الأربعاء، فبراير 06، 2008

من ذاكرة الأسر 21

راسم عبيدات

الأسيران توفيق عبدالله واكرم منصور
شموع على طريق الحرية

هم من أقدم الأسرى في السجون الإسرائيلية، وعندما تسأل المناضل أكرم منصور والملقب "بالوحش" ، لكثافة الشعر الذي يغطي جسمه، وضخامة شواربه ، القريبة من شوارب الطائفة الدرزية،وصلابة بنيته الجسمانية، عن زمن اعتقاله ووجوده في المعتقل، فالجواب هو من زمن ما" بلطو" البحر ، ونحن في المعتقل، "والوحش" يدخل عامه الاعتقالي الثلاثين، بكل الشموخ والإباء الفلسطيني، وبكل أشكال العار التي تلف كل المتشدقين والمدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية،والذين فقط يهتمون بحقوق الإنسان وخرق وتجاوز القوانين والأعراف الدولية ،عندما يتعلق الأمر بالإسرائيليين ،أو أبناء الغرب وأوروبا، وأنا أجزم أنه لو كان المناضل أكرم منصور يهودي أو أمريكي ومعتقل في إحدى السجون العربية، وأمضى نصف هذه المدة، لقامت الدنيا ولم تقعد، على مستوى رؤوساء ووزراء وبرلمانيين ومتشدقين بحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها، ولربما دعي مجلس الأمن للانعقاد، لنقاش هذه القضية، وجميعنا نذكر بالملموس ، قصة الممرضات البلغاريات، اللواتي سجن في ليبيا، بتهمة نقل الايدز إلى الأطفال الليبيين، فلم يبقى رئيس ولا وزير غربي، إلا وتدخل من أجل إطلاق سراحهن، حتى أن الوزيرة الأمريكية"المفعمة بالحنان والإنسانية" كوندليزا رايس"، تدخلت في هذه المسألة شخصياً، وقالت أن الخمسة سنوات اللواتي قضينها في السجون الليبية ،عقوبة قاسية ولا بد من إطلاق سراحهن، وهي التي لم يرف لها جفن ،او حتى تتطرق لمعاناة الأحد عشر ألف أسير فلسطيني،بل همها وهاجسها هو الجنود الإسرائيليين الأسرى عند حزب الله وحماس، فهؤلاء يجب أن يعودوا إلى أحضان زوجاتهم وكنف أسرهم وعائلاتهم فهؤلاء ليسوا "قتلة وارهابين" مثل الأسرى الفلسطينيين، بل هم "مسالمين ومدافعين عن الحرية والديمقراطية" شأنهم شأن الجيش الأمريكي، الذي لم يترك جريمة حرب إلا وارتكبها في العراق تحت يافطة ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وصحيح انه القوي عايب، والوقاحة غير مسبوقة،وبالعودة للأسير الوحش، أذكر جيداً عندما عملنا له في غرفة 28 قسم ح من سجن عسقلان حفلة صغيرة بمناسبة عامه ألاعتقالي الثامن والعشرون، كيف كان منتشياً ويشعر بالعز والفخار، ويجدد العهد والوفاء وصون القيم والمبادئ حتى تتحقق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال، وكم كان متألماً من الاقتتال الداخلي الفلسطيني، وحريصاً على وقف هذا الاقتتال لما له من آثار مدمره على كل ما له علاقة بنضالنا ومشروعنا الوطني، وعلى ما أذكر فإن الأمين العام للجبهة الشعبية،الرفيق القائد احمد سعدات ألقى كلمة ،قال فيها أنا أقول وبصوت عالي لك أيها المناضل ولكل المناضلين ،اننا جميعاً كفصائل وأحزاب قصرنا تجاه الأسرى، ونحن ندرك أن حجم الدعم والإسناد والجهد المبذول في هذه القضية ليس بالمستوى المطلوب، ونحن كقيادة نتحمل المسؤولية عن ذلك، وأنا من هنا أدعو إلى أن لا تترك القوى والأحزاب أي وسيلة أو طريقة من أجل تحرير أسرى شعبنا البواسل من المعتقلات والسجون الإسرائيلية، وبمناسبة أخرى أرسل لي "الوحش" رسالة خطها أحد أبناء بلدته قلقيلية الذين اعتقلوا حديثاً، والذي لم يكن مولوداً عندما كان"الوحش" في السجون، يخاطبه فيها أيها الأب الحاني والمناضل الكبير، أنت المثال والنموذج والقدوة لنا ، وكلي شوق للتعرف عليك، والاستفادة والتعلم من خبراتك وتجاربك ...الخ ،"والوحش" لديه روح مرحة ويحب النكت والمزاح، وكان يروي لنا أحلامه بلا تحفظ أو تعقيد، والتي لا مجال لذكرها إلا بتصريح من"الوحش"، وبالمناسبة "الوحش" حددت الجهات الأمنية الإسرائيلية المؤبد له ب(35 )عاماً،وعندما كنا نريد أن نستفزه ونثير أعصابه، كنا نقول له يا"وحش" الأولوية إذا ما جرى تبادل لذوي الأحكام المؤبدة والعالية، أم الذين تبقى لهم بضع سنوات ، فهم يستطيعون قضاءها وتحملها ، وهنا يستشيط "الوحش غضباً، ثمانية وعشرون عاماً لا تكفي، وتريدون أن تسجلوني على أصحاب الأحكام الخفيفة، فقد قضيت أكثر من 60% من عمري في المعتقل، وأريد أن أعيش ما تبقى لي من سنين ،هذا إن مد وأطال الله في عمري في ربوع بلدي.
أما القائد المناضل توفيق عبدالله"أبو ابراهيم" والمعتقل منذ أكثر من 22 عاماً، فهو قارب الستين من العمر، وهو نموذج للقائد المتمرس والمسؤول، والمنتمي للوطن والشعب، لا للحزب والعشيرة، وأبو ابراهيم يوجه سهام نقده للأسرى والحركة الأسيرة، والكثير من قياداتها، والذين قال عنهم،بأنهم يعملون ويتصارعون من أجل ذواتهم ومجدهم الشخصي ،وهم لم يعملوا على بناء مؤسسات إعتقالية جدية،بل وحتى لم يقوموا بدورهم تجاه بناء منظمات تنظيماتهم الاعتقالية، وهمهم أن يبقوا تحت الأضواء وتركيز وسائل الأعلام عليهم،وابو ابراهيم يمتلك من الخبرة والمعارف والمعلومات الشيء الكثير، بحكم انه قاريء جيد ومتابع لكل التطورات، ولكنه احتجاجا وسخطاً على ما أصاب الحالة الفلسطينية من وهن وضعف وتراجع وانكسار، وتعمق الجهوية والعشائرية والبلدية في العمل الحزبي والتنظيمي،فأنه عزف عن المشاركة في الهيئات والمؤسسات الاعتقالية والتنظيمية،بل وذهب أبعد من ذلك حيث يقاطع الاستماع إلى نشرات الأخبار، ويكتفي بمتابعة ما يكتب على الشريط الإخباري في المحطات التلفزيونية،وهو يرى أن العلاج لحالة الانقسام والشرذمة الفلسطينية،غير ممكنة بدون أن التخلي عن الإفراط في الفئوية والنرجسية، وبناء الوطن والمقاومة بحاجة لكل جهد مهما صغر أو كبر، وعلى قاعدة شركاء في الدم ،شركاء في القرار ،مع مراعاة النسب والحجوم، وبعيداً عن الإقصائية وامتلاك الحقائق المطلقة، وتداول السلطة بشكل سلمي،واحترام قواعد الديمقراطية والتسليم بنتائجها بالفعل وليس بالقول.
ومن المهم جداً قوله ،ان المناضلان توفيق عبدالله"ابو ابراهيم" وأكرم منصور، هم من 73 أسير فلسطيني ،والذين مضى على وجودهم في الأسر،أكثر من عشرين عاماً، وهم من قبل مرحلة أوسلو، والذي يجب أن يكون هناك إصرار على إطلاق سراحهم، قبل أن يتحول الكثيرين منهم ،من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين، فأغلبهم أصبحوا متقدمين في السن ،عدا عن ما فعلته جدران الزنازين والسجون،في أجسادهم من أمراض وقتل داخلي، ومن هنا فالطرف الفلسطيني المفاوض، عليه أن يرهن أي تقدم أو تطور في المفاوضات،مع الجانب الإسرائيلي، بضرورة إطلاق سراح هؤلاء الأسرى،وكذلك على الأخوة في حزب الله وحماس، الأسريين للجنود الإسرائيليين،أن يجعلوا هؤلاء الأسرى في مقدمة ،أي صفقة تبادل محتملة مع الإسرائيليين.

القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: