ وأي سلاح سيصادر وسلاح؟


وبدلا من معالجة أسباب العنف التي هي الاحتلال، القمع اليومي، الإهانة، الإحباط، الإفقار، الإنهاء... الخ، يفرض تكنوقراط الرباعية على إدارة يجري شجبها من طرف شعبها، إدارة عرفات، القيام بطرق قريبة من الفاشية أو أنها بكل بساطة فاشية، لإرضاء شخص واحد أوحد: شارون. نعم، "على إسرائيل أن تسعى إلى إعادة بناء الثقة وذلك بتخليها على الخصوص عن إجراءاتها العقابية (هدم البيوت، الطرد، المصادرة...)" – ما حصل في جنين، في بيت لحم، في نابلس لم يزل في كل ضمير، ويجب البدء من هنا لا الانتهاء. يجب أولا وقبل كل شيء البدء بانسحاب جاد ودون شرط مع وعد قاطع بإنهاء الاحتلال، والتزام "لا لبس فيه بالعمل على إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للعيش"، مع الاستعداد على هدم ليس المستعمرات "المتوحشة" فقط ولكن كل المستوطنات الأخرى التي لا علاقة لها بإقامة دولة فلسطينية أيضا وفي إطار الاتحاد المشرقي كما سأعرض له لاحقا. يجب البدء بهذا لنرى العنف وقد توقف "حالا" والانتفاضة وقد انتهت. وبفريق جديد كل الجدة في الحكم –وليس فريق عرفات والفاسدين ممن هم معه- تعود مهمة "وضع بنى ديمقراطية" دون عون من أحد وقبل كل شيء دون عون إسرائيل كما تطالب به الرباعية بشكل مهين. على إسرائيل أن تكنس أولا وقبل كل شيء أمام بابها، وذلك بتطبيق القواعد الديمقراطية على كافة مواطنيها: يهود، عرب، دروز، وغيرهم، دون أي تمييز عنصري (وهذا أشكناز، وهذا سفاراد، وهذا فالاشا) وبالتخلي عن ديمقراطية ذات وزنين ومعيارين – سمة أساسية من سمات الايدولوجيا الصهيونية. عند هذا الحد من التحليل أحذر من الانزلاق من العداء للصهيونية إلى العداء للسامية، فلا يخدم هذا إلا القبضة الإسرائيلية الحاكمة، وهذا تماما ما ترمي للوصول إليه بكل الوسائل، لتشرّع ما تقوم به من أعمال عدائية وقمعية ولا إنسانية من أجل تصفية القضية الفلسطينية.


المرحلتان الثانية والثالثة:

بما أن المرحلة الأولى من خارطة الطريق من المستحيل إنجازها، لا ضرورة إذن إلى المرحلتين الثانية والثالثة، فلم يعد هناك سبب لوجودهما. ولنفترض مع ذلك أن المرحلة الأولى قد تمت فعليا، لكن المرحلة الثانية كما جرى عرضها تحتوي على خطأين: الأول تسلسلي والثاني عملي.


الخطأ التسلسلي أولا: نقرأ أن المرحلة الثانية "ستعنى بالجهود المبذولة من أجل تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة بين يونيو وديسمبر 2003." وبعد ذلك نقرأ: "وإذا ما قدّرت الرباعية أن الشروط سانحة، يجب تنظيم انتخابات فلسطينية."


الحق يقال إن المنطق يفرض البدء بانتخابات تتبعها جهود تبذل من أجل تأسيس... إلخ. مع منتخبي الشعب بدءا من انتخابات حرة بالفعل يجب على المفاوضات أن تكون من أجل إقامة دولة هذا الشعب.


خطأ تسلسلي أيضا: في الفقرة الرابعة هناك مسألة الاعتراف بهذه الدولة: "ستعمل الرباعية على الاعتراف بهذه الدولة من قبل هيئة الأمم المتحدة." لأن –الفقرة الثالثة- على الاعتراف أن يتم قبل "مؤتمر دولي تدعو الرباعية إليه بالتشاور مع الأطراف المعنية من أجل دفع الجهود لتحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط." قانونيا، على الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل كل المؤسسات الدولية أن يتم قبل جلوسها إلى جانب الدول الأخرى في مؤتمر يعالج سلاما شاملا لمنطقة بأكملها ويتعلق على وجه الخصوص بهذه الدولة التي هي دولة فلسطين، قلب المشكل وشريك النِّد للنِّد. هذا التوصل المنطقي في التحليل سيزعزع مفهوم دولة مؤقتة ودولة نهائية كما سنرى.


أما الخطأ العملي، فسألخصه كما يلي:

تنوي الرباعية أن تحل محل الأطراف المتنازعة الأطراف اللاعبين لدور مباشر في الصراع والذين هم الإسرائيليون والفلسطينيون: وهي بذلك تتجاوز دورها كوسيط. إنها تتدخل في الشؤون الداخلية للطرفين، والحال هذه بأي حق "تحكم"، تفرض، عندما تستعمل مصطلح "يجب" و "تعمل"؟ بصفتها قوة عليا؟ لماذا قوة عليا؟ وإذا ما سلمنا بالأمر، هل هذا القوة أخلاقية، عسكرية، اقتصادية، سياسية، دبلوماسية، جغرافية؟ على أي حال، يجب ألا تكون أبدا غير عادلة. والغريب في الأمر أن المصطلحات المستعملة في خارطة الطريق وكذلك البنود بمجموعها هي في صالح إسرائيل. إذا كان بمقدور الرباعية التوصل إلى ممارسة نفوذها على الطرف الإسرائيلي فلتفعل أولا، وبعد ذلك سيجلس الطرف الفلسطيني جنبهما، جنب إسرائيل والرباعية، بصفتهما مفاوضيْن "إيجابييْن" دون دكتاتورية ولا استبداد. ولكن منذ البداية، كل شيء في خارطة الطريق هذه يشير إلى التحيز لإسرائيل، ولن يكون للفلسطينيين أكثر مما قدمت لهم اتفاقات أوسلو. لهذا السبب تتوجه الرباعية إلى عرفات وأعوانه "الأفضل" ممن يمكنهم التنازل عن كل ما يطلب منهم. بالطبع هؤلاء موافقون دوما على مبادرات مثل هذه تحميهم وتشرّع لهم اغتصابهم للسلطة.


إذن انتخابات بين "عشائر" سياسية وبنتائج معروفة سلفا في صالح هؤلاء الأشخاص الكريهين على طريقة جبهة التحرير الجزائرية، نحن لا نريدها. دولة مؤقتة ثم دولة نهائية، نحن لا نريدهما أيضا. فالمؤقت يعني لا شرعية وحقوق مهانة بشكل احتيالي. أضف إلى ذلك أن هذا يعيدنا إلى تعرجات جو الخطوة خطوة لاتفاقيات أوسلو التي لم تؤد إلا إلى فراغ سياسي وكبت شعبي وصعود التمامية ودبابات شارون. مؤتمر أول ثم مؤتمر ثان مثلما ترتأي المرحلة الثالثة من خارطة الطريق، نحن لا نريد لا هذا ولا ذاك، نحن لا نريد لا أولا ولا ثانيا ولا ثالثا. على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يحلوا مشاكلهم دون هيئة وسيطة، والبرهان، خارطة الطريق هذه حيث لا ذكر هناك لمواضيع الشقاق الأساسية تجد نفسها حاليا في طريق مسدود من المستحيل فتحه. لقد مضت التواريخ المنصوص عليها بين يونيو وديسمبر 2003 دون أن نرى إنشاء دولة فلسطينية مهما كانت هذه الدولة، ولم تر بداية 2004 التاريخ المنذور للمرحلة الثالثة من أجل المؤتمر الدولي الثاني لقيام دولة فلسطينية ذات حدود نهائية لم تر هذه البداية إي شيء ملموس في هذا الشأن. ما تحقق فقط جدار العار! فلا يحتج عرفات وأزلامه على "حق إسرائيل في بناء حاجز لتدافع عن نفسها ولكن على واقع أن الجدار يُبنى فوق الأرض الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية". يا للعار لعرفات ولمن يدعمه ولشارون ولمن يدعمه، لأن الأمر هنا يتعلق بغيتو ضخم للإسرائيليين وبمعتقل لا قياس له للفلسطينيين. وما يضفي على خارطة الطريق لا فاعليتها الموقف السلبي للقادة الإسرائيليين عبر ما يوجبون وما يشترطون من شروط زائغة يفرضونها شروطا أولية لكل مشاركة في أي شيء كان:


. أن تتوقف الأعمال الإرهابية قبل أن يُنظر في أمر تجميد المستعمرات الجديدة.


. أن يقال ياسر عرفات من وظائفه في السلطة الفلسطينية التي تمس الأمن والمال.


. أن يتخلى اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم في العودة (حق مضمون من قبل هيئة الأمم المتحدة) إلى إسرائيل مقابل قيام دولة.


. أن تكون الولايات المتحدة الأميركية وليس الرباعية التي تتكلف بالإشراف على مدار السلام.


. ألا تكتفي السلطة الفلسطينية بالتفاوض مع حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى "الإرهابية" بل عليها محاكمتهم... إلخ... إلخ...


كل هذه المطالب مرفوضة، لأنه من المستحيل تنفيذها بما في ذلك إقالة عرفات من وظائفه التي تمس الأمن والمال –رغم أنني مع فصله فصلا كاملا- لأن عباس في مكانه أو قريع أو أحدا آخر من نفس الحرس القديم لن يبدل شيئا لا في السياسة ولا في الفساد ولا في تدهور حياة الشعب الفلسطيني. هذا المنحل قريع يجد الوقاحة الكافية ليطلب من الأوروبيين عونهم ومساعدتهم في إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، ومن يقول عونا يقول مالا يتوزعه فاسدو السلطة الفلسطينية دون سلطة فيما بينهم. لم يعد خافيا على أحد ما يجتزئه عرفات من الأموال التي يدفعها الإتحاد الأوروبي مبالغ طائلة لزوجته سهى الطويل، وحسب بعض المعلومات، صرفت سهى الطويل مؤخرا شيكا بمبلغ تسعة مليون يورو. بفضل عشرات الملايين بله مئاتها تعيش هذه السيدة بدعة في باريس مع طفلتها بينما يذبح جنود الاحتلال أطفال الانتفاضة في رام الله وغزة ونابلس.


إذن شارون الذي يعلم إلى أي درجة هي مسدودة الطريق التي وُضعت فيها خارطة الطريق، يقترح خطته للانفصال، خطة معتوهة تناقض كل حق إنساني ووطني للفلسطينيين، فهو يبحث على فصل فلسطين عن الفلسطينيين بشكل تعسفي بعد أن فشل في مواجهة أطفال الإنتفاضة وقبل ذلك في طرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عبر نهر الأردن إلى الأردن حسب خطة "ترانسفير" ترحيل مستحيلة، دون القدس، دون حق العودة، دون تحديد لحدود متفاهم عليها، مع الإبقاء على تواجده عبر المستعمرات والإقتصاد. مما يعيدنا إلى قول إنه يطبق، بكل العنجهية التي يخولها له حق الأقوى، قليل القليل – الذي هو اتفاق أوسلو.

ترجمة د. بريجيت بوردو – مونتريال

د. أفنان القاسم: خطتي للسلام، الإتحاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دار لارماطان، باريس 2004، ص ص 81-91

www.parisjerusalem.net


حوار مع جائزة أفنان القاسم 2009 لأسوأ شاعر سميح القاسم

قدم للحوار: د. أفنان القاسم

أجرى الحوار: د. أفنان القاسم

سميح القاسم نموذج لعقدة أوديب الشعر تحت دلالات الانحطاط العام القائم، عندما تتحول العروبة كلغة وقصيدة إلى الأم في ماخور الإنتماء، هذا الماخور الذي يدعى العالم العربي، لهذا تراه يخلع ثوب الفلسطيني، وقبل ذلك ثوب الدرزي، ليقول عن نفسه شاعر العروبة، وهو بالأحرى يقصد شاعر النظام العربي أبيه الرمزي بعد أن غاب عن فرويد هذا البعد السياسي لنظريته. ليبولد سنغور لم يرم يوما إلى أن يغدو شاعر الفرنكوفونية، كان يطرح نفسه دوما كشاعر للسنغال، وكانت قصيدته دوما المكتوبة باللغة الفرنسية قصيدة سنغالية بكل الأبعاد الأخرى الكونية بما فيها البعد الفرنسي، وايميه سيزير كان يرفض من غير الزنجية هوية له، وبعد موته احتفت به فرنسا كواحد من شعرائها العظام، وكذلك السير نيبول جائزة نوبل الإنجليزي من أصل هندي المواطن العالمي في سلوكه وتفكيره، ولماذا نبتعد كثيرا وننسى مولود معمري ومولود فرعون وكاتب ياسين الذين كانوا يكتبون بلغة موليير وكانت مواضيعهم جزائرية بربرية، وهم البربر، وغير بربرية، ولم يدّعوا يوما أنهم أبناء لنابليون مثلما يدعي سميح القاسم أنه ابن لمبارك، لأننا نفهم إصراره على لقب "شاعر العروبة" ليس كشاعر للعرب، فكل من يكتب قصيدة باللغة العربية هو شاعر للعرب، وإنما كشاعر للبلاط، ومن هذه الزاوية ينظر النقد اليوم إلى أشعاره بعد أن جرد قصائده الأولى من رائحة الدم الفلسطيني وملح الدمع الفلسطيني وفضة السمك الفلسطيني. اضف إلى ذلك ما لم يجرؤ على ادعائه قبل موت محمود درويش أنه رائد القصيدة العربية بما فيها قصيدة درويش، بسبب عمره وعمر ريشته، وكأن هذا مهم في عيني أبوللو، وكأن هذا سيقلق محمود في نومه الدائم، على الرغم من موقفي المعروف من سذاجة قصائد محمود الأولى وانعدام الفلسفة في قصائده الأخيرة، أما بالنسبة لسميح فلا قصائده الأولى ولا الأخيرة تقف على قدميها كما تقف على قدميها قصائد لبودلير أو لفيرلين أو لرامبو المنحوتة من برق الكلمات ورعد الدلالات. الحوار القادم تحوير وتدوير لمقال لسميح...




* حدثنا عن متسولي الشهرة على ظهرك أستاذ سميح.


تعرفون أولئك الذين أطلقت عليهم لقب "عجائز زوربا" من متسولي الشهرة في سوق الموت والمتسلقين على الجثث ومرتزقة المصائب والأحزان، وتعرفون أن أولئك المنافقين يبتهجون بالجنازات ويفرحون بالكوارث لأنهم يعثرون فيها على مداخل وشقوق وأخاديد يتسللون عبرها إلى مجالس الحزن ويتصيدون في المياه العكرة والصافية على السواء.


* عجائز زوربا؟ تريد القول النساء العجائز التي كان ينكحها زوربا؟ وما علاقتك بزوربا؟ هل أنت الناكح أم المنكوح؟


أنا الناكح طبعا، ولكن الناكح تحت الصورة الشعرية للمنكوح، هذه هي الخصوصية التي لم تكن لزوربا اليوناني والتي لزوربا الفلسطيني الذي هو أنا، فكلما فقدت صديقا أو زميلا أو رفيق درب فإن عجائز زوربا عجائز سميح القاسم يرفعون رؤوسهم وينفثون سمومهم ويتحشرون ويتحرشون حتى لكأنهم لا يستطيعون الحياة إلا بالموت وعلى نفقة الموت ولا مبرر لحياتهم إلا في التطفل على الموت.


* أستاذ سميح نعرف أن صديقك الحميم محمود درويش هو المقصود في كلامك وعجوز زوربا هل هو أفنان القاسم؟


رجاء لا توقع بيني وبين ابن عمي أفنان، صحيح نحن اليوم نختلف في كل شيء وعلى كل شيء ولكننا في الماضي كنا نتفق في كل شيء وعلى كل شيء، يوم كنت أحب الأحمر الذي أحببته لغرض مثلما أحب اليوم الأسود لغرض، ومن عجائز زوربا (ذكورا وإناثا) من ساءهم ويسوؤهم الترحيب بي في بلادي وفي الوطن العربي كله بلقب "شاعر العروبة" فينفسون عن أحقادهم وعقدهم بردود فعل ليس فيها شيء سوى جراثيم التخلف وفيروسات "الجاهلية الجديدة".


* أتظن أنك بهذا اللقب "شاعر العروبة" ترتفع قيمة ومكانة؟ أنت تنحط بهذا اللقب إلى أسفل سافلين أستاذ سميح، فالعروبة اليوم تعني العربجية والقومجية والإخوانجية واللواطجية والمثقفجية والشرفجية...


يعرف المثقفون الشرفاء أن كل ما أغدق علي من ألقاب وهي كثيرة دون شك أطلقه النقاد والشعراء والإعلاميون العرب وغير العرب دون استشارتي ودون استئذاني وإذا كان ناشرو كتبي ومنظمو أمسياتي الشعرية راغبين من الاستفادة من الألقاب التي تفضلوا بها علي، فلا بأس في ذلك إطلاقا، والأمر الوحيد الذي تحدثت عنه في وسائل الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد هو أنني لا أستطيع حصري في خانة إقليمية أو طائفية أو قبلية... وبمنتهى الصراحة، وبمثل ما صرحت به كثيرا فأنا لا أحب وضعي في خانة "الشاعر الفلسطيني"، فحسب ذلك أنني مع اعتزازي الواضح والمعروف بالانتماء إلى هذا الشعب الصغير والبطل والرائع، فقد عبرت قدر مستطاع قصيدتي عن هموم أمتي العربية في العراق ولبنان ومصر والأردن وشبه جزيرة العرب والمغرب العربي الكبير والسودان، وعبرت، قدر مستطاع قصيدتي، عن هموم الإنسان والإنسانية في كل أرجاء المعمورة، ومن هنا فإنه من حقي الشرعي أن أرفض المربعات الضيقة التي يحاول البعض، عن حسن نية حينا وعن سوء نية أحيانا، حصري عليها، لأكثر من غاية في نفس أكثر من يعقوب... وإذا كانت ألقابي تغيظكم يل عجائز زوربا فخذوها... خللوها... إحشوها... حسب تعبير صديقنا العزيز عادل إمام.


* خذوها خللوها إحشوها... يا سلام هذه إضافة عبقرية لشاعر العروبة شاعر كبير وعروبة كبرى الرافض الانتماء إلى الشعب الفلسطيني الصغير الرائع البطل (يالله معلش عشان خاطري) وفي مكانها الصحيح من العجيزة أعني العجائز الذين هم لزوربا البوهيمي الأفاقي المتشردي ومن هذه الناحية هناك امتداح لهم دون أن تدري أستاذ سميح... ولكني أود لك القول قبل انهاء حديثنا العاجل هذا إنك لو كتبت عن هموم الدرزي وأشجانه وآلامه وأحلامه واكتفيت بذلك لرفعت من شأنه وشأن الإنسان معه إلى قمم الجبال.


لا أستطيع إلا أن أتنكر لأصلي وعظمة شعبي وأنت تعرف لماذا في هذا الظرف الحساس؟ لأني مع الإسرائيليين أنا شاعر إسرائيلي شاعر يهوذا (أمسيات جمعية هيليكون لرعاية الشعر في إسرائيل واخد بالك؟) ومع العرب أنا شاعر عربي شاعر العروبة (جوائز قطر والإمارات وشيوخ اللواط واخد بالك؟) وأعطيك بكام يا بهية حسب تعبير صديقنا العزيز الشيخ إمام، مما يدفعني إلى القول –طبعا أي حاجة لمثقف قارئ لزوربا وفاهم للأدب اليوناني منذ معلقات الأوديسة إلى هرطقات المدروشين في حي السيدة رضي الله عنها اللهم اغفر لنا شيوعيتنا القديمة وارحمنا صدق الله العظيم آمين- إن عجائز زوربا (ذكورا وإناثا مع وقف التنفيذ فقط لأني لم أعد الضابط القديم في الجيش الإسرائيلي لا لم أنس ولن أنسى وهذه هي عقدة العقد التي لي والتي لن تمحوها أو تغطي عليها كل الألقاب في العالم لا عروبة ولا بطيخ) هم عجائز زوربا، الظاهرة الاجتماعية البشرية القديمة قدم صيغة الحياة والموت، وهؤلاء مثلهم مثل الذبابة التي لا تخنق لكنها تفلت النفس، وإذا كانت الظاهرة خاضعة للمعالجة وجديرة بالتتبع، فإن الكائنات البشرية من عجائز سميح القاسم أقل شأنا بكثير وأقل قيمة من إثارة الاهتمام الحقيقي، لا سيما عند من لا يزعم أنه أحد متخصص في شؤون الذباب... ونقطة سطر جديد...


* ونقطة على عين كل من لا يزعم أنه متخصص في شعر الرّهاب يا سميح دون وقف التنفيذ...


(يصيح بغضب أعمى وبكل ما أوتي من قوة) كفوا شركم عني!!!!!!!!!!!!!!!


www/parisjerusalem.net


التنين الأصفر اذ يتمدد في القارة السمراء

د. عبدالله المدني
ما بين الثامن والتاسع من شهر نوفمبر الجاري شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية انعقاد المؤتمر الوزاري الرابع للمنتدى الصيني – الأفريقي، الذي ينعقد كل ثلاث سنوات. وقريبا جدا ستستضيف بكين منتدى الصين – أفريقيا للتنمية والتعاون الصناعي 2009 برعاية جمعية التعاون الصيني وبمشاركة وزراء صناعة ورجال أعمال من أكثر من 40 قطرا أفريقيا.
في المؤتمر المذكور، كان أكثر ما لفت الأنظار هو إعلان الصين على لسان رئيس حكومتها "وين جياباو" أن بلاده قد خصصت نحو عشرة مليارات من الدولارات لتقديمها كقروض ميسرة الى الدول الأفريقية في السنوات الثلاث القادمة، ثم تأكيدها على نيتها لعب دور أكبر على الساحة الأفريقية " من أجل تحقيق السلام والإستقرار والتنمية الإقتصادية والإجتماعية، مشيرة في هذا الصدد على عزمها على إعفاء منتجات الدول الأفريقية الأقل نموا من تلك التي تقيم معها ( وليس مع تايوان) علاقات دبلوماسية من الرسوم الجمركية بنسبة 95 بالمئة، وعزمها أيضا على دعم المؤسسات الصينية المالية المنخرطة في تقديم القروض إلى الشركات الأفريقية الصغيرة والمتوسطة، علاوة على إستمرارها في تخفيض أو إلغاء الديون المستحقة لها على بعض الأقطار الأفريقية (عقدت الصين منذ عام 2006 إتفاقيات بهذا الشأن مع 31 دولة في أفريقيا، وبلغ إجمالي ما أسقطته عنها من ديون نحو عشرة مليارات من الدولارات).
ردود الفعل على الخطوة الصينية كانت متباينة أفريقيا. فعلى حين صفق لها البعض معتبرا إياها ضربة معلم سددها التنين الصيني بإتقان الى "الوحش الإمبريالي الغربي"، خصوصا وأن المساعدات والتعهدات الصينية غالبا ما لا ترتبط بشروط سياسية أو بمسائل تتعلق بحقوق الانسان وحرية التعبير، فإن البعض الآخر رأى فيها شكلا من أشكال الاستعمار والهيمنة، على إفتراض أن ما تسعى اليه بكين لا يختلف عما سعت إليه القوى الإستعمارية الغربية في الأمس لجهة الاستحواذ على خيرات القارة وإغراق أسواقها بالمنتجات الصينية الرخيصة على حساب المنتج الأفريقي غير القادر على المنافسة، مقابل إنفاق بعض الأموال هنا وهناك على تحديث البنية التحتية وإقامة المشاريع الصحية والزراعية والتربوية.
على أن الرأي الأصوب هو النظرالى خطوة بكين هذه في سياق سياستها الخارجية الراهنة المتوازية مع ما بلغته من قوة اقتصادية وعلمية وعسكرية هائلة، والرامية إلى ضرورة التمدد في كل الإتجاهات، ومنافسة القوى العالمية الأخرى على جميع الأصعدة، ولا سيما على صعيد الإستحواذ على مكامن الطاقة والموارد الطبيعية.
لقد وجدت بكين في القارة السمراء أرضا جاهزة للتمدد في ظل إهمال الآخرين لها أو إنشغالهم بأماكن وقضايا أخرى، وأرضا بكرا غنية بموارد الطاقة والمواد الأولية التي هي في حاجة ماسة إليها (نفط، حديد، نيكل، نحاس، زنك، ألومنيوم، أخشاب). علاوة على ذلك وجدت بكين في هذه القارة الشاسعة الفقر والمرض والجهل والبطالة المستفحلة والبنية التحتية المهترئة، وغير ذلك من الأمور التي يمكن علاجها بالمشروعات والقروض والإستثمارات من أجل كسب ود وثقة الأفارقة وحكوماتهم.
ومن هنا لم يكن غريبا أن يصل حجم التبادل التجاري ما بين الطرفين في عام 2008 إلى رقم غير مسبوق هو 107 مليارات دولار، بعدما كانت قيمته في عامي 2000 و 2006 هي 15 و 55 مليار دولار على التوالي.
وفي السياق نفسه لم يكن غريبا أن تستحوذ الصين بمفردها على 13 بالمئة من إجمالي ناتج القارة من النفط، وأن تنفذ الصين في افريقيا حتى الآن نحو 1600 مشروع يتراوح ما بين بناء السدود ومحطات الطاقة المائية وإنشاء المصارف و المستشفيات والمدارس ومراكز مكافحة الملاريا ومحو الأمية و معامل الغزل والنسيج وتطوير المناجم والبنية التحتية مثل الطرق وشبكة الاتصالات والمياه.
ومن هنا أيضا لم يكن غريبا أن تثير الخطوة الصينية المذكورة وما سبقها وما قد يتلوها جملة من ذكريات الماضي، يوم أن كانت الصين تتطلع فقط الى إيجاد موطيء قدم لها في القارة من خلال إستغلال الأخيرة كساحة حرب إيديولوجية لمنافسة الغرب والإتحاد السوفيتي، وتحريض شعوبها على حمل السلاح و القيام بحرب عصابات تحت شعار "الحرب من أجل الإستقلال والحرية والكرامة".
ومن الذكريات التي لا تزال عالقة بأذهان الجيل السابق من الأفارقة أيضا، الجولة النادرة التي قام بها رئيس الوزراء الصيني الأسبق "شو إن لاي" في عام 1963 والتي شملت عددا من الأقطار الأفريقية الهامة وقتذاك مثل مصر والجزائر والسودان والمغرب وغينيا، لكن دون أن تحقق أهدافها المتمثلة في إقناع تلك الدول بالإصطفاف خلف بكين وفض شراكتها مع موسكو أو الغرب، وذلك لأن الصين لم تكن وقتذاك في حالة تتيح لها منافسة الغربيين والروس، بسبب وضعها كدولة زراعية من ضمن دول العالم الثالث، وهو الأمر الذي أدى الى حدوث صدمة لدى النظام الماوي وبالتالي قراره بالإنكماش على نفسه والإعتماد على ذاته وتركيز سياساته على الداخل.
هذا المنحى لئن ظل سائدا حتى قيام الرئيس الامريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في عام 1971 برحلته التاريخية الى بكين، والتي تلاه قرار القيادة الصينية بضرورة الإنفتاح التدريجي على الخارج عبر البوابتين الدبلوماسية والتجارية، فإنه تغير تغيرا دراماتيكا بعد وفاة ماو تسي تونغ وإنتقال السلطة الى الزعيم الإصلاحي "دينغ هيسياو بينغ" الذي يعود إليه الفضل في تخلي الصين عن الشعارات الراديكالية وسياسات تصدير الإيديولوجيا والإستعاضة عنها بسياسات خارجية برغماتية مرنة عمادها دمج الصين في الإقتصاد العالمي وتحديث البلاد عبر الإستعانة بالتقنيات الخارجية ورؤوس الأموال الأجنبية.
وهكذا، بعدما كانت التجارة الخارجية الصينية شيئا لا يذكر، إرتفع حجمها بعيد زيارة نيكسون وتحديدا في عام 1975 لتصل قيمتها الى 15 مليار دولار. وما بين تولي دينغ للسلطة ووفاته في عام 1997 إرتفعت قيمة تلك التجارة من 21 الى 325 مليار دولار، بل صارت التجارة الخارجية تمثل نحو 44 بالمئة من الناتج القومي طبقا لأرقام عام 2000 ، وصارت الصين قبلة لزعماء العالم ورجال الأعمال، وصاحبة حضور قوي على المسرح الدولي.
ولعل من أهم العوامل الخارجية التي ساهمت في هذا التحول، احتلال الصين لمقعد دائم في مجلس الأمن ابتداء من عام 1971 خلفا لتايوان، وهو الحدث الذي دفع بدول كثيرة ، أفريقية وغير أفريقية، لخطب ود بكين عبر قطع روابطها الدبلوماسية وغير الدبلوماسية مع تايبيه. والأدلة على الشق الأخير كثيرة، فمثلا في عام 1997 وحده بلغ عدد الرؤساء الأفارقة الذين قاموا بزيارات رسمية للصين 40 رئيسا. وفي عام 1999 وصل حجم التبادل التجاري ما بين الصين و دول القارة الأفريقية إلى 6.5 مليار دولار، ليرتفع الرقم في غضون ست سنوات فقط إلى 39.7 مليار دولار. كما وأن عدد الشركات والمؤسسات الصينية العامة والخاصة العاملة في أفريقيا إرتفع إلى 800 مؤسسة تعمل بموجب عقود وإتفاقيات تتراوح مدتها ما بين 15 و 20 عاما. الأمر الآخر اللافت للإنتباه في هذا السياق كان تزايد أعداد الأطباء الصينيين العاملين في دول القارة حتى وصل عددهم في إحدى الفترات إلى 15 ألف طبيب وطبيبة.
الأدلة الأخرى تشمل التواجد العسكري ضمن أو خارج نطاق المشاركة في قوات حفظ السلام الدولية. ففي عام 2006 مثلا كان هناك أكثر من 1500 جندي وضابط صيني يعتمرون القبعات الزرقاء ويعملون ضمن قوات حفظ السلام الأممية في ليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وكدليل على تنامي الروابط العسكرية ما بين الطرفين، كان هناك 14 ملحقا عسكريا يعمل ضمن السفارات الصينية في أفريقيا في عام 2007، مقابل 18 دولة أفريقية كان في سفاراتها في بكين ملحقون عسكريون. هذا علاوة على الأسلحة التي باعتها الصين لأفريقيا والتي بلغ إجمالي قيمتها نحو 142 مليون دولار حتى عام 1977 .
ولم تقتصر الروابط الصينية – الأفريقية على المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية، وانما تعدتها الى المجال الثقافي، بدليل سعي بكين الحثيث الى نشر ثقافتها وحضارتها في القارة السمراء من خلال تأسيس المراكز الثقافية المسماة "معهد كونفوشيوس" في موريشوس ومصر وجمهورية بنين و غيرها. وقد ساهمت هذه المراكز في تدريس اللغة الصينية للأفارقة، وهذا ساهم بدوره في تسهيل إلتحاقهم بالجامعات الصينية أو تسهيل هجرتهم للعمل في الصين (تشير الإحصائيات الرسمية الصينية إلى أن أكبر جالية أفريقية في الصين هي الجالية النيجيرية المكونة من نحو 20 ألف شخص مابين طالب ومهاجر، وذلك مقابل نحو 750 ألف صيني يقيمون ويعملون في المشروعات المختلفة في أفريقيا).
بعيدا عن العلاقات المعاصرة. تذكر المصادر التاريخية أن علاقات الصين بأفريقيا تعود الى الفترة ما بين عامي 202 و 220 قبل الميلاد، وذلك اعتمادا على مصكوكات نقدية من عهد سلالتي "مينغ" و قينغ" تم العثور عليها في مقاديشو الصومالية وزنجبار التانزانية وغيرهما من مدن الساحل الشرقي لأفريقيا. وطبقا للمصادر نفسها، فان أول من وصل الى البر الأفريقي من الصينيين كان الأدميرال "زينغ" الذي وصلت سفنه الى موانيء القرن الأفريقي وسواحل موزانبيق، حاملا الهدايا لحكامها من الإمبراطور "مينغ". أما أول من وصل الى الصين من الأفارقة فقد كان الرحالة المغربي الأشهر "ابن بطوطة" التي وصلها في حدود عام 1345 ميلادية قادما من الهند، وكتب عن عجائبها وحكمة أهلها وعادتهم الغريبة و أحوالهم وطقوسهم الاجتماعية والدينية صفحات مطولة.
د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
البريد الاليكتروني
: elmadani@batelco.com.bh


من يخدم التجاهل العربي لخطة افنان القاسم ؟

نبيل عودة
المعارضة من الداخل ...لعبة سياسية قديمة لحكومات اسرائيل!
الخبير في تفاصيل الحياة السياسية في اسرائيل يصاب بالضحك من تمثيلية عضو الكنيست الليكودي ، داني دانون ، والجناح اليميني المتطرف ، الذي جمع 500 توقيع من أعضاء مركز حزب الليكود ، ضد تجميد البناء في المستوطنات الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة. وبحسن معرفتي لخبايا السياسة في اسرائيل اقول أني لا أعرف جناحا آخر في الليكود ، حتى بيبي نتنياهو لا يمثل الا نفس الجناح ، ولكن الجالس في مكتب رئيس الحكومة في القدس الغربية ، مقيد بشروط ليست من خياراته : حسابات ائتلافية ، حسابات علاقات استراتيجية مع راعية الولد العاق، والتي بدونها تصبح اسرائيل مسادة جديدة ،متطلبات الواقع الدولي ، خاصة موقف دول السوق الأوروبية المشتركة ، المؤثرة أقتصاديا ، والتي تحاول اسرائيل ان تضمن معها علاقات تجعلها أشبة بكونها عضوا بالمجموعة الأوروبية ، اقتصاديا وثقافيا ورياضيا ونظام دولة .. الخ .
والحل ؟
اسرائيل منذ نشأتها ، تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول. وتواصل الخداع باساليب متنوعة ، بعضه يمكن تسويقة وبعضه الآخر بات بضاعة فاسدة من كثرة استعماله. وواضح ان وصول ادارة جديدة الى البيت الأبيض ، ممثلة بجيل أمريكي جديد ، وفكر سياسي مختلف نسبيا ، ولكنه غير بعيد في قواعده ، بما يخص النزاع في الشرق الأوسط ، عن نفس المواقف لأكثر الأنظمة الأمريكية دعما لإسرائيل. وأعني نظام بوش سيئ الصيت ، الذي كان يرفض أيضا الاستيطان ولكنه يتغاضى عن ابنه العاق ويرعى مصالحه حتى لو عرضت المصالح الاستراتيجية الأمريكية لبعض المشاكل ، ولكنها مشاكل مع دول بلا عمود فقري ،ولا ضروة للتوضيح من هي الدول التي أعنيها .
هذا الأمر يبدو انه انتهى مع وصول فكر جديد يمارس سياسة نظيفة أكثر وعقلانية أكثر .. ونأمل ان يتعمق هذا النهج .. رغم ما شاهدناه من تراجعات ، وعدم مثابره ، بل وتناقض بين وضوح موقف الرئيس اوباما ، وتردد موقف وزيرة خارجيته ، هيلاري كلينتون ، التي كما يظهر تفكر بالرئاسة مستقبلا ، وعليها ضمان أصوات اللوبي اليهودي القوي والمقرر نسبيا في نجاح المرشح الرئاسي مستقبلا أيضا. اوباما اعتمد على تحريك القوى السوداء وهذا يحرره بعض الشيء من اللوبي اليهودي .
الإنتفاضة في مركز الليكود ضد تجميد الاستيطان ، هي سياسة اسرائيلية قديمة. بدأت منذ أول حكومة بعد تشريد الشعب العربي الفلسطيني ، وكنت قد سردت تفاصيل ذلك في مقال سابق ، واعيد تسجيل تفاصيل هذه اللعبة السياسية الاسرائيلية ، التي صرنا نعرفها ، تقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقول ، والدنيا باقية بألف خير ، السيد في البيت البيض لن يجرؤ على اظهار عقوقنا.. وبالتالي اوروبا في نفس التلم الأعوج ..

قرار نتنياهو بتجميد البناء في المستوطنات ،ما عدا ما يسميه بناء مراكز جماهيرية ، متجاهلا ان الهدف من تجميد البناء هو الخطوة الأولى لفك المستوطنات وسحب سوائب المستوطنين . واعادة الأرض لأصحابها الشرعيين ، الشعب الفلسطيني في دولته فلسطين .
كل من يتوهم ان نتنياهو يختلف عن ال 500 عضو مركز ليكودي ، يعيش في أوهام .
نتنياهو يكرر لعبة سياسية إسرائيلية قديمة ، بطلها بن غويرون ووزير خارجيته في وقتها موشيه شاريت .. وذلك في فترة الرئيس الأمريكي ترومان .. إذ بعد قيام إسرائيل (1948 ) وتشريد مليون فلسطيني من وطنهم ، والتغطية الدولية على فضائح التطهير العرقي وجرائم الحرب التي لا تختلف عن أي جرائم ارتكبت ضد اي مجموعة سكانية في العالم ، وخاصة جرائم النازيين ضد اليهود ، وهذه بشهادة المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابه.. طرحت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بحدة امام المحافل الدولية.
ترومان ضغط لإعادتهم إلى المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم ، والتي أطلقت عليها اسرائيل ( عام 1948 ) اسم "المناطق المدارة "، تماما كما أطلقت نفس التسمية على المناطق التي احتلتها بحرب عام 1967 ، .. أي لم تُضم رسميا إلى إسرائيل في 1948 . وواضح أن المسالة مؤقتة والضم زاحف.. وقتها اقترح بن غوريون على وزير خارجيته أن يبلغ الرئيس الأمريكي باستعداد إسرائيل على إعادة 100 ألف لاجئ فلسطيني مقابل شرط تعجيزي بأن تعترف الدول العربية بإسرائيل ، والمتوقع مراضاة الرئيس الأمريكي ، وإظهار العرب كرافضين .. اذ لا يمكن لأي منطق سياسي ان يقبل اعادة 10% من اللاجئين فقط ...
واضح ان الإدارة الأمريكية ما كان لها ان تشتري هذا التنازل الاسرائيلي . وهنا بدأت حكومة بن غوريون لعبتها السياسية الشبيه بما يجري اليوم بين نتنياهو ومركز حزبه وأعضاء الكنيست من حزبه .
بن غوريون اتفق وقتها مع وزير خارجيته شاريت بأن يوعز لأعضاء حزبه ( حزب المباي وقتها ) في الكنيست أن يهاجموا الحكومة على " كرمها " وقبولها عودة 100 ألف لاجئ إلى مناطق تحت إدارة إسرائيل وليسوا ضمن دولة اسرائيل رسميا ، أي لم يُضموا لدولة اسرائيل رسميا بعد .. وهذا ما حدث .. تعرضت حكومة بن غوريون لهجوم المعارضة وأعضاء حزبهم في الكنيست ، وظهروا أمام ترومان "مساكين" مقيدين برفض الكنيست الشامل ،وبنفس الوقت يجابهون برفض عربي ... وأن رئيس الحكومة مقيد ولا يقدر ان يلبي كل طلبات الصديق الأمريكي . وعليه يجب ان يتفهم الصديق الأمريكي ، كما برز ذلك بتراجعات السيدة كلينتون عن التجميد الشامل للبناء في المستوطنات ، بتجاهل لأمر أساسي ، ان الهدف ليس وقف البناء فقط ، انما وقف الاستيطان وكنسه . واستمرار البناء يعني ان نوايا اسرائيل مصادرة الأرض ، ضم المستوطنات ، وتحويل المساحة الفلسطينية المتبقية لشبه دولة ، كنتونات أقرب في مضمونها للمحميات الهندية ،التي حُصر فيها الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية ... فما هي اذن فائدة المفاوضات مع الشروط المسبقة العملية التي تفرضها حكومات اسرائيل كلها ، وبغض النظر عمن يجلس في كرسي رئاسة الحكومة؟
هل نصدق ما يقولون ام ما ينفذون ؟

السؤال الأول الذي يتبادر الى الذهن ، هل الاعلام العربي يخدم حقا القضايا العربية والمصالح الاستراتيجية العربية؟ هل هناك وعي كامل لما يدور من خداع أخطر حتى من تصريحات وزير خارجية يميني فاشي ( أفيغدور ليبرمان ) مواقفه لا تحتاجة الى توضيح اعلامي؟
والسؤال الثاني ، هل استطاع الخطاب السياسي العربي ان يحتل مكانه على الساحة الاعلامية الدولية كمعبر عن مصلحة وطنية ،سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية ، ثقافية وأمنية لأكثر من 350 مليون عربي؟.. وليس فقط لقضة شعب عربي صغير ويعاني منذ أكثر من نصف قرن من حياة الذل في الدول العربية أيضا؟
للأسف الجواب على السؤالين هو سلبي تماما .
حقا يوجد اعلام عربي دولي ، ما هي قيمته ، ما هي قوة تأثيره ؟ هل من قيمة للمواقف السياسية العربية ؟ هل من وزن نوعي للدول العربية على الساحة الدولية؟ هل من تأثير على اقتصاديات العالم ، كتغطية للسياسة العربية ؟ هل من تنسيق عربي واضح المعالم ومتواصل عبر مراحل ، ام سياسة العودة الى نقطة الصفر لنبدا كل مرة من البداية المذلة ؟ يدنا من تحت ، طلبا للرحمة واستجداء للحفاظ على بعض ما تبقى من كرامة وطنية وأخلاقية؟
الموضوع ليس ديباجة لغوية . انما نهج يعتمد على قوة سياسية مؤثرة. وهذه للأسف غائبة.
البارز في الاعلام العربي هو تحوله الى بوق للقوى المسيطرة في المجتمعات العربية وفي السياسة العربية. قوى معادية للدمقراطية ، معادية لحقوق الانمسان ، معادية لمساواة المرأة ، غير قادرة على بناء نظام عربي حضاري يفصل بين المؤسسات ، أنظمة تتفشى فيها الامية الرهيبة ، أنظمة تندمج مع الفكر الأصولي المتخلف والمعادي لأي فكر تنويري... لدرجة ان الفتاوي الدينية المضحكة والمثيرة للإستهجان أضحت مميزا اعلاميا عربيا يُضحك العالم على مستوانا الفكري المتدني . فهل يتوقع أحد ان يقيم اعتبارا لمثل هذا التخاذل والتشرذم ، الفكري والعقلي العربي ؟

خطة جريئة للدكتور أفنان القاسم : لماذا هذا التجاهل العربي ؟

لا يسعني انهاء مداخلتي قبل التطرق للخطة التي قدمها الدكتور افنان القاسم ، وأعرف ان قوى يهودية عقلانية اهتمت بتفاصيل الخطة ..
قبل كل شيء ليس بالصدفة أن مفكرا عربيا بارزا ، مثل الدكتور افنان القاسم طرح خطة جريئة لحل النزاع الفلسطيني اسرائيلي ، برؤية عقلانية للواقع وبمعرفة كاملة للقصور العربي المتواصل منذ غياب الزعيم الوحيد الذي تصرف كرجل دولة وبغيرة قومية ، وبتمسك كامل بالكرامة العربية ، رغم ما أحاط به من فساد داخل نظامه نفسه .
خظة الدكتور افنان تصلح كقاعدة لجمع الكلمة الفلسطينية أولا ، قد نختلف حول العديد من بنودها ، وهذا مشروع ، ولكنها قاعدة هامة لتبنيها في الظروف الصعبة للواقع الفلسطيني والعربي ، على ألأقل قاعدة لحوار فلسطيني داخلي ، وأعتقد أيضا ان الدكتور افنان لم يطرح خطته كأمر نهائي لا يقبل النقاش والتطوير .. بدون موقف فلسطيني موحد ، ورؤية كاملة ، مرحلية ، لا أرى اننا سنتقدم نحو الحل . العالم عنده مشاكل أكبر من فلسطين واسرائيل. والظن ان الوسيط الأمريكي يملك حلولا سحرية ، بينما نحن ننتظر ، هو ظن قاتل .. من هنا رؤيتي ان خطة أفنان يجب ان تثير حوارا فلسطينيا وعربيا .. هذا البرود والخمول الفكري يخيفني ولا يطمئنني على ما يطرح من أفكار ، وما يجري من تطورات ،يمكن تلخيص ردود فعلنا عليها بانها انفعالية .

المثقفون العرب المتنورون ، ينشطون خارج أوطانهم .. صوتهم لا يكاد يسمع . من الصعب حتى دخول بعض مواقع الانترنت غير المرضي عنها من بعض الأنظمة . وبوجود أمية رهيبة في انتشارها ، وفقر مدقع واسع الشمول للجماهير العربية، لا أرى أي آفاق لعصر عربي جديد.
سنشتم اوباما.. ماذا نملك غير ذلك ؟
سنتهم الاستعمار والصهيونية .. لماذا لا نتهم قصورنا وتخلفنا؟
سنؤلف الأناشيد التي ترفع المعنويات ، وصور ما يظهر من صدر وسيقان هيفاء وهبه يشغل الصحف العربية ومصوريها أشهرا طويلة أكثر مما تشغلها قضية الأراضي المحتلة او قضايا الفقر ، او تخلف الجامعات العربية او البطالة القاتلة ، او الفساد السلطوي . ونختلف على انواع الزواج الشرعي ، وهل هي خمسون نوعا فقط ام مائة نوع !!
غياب هذا الاعلام المبتذل ، أفضل لصورتنا الدولية ، وأفضل لتحرير المواطن العربي من فكر الاعجاز والخوارق والايمان بالشواذ ، التي تغطي على فساد الأنظمة وفساد التعليم واستمرار التخلف والعنف والفكر الارهابي ضد كل مختلف فكريا ودينيا واثنيا.
المضحك ان بعض المواقف الفلسطينية لم تتحرك عن المواقف السابقة لنكبة 1948 ، أقول هذا بألم . النكبة لم تكن خيارنا ، وهزيمة 1967 لم تكن بارادتنا ، و"انتصارات العرب" في العام 1973 لم تجلب الا المزيد من الاذلال والضياع للشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
العراق ، الذي كان يملك الامكانيات للتطورالاقتصادي والعلمي وبناء قوة عربية ، جرى توريطه بحرب غبية ، ثم استكمل التدمير ، بحرب الكويت ، بمشاركة عربية ، وفيما بعد بعدوان دولي ورضاء عربي . وبنفس الوقت لا ادافع عن نظام صدام حسين ودوره في جر العراق الى ما هو عليه اليوم . ولكني لا أستثني الدور العربي المخجل والمتخاذل والمتعاون في تدمير العراق، العراق ليس صدام حسين فقط ، بل عراق الشعب والتاريخ والحضارة والتقدم ، وهناك الف وسيلة أخرى غير التدمير الذي فتح ابواب جهنم ، اليوم في العراق ، وربما غدا في دول عربية أخرى !
اليوم نتوهم ان قنبلة ايران النووية ستؤمن رحمة وسندا للعرب متجاهلين ان المشروع الفارسي أكثر خطورة من المشروع الصهيوني ، وربما جانب هام من الصراع الاسرائيلي ايراني هو على مناطق النفوذ مستقبلا في عالم عربي خامل ويفتقد لمقومات الدول ..
الواقع يثير التشاؤم .. ومع ذلك الإستسلام للواقع ، جريمة !


نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
Nabiloudeh@gmail.com


السبت، نوفمبر 28، 2009

العيد لم يحمل أي جديد

راسم عبيدات

.......الكثير من الأسر والعائلات الفلسطينية،توقعت أن يكون هذا العيد مختلفا عن الأعياد السابقة،وأن تكون فرحتها غير مسبوقة في هذا العيد،بتحرر أبنائها من الأسر،على ضوء المعلومات والتوقعات التي كانت تشير الى أن صفقة التبادل ستنفذ وتنجز مع حلول عيد الأضحى المبارك،ولكن الاحتلال والذي يصر دائماً على حرمان شعبنا الفلسطيني من أي لحظة فرح،بل ويعشق التلذذ بالآلام الآخرين والرقص على جراحهم،رفض الاستجابة لمطالب الفصائل الأسرة لجنديها المأسور "شاليط"،وفي ذلك رسالة موجهة لنا كفلسطينيين أولاً وكعرب ثانياً ،علينا أن نستوعبها جيداً،بأن هذا الملف هو ليس له علاقة لا ببوادر حسن النية أو خطوات بناء الثقة،أو بالتنازلات المؤلمة من أجل السلام،بل هو جزء من عملية إبتزاز سياسي،وكسر وتحطيم لمعنويات شعبنا الفلسطيني،والمواقف والتصرفات الإسرائيلية في هذه القضية بالذات،تجعلنا متيقنين أن هذه الحكومة اليمينية ما تريده ليس سلاماً يقوم على تلبية ولو الحدود الدنيا من حقوق الشعب الفلسطيني،بل ما تريده هو شرعنة وتأبيد الاحتلال أو على الأبعد،"كانتونات" فلسطينية متناثرة ومبعثرة،فمن الأسماء الذين ترفض إسرائيل إطلاق سراحهم في الصفقة اثنان من قادة شعبنا هم أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح،وكلاهما نائبان منتخبان للمجلس التشريعي الفلسطيني،وتبرر إسرائيل رفض إطلاق سراحهما بأن الأول مسؤول عن رفع مستوى الحرب بينها وبين الشعب الفلسطيني،وأيضاً مسؤول عن قتل الوزير المتطرف"زئيفي" والثاني هو قائد ومهندس انتفاضة الأقصى والمسؤول عن الكثير من العمليات العسكرية.

والسؤال المهم هنا إذا كان الرفض يطال هؤلاء القادة الفلسطينيين،ومن خلال عملية تبادل،فهل هناك عاقل يدرك أن إسرائيل ستحرر سعدات أو البرغوثي أو غيرهم من الأسرى ممن هم خارج تصنيفاتها وتقسيماتها وإشتراطاتها بالمفاوضات وحسن النوايا وصفقات إفراج آحادية الجانب؟.

والجواب طبعاً لا قاطعة وكبيرة،فهذا إحتلال يقوم على الغطرسة والعنجهية،ومشبعاً بالعنصرية والكره والحقد على الآخر،وهو لا يرى فيه أن له الحق في الوجود والحياة،وليس أدل من ذلك ما قامت به عصابات وغلاة المستوطنين من اقتحام لبيت المواطنة أم رفقة الكرد في منطقة الشيخ جراح يوم العيد للاستيلاء عليه،وما رافق ذلك من توجيه إخطارات وأوامر هدم الى الكثير من العائلات المقدسية في يوم العيد بالذات.

هذه الغطرسة والممارسات الإحتلالية،كنا نأمل أن تكون حافزاً لقوانا وأحزابنا الفلسطينية الوطنية والإسلامية منها،وفي المقدمة منها (فتح وحماس)،من أجل إنهاء حالة الإنقسام الفلسطينية،والعمل على رسم إستراتيجية فلسطينية موحدة،تمكن من تقوية وتصليب الوضع الداخلي الفلسطيني،ولكن لم يحمل العيد أيضاً أي جديد على هذا الصعيد،فالإنقسام ما زال على حاله،والحصار على شعبنا أيضاً على حاله،والعدوان يتواصل عليه والشهداء يسقطون في يوم العيد بلا صخب أو ضجيج.

أما إذا إستدرت نحو الجانب الاجتماعي،فأنت ترى أن هناك حالة غير مسبوقة ليس قي التعاضد والتكافل الاجتماعي،بل هناك حالة غير مسبوقة من التفكك والتحلل والإرتداد نحو القبلية والعشائرية والجهوية،والمشاكل والآفات الاجتماعية تأخذ أشكالاً على درجة عالية من الخطورة،فالخلافات البسيطة ولأتفه الأسباب،مثل الخلاف على موقف سيارة أو إعطاء حق الأولوية،أو نصف متر من الأرض أو سلوك إجتماعي غير مقبول ومهما كان تافه أو بسيط،قد تتطور وتتحول الأمور الى حرب داحس والغبراء ويسقط فيها قتلى وجرحى،ويشترك فيها العقلاء قبل الجهلاء،وكأن المجتمع بكل مركباته الاجتماعية قد فقد البوصلة،وكل ذلك في ظل حالة من الغياب للقانون والمحاسبة والمسائلة،أو اللجوء للقضاء. واعتماد الحلول العشائرية ،والتي في أغلبها تعتبر أن فنجان القهوة أساس صالح لحل كل أشكال وأنواع المشاكل مهما كبرت أو صغرت،وبما يجعل هذا الحل يغري بمواصلة التمادي في الأخطاء وارتكاب المشاكل وافتعالها،ونحن هنا بحاجة الى ما هو أكبر من صحوة،فعندما لم تعد لحياة الإنسان قيمة ويقتل لأتفه الأسباب،أو يتم تجاوز كل الخطوط الحمراء وتنتهك المؤسسات التعليمية ودور العبادة والمشافي،وتمارس كل أشكال وأنواع الزعرنة والعربدة بحق العاملين فيها ،وكذلك عندما يفتي ويتحكم الرويبضة في أمور العامة،فهذا يعني أننا أمام حالة شمولية من الانهيار،وهي بحاجة إلى ليس لمجرد وعظ وإرشاد وخطب عصماء عن التسامح والتعاضد والتكافل،أو مواثيق شرف لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به،بل نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل وتربية وتثقيف،تربية وتثقيف وتوعية،ومحاسبة لمن يمس ويعرض وحدة المجتمع للتخريب والتدمير،بحيث يعتبر من يجاهر أو يدعو الى النزعات الإنغلاقية أو تكفير وتخوين الآخرين لمجرد الخلاف في الرأي أو وجهة النظر،أو يحرض على القبلية والجهوية والعشائرية أو الطائفية،مخالفة وحتى جريمة يعاقب عليها القانون،فما يجري فلسطينياً وعربياً على هذا الصعيد،وما حدث في مباراة مصر- الجزائر وما رافقها من تداعيات خطيرة جداً،يجب أن يكون ناقوس خطر لكل قادة ومفكري ومثقفي وكتاب وأدباء وعلماء ورجال سياسة ودين من هذه الأمة،بأننا أمام مخاطر مفصلية وخطيرة،تهدد الأمة بوجودها ووحدتها وقوميتها،فالمسألة ليست قصراً على النزعة الشعبوية،بل ما هو أبعد من ذلك،حيث التقسيم والتجزئة والتذرير يطال المقسم والمجزئ أصلاً في القطر الواحد.

في العيد القادم علينا،أن نغادر ما نحن عليه من نفاق ودجل إجتماعي،وأن نوائم ما بين أقوالنا وأفعالنا،فلا يجوز أن ننبذ العشائرية والطائفية أمام العدسات وفي المؤتمرات والإجتماعات،ومن ثم في المجالس العائلية والجلسات المغلقة نشيد ونعتز بها،ونعتبر أنها العنوان والمظلة التي تقوينا وتحمينا،وما ينطبق على العشائرية والطائفية،ينطبق على الحزبية وغيرها،فالجميع فلسطينياً يدعو لنبذ الخلافات والفرقة والإنقسام وعدم تجاوز الخطوط الحمراء،ولكن ما يمارس ويجري على أرض الواقع،يثبت أن الجميع مشترك وبدرجات متفاوتة في الكذب والخداع،وفي سبيل مصالحه الخاصة مستعد أن يهدم الهيكل والمعبد على رأس من فيه.

في العيد القادم نريد أن نتحرر من النمطية والرتابة والمظهرية والفشخرات الاجتماعية و"الهوبرات" الإعلامية والخطابات و"الجعجعات" وعبارات طحن الماء وتحرير الأندلس،نحو سلوك واعي يقدس العمل والفعل على الشعار والخطاب،نحو حرث جدي وحقيقي في الواقع الإجتماعي،من أجل إحداث تغير ونقلة نوعية في المفاهيم الإجتماعية البالية والمتخلفة،والتي ينطلق الكثير منها من مفاهيم الدروشة والإيمان بالأساطير والغيبيات والسحر والشعوذة والخزعبلات وإفتاءات المساطيل والمجذوبين.

الجمعة، نوفمبر 27، 2009

نعم, واحسرتاه يا قدس

د. صلاح عودة الله

"يا قدس..يا وجعا يعربد في دمي..مالي من الوجع الثقيل دواء..أقبلت نحوك و الفؤاد مكبل..والهم ذوب مهجتي و الداء..وذهبت للخلفاء اطلب عونهم..في النائبات فخانني الخلفاء..و العار ينشر في الوجوه رماده..والسيف ظل والرجال نساء..لا تطلبيني نجدة فكتائبي..مهزومة وجحافلي خرساء". يحتفل المسلمون في كافة بقاع الأرض بعيد الأضحى المبارك, ونكهة هذا العيد تختلف من بلد الى اخر, ففي العراق يستذكر الشرفاء والمناضلون ومقاوموا الاحتلال الغاشم وكافة أشراف الأمتين العربية والاسلامية ذكرى اعدام الشهيد الرئيس العراقي صدام حسين, وفي فلسطين المحتلة نعيش حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني فوق ربوع فلسطيننا الغالية, ولا تزال غزة منفصلة عن الضفة..غزة محاصرة ومن جميع النواحي, والضفة محتلة والاحتلال يصول ويجول فيها, وقطبا القيادة مصممون على استمرار هذه الحالة المخزية, فالمصالح الشخصية والحزبية والفئوية الضيقة أعمت الأبصار وشلت القلوب, وها هو صاحب كتاب "الحياة مفاوضات" وكبير المفاوضين الفلسطينيين يعلنها وبصراحة أن المفاوضات مع الصهاينة التي استمرت ثمانية عشر عاما قد فشلت..والسؤال الذي يطرح نفسه:هل كنا بحاجة الى كل هذه السنين لنعلن أن المفاوضات كانت عبثية ومضيعة للوقت؟, ومن ثم اذا كانت الحياة مفاوضات يا صائب عريقات, أين الكرامة؟. وأما بالنسبة لمدينة القدس فيمر عليها العيد ولسان حال المقدسيين يقول, عيد بأية حال عدت يا عيد؟..القدس لم تعد تلك التي نعرفها فقد تغيرت الى أبعد الحدود, الطرقات والشوارع والمعالم وكل ما كان يوحي وينطق بأنها هي المدينة التي ترعرعنا فيها وعرفناها تمام المعرفة..عرفنا كل حي وحارة فيها بل كل أزقتها. القدس محاصرة من جميع جوانبها بالبؤر الاستيطانية التي مزقت وقطعت أوصالها, ناهيك عن الجدار الذي فصلها عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية بل تمكن هذا الجدار من فصلها عن بعض القرى التابعة لها..ان نجاح غير أبنائها بالدخول اليها يعتبر انجازا عظيما وخاصة في أيام الجمعة حين يأتي المسلمون للصلاة في المسجد الأقصى المبارك, فتتكاثر الحواجز العسكرية الصهيونية وتتعالى معها صرخات الناس الذين يعيشون حالة من الذل والتحقير على هذه الحواجز. المعاناة لا تقتصر على غير أبناء القدس بل ان أبنائها يعانون أيضا, فالحواجز الطيارة لا ترحم, ويا ويل من يتم اكتشاف أمره بأنه لم يدفع ضريبة"التلفزيون" مثلا, فيتم حجز سيارته وبهدلته أمام أعين الجميع. معاناة أبناء القدس لا توصف ومن الصعب حصرها في هذا المقال, نفهم هذه المعاناة فهي من صناعة الاحتلال الصهيوني, وما لا يمكن أن نتقبله ونفهمه هو مشاركتنا في سياسة تهويد القدس, فالبعض يبيع الأراضي والبيوت لليهود, والبعض غارق في نشر الرذيلة فيها, فلا يهمه الا أن يمتع نفسه حتى ولو كان هذا الأمر على حساب الأرض والعرض والشرف. حتى من يسمون أنفسهم قادة هذا الشعب تجاهلوا القدس وقضيتها, هذه القضية التي دافع عنها وباستماتة ابن القدس المناضل الراحل فيصل الحسيني, ومن هنا نقول بأنه يتوجب اعادة فتح بيت الشرق, وجعل قضية القدس القضية المركزية وأقل ما يمكن فعله في هذا الخصوص هو نقل المؤسسات والجمعيات والنقابات الى القدس من رام الله وغيرها, فالقدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المنشودة. كثيرون هم من يدعون الانتماء وهو منهم براء..كثيرون هم من يحملون شعار الوطنية وهم في حقيقة الأمر من باعوا القدس والقضية, فالقضية سلعة تباع وتشترى..انه زمن العهر والغدر, زمن أصبحت فيه الخيانة مجرد وجهة نظر, والمقاومة ارهابا, والعملاء نشطاء في حقوق الانسان..زمن يأكل القوي فيه الضعيف, تماما كما يلتهم السمك الكبير الأسماك الصغيرة. قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف أطلق ابن القدس البار الكاتب والأستاذ والصحفي المرحوم محمد أبو شلباية صرخته المدوية"واحسرتاه يا قدس" وذلك من خلال كتابه الذي حمل أسم هذه الصرخة..قبل ثلاثة عقود من الزمن ورغم حداثة الاحتلال كان للقدس طعما اخر غير الذي نعيشه الان, ولكن فطنة أبو شلباية كانت عظيمة لدرجة أنه لم يكن مطمئنا لوضعها في ذلك الوقت وفي نفس الوقت كان يقرأ المستقبل وكان يحذرنا منه, فقد طالب برعاية القدس ومنحها الأوليات والا فسيتدهور وضعها..رحمك الله يا أبا مؤنس كم كنت صادقا في قراءة المستقبل, فالقدس تنخر عظامها المصالح الشخصية والفئوية الضيقة..القدس تقتلها الطائفية المقيتة..القدس تغتصب كل يوم على أيدي المنتفعين الوصوليين..ولا أدري يا أستاذنا ما تخفيه لنا الأيام..لقد رحلت عنا يا أبا مؤنس والحسرة تعتصر قلبك على ما جرى للقدس, وبعد قرابة العقد ونصف من الزمن على رحيلك تزداد الأوضاع سوءا فيها, ولا مجيب. ورغم كل ما أسلفت أقول: نم قرير العين يا أبا مؤنس فما زلنا نحتفظ ببريق من الأمل سيعيد لهذه المدينة هيبتها..أمل سيخرجها من الظلمات الى النور..ومرة أخرى ألف رحمة عليك و"واحسرتاه يا قدس".
-القدس المحتلة

الخميس، نوفمبر 26، 2009

ذكريات.. العمر اللي فات اولا: في مصر 8

انطوني ولسن
(ذكريات.. العمر اللي فات، هي محطة استراحة فكرية، انزل فيها من قطار الحاضر محاولاً الاسترخاء والتجوال في شوارع وحارات ومدن وحدائق حياتي.. اثناء تجوالي أحكي للقاريء حكاية من هنا او من هناك، اربطها بحكاية اخرى او حكايات، ان اقتضي الامر العودة الى قطار الحاضر. سأفعل ذلك لاستمرارية التفاعل مع الحاضر، الذي سيصبح يوماً.. ذكريات العمر اللي فات).

دعونا الآن نكمل الحكاية..

مرّ اول يوم عمل بسلام ووضع كل شيء في مكانه كما يجب، وكان سكني الأول في شقة في الطابق الثاني لعمارة في حارة مع الاستاذ عادل سكرتير المفتش ومعنا احد الصيارفة، اول مفاجأة في السكن السرير الذي سأنام «عليه».. مصنوع من «جريد» النخل. وعرفت السبب حتى لا تتسلق «العقارب» عليه.

في اليوم التالي خرجت متكلاً على الله ذاهبا الى عملي، مررت في طريقي وقرب سكني بمحل «خضروات وفاكهة» كبير ونظيف. حدّثت نفسي ان اقف واشتري نصف «اوقة» بطاطس، لأقوم بطهوها عند عودتي بعد العمل. جاءني شاب لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره هاشا باشا، وقبل ان افتح فمي بما اطلب، عرف انني غريب عن الحي.. طمأنت فراسته وصدق احساسه وتفكيره. ارتاح لي وسألني عن مطلبي. بعدما أخبرته بما أريد.. عاد وسألني عن حالتي الاجتماعية.. هل انا متزوج؟.. أجبته بالنفي.. هل اعيش مع اسرتي والدي ووالدتي مثلا؟.. فقلت له لا.. فعاد وسألني هل سبق لي القيام بطهو طعامي؟ فأجبته انني لم اطه طعاما في حياتي، ولم اتغرب عن بيتي.. بيت العائلة قبل ذلك. حََدجني بنظرة استغراب. صمت برهة ثم قال لي.. هل عندك مانع ان تطهو لك زوجتي طعامك كل يوم؟. نظرت اليه نظرت انكار لأن يكون مثل هذا»العيل» متزوجاً. فأمثاله في القاهرة ما زالوا يأخذون مصروفهم من والديهم.

اعتقد المسكين ان نظرتي قائمة على شكر وامتنان وعدم رغبتي في اضافة مسؤولية على زوجته الى جانب مسؤولياتها.. فقال.. «ما تعتلش هم احنا نخدمك بعينينا.. باين على حضرتك طيب وابن ناس. اخجلني كلامه فوافقت.

الفترة التي قضيتها في قنا والتي تجاوزت الثلاث سنوات فترة اعتز بها. لأنها هي فترة انصهار في بوتقة الحياة. كانت القراءة هي كل شاغلي اتلقى منها المعرفة والعلم. اما العمل في قنا فكان بمثابة الجامعة التي حُرمت منها فوجدتها بكلياتها المختلفة النظري منها والعملي والتاريخي والفلسفي في جامعة الحياة في قنا.

تعلمت كيف اتكلم مع الناس.. تعلمت ان من يعمل من اجل الناس، يحًظ دائما بمحبة الناس. تعلمت وتعلمت الكثير. اصبحت مديرية قنا بكل مكاتبها المنتشرة في مراكز قنا تخضع لنا نحن الثلاثة (عادل ابو راضي وأديب بنيامين وانا). كان من حقي كرئيس لمكتب بطاقات مركز قنا استخدام سيارة الشرطة، «المخصصة للمفتش» وسائقها برتبة «شاويش» للذهاب ال جميع قرى مركز قنا، وكثيرا ما كنا نتعدى هذا الخط والذهاب الى مراكز اخرى من مديرية قنا. كنا لا نقضي ليلة الجمعة ولا ليلة السبت في بيوتنا. اتسعت دائرة المعرفة واخذت انهل منها لأعوض ما فاتني من تعليم جامعي. زد على ذلك معرفة أديب بمديرية قنا، اعطانا الفرصة للتوجه الى اي مكان، وبسيارة الشرطة وذكرياتي كثيرة وجميلة ومحفورة في قلبي ووجداني.

اتذكر اليوم الذي دخل فيه علينا رجل لم انتبه اليه لانشغالي في العمل. لكن سمعته يوجه حديثه الى زميل مساعد لي ويقول له «عندما تعرفون كيف تحترمون الناس، عندها اعملوا في الوظائف الحكومية. نطق ذلك وترك المكتب غاضبا. فجأة وجدت الزميل اديب يقف ويصرخ في وجه الموظف «القناوى ايضاً» ويقول له.. الا تعرف من يكون هذا الرجل؟ انه اقوى شخصية في قنا كلها.. لم يكمل حديثه وجرى خارج المكتب يبحث عنه.. خرجت وراءه ابحث عنه ايضا.. لكنه اختفى، لم نعثر له على اثر، ولا حتى في مكتب سيارات ابوالوفا «دنقل» وهي من اكبر شركات سيارات «الباصات» في قنا ويمتلكها شقيق الرجل الذي خرجنا نبحث عنه وهو عمدة قرية «سامحوني» اذا كنت نسيت اسم الرجل وأسم القرية على الرغم من احترامي الشديد له كما سيأتي الحديث عنه».. اثار ذلك سخط أديب.. لفت انتباهي اهتمام أديب بهذا الرجل. فبيّت النية على التعرف عليه.. جاءتني الفرصة عندما وصلت بطاقات اهل قريته.

عادة عندما نذهب الى اي قرية، نرسل اشارة الى العمدة لاستقبالنا، اما مع هذا العمدة فلم أفعل ذلك، بل توجهت الى العمدة ومعي أديب وعادل ابو راضي «سكرتير المفتش» والساعي عبد السلام المعين معي.. والحق يقال انني كنت اثق بهذا الرجل ثقة عمياء، لانه بالفعل اهل ثقة .القرية «التي نسيت اسمها تماما» تلي قرية «قفط». وقفت السيارة امام دار العمدة.. وطبيعي كان خبر توجهنا اليه قد بلغه قبل وصولنا وكان في انتظارنا. تقدم الى باب السيارة الخلفي وفتحه بنفسه وفوجئ بي.. مد يده مصافحا مساعدا لي على النزول من السيارة وهو يقول لي.. لقد غلبتني.. مجيئك هذا ألغي كل شيء.. رددت عليه قائلا.. من لا يعرفك يجهلك، واعتذرت نيابة عن الزميل.. قال أهلا وسهلا بك وبمن معك.. شق طريقه بين أهل القرية ممسكا بيدي وتبعنا الزملاء ومن كان معي.

الغريب انه على الرغم من تواجد هذا العدد الهائل من أهل القرية، الا ان الهدوء التام كان يسود المكان. ومنذ ذلك اليوم وطوال فترة وجودي في قنا، كان الرجل وداره ملاذي عندما تضيق نفسي.. شخصية قوية ويعتبر دائرة معارف في العديد من أمور الدين والدنيا.

شيء آخر اتذكره، انني في كثير من الاحيان كنت اشعر بضيق وحنين الى رؤية عائلتي في القاهرة، اجد نفسي متوجها الى محطة قطار قنا بعد ان اخبر أديب او عادل انني مسافر وعليهما الاهتمام بالعمل.

في احدى هذه المرات كنت عائدا من القاهرة، وعلى رصيف محطة قنا وقعت عيني على الشاويش محمد سائق السيارة. ظننت انه جاء لتوصيلي الى المنزل. لكنه غمز لي بعينه مشيرا الى المفتش الواقف مع زوجته.. عرفت السيناريو.. رأني المفتش الذي بادرني بالسؤال.. الى اين انت ذاهب؟. ضحكت وقلت له الى مصر «القاهرة». ردّ علي.. هكذا وبدون اجازة! قلت له وماذا تريدني ان افعل؟ حضرتك لا توافق على منحي اجازة.. وانا خلاص «زهقت» من قنا. ابتسم وقال لا تسافر اليوم واعدك بعد أسبوعين تأخذ اجازة لمدة 15 يوما واستمارة سفر مجانية الى مصر والعودة. رددت عليه بابتسامة أكبر وقلت له اشكرك على هذا الاهتمام، وسأنتظر وعدك، كما ارجو ان يعود بي بعد ذلك الشاويش محمد بالسيارة الى المنزل.

تغير المفتش المدني الطيب الاستاذ حسين التوني، وارسلوا لنا مفتشا عسكريا من رجال الشرطة برتبة عقيد كما اتذكر. في اول يوم له بالعمل وجدته في المكتب يقوم بالتفتيش على اعمال مكتب بندر قنا. تقدمت اليه مادا يدي مصافحا ومهنئا بسلامة الوصول ومرحبا به في قنا. واذ به وهو يصافحني جالسا يقول لي (الساعة كام دلوقتي؟.. حضرتك بتشتغل في طابونة).. في هدوء تام رددت عليه وانا متجه الى مكتبي.. الطابونة اللي بتأكلني وتأكلك.

جلست على كرسي الخاص وطلبت من الساعي احضار «ساندوتشين» فول وطعميه (فلافل) وكوب شاي. تعجب الساعي عبد السلام من طلبي لكنه اسرع واحضر لي ما طلبت. وبالهدوء نفسه والبرودة ذاتها اخذت اتناول طعام الافطار والمفتش مشغول مع الموظف الآخر في تفتيش قاس. انتهيت من الافطار وشرب كوب الشاي وتدخين سيجارتي وجاءني المفتش المحترم دون ان يتحدث معي في امر الافطار هذا، بل قال لي «اين دفتر غير المقيمين» اعطيته الدفتر.. فتحه وسألني هل كتبت لهؤلاء «كروت» خاصة بهم، أجبته لا اتذكر.. قرأ اسم.. بحثت عن الاسم ووجدت الكارت الخاص به.. أمسكت بالكارت ثم اعدته مكانه وقلت له ليس له كارت. كرر الطلب اكثر من 5 مرات وأنا أقوم بالعمل ذاته. اخيراً طلب مني لقاءه في مكتبه للتحقيق معي.

ذهبت اليه في المكتب وسألته عن الذي قام بتدريبه في المصلحة؟ اخبرني باسم الضابط.. سألته ثانية.. ألم يقل لك شيئا عني؟. قال نعم، وأنا مندهش من تصرفك. قلت له لا تندهش.. أنا أعزب ليس عندي لا زوجة ولا اولاد، والمكتب هو بيتي لا ارتبط بمواعيد دقيقة لا في الحضور ولا في الانصراف واقضي فيه أوقات عمل أكثر بكثير من المطلوب مني كموظف واذا اردت ان تمد يد المساعدة ليس فقط في مركز قنا.. بل في كل مديرية قنا، فأنا رهن اشارتك.. غير ذلك فانا على أتم استعداد ان أذهب الى أسوان دون ان أسألك استمارة سفر. سأتجه اليها سيرا على الأقدام.

كانت الصلة بيننا بعد ذلك كما اوضحتها له منذذلك اليوم حتي آخر يوم لي في قنا بل كان يجد في المكتب عندنا مكان راحة واستجمام. وكثيرا ما كلفته بالقيام باعمال خاصة بمكتب بطاقات مركز دشنا بينما نكون، أديب وأنا نلعب «الطاولة» في القهوة المجاورة للمركز وكم قص عليّ حكاية التحاقه بالشرطة بعد ان كان طالباً بكلية الطب.. لكن «بنطلون» كلية الشرطة والشريط الأحمر على كل رجل، شداه الى الكلية.. كلية الشرطة. وكان قبل أن ينقل الى المصلحة.. مصلحة الأحوال المدنية، مديرا لقلم مرور القاهرة.

وكانت بركة دعاء الوالدين حصنا حصينا لي في غربتي في قنا، ودرعا واقيا حماني من شرّ نفسي وشر الآخرين.

صدر قرار نقلي من قنا وعودتي الى القاهرة. وفي القاهرة كانت الامور قد تغيرت وعليَّ ان أتكيف مع الأمور الجديدة.

كان قد بدأ العمل بنظام البطاقات العائلية والشخصية. تحرير البطاقات يتم في المصلحة ويرسل الى المكاتب لتسليمها لأصحابها. وعلينا نحن في المصلحة كتابة البطاقات مراجعة الاستمارات ومدى مطابقتها للقانون.

لا أنكر انني عدت الى ما كنت عليه قبل نقلي الى قنا. حُزت على ثقة رئيسي الجديد ضابط برتبة عقيد والذي تم نقله الى المصلحة مع عدد آخر من الضباط لتوسيع العمل بالمصلحة. ثلاث موظفين كنا نُعتبر الدينامو الخاص بالمصلحة. وكانت المصلحة تثق بنا وترسلنا الى مأموريات سواء في القاهرة أو أي مكان في الجمهورية.

في احدى هذه المأموريات، كان علًي التوجه الى محافظة اسوان مع مفتش و3 موظفين، وذلك للمرور على المكاتب هناك ومراجعة العمل. بعد يومين وصلت اشارة من المصلحة يطلب فيها مني شخصيا وكيل عام المصلحة اللواء محمود أنور حبيب (كان برتبة عميد في ذلك الوقت) ان اختار احد الموظفين واتوجه الى مكتب بطاقات مركز «ادفو» المغلق لفحص المكتب وجرده وكتابة تقرير عنه.

قبل ان اتوجه الى هناك طلبت من سكرتير مفتش أسوان ان يعطيني فكرة كاملة عن الموظف المسؤول هناك وعن المكتب بصفة عامة.

عرفت ان الموظف كان «أعزب» ومن»بحرى» اي من شمال مصر. احاط به رجل يلقبونه (بالفار)، وهو الذي يعتبر وبحق كل شيء في المكتب ومهنته (كاتب عمومي).. وهذه وظيفة حرة، غير حكومية منتشرة حول المحاكم واقسام الشرطة لمساعدة المواطنين في التقدم بالشكاوي او طلبات الحصول على البطاقات. توجهنا الى ادفو بالقطار من أسوان وركبنا (المعدية) لنعبر نهر النيل الى البر الغربي حيث تقع مدينة إدفو والقرى المحيطة بها. نزلنا في إدفو وسألنا عن (لوكاندة) ننزل بها، منذ اللحظة التي وطأت فيها أقدامنا أرض إدفو وأنا اشعر بانني مراقب. كنت احس بأشعة قوية مسلطة علينا تفحصنا وتراقب خطواتنا وتصرفاتنا. ومع ذلك كثيرا ما كنت التفت خلفي فجأة لأعرف مصدر هذه الأشعة، لكني لم أعثر على اي اثر. في صباح اليوم التالي توجهنا الى مركز شرطة إدفو. التقيت بمأمور المركز وشرحت له مهمتنا والتي ستستغرق اسبوعا واحداً.. واثناء هذا الأسبوع لن يكون هناك تعامل مع الجمهور. واننا فقط سنقوم بجرد محتويات المكتب وارسال تقرير الى المصلحة، التي ستقوم بعد ذلك بارسال الموظف الذي سيتولى العمل هناك.

أرسل معنا احد جنود الشرطة ومعه دفتر (الاحوال) لاثبت فيه قيامي بفتح المكتب رسميا بعد نزع (الشمع الأحمر). ما أن تم ذلك وخطونا الخطوة الأولى داخل المكتب حتى هلّ علينا نور ذلك (الفار).

(يتبع)

أمنية فلسطينية في يوم العيد

د. فايز أبو شمالة
يا ليت ما بين سلطة رام الله وبين غزة مثل ما بين رام الله وتل أبيب، وأن تفكر رام الله في مصالحة المسلمين في غزة بالمقدار نفسه الذي تعمل فيه على مصالحة اليهود في تل أبيب، بمعنى آخر؛ يا ليت سلطة رام الله تكره حركة حماس مثلما تكره الحركة الصهيونية في تل أبيب، وليس أكثر من ذلك، لأن كراهية رام الله لتل أبيب كراهية محمودة محببة، فيها غزل عفيف، لا يصل إلى حد الاحتكاك الجسدي العنيف، وفيه لقاءات سرية، وقبلات علنية، وفيه تعاون وتنسيق، لذا نستحلفكم بالله في رام الله أن تغضبوا على غزة بالقدر ذاته الذي تغضبوا فيه على تل أبيب، ولا بأس أن تعاهدوا الله على عودة غزة، وأن تقسموا على استردادها، ولكن يا حبذا لو كان بالقدر ذاته الذي تصرون فيه على عودة تل أبيت؛ على افتراض أن تل أبيب أرض فلسطينية اغتصبها الصهاينة وأقاموا عليها دولتهم اليهودية، وسأفترض أن غزة أرض فلسطينية اغتصبتها حركة حماس، وأقامت عليها إمارتها الإسلامية. ليبقى الأمل أن تصير غزة طرفاً آخر مثلما صارت تل أبيب طرفاً آخر.
ويا ليت رام الله تستقبل التهنئة بالعيد من الطرف الآخر في غزة مثلما تستقبل التهنئة بالعيد من الطرف الآخر في تل أبيب، وأن تتجرأ رام الله وتطالب المجتمع الدولي مقاطعة الطرف الآخر في تل أبيب، مثلما تقاطع الطرف الآخر في غزة، فإذا كانت غزة مخطوفة من حماس فإن تل أبيب مخطوفة من الحركة الصهيونية. وفي المقابل يا ليت حماس تنجح في التهدئة مع السلطة الفلسطينية في رام الله مثلما نجحت في التهدئة مع إسرائيل، وأن تتوافق مع الفصائل على وقف الصواريخ الكلامية ضد رام الله مثلما نجحت في التوافق مع الفصائل على وقف الصورايخ التفجيرية ضد إسرائيل، لعل ذلك مقدمة للمصالحة الفلسطينية.
ويا ليت السلطة في رام الله تلتقي مع حركة حماس وتنسق معها شئون حياة الناس اليومية، وتعمل على فتح المعابر، وإدخال مواد البناء لغزة، وترفع عنها الحصار، مثلما تلتقي مع الإسرائيليين في تل أبيب، وتنسق معهم كثيراً من أمور الناس اليومية والأمنية، ليصير التنسيق بين رام وغزة بمستوى التنسيق بين رام الله وتل أبيب.
في يوم العيد يرفع الفلسطينيون رأسهم إلى السماء، ويضرعون إلى الله بأن تنجح المصالحة الفلسطينية قائلين مع أبي فراس الحمداني:
فيا ليت ما بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خراب.
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وكل عام وأنتم بخير، ووئام
**
كوني عاقراً يا أرض فلسطين
ما قاله الشاعر العراقي مظفر النواب، في قصيدته المشهورة "القدس عروس عروبتكم" قبل عشرات السنين يتحقق اليوم، وقد صارت أرض فلسطين عاقراً، وتوقف رحم نسائها عن الإخصاب، وما عادت قادرة على أن تلد، أو تعطي بديلاً للسيد عباس، الذي لوح بعصا الاعتزال، فاهتزت كل الأغصان وألقت بأوراقها الجافة، وهي تصرخ من الشرق إلى الغرب: لا بديل عنك يا مصدر الكرامة والمجد، نريدك ولا نريد غيرك، لا بدائل تقود المرحلة سواك، أنت وبس القائد الفذ الذي لا قبله ولا بعده، وأنت فقط من تلتقي على شواطئك كل أمواج الوطن الهادر بالمفاوضات، وتصب في بحرك كل روافد رفض المقاومة؟
أيعقل ذلك؟ وما العمل لو توفي السيد عباس بنوبة قلبية، أو بأي حادث عارض؟ هل تضيع حركة فتح، ويضيع التنظيم، وتضيع المنظمة، وتنتهي السلطة؟ أي وطن هذا الذي يعلق في عرقوب شخص، ويتأرجح بين أنامله؟، أيعقل أن السيد عباس قد صار يفوق الشهيد أبي عمار مكانته وتأثيراً، ورمزية، وصار يمسك بزمام كل الأمور؟
ما الذي يجري في فلسطين؟ وكيف التقت كل الآراء، والأسماء، والشخصيات والقيادات لتطالب بضرورة ترشيح السيد عباس نفسه، فلا خيار سواه، ولا أمل جفاه؟
قد يكون اللهاث خلف السيد عباس له معنيان:
الأول: اضمحلال القيادات السياسية الفلسطينية إلى حد البؤس، والفشل في ترتيب أمرها. ولا أحسب ذلك، وقد تم التوافق بالأمس على السيد عباس رئيساً بعد استشهاد عرفات.
الثاني: النفاق السياسي الذي جعل الجميع يتسابق للغناء على ربابة السيد عباس، وقد وثق جميعهم أن الذي يجري مناورة، وبالتالي يتوجب دعمها، والمطالبة بعودة الرجل، وتسجيل المواقف. وهذا هو الوجع الفلسطيني الذي يجب أن نبرأ منه قبل الحديث عن تحرير فلسطين، ومحاربة الصهيونية، إنه وجع التزلف، والانقياد، والتسليم للقائد، والانقياد، إنه وجع الرعب من نقد القيادة، والخشية من المبيت في العراء لو تجرأ صوت وقال ما يخالف حلم القائد.
ما سبق يفرض علينا التميز بين من ينشد وطن، ويستعد للتضحية بالنفس، وبين من ينشد حياة الدنيا، ويستعد للتضحية بكل شيء إلا بالنفس.

**
العدو الإسرائيلي أم الطرف الآخر؟
أعرف نفسك، حكمة إغريقية قديمة اعتبرها الفلاسفة مدخلاً مهماً لمعرفة الآخرين، ولتحديد موقع الإنسان في هذه الحياة بشكل عام، وهي حكمة قد ترشد الإنسان الفلسطيني ليعرف نفسه، وليحدد موقعه من إسرائيل. ما هي دولة إسرائيل بالنسبة إليك؟
بعضهم يرى إسرائيل دولة عدوةً بالمفهوم الكامل للعداوة، وما تفرضه من كراهية، وما تفرزه من أحقاد، واستعداد للمواجهة، وهذا حال غالبية الشعب الفلسطيني، ولا أحسب أن فلسطينياً واحداً من صلب هذه الأرض يرى في إسرائيل صديقة، بغض النظر عن لونه وانتمائه ودينه ورأيه وتاريخه الشخصي. ولكن بعض الفلسطينيين يرى في إسرائيل طرفاً آخر وفق التسمية السياسية؛ فلا هي عدوة ولا هي صديقة.
بين رؤية إسرائيل عدوة، أو رؤيتها طرفاً آخر، يتحكم في الساحة الفلسطينية خطابان سياسيان، ولكل خطاب دلالته، وانعكاسه الوجداني، وعميق مساره الذي يتوازى مع الخطاب الآخر. ففي حين يصف أحد الخطابين إسرائيل بالعدو، ويكرر المقولة في كل أحاديثه الثقافية، ولقاءاته الفكرية، ووسائل إعلامه، ويدرك ما يترتب على هذه العداوة من أفعال. وخطاب يحسب أن إسرائيل ليست عدوة، وإنما هي طرف الآخر، وعليه يسعى لتعميم ثقافة المهادنة، ويعمل على اقتلاع ثقافة العداوة لدولة إسرائيل وفق الاتفاقيات الموقعة، والتي تلزمه بغرس ثقافة الوئام بدلاً من الخصام. فما أوسع الهوة بين الخطابين، وما أبعد أثرها على مستقبل القضية الفلسطينية، ولاسيما أن الذي يقول: العدو الإسرائيلي، يقصد أن لا تفاوض، ولا صلح، ولا سلام، ولا لقاء مع هذا العدو الغاصب إلا في ساح الوغى. أما الذي يقول: الطرف الآخر، فإنه يقصد التفاهم معه، والتوصل لاتفاق، وفتح بوابة اللقاء معه، بل والتنسيق المشترك.
أما الذي يقول: العدو الإسرائيلي، فإنه يرى ما يدور من أحداث يومية هي تعبير عن صراع وجود لا مهادنة فيه مع الغاصب، وأما الذي يقول: الطرف الآخر، فإنه يرى ما يدور نزاعاً سياسياً على حدود الدولة الفلسطينية، ويمكن التغلب عليه مع المحتل. الأول يرى في الصراع مع إسرائيل بعداً عقائدياً سيرتد على أفكار وقلوب شعوب المنطقة ككل، صراع يمتد من بداية الهجمة الصهيونية، ولا يتوقف عند حدود هدنة سنة 1948، والآخر يرى أن الذي يجرى هو نزاع سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يمكن حله بالانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.
قد يتفق معي كثيرون؛ بأن بطاقة تعريف الفلسطيني هي موقفه من دولة إسرائيل، هل إسرائيل دولة عدوة أم طرف آخر؟!.

**
الأقصى، خداعٌ للصورة
توزع عبر البريد الإلكتروني صور عن الحفريات اليهودية تحت المسجد الأقصى، ويوصي مرسل الصور أن نوزعها لفضح المخططات اليهودية، والصور جميلة بحق، وتخطف الأبصار، وتشد المشاهد لمتابعتها، ولاسيما أنها تكشف عن جوانب مهمة من الحفريات اليهودية تحت أساسات المسجد الأقصى كما يدعي مرسل الصور.
إذن هي صور التقطتها الدعاية اليهودية، وتعمدت نشرها عبر وسائل الإعلام، والهدف منها ليس تحذير المسلمين مما سيلحق بمقدساتهم، وإنما تقديم الدليل على حق اليهود في المكان، وهذا ما تلمسته وأنا أدقق في مجموع الصور، إذ تظهر إحدى الصور مجسماً على هيئة الهيكل مدفوناً تحت الأرض، وتظهر صورة أخرى لوحة أثرية كتب عليها باللغة العبرية ما ترجمته: "ستظل عيني، ويظل قلبي هنالك إلى الأبد". وتظهر صورة أخرى تابوتاً مقدساً نابتاً من الأرض، وكأنه عامود نور، وتظهر إحدى الصور المغطس الرخامي، وتظهر بعض الصور أقواساً من الحجارة المبنية بشكل هندسي دقيق، وممرات مرصوفة بالحجارة الأثرية، وكل هذا دلائل على وجود معالم تاريخية يهودية تحت مباني المسجد الأقصى!.
الغريب أن الذي ينشر هذه الصور، ويوزعها عبر البريد الإلكتروني هم عرب ومسلمون حريصون على الدفاع عن المسجد الأقصى، ولكنهم للأسف؛ قد وقعوا فريسة للإعلام اليهودي، وقد انطلت عليهم الخدعة.
أزعم أن الهدف الذي تسعى إليه الدعاية اليهودية من وراء نشر الصور هو تهيئة العقل، والنفس العربية الإسلامية لتقبل الدعاية بأن الدين اليهودي لا يأتيه الباطل، وهذه الصور دليل على وجود الهيكل المزعوم، وأنه أقدم من المسجد الأقصى الذي بني على أنقاضه، وتشهد الصور على أن التاريخ اليهودي المسجل في كتبهم الدينية صادق، وكل ما أدعاه اليهود عن حقوق تاريخية ودينية في كل فلسطين غير مشكك فيها.
قبل خمسة وعشرين عاماً سألني أحد المحققين اليهود: لماذا سمي المسجد الأقصى بالأقصى؟ وأعترف الآن أنني قد حرت بالجواب، واجتهدت بالتفسير اللغوي للكلمة كي لا أبدو جاهلاً، ولكن المحقق المثقف ثقافة دينية يهودية قال: سموه الأقصى لبعده عن الأرض، وما صار بعيداً عن الأرض إلا لأنه الأقرب إلى السماء، .ومن ذاك المكان كان الإسراء.

**
أشواقٌ تتسلقُ الأشواكَ

أصدّق أن السجين "عبد الله أوجلان" زعيم حزب العمال الكردستاني قد عشق محاميته، كما جاء في صحيفة "كونيش" التركية، بعد أن التقى فيها مئات المرات، وأزعم أن الحب لا يحتاج إلى مئات اللقاءات، فالحبُّ يكتفي بنظرة حيناً، وأحياناً يلهو كالأطفال في الطرقاتِ، قبل أن يكبر، ويصير غيمة تسقط أمطار الشوق على المحبين، وتنثر رذاذه على ضوء المصباح، ليطل عليهم كل صباح في مرايا النفس، التي تصير خلف السور كالبلور تعكس عطرها المنثور، وتلامس بالحنين قلب السجين "عبد الله اوجلان" وترطبه بأرق شعور، وهي تشحن حياته بإرادة البقاء.
وللحب في غرف السجن مذاق النسيم، ورائحة البنفسج المنبعثة من أنفاس الزائرين، فإن تكررت زيارة امرأة بعينها، فإنها تصير الأكسجين الذي تتنفسه الرئتين، وتزفره حسرة مع الفراق، فالمرأة هي إرادة الحياة، وهي الذاكرة المتقدة في الغياب. وهذا ما حصل مع السجين سمير القنطار سنة 1992، حيث ترددت علي زيارته فتاة فلسطينية من عكا، لينمو عشب الحب على جدران قلبه، وهو يهمس لي في سجن نفحة الصحراوي عن شوقه الذي لا ينطفئ للفتاة الزائرة. ورغم محاولاتي لثنية عن هذا الحب الذي لن يحصل على شهادة ميلاد بين محكوم بالمؤبد، وبين امرأة يحاصرها الإعجاب بالسجين والشفقة عليه، إلا أن الرغبة في تواصل الحياة فرضت نفسها حباً على القلبين، وصل إلى أقصى مراميه بإعلان خطبتهما خلف الأسوار، ولكنها خطوبة لم تستطع أن تخترق جدران الغرفة، وظلت شوقاً معلقاً على الأشواك!. ليخرج سمير القنطار بعد ستة عشر عاماً، ويتزوج المذيعة اللبنانية "زينب برجاوي" سنة 2009، بعد أن غطى الزمان بأحداثه مصير الفتاة الفلسطينية.
في حالة أخرى أثمر الحب خلف الأسوار زواجاً؛ فقد حصل أن هاتف السجين الإسرائيلي المشهور "هرتزل أبيتان" أمه من سجن بئر السبع، وردت على الهاتف فتاة إسرائيلية لا تتعدي 17 عاماً، جاءت لزيارة أمه بالصدفة، فما كان من "هرتزل" إلا أن دعاها لحضور محاكمته، وهناك التقيا، وتعانقا، ليستيقظ بين قلبيهما حبٌ لم ينم على فراش الزوجية إلا بعد أن أجبرا إدارة سجن بئر السبع على توفير غرفة حب خاصة لهما، يلتقيان فيها يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، وفق القانون الذي لا يطبق على السجناء العرب.
فما أحوج السجين إلى همسه حنان، وظلال أملٍ، ولمسة أمان! وما أوسع أفق السجين، وما أنقى قلبه، وما أصدق حبه، وما أرق دمعه، وما أطول صبره!.

هيفاء وهبي تقصف الجمهور الجزائري

نضال حمد
إن الذي حدث ويحدث بين مصر والجزائر حكومة بمواجهة حكومة ، جمهور ضد جمهور واعلام ضد اعلام يدعونا للغضب والاشتعال وللوقوف ضد المتآمرين من داخل الداخل العربي على العروبة ووحدة العرب ومصير أمة العرب. فالمدى الذي وصلت اليه الخلافات بين مصر والجزائر بعد الموقعة الكروية في ام درمان السودانية، أساء للعرب وللأمة العربية.واظهر بوضوح أننا أمة يجب أن تفكر بمستقبلها وحاضرها وأن لا تبقى عاجزة ومرتهنة لأعدائها الداخليين والخارجيين.
في هذا الوقت بالذات حيث المجرمة "تسيفي ليفني" وزيرة الخاريجة الصهيونية السابقة تتجول في شوارع ومدن المغرب ، وبيريس يلقي المواعظ في قطر ومصر ، وصهاينة آخرون يجولون في بلدان عربية عديدة .. في هذا الوقت أمة العرب بحاجة لاعادة احياء لغة العقل والثورة في شباب هذه الأمة. إذ لا يجوز أن يبقى شباب العرب رهائن لانظمة مهترئة ، مرتهنة وفاسدة ومتسلطة وظالمة ومستسلمة ، وكذلك لاعلاميين متصهينين ، متفرعنين وفرانكفونيين ، معادون للعروبة والعرب.
إن مستوى الوعي والانتماء القومي لدى جمهور كرة القدم في كل من مصر والجزائر يدعونا الى البكاء والنحيب واللطم على حال هذه الأمة المقسمة ، المفتتة ، المنهارة ، المهزومة والمكلومة. أمة تتحكم بمصيرها وبتحريك مشاعر جمهورها مجموعة من أعداء العروبة والوحدة ، من الذين ينسبون أنفسهم للفرانكفونية في الجزائر وللفرعونية في مصر.. هؤلاء هم أعداء البلدين بعد الكيان الصهيوني والتخلف والفرقة والإنقسام. فهل يستطيع أي كان أن ينفي دور الشعب المصري العظيم في دعم واسناد ثورة المليون ونصف المليون شهيد؟ وهل يستطيع أي كان ان يلغي دور الجزائر الرئيسي والأساسي في دعم مصر عبر وضعها لدى السوفيت شيك مفتوح مقابل ارسال الدبابات والعتاد الحربي للجيش المصري اثناء حرب اكتوبر 1973 . التي ارادها الشعب حرب تحرير لكن النظام ارادها حرب تحريك فتسوية فانهزام واستسلام فيما بعد.
تنشط منذ مدة في مصر منذ توقيع معاهدة كمب ديفيد مجموعات معادية للعروبة، تريد سلخ مصر عن واقعها العربي وربطها بالغرب. خاصة أن النظام الحالي الذي ورث عن السادات معاهدة كمب ديفيد وحافظ عليها وحماها وصانها من غضب الشعب والأمة. فكمب ديفيد كبلت مصر وجعلتها رهينة لأموال الولايات المتحدة الأمريكية والعلاقات مع الصهاينة. وقد برهن النظام الحاكم في مصر الذي لا يخفي تنسيقه الأمني مع الصهاينة على حدود مصر مع فلسطين المحتلة وفي معبر رفح على أنه شرطي مطيع للولايات المتحدة الأمريكية واوروبا الغربية والصهاينة. فهو النظام الذي يحاصر غزة ويمنع دخول المساعدات الى القطاع وهو الذي يبتزأهل غزة بالدواء والماء والغذاء واللباس والكهرباء والطاقة وكل مقومات الحياة. كأنه احتلال آخر أسوأ من الأحتلال الصهيوني الذي يمارس نفس البشاعة على الجهة الأخرى من حدود غزة مع فلسطين المحتلة سنة 1948 . فليتذكر القارئ الكريم أعداد الفلسطينيين الذين يموتون على معبر رفح ، حيث لا توجد سيادة حقيقية ولا كرامة مصرية، فكل هذه الأشياء مداسة ببساطير جنود الاحتلال الصهيوني.
بينما يقف النظام موقف بطل مسرحية عادل امام "شاهد ماشافش حاجه" من خروقات الصهاينة واعتداءاتهم على سيادة وكرامة مصر ، نجده يتفرعن على معبر رفح في معاملته مع الفلسطيني . حيث تبدأ رحلة الاذلال والاهانات والشتائم بحذف بطاقات الهويات وجوازات السفر و الأرواق الثبوتية ، وكلمة " ما ينفعش ".. ، ثم ترك الناس تحت أشعة الشمس الحارقة أو في البرد الشديد ، في العراء دون غطاء ودون ما يرد عنهم المطر والشتاء. وتشليح المسافرين من غزة الى مصر اموالهم ، والبلطجة وطلب الرشوى علناً ، سواء من قبل الجنود والحراس وافراد الشرطة أم من الضباط المناط بهم الحفاظ على أمن مصر وصيانة وحماية كرامة المواطن المصري والعربي... كيف سيحمي لص أو جائع او فاسد كرامة أكبر بلد عربي ؟
المرضى يا ست هيفاء وهبي يموتون على معبر جمهورك في رفح ، ويدفنون بسرعة عملاً باكرام الميت دفنه، ولو استطاع لصوص معبر رفح من الجانب المصري لدفنوا كل فلسطيني يأتي اليهم من غزة. إن القصص والحكايات التي يرويها أهل غزة عن المعاملة المصرية على المعابر وفي المطارات شيء فظيع. مثل تصريحاتك التي هاجمتِ فيها الجمهور الجزائري وانحزت للجمهور المصري ، بدلاً من أن تعلني بصوتك المسموع عند قطعان كثيرة من شباب الجمهورين، أنهم عربا و عليهم أن يخجلوا مما يفعلون ، بدلاً من ذلك صببت يا هيفاء زيتك على النار المشتعلة، حين انحزت لمصر ضد الجزائر، وتفوهت بكلمات معيبة بحق الشعب الجزائري ، مثل : "لن أهتم بالغناء في الجزائر بعد تلك الأحداث .. فالفن يحتاج للحب الذي لم أجده في هذه المباراة" .. و كذلك : "ماذا سأفقد من عدم الغناء في الجزائر، سأفقد ساقي أو يدي؟! .. لا أهتم بالذهاب لجمهور لن يتقبل الفن". وأوضحت هيفاء التي كانت تدلي بدلوها لقناة النيل الرياضية أن "ما حدث في المباراة يسيئ للجميع وأرفضه كفنانة ولبنانية تعشق مصر وتقدرها".وأكدت أنها "مستاءه للغاية بسبب وجود هذا الحقد من بعض ممن يوضع اسمهم ضمن شعوب العرب".واستدركت هيفاء "وبالرغم من استيائي مما حدث إلا أني سعيدة لكشف حقيقتهم السيئة أمام الجميع".
هل تعلم عزيزي القارئ لماذا يعيش العربي اليوم في زمن أنظمة الردة ؟
لأنه يوجد بين أمة الضاد من يسيل لعابه لمجرد رؤية فنانات آخر زمن وهن يهزن الخصر و يبرزن الصدور و يستبلدن المقدمات بالمؤخرات ، ويخففن من الثياب مما يجعل اجسادهن شغل المستمع وليس اصواتهن. كما أنهن يقدمن غناءا مبتذلاً لا يمت للشرق العربي بصلة. غناء دمر الأذواق العربية ، تماما كما الاداء السياسي للحكام العرب الذين دمروا القضية العربية ومزقوا وحدة هذه الأمة وجعلوها من أكثر شعوب العالم تخلفاً وفرقة. إن الوحدة العربية الحقيقية هذه الأيام موجودة فقط في وحدة الغناء العربي الفاسد مع الأنظمة العربية الفاسدة.
كل من يتهم الشعب الجزائري بعروبته ( مثل هيفا) يفعل تماماً كما تفعل الجماعات التي تدير الاعلام في مصر والأخرى التي تسرق مقومات شعب مصر وتمثيله القومي والوطني. جماعات الكمبديفيدية والفرعونية ، تلك التي لا تخفي تنكرها لعروبة مصر. مصر العظيمة التي قادت معارك العرب والأمة والوحدة بقيادة زعيمها الخالد جمال عبد الناصر. الجماعة المصرية التي تهاجم الجزائر والجزائريين هي نفسها التي هاجمت وتهاجم جمال عبد الناصر وحسن نصرالله والمقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق.
أخيراً لا يسع المرء إلا التأكيد على أن الانسان العربي المنتمي لعروبته ووحدة هذه الأمة يتمزق حزناً وأسى وأسف عندما يرى أن هناك اصطفاف من قبل بعض الفنانين والمثقفين الى جانب الجماعات التي تصب الزيت على نار الخلافات بين مصر والجزائر. فدور الفنان توجيهي ،بالمعنى الايجابي لا السلبي. وهكذا ايضا يفترض ان يكون دور المثقف والاعلامي والسياسي. وقبل هؤلاء جميعاً دور الرئيس وأركان حكمه في اي بلد كان.

في العيد: نتنياهو يستمر في مناوراته وصفقة التبادل لم تنجز بعد

راسم عبيدات

.....حكومة اليمين والتطرف في إسرائيل،برئاسة بنيامين نتنياهو،والقائمة على التوسع والاستيطان ورفض مقررات الشرعية الدولية،وفي مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة عليها،والمطالبة بإخضاعها للمحاسبة والمساءلة ومقررات الشرعية الدولية،وفي ظل رفض الطرف الفلسطيني العودة إلى نهج المفاوضات العبثية،أو التفاوض من أجل التفاوض،واشتراط هذه العودة بالوقف الكامل والشامل لكل الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس وكذلك سعيها في مواجهة الصلف والعنجهية الإسرائيلية للتوجه الى مجلس الأمن الدولي،من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران،وجدت أنه في سبيل مواجهة ذلك لا بد من القيام بمناورة سياسية،من شأنها قطع الطريق على الطرفين العربي والفلسطيني من التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بشأن حدود الدولة الفلسطينية،والتخفيف من حدة الضغوط الدولية عليها في هذا الجانب،من خلال مناورة سياسية،جوهرها يقوم على تجميد أو تعليق مؤقت للأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية لمدة عشرة شهور،على أن يستثنى من ذلك القدس والمباني العامة والبنى التحتية واستمرار البناء في ثلاثة آلاف وحدة سكنية قيد الإنشاء،حتى أن "بيني بيغن" من حزب "المفدال" اليمني المتطرف قال ليس تجميداً بل فرض قيود على تصاريح البناء لمدة مؤقتة،على أن تعود الأنشطة الاستيطانية إلى وتيرتها السابقة،بعد انتهاء مدة التعليق تلك.

اذاً واضح جداً ما هو الهدف من هذه المناورة السياسية للحكومة اليمينية في إسرائيل،وهو جر السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات العبثية،في إطار الثنائية وبعيداً عن الشرعية الدولية والمرجعيات الواضحة والمحددة،وخلق مناخ دولي ضاغط على الفلسطينيين للعودة لهذه المفاوضات،على اعتبار أن هذه الخطوة الشكلية الإسرائيلية "خطوة نوعية" وضرورية لاستئناف المفاوضات،وبالفعل فور التصريحات الإسرائيلية صدر تصريح عن الخارجية الأمريكية يرحب بهذه الخطوة ويشيد بها،ومن المتوقع أن تحذو دول أوروبا الغربية حذو أمريكا،وخصوصاً أن كلتيهما متفقتان على معارضة التوجه الفلسطيني والعربي إلى مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967.

وبوضوح الأهداف الإسرائيلية تلك،والتي ثبت بشكل قاطع أن إسرائيل حكومة وشعباً،لا يردون دفع أي ما يسمونه "بالتنازل المؤلم من أجل السلام"أو أي استحقاق جدي مقابل السلام،استحقاق يستجيب للتنازلات المؤلمة التي قدمتها القيادة الفلسطينية بقبولها إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران،وعلى مساحة 22 % من مساحة فلسطين التاريخية،فهذا يعني أنه على السلطة الفلسطينية التمسك بشروطها بعدم العودة للمفاوضات إلا بالوقف الشامل والكلي للأنشطة الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،وأن تستمر في توجها نحو مجلس الأمن الدولي للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود عام 67 ووفق إستراتيجية شاملة بديلة لنهج المفاوضات من أجل المفاوضات أو نهج المفاوضات الثنائية،وليس في إطار خطوات تكتيكية ضاغطة من أجل العودة لهذه المفاوضات،وأي عودة للمفاوضات وفق الرؤيا والشروط الإسرائيلية،ليس من شأن ذلك سوى تعميق حالة الانقسام الفلسطيني،وانتحار السلطة الفلسطينية سياسياً، فالظروف الدولية مؤاتية الآن من أجل إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني والعمل على إنجاز الوحدة الداخلية والتمسك بخيار الشرعية الدولية وقراراتها ومرجعيتها.

ونحن نشهد الصلف والعنجهية الإسرائيلية في رفضها الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبحقوقه المشروعة،ليس فقط من خلال مواصلة الاستيطان وعمليات التهويد والأسرلة وفرض الوقائع على الأرض،بل في ملف الأسرى أيضاً،حيث تقوم الحكومات الإسرائيلية بنفس الألاعيب والمناورات،فهي ترفض إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين،بل جعلت هذا الملف جزء من عملية الابتزاز السياسي،ولم تقدم للسلطة الفلسطينية أي بادرة حسن نية جدية في هذا الجانب،بل استمرت في التحكم ببوادر حسن النية وعمليات الإفراج الأحادية الجانب من ألفها إلى يائها،ورفضت إطلاق سراح أي أسير فلسطيني خارج تصنيفاتها وتقسيماتها واشتراطاتها،لا من أجل السلام أو حتى دعم وتقوية السلطة الفلسطينية والتي تعتبرها معتدلة وشريكتها في السلام،بل أنها وفي ظل أسر أحد جنودها منذ أكثر من ثلاث سنوات وهي تقوم بالمناورة تلو المناورة،من أجل الضغط على الفصائل الفلسطينية الآسرة "لشاليط" لتغير شروطها ومطالبها،وهى تسعى إلى تخفيض الثمن الذي تريد دفعه مقابل جنديها المأسور"شاليط"،وفي كل مرة تقترب فيها الصفقة من الإنجاز،تقوم بوضع شروط جديدة تارة برفض إطلاق سراح أسرى من القدس،وأخرى برفض إطلاق سراح أسرى من مناطق 48،ورفض إطلاق سراح أسرى قاموا او مسؤولين عن عمليات نوعية والمصنفين إسرائيلياً "الملطخة أيديهم بالدماء"،أو رفض إطلاق سراح قادة مثل سعدات والبرغوثي،ومن ثم بعد الموافقة أو تخليها عن شروطها،تخترع شروط جديدة اشتراط الموافقة بالإبعاد لعدد كبير من الأسرى،أو استبدال عدد من الأسرى بآخرين وهكذا دواليك.

وهذا يعني رغم أن عيون أمهات وزوجات وأطفال أسرانا لم تتكحل برؤية أبنائهم وإبائهم الأسرى أحراراً في العيد،فلا بأس من انتظار آخر من أجل صفقة مشرفة تطلق سراح أسرانا من بوابة هذا الخيار فالكثير ممن تتمسك حماس والفصائل الآسرة "لشاليط" بإطلاق سراحهم،ليس لهم أمل بالتحرر من قيود وأغلال الاحتلال ومعانقة شمس الحرية،سوى من خلال بوابة هذا الخيار،وهذا يجعلنا نطالب حماس والآسرين "لشاليط"،بأن يتمسكوا بشروطهم ومواقفهم،فالصلف والعنجهية الإسرائيلية وسياسة الاستعلاء والغطرسة،هي ما يحكم حكومات الاحتلال المتعاقبة،أي كان شكلها أو لونها أو الطيف السياسي الممسك بدفة قيادتها،وبالتالي لا رهان لا على حسن النوايا ولا صفقات الإفراج أحادية الجانب،فالرهان فقط حالياً على هذا النهج والخيار،ولولا هذا النهج والخيار،لما تحرر القنطار ولا المناضل الأممي كوزو أكاموتو ولا حتى جثة الشهيدة لال المغربي،ولا الكثير ممن أضحوا قادة لشعبنا وتنظيماتهم ،والذي تحرروا في صفقة التبادل أيار 1985والتي قادتها الجبهة الشعبية – القيادة العامة.

إذا مع حلول عيد الأضحى المبارك،المطلوب الصمود والثبات على المواقف الفلسطينية على جبهتي المفاوضات والأسرى،فلا عودة واستجابة للمناورات الإسرائيلية بالعودة للمفاوضات،إلا بالوقف الشامل والكلي لكافة الأنشطة الاستيطانية في القدس والضفة الغربية،ولا إطلاق لسراح الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط" إلا بالاستجابة لكافة الشروط التي طرحتها الفصائل الآسرة له.

ألقذافي اختار التناغم مع أعداء الإسلام في حربهم ضد الإسلام

خضر خلف

حتى يومنا هذا لم نتوصل بعد إلى أسرارا اختيار الزعيم الليبي معمر ألقذافي للحراسة النسائية .. ولم يتضح لنا بعد التصرفات التي يقصد إتباعها ... فهل تحقيق سلامته وأمنياته بالحراسة النسائية ؟؟.... نعم ألقذافي طائر من بعض طيور أنظمتنا العربية المغردة بسماء الوطن العربي بما لا يفيد الأمة ومستقبلها ... لكنه اختار لنفسه أن يغرد خارج هذا السرب وبشكل أخر و برؤية مُتحجرة التي لا حصر لها والتي تقضي على قيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وعقيدتنا وتمس ديننا ...
بكل يوم تطور جديد ، تعبيرات وتغيرات سياسية متنوعة من بعض قادة أنظمتنا تعبر بحد ذاتها عن تناغم مع الإدارة الأمريكية وقوى والغرب ومع الأهداف التي تسعى لتحقيقها في منطقتنا ... والإيقاع بنا في صراعات لا جدوى منها.... حتى أصبحنا لا نعرف كيف نخرج من دائرة هذا الصراع أو ذاك ...
ألقذافي اختار مبادئ أساسية في خلق تناغم جديد ومختلف لينال الرضا ، اختار التناغم مع أعداء الإسلام في حربهم ضد الإسلام و محاولاتهم الدءوبة للتشويش على الإسلام و بتلفيق تهم ظالمة بقولهم ووصفهم أن الإسلام هو الإرهاب لأنه يرفض تبنى منطق الاستسلام والانهزام و الخضوع للمحتل ومشاريعه... ربما يسأل البعض كيف هذا أيها الكاتب ؟ ...
نعم ألقذافي اختار الحراسة النسائية ... يجتمع و يسهر مع فتيات ايطاليات كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة ويوزع عليهن المصحف الشريف ...
أيها القراء الأعزاء على امتداد الوطن العربي أريد أن أوضح لكم أبعاد هذا التصرف واثبت لكم أن هذا هو شكل من أشكال محاربة الإسلام والمسلمين ، من خلال عدد من الفتاوى :
هنا حكم سلام الطالب على الطالبة وهذا ابسط من تصرفات ألقذافي

س _ أنا طالب جامعي ، وفي بعض الأحيان أسلم على الفتيات ، فهل سلام الطالب على زميلته في الكلية حلال أو حرام ؟

جـ _ أولاً لا يجوز الدراسة مع الفتيات في محل واحد وفي مدرسة واحدة بل هذا من أعظم أسباب الفتنة ، فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن ، أما السلام لا بأس أن يسلم عليها سلاماً شرعياً ليس فيه تعرض لأسباب الفتنة ، ولا حرج أن تسلم عليه أيضاً من دون مصافحة ، لأن المصافحة لا تجوز للأجنبي ، بل يكون السلام من بعيد مع الحجاب ، ومع البعد عن أسباب الفتنة ، ومع عدم الخلوة ، فالسلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة لا بأس به أما إذا كان السلام عليها مما يسبب الفتنة أو سلامها عليه كذلك أي كونه عن شهوة وعن رغبة فيما حرم الله فهذا ممنوع شرعاً ، وبالله التوفيق. ( الشيخ ابن باز(
ليس موضوعنا تحليل أو تحريم الاختلاط وإنما توضيح سهر ألقذافي وسلامه وخلوته مع فتيات ايطاليات كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة
وهنا حكم آخر مشاهدة النساء المتبرجات حتى في التلفاز ابسط من فعل ألقذافي ….س _ تسأل عن حكم مشاهدة النساء المتبرجات في التلفاز ؟

جـ _ لا يجوز مشاهدة النساء العاريات أو شبه العاريات أو السافرات ، وكذلك الرجال الذين قد كشفوا عن أفخاذهم لا في التلفاز ، ولا في الفيديو أو السينما ، ولا في غيرها بل يجب غض البصر والإعراض عن النظر ، لأن هذا فتنة ، ومن أسباب فساد القلوب وانحرافها عن الهدى لقول الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (30) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . وفي الحديث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( النظرة سهم من سهام إبليس ) فالنظر خطره عظيم فينبغي الحذر منه ، وأن يصون الإنسان نفسه من ذلك ، وإنما يرى من التلفاز وغيره ما فيه مصلحة كمشاهدة الندوات الدينية ، أو العلمية ، أو الصناعية ، أو غيرها مما ينفع المشاهد ، أما كونه يشاهد أشياء محرمة فلا يجوز .
((الشيخ ابن باز(((

وهنا حكم النظر إلى النساء في التلفاز وليس السهر والخلوة …. س _ ما حكم النظر للمرأة الأجنبية بالنسبة للرجل والنظر للرجل بالنسبة للمرأة أثناء مشاهدة التلفزيون ؟
جـ _ لا يجوز لأن الغالب على من يظهر في التلفزيون من النساء التبرج وكشف بعض العورة ، ومن الرجال أن يكون مثال الزينة والجمال وذلك مثار فتنة وفساد غالباً . ((اللجنة الدائمة((

وهنا حكم النظر إلى صور النساء في المجلات ....س _ ما حكم النظر إلى صور النساء في الصحف والمجلات وغيرهما ؟
جـ _ ليس للمسلم النظر إلى وجوه النساء ، ولا إلى شيء من عوراتهن ، لا في المجلات ولا في غيرها لما في ذلك من أسباب الفتنة ، بل يجب عليه غض بصره عن ذلك عملاً بعموم الأدلة الشرعية المانعة من ذلك وخوفاً من الفتنة ، كما يغض بصره عنهن في الطرقات وفي غيرها ، وبالله التوفيق .(( الشيخ ابن باز ))
إن تصرف ألقذافي تصرف يتعارض مع الدين والعقيدة ، وصدور هذا التصرف عن زعيم عربي بحد ذاته محاربة للإسلام...
توزيع المصحف الشريف على فتيات ايطاليات كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة ، ساتركم مع هذه الفتوى تتحدث لكم :- عن الفتوى 12540 وعنوان الفتوى : حكم قراءة القران ومسه بدون وضوء - وتاريخ الفتوى 23 شوال 1422 / 08-01-2002
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالمحدث حدثاً أصغر تجوز له قراءة القرآن بإجماع العلماء، والأفضل أن يكون متوضئاً لها. قال النووي ( أجمع المسلمون على جواز قراءة القرآن للمحدث، والأفضل أن يتطهر لها)
أما مسه المصحف وحمله، فقد ذهب جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى تحريم ذلك، وذهب الحاكم وحماد وداود الظاهري إلى جواز ذلك، وقولهم هذا مرجوح، فقد استدل الجمهور بقول الله سبحانه ( إنه لقرآن كريم* في كتاب مكنون* لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين) [الواقعة: 77-80] قال النووي: ( فوصفه بالتنزيل وهذا ظاهر في إرادة المصحف الذي عندنا، فإن قالوا -أي المخالفين- المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة المطهرون، ولهذا قال يمسه بضم السين على الخبر، ولو كان المصحف لقال يمسه بفتح السين النهي، فالجواب أن قوله تعالى: ( تنزيل) ظاهر في إرادة المصحف، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح، وأما رفع السين فهو بلفظ الخبر، كقوله: (لا تضار والدة بولدها) على قراءة من رفع، وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يبيع بعضكم على بيع بعض" بإثبات الياء، ونظائره كثيرة مشهورة وهو معروف في العربية. فإن قالوا: لو أريد ما قلتم لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، فالجواب أنه يقال في المتوضئ مطهر ومتطهر) انتهى.
واستدل الجمهور أيضاً بما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وفيه: " أن لا يمس القرآن إلا طاهر".
قال ابن تيمية: قال الإمام أحمد: (لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له، وهو أيضاً قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف) انتهى.
وقال النووي في المجموع ( واستدل أصحابنا بالحديث المذكور، وبأنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة) انتهى.
وعلى هذا، فلا يجوز لغير المتوضئ أن يمس المصحف أو أن يحمله، سواء للحفظ أو التعلم أو التلاوة، إلا أنه يجوز له أن يقرأ من المصحف دون أن يمسه.
قال ابن تيمية( إذا قرأ في المصحف أو اللوح ولم يمسه جاز ذلك، وإن كان على غير طهور) انتهى.
كما يعلم أنه يستثنى من ذلك الصبيان أثناء تعلمهم القرآن للضرورة لأن طهارتهم لا تتحفظ ، وحاجتهم إلى ذلك ماسة.
كما يجوز حمل المتاع وفي جملته المصحف لأن القصد نقل المتاع، فعفي عما فيه من القرآن.
والله أعلم..
موسوعة الفتاوي - المفتـــي مركز الفتوى - رابط النشر

http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=12540

و حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنّة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
فكيف يلقي ألقذافي بالمصحف الشريف بأيدي وأحضان فتيات ايطاليات كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة؟؟؟!!!
أليس هذا بنوع من أنواع التدنيس حقيقي للمصحف الشريف؟؟.... فكيف يرى العالم العربي والإسلامي الأمر ؟؟؟ لا جديد كما تعودنا الصمت ....

فقه جغرافي وتاريخي لم يُدركْه العرب بعد

صبحي غندور

تتميّز المنطقة العربية عن غيرها من بقاع العالم بميزات ثلاث مجتمعة معاً:

فأولاً، تتميّز أرض العرب بأنّها أرض الرسالات السماوية؛ فيها ظهر الرسل والأنبياء، وإليها يتطلّع كلّ المؤمنين بالله على مرّ التاريخ، وإلى مدنها المقدّسة يحجّ سنوياً جميع أتباع الرسالات السماوية من يهود ومسيحيين ومسلمين.

وثانياً، تحتلّ أرض العرب موقعاً جغرافياً هامّاً جعلها في العصور كلّها صلة الوصل ما بين الشرق والغرب، ما بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، وبين حوض المتوسّط وأبواب المحيطات. ومن هذا الموقع الجغرافي الهام خرجت أو مرَّت كلّ حضارات العالم سواء القديم منه أو الحديث.

وثالثاً، تمتلك أرض العرب خيرات طبيعية اختلفت باختلاف مراحل التاريخ لكنّها كانت دائماً مصدراً للحياة والطاقة في العالم. فهكذا هو الحال منذ أيام الإمبراطورية الرومانية التي كانت خزائن قمحها تعتمد على الشرق العربي وصولاً إلى عصر "البترو - دولار" القائم على مخازن النفط في أرضنا.



وهذه الميزات الإيجابية جعلت المنطقة العربية دائماً محطّ أنظار كلّ القوى الكبرى الطامعة في السيطرة والتسلّط..

فتحْتَ شعار "تحرير أرض مهد السيد المسيح" برّر الأفرنجة (الصليبيّون) غزواتهم للمنطقة العربية بينما الهدف الحقيقيّ منها كان السيطرة على المنطقة العربية وخيراتها الاقتصادية في ظلّ الصراعات والأزمات التي كانت تعصف بأوروبا..

وتحت شعار استمراريّة "الخلافة الإسلامية" برَّر العثمانيون سيطرتهم على معظم البلاد العربية..

وتبريراً لإقامة حاجز بشري يفصل المشرق العربي عن مغربه، كانت فكرة إقامة دولة إسرائيل في فلسطين بذريعة أنّها أرض هيكل سليمان!!



كذلك الأمر بالنسبة للموقع الجغرافي الرابط بين القارات؛ منذ الإسكندر الكبير الذي احتلّ مصر وبنى الإسكندرية ليصل إلى شرق آسيا، وحتى مرحلة حملة نابليون ثمّ الاحتلال البريطاني وبناء قناة السويس لتسهيل السيطرة على المحيط الهندي.



أيضاً، تتميّز المنطقة العربية في تاريخها المعاصر عن باقي دول العالم الثالث، أنّ الدول الكبرى، الإقليمية والدولية، تتعامل مع هذه المنطقة كوحدةٍ متكاملة مستهدفة وفي إطار خطّة استراتيجية واحدة لكلّ أجزاء المنطقة، بينما تعيش شعوب المنطقة في أكثر من عشرين دولة وفق ترتيباتٍ دولية وضعتها القوى الأوروبية الكبرى في مطلع القرن العشرين.

ولقد أدّى هذا الواقع الانقسامي، وما يزال، إلى بعثرة الطاقات العربية (المادية والبشرية) وإلى صعوبة تأمين قوّة فاعلة واحدة لمواجهة التحدّيات الخارجية أو للقيام بدورٍ إقليمي مؤثّر تجاه الأزمات المحلية، بل أدّى أيضاً لوجود عجزٍ أمني ذاتي في مواجهة ما يطرأ من أزماتٍ وصراعات داخل المنطقة ممّا يبرّر بنظر البعض الاستعانة بقوًى أمنية خارجية قادرة على حلّ هذه الصراعات ..

حصل هذا الأمر أيضاً مع أوروبا الغربية التي اضطرّت للاستعانة بالولايات المتحدة الأميركية لمعالجة تداعيات الحرب اليوغسلافية في العقد الماضي بعدما عجزت دولها عن وقف هذه الحروب على أرضها، إذ رغم القوّة العسكرية الخاصّة لكلّ بلد منها ورغم ما بينها من صيغ للتعاون الأوروبي إلا أنّها افتقدت الأداة العسكرية المشتركة والإرادة السياسية الواحدة فاضطرّت إلى اللجوء لواشنطن لطلب المساعدة.

وقد نجحت الدول الأوروبية في تطوير صيغ التعاون فيما بينها على مدار الستين سنة الماضية، رغم ما هي عليه من تباين عرقي وثقافي واجتماعي ومن تاريخٍ مليء بالحروب والصراعات الدموية، بينما لم يدرك العرب ذلك بعد، وعجزت جامعة الدولة العربية عن فعل ذلك رغم العمر الزمني المشترك بين التجربتين: الأوروبية المشتركة وجامعة الدول العربية! ألا يؤكّد ذلك أنّ المشكلة هي في انعدام القرار السياسي أو في سوء استخدام هذا القرار وليس في توفّر الظروف المناسبة أو الإمكانات المتاحة؟! فما يربط بين الدول العربية هو أكبر بكثير من عوامل الربط بين دول الاتحاد الأوروبي، لكن هناك على الطرف العربي غياب للقرار السياسي بالتعاون والتكامل؛ ثمّ أنّه إذا توفّر هذا القرار فيكون من خلال سوء أسلوب في الإدارة والتعامل والخطط التنفيذية، كما حصل في تجارب وحدوية عربية عديدة أدّت نتائجها إلى مزيدٍ من الشرخ بدلاً من الاتحاد.

لكن أيضاً من دروس التجربة الاتحادية الأوروبية، أنَّ هذه الدول تحكمها مؤسسات سياسية ديمقراطية وتُخضع قرار الاتحاد فيما بينها إلى الإرادة الشعبية في كلّ بلد فلا تفرض خيار الوحدة بالقوة، ولا يضمّ الكبير القوي في أوروبا... الصغير الضعيف فيها، وكان ذلك درساً كبيراً من دروس الحربين العالميتين الأولى والثانية ومن تجارب ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشستية، حيث أنّه تأكّد لشعوب أوروبا أنَّ خيار الديمقراطية، وأسلوب الإقناع الحر بأهمّية الاتحاد، هما الطريق لبناء مستقبلٍ أفضل لكلّ بلدٍ أوروبي وللتعاون الأوروبي المشترك .. فهل أدرك العرب أيضاً هذه الدروس من تاريخهم وتاريخ تجارب الشعوب الأخرى؟!



إنّ سلبيّات الواقع العربي الراهن لا تتوقّف فقط على المخاطر الناجمة عن عدم إدراك دروس التاريخ والجغرافيا، بل أيضاً على كيفيّة رؤية وإعداد أصحاب الأرض العربية لأنفسهم ولهويّتهم ولأوضاعهم السياسية والاجتماعية.

ففي هذا الزمن الرديء الذي تمرّ به المنطقة العربية، تزداد مشاعر اليأس بين العرب وتصل ببعضهم إلى حدّ البراءة من إعلان انتمائهم العربي، وتحميل العروبة مسؤولية تردّي أوضاعهم. فهولاء يخلطون بين إيجابيات الانتماء للأمَّة العربية وبين الظروف التي تمرّ بها، بين العروبة والأنظمة، بين الهويّة والممارسات. فهي مشكلة التعامل مع الانتماء العربي بالنظرة الآنية إليه وليس بمقدار ما هو قائم موضوعياً.



إنّ الحالة العربية السوداويّة الراهنة هي مسؤولية الخجولين بانتمائهم قبل غيرهم، لأنّهم عرفوا أنّ هناك مشكلة في أوطانهم فرضت عليهم "الخجل" بالهويّة، إلا أنّهم عوضاً عن حلّ المشكلة أو المساهمة بحلّها قدر الإمكان، اختاروا التهرّب من الانتماء المشترك، فعجزهم أمام مشكلة تعنيهم دفعهم للهرب منها إمّا إلى "الأمام" لانتماءات أممية (بأسماء تقدّمية أو دينية)، أو إلى "الخلف" بالعودة إلى القبلية والطائفية والعشائرية..



إنّ الشعوب تنتقل خلال مراحل تطوّرها التاريخي من الأسرة إلى العشيرة ثمّ إلى القبيلة ثمّ إلى الوطن والأمم، فلِمَ نريد أن نعيد دورة الزمن إلى الوراء؟ بل ماذا فعلنا حتى تبقى أوطاننا واحدة تتطوّر وتتقدّم وتتكامل بدلاً من دفعها للعودة إلى حروب القبائل والطوائف؟!

كثيرون يتنافسون الآن على إشعال فتاوى "الفقه الديني"، وبعض هذه الفتاوى يُفرّق ولا يُوحّد، لكن "فقه التاريخ والجغرافيا ما زال عِلماً لم يُدركْه العرب بعد.!