د. عدنان بكريه
كثيرا ما يطرح السؤال هل المجتمع الإسرائيلي يحمل موروث العنصرية أم انه كان للسلطة القائمة هنا الدور الأكبر في تثقيف هذا المجتمع ثقافة عنصرية مبنية على إذلال وكُره العربي ؟؟! وما هو دور المجتمع الإسرائيلي في التأثير وتغيير سلوكه الاستعلائي إذا كان فعلا ينبذ ثقافة الحرب وينحو نحو الخيارات السلمية ولماذا لا يستطيع التأثير على الساسة الاسرائيلين ويجبرهم على سلوك طريق السلام كمخرج من الأزمات التي تعصف به ؟!
لقد مر المجتمع الإسرائيلي بتجارب سياسية وعسكرية واقتصادية مؤلمة عديدة ضعضعت بنيته الاجتماعية والاقتصادية نتيجة لتوجه قادته الحربي وتبنيهم ثقافة العربدة والاحتلال واضطهاد شعب آخر ... لكن الحقيقة يجب أن تقال بأن هذا المجتمع لم يحرك ساكنا لردع قادته عن نهجهم ألاحتلالي الذي هز مكانة إسرائيل سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وجعلها بؤرة مغذية للتزعزع الأمني في العالم لا بل نلمس إن المجتمع الإسرائيلي ينساق خلف إعلام صهيوني ودعايات تهدف لتبرير جرائم وموبقات الاحتلال ،
إن الصمت الشعبي الإسرائيلي والتأييد المطلق لممارسات القادة هو محصلة لسياسة إعلامية رسمية ومبرمجة تحاول زرع ثقافة الحرب في ذهن هذا المجتمع وإيهامه على إن البديل عن الحرب هو زوال الدولة !! رغم عدم وجود أي تهديد عربي أو دولي جدي على دولة إسرائيل وكيانها ووجودها،.. أعطوني دولة عربية أو إسلامية تشكل خطرا على إسرائيل !! بل أن إسرائيل بغطرستها هي التي تهدد امن الشعوب العربية والاستقرار العالمي ...سياسة الاحتلال والقمع هي الأساس لعدم الاستقرار وعدم طمأنينة المجتمع الإسرائيلي..فمع زوال الاحتلال حتما ستزول كل دوافع اللااستقرار ولن يكون هناك تهديد لا على إسرائيل ولا حتى على الولايات المتحدة نفسها .
إنني أجزم بأن سياسة التظليل التي تتبعها المؤسسة الحاكمة في إسرائيل هي السبب الرئيسي لترسخ ثقافة الحرب لدى هذا المجتمع ! ناهيك عن غياب قوى السلام الإسرائيلية الحقيقية والتي تراوح ما بين التأييد لخطوات الأحزاب الحاكمة وسياستها العدوانية وبين طرح طروحات استسلامية هشة لا معنى لها ولا تشكل مخرجا جديا من حالة التأزم القائمة، بل على العكس تماما فان هذه الفئات والتي تسمي نفسها يسارا عفوا (يسارا صهيونيا) لم تخرج يوما من تحت مظلة العداء للحق الفلسطيني وهي تحمل ثقافة صهيونية لا تقل خطورة عن ثقافة اليمين ..وعندما يتعلق الأمر بالحق الفلسطيني والعربي نراها تقف صفا واحدا مع اليمين المتطرف..وما تمحورها في خانة اليسار وادعاؤها اليساري إلا لحسابات انتخابية ضيقة ...وما تطرحه من أفكار وهمية إلا لحصد أصوات الناخب العربي بالتحديد ..أما وعوداتها فتتطاير بعد الانتخابات مباشرة ، فهي لا تحمل فكرا سلميا وبرنامجا متكاملا يجنب المنطقة الكوارث وإراقة الدماء ولا تحمل مفاهيمها سلمية تشكل ركيزة للخروج من حالة الحرب التي تحياها المنطقة فتجربتنا مع حزب (العمل) والذي يدعي اليسارية تجربة مريرة فمعظم الحروبات حصلت في فترة حكم حزب العمل .. حرب الأيام الستة عام 67 حرب الغفران عام 73... التصدي للانتفاضة الأولى وانتهاج رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابيين سياسة (تكسير العظام). .. احتلال الجنوب اللبناني كل هذه الاعتداءات على حقوق وأراضي الغير حصلت في فترة حكومة حزب العمل وحليفة اليساري حزب ( ميرتس) فهل هذا هو اليسار الذي يتبجح دائما باعتداله وقدرته على صنع السلام مع العالم العربي .. إن السلام الذي ينطلق ممن يسمي نفسه باليسار هو سلام يرتكز على الأخذ وعدم العطاء .. يرتكز على التطبيع مع العالم العربي دون مقابل... يرتكز على رؤية شمعون بيرس للشرق الأوسط الجديد الذي يسوده السيطرة المطلقة لإسرائيل على ثروات العالم العربي دون تقديم أي تنازل يذكر .
العالم العربي خطى خطوة جريئة باتجاه إرساء ركائز السلام في قمة بيروت على أساس الأرض مقابل السلام ولو كانت إسرائيل جادة لقبلت يد العالم العربي الممدودة ولجنبت المنطقة المزيد من الكوارث والحروبات .
من هنا فان من يحاول إيهامنا بان اليسار الصهيوني يختلف عن اليمين وقد يخطو خطوات سلمية يكون مخطئا فاليمين واليسار الصهيوني وجهان لعملة واحدة يوحدهما العداء للحقوق القومية العربية وللحق الفلسطيني بالتحديد.
وعودة إلى ثقافة المجتمع الإسرائيلي فانه بمجمله يحمل أفكارا عدائية للحق الفلسطيني نتيجة سيطرة الإعلام الصهيوني الذي يروج ثقافة الخوف من العرب والعداء لهم .. وغياب الإعلام العربي الذي يقوم بدحض تلك الادعاءات وإبراز الحقيقة ناهيك عن سيطرة الإعلام الصهيوني على وسائل الإعلام الغربية
لا نستطيع القول انه من السهل غسل دماغ المواطن الإسرائيلي من فيروس العداء للعرب وهو لا يتبدل ويتقلب وفق المعطيات الطارئة ووفق الظروف الناشئة ..وحتى لو ساد السلام في المنطقة إلا انه من الصعب جدا تغيير ثقافة ترسخت عبر عشرات السنين ومن الصعب أيضا تغيير عقلية المواطن الإسرائيلي الذي تربى في المدرسة والبيت على العداء والكراهية للعرب وحتى لو أراد حكام إسرائيل هذا الأمر فانه سيستغرق زمنا طويلا وأجيالا متعددة .
إن الإنسان العربي قابل لتغيير توجهه كونه لم يكن معاديا لليهودي ولم يحمل الضغينة والحقد الأزلي لأي كان ،بل كان دائما مطالبا بحقوقه داعيا إلى إنصافه ولم تترسخ في ذهنه ثقافة العداء للشعوب الأخرى ، دائما كان مناديا بضرورة التعايش المشترك ....لا يوجد منهاج تعليمي عربي يحث على عداء الشعوب الأخرى وحتى الشعب اليهودي كما هو المنهاج التعليمي في المدارس اليهودية والذي يصور العربي على انه "وحش ومصاص دماء ومتخلف وقذر" لا يمكن التعايش معه !!.
بالمقارنة لمسنا وعلى مدار عقود من الزمن شكلية ترسيخ الثقافة العدائية للعرب والفلسطينيين من قبل أقطاب السياسة الإسرائيلية ..ومن منا لا يذكر النماذج التي عززت العنصرية في عقلية الإنسان اليهودي –عندما صرح (موشيه ديان) والذي كان وزيرا للدفاع الإسرائيلي "العرب أمة لا تقرأ وان قرأت لا تفهم وان فهمت لا تطبق " هذه إحدى الأمثلة الواضحة على مساهمة زعماء إسرائيل في ترسيخ الثقافة العدائية للعرب ..ومن منا لا يذكر مقولة (يسرائيل كينغ)عندما قال "العرب سرطان في جسم الدولة ويجب اقتلاعه" !! ومن منا لا يذكر مقولة ( شموئيل طوليدانو )والذي عمل مستشارا لرؤساء وزراء إسرائيليين سابقين عندما قال " الذين يعيشون وراء ظهرنا على مدار عقود من الزمن ، لم يبقوا رعاة ولا سقاة، بل أصبحوا عربا وأيضا فلسطينيين " هذا جزء من النماذج المتعددة التي تدل على مدى الجهد الذي بذله القادة الإسرائيليين في ترسيخ عقلية العداء للإنسان العربي المستضعف هنا .. ونحن هنا من ندفع ثمن هذه العقلية..نحن أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل الذين نحمل الجواز الإسرائيلي .. نعم نحن الجزء النابض من امتنا العربية والجزء الحي من الشعب الفلسطيني ونحن أيضا من ندفع ثمن أي حالة قد تنشأ مستقبلا ما بين إسرائيل والعالم العربي !!نحن دافعي ضريبة الحروبات لأننا فلسطينيين شاء من شاء وأبى من أبى .. هذه حقيقة لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها .
إن أية تداعيات قد تحصل على المستوى الإسرائيلي والعربي تنعكس علينا بشكل مباشر وأي خسارة حربية إسرائيلية أمام دولة عربية تشكل وازعا لحكام إسرائيل وللمجتمع الإسرائيلي لتفريغ حقده على الانسان العربي الذي يعيش هنا في الداخل ... هذه هي الحقيقة المرة التي نحياها هنا ، من هنا فإننا نرى أن الرهان على تغيير نهج التعامل الإسرائيلي معنا فيما لو حلت القضية الفلسطينية أمر غير وارد ، كون هذا النهج تعزز في عقلية المواطن اليهودي ليصبح جزءا من كيانه الثقافي ومن سلوكه اليومي وكما أسلفت فان هذه الرؤية لا يمكن مسحها باتفاقيات سلمية قد تبرم مع الأطراف العربية ، بل إنها تحتاج إلى تغيير عقلية راسخة وقلب مفاهيم متجذرة في أذهان المواطنين الاسرائليين اليهود .
الدكتور عدنان بكريه /فلسطين الداخل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق