الأربعاء، سبتمبر 30، 2009

فلسطينيو العراق .. لا أخوة لكم يا أخوتي

نضال حمد
تستمر حملة تشتيت وتهجير وتوزيع فلسطيني العراق من مخيماتهم الجديدة على الحدود السورية العراقية الى شتى بقاع الدنيا من تشيلي والبرازيل حتى سلوفاكيا وايسلنده والنرويج والسويد وفنلندة ونيوزيلنده واستراليا والهند.. في ظل هكذا وضع يتم فيه تهجير ابناء فلسطين بشكل منتظم حيث تستغل معاناتهم الانسانية وتتخلى عنهم عملياً كافة الدول العربية ، بما فيها تلك التي تعتبر دولاً مدافعة عن حق العودة ومساندة للمقاومة وقلاعاً للمناعة. يصبح من الصعب على اللاجئين الفلسطينيين تصديق كلام هؤلاء والايمان بشعاراتهم ...
يتم تشتيت الفلسطينيين الذين كانوا فروا من جحيم عصابات جيش المهدي و فيلق بدر بشكل منتظم ، تحت نظر و على مرأى ومسمع كافة الفصائل الفلسطينية المعارضة التي لا تبعد مقراتها كثيراً عن تلك المخيمات المقامة على الحدود العراقية السورية. تكتفي الفصائل بارسال مساعدات انسانية ( وهي بطبيعة الحال ضرورية ) لهؤلاء اللاجئين. لكن قضيتهم أكبر من أن تختزل في تلك المساعدات وفي زيارات وبيانات وكلمات .. هم بحاجة لمساعدة عاجلة تجلب لهم ملاذاً آمناً وسقفاً يأوون تحته ، يرد عنهم مطر الشتاء و يحميهم من لهب شمس الصحراء..
قضية هؤلاء اللاجئين قضية وطنية ، قومية وليست مجرد معاناة عابرة تخص قسماً هاماً من اللاجئين الفلسطينيين خاصة اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل ، بعدما استباحتهم عصابات الطوائف العميلة للأحتلال الأمريكي . أن دور الفصائل الحقيقي هذا إذا كان لها فعلاً دور فاعل ومؤثر في الحياة السياسية الفلسطينية والعربية ، أن تتحمل مسؤولية هؤلاء ، وأن تطالب الاشقاء والحلفاء بتحمل مسؤولياتهم بشكل أكثر جدية. وبتوفير مكان آمن لهم في بلاد العرب المجاورة لفلسطين.
أما السلطة الفلسطينية التي تدعي انها المسؤول الأول عن شعب فلسطين عبر هيمنتها على التمثيل الشرعي الفلسطيني من خلال اختطافها لمنظمة التحرير الفلسطينية. فقد وقفت ومازالت تقف متفرجة ، وكأن قضية هؤلاء قضية لاجئين من التاميل في سيريلنكا. فكل ما قامت به هو دعم مشروع توطينهم في كردستان العراق. تم ذلك خلال الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الى العراق المحتل قبل بضعة أشهر،حيث تحدث عن اوضاعهم في لقائه مع الطالباني. حدث هذا بالرغم من رفض ومعارضة هؤلاء اللاجئين لتلك الفكرة جملة و تفصيلا. صحيح أن الأكراد في العراق لم يلوثوا اياديهم بالدماء الفلسطينية مثلما فعلت العصابات الارهابية ، الدموية والسادية ، من خلال مجموعة من العمليات الوحشية والاعتداءات المنظمة على أحيائهم السكنية هناك. إلا أن الفلسطينيين المثخنين بالجراح لم يعد لديهم الرغبة ولا الشعور بالأمان للعيش في العراق. لأن الذي ارتكبته تلك العصابات من جرائم واغتيالات وتعذيب واعتقالات واغتصاب وسرقة للممتلكات ومصادرة للمساكن و المتاجر ، يفوق كل خيال ، فهناك أشرطة فيديو موثقة عن اجرامهم بحق الفلسطينيين في العراق ، يمكن مشاهدتها على الموقع الالكتروني لفلسطينيي العراق... كما هناك شهادات حية عن الارهاب الدموي لعصابات جيش المهدي وفيلق بيدر.
لقد كان الطرد الى الصحراء القاحلة حيث الحياة لا تطاق ولا تتوفر فيها مقومات العيش ، أرحم عقاب تنزله العصابات الطائفية المسلحة الحاقدة بالفلسطينيين .. قذف بهم الى هناك كي تقتلهم الأفاعي والثعابين والعقارب بعدما قتل المئات منهم على يد الذين من المفترض أنهم يتذكرون كلمات المرجع الاسلامي الشيعي الكبير ابو القاسم الخوئي ، الذي قال أن الشعب الفلسطيني شعب حسيني ... وكان يقصد بذلك أنه شعب معذب و مظلوم و مجاهد ... كل تلك الأعمال البشعة حدثت ولم تتدخل مثلاً ايران الاسلامية التي لها باع طويل في تحريك القوى السياسية وشبه العسكرية والقيادات الطائفية المحسوبة عليها بالعراق ، مثل عصابات جيش المهدي .. او عصابة المجلس الاسلامي الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم ، توفي مؤخراً في احدى مستشفيات طهران .. لم تضغط ايران أو تمارس نفوذها على تلك العصابات لوقف جميع اشكال و أنواع البشاعة التي قامت بها بحق الفلسطينيين. فجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر ومعه فيلق بدر التابع لآل الحكيم ارتكبوا جرائم مماثلة. كأنهم كانوا في سباق على كسب ود الحاقدين والمعادين للشعب الفلسطيني ، وكأنهم أيضاً ينتقمون من حكم الرئيس العراقي الراحل عبر ذبح الفلسطينيين. هذا يجب أن يضاف الى مجموعة من الاعتداءات التي ارتكبتها قوات الأمن العراقية الرسمية ، التابعة للحكومة المنصبة من قبل الاحتلال الأمريكي.
لقد بدأت الحملة على الفلسطينيين منذ ما قبل غزو العراق واحتلاله إذ حافظت أقلام متأمركة ومتصهينة وحاقدة وطائفية و شوفينية على التحريض المنتظم والعلني ضد الفلسطينيين عبر الصحف ووسائل الاعلام ومواقع الانترنت. كانت المقالات والكتابات المنشورة تتوعدهم بالمذابح والمجازر والعقاب والحساب والطرد والسبي والنفي. ومازلت شخصياً احتفظ بكثير منها ومن كتاباتي التي واجهت فيها وعبرها كتاب المارينز والطوائف وعملاء الأمريكان والصهاينة وكل أعداء العراق. تلك الحملة هي التي هيأت للحاقدين الطريق للقيام بما قاموا به من مجازر ومذابح ضد اللاجئين الفلسطينيين بعد سقوط بغداد واستشهاد العراق.
إن نظرة على واقع حال الفلسطينيين في العراق وما حل بهم وكيف تتم عملية اذابتهم في العالم الواسع ، بحيث تفرق الأب والأم عن أطفالهم والزوج عن زوجته والأخ عن أخيه وأخته ، ليصبح عادياً جداً أن تسمع أن الأخ في السويد والأخت في استراليا والأخ الآخر في تشيلي .. مما يعني أنه بالإضافة لمأساتهم المستمرة منذ احتلال العراق ، تضاف اليها مأساة أخرى وهي عدم لم شملهم حتى في دولة لجوء واحدة.
في نظرة على موقع فلسطيني العراق على الشبكة الالكترونية بالامكان قراءة الرسائل والتعليقات المتبادلة بين هؤلاء المظلومين . ففي رسالة مناشدة من البرازيل يقول كاتبها أن طفله سقط من علٍ وأدخل المستشفى للعلاج بوضع حرج ، وأنه لا يملك ثمن علاجه وأن المفوضية (يقصد مفوضية الأمم المتحدة ) قد تخلت عنهم ، ويختم رسالته بالقول : " اللاجئون الفلسطينيون يعانون أينما كانوا ومعاناتهم في ازدياد وكما هو حال أهلنا اللاجئين من فلسطينيي العراق في البرازيل فمعاناتهم مستمرة وخاصة بعد قرب انتهاء برنامج الأمم المتحدة للاجئين في البرازيل. فنناشد المنظات الدولية وكل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتدارك الكارثة قبل وقوعها في البرازيل وتشيلي والهند وسريلانكا واندونوسيا وغيرها من الدول التي يتواجد بها اللاجئون من فلسطينيي العراق. "
في صفحة أخرى قرأت خبراً يقول أنه بتاريخ 01-09-2009 وصلت عائلة فلسطينية من العراق الى الهند ... ويضيف كاتب الخبر أنها معاناة جديدة تضاف لمعاناة فلسطينيي العراق في الهند ... وفي نفس الخبر نجد تعليقاً من فلسطيني آخر موجود في الهند يقول فيه : " بدي اهنيك او اواسيك على الهند بس بدي اوصلك اش وانت يمكن تفهم اغنيه سعدون جابر وهي : كلي جابك علي وش ذكرك بل هند العراق اهون .. " . هذا هو للأسف الشديد واقع حال الذين تقطعت بهم السبل من جديد في دول العالم.
في السويد نشرت صحيفة "ذي لوكال" خبراً مفاده أن السويد سوف تستقبل اللاجئين الفلسطينيين على الحدود العراقية السورية ، ضمن اتفاقية مع مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين. وقال المدير العام لدائرة الهجرة السويدية دان الياسون "إنه لأمر جيد أن يكون لبلاده دور في مثل هذه العمليات الإنسانية الكبيرة".
وأضافت الصحيفة أن 3 مخيمات للاجئين الفلسطينيين سيتم إخلاؤها على الحدود العراقية - السورية بالتعاون مع الولايات المتحدة.

وقال الياسون "هذه المخيمات موجودة في أصعب الأماكن على الأرض حيث شروط العيش صعبة جداً.. الآن يمكننا أن نؤكد أن هؤلاء الناس يمكنهم أن يأتوا ويعيشوا في أوروبا والولايات المتحدة". لكنه لم يذكر عدد هؤلاء اللاجئين. وأشارت "ذي لوكال" إلى أن السويد تجهد ضمن الاتحاد الأوروبي لأجل دفع أعضائه للقبول بعدد أكبر من اللاجئين. ومعلوم أن السويد لوحدها استقبلت 1900 لاجئ في العام الفائت ضمن الـ4800 لاجئ الذين توزعوا على الدول الأوروبية.

هذه المشاكل والقضايا الانسانية المفجعة لفلسطينيي العراق تجعل الانسان يطرح سؤالاً بحاجة لاجابة شافية. والسؤال بطبيعة الحال يجب ان يوجه للفصائل والجمعيات والمؤسسات والمراكز الفلسطينية والعربية التي تتمسك حسب قولها بالثوابت الوطنية الفلسطينية وأهمها ثابتة حق العودة. إذا كان ليس بامكان المدافعين عن حق العودة والمطالبين به والعاملين لأجل تحقيقه ، القدرة على ايجاد حلول مؤقتة ، معقولة ومقبولة لآلاف قليلة من اللاجئين الفلسطينيين ، فكيف سيتمكن هؤلاء من اعادة ملايين اللاجئين الى ارضهم المحتلة سنة 1948 .؟؟
sofsafi@gmail.com
* مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org

الرئيس سليمان: لا نريدك لحوداً أخر

الياس بجاني

أثارت المقابلة التي أجرتها الصحافية راغدة درغام مع فخامة الرئيس ميشال سليمان خلال وجدوه في الولايات المتحدة ونشرتها جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 27 أيلول الكثير من علامات الاستفهام المقلقة والمخيبة للآمال، كما أصابت الكثيرين بالدهشة والاستغراب. (اضغط هنا لقراءة المقابلة)

بعض السياسيين السياديين ومنهم النائب دوري شمعون استنكروا علناً المواقف المجافية للحقائق والوقائع التي جاءت في المقابلة، في حين تخوف آخرون من أن يتحول الرئيس سليمان إلى اميل لحود آخر. في أسفل بعض المواقف النافرة التي وردت في المقابلة وتعليقنا عليها، نرجو أن يتسع صدر الرئيس لها وأن يتقبل صراحتنا لأننا بالفعل نريد له النجاح:

*رداً على سؤال الصحافية راغدة درغام: "ألا تعتقدون أن هناك دوراً ما سورياً أو ايرانياً في الوضع اللبناني الراهن؟ أجاب الرئيس سليمان: "سلبياً، لا أعتقد".
التعليق: نسأل ببراءة وبسذاجة الأطفال عن نوع ومصدر المعيار "الإنكشاري والزمخشري" هذا الذي قاس به فخامته الدور الإيجابي لكل من سوريا وإيران، فيما هما بالواقع المعاش وراء كل مصائبنا وبلاوينا والكوارث منذ العام 1976. وحسب معرفتنا المتواضعة لا نرى في مواقف الدولتين، الفارسية والبعثية، غير ممارسات الهمجية بأبشع صورها، والهيمنة، والاحتلال، والإرهاب، والقتل، والخطف، والتزوير، والسرقات، وتهريب الممنوعات، والغزوات، وتذكية الأصولية والتعصب، وزعزعة النظام، وتفريغ مؤسساته وتجويفها وتهميشها، وإقامة الدويلات، وتهجير أهلنا، وإبقاء وطننا ساحة لحروبهما العبثية والدونكشتية ومرتعاً لمشاريعهما التوسعية، وسوقاً لتجارتهما بالمقاومة والتحرير.

أما دور إيران السلبي فهل هو يا ترى في دويلة حزب الله التي أصبحت أقوى بمرات من دولة لبنان المركزية، أم في بلايين الدولارات التي تضخها سنوياً في حزينة الحزب هذا التابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني، أم في تصدير ثورتها الإسلامية عبر نفس الحزب إلى مصر واليمن والبحرين والعديد من دول العالم؟

*وعن التأثير الإيراني المعروف على الوضع في لبنان قال: "الحقيقة أننا لا ننكر تأثيرات الدول في بلد مثل لبنان ونحن نعاني مشاكل إقليمية. من أين تأتي معاناة لبنان؟ تأتي من هذه المشاكل الإقليمية التي تنعكس على لبنان. ولكن في ودنا أن ندير شؤوننا بأنفسنا مع الحفاظ على علاقات الصداقة التي تعطي قوة للبنان عندما تكون صادقة".
التعليق: هناك يا فخامة الرئيس فرق شاسع بين الصداقة والتبعية، وكما تعرف ويدرك الجميع فإنه لا وجود لمفردة "الصداقة" في قاموس حكام سوريا. فلا يُعقل أن يفهم معنى الصداقة من لا يعترف بشرعة الحقوق الدولية ولا يحترم كرامة الإنسان ويضطهد شعبه ويسجن أحراره ويرهب مثقفيه وشبابه ويبقي سيف الأحكام العرفية مسلطاً على رقاب مواطنيه ما يزيد عن 30 سنة ويعمل على إفقارهم وإرهابهم والتنكيل بهم وتفقيس وتصدير الإرهاب والإرهابيين.

*ورداً على سؤال آخر حول التداخلات السورية قال سليمان: "يكنّ السوريون كل المحبة للبنان، ولديهم إرادة ثابتة وصادقة بأن يدير لبنان شؤونه وينفذ الاستحقاقات السياسية والدستورية. ليست لديهم النية بالعرقلة أبداً. كما ليست لديهم النية بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لأن طبيعة العلاقات بيننا وبين السوريين أصبحت مبنية على الثقة أكثر ونحن بحاجة لإثبات جدارتنا في تشكيل الحكومة."
التعليق: فعلاً غريب هذا الوصف وغريب أكثر أن يأتي على لسان رئيس جمهورية لبنان، هذا اللبنان الذي لم ير منذ استقلاله الحديث في سنة 1943 يوماً واحداً دون كوارث وفواجع وإشكالات قاتلة ومدمرة من تصدير حكام الشقيقة الشقية وهم الذين لم يعترفوا باستقلالنا حتى يومنا هذا. فهل يعتقد فخامته ولو للحظة أن من يقرأ هذا الكلام "الزجلي" سيأخذه على محمل من الجد؟
وأي ثقة هذه التي يتحدث عنها وتشرين السورية نعت نظامنا الذي هو رئيسه أول من أمس وقالت أنه ميت وغير قابل للحياة.؟
وهل الثقة التي يفاخر بها هي التي حدت بنظام دمشق لتفقيس إرهابيي فتح الإسلام وتكليفهم مهمة تثبيت هذه الثقة في مخيم نهر البارد صلاة وبخوراً وترانيم، واستعمال بوقهم أحمد جبريل منذ أيام قليلة لتهديد الدولة اللبنانية إن هي فكرت بتجريد سلاح المعسكرات السورية في قوسايا وحلوة والناعمة؟
وهل مسلسل الاغتيالات الذي طاول العشرات هو عربون لهذه الثقة، وهل يا ترى إبقاء أهلنا في غياهب سجونهم ورفضهم ترسيم الحدود ومنع تهريب الأسلحة عبرها هي كلها أعمال وممارسات طوباوية ووليدة ما سماه رئيسنا "إرادة ثابتة وصادقة"؟

*وحول مفهومه للخلافات بين اللبنانيين قال سليمان: "منذ أن انتخبت رئيساً للجمهورية، لم يختلف اللبنانيون على المواضيع الكبيرة. كانت الاختلافات دائماً على تفاصيل صغيرة يكمن فيها الشيطان كما يقال، لكننا متفقون على القضايا الكبيرة وسنجد دائماً القرار المناسب الذي يفيد وحدة لبنان أولاً، ويعبّر عن الموقف العربي ثانياً، ويصب في خدمة الإنسان في شكل عام."
التعليق: لا يا فخامة الرئيس الخلافات ليست على التفاصيل بل على جوهر وأساس النظام وعلى الكيان والدستور والتعايش، وعلى مبدأ الحريات والديموقراطية. الخلاف هو بين من يريد لبنان ومن لا يريده ويسعى بقوة السلاح والمال والإرهاب والمذهبية لإسقاط نظامه وإقامة جمهورية "ولاية الفقيه" مكانه على شاكلة الجمهورية الخمينية القائمة في إيران.� ولا يا فخامة الرئيس لا يوجد أي اتفاق على شيء جوهري. فهل هناك اتفاق على مصير سلاح حزب الله ومفهوم ما يسمى مقاومة وتحرير وعلى قرار الحرب والسلم واتفاق الطائف واحترام حقوق وثقافة المجموعات التي يتكون منها المجتمع اللبناني؟ بالطبع لا وهنا نقول لك مرة أخرى هل فعلاً تتوقع أن يؤخذ كلامك على محمل من الجد؟

*وفي موضوع تأليف الحكومة وتوزير الخاسرين قال: �إن الالتزام بالمصلحة الوطنية أجدر من رفض توزير الراسبين� في الانتخابات النيابية. وكشف عن عدم اعتقاده بأن الرئيس المكلف سعد الحريري كان يريد (يريده) فعلاً التوقيع على التشكيلة الحكومية التي قدمها. وقال إنه لا يرفض حكومة أقطاب أو تكنوقراط شرط أن تكون حكومة وحدة وطنية.
التعليق: هل فعلاً إن ما أردت قوله هو إن الرئيس المكلف لم يكن جدياً في مسعاه وقدم لك التشكيلة الحكومية وهو لم يريدك أن توقعها؟ هذا الكلام خطير ويحتاج إلى توضيح لأن الرئيس الحريري قال عكس ذلك. أما عن إشكالية " الملهاة والقناع" فيما يتعلق بتوزير الخاسرين في الانتخابات فكنا نتمنى أن لا تقحم الموقع الرئاسي بأمرها خصوصاً بعدما سربت أخبار من سوريا تقول أن كبير حكام الشقيقة ضغط على حزب الله وأمل وباقي أطياف 8 آذار للعمل على توزير الصهر جبران ارضاءً لعمه الجنرال المكرس سوريا وإيرانياً بطريركاً لعموم لبنان والمشرق!!
وربما من المفيد لفتك يا فخامة الرئيس إلى أن العماد عون كان اعتبرك من الساقطين في الانتخابات بسقوط ناظم الخوري وفارس سعيد وغيرهما من المستقلين وهو قال علناً ما معناه، "لا يحق للرئيس أن يحصل على أية وزارات لأن الشعب أعطانا نحن الثقة ولم يعطيه إياها!!.

*وعن اللقاءات التي أجراها في نيويورك قال إنها كانت جيدة وأضاف: "لا يخفى الأمر أن لبنان استعاد الصدقية في الدول الصديقة والمجاورة وأيضاً في دول العالم كافة، التي جعلت رؤساء الدول الذين التقيتهم أصبح لديهم احترام مميز لرئيس لبنان. للأسف في أيام الفوضى لم يكن هذا الاحترام موجوداً، أما الآن فاستعدنا مكانتنا".
التعليق: من دواعي سرورنا أن يحترم العالم رئيس جمهورية لبنان وبشكل مميز كما قلت... ولكن لا بد من السؤال التالي: ترى لماذا لم يكن هذا الاحترام متوفراً لسلفكم العماد لحود؟ أليس لأنه كان "خاتماً بالإصبع السوري"؟ وباقي الجواب هو في منتهى الأهمية ومن هنا نرجو أن تكون الأسباب واضحة لديكم لأننا فعلا لا نريدك رئيساً ينتهج نفس المواقف التي كان للأسف ينتهجها العماد لحود، وباختصار مفيد جداً، لا نريدك لحوداً أخر ونقطة على السطر.

قادة الأنظمة العربية شركاء في تهويد القدس وتهجير أهلها

خضر خلف

إن قضية القدس هي القضية الأساسية والقضية الخطيرة وذات الأهمية الكبرى في العالم الإسلامي والعربي، وكذلك من عظمة القدس وأهميتها نجد أن حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لا بل في العالم بأسره منذ أن احتلت , لأن احتلالها وتهويدها يمس عقيدة كل مسلم وحضارته وتراثه أينما كان باعتبارها الأرض التي أسرى إليها وعرج منها إلى السماء حبيبنا وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا بحد ذاته يدخل في صلب عقيدة كل مسلم ، وهي نص في آية من آيات كتاب الله جل جلاله . ولأنها القدس الأرض المباركة التي باركها الله وبارك حولها وهكذا تبقى القدس القضية ذات الأهمية الكبرى والجوهرية .
لقد احتلت القدس عندما تأمرت الأنظمة العربية على شعوبها ، أما اليوم تحول جديد وخطير أكثر من التأمر لهذه الأنظمة حيث أنها وبتحوليها هذا أصبحت سلطة تنفيذية للإدارة الأمريكية أي أنها تجسد الشرطي الأمريكي على امتداد الوطن العربي وتعتبر كل من خولت له نفسه بان يتحدث عن القدس وفك أسرها بأنه إرهابي وانه أصبح يثير القلق بالأمن القومي للدولة, لان هذا بحد ذاته يسبب قلق الإدارة الأمريكية وقادة الأنظمة حريصون كل الحرص بان لا يحدث هذا القلق لإدارة أسيادهم , وان تفكير شعوبهم بان تحرير القدس هو واجب وطني وديني هو الإرهاب بعينه فيقمعون شعوبهم , أما لإسرائيل فلها الحق بان تقمع الشعب الفلسطيني وتصادر أرضه وتقتلعه من جذوره ولها الحق بهدم منازل المقدسين وتهويد القدس وحفر الإنفاق تحت المسجد الأقصى من اجل هدمه , ولها الحق بان تعبر بسفنها الحربية بكافة إشكالها وباختلاف نوعية حمولتها ومنها الذرية قناة السويس, كل هذا تحت مسميات اتفاقيات السلام والتطبيع , أما عزة وأهلها يقبعون في العراء منذ حرب محرقة غزة حرمان وحصار وتجويع لا يسمح لهم إدخال ما يحتاجونه لإعادة أعمار بيوتهم التي دمرت.وهذا أيضا تحت مسميات حماية اتفاقيات السلام وبنودها, أما إسرائيل فلها الحق أن تضرب بعرض الحائط أي اتفاق وأي عهد, لأنها حليفة أسيادهم .
وبلا شك أن صمت قادة الأنظمة العربية والإسلامية هو الذي شجع وجعل إسرائيل تتمادى وتتوسع في تنفيذ مخططاتها لو كانت هناك ردود فعل من هذه الأنظمة القابعة على صدور شعوبها لما أقدمت إسرائيل على ما تقوم به من تهجير لأهلنا المقدسين من بيوتهم وإسكان المستوطن فيها و مصادرة البعض الأخر منها و هدمه .
نعم أن هذا الصمت بحد ذاته هو مشاركة لقادة الأنظمة لما يحصل في القدس من تهويد
لو عندنا ونظرنا إلى نتائج كل مؤتمرات لا بل مؤامرات السلام لنعرف ماذا نتج عنها من اجل فلسطين وكذلك والقمم العربية ماذا أفرزت من النتائج لفلسطين وشعبها ومقدساتها حتى ولو كان على الصعيد الإعلامي وعلى صعيد الرؤية و النظرة العربية الإسلامية تجاه فلسطين والقدس و ما تتعرض له القدس , نعم وبلا شك كانت هناك نتائج متعددة كتابات للبيانات وإلقاء بيانات للامين العام للجامعة العربية التي يتقنها بلباقة , وتأجيل عقد قمة عربية إبان الحرب على غزة حتى تنتهي إسرائيل من حربها , وضعت خطط ودراسات ومشاريع من اجل إحياء عملية ما تسمى في السلام ولكنها وضعت بصيغ لا نجد بين سطورها إنهاء الاحتلال وملف اللاجئين وإيقاف الاستيطان وتهويد القدس وإنما كيف ومتى ينفذ مشروع التطبيع الشامل مع إسرائيل ولم نجد شيئا من أجلك أو تجاهك يا قدسنا , ولقد تجسد ذلك بعد مجزرة لا بل محرقة غزة مباشرة من خلال مؤتمر دافوس عندما حاول خلالها شمعون بيرس وكعادته تبرير تلك الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية من الأطفال والنساء والشيوخ والرضع في حرب الهلوكوست الإسرائيلية على غزه يأتي في سياق الدفاع عن النفس , لم يطيب لرئيس الوزراء التركي أن يبقى بعد سماع ما سمع وبعد منعه من الاستمرار في الرد على بيرس فقرر أن ينتصر لفلسطين حيث غادر مؤتمر دافوس عائدا إلى تركيا نصرة لفلسطين وشعبها وقضيتها.
أما الأنظمة العربية المتمثلة في أمينها العام ضربت فلسطين وشعبها في عرض الحائط وبقي أمينها لمواصلة المؤتمر لكي لا تغضب الإدارة الأمريكية وجسد هذا التطبيع الحقيقي عندما اجتمع أمين عام الجامعة العربية الممثل لكافة هذه الأنظمة مع رئيس الاحتلال.
فهل بقي لنا رهان على أن هؤلاء القادة حريصين أو قادرين على حماية القدس من التهويد وتحريرها من الأسر
فلك الله يا قدسنا أما هم نشكوهم إلى الله

بين النووي الإيراني و الإسرائيلي: أين العرب؟

السيد محمد علي الحسيني

مازالت تداعيات وسجالات المواقف الدولية والاقليمية المتباينة بشأن الکشف عن مواقع نووية إيرانية جديدة مستمرة ومافتأت العديد من اوساط القرار الدولي تلمح بشکل او بآخر الى ضرورة إنتهاج الخيار العسکري کالسبيل الافضل لحسم الوضع مع إيران، في حين أنه مازالت هنالك أيضا(أغلبية دولية الى حد ما) تجد ان الفرصة سانحة للتمسك بالخيار السلمي لمعالجة الملف النووي الايراني وتصر على أن تقديم محفزات وبدائل مجزية لطهران سوف تساعد على حلحلة المسألة بدون أية تکلفة(حربية)مکلفة ومرهقة للغرب.

وفي الوقت الذي تلمح الادارة الامريکية(کعادتها دوما)الى الخيارات الاخرى ضد إيران کإشارة قوية للخيار العسکري، فإنه ليس هنالك في الافق من سياقات وإتجاهات ودلائل واضحة وعملية تساعد على تکوين ولو مجرد فکرة خاصة عن سيناريو حقيقي لضربة أمريکية أو أمريکية ـ غربية أو حتى إسرائيلية أو أمريکية ـ إسرائيلية للمنشئات النووية الايرانية، ومع أن اسرائيل تسعى في هذا الخضم(کعادتها أيضا)للصيد في الماء العکر وعلى حساب الدول العربية بشکل خاص والدول الاسلامية بشکل عام، فإنها تصر على أن تکون طرفا في أية مسألة تتعلق بمعالجة أو حسم الملف النووي الايراني خصوصا عندما يکون الامر خلف الابواب المغلقة وبعيدا عن الاضواء والصحافة.

وإذا ماکانت اوساطا سياسية تسعى بين الفينة والاخرى الى إثارة زوابع وسيناريوهات وهمية وإفتراضية لتوجيه ضربة جوية إستباقية للمنشئات النووية الايرانية، کمسعى منها لإثارة الرعب والقلق داخل اوساط القرار الايراني حتى يتم توظيف ذلك کورقة ضغط لحظات الجلوس على طاولة المفاوضات، فإن الذي هو مؤکد لحد الان ان طهران قد خبرت وبذکاء هذه المناورات الوهمية وباتت ترد عليها ببالونات إستعراض عضلات وقوة وحتى التلميح بعزمها على الاستمرار قدما في مشروعها النووي المقلق للمنطقة والعالم، ومن هنا، وحسب ما تراه العديد من الاوساط السياسية والاعلامية في المنطقة والعالم، فإن الخيار الوحيد المتاح حاليا لإيران من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، هو خيار طاولة المفاوضات وسلة المحفزات التي على المجتمع الدولي أن يقدمها لطهران والتي يبدو ان الايرانيين يريدون أن يجروا الدول الغربية بشکل عام والولايات المتحدة بشکل خاص، الى مفاوضات أکبر واوسع من مفاوضات(سلة المحفزات)، إذ يسعى الايرانيين وبقوة وعزم الى جعل المفاوضات خاصة(بالشراکة او تقاسم وتوزيع النفوذ)، وليس هنالك من شك ان الکيان الصهيوني قد تلقف هذا المسعى الايراني وخبره منذ أمد يعود الى أکثر من بضع سنين، وهو يريد أيضا أن يکون طرفا اساسيا في أية لعبة تقاسم أو إعادة توزيع النفوذ في المنطقة بإعتباره(عامل توازن)کما يرى نفسه وقطعا لم ولا ولن يکون کذلك أبدا وانما هو بؤرة توتر وإثارة الفتن والقلاقل في المنطقة والعالم ، على ان الذي يبدو جليا هو ان الدول الغربية وعند إبرامها أية صفقة سياسية ـ إقتصادية ـ أمنية مع طهران سوف تحرص وبقوة على إشراك الاسرائيليين من أجل عدة أهداف متباينة قد تکون أهمها وأخطرها بالنسبة للعرب بشکل خاص، هي إعادة التفاهم والتنسيق الاسرائيلي ـ الايراني من جهة والتنسيق الغربي ـ الايراني ـ الاسرائيلي من جهة أخرى. وفي ضوء هکذا محصلة، سوف يکون العرب الخاسر الاکبر وسيجدون أن کل الذي تم الاتفاق عليه أمور تعود وتتعلق بهم أساسا قبل غيرهم خصوصا عندما تکون على حساب مصالحهم وأمنهم القومي الذي نرى أن إختراقه إيرانيا ـ إسرائيليا هدف حيوي يتم العمل الدؤوب من أجله ليل نهار وان الذي سيتم الاتفاق عليه خلف الابواب المغلقة قد يکون بالدرجة الاولى شأنا عربيا خالصا يتقاسمه غير أصحابه الحقيقيين، وانه وفي خضم هذا الوضع المقلق والبالغ التعقيد، نجد أنه من المهم والحيوي جدا ان يتدارس العرب الموقف وفي ضوء مختلف المواقف والتحسبات وعلى کافة الاصعدة والمستويات حيث أنه لو سنحت الفرصة وامتلکت إيران أيضا السلاح النووي وصارت قوة نووية إقليمية الى جانب إسرائيل، فإن العرب ومن دون أدنى شك سوف يکونون بين الکماشتين الايرانية والاسرائيلية وفي ضوء ذلك تتم فرض العديد من الخيارات المختلفة على العرب والتي قطعا سيکون أحلاها مرا، لن يکون من هنالك من طريق أمام العرب سوى الخضوع والانصياع للإبتزازات والتطاولات الاسرائيلية والاقليمية بحقهم وهو أمر لايتقبله او يستسيغه المحتوى الداخلي للشخصية العربية ومن هنا فإننا نرى بأن تکون هنالك مواجهات لن تکون مجدية في النهاية للعرب لعدم التکافأ في ميزان القوى، کما أن الغرب لو رضخ وقدم التقنية النووية السلمية على طبق من ذهب لإيران(وهو إحتمال وارد)، فإن إيران الى جانب الفائدة التي تحصل عليها من هذا الجانب، فإنها ستدخل حتما في لعبة الادوار وتوجيهها والتي لن تکون أيضا لخدمة وصالح العرب، وعليه، فإننا في المجلس الإسلامي العربي في لبنان نجد الحاجة ضرورية و ملحة من أجل أن يتنبه القادة العرب الى کل هذه الاحتمالات ويدرسونها قبل أن يفوت الاوان وان يعملوا في ضوء المستجدات والتداعيات التي تستوجبها مصالح العرب وامنهم القومي وان بروز إيران نووية کما برز قبلها الکيان الصهيوني نوويا، يستدعي بروزا عربيا نوويا رادعا من أجل مصالح الاجيال العربية الآتية، کما أن إستخدام التقنية النووية لأغراض سلمية هي الاخرى ضرورة ملحة للأمن القومي والاجتماعي العربيين سيما واننا نعلم بأن نضوب النفط سيخلق مشاکل عويصة في مجال الطاقة للدول العربية ومن هنا فإنه من الضروري جدا تدارس هذه المسألة ومعالجتها بالاسلوب الامثل الذي يحفظ مصالح وطموحات الامة العربية.
*الامين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.
alsayedalhusseini@hotmail.com

اقطع راتبه يا مختار صرفند

د. فايز أبو شمالة
قبل الحديث عن مختار قرية "صرفند"، لا بد من التذكير بأن هنالك فلسطينيين يعيشون في الغربة، وعملوا مع المنظمة منذ تأسيسها سنة 1964، أي قبل أن ينضم إليها السيد عباس، والسيد سلام فياض، ورمزي خوري، وقد اقتطع من راتبهم نسبة 5% لمنظمة التحرير قبل أن تصير مطية تدلي رأسها، وعلى ظهرها عابر سبيل، يمسك بالرسن، ويقودها للتوقيع على التصفية، أولئك الفلسطينيون خدموا الوطن لأكثر من أربعين سنة، ومنهم 22 سفيراً لفلسطين تمت إحالتهم على التقاعد بشكل مهين، إذ جاءتهم كتب إنهاء الخدمة موقعه من رمزي خوري، ولكن ما هو أسوأ أن يقطع راتب بعضهم، ومنهم على سبيل المثال سفير فلسطين في "موريتانا" السيد عبد الشافي صيام، وغيره عشرات الأسماء التي اتصلت بي من الخارج، أو من الداخل، وهم حريصون على عدم ذكر أسمائهم لئلا يحرموا من الراتب نهائياً.
فمن يقف وراء استمرار قطع الرواتب؟ ولماذا يمزق الوطن، ويصنّف على طريقة المخابرات الإسرائيلية بين فلسطيني طيب، وفلسطيني شرير، والفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت!. وإذا كان قطع راتب من يقيم في الوطن جريمة، يعاقب عليه قانون الثورة، وقانون فتح، وقانون حماس، وقانون منظمة التحرير إن ظلت على قيد الحياة، وقانون رب العباد في السماء، فماذا نسمي قطع راتب الفلسطيني الذي يعيش في الغربة، وليس له ولأولاده إلا الراتب؟ وأي سلوك وحشي هذا الذي يقطع فيه راتب من تمت إحالته على التقاعد، وصار يتسلم راتبه من الصندوق القومي؟ وأي سلطان هذا الذي يلاحق صندوق تقاعد الموظف، وكيف يصير صندوق التقاعد جزءاً من ميزانية السلطة. إنه لخللٌ جللٌ يلحق بالصندوق الذي دفع فيه مئات ألاف الفلسطينيين أموالهم لعشرات السنين، فأين ذهبت الأموال؟ ومن الذي قزم الصندوق القومي وجعله يتبع ميزانية وزارة المالية لحكومة فياض، ويترأسه رمزي خوري؟ انظروا إلى بريطانيا التي ما زالت تدفع راتب لاجئة فلسطينية في مخيم خان يونس، عمل زوجها شرطياً قبل سنة 1948، فكيف بمن خدم وطنه أكثر من أربعين سنة، وما زال حياً في الغربة، لماذا تقطع راتبه يا مختار صرفند؟
تعوّد رجال قرية "صرفند" في فلسطين على الاجتماع في ديوان المختار كل مساء، يتسامرون، ويتبادلون الرأي حتى يغلبهم النوم، وكانت السماحة والعفو، والصفح من سمات المختار، ولكن بعد موت المختار في ظروف غامضة، عيّن الإنجليز ابنه مختاراً، فصار الآمر والناهي، والغاصب لرأي الجماعة، يفرض عليهم مشيئته، وسلطته المطلقة، حتى ضاق الحضور ذرعاً بالمختار، وارتفع صوت أحدهم معترضاً، فما كان من المختار إلا أن طرده من مجلسه شر طرده، وقال للخادم: ضع مكانه فردة حذاء، ليؤدب فيه بقية الحاضرين، وهكذا تكرر الاعتراض، وتكرر قرار الطرد، وفي كل مرة يقول المختار لخادمة: ضع مكان المطرود فردة حذاء. حتى جاء اليوم الذي وجد المختار نفسه يجلس مع الأحذية، ليصير اسم قريته "صرفند الخراب". أما المطرودون من ديوان المختار، فقد أقاموا قريتهم الجديدة على جوار شاطئ البحر، ورغم الحصار، صار اسمها "صرفند العمار" .
fshamala@yahoo.com

نعم د. يوسف زيدان.. لم يحكم مصر قبطي (مسيحي)..ولكن..

أنطوني ولسن

قرأت على موقع «المصري اليوم» بتاريخ 23/9/2009 في باب «مساحة رأي» مقالاً بعنوان «اسرار الخلاف وأهوال الاختلاف، تحصيل الفلوس بالجزية او المكوس» بقلم الدكتور زيدان.

صال الدكتور يوسف زيدان وجال راكبا فرسا يسمي «اللغة العربية» التي يجيد ركوبها واستخدامها لما يوافق رغباته واهوائه. وطبيعي رغباته واهوائه تنصب في توصيل رسالة الى أقباط مصر (المسيحيون) في الداخل (مصر) وفي الخارج (خارج مصر). والرسالة واضحة على الرغم من الفذلكات ومحاولة الظهور بالانسان المتسامح الراغب في نصح الاقباط ان لا يأخذوا معاني كلمات مثل كلمة «ذمي» و»الجزية» بما قد يوحي به المعنى المنطوق. وتهكم دون ان تنفرج شفتاه ولو بابتسامة خفيفة تظهر تهكمه، بل استخدم اللغة العربية العباءة الفضفاضة والغنية بكل ما تريد ان تستخدمه لخدمة اغراضك والوصول الى مرادك.

اول ما أريد القاريء ان يعرف هو ما كتبه سيادته عن احد كبار رجال الدين المسيحي.. فيقول سيادته: قد نشرت الصحف مؤخراً كلاما عجيباً لواحد من كبار رجال الدين القبطي.. يقول ان كنيسته تؤيد توريث الحكم في مصر لان جمال مبارك شخص لطيف وحسني مبارك رجل طيب لا يطالب الاقباط بسداد الجزية.

وتستطيع ان تشعر بالتهكم وانت تقرأ هذا الكلام ولحسن الحظ وجدت على موقع «الاقباط متحدون» مقالا بقلم الاستاذ لطيف شاكر بعنوان: يوسف زيدان واسرار الخلاف في معنى الجزية والذمة. وقد نشر بتاريخ 27/9/2009.

وما يخصني من مقال سيادته الدسم جدا والموضح لاشياء كثيرة قد تكون غافلة عن كثيرين من المسيحيين والمسلمين على حد سواء، مما جعل الدكتور يوسف زيدان يتصل به و يناقشه فيما كتب ،فيستمهله الأستاذ شاكر حتى يتم نشر المقال التالي له (هذا ما اوضحه الاستاذ شاكر ضمن الردود على التعليقات).

اقول ان ما يخصني هو توضيحه من هو رجل الدين الذي قال عنه د. زيدان «.. لو احد من كبار رجال الدين القبطي"... فقد كتب الاستاذ لطيف شاكر واوضح من القائل لهذا الكلام مشيراً الى انه قداسة البابا المعظم الانبا شنوده الثالث (اطال الله لنا في عمره ومده بالصحة والعافية).. وانقل لكم الشق الثاني الخاص بقداسته كما اوضحه الكاتب:

اما الشق الثاني فأنت تعلم «موجها كلامه لزيدان» ان قداسة البابا يملك من المواهب كماً كبيراً جدا وكلامه يحمل في طياته معنى معينا وهو رفضه لحكم الاخوان المسلمين الذين يطالبون الاقباط بالجزية ورجوع الذمية لاننا خونة و.. و.. الخ.

انتقل الى جزء آخر من مقال د. زيدان الخاص بالذمية والجزية لانه اخذ يلف ويدور كفارس مغاور شاهرا سيفه «اقصد قلمه» راكباً اللغة العربية «الفرس العربي الأصيل» ناسيا أهم تشريع وضعه ثاني الخلفاء الراشدين. في القرن الاول الهجري.. الخليفة عمر بن الخطاب وشروطه التي عرفت باسم الشروط العُمرَّية. وكنت قد كتبت مقالاً يحمل عنوانا باسم الشروط العُمّرية.. لمن لا يعرفها ونشر بجريدة «المستقبل» اللبنانية التي تصدر في سيدني بتاريخ 26/5/2007 وعلى موقع «المصري» بتاريخ 2/6/2006 وانقل لكم الجزء الخاص بالشروط العُمِرية كما كتبتها في المقال..

الشروط الٌعُمِرية: قال الامام ابن القيم رحمه الله في احكام أهل الذمة: (ذكر سوفيان الثوري عن مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم: ألا يُحدثوا في مدينتهم ولا في ما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا يمنعوا كنائسهم ان ينزلها احد من المسلمين ثلاث ليال، يطعمونهم، ولا يؤوا جاسوساً، ولا يكفوا غشا للمسلمين، ولا يعلموا اولادهم القرآن، ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الاسلام ان ارادوا الجلوس، ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم، ولا يكتنوا بكتناهم، ولا يركبوا سرجا، ولا يتقلدوا سيفا، ولا يبيعوا الخمور، وان يجزّوا مقادم رؤوسهم، وان يلزموا زيهم حيث ما كانوا وان يشدوا الزنانير على اوساطهم، ولا يظهروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيء من حضرة المسلمين، ولا يخرجوا شعّانين، ولا يرفعوا اصواتهم مع موتاهم، ولا يظهروا النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين. فان خالفوا شيئاً مما شرطوه، فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من اهل المعاندة والشقاق).

والتوقيع: ابو عكرمة الوهابي/ قائد معركة بهما العياط ضد النصارى الكفار. وقد ارسل هذا الكلام الى كل من موقع: www.elmassry.com وموقع: www.copts.com//arabic ردا على مقال نشرته قبل هذاالمقال باسبوعين يحمل عنوان (قضايا الردة في مصر).

اكتفي بهذا الجزء من المقال واقدمه للدكتور يوسف زيدان الذي لا شك يعرف الكثير والكثير جدا عن معاملة المسلمين لغير المسلمين في بلاد المسلمين. بل لقد زاد عليه الآن بتطبيقه على اهل البلاد التي يتواجد بها المسلمون إن لم... اترك لكم التكملة.

وما رأي سيادتكم في الآية الكريمة التي تقول «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون».

وما رأيكم يا دكتور زيدان يا صعيدي إن الجزية ما زال يدفعها رجال الاعمال واغنياء الصعيد من المسيحيين ليس للدولة، ولكن لمن نصبوا أنفسهم جباة حق الله من الكفار.. وأسأل وكن اميناً مع ضميرك ونفسك ليوم الحساب.. ان كنت تؤمن بيوم يقدم فيه كل انسان حسابا عن ما فعله على الأرض. أقول وأسأل .. هل الجزية كما حاولت ان توضح معناها انها مثل الضرائب الأن مثلا ؟ أم هى أتاوه وفرض اجبارى على غير المسلم للمسلمين كما جاء في الشروط العُمرية ( الأسلام أو الجزية أو القتال ) ..؟؟!!..

وأتي الى هذا الجزء من مقالكم.. والذي فيه تقول:

لم يكن الاقباط حين جاء عمرو بن العاص فاتحا (غازيا) يحكمون مصر، كي يقال انه أخذها منهم او احتلها من أصحابها الاصليين، فالذي يملك مصر هو الامبراطور هرقل، وقبله بسنوات الفرس (البابليون) وقبلهم بسنوات نيقتاس.. وهؤلاء جميعاً ليسوا مصريين اصلا، ولا أقباطا اصلا.

خرافة (اصحاب البلد) هي محض خرافة وتوجيه للاكاذيب والا قليقل اسما واحدا لحاكم قبطي واحد تولى حكم هذا البلد.

لا فض فوك يا دكتور يوسف زيدان.. اصحاب البلد خرافة.. لم يحكم مصر قبطياً واحداً.. قمة الحب لمصر التي اصبحت في رأيك لا ابناء لها.. فقد اندثروا وماتوا ولا اثر لهم الآن.. او تريد بقولك التنبوء بما سيحدث للأقباط من إبادة عن بكرة ابيهم.. وهذا هو حلمكم الكبير.. ولهذا تخططون وتعملون وتطبقون الشروط العُمرّية بحذافيرها حتى تتم ابادتهم او تطهير البلاد منهم لتصبح مصر مركز الخلافة الاسلامية بعد عودة الروح لتلك الخلافة التي كانت وباء على العالم وسبب تخلف لشعبها.. واصارحك القول من يمت بمرض الجهل لا يمكن اعادة الحياة له.. لأن العالم لا مكان لديه للجهلاء حتى لو حملوا القابا علمية يا دكتور يوسف زيدان. وتذكرت "حكاية" قيلت ان شيخاً مسلماً ركب قطار (88) الديزل متجها إلى احدى المدن بالصعيد. ركبت امرأة مسيحية تضع حول عنقها سلسلة ذهبية يتدلى منها «صليب»، نظر الشيخ الى السيدة وسألها عن أعظم معجزة قام بها (سيدنا عيسى ابن مريم) فكان ردها ان معجزاته كثيرة وكلها لها اهميتها. صمت الشيخ برهة ثم قال لها.. ان اكبر معجزة قام بها (سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام) هو بقاءكم حتى الآن في مصر. وعصر المعجزات لم ينتهي كما يظن الجهلاء.

اما عن أن الأقباط حين جاء عمرو بن العاص لم يحكموا مصر.. فقد صدقت القول,, نعم د. يوسف زيدان لم يحكم مصر قبطي (مسيحي) منذ آخر فرعون، والذي في عهده دخل الاسكندر الأكبر مصر واعلن نفسه ابنا للآلهة المصرية.. فسلمه الكهنة مفتاح النيل.. ترك البلاد لقائده بطليموس الاول الذي لم يأمر لا بإبادة المصريين ولا بإذلالهم بشروط عُمرية. بل قام باحياء الأمل فيهم وكانت أغنى حقبة تاريخية بعد الفراعنة ازدهرت فيها الفلسفة والعلوم واغنت مكتبة الاسكندرية (التي حرقها) كما اظن انك تعلم.. البدو الجهلاء واستخدموا كتبها النفيسة وقودا لتسخين مياه الحمامات بالاسكندرية لمدة 6 أشهر.. لازالة الجلخ من على ابدانهم. ولا اظن ان حدث مثل هذا يمكن اخفائه ، أو تكذيبه او انكاره . فقدعاش المصريون مع الإغريق في تناغم دون تنازلات. وان لم يتولى الحكم مصري.. فقد تشرف حكامهم بانتمائهم لمصر واصبحوا ملوك مصر يفتخرون بمصر ويتشرفون بانتمائهم لها وعملوا على ايجاد لغة واحدة عرفت باللغة القبطية.. ولم يجبر مصري على التحدث بلغة المحتل وإلا يقطع لسانه. وطبعاً سيادتكم تعرفون ان آخر ملوك تلك الحقبة كانت الملكة كليوباترا الشهيرة.

بعد الاغريق جاء الرومان. وتكونت الامبراطورية الرومانية وحكمت البلاد بالحديد والنار مما دفع المصريين الى تفضيل العيش في الجبال وعدم زراعة القمح للمحتل.

بعدها ظهر الاسلام وبدأ يفرض نفسه كدين ودولة.. نظر نفر من الاقباط ضرورة الاستعانة بالمسلمين لانقاذهم من الرومان. وبقية القصة معروفة.. واكرر.. نعم د. يوسف زيدان لم يحكم مصر قبطي (مسيحي). ولكن الا ترى انك أساءت الى الحكام المصريين، على الأقل منذ قيام ما سمي زورا وبهتانا بالثورة!!.. هل تريد ان تقول لنا ان الزعيم عبد الناصر مشكوك في مصريته.. اي انه ليس قبطيا مسلما.. اي مصري ديانته.. مسلم.. وان كنت شخصيا اشك فى مصريته او حتى عروبته لقد اعطى اسرائيل ما لم يعطه لها داود او سليمان ، وقام بحذف اسم مصر، فردت عايه مصر بما يستحقه فى مدفنه !!!.. وكذلك الرئيس السادات الذي كان يفتخر بانه آخر الفراعنة العظام.. على الرغم انه قال انه رئيس مسلم لدولة مسلمة.. فهل كان يقصد بالدولة المسلمة انها دولة غير مصرية فأضاف الى اسم مصر كلمة عربية؟!!.. كان لي حديث مع سيادة السفير قنصل عام مصر في سدنى حول هذه التسمية . سألته من يشرف من .. هل العرب يشرفون مصر ، أم مصر تشرف العرب ؟!!.. فكان رده دون تردد أومهلة للرد الدبلوماسي ، أن قال طبعا مصر هي التى تشرف العرب . فعدت وسألته ، اذن لماذا نصر على ابقاء اسم " جمهورية مصر العربية " . فسألنى وماذا تريد أن نسميها ؟ . فقلت له " الجمهورية المصرية المتحدة " . فعاد وسألنى .. ولماذا كلمة متحدة ؟. فأجبته دليلا على وحدة ابناء مصر . وجاء رده عفويا ايضا فقال شعب مصر شعب واحد متعدد الديانات ، وصعب التميز بين ابناء مصر ، لا في الشكل ولا في العادات والتقاليد . فقلت اذن نطلق عليها " الجمهورية المصرية " . فوافق سيادته دون تردد . ولعلم القارىْ الرجل مسلم ويحمل لقب دكتور ، فهو حاصل على الدكتوراه فى القانون ، ولم يكن ذلك الحوار ضمن لقاء اجريته معه . بل دار بيننا في حفل للجالية المصرية فى سدنى .

والرئيس مبارك اليس هو مصري قبطي مسلم؟!!.. أم انك تشكك في مصريته ، وتتهكم على من يوافق على توريث الحكم لابنه جمال ؟!!. نريد أن نعرف صريح رأيك يا دكتور ..

لقد احتار العقل معكم.. ولا اعرف لماذا هذا الكره للآخر الذي بدأ مجرد بدأ في البحث عن حقوقه الضائعة منذ قرون وقرون، فتريدون وئد محاولاته بالترهيب والتخويف والتشكيك؟!!

اتمنى عليك يا دكتور يوسف زيدان ان لا تؤجج نار الفتنة بين ابناء وطن واحد عزيز على قلوبهم جميعا.. وطن اسمه مصر

عِلَلُ الأَنْسَنة وضمائر الأَتمَتة

أحمد زكارنة

لأنّ الغُربةَ عكسُ الكينونةِ والصّيرورةِ، كمَا يُؤكّدُ الفيلسوفُ الفِرَنسيُّ "ريجيس جُولِيفيه" صاحبُ المذاهبِ الوُجُوديةِ، فمِنَ الأهميّةِ أن نرتقيَ إلى الوقوفِ على جبلِ عِلَلِ الأنْسَنَةِ في ظلِّ صَدَى صوتِ ضمائرِ الأتْمَتَةِ، التي راحت إفرازاتُها تُغَطِّي مَسْرَحَنَا الكَونيَّ، ونحنُ مازلنا نعيشُ حالةَ الاغترابِ بين هذين المفهومين الضِّدّين "الأنسنة والأتمتة" رغم أهميّتُهُما في الحياة البشريّةِ، فلا عَجَبَ إنْ وقفنا على تعريفِ الأوّلِ "الأنسنة" كمُصْطَلَحٍ مَنْحُوتٍ منَ النّزعةِ الإنسانية أو فلسفةِ الإنسانية، المُغيَّبةِ عَمْداً شئنا أم أبَيْنَا عن رأس المُنتِج للمفهوم الثاني "الأتمتة" الذي يُطْلَقُ على كلِّ شيء يعمل ذاتيا، دون تَدَخُّلٍ بشري، ويُعْرَفُ بالصناعة الأوتوماتيكية التي ظَهَرَتْ مع ظهور الثورة التكنولوجية، التي راحت بِدَوْرِها تَسْتَلِبُ ما استطاعت من عقولِ إنسانِ العالَمِ الثالثِ، للزّجِّ به خَلْفَ أسوارِ التّبعيّةِ، دون أدنى مُحاوَلَةٍ منه لتفكيكِ المشهد الذي لا سبيل إلى تجاوُزِهِ ونحن نَلُوكُ حظّنا العاثرَ، الذي وَضَعَنَا نحنُ العربَ وسطَ مداراتِ الاغترابِ عن المشهدِ الإنساني بِرُمّتِهِ، والذي ما فَتِئَ بعضُنا يُناقشه حتى راح يُفاخِر بِمَنْح بندول الأتمتة صكَّ السلطة المُطلقَةِ للحديث باسم ضمير المُتكلِّم، والمُخاطَب، وحتى الغائب إن جاز التعبير، عِوَضًا عن مُعالَجة عِلَلِ الأَنْسَنة، التي لا تتوقف فقط على حافة الألف المكسورة أو الواو ولا حتى الياء، وإنما دفعناها لتتخطى بأمراضها المزمنة عتبة مُجافاةِ كل ما هو طبيعي نابع من الذات، لصالح كل ما هو صناعي قادم من الآخر.

إنّ الإيقاعَ المُنفرِدَ الذي يَعْزِفُه الإنسانُ العربيُّ، إنّما هو نَتَاجُ الاستسلام لـ " الأنا الأنانية " في ظل تحشيد الآخَرِ إعلاءً لِقِيَمِ الـ " نحن الجماعية "، فَضْلا عن مُثولِ عقدة الضعف شاخصة في اللاوعي العابث بالوعي، لنجد أنفسنا حاضرين بملء الإرادة في الغياب نتداول لغة الإنشاء لا الحضور.
المُفارَقَةُ أنّ الغيابَ الأهمَّ هو غيابُ الإدراكِ بأهميّةِ اعتلاءِ صهوةِ الإرادة لمُلامَسَة أطرافِ الأنسنةِ، كسلاحٍ فاعلٍ يُمْكِنُ رَفْعُهُ في وَجْهِ تَحَالُفِ قِوَى الاستعمارِ والظُّلاميّةِ معا، دون إغفالِ أنّ الأولى هي المُنْتِجُ الفاعلُ لثورةِ الأتمتةِ، والثانية هي المُسْتَهْلِكُ المُبَاشِرُ لذاتِ الثورةِ كأداةِ إجهاضٍ لأيِّ اجتهاداتٍ فكريةٍ قد ترتقي إلى مفهومِ الأنسنةِ باعتبارِها شيطاناً رجيماً.

خِتامًا وبعيداً عن أيِّ ربطٍ أو إسقاطٍ قد يُحْدِثُهُ بعضُنَا لِحَصْرِ ما نَطْرَحُ داخِلَ عباءةِ ما طَرَحَهُ الباحثُ والمُفَكِّرُ الجزائريُّ "محمد أركون" في كتابِه "معاركُ من أجلِ الأنسنةِ في السّياقاتِ الإسلاميّةِ".
جديرٌ بنا لَفْتُ الانتباهِ إلى أنّه يَجِبُ علينا بدايةً التّمْيِيزُ الدّقيقُ بين حاجتِنا إلى النُّزُوعِ نحوَ ضمائرِ الأنسنةِ، دون تَنَصُّلٍ أو إنكارٍ لحاجتِنا إلى الأتمتةِ رغم ما تَحْمِلُ مِنْ عِلَلٍ.

في ذكرى رحيل عبد الناصر..وقفة من نوع اخر


د. صلاح عودة الله

صادفت يوم الاثنين الفائت الذكرى التاسعة والثلاثون لرحيل القائد الخالد جمال عبد الناصر, ففي الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 توقف قلب قائد الأمة من المحيط الى الخليج عن الخفقان..توقف قلبه حزنا على ما جرى بين الأشقاء الأردنيين والفلسطينيين فيما يعرف بأحداث"أيلول الأسود"..توقف هذا القلب بعد أن تمكن حامله من وضع حد للصراع بينهم..رحل عنا بعد أن أمتناه بالسكتة السياسية قبل أن نميته بالسكتة القلبية.
ومن أقواله الخالدة بعد النكسة:"أنا عارف مدى الغضب، ومدى المفاجأة اللى أصابتنا جميعا بعد النكسة، وبعد اللى حصل، وعارف ان الشعب العربى فى مصرغاضب، وحزين لأن جيشه نال هزيمة غير مستحقة، ولأن سيناء تم إحتلالها، بس أنا بدى أقول لكم حاجة الرئيس تيتو، بعت لى رسالة جت له من ليفى أشكول رئيس وزراء إسرائيل، بيطلب فيها أنه يقابلنى فى أى مكان فى العالم، لنتحدث، ولكى نصل لحل، وبيقول انه مش هيتعامل معى معاملة منتصر مع مهزوم ، وان إسرائيل مستعدة ترد لنا سيناء من غير شروط مذلة، إلا شرط واحد بس، إن مصر تبقى دولة محايدة يعنى لا قومية عربية، ولا عروبة، ولا وحدة عربية نبقى فى حالنا، ومالناش دعوة بإسرائيل ولا نحاربها، إسرائيل قتلت الفلسطينيين ، واحنا مالنا ، إسرائيل ضربت سوريا ، احنا محايدين ، ضربت الأردن ، ولبنان ، مصر مالهاش دعوة ، ما تفتحش بقها ، ولا تتكلم..يعنى خدوا سيناء ، وطلقوا العروبة والقومية والوحدة، ونبيع نفسنا للشيطان.
أنا طبعا قولت للرئيس تيتو الكلام ده مرفوض، القدس، والضفة، والجولان، وسيناء، يرجعوا مع بعض..إحنا مسئولين عن إستعادة كل الأراضى العربية، احنا مسئولين عن حل مأساة شعبنا العربى فى فلسطين
مش هنقبل شروط ، ومش هنخرج من عروبتنا، ومش هنساوم على دم، وأرض العرب..لن تقبل الجمهورية العربية أبدا حل جزئى, معركتنا واحدة، وعدونا واحد، وهدفنا واحد، تحرير أرضنا كلها بالقوة،
حبيت أنقل لكم الموضوع ده علشان تعرفوا ان المشكلة مش سيناء بس..الأمريكان واليهود ضربونا فى 67 عشان يساومونا بسيناء على عروبتنا ، وعلى شرفنا ، وعلى قوميتنا".
نعم انها أقوال خالدة قالها عبد الناصر وكأنه كان على علم بما سيحدث في مصر خاصة والعالم العربي برمته عامة, كيف لا وهو القائد الذي قالوا له يا ناصر ان كل العالم ضدك, فأجابهم وأنا ضد العالم..لقد تمكن من خلفوه وبنجاح باهر بهدم كل ما بناه..نجحوا في تحطيم ما جاء في أقواله الخالدة, والناظر لما يجري اليوم في مصر سيجد أن هذا البلد العربي قد فقد دوره الريادي النضالي, بل انه أصبح كأصغر قطر عربي لا حول له ولا قوة..فمن توقيع اتفاقية العار"كامب ديفيد" مع الصهاينة غاب دور مصر وتم تهميشها وهذا ما أراده الصهاينة, والرابح الوحيد من توقيع هذه الاتفاقية وما لحق بها من اتفاقيات سلام كاذب مع الأردن والفلسطينيين هو الكيان الصهيوني.
الوحدة العربية يا ناصر اليوم هي أمر في عداد المستحيلات, كلما فكرنا فيها لحظة ابتعدنا عنها سنوات عديدة..مصر فقدت هيبتها, أبناء مصر..أبناؤك يا قائدنا"غلابة" يموتون جوعا, تفتك بهم الأمراض, ويفتك بهم ما هو أمر..يفتك بهم القهر والعذاب..النظام يا ناصر غارق في الهرولة وراء التطبيع مقابل حفنة من الدولارات هو المنتفع الوحيد منها.
القدس يا ناصر تهود وأقصاها يغتصب وقيامتها تناجي المسيح..القدس تخلى عنها أقرب الناس اليها أو من يظنون أنهم كذلك, فلم تعد تعنيهم..انها تصرخ بأعلى صوتها"أولاد القحبة..ان حظيرة خنزير أطهر من أطهركم"..فهل نلومها على استعمالها لهذه الكلمات التي لا يحب سماعها من تصرخ في وجوههم؟..القدس يا معلمنا أصبحت في نظر البعض"يروشاليم", الذين أصبحوا يعلموننا قول"شالوم" التي تعني سلام, انه السلام المصطنع الذي وقع عليه من خلفك ومن جاء بعده..انه سلام الشجعان..هذا السلام الذي غمر رؤوسنا بالأرض وأذلنا..فما أحقرنا يا ناصر.
لقد كنا نقول:نعم لفلسطين التاريخية من بحرها الى نهرها..ومن بعد ذلك أصبحنا نطالب بدولة في حدود حزيران وعاصمتها القدس الشريف..وبعد أن خجلنا من ميثاقنا الوطني, قمنا بشطب كل بنوده التي تدعو الى القضاء على "اسرائيل", كيف لا وقد أصبحت جارتنا المدللة, ومنحناها أكثر من ثلاثة أرباع مساحة أرضنا التاريخية..ومرت الأعوام وقلنا يكفينا محمية في الضفة وأخرى في غزة, وأما القدس فعليها السلام, فهي عاصمة جارتنا"الأبدية"..ونعدك يا ناصر بأن لا نغضب نتنياهو وسنقبل بمحمية فلسطينية منزوعة السلاح والاقتصاد والهواء كذلك..فما الفرق بيننا وبين اخواننا اليهود, انهم عاشوا في نفس الظروف"الغيتوهات" ولسنا بأحسن منهم.. ولا مانع لدينا أن نتقبل فكرة الوطن البديل لكي لا يغضب ليبرمان والداد, فالضفة الشرقية لنهر الأردن لنا وهناك سنقيم دولتنا.
قلنا ونصحنا المفاوضين الفلسطينيين بأن المفاوضات عبثية مع الصهاينة ولكنهم لم يكترثوا لأقوالنا ونصيحتنا, بل استمروا وخذلونا, والأنكى أن يقوم كبيرهم بكتابة كتاب يدعي فيه بأن الحياة مفاوضات..ففاوضوا وعين الله ترعاكم, ولكن على ماذا تفاوضوا وقد بعتم الأرض والعرض وقلتم وداعا يا لاجئين ووداعا يا حق العودة..هذه هي فلسطين يا ناصر, فلسطين التي دافعت عنها بالروح والجسد..فلسطين اليوم تم تقسيمها, فهي"فلس" و"طين", جزء يباع بفلس وجزء اخر يدفن في الطين.
الضفة الغربية تسيطر عليها حركة فتح يا ناصر..انها محمية"دايتونية" محتلة بأكملها, وغزة تسيطر عليها حماس بعد تحريرها..انها امارة اسلامية محاصرة برا وبحرا وجوا..أبا خالد:لقد كنا نحلم في وطن ولكننا نجحنا في الوصول الى اثنين, مع علمين ونشيدين ووزيرين لكل وزارة..ولكن وطنيتنا أجبرتنا على أن يكون لنا منتخب وطني واحد لكرة القدم, ومع ذلك نجاهد من أجل الوصول الى منتخبين.
غزة يا أبا خالد هوجمت من قبل الصهاينة مستخدمين كافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا..وزير خارجية مصر يا ناصر والذي يحرس حدود"اسرائيل" هدد بتكسير عظام الفلسطينيين الذين يقتحمون المعابر..انهم أرادوا اقتحامها هربا من الة البطش الصهيونية..أرادوا الوصول الى مصر لتلقي العلاج, ولم يكن هدفهم القدوم للهو في ملاهي وبارات القاهرة..وفي نفس الوقت فان الصهاينة يشعرون وكأنهم في "موطنهم" عند وصولهم الى مصر, فهم شعب الله المختار ومرحب بهم حتى وان هددوا بقصف السد العالي.
أكثر من أربعة عقود مرت ولا يزال الجولان محتلا يا ناصر..سوريا تخترق وتضرب من قبل الكيان العبري, والجواب هو الجواب:نعرف متى سنرد..سنرد في الزمان والمكان المناسبين, لكن لا الزمان حان ولا المكان سمح..فمتى الرد ومتى يتم تحرير الجولان؟..والنهاية ستكون كما مع سيناء..لكم الجولان ولنا أن تقوموا بحمايتنا والدفاع عن حدودنا كما فعلت شقيقتكم الكبرى مصر..ولا نستغرب ذلك أبدا.
لقد قامت المقاومة اللبنانية بتحرير الجزء الأكبر من الجنوب اللبناني..انها مقاومة شرسة مؤمنة أجبرت العدو على الهروب قبل أن يلاقي حتفه..فقمنا باتهامها وكعادتنا بأنها مقاومة عميلة هدفها تمزيق الصف اللبناني ووحدة لبنان..ومتى كان لبنان موحدا متماسكا, فالسني ضد السني وكلاهما ضد الشيعي والمسيحي..والمسيحيون ضد بعضهم البعض وهم جميعا ضد الاخرين وووو..لبنان عبارة عن طوائف وكل طائفة دولة ذات كيان ولا كيان للبنان.
الأردن أجرى حساباته ووقع اتفاقية وادي عربة للسلام مع الصهاينة, وذريعته أن مصر الدولة الأكبر فعلت ذلك قبله, ومنظمة التحرير كانت تجري محادثات سرية ومن ثم علنية مع العدو الصهيوني, ومن هنا جاءت مخاوفه بأن يتفق الفلسطينيون والصهاينة على حسابه, لذلك أسرع هو أيضا بتوقيع اتفاقية سلام بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية..تسابق وهرولة وتطبيع ودول عربية أخرى تسير في نفس الفلك والمخفي أعظم..وسلام على العرب والعروبة.
بلاد الرافدين..مهد الحضارة والعلوم أصبحت يا ناصر تعيش في العصور الحجرية, فقد تامر واتحد الجميع لانهاء وجود العراق, والسبب أنه يمتلك أسلحة الدمار الشامل ويهدد أمن المنطقة بل العالم بأسره..انها أعذار لا أول لها ولا اخر..لا وجود لأسلحة الدمار, والمهم أن العراق اختفى واختفت معه الحضارة..ولكن الأحرار نهضوا بمقاومتهم للاحتلال وها هو منتظر الزيدي الصحفي العراقي الشاب يلطخ وجه عدو الشعوب بوش بحذائه قائلا له:"هذه قبلة الوداع يا كلب"..هذا هو مصير كل احتلال, فهو زائل بارادة الشعوب. لقد فقدنا المروءة يا عبد الناصر, فبكت ولما سألوها ما خطبها؟, أجابت:كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا..انهم ماتوا ولكنها بقيت على قيد الحياة بانتظار من يعيد لها كرامتها, وها هم أشبال قلسطين وقدسها ينتفضون من جديد..وها هو شبل القدس الذي لم يتجاوز عمره العاشرة يصرخ في وجه الجندي الصهيوني ويدفعه أمام باب المغاربة..نعم, لقد حدث ذلك بالأمس, وهذه علامة ودليل لا يقبل الشك بأن من يحمي القدس هم أشبالها وأطفالها ونسائها وشيوخها, وليس أصحاب الملابس والأحذية الايطالية الفاخرة, ولا أصحاب العمائم الذين رقصوا مع بوش في وقت كانت فيه غزة تودع الشهيد تلو الشهيد.
قائدنا ومعلمنا, في مثل هذه الأيام ولكن قبل تسع سنوات انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية..انطلقت نتيجة لقيام الصهيوني شارون"بطل" مجازر صبرا وشاتيلا باقتحام ساحات المسجد الأقصى, فهبت الجماهير الفلسطينية المقدسية ومعها اخواننا الأبطال من فلسطينيي الاحتلال الأول..هبوا جميعا ليقولوا"كلنا فداك يا أقصى", ومن هنا نقول للاخوة الفلسطينيين المتناحرين ولجميع الشعوب العربية والاسلامية ان الأقصى والقدس في خطر, ولا توجد قوة على وجه الأرض بامكانها أن توحدكم, فهل القدس ومقدساتها المغتصبة بامكانها أن تكون عنوان وحدتكم؟, هذا ما ستجيب عليه المرحلة المقبلة, املا ألا تكون طويلة, والا سنندم جميعا وحينها لا ينفع الندم.
معارك قاصمة خاضها هذا العملاق الأسمر"عبد الناصر" المنحوت من طمي النيل حتي وجد نفسه حزينا‏..‏ فمات بالسكتة السياسية قبل أن يموت بالسكتة القلبية‏..ولم يهدأ الأعداء بموته‏..‏فقد راحوا يمثلون بسمعته‏..‏ وبدأت عملية الاغتيال الثاني له‏..‏الاغتيال المعنوي لإزالة كل ما آمن به‏..وما سعي جاهدا لتحقيقه‏..‏ومنذ أن توفي وحتي الآن ومحاولات تحطيم شخصيته مستمرة‏..فالزهور التي تنبت في الصخور يجب أن تسحق كاملة.
في ذكرى رحيلك يا ناصر نقول, لن ننثني يا سنوات الجمر, واننا حتما لمنتصرون.
-القدس المحتلة

الثلاثاء، سبتمبر 29، 2009

الأقصي لن يعود بمعاهدات السلام بل بدماء الشهداء


أحمد محمود عدوان

يشهد التاريخ أن ما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة ،إلا أن المنبطحون والمزاودن علي شرف القضية والمقدسات الإسلامية تتملكهم قناعات مختلفة عن ذلك تماماً فهؤلاء يتوهمون أن الديار ستعود بالمعاهدات وتوقيع الأتفاقيات كلما دعا العدو لإبرامها،فتراهم يهرولون بتوقيع المعاهدات وأكل أصناف المأكولات والحلويات ،علي موائد الغرب واللئام وبإقامة المؤتمرات الوهمية بأسم معاهدات السلام لتخليص الشعوب من عبودية الإحتلال .

فهؤلاء كمن توهم له نفسه بأنه (حامل ) وذلك الحمل في وجهة نظرهم قضية حرجة ،للغاية ومع هذا فهو يتصور أنه يعيش في حالة (الطلق) أو(المخاض) وعلي جانبة المولدة (الداية) وهي تقوم بمسح عرقه ،وتكتم صراخه،وتدهن بطنه بالزيت ،وهو في قناعة تامة أن رأس الطفل الذي ينتظره لن يخرج أبدا ولن يستطيع الطفل أن يري النور لأن الحمل كاذب.

فالقضية التي يتوسمون بحلها هي قضية من وجه نظرهم ألعوبة ،وورقة رابحة يمكن أستخدامها للمصالح الشخصية فيدعون أن هناك حمل وأن القضية كلها مسألة وقت وتناسوا أن ،تلك الداية حتي لو كان هناك مولود فهي أول من ستقتله ،فالمولود هو قضية القدس ،التي أهملناها والداية هي من يضع الخنجر ،في ظهورنا ويقتلون شبابنا أما الحامل فهي متروكة لكم لتعرفوا من هي بفطنتكم.

وبعيدا عن الحديث عن تلك الحامل التي حملت المولود الكاذب ،وطارت به إلي حيث بلاد الفاكهة والكريمة وطاولات الطعام المائة متر ، نعود إلي الوطن حيث اليقين والشرفاء وهؤلاء هم الأغلبية وهم منتشرون في ربوع الوطن شمالا وجنوبا شرقا وغرباً فقراء وأغنياء .

ولولا هؤلاء لكان الوطن كشجرة يعشش عليها الغربان ،تفسد فيها حيث شاءت وجحورا للفئران يرتعون فيها أو أرجوحة في مدينة ملاهي ،ولولا هؤلاء الشرفاء لكانت فلسطين بالرغم من الحصار وتضييق الخناق ،من المحتل وأعوانه شجرة حنظل وأشواك لا تعطي ثماراً بل تفرز الصمغ والخبث ،وتزيدنا جراحا فوق الجراح ولكنها تبقي فلسطين الصمود وموطن الشرفاء .

فهاهي ترتفع الأصوات الوطنية الفلسطينية في جميع أنحاء الوطن ،بضرورة العمل علي توحيد الجهود والرجوع إلي طاولة الحوار الوطني الفلسطيني الفلسطيني ،وتكاتف الفصائل تبرز لغة واحدة هو عدم الأعتراف بالعدو والتطبيع معه ،وهي لغة الوحدة الفلسطينية ومطلب الشعب ،وتلك الألفاظ الخلابة التي تاسر العقل وتقوي العزيمة وتفور الدم في العروق نصرة للأقصي و غيرة علي المقدسات الإسلامية التي يقودها المخلصون والشرفاء من أبناء البلد.

وتزداد وتيرة النبرات الخلابة الحماسية ويحتشد من أجلها الآف المواطنين ،هاتفين بأعلي صوت ( خيبر خيبر يا يهود جيش محمد هيوا بيعود) تلك هي الهتافات الحماسية التي تجعل من الدم يغلي في العروق وهذا ما شهدناه في ذلك الحشد المهول والذي دعت إليه حركة حماس وشارك في هذا الحشد كافة الفصائل الفلسطينية حاملين الأمل والإيمان ،في أقتراب الوعد بتحرير الأقصي من براثن المحتل الصهيوني الغاصب، ونصرة الله تعالي للمسلمين.

إن ظهور تلك الآلاف المحتشدة من أجل الأقصي ،والتي أعادت فور ظهورها علي شاشات التلفاز ،للنفوس هيبتها وهي تدق في عقول الكثير أن الفلسطينين ما زالوا علي طريق النضال سائرون ،وأنهم لم يحيدوا ولم يسلموا بالرغم من الحصار الذي يعاني منه الشعب وتضييق كل السبل التي تؤدي إلي مصلحة هذا الشعب المكلوم ،إلا أنه ما زال الخير فيهم وما زالت قضيتهم الأولي هي القدس والأقصي ،وليس كما يصوره ويدعيه البعض أن قضيتهم الدواء والكساء .

مازال الكثير يؤمن بأن عودة الأقصي بل وعودة كافة الديار لن تتم ،إلا بالمعاهدات والتنازلات ونسوا أن إسرائيل الكيان الباغي لن يسلم الأرض لنا بهذا المنظور فإذا كانوا يريدون سلاما ويردون أعطاء ذوي الحق حقوقهم ،إذا فلماذا يقيموا بناء جدار الفصل العنصري ،ولماذا يعتقلون شبابنا ،ونوابنا الشرعيون ،ولماذا نجدهم يدقون شجر الغرقد ويقتلعون شجرة الزيتون ،ولماذا يهدمون بيوتنا ويجيشون الجيوش للهجوم علينا ولماذا ولماذا ............... .

يبدو أنه ما زال مطلوب منا أن نترك اليهود يرتعوا في الوطن بجواسيسه وظلمة وتجبرة،ومطلوب أن نزيدهم تضييق الخناق علينا ،والعبث في مقدراتنا وإلا لم نفعل ،دفعنا الثمن وتوعدنا بالمحاكمة والقتل بالجملة ،إذ كان هذا الوضع الراهن والنظرة الصهيونية إلينا ،إذاً فلماذا نعترف بإسرائيل إذا أيكون موت وخراب ديار ،فالموت الموت لإسرائيل

الاقصى من يبكي عليه

د. محمد رحال
السويد

الاحداث الدامية والتي شهدتها ساحات المسجد الاقصى المبارك ومعها الصور الاكثر دموية ، لم تثر ابدا النظام العربي والاسلامي ، وصور تدنيس ساحات الاقصى من قبل مجموعات صهيونية تسعى الى تطبيع هذا التدنيس وتحت حراب البنادق ، هذه الصور لم تعد اعين ربع سكان الكرة الارضية ممن حمل الاسماء الاسلامية والعربية من اهتماماتها ولا من اهتمامات الاعلام العربي المدفوع الثمن ، خاصة وان هذه الاعتداآت تكون مترافقة بالعادة مع عمليات حفر وتنقيب مستمرة تحت المسجد الاقصى والذي تحول اسمه من المسجد الاقصى الى المسجد المعلق بسبب ان طبقات التربة من تحته لم تعد تحتمل جدرانه السميكة ، ومع عمليات النقب والتنقيب المستمرة ليلا وعلى شكل طوابق فان هناك عمليات نقب مستمرة في اعماق النظام العربي المتهاوي والمتهالك والذي انصبت جهود الصمود فيه على الاغاني الوطنية التي تتغنى بجمال الحاكم العربي وذكائه وفطنته ورجولته وفحولته وفحولة اقربائه ، وهذه المواصفات التي يعرف القاصي والداني ان عمليات النقب الصهيونية المتواصلة امتدت الى ادق اماكن العفة في هذا النظام العربي المتهالك واخترقته واصلة الى نخاعه العظمي والذي يخضع الان الى عمليات زرع صهيونية لخلايا العمالة في صلب ذلك النخاع العربي وما بقي منه .

عمليات تطبيع الاعتداآت المستمرة والتي تتتابع فصولها وعلى حساب دماء اصحاب الجوار من مسلمين ومسيحيين والذين حملوا عبء هذه المقاومة في الوقت الذي انصرفت فيه همم اصحاب العزة والصولجان العرب الى الاهتمام بتحسين النسل المبارك للتيوس والجمال والديوك والجحاش العربية بعد ان استيقنوا انه من المستحيل الحفاظ على الاصول الحميدة للاخلاق العربية ،ومع هذه الاهتمامات العربية فقد انصرف النظام العربي الى التعبد بسيقان وافخاذ العاريات وعلى شاشات الفضائيات المدفوعة الثمن والتي لاتنتمي في ثقافتها العارية ابدا الى اؤلئك المدافعين عن بقايا الاقصى بقبضاتهم العارية بعد ان خذلهم اقربائهم ممن ينتسبون ظلما لهذه الامة ، وهذه الاعتداآت المتكررة على الاقصى لم تثر في نفوس امتنا والتي تمتد جيوش النائمين فيها من طنجة الى فنجة الا المزيد من دعوات التطبيع والتلميع للتطبيع ومباركته والدعاء له ، وصارت حتى الاقلام المقاومة نكرات في ساحات الاعلام العربي المدفوع الثمن .

ان الاقصى اليوم لايحتاج الى رقصة فنية ، ولايحتاج الى المزيد من الاغاني ، ولاالى اللوحات الفولكلورية ، ولا الى المزيد الابداع الخطابي ، فقد ملّ الاقصى الاسير من كل هذه الترهات وكل مايحتاجه الاقصى هو لحظة صدق من هذه الامة ، من قادتها ، وشيوخها ، وعلمائها ، ومثقفيها ، واحزابها، وفصائل المقاومة النائمة والتي صدأ السلاح بايديها .

تتجه انظار امتنا النائمة اليوم الى ليبرمان والذي لم يبق له الا القليل ليهدم الاقصى بأثر زلزال صناعي اسرائيلي اعدت فصوله منذ سنوات ، وليبني على انقاض الاقصى هيكل صهيون المزعوم امام عيون زعماء العرب والمسلمين وتصفيقهم وتأييدهم كصرح بناء جديد وخبر جديد واختراع جديد ، وامام سيل الدموع من احباب الاقصى والذين سينالهم عقاب الله الاشد لانهم تركوا تلك الثلة القلية من ابناء فلسطين تحت الاحتلال جوعى وعراة واسرى ومحاصرين امام تخمة من بعض الانظمة العربية والتي تطاولت في البنيان علوا وتوسعت في المآكل عرضا وغاصت في البحار بطرا ، ولم يسارعوا الى غوثهم وغوث الاقصى الذي يدّعون حبه وحب الناس الذين يسكنون الى جواره، والذين دفعوا ضريبة هذا الجوار المقدس منذ زمن بعيد نائمين خمص البطون .
ان رسالة واحدة من اوباما كفيلة بتجميع قادة العرب والمسلمين من اجل احتلال بلد عربي ، اما الاقصى فان كل الرسائل القادمة من انبياء الله الى الزعماء العرب والمسلمين لانقاذه لم تحرك في القادة العرب ادنى حركة ، وعلى العكس من ذلك فان اخبار المفاوضات وراء الجدران السرية تزكم الانوف بالمدى الذي وصل اليه حال امتنا والتي لم يعد الاقصى من اهتماماتها الا كخبر عالمي نقلا عن وكالة رويتر .
globalrahhal@hotmail.com

شَجْبٌ، واستِنْكارٌ وإضرابٌ


عوني وتد
مرحًى لذكرى الوفاء وعبق الفداء، مرحىً لنسائم المجد ومسك السناء! تسعة أعوام خلت،ودماء شهداء الهبة المباركة ما زالت تسرج للأقصى البهاء, تسع سنوات مضت،وما زالت حروف أسمائهم الطاهرة تكحّل حجارة أسوار القدس"الكالحة"،وتنير سراديب الأنفاق"الحالكة"،علّها تطرح سنابل السنا،وتمحو الذّل عن ارض الإسراء. تسعة أعوام انقضت،ونحن لا نملك غير الذكرى، وبعضاً من الشعارات الموسمية، وكيلاً من التشدق وكماً من نحيب البكاء. ألسنا شعب "البكائين"؟ ورهط "الردّاحين" ؟ شعبٌ لا يقوى محيط ذاكرته المحدودة عن اجتياز أسلاك حريته المسلوبة، وتعجز مساحة طموحات قيادته المحلية عن عبور جدار أحلامه المكبوتة.رهطٌ يقتات أمجاد التاريخ من وريقات "روزنامة" أضحت لا تحمل غير ذكرى،ذكرى لأيامٍ عربية منسيه.وأرقامٍ مدونه تشير إلى نداءات الشجب، والاستنكار والإضراب . "روزنامة"، أرقامها العرجاء هندية ،وحروفها الصمّاء أعجمية،ضاقت صفحاتها بأيامنا ذرعاً فغدونا نلتمس "مفكرة" عربيه، لها ألفٌ وتسع مائةٍ وثمانٍ وأربعون صفحة ميلادية،والف وتسع مائه وسبع وستون سنة هجريهً، ويا ليتها تكفي في وصف وتجسيد شتاء حماسياتنا ،وربيع مناسباتنا ،وصبف ذكرياتنا وخربف بطولاتنا الفلسطينية منها والعربية! وكان لنا ما كان، "مفكرة" جديدة عربيه!بحلية زاهية فلسطينيه!وتقويمات مزركشه تداهن العبريه! لكن ما بال هذه المفكرة الجديدة كسالفتها الأعجمية؟غدها كامسها،ونهارها كليلها،ووضيمتها كوليمتها، شجبٌ، واستنكارٌ وإضراب! إن ذُبح شهيدنا..أو كُبل أسيرنا..أو جرح شعبنا..شجبٌ واستنكارٌ وإضراب! إن حُرمنا الحقوق..أو مُنعنا الرزق..أو صودرت أرضنا.. شجبٌ واستنكارٌ وإضراب! فما بال يوم الأرض الخالد في طيّ النسيان؟ وما بال مذبحة كفر قاسم عفا عليها الزمان؟ وما بال حرق الأقصى يعود كما كان؟ فهل يجدي الشجب والاستنكار والإضراب؟! أليست هذه "الثوابت النضالية" سُنة رؤساء وملوك وأمراء الأعراب؟ وأمناء مفكرتنا الجديدة من قياداتنا الأزلية منها والآنية،قد أصيبت بعدوى المؤتمرات العربية،فبتنا جميعاً ندرك قراراتهم قبل انعقادها.. شَجْبٌ، واستِنْكارٌ وإضرابٌ!! دنوت نحو كوكبة من طلابنا الثانويين الواعدة، والذين صفقوا لقرار لجنة المتابعة في إعلان الإضراب، ونصب منابر فنون الخطاب، وسألتهم:"عددّوا لي خمسة أسماءٍ من شهداء هبة الأقصى الأبرار؟" فانتابهم الصمت، وتملكتهم الحيرة وعجزوا عن سرد اسم واحد من الشهداء،ألم يكن من الأجدى ممن يتقنون "المتابعة" واستخلاص العبر ،أن يتم تخليد هذه الذكرى بأساليب حضارية،وأدوات إبداعية، تليق بمكانة ورقيّ شهداؤنا الأبرار؟ألم تكف تسع سنوات لإنتاج المراجع والدراسات والأعمال الوثائقية لسيّر هؤلاء الأبطال؟أم سيكون مصيرهم وطيب ذكراهم، أسماء وأرقاما تزين "مفكرتنا" إلى حين النسيان؟! لمَ لمْ تقم لجنة متابعة شؤون التربية والتعليم في تنظيم أيام دراسية متنوعة، وورش عمل تعليمية مختلفة، ومخيمات جماهيرية متعددة، لنا ولأجيالنا التائهة بين مطرقة التجهيل وسندان الإهمال!! لِمَ لا يستغل يوم الإضراب لبناء وتخطيط يوم جماهيري كبير، يوم إنتاج وإبداع، يخرج إليه أفراد العائلة للمشاركة في مختلف الفعاليات والنشاطات الشعبية الناجعة؟ فما زلت اذكر الأمس القريب حيث لم نتجاوز العشرين في مسيرة أحياء ذكرى شهيد قريتنا، بينما قبع الآلاف من أهالينا في بيوت الشجب، والاستنكار والإضراب!! لست متمرداً على قرارات لجنة "المتابعة" فأنا أول المخلصين، فسألتزم المسيرة،وأزور أضرحة وأنصاب الشهداء وسأهرع للمهرجان، لكن القرار لن يحبس لساني، كما لم يحبس لسان احمد مطر حينما قال:
الوردُ في البُستانْ أصبَحَ .. ثُمَّ كانْ
في غفلَـةٍ تهدّلـتْ رؤوسُـهُ
وخـرّتْ السّيقانْ
إلى الثّـرى
ثُـمّ هَـوَتْ من فوقِها التّيجـانْ
مرّتْ فراشتانْ
وردّدت إحداهُمـا :
قَـدْ أعلنَتْ إضـرابَها الجـذورْ
ما أجبنَ الإنسـانْ. ما أجبنَ الإنسـانْ.
لنا الأقصى ..ولنا أسماء !!
سلامٌ عليك يا جوهرة أرض الرباط، يا عروس الحرية ويا مرساة فلك الثبات..ها هم أبناؤك الأبرار المخلصين. عادوا في ذكراهم التاسعة ينثرون المسك الكرديّ فوق القباب وفي الباحات، يًنْظُمون حول واسطة عقدك سبحةً أيوبية، للدعاء،والصلاة.سبحةٌ حباتها الكريمة من حصى وحجارة أبوابك الصامدة والموصدة،تزيّن نواصي خيول البيارق،وصدر شيخ الأقصى الباسق،وجيد أم ثكلى،وساعد أب صابرٍ واثق.وحبة سبحتنا الأولى أقتطعها الشهيد محمد خمايسه-طيب الله ثراه- من باب الساهرة،وصية للعيون الساهرة والتي ترقب القطعان الواهنة، والبراثن الحاقدة،لتصدّ مآربها بكل كبرياء وعزةٍ وعنفوان. أما حبة الشهيد رامي غره-كتب الله له الرحمة- التقطها من باب النبي داود عليه السلام،صاحب المقلاع،خذوها هدية رامي،حجرٌ من سجيلٍ يبدد صفوف الخفافيش الطامعة، عن ثالث الحرمين الشريفين. آهٍ يا باب الحديد ثم آه!! يا قضبان الأسرى المنسيين ،ويا معقل زند الغر الميامين،قم يا وعد رامز بشناق-يرحمك الله- وأغرس حبتك بذرة طيبة!تنبت شقائق النعمان،وتبشر بتسامي فجر الحرية المبين. أبْسِم يا باب المغاربة، يا أسير معاول الهدم والدمار!فقد لبى نداءك شهيد واحدٌ ،من امة تعدادها النصف والمليار – رحمك الله - أيها البطل علاء نصار،خذ من ركام الباب حبة حصاةٍ واحدةٍ! أثقل من تيجان العار. رَ يا باب الأسباط! أسباطك ينصبون لبعضهم العداء، ويتربصون سفك الدماء، يتناحرون على الكراسي الدوّارة، وبعضٍ حقائب الأمارة يحسبها الظمآن ماء،يا حسرة على أسباطٍ دمها واحد ،خاب منها الرجاء. أوقد لهم يا أسيل عاصلة-طيب الله ثراك- حبة بخور مقدسية ،يبدد وهجها سحب الضغينة،والشحناء.
أيا باب الخليل!يا نفح الحرم الإبراهيمي،ويا نسائم مذبحة المصلين، ومدخل قوافل المحسنين،منك حبة فيروز مباركة يحملها الشهيد عماد غنايم-رحمه الله- للمرضى واليتامى،للأرامل والأيامى، والمطاردين. قِف أيها الشهيد البطل وليد أبو صالح-يرحمك الله- على مشارف باب الرحمة!وأبك على ما آل إليه مجتمعنا من عنف،وإرهاب،من سموم واحتراب،مجتمع ممزق الأوصال،رديء الأحوال،قم يا وليد واضرب "بحجرك" عتبة باب الرحمة ،علها تغدق علينا الماء يغسل ما اعترانا من أدران الفواحش،والقتل والدمار. أيها الباب الثلاثي الموصد! يا أقواس النصر، والمجد والإيثار، رحب بشهداء مدينة الصحوة الأبرار،أفرش أرضك تبراً لأبناء شيخنا رائد المغوار، محمد جبارين وأخيه هاشم جراد وشقيقهم احمد صيام_رحمهم الله- جاءوك يحطمون أغلال الكبت والدمار، فرسان صلاتهم من سكون أم النور،وغضبهم من لظى جبل النار. وعند الباب الأموي المضاعف،وقفا شاعران من ناصرة فلسطين، يعلمون الشعراء الفداء،وقصائد الحماسة والعطاء،عمر عكاوي ووسام يزبك-رحمهما الله- كتبا للأجيال معلقات الصمود والوفاء،خذا حبتين من حجارة الباب المزدوج الأسير،واجعلا احدها شمساً تحرق الحقد والمكائد،والآخر قمراً ينير مآذن الإسراء. أيها الباب البسيط الواحد! أفتح مصراعيك لشهيد أقصاك الأسمر،زغردي يا حجارة لفارس الأبجر، طيب الله ثراك أيها الشهيد أياد لوابنه ،خذ سبحة أخوتك الشهداء!واعتل قبة الصخرة،وعلقها عند الهلال،لتمتزج عطور حباتها بنداء نديٍ..الله اكبر، الله اكبر!

اضراب الجماهير العربية في ذكرى انتفاضة الأقصى

نبيل عودة

انجاح الإضراب هام ، وفشله سينعكس سلبا على مستقبل نضالنا

الإضراب العام الذي دعت الية لجنة المتابعة العربية العليا ، بمناسبة ذكرى انتقاضة القدس والأقصى ، جاء مفاجئا لمعظم متابعي السياسة العربية في اسرائيل.
صحيح أن الإضراب هو أداة نضالية هامة ، ويشكل قرار الاضراب خطوة استراتيجية حاسمة في نضال شعبنا.
اولا ما اريد توضيحه ان مجرد اتخاذ قرار الاضراب ، وبغض النظر عن صواب أو خطأ هذا القرار ، يلزمنا جميعا بأن نتجند لإنجاحه .
ان فشل الإضراب سينعكس سلبا على مجمل نضالنا المستقبلي بمواجهة نظام الحكم العنصري في اسرائيل .
والان لعمق الموضوع...
كما قلت لست ضد فكر الاضراب ، كأداة نضالية لتحقيق المطالب الوطنية والاجتماعية ومطلب المساواة بشكل عام ، وكاداة نضالية احتجاجية نوجه بها صفعة مدوية للسياسة المعادية لمجرد وجودنا ولغتنا وهويتنا وحقنا في الحياة الحرة الكريمة فوق أرض وطننا.
لا يمكن اتخاذ قرار الاضراب لأن زعيما ما ، يريد ان ينفرد بهذا القرار ويسجل نقاطا ايجابية لنفسه. ويبدو واضحا ان هذا ما كان وراء قرار الاضراب .
قرار الاضراب هو موضوع بالغ الأهمية ويحتاج الى دراسة شاملة للواقع العربي في اسرائيل ، الذي يظن زعماء الأحزاب انهم باتوا خبراء به ، وأكاد أجزم انهم لا يعرفون ما يجري من تطورات سلبية داخل مجتمعاتهم ، ولا يتابعون المعارك التي تفتتح ، لدرجة ان اعلان شخصي للإضراب تحول الى قرار جماعي بدون ان تُفحص الجاهزية الجماهيرية للإضراب والاستعداد لمواصلة المعركة بعد الاضراب . هل نحن في موسم المزايدات ؟

بمثل هذا المستوى الفكري والنضالي ، أشعر بالخوف من الفشل، وسيكون النجاح النسبي انجازا كبيرا.
ما هو الواقع الذي نعيشه ؟
تبين لي من فحص الجاهزية للإضراب في شارع رئيسي ، مليء بالمحلات التجارية ، حيث أسكن أيضا ، ان نصف أصحاب المحلات لم يسمعوا عن الاضراب، وأن النصف سمعوا ولا يعرفون ما هي دوافع الإضراب ، او يربطونه بالأحداث الأخيرة من الاعتداء على الأقصى .. وتفاجأت ان لا أحد يعرف الدافع الحقيقي للإضراب؟؟
حتى لو التزم أصحاب المحلات المذكورين بالإضراب.. نتيجة الجو العام السائد ، والخجل من فتح الحانوت حين يقفل الجار ، لأن هذا هو الجو السائد مع الأسف الشديد. هل يظن قادتنا انهم بذلك الجوالشعبي السلبي ، أنجزوا مكسبا سياسيا حقيقيا ، ام مكسب هلامي لا تغطية جماهيرية حقيقية له ؟!
اذا كان هدف الاضراب مجرد تعطيل مصالح التجار والعمال .. فهو قرار فوقي . عندما أضرب يجب ان أكون معبئا سياسيا ووطنيا . يجب ان أكون على قناعة اني مستعد لدفع أي ثمن يفرضه علي انجاح الاضراب. وهذا بعيد تماما عن قناعات المواطنين اليوم .
لو قارنا الأجواء السائدة عشية هذا الإضراب بما كان سائدا عشية اضراب يوم الأرض الأول مثلا ، او يوم اضراب الاحتجاج على جريمة السفاح غولدشتاين في الحرم الابراهيمي في الخليل او غيرها من ايامنا النضالية ، لتبين ان القيادات السياسية لم تفعل شيئا لايصال الجماهير الى الاقتناع ان الاضراب صار حدا فاصلا يفرض نفسه ، وان اتخاذ قرار الاضراب هو بمثابة تلبية للوضع الثوري في الشارع.
لا أقول ان واقعنا مع هذه الحكومة الأكثر عنصرية في تاريخ اسرائيل وسابقاتها كانت عسلا ، بل علقما مرا . هناك أدوات نضالية متنوعة ، والاضراب هو أكثرها حدة، ويمكن وصفه انه بمثابة السلاح "النووي " الذي لا نستعمله الا في الحالات القصوى.
هل هذا هو الحال اليوم ؟
الم تسبب اضراباتنا العشوائية السابقة ، ضربة لمجتمعاتنا ولاقتصادنا ؟ الم نتعلم ان لا نقرر الإضراب الا في حالة الجاهزية الجماهيرية الكاملة ؟
هل نريد ان نحطم كل محاولاتنا خلال العقد الأخير ، لإعادة اليهود الى التعامل مع بلداتنا ، الى حالته الطبيعية ؟ هل لنا مصادر دخل بديلة ؟ ربما يعوضنا قادتنا عن هروب المتسوق اليهودي ؟ لا أعرف هل أعدوا خططا بديلة ، مثلا استيراد متسوقين من اوروبا؟!
نعم قرار الإضراب يحمل حساسية ويفرض التفكير العقلاني بكل النتائج ، وليس فقط بنجاح اغلاق المحلات .. انما بنتائج الإضراب وانعكاسها على واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
الا ف الشباب العرب تائهين في مقاهي الأرجيلة .. ونحن في جيلهم كنا ننتقل من ندوة الى محاضرة ، من نادي الى نشاط سياسي ، من مهرجان شعري الى دورة تعليمية تشمل الفلسفة والاقتصاد والفكر السياسي والثقافة العربية والفلسطينية .
ماذا أعددتم للشباب غير الشعارات التي مللناها ؟ كيف ستنقذوهم من الضياع ، وتطرحوا امامهم بدائل أخرى؟ لماذا تفكرون في الاضراب مع كل اهميته ولا تخططون لتغيير واقع الضياع لآلاف الشباب ؟!
رؤيتي متشائمة باننا نتهاوى.. والجاهزية النضالية التي كانت تملأنا للمعارك اختفت ..وأجزم ان قرار الإضراب اتخذ في اطار المنافسة الشخصانية بين قيادات لم تعد تملك رصيدا بين المواطنين.
لا أشعر بجو شعبي حماسي . لا أشعر بمستوى وعي سياسي يجعل الشارع يشتعل شوقا واصرارا ليوم الاضراب.
ان عواقب فشل الاضراب ستكون بالغة الخطورة على مستقبلنا. صحيح ان عدسات الاعلام لن تصور الواقع الفكري، انما صور الشارع ، ومدى اغلاق المحلات . وهذا يجب ضمانه كأضعف الايمان.
وهو من حسن حظكم أيضا..!!

نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

دجاج خليجي بأجنحة الأونروا

د. فايز أبو شمالة
ألفا دجاجة ذبحت كل يوم، وأعدت لموائد إفطار الصائمين في قطاع غزة، وهذا عمل يجازى عليه أهل الخليج العربي من عند الله، ولكن ما دواعي تدويل الدجاج الذي دفع ثمنه العربي، وأكله العربي، ما الداعي لأن يرفرف مذبوحاً بأجنحة برنامج طوارئ الأونروا، وكان بإمكان أهل الخليج تقديم موائد الإفطار عن طريق عشرات المؤسسات العربية، والإسلامية الأمينة، والمشهود بشفافيتها، والساعية إلى الثواب من عند الله، وهي مهيأة، ومهتمة للقيام بهذا الدور الإنساني بشكل يفوق ما قامت فيه الأونروا، التي وقعت في خطأين أثناء توزيع الموائد؛ الخطأ الأول: تمثل في توزيع الدجاج على الجمعيات، والمؤسسات التي لم تعرف التغيير لمجلس إدارتها، ولم تجر فيها انتخابات ديمقراطية منذ خمسة عشر عاماً، ولآل نهيان أن يتخيلوا كيفية توزيع الموائد اليومية من خلال الجمعيات ذاتها التي صارت تشترط أن يأتيها الدجاج مشوياً، أو مقلياً، ولا بأس أن يأتي مسلوقاً، فالذين يأكلون الدجاج عن طريق الأونروا لم يتغيروا، وبالتالي رغبوا أن تتغير طريقة إعداد الطعام!
الخطأ الثاني تمثل في توزيع الدجاج على المناطق ذاتها، وفي نفس المحيط، بحيث وزعت في وسط قطاع غزة 600 دجاجة في الحارة نفسها على مدار شهر رمضان، بينما باقي المناطق لم تسمع أن الأونروا توزع موائد دجاج للمحتاجين حتى يومنا هذا.
إن الخلل في توزيع موائد الدجاج في رمضان على الصائمين غير المحتاجين، يمكن أن ينسحب على مجمل المساعدات المقدمة للاجئين الفلسطينيين ضمن برنامج الطوارئ الذي فاق في دعمه المالي ميزانية الأونروا نفسها، بحيث بات التساؤل لدى المهتمين: ما الحكمة من تقديم الدعم من خلال برنامج الطوارئ وليس من خلال ميزانية الوكالة المتعارف عليها؟ وما الحكمة من الإصرار على تسليم إدارتها إلى "سبستيان ترافيز" الذي كثر من حوله الحديث؟
لقد حذر مراقب الحسابات في الأونروا السيد "رمضان العمري"، في رسالة وجهها إلى مفوض عام الأونروا "كيرن أبو زيد" من جملة خلل تعتري عمل الأونروا في الفترة الأخيرة، وتجاوزات إدارية تحتم المراجعة، وعلى سبيل المثال فقد أشار إلى: استئجار المستشارين، وإلى أجورهم العالية، في الوقت الذي يمك لموظفي الوكالة من القيام بعملهم بكل سهولة، وينصح مفوض عام الأونروا باتخاذ إجراءات ملائمة لإيقاف الممارسات الحالية، والمحسوبية، والتهميش.ويطالبها بالتدقيق في أغلب لجان المقابلات على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية. وينتقد نهج الإدارة السائد حالياً ولاسيما ممارسة سياسة الدائرة المغلقة.
هذا كلام خطير، يوتر العصب الذي يغذي عمل الأونروا، ويستوجب المحاسبة، ولاسيما أن كلفة تعيين نائب إضافي لكل مدير عمليات تعادل تقريبا كلفة تعيين عشرين معلما أو ثلاثين عامل نظافة، كما ورد في بيان رئاسة اتحاد العاملين في وكالة الغوث الدولية.
حال اللاجئين الفلسطينيين يقول: نعم لتواصل عمل الأونروا التي أطعمتنا من جوعٍ، ونعم لشفافية عملها، ولا لطريقة تزلف مدير أحدى المدارس الابتدائية في غرب خان يونس الذي أقام قبل فترة احتفالاً للسيد "جون جونج" وعلق له صورة بطول وعرض الحائط ظناً منه أن الأونروا" التي تعمل منذ ستين عاماً يمكن اختصارها في شخص مدير عملياتها في غزة.
fshamala@yahoo.com

الاثنين، سبتمبر 28، 2009

سيناريو الحرب على ايران وأثره على الحوار الوطني الفلسطيني

حسام الدجني

اقتربت ساعة الصفر, ولم يبقى لتنفيذ ما وعدت به اسرائيل ومن خلفها حلفائها في الغرب من توجيه ضربة عسكرية لايران ولمشروعها النووي, بل لمشروعها الاسلامي التوسعي من خلال تصدير الثورة الاسلامية سوى أيام او شهور قليلة, ولعل هناك العديد من الارهاصات والدلائل التي تدعم ما نقوله:

1- من أهم هذه الارهاصات محاولة اسقاط النظام الحاكم في ايران من خلال البوابة الديمقراطية, ولكن هذا الخيار فشل بفشل اصحابه في الانتخابات, فقام الاصلاحيون بثورتهم العارمة في شوارع طهران من اجل اضعاف واستنزاف طاقات الجيش والشعب والاقتصاد الايراني ولكن لن تقتصر ثورة الاصلاحيين على الاحتجاج على نتائج الانتخابات, بل تعدت ذلك حتى نستطيع ان نقول انها تندرج ضمن استراتيجية الفوضى الخلاقة بهدف اضعاف ايران من الداخل, واستغلال الغرب لهذا الضعف وتوجيه الضربة القاضية للنظام الايراني, واعادة عهد الشاه ولكن برائحة وبطعم اصلاحي يقوده بعض القادة الاصلاحيين امثال مير حسين موسوي.
2- يعتبر القرار المفاجئ للولايات المتحدة الامريكية بما يتعلق بالدرع الصاروخي في اوروبا الشرقية (بولندا وتشيك) هو هدية الرئيس اوباما للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف, ولكن ثمن هذه الخطوة سيكون تخلي موسكو عن ايران في حال تم توجيه ضربة عسكرية لطهران, ايضا هناك العديد من المصالح التكتيكية والاستراتيجية تقف خلف الخطوة الامريكية.
3- تمثل التحركات العسكرية في المنطقة أحد اهم المؤشرات التي تدعم خيار الضربة العسكرية لطهران, فوصول الاسطول الامريكي لسواحل اسرائيل, وكذلك تحرك الغواصات الاسرائيلية قبل اسابيع عبر قناة السويس الى البحر الاحمر, وكذلك سباق التسلح في المنطقة وآخر هذا السباق ما قامت به طهران هذا الصباح من تجربة ناجحة لصاروخ شهاب3.
4- الضغط من قبل دول الاعتدال على الجاليات الشيعية في دولهم يعزز تخوف هذه الدول من اقتراب الضربة العسكرية لايران, بل تعدى هذا الضغط من بعض الدول الى ممارسة الضغوط على الجاليات التي تنحدر من دول او اقاليم حليفة لطهران.
5- الحاح اسرائيل المستمر على العالم من اجل ممارسة الضغط على الدول العربية للسماح لاسرائيل باستخدام المجال الجوي العربي, وقد افادت بعض التسريبات الاعلامية والتي لا نعرف مدى مصداقيتها بموافقة السعودية لاسرائيل من استخدام المجال الجوي السعودي لضرب طهران.
6- دعم الغرب للماكينات الاعلامية والاقلام المأجورة العربية منها والدولية من اجل التركيز على خطورة المذهب الشيعي على السنة, وعلى الرغم من توافقي مع هذا الطرح الا ان المغذى منه يندرج ضمن التساوق مع المشاريع الاسرائيلية والامريكية, وذلك لان من يحمل هذا الخطاب هو أصلا بعيد كل البعد عن المذهب السني, من خلال تبنيه فلسفات وافكار علمانية او يسارية او غير ذلك.
7- ما سبق لا يلغي سيناريو الصفقة الشاملة مع طهران, لان الغرب عودنا ضمن استراتيجيته في الشرق الاوسط من التلويح بالعصا ثم الانتقال الى التلويح بالجزرة.

نتمنى على العالم العربي والاسلامي فهم خطورة توجيه ضربة عسكرية على طهران, انطلاقا من ان ذلك سيهدد المنطقة برمتها وستنجح اسرائيل من ادارة معركتها انطلاقاً من أرض الخصم, وهذا الخصم لن يكون ايران لوحدها بل سيتعدى ذلك ليصل الى كل الوطن العربي بل كل الشرق الاوسط وستتسيد اسرائيل المنطقة, وستنفذ مشروعها التوسعي "الشرق الاوسط الجديد" على حساب المصالح العربية والاسلامية.
من المقرر ان ينطلق الحوار الوطني الفلسطيني خلال الايام المقبلة, حيث توجه وفد رفيع المستوى من حركة حماس الى القاهرة لتسليم ردها على الورقة المصرية, وفي حال اتخذت اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة وحلفائها قراراً بضرب ايران, سيلقي ذلك بتداعياته على الحوار الوطني, وانا اعتقد ان التداعيات السلبية اكبر من التداعيات الايجابية, فقد ترى بعض الفصائل المتحاورة ومن خلفها حلفائها في المنطقة, ان هزيمة ايران قد تقضي على محور الممانعة وعلى مشروع المقاومة كون الاخيرة هي الراعي الحصري لهذا المشروع, ولهذا ترغب هذه القوى من افشال الحوار الوطني وابقاء الوضع على ما هو عليه, ومراقبة الضربة العسكرية على ايران عن بعد, حيث يعتقد هذا الفريق ان هزيمة ايران ستسقط غزة ومن يحكمها (حماس), دون حوار او تنازلات لحماس, ولكن قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, وهنا على جميع المتحاوريين ان يتعاملوا مع الامور بعيداً عن الغيبيات, وان يعطوا القاهرة فرصة النجاح, وان يبعدوا القضية الفلسطينية عن شبح الحروب العالمية, لاننا اصحاب قضية, وابناء حركات تحرر وطنية, وعلى حركة حماس ايضا قراءة الخارطة الدولية والاقليمية بعد ضرب ايران والتعامل مع هذا الملف ضمن المصالح الفلسطينية, وما يخدم الاهداف الاستراتيجية للحركة.
نتمنى على الاشقاء المصريين ان يكثفوا جهودهم في انجاح المصالحة الوطنية ورفع الظلم الاسرائيلي عن قطاع غزة, من خلال مبادرات مصرية بفتح معبر رفح والضغط على اسرائيل بفتح معابرها والبدء في ملف اعمار غزة,واعادة الوحدة الوطنية لشطري الوطن.
كاتب وباحث فلسطيني
Hossam555@hotmail.com

جمال عبد الناصر: تسعة وثلاثون عاماً على رحيل قائد تاريخي

محمود كعوش
أن حدث غياب القائد العربي التاريخي جمال عبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى دائماً أحد أبرز وأهم الأحداث العربية التي تفرض نفسها في أوقات استحقاقاتها على كل عقل أو قلب أو قلم عربي شريف وتستدعي منه التوقف عندها ملياً وطويلاً، إن لم يكن الحدث الأبرز والأهم بينها. فعبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى أيضاً هو الزعيم العربي، بل العالمي، الوحيد الذي أتوقف في رحاب ذكراه ثلاث مرات كل عام، في ذكرى مولده المبارك في 15 يناير/كانون الثاني "1918" ويوم قيامه بثورته المجيدة في 23 يوليو/تموز "1952" وفي ذكرى رحيله المفجع في 28 سبتمبر/أيلول 1970. وبما أن الذكرى الثالثة استحقت الآن فإنني أرى أن مقاربتها والحديث عنها يستدعيان بالضرورة الحديث عن ثورة يوليو/تموز، بكل ما حفلت به من تجربة فكرية وسياسية غنية ومثمرة كان لها الأثر الأكبر والأقوى في تشكيل التيار الشعبي الناصري المتنامي بشكل متواصل في الوطن العربي حتى وقتنا الحاضر، كما يستدعيان بالضرورة أيضاً الربط المنطقي والعملي فيما بين هذه الثورة وبين شخصية قائد مسيرتها جمال عبد الناصر، الذي كان له ولنفر من ضباط مصر الأحرار فضل القيام بتفجيرها والإطاحة بالملكية البائدة وإعادة السلطة لأبناء الشعب، أصحابها الحقيقيين، لأول مرة في هذا القطر العربي العريق الضاربة جذوره الحضارية والعلمية والثقافية في عمق أعماق التاريخ.
فبرغم مرور واحد وتسعين عاماً على مولده وسبعة وخمسين عاماً على تفجر الثورة وتسعة وثلاثين عاماً على غياب القائد، لم تزل عقول وقلوب المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج مشدودة إليهما وتنبض بحبهما والوفاء لهما. ويدلل على ذلك التهافت الجماهيري المتنامي بشكل مدهش وملفت للنظر على أدبيات الثورة والفكر الناصري والدراسات والأبحاث التي تعرضت لسيرة عبد الناصر كقائد عربي تجاوز بفكره وزعامته الوطن العربي ومحيطه الإقليمي. كما ويدلل على ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور القائد جميع الحشود والتجمعات الشعبية التي تشهدها الأقطار العربية في المناسبات الوطنية والقومية والمظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر في هذه العاصمة العربية أو تلك للتعبير عن رفض الجماهير العربية للتدخلات الخارجية وفي مقدمها التدخلات الأميركية وعدم رضاها عن حالة الخنوع التي تتلبس النظام الرسمي العربي المسلوبة إرادته والمستسلم للمشيئة الأميركية ـ الصهيونية المشتركة ورفضها القاطع للسياسات الاستعمارية – الاستيطانية التي تستهدف الأمة والتي تعبر عن ذاتها يومياً بشتى صور وصنوف العدوان، وبالأخص في فلسطين والعراق.
على ضوء ما تقدم أرى ضرورة طرح السؤال الهام التالي: ترى لماذا كل هذا الحب والوفاء لثورة يوليو/تموز وشخص القائد العظيم، برغم كل ما واجهاه من مؤامرات ودسائس وعمليات شيطنة وتلويث وتشويه متعمدة ومقصودة من قبل القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية وبرغم مضي ردح طويل من الزمن على ولادة الثورة وغياب القائد؟ ولماذا تسمرت جميع التجارب العربية الفكرية والسياسية عند أقدام أصحابها وانتهت مع انتهائهم، في حين بدل أن تنتهي تجربة يوليو/تموز الناصرية مع غياب صاحبها اتسعت رقعة مناصريها وتضاعف الزخم الجماهيري الذي يشد من أزرها ويطالب ببعثها من جديد في جميع الأقطار العربية بلا استثناء؟
في رحاب الثورة العظيمة، أظهر عبد الناصر تميزاً لافتاً فن محاكاة عواطف وأحلام الجماهير العربية في الإطار العام والمصرية في الإطار الخاص، وذلك من خلال عرضه للشعارات الرنانة التي رفعتها، تماما مثلما أظهر إتقانا مدهشاً لفن محاكاة أحلام وحاجات وضرورات هذه الجماهير على الصعيدين القومي والوطني وذلك من خلال عرض الأهداف التي حددتها. فقد كان عبد الناصر ابن تلك الجماهير والمعبر عن آمالها وآلامها، مثلما كانت الثورة حلما لطالما راود خيال تلك الجماهير ودغدغ عواطفها. فكل شعارات وأهداف الثورة التي تم عرضها والإفصاح عنها في العلن والتي تفاوتت بين المطالبة بالقضاء على الاستعمار والإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال وإرساء العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الإنتاج وإقامة جيش وطني قوي يتولى الدفاع عن مصر والأمة العربية، جاءت بمجملها متناغمة مع أحلام وحاجات وضرورات المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، خاصة وأن هؤلاء كانوا لا يزالون تحت وطأة الهزيمة العربية الكبرى التي تمثلت بنكبة فلسطين التي حدثت في عام 1948 والانعكاسات السلبية لتلك النكبة والإفرازات التي نجمت عنها. وإن لم يقيض للثورة أن تحقق جميع الشعارات والأهداف التي رفعتها وبالأخص في مجال ديمقراطية الأفراد والمؤسسات، لاعتبارات كانت بمعظمها خارجة عنإرادتها وإرادة القائد، مثل قصر عمريهما وتكالب القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية عليهما، إلا أنه كان لكليهما الفضل الأكبر في التحولات القومية والوطنية التي شهدها الوطن العربي عامة ومصر خاصة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية، وبالأخص في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث عرف المد القومي العربي أوج مجده.
من العدل والإنصاف أن نسجل لثورة يوليو/تموز وعبد الناصر نجاحهما في إعلان الجمهورية وإعادة السلطة لأصحابها الحقيقيين وتحقيق الجلاء وإرساء دعائم الاستقلال وتطبيق الإصلاح الزراعي وتقوية الجيش وتسليحه وإقامة الصناعة الحربية وتأميم قناة السويس وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا وبناء السد العالي وإدخال مصر معركة التصنيع وتوفير التعليم المجاني وضمان حقوق العمال والضمانات الصحية والنهضة العمرانية. ولاشك أن هذه منجزات ضخمة وقيمة جدا، إذا ما قيست بالعمر الزمني القصير لكل من الثورة والقائد وحجم المؤامرات التي تعرضا لها. فالتجربة الثورية الناصرية لم تكن بعد قد بلغت الثامنة عشرة من عمرها يوم اختطف الموت على حين غرة عبد الناصر وهو يقوم بواجبه القومي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته وثورته. لكنها وبرغم ذلك تمكنت من إثبات ذاتها وفرض نفسها على الجماهير العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، من خلال طرحها المشروع النهضوي القومي العربي الحقيقي المنشود، الذي لطالما حلمت به وأحست بحاجتها الماسة إليه، ومن خلال حمل القائد أعباء قضايا الأمة والتعبير عن آمالها وآلامها وشجونها حتى لحظات حياته الأخيرة.
وباعتبار أن ثورة 23 يوليو/تموز كانت نتاج مرحلة تاريخية بالغة التعقيد، عصفت بمتغيرات إقليمية ودولية فرضتها نتائج الحرب الكونية الثانية مثل بروز الولايات المتحدة وروسيا "الاتحاد السوفيتي في حينه" كقوتين عظميين وحدوث نكبة فلسطين وولادة "إسرائيل" قيصريا في قلب الوطن العربي، كان بديهياً ومنطقياً أن تتشكل معها الحالة النهضوية القومية الوحدوية البديلة للواقع العربي القطري المفكك والمشرذم. وكان بديهيا ومنطقياً أن تتشكل معها الحالة الثورية الوطنية التقدمية البديلة لحالة التخلف والإقطاع والاستبداد والرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية، من خلال بروز عبد الناصر كقطب من ثلاثة أقطاب عالميين كان لهم شرف تشكيل معسكر الحياد الإيجابي الذي تمثل بمجموعة دول عدم الانحياز.والقطبان الآخران كما نعلم كانا زعيم الهند الأسبق الراحل جواهر لال نهرو وزعيم يوغوسلافيا السابقة الراحل جوزيف بروز تيتو. فعلى امتداد تسعة وثلاثين عاما أعقبت رحيل عبد الناصر، مُنيت جميع التجارب الفكرية والسياسية العربية بالفشل الذريع، لأنها بدل أن تشكل البديل الذي يحظى بثقة الجماهير العربية وتأييدها قادت الأمة من خيبة إلى خيبة أخرى أكبر وأدهى وأمر. وقد أخذ على تلك التجارب منفردة ومجتمعة أنها بدل أن تتناول التجربة الناصرية بحالتها الثورية وشخصية صاحبها الفذة بالتقييم المنطقي المجرد والنقد الموضوعي البناء على ضوء ما حققته من إنجازات وما وقعت به من سقطات وعلى ضوء الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لغرض تصحيحها والبناء عليها، اختارت مصادمة الجماهير من خلال طرحها مفاهيم جديدة اتسمت بروحية انقلابية عدائية وتغيرية، الأمر الذي أدى إلى لفظ الجماهير لها ولتلك المفاهيم وبقائها على وفائها للثورة والتجربة والقائد.
بعد أربعة عقود تقريباً، وبعد كل ما نزل بالأمة من مصائب وكوارث وبعد أن أصبح الخطر يتهدد كل قطر وبيت ومواطن في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه في وجوده واستمراره، أعود وأطرح ذات السؤال الذي واضبت على طرحه في كل ذكرى سابقة لحدث غياب القائد والزعيم الكبير جمال عبد الناصر: ترى ألا تقتضي الحكمة أن يُقر الحكام العرب بحالة التميز التي شكلتها ثورة 23 يوليو/تموز، بتجربتها وشخص قائد مسيرتها، بحيث نتوقع في قادم الأيام أن يخطوا هؤلاء خطوة إيجابية على طريق تقييم التجربة ونقدها بشكل بناء وموضوعي لأخذ العبر من مواقع نجاحها وتصحيح مكامن إخفاقها، ووضعها موضع التطبيق العملي والبناء عليها لانتشال الأمة من أوحال وأردان التفكك والوهن والضعف والاستكانة التي وللآسف باتت صفات ملازمة لها ؟ أجيب جازماً بأن الحكمة تقتضي ذلك...وبسرعة!!
محمود كعوش
كاتب وباحث بقيم بالدانمارك
kawashmahmoud@hotmail.com

معركة وقف الاستيطان الرئيس يستغيث

محمد داود

يخوض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" معركة سياسية دولية ضارية لوقف الاستيطان، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من أراضي عام 1967م. وإقامة الدولة الفلسطينية، إذ أن إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية هو استحقاق فلسطيني تاريخي وباعتراف من المجتمع الدولي، لأن الاستيطان جريمة حرب ولأن نقل سكان دولة الاحتلال إلى الأراضي التي تحتلها هو بالأصل عمل غير مشروع أدانته كافة قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والاستيطان واعتبرته غير شرعي وفي أكثر من مرة دعا مجلس الأمن إلى إزالة كافة المستوطنات باعتبارها ليست ذات مستند قانوني؛ كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص أن الاستيطان جريمة حرب كما وصفها ميثاق روما ومنظمة الصليب الأحمر والكثير من الدول والهيئات والمنظمات أن الاستيطان جريمة حرب، وهذا يساعد الرئيس "عباس" وبدعم عربي ودولي أن يخوض معركة دولية لوقف الاستيطان وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جميع مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد كان جدار الفصل العنصري الذي أقيم على أراضي المواطنين في الضفة الغربية هو جزءاً من هذه المعركة الظاهرة، وما يدور اليوم في القدس وفي باحات المسجد الأقصى المبارك على وجه التحديد وفي الخليل وفي كل مكان في فلسطين من اعتداءات يومية،... وجرائم طمس وتهويد وقضم وتقتيل ضد البشر والأرض وضد المقدسات الفلسطينية، استباح فيه الاحتلال الأرض والعرض ليكمل مشروعه الاستيطاني التدميري وجلب اليهود وغيرهم من شتى بقاع الأرض إلى ارض فلسطين في خطوة منه لقلب المعادلة الديمغرافية لاسيما في مدينة القدس وجعلها وطناً لليهود فقط.

كل هذه الجرائم تأكد نازية المحتل الذي ارتكب جرائم بحق الإنسانية منذ عام 1948م وماقبل ذلك، سعياً لاستكمال مشروعه الصهيوني الكولنيالي على أرض فلسطين التاريخية وهو يخوض ويرتكب المجازر ويرسم الخطط التي تأتي استكمالاً لمشروع هرتسل وما تبعه إلى شارون الذي نفذ خطته الانفصالية والتي أخذت سمة الطابع العسكري، والمتمثلة في الانسحاب التكتيكي من غزة من طرف واحد لخلق واقع جديد يكرس الاحتلال. فكانت سياسة شارون الاستيطانية وخطة فك الارتباط مع غزة مع تركيز الاستيطان في الضفة الفلسطينية وبموافقة أمريكية من خلال السماح للحكومة الإسرائيلية باستخدام خارطة الطريق استخداماً بيانياً فقط، ولأن خطة فك الارتباط والاستيطان تلقى تعارضاً صريحاً مع خارطة الطريق، التي هي عبارة عن تفكيك مستوطنات غزة وبالمقابل ضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية لترسيخ الاستيطان وتدعيمه أو الاحتفاظ بمواقع وقواعد عسكرية داخلية عبر نقل مواقع القطاع إلى مواقع أخرى. والإبقاء على قطاع غزة سجناً كبيراً يحيط به جيش الاحتلال من الخارج ويسيطر على منافذه المختلفة، ناهيك عن السيطرة على مجاله الجوي والبري والبحري ومواصلة العدوان، وتشريع بناء جدار الضم الذي تعتبره الخطة حاجزاً أمنياً وليس سياسياً مؤقتاً وتسويق أن الانسحاب هو خطة سلام ترتكز على الانسحاب من قطاع غزة. بينما تواصل فرض المزيد من التدهور على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية داخل الأراضي المحتلة وتعزيز السيطرة على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك ساعدت الخطة على مواصلة تنصلها من التزاماتها القانونية والأخلاقية بموجب القانون الدولي، رغم ذلك لا يزال الاحتلال يتحكم بإصدار البطاقات ويرفض طلبات لم الشمل والتدخل في حركة تنقل المواطنين والبضائع لاسيما على معبر رفح الحدودي وغيره من المعابر التجارية.

لقد بات واضحاً أن فصل الضفة الغربية عن غزة كان هدفاً استراتيجياً عمل الاحتلال الإسرائيلي قديماً وحديثاً على الدفع باتجاهه وخلق الظروف الملائمة التي يمكن أن تؤدي إليه أو تعززه وتكرسه. فالاحتلال لم يوافق إطلاقاً خلال مفاوضات "أوسلو" على وجود ممر أرضي يربط بين شطري الوطن تجسيداً للقبول النظري أو الرمزي بأن الأرض الفلسطينية تشكل وحدة جغرافية واحدة؛ فكان أن تمخض اتفاق "أوسلو" من جملة ما تمخض عنه بالقبول بمرور آمن بديلاً عن الممر الأرضي وحتى هذا المرور الآمن لم تلتزم إسرائيل بتوفيره، وظل تحت رحمتها تتحكم به كيفما تشاء ومتى تشاء ولو امتلكت القيادات الفلسطينية حينها قدراً من البصيرة السياسية لشكل هذا السلوك الإسرائيلي تجاه الممر الأمن إنذاراً مبكراً بما تهدف إليه وتخطط له إسرائيل من سعي دءوب لفصل غزة عن الضفة. ثم كانت خطة شارون بالخروج من غزة جنوداً ومستوطنين وليس إنهاء لاحتلالها وهنا غابت البصيرة السياسية أيضاً عن رؤية السياق الذي تمت به خطوة شارون والتي لم تعد كونها إعادة انتشار تحول معها قطاع غزة إلى سجن كبير خاصة بعدما تعزز ذلك بالحصار الظالم والذي هو بمثابة أعلى أشكال العقاب الجماعي، وبهذا خطت إسرائيل خطوات متقدمة على طريق الفصل بين غزة والضفة والاستفراد بالضفة الغربية ومكن مطامع المشروع الصهيوني الاستيطاني.

لذلك قيام الدولة الفلسطينية لن يكون بمعزل عما تفكر به "إسرائيل" أي فرض أمر واقع على الشعب الفلسطيني وسلطته الفلسطينية وفصائله لمشروع بدأه حزب الليكود ثم كاديما بزعامة شارون - ليفني، وهو المطروح اليوم من جديد في الضفة الغربية من خلال حكومة اليمين التي يتزعمها نتنياهو وقطع أولمرت شوطاً به، ضمن تسوية انتقالية بعيدة المدى، بمعنى آخر إقامة دولة فلسطينية مؤقتة الحدود تتشكل من عدد من المعازل المطوقة بالجدار والمستوطنات من كل جانب، وتأجيل حل القضايا الجوهرية كالحدود الدائمة والقدس واللاجئين والمستوطنات والمياه، وهكذا تبدو الصيغة المطروحة للخروج من المأزق الراهن الذي وصلت إليه عملية التسوية بين العرب وإسرائيل، صيغة غامضة، ففي حين تتحدث عن الدولة الفلسطينية كإطار وهدف للتسوية والحل، إلا أنها تعود لتختزل هذه الدولة في هيئة كانتونات مقطعة الأوصال، وعلى الرغم من أن الإسرائيليين والأمريكيين يتحدثون عن دولة فلسطينية متواصلة المناطق جغرافياً، فالتواصل هنا لا يحدد شكله، فقد يكون على شكل أنفاق أو جسور تربط بين الجزر والمعازل الفلسطينية. لكن في كل الأحوال، هذه الصيغة تحمل في طياتها توافقًا إسرائيلياً أمريكياً على أن الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة غير وارد، وقد سجل الموقف الأمريكي تراجعاً في هذا الخصوص عما توعد به أوباما كما بوش سابقاً أثناء حملته الانتخابية، ويذهب نتنياهو وأيضاً وزير دفاعه باراك أكثر من ذلك في تحدي صريح إلى بناء وحدات استيطانية ومواصلة الضم والجرائم، وحسم الوقائع على الأرض في سباق مع الزمن، والذي سيؤثر بشكل لا يدع مجالاً للشك على الدولة الفلسطينية القادمة، وسيحدد طبيعة وشكل وحدود تلك الدولة، وسط مطالب إسرائيلية بأن يقبل الفلسطينيون والعالم بمبدأ يهودية الدولة. التي تحمل مخاطر ومرحلة مفتوحة من الصراع والأزمات، وليس سبيلا لاحتواء الصراع أو فتح الطريق نحو مسار التسوية.

إن متطلبات قيام الدولة الفلسطينية يحتاج إلى توفير :

1. الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة.

2. إزالة المستوطنات اليهودية من الأراضي الفلسطينية.

3. السيطرة الفلسطينية على المعابر الحدودية مع الأردن ومصر، وعلى موانئها البحرية والجوية.

فإذا كانت حكومة الاحتلال تعتبر القدس طابو مسجلة باسم الإسرائيليين وقضية اللاجئين خطاً أحمر والحدود النهائية ترسمها الجدران والانسحاب من الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية لا يراود ذهن نتنياهو حتى في أضغاث أحلامه فعلام ستجري المفاوضات في المستقبل المنظور. لذلك نحن لسنا أمام اتفاق سلام ولسنا بصدد مشروع إقامة دولة فلسطينية ولا حتى فرصة سلام كما يتحدث الإسرائيليون أو الأمريكيون، لكننا أمام خطة لا تحترم القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، خطة هدفها الحقيقي تعزيز مكانة الاحتلال وإلغاء إمكانية تواصل العملية السياسية التي يفترض أن تصل لحد الإعلان عن قيام دولة فلسطينية.

يفترض ولكن كيف ..؟ وقد أصبح واضحاً أن للانقسام الفلسطيني نتائج وانعكاسات خطيرة ليس فقط على مجمل أوضاع القضية الفلسطينية، بل وعلى مجمل الحياة السياسية الداخلية أيضاً، فقد أدت تداعيات هذا الانقسام عملياً وواقعياً إلى وجود كيانين سياسيين بسلطتين منفصلتين كلاً منهما منشغلاً في ترتيب وترسيخ سيطرته ونظامه. وبهذا الانزلاق الذي يصب في نهاية الأمر في طاحونة سيناريو الفصل الإسرائيلي. وأخطر ما في هذا الانزلاق أنه بدا وكأنه إرادة فلسطينية، فتحول من فصل إسرائيلي قسري إلى انقسام فلسطيني داخلي.

ومع استمرار هذا الانزلاق الفلسطيني الذاتي وتعزيز مظاهر الاستقطاب المحموم والحمالات الإعلانية الشرسة أخذت القضية الوطنية تتراجع وطنياً وعربياً ودولياً على النحو الذي شهدناه في ذات الوقت الذي أمعنت فيه إسرائيل في المضي قدماً في جرائمها وبمشاريع الاستيطان والضم وتهويد القدس وبناء الجدار وتقطيع أوصال الوطن بمئات الحواجز العسكرية ثم حصار غزة والعدوان الوحشي التدميري على غزة بمثابة محاولة إسرائيلية لاستغلال ظروف هذا الانقسام وضمن معطيات أخرى.

إن المقاومة الفلسطينية بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة رسم خططها وإستراتيجيتها العسكرية، خاصة في معاملتها مع الاستيطان والمستوطنين الذين يعيثون في الأرض فساداً بحراسة من جنود الاحتلال. بالتالي يد لوحدها لا تصفق، فالرئيس يشن حملة دولية لحمل إسرائيل على وقف الاستيطان والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتالي الأمر يستدعي تكاتف فصائل المقاومة ومواجهة المستوطنين عسكرياً.وبهذه المناسبة نحيي مسيرة بلعين الأسبوعية.

كاتب وباحث

لماذا يتحرش الفلسطينيون بالمستوطنات؟

د. فايز أبو شمالة
ما هذا المنطق الفلسطيني الأعوج، الذي يطالب الإسرائيليين بوقف البناء في المستوطنات؟ وبأي حق يشترط السيد عباس على السيد "نتانياهو" الإعلان عن وقف البناء في المستوطنات، كشرط للعودة للمفاوضات؟ ألم يحافظ السيد عباس على تواصل اللقاءات مع "أهود أولمرت" حتى وهو يعزز الاستيطان في الضفة الغربية، ويَجزُّها، وحتى وهو يغرز سكينه في شرايين غزة، ويَحزُّها؟ ألم يتوصل شخصياً إلى تفاهمات مع "أهود أولمرت" على تبادل الأراضي التي تقام عليها المستوطنات؟ بمعنى آخر؛ ألم يوافق الفلسطينيون على ضم المستوطنات إلى دولة إسرائيل التي اعترف فيها المفاوض الفلسطيني؟ فلماذا الاشتراط بوقف البناء في منطقة لن تبقى ضمن أراضي الضفة الغربية؟ وسيتم مبادلتها كما صرح بذلك أكثر من مسئول فلسطيني، واعترفوا بأن الخلاف على النسبة المئوية فقط!.
لقد اكتسب الموقف الإسرائيلي مصداقيته من خلال التفاوض، ومن يدقق في تصريحات قادة الأحزاب الإسرائيلية يصل إلى أن كل الإسرائيليين؛ وبكافة انتماءاتهم الحزبية يجمعون على عدم اقتلاع أي مستوطنة، وعلى عدم تجميد البناء في المستوطنات، على اعتبار أن هذا الأمر قد حسم مسبقاً مع المفاوض الفلسطيني، الذي يعيش حالة من الخلل في المواقف، فهو من جهة قد وافق على بقاء نصف مليون مستوطن، ومبادلة الأراضي التي تقوم عليها المستوطنات بأراضٍ أخرى، ومن جهة ثانية يطالب بتجميد الاستيطان فيها؟ أي تناقض هذا؟ وأي تبدل، وتلون في المواقف التفاوضية الفلسطينية لمجرد حصول "نتانياهو" على الأغلبية البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي؟ لقد صار منطق المفاوض الفلسطيني يقول: نعم للتنازل لحزب "كاديما"، ولزعيمته "تسفي لفني"، ولا شروط لبدء التفاوض معهم، ولا، للتنازل لحزب الليكود، وزعيمه "نتانياهو"؟ فأي عوج تفاوضي فلسطيني هذا؟
وهذه قمة المأساة الفلسطينية! وقمة ضعف المفاوض الفلسطيني الذي أرهن قضية شعب، ومصيره في صندوق الانتخابات الإسرائيلي، فجاءت النتائج مخيبة لظنه، ولاسيما بعد إعلان "نتانياهو" الصريح عن مواصفات الدولة الفلسطينية التي يوافق عليها، وضمن شروطه التي حددها في جامعة "بارإيلان" في حيفا، ليكون بذلك قد سحق حلم المفاوض الفلسطيني، واستخف بكل تضحياته السابقة من أجل المفاوضات بما في ذلك الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، وتحريم المقاومة التي صارت عنفاً، والقبول ببقاء المستوطنات.
لما سبق، فلا ملاذ للمفاوض الفلسطيني غير الاحتماء بفكرة "وقف البناء في المستوطنات كشرط لتجدد المفاوضات"، دون أن يتجرأ المفاوض على النطق بجملة "اقتلاع المستوطنات". ودون أن يتجرأ على مصارحة الناس، بأن عليهم أن يتجرعوا مرارة فشل سياسة قادتهم، الذين يتوجب عليهم أن يلطموا على خدودهم بأكفهم كالنسوة، وأن يكفوا عن الضحك على الذقون، والإيحاء بأنهم قادة الصف الوطني المتمسك بالثوابت الفلسطينية، والإدعاء بأنهم يقبضون على جمر المصالح الوطنية.
fshamala@yahoo.com

مخاطر لعبة مقايضة ضرب إيران بدويلة فلسطينية

راسم عبيدات

.......في الآونة الأخيرة تتصاعد مخاطر توجيه إسرائيل لضربة عسكرية لإيران،من أجل منعها من امتلاك السلاح النووي،فلا يكاد أسبوع يمر إلا ونسمع تصريح لمسؤول إسرائيلي أو أكثر،حول المخاطر التي يشكلها امتلاك نظام طهران "الديكتاتوري" لأسلحة الدمار الشامل،وفي هذا السياق استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" منبر الأمم المتحدة ليشن هجوماً شرساً على طهران وليقول" أن التحدي الأكبر الذي يواجه العالم هو التحالف بين الأصولية الدينية وامتلاك السلاح النووي"،وبعد كشف إيران عن منشأة سرية أخرى لتخصيب اليورانيوم،دعا العالم إلى اتخاذ عقوبات رادعة بحق إيران،وطالب بعمل دولي يتجاوز العقوبات الاقتصادية،مما يؤشر إلى أن إسرائيل لا تعتمد على الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية الغربية في محاولة منع إيران من امتلاك أسلحة الدمار الشامل،وعلى الرغم من أن وكالة الطاقة الذرية لم تثبت للحظة تخصيب إيران لليورانيوم المخصص للأغراض العسكرية،إلا أن إسرائيل لا تريد أن تظهر في المنطقة أية قوى إقليمية أخرى تنافس الدور الإسرائيلي أو تشكل بديلا له في المنطقة،أو ترى فيه تهديداً لوجودها،وهي تريد أن تبقى صاحبة الوكالة الحصرية لملكية هذا السلاح في المنطقة،وبما يمكنها من الاستمرار في فرض هيمنتها وشروطها على شعوب المنطقة، ويبقي لها اليد الطولى في ضرب وقمع وتدمير أو حتى المشاركة في احتلال أي بلد يتمرد على الإرادتين الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة،وخاصة أنه بعد حربي تموز/ 2006 وكانون أول /2008 العدوانيتين على لبنان وقطاع غزة،ثبت أن قوة الردع الإسرائيلية قد تراجعت كثيراً،وأن مجموعات من المقاتلين،لا تتجاوز في أعدادها بضعة ألاف قد مرغت بهيبة وقدرة هذا الجيش،والذي كان يوصف بالجيش الذي لا يقهر الوحل،وبالتالي هي ليست بالمطلق على استعداد لتقبل وجود قوة إقليمية في المنطقة معادية لها ومالكة للسلاح النووي،وخصوصاً أن تلك الدولة لها تحالفاتها مع قوة أخرى( حزب الله وحماس)،وهما قوى في مواقع متقدمة على حدود دولة إسرائيل المحتلة،واللتان قد تكونان على الأرجح جزء من أي حرب إقليمية تنشب في المنطقة،أو تبادر لها إسرائيل.

وواضح أيضاً أن إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية،يضعون العديد من السيناريوهات والبدائل للتعامل والتعاطي مع الملف النووي الإيراني،حيث أن أمريكا وأوروبا الغربية ،حتى اللحظة الراهنة يميلون لمعالجة هذا الملف من خلال قدر أعلى وأكثر تشدداً من العقوبات الاقتصادية وعبر هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة،ناهيك عن اعتماد أسلوب الضغط الدبلوماسي مع الدول المجاورة لإيران مثل روسيا والصين،لحملها على وقف تعاونها مع إيران في هذا الجانب،وتأييد فرض العقوبات عليها.

وبالمقابل تقوم أمريكا وإسرائيل وأوروبا الغربية،بشن حملة إعلامية ودبلوماسية قوية موجهة إلى العالمين العربي والإسلامي،حول مخاطر امتلاك إيران لهذا السلاح وتهديدها لأمن الأقطار العربية "القومي" وبالتحديد الخليجية منها،باللعب على وتر المذهبية،وكذلك بعض الأقطار العربية مثل السعودية ومصر،قد ترى في بروز إيران كقوة إقليمية تهديداً لدورها كقوى عربية كبرى وقوى إقليمية.

وأمريكا وإسرائيل حتى تضمنان أوسع اصطفاف عربي- اسلامي حول مواقفهما أو المساهمة والمشاركة في أي عمل عسكري،قد تقومان به ضد إيران،فلا بد من تبريد لحلقة الصراع في منطقة أو ساحة أخرى،والتبريد هنا أو إلقاء الجزرة،ليس بقصد سكوت أو مساهمة ومشاركة الدول العربية في هذا العمل العسكري،بل لا بد من شراء سكوت أو قبول الجماهير العربية،حتى لا تشوش على الأنظمة العربية،أو تقف ضدها في مواقفها المؤيدة والمساهمة في ضرب إيران عسكرياً،وهذا يتطلب القيام بنوع من المقايضة أو على الأقل،حالة شبيهة بالحالة التي سادت قبيل احتلال العراق وتدميره،أي وعد بحل القضية الفلسطينية أو العمل على إقامة دويلة فلسطينية،بضمان مشاركة عربية في ضرب إيران وتدميرها عسكرياً أو الأقل تقديم تسهيلات لوجستية ومادية للعدوان،كما حصل في احتلال العراق.

وعلى هذا الصعيد نحن نلحظ دبلوماسية أمريكية نشطة في هذا الجانب،حيث تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى إدارة الصراع بطريقة تضمن التفاف واصطفاف العرب وخصوصاً معسكر الاعتدال العربي،حول سياساتها ومواقفها من خلال ما يسمى بوعد "أوباما" الرباعي لإقامة دولة فلسطينية،وهي تحاول إطلاق مساعيها من خلال إقناع إسرائيل بتجميد جزئي للاستيطان مقابل خطوات تطبيعية واسعة مع العالم العربي،وفي حال أي فشل للضغوط الاقتصادية والدبلوماسية في احتواء إيران ومنعها من الاستمرار في برنامجها النووي،فإنه من الوارد جداً أن تلزم أمريكا وأوروبا الغربية اسرائيل،بالتجميد المؤقت للإستيطان والموافقة على إقامة دويلة فلسطينية،لضمان أوسع حشد عربي لضرب وتدمير منشآت إيران النووية.

وهذا الخيار والذي سيدفع تكلفته ونتائجه العرب بالدرجة الأولى،من حيث أنه ستنشأ حالة واسعة من عدم الاستقرار في المنطقة،ناهيك ما سيلحق العالم العربي من دمار وأزمات اقتصادية عميقة،وأيضاً تعمق الخلافات والصراعات المذهبية والطائفية والقبلية عربياً وإسلامياً،ومثل هذه الحرب لن تكون سوى ربح صافي لإسرائيل،والتي عدا عن أنها ستكون العصا الغليظة في المنطقة والحاكم الفعلي للعواصم العربية من محيطها إلى خليجها،فهي ستستثمر هذه الحرب في فرض كامل شروطها على الشعب الفلسطيني،ويصبح خيار"نتنياهو" السلام الاقتصادي تحت الاحتلال،هو الخيار الوحيد وبمباركة عربية،وخصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التداعيات التي ستنشأ عن هذه الحرب على حلفاء إيران من قوى ودول الممانعة العربية وفي المقدمة منها سوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في حالة هزيمة ايران.

إن المنطقة حبلى بالتطورات،وهي مفتوحة على كل الخيارات فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني،وهناك ضغوط واسعة ومكثفة تمارسها إسرائيل على أمريكا وأوروبا الغربية،من أجل معالجة هذا الملف من خلال الخيار العسكري،والتحشيد والتجييش لهذا الخيار عربياً،قد يكون على شكل لعبة مقايضة إقامة دويلة فلسطينية،مقابل المشاركة أو المساهمة في ضرب إيران عسكرياً ،وهذا بحد ذاته خيار فيه الكثير من المخاطر عربياً وإسلامياً،فإيران مهما كانت درجة الخلاف معها،فأطماعها ومصالحها الإقليمية أقل بكثير من أطماع إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية،وبين ايران والعرب الكثير الكثير من التقاطعات والمصالح والوشائج،والتي يمكن حلها بالمفاوضات والتفاهمات والمصالح المشتركة،أما إسرائيل والقائم وجودها على نفي الأخر واحتلال أرضه،فتستمر في ممارسة دورها الإحتلالي في التمدد والتوسع على طول الوطن العربي وعرضه،وسيبقى الوطن العربي مزرعة وبقرة حلوب وسوق استهلاك ومكب نفايات لأمريكا وأوروبا الغربية،مع استهداف لجغرافيته بالتقسيم والتجزئة والتذرير.

القدس- فلسطين
Quds.45@gmail.com

0524533879

سوريا: بحث عربي عن بديل إقليمي للتضامن القومي

نقولا ناصر

(الأمن القومي العربي هو المستفيد من "الانقلاب الاستراتيجي" التاريخي في علاقات دول الجوار الإقليمي غير العربية مع طرفي الصراع العربي الإسرائيلي)

بينما ترتفع الأسوار الحدودية بين دول جامعة الدول العربية، سواء كانت أسوار فاصلة حقيقية أم أسوار أمنية تغلق الحدود بينها حقا كما هي الحال المستمر منذ سنوات بين المغرب وبين الجزائر أو تجعل المرور عبرها بالتأشيرة مثل الدخول من خرم الإبرة، تتنامى في المقابل ظاهرة في الاتجاه المعاكس بين دول عربية وبين دول الجوار الإقليمي، لتمحي العلامات الحدودية بين السيادتين الإيرانية والعراقية على سبيل المثال، وتلغى تأشيرات الدخول بين سوريا وبين تركيا، وبين الأردن وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي كمثال آخر. وبينما قادت معاهدات الصلح واتفاقيات وتفاهمات "السلام" بين بعض هذه الدول وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي وكذلك العلاقات الاستراتيجية التي تتوثق بين بعضها وبين دولة الاحتلال الأميركي في العراق إلى انهيار الحد الأدنى من التضامن العربي، تنمو في المقابل ظاهرة الشراكة الاستراتيجية بين سوريا من جهة وبين دولتين إقليميتين محوريتين مثل إيران وتركيا أو بين دول المغرب العربي وبين أوروبا مجتمعة أو منفردة. فإذا لم تكن هذه بوادر منظومة إقليمية ل"شرق أوسط" كبير أو جديد تحل تدريجيا محل منظومة جامعة الدول العربية فإن على الاستراتيجيين العرب أن يقدموا تفسيرا مغايرا يوضح ماذا تكون.

لكن أيا كان التفسير فإن الحقيقة التي لا يمكن الاختلاف حولها هي أن فشل جامعة الدول العربية وانهيار الحد الأدنى من التضامن العربي، ناهيك عن هزيمة المشروع الوحدوي العربي، قد دفعت الدولة القطرية العربية إلى البحث عن أسباب البقاء في تحالفات دولية أو إقليمية أو كليهما معا من المؤكد أنها سوف تزيد الفرقة العربية وتحول أي أمل في التضامن القومي العربي إلى سراب في المدى المنظور بينما ترسي في الوقت نفسه أسسا موضوعية لنظام إقليمي غير عربي يمهد لشرق أوسط كبير أو جديد سواء وفق الرؤية الأميركية – الإسرائيلية المعلنة أو وفق رؤية إقليمية مستقلة كما يأمل الشركاء الجدد في دمشق وطهران وأنقرة، فالطبيعة كما يقول العلماء لا تحب الفراغ، ولا بد أن تملأ إحدى الرؤيتين الفراغ الناجم عن فشل المشروع القومي العربي حد الانهيار.

والحقيقة الثانية التي لا يمكن الاختلاف حولها هي أن الصراع العربي الإسرائيلي كان وما يزال هو الإطار العام لكلتا الرؤيتين، إذ بقدر ما يكمن هذا الصراع في أساس السعي الأميركي – الإسرائيلي إلى منظومة إقليمية في الشرق الأوسط تكون قادرة عل استيعاب دولة الاحتلال الإسرائيلي كجزء لا يتجزأ من المنطقة، كون جامعة الدول العربية بحكم تكوينها وأهداف إنشائها هي منظومة لافظة لا مستوعبة لهذه الدولة، بقدر ما يكمن هذا الصراع أيضا في أساس المسعى السوري إلى منظومة إقليمية تمنع الهيمنة الأميركية – الإسرائيلية على المنطقة من جهة وتعزز من جهة أخرى إمكانيات سوريا الدفاعية في مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي، كون سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت في حالة حرب فعلية مع هذه الدولة، وتعوض كذلك عن فقدان عمقها الاستراتيجي العراقي بعد الاحتلال الأميركي للعراق.
لكن سوريا في بحثها إقليميا عن الخلاص القطري، بعد أن فقدت الأمل في أي ظهير عربي، قد حققت اختراقا استراتيجيا قوميا لا نقاش فيه، وربما ضارة نافعة كما يقول المثل العربي، فيأسها من التضامن العربي مع كفاحها من أجل تحرير أراضيها المحتلة الذي دفعها إلى البحث عن بديل إقليمي لهذا التضامن قاد عمليا إلى حرمان دولة الاحتلال الإسرائيلي من رصيد استراتيجي كانت منذ إنشائها تستثمره في صراعها لفرض وجودها على العرب والمنطقة، إذ طالما راهنت على استثمار الخلافات العربية مع دول الجوار الإقليمي غير العربية في تركيا وإيران وأثيوبيا بخاصة لحرمان العرب من عمقهم الاستراتيجي الإقليمي، لا بل إنها وراعيها الأميركي قد استثمرا هذه الخلافات فعلا في محاولات حثيثة لتفجير نزاعات حدودية موروثة من عهود الاستعمار الأوروبي تصرف الأنظار بعيدا عن الصراع العربي – الإسرائيلي الإقليمي الأساسي وتحظى بالأولوية عليه لتكون بديلا له – كما تجري حاليا محاولة استبدال العدو الإسرائيلي للعرب بعدو إيراني لهم بذرائع شتى -- ولكي تتحول دول الجوار هذه عن تحالفها الجيوسياسي الطبيعي مع جيرانها العرب إلى التحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ضدهم، وما زالت تحالفاتها مع إيران الشاه قبل الثورة الإسلامية ومع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" وأثيوبيا الإمبراطور هيلاسيلاسي إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين الاتحاد السوفياتي السابق تاريخا قريبا لم يغب بعد عن الذاكرة العربية.

ولا جدال الآن في أن الأمن القومي العربي هو المستفيد من هذا "الانقلاب الاستراتيجي"، التاريخي بكل المقاييس، في علاقات دول الجوار الإقليمي غير العربية مع طرفي الصراع العربي الإسرائيلي، ولا جدال أيضا في أن الدبلوماسية السورية الناجحة لها فضل رئيسي في المساهمة في حدوث هذا الانقلاب، الذي لا يمكن طبعا إغفال المستجدات الدولية والإقليمية والعوامل الداخلية التي دفعت دول الجوار نفسها في هذا الاتجاه، دون إغفال المساهمات المصرية واليمنية والإماراتية، على سبيل المثال، التي حرصت على احتواء خلافاتها مع دولتي الجوار الإقليمي في أثيوبيا وإيران لكي تظل العلاقات "طبيعية" مع الدولتين بالرغم من إثارة قضية توزيع مياه نهر النيل بين دول المنبع والمجرى والمصب، والصاعق الصومالي لتفجير صراع في القرن الإفريقي يئد هذا الانقلاب الاستراتيجي في مهده، والإصرار الإيراني على الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وغير ذلك من الهموم العربية المشروعة التي يحاول الحليفان الأميركي والإسرائيلي تسعير الخلاف حولها بين دول عربية وبين هاتين الدولتين في الجوار الإقليمي عملا بالاستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية التقليدية التي يوشك "الانقلاب الاستراتيجي" الذي تنفتح صفحاته الآن على وضع حد لها، لتظل أولوية "الصراع" العربي – الإسرائيلي طاغية على كل "نزاع" عداها، سواء كان نزاعا عربيا – عربيا أم نزاعا عربيا – إقليميا، كما ينبغي أن تظل هذه الأولوية.

لكن يظل هناك أيضا تحفظان مشروعان على هذا الانقلاب الاستراتيجي التاريخي. أولهما أن أي "تضامن إقليمي" لا يمكنه أن يكون "بديلا" للتضامن العربي، بل مكملا له، لأن الصراع الأولوية كان وسوف يظل صراعا عربيا إسرائيليا في الأساس، ولآن التضامن العربي المفقود لأسباب موضوعية الآن يظل شرطا مسبقا لا غنى عنه لحسم هذا الصراع لمصلحة العرب، سلما أو حربا، ولأن هذا التضامن لا يمكنه أن يظل مفقودا إلى الأبد لأن دول التجزئة العربية ستدرك إن عاجلا أو آجلا بأن خلاصها قطريا مرهون بتضامنها قوميا وبأن البحث عن خلاص كهذا في تحالفات خارجية منفردة حتى لو كانت مع القوة الأميركية الأعظم حاليا في العالم قد تفرضه ظروف مؤقتة قاهرة، مثله مثل صلحها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لن يكون أبدا ضامنا لأمنها واستقرارها في الأمد الطويل، ولأن دول الجوار الإقليمي نفسها غير معنية مباشرة بهذا الصراع وقد تلتقي مصالحها مع استمراره أو قد تتقاطع أجنداتها مع الأجندة الإسرائيلية في معارضة تبلور تضامن عربي حقيقي أو قد تملي عليها علاقاتها الدولية استحقاقات تتضارب مع انكفائها الإقليمي الحالي، إلى غير ذلك من الأسباب.

أما التحفظ الثاني فيتمثل في تأجيل فعلي لحل خلافات عربية مع دول الجوار الإقليمي، مثل سلخ لواء الاسكندرون عن الوطن السوري الأم وضمه إلى تركيا، وضم الأحواز العربية إلى إيران، والاحتلال الإيراني لجزر الإمارات العربية الثلاث، والشراكة الإيرانية في الاحتلال الأميركي للعراق، إلخ، لمصلحة الاستقواء العربي بدول الجوار في الصراع العربي الإسرائيلي، مما يهدد بأن يطوي النسيان هذه الحقوق العربية نتيجة لطول أمد الصراع العربي الإسرائيلي قبل أن يتفرغ العرب لحل هذه النزاعات الحدودية مع جيرانهم، وهي نزاعات موروثة من أيام الاستعمار حقا، غير أنها تنطوي على حقوق عربية في أجزاء مقتطعة تعسفا وقهرا من الوطن العربي لا يمكن التنازل عنها، لكن محاولة التذرع بها لإجهاض انقلاب استراتيجي تاريخي في العلاقات العربية مع دول الجوار الإقليمي تندرج في إطار تغليب الثانوي على الرئيسي، ومنح الأولوية "للنزاع" الحدودي على "الصراع" الوجودي.

وهكذا مثلما ينتقد المنتقدون الشراكة التجارية المتطورة بين الإمارات وبين إيران بسبب الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، نجد اليوم من سارعوا إلى انتقاد اتفاق الشراكة الاسراتيجية السوري التركي في نهاية الأسبوع الماضي. ومثلما استغل المعارضون لنظام الحكم في سوريا العلاقات السورية – الإيرانية الوثيقة بعد الثورة الإسلامية عام 1979 للطعن في "عروبة" هذا النظام -- الذي لم يبق غيره بين منظومة جامعة الدول العربية من يتبنى القومية العربية كأيديولوجيا رسمية وشعبية بعد الانقلاب على الناصرية في مصر إثر العدوان فالاحتلال الإسرائيلي عام 1967، و"اجتثاث" البعث فكرا وتنظيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، واستبدال الدعوة إلى الوحدة العربية بالدعوة إلى الوحدة الإفريقية في ليبيا – سارع هؤلاء المعارضون أنفسهم إلى استغلال مماثل للاتفاق على إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي السوري – التركي قبل أن يجف حبر توقيعه.

ولا بد أولا من وضع هذا الجدل في إطاره الصحيح وفي سياقه السياسي القائم فعلا. والإطار الأول الذي لا يجهله بالتأكيد حتى المعارضين للنظام السوري هو أن علاقات سوريا الخارجية وسياساتها الداخلية وحراكها الدبلوماسي تحكمه أولوية الصراع العربي الإسرائيلي بعامة وأولوية تحرير هضبة الجولان السورية الاستراتيجية المحتلة بخاصة، وهي أولوية تطغى على كل ما عداها، واستحقاقاتها هي التي تحدد تلك العلاقات والسياسات والحراك. ومن هذا المنظور السوري فإن الحرب العراقية الإيرانية ثم حرب الكويت والآن الاحتلال الأميركي للعراق والمحاولات الأميركية الجاهدة لإنشاء جبهة عربية – إسرائيلية ضد إيران ما هي إلا انحراف عن الصراع الأساسي وهدر للطاقات القومية في معارك جانبية وثانوية.

ومن هذا المنظور السوري فإن الوضع العربي الراهن المنقسم على نفسه والضعيف حد العجز عن حد أدنى من التضامن القومي والعمل العربي المشترك والذي تمخض عن زج العرب في سلسلة من المعارك الجانبية والثانوية لا تكاد حلقة منها تنفك حتى تحاصرهم حلقة جديدة منها هو وضع حاصر دمشق بين خيارين، خيار البحث عن تضامن قومي مفقود لا أمل في إحيائه في أي مدى منظور وخيار البحث عن بدائل إقليمية أو دولية ممكنة ومتوفرة تعوض عنه. وإذا كان الإتحاد السوفياتي السابق قد وفر سابقا مثل هذا البديل فإن البديل الدولي الأوروبي له بعد انهياره قد أثبت أنه ما زال عاجزا عن الاستقلال عن تبعيته للقائد الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما البديل الصيني يبحث عن الشراكة مع الولايات المتحدة أكثر مما يسعى إلى الصراع معها، لذلك كان البحث عن خيار إقليمي للتضامن العربي المفقود هو المتاح الوحيد الباقي أمام دمشق.

وإذا كان هؤلاء المعارضون، غير "القوميين" في غالبيتهم الساحقة، يستغلون بطريقة انتهازية ما يحذر منه "القومييون العرب" أنفسهم بكل أطيافهم من نتائج سلبية لعلاقات سوريا الإيرانية والتركية على سوريا نفسها قبل غيرها من العرب، وهي تحذيرات ربما لا يوجد بين العرب من هو أكثر إدراكا لها وتأثرا مباشرا بها أكثر من سوريا نفسها لأنها تعنيها مباشرة قبل كل الآخرين، مثل النتائج العكسية للنفوذ الإيراني المتنامي في العراق الذي يستظل بالاحتلال الأميركي على مستقبل العراق وهويته الوطنية ودوره القومي الحاسم في كل قضايا الصراع العربي المصيرية ومثل قضية لواء الإسكنرون الذي سلخته فرنسا عن الوطن السوري الأم وضمته إلى تركيا عام 1938، فإن مسارعة هؤلاء المعارضين، سواء كانوا أنظمة عربية أم كانوا امتدادات لهذه الأنظمة وحلفائها الدوليين في داخل سوريا نفسها، إلى تبني هذه التحذيرات للطعن مجددا في عروبة سوريا إنما تندرج في باب الحق الذي يراد به باطل لثلاثة أسباب رئيسية.

أولها وأهمها أن "الشقيق العربي" السوري قد اضطر للبحث عن ظهير إقليمي غير عربي بعد أن فقد الأمل في ظهير عربي، ولا يستطيع أي مراقب محايد ألا يرى وجاهة في الحجة السورية التي ترى بأن تغليب القطري على القومي قد دفع إلى معاهدات عربية منفردة للصلح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وإلى اصطفاف عربي تحالفي مع الحليف الأميركي لهذه الدولة ، ومنح هذه المعاهدات والتحالفات أولوية على التضامن القومي والدفاع العربي المشترك. وثانيها أن "عروبة" المعارضين أنفسهم مطعون فيها بالرغم من الحجج "القومية" التي يسوقونها في انتقادهم للتوجه السوري الإقليمي. وثالثها أن الدوافع السياسية الطائفية والعرقية والليبرالية ذات الصلات الخارجية تطغى على المعارضة لهذا التوجه من الداخل السوري، ليظل الصوت القومي محاصرا في موقف الدفاع عن الوجود في النظام العربي وفي المعارضة لهذا النظام على حد سواء.

* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com