الثلاثاء، مارس 31، 2009

ومتى سيقول مشايخ "حزب الله": إن الله حق؟

سعيد علم الدين
وإذا كانت من نتائج هزيمة عام 67 النكراء:
أن مصر خسرت سيناء، والأردن الضفة الغربية، وسوريا الجولان، فإن الشعب اللبناني خسر وطنه السيد الحر المستقل بالكامل.
وما زال هذا اللبنان الصغير يُسْتَنْزَفُ ظلماً وعدواناً على أيدي المزايدين والطارئين والمغامرين والطامعين:
وحوش الغابة، وجُرذانُ الجحور، وغُربانُ الحديقة:
- أصحاب الشعارات الفارغة المارقة من أحزاب ومنظمات وميليشيات وعصابات الغدر.
- رؤساء الممانعات التافهة والمزايدات البالية من أنظمة القمع والشمولية والفساد والقهر، وممارسة الاغتيالات في ساعة الظهر.
- وأبطال المقاومات المرتدة على قمع اهلها وخراب مجتمعها وتدميره:
بحروبها الخاسرة، وتبعيتها السافرة، وأكاذيبها الفاجرة، وأمجادها الغابرة، ومقاومتها البائرة، وأموالها الإيرانية العاهرة، وانتصاراتها الوهمية الكلامية الباهرة.
فالجبهات العربية الثلاث هدأت وسكنت وسالمت وصالحت وساومت وضجرت من الملل وانبطحت كجبهة الجولان، إلا جبهة لبنان التي مازالت مشتعلة وما زال معها شعْبُهُ ينزف من أمنه واستقراره واقتصاده وسلمه وقيام دولته التي خسرها نتيجةً لتداعيات حرب عام 67 لتنظيمات الثورة الفلسطينية والميليشيات اللبنانية اولا، وللنظام السوري الشمولي طيلة 30 سنة ثانيا، والآن لدويلة حزب ولاية الفقيه الإيرانية الشمولية الغادرة واتباعها من جماعات 8 اذار المعادية لقيام الدولة السيدة الحرة الديمقراطية العربية المستقلة وعودتها الى الانسان اللبناني السيد الحر المستقل.
فسيادة الوطن هي من سيادة المواطن،
وليس بالاعتداء على كرامته وارهابه كما يفعل حزب الله واتباعه بالمواطنين الآمنين.
وحرية الوطن هي من حرية انسانه،
وليس بقمعه واذلاله وحرق سيارته ومنزله وخطفه وتفجيره واعتقاله كما يفعل هذا الحزب او ذاك النظام الدكتاتوري!
واستقلال الوطن هو ايضا من استقلال انسانه ماديا ومعنويا،
لكي لا يكون تابعا لحزب فاسد او دولية ظالمة او تنظيمٍ خائر او نظام جائر امبريالي عدواني طارئ ماكر!
فالمهم عند دول المحور الإيراني السوري واذنابهم من جماعة 8 اذار ان تظل جبهة جنوب لبنان وحدها يتيمة مشتعلة والى ما لا نهاية، وشعبه ينزف ويهاجر خدمة لجبهة الجولان الخاملة ولمشاريع ايران الإمبريالية في الهيمنة على المنطقة العربية.
وبعد حرب تموز عام 06 هدأت جبهة الجنوب بعد ان سيطر عليها الجيش اللبناني بمساعدة اليونيفيل، فما كان من حزب الله الى ان تحول مع جماعة 8 اذار الى الداخل اللبناني متسببين بمسلسل نزيف داخلي دموي حاقد خطر مستمر منذ اربع سنوات دون انقطاع.
وكأن قدر لبنان ان يظل نازفا، اما على الحدود واما في الداخل، ليتسنى لهؤلاء استغلاله كورقة على طاولة مفاوضاتهم.
ولكن من يقدم لهم لبنان على طبق من فضة؟
سوى حزب الله واتباعه من جماعة 8 اذار لبنانيي الهوية دون روح أو شعور لما يتعرض له وطنهم الصغير من نكبات وأهوال وأهلهم المنهوكين القلقين من مآسي وويلات وآلام؟
إليكم هذه الشواهد التاريخية والحقائق الثابتة التي لا بد من ذكرها لهؤلاء الأبناء العاقِّين لعلهم يعودون الى رشدهم ويقولوا: إن الله حق!
حرب 48
في 15 مايو 1948 ، أعلن الصهاينة قيام دولة إسرائيل، ومباشرة شنت الجيوش العربية مجتمعة ومعها الجيش اللبناني حرب 48 المعروفة النتائج الكارثية على العرب سياسيا وعسكريا.
وفي 3 مارس عام 1949 تمت الهدنة بين الجانبين، وأوقف العرب الحرب دون شروط من جانبهم، أما الصهاينة فإنهم رفضوا ايقاف القتال، الا بعد قبول مجلس الأمن الدولي بإسرائيل عضوا كاملا في الأمم المتحدة.
أي انه بعد أقل من سنة من القتال العقيم لحس العرب جراحهم مجتمعين، وهادنوا العدو قائلين: ان الله حق!
حرب 56
او العدوان الثلاثي على مصر
وفي ليلة (29/10/1956 ) هجمت القوات الإسرائيلية على مصر ودخلت سيناء وتبعتها القوات البريطانية والفرنسية.
وفي يوم 1/11/1956 خطب الزعيم الكبير عبد الناصر بصوته الجهوري يقول: إذا استطاع عدونا أن يفرض علينا القتال، فلن يستطيع أن يفرض علينا الاستسلام .. سنقاتل .. سنقاتل .. سنقاتل!
وانتهت حرب 56 بانسحاب القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد في 23 ديسمبر 1956 وتبعتها الإسرائيلية متأخرةً من سيناء في أوائل عام 1957م، كما انسحبت من قطاع غزة.
أي انه وبعد أقل من شهرين من القتال العقيم انتهت الحرب وارتاح الشعب المصري من العدوان وقال الزعيم الكبير عبد الناصر:
ان الله حق واوقف القتال!
حرب 67 المشهورة انتهت قبل ان تبدأ واسمها حرب الايام الستة.
حيث صدر قرار مجلس الأمن 236 الساعة الرابعة والنصف من يوم 11 يونيو/حزيران ونص على إدانة أي تحرك للقوات بعد 10 يونيو/حزيران. وهكذا لحس العرب مجتمعين جراحهم مصدومين غير مصدقين، واوقفوا القتال بعد ستة ايام غير معاندين وهادنوا ثانية قائلين: ان الله حق!
حرب الاستنزاف
تعبير أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عام 1968 على العمليات العسكرية التي دارت بين القوات المصرية شرق
قناة السويس والقوات الاسرائيلية المحتلة لمنطقة سيناء عقب حرب
الايام الستة. ولقد فلسف عبد الناصر هذه الحرب في حوار مع الصحفي الثرثار محمد حسنين هيكل، قالا:
"أن يستطيع العدو أن يقتل 50 ألفاً منا، فإننا نستطيع الاستمرار لأننا نمتلك الاحتياطي الكافي، ولكن ان يفقد العدو 10 الاف فسوف يجد نفسه مضطر إلى ان يوقف القتال فهو لا يمتلك الاحتياطي البشري الكافي".
وهكذا بدأت حرب الاستنزاف يوم 8 مارس 1969 لكن رغم الاحتياط البشري الاسرائيلي الغير كافي، لحس عبد الناصر جراحه وانهى حرب الاستنزاف الغير مجدية وأوقف القتال يوم 8 أغسطس 1970، بعد موافقته على مبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز، قائلا بعد حوالي 500 يوم على استنزافها لمصر اكثر من اسرائيل:
ان الله حق! وأراح الشعب المصري.
حرب 73 او حرب أكتوبر أو حرب تشرين أو حرب يوم الغفران. بدأت الحرب في 6 أكتوبر 1973 بهجوم مفاجئ من قبل جيشي مصر وسوريا على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان. وبعد حوالي اسبوعين من بدأ القتال لحس الجميع جراحهم اسرائيل و مصر وسوريا وقالوا مجتمعين: ان الله حق!
وهكذا تم وقف اطلاق النار في 24 أكتوبر 1973.
إلا أن سورية الممانعة تابعت حرب استنزاف على طريقتها في أوائل عام 1974، غير مقتنعة بالنتيجة التي انتهى إليها القتال في محاولة لاسترداد وتحرير باقي اراضي الجولان.
انتهت حرب الاستنزاف السورية باتفاق فك الاشتباك العسكري بين سوريا وإسرائيل في حزيران (يونيو) 1974. وهكذا لحس حافظ الاسد بعد 82 يوما من القتال الاستنزافي جراحه، قائلا: ان الله حق! واراح الشعب السوري واوقف القتال.
ومن يومها حتى يومنا هذا لم تطلق سوريا طلقة واحدة في سبيل تحرير جولانها المحتل.
اردت من هذه الجردة التاريخية ان اقول ان كل الحروب والمعارك والاستنزافات لها بداية ونهاية الا المسكين لبنان الذي ومنذ عام 68 وهو يتعرض للطعنات والمؤامرات والاجتياحات والحروب والاحتلالات والنزيف المستمر ان لم يكن على الحدود فمن الداخل، وحتى ان كل من فكر من قادة لبنان الشرفاء تخليصه من هذا النزيف الدامي واعادته سيدا حرا مستقلا الى ابنائه تم اغتياله وعلى راسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من ثوار الارز واحرار 14 اذار.
فالمطلوب سوريا وايرانيا ان يظل لبنان في هذه الدوامة الدموية النازفة الى ما شاء الله خدمة لمصالحهما على حساب مصلحته.
وهنا يأتي دور عملاء الداخل من جماعة 8 اذار في تقديم مصلحة الآخرين على مصلحة وطنهم بحجج واهية دون ادنى حس او شعور مع الام شعبهم النازفة ومعاناة اهلهم العظيمة.
وعلى رأس هؤلاء جماعة حزب الله التي لا تريد اراحة الشعب اللبناني ولا تريد ان تقول: ان الله حق!
وهكذا يعلن البطل الهائج حسن نصر الله الحرب المفتوحة الى ما شاء الله على اسرائيل ثأرا لمغنية، الذي تم اغتياله تحت اعين المخابرات السورية وخدمة لمصالح النظام السوري، وبمعرفة حزب الله بالتاكيد لقطع خيوط تورط مغنية بعمليات الاغتيال تهربا من المحكمة الدولية.
وهكذا يعلن عنتر زمانه نائبه نعيم قاسم ضاربا بالحقائق التاريخية التي ذكرناها عرض الحائط، قائلا الجمعة 19 كانون اول 2008 :
" نحن في "حزب الله" لن نتخلى عن قضية فلسطين. "حزب الله" مع تحرير كل حبة تراب. لسنا مع التسوية الظالمة الفاشلة الذليلة المهينة. نحن مع المقاومة التي تحرر كامل التراب الفلسطيني". وقال: "لا نقبل بأن تختزل قضية فلسطين بهدنة هشة لا معنى لها".
عجبا هو الذي كان يستجدي الهدنة ووقف اطلاق النار مع قائده نصر الله في حرب تموز.
حتى انه عندما زارت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة رايس نبيه بري، كان سؤاله الوحيد لها لماذا اطالت امريكا امد الحرب ولماذا أخرت مجلس الامن لكي يعلن وقف اطلاق النار.
عجبا من هؤلاء ابطال الكلام، وعندما تقع الواقعة يختبؤون في الجحور كالغلمان.
عجبا وتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي كله تاريخ هدن لهثت دول العرب وراءها كما لهث حزب الله لقرار 1701 الذي انهى حرب تموز الكارثية.
ولا يخجل نعيم قاسم من القول ايضا:"نحن ندعو مصر بقادتها ومسؤوليها الى وقفة تاريخية إلى جانب الشعب الفلسطيني"
مصر التي خاضت الحروب وقدمت عشرات الالاف من الشهداء، لا ينقصها في اخر هذا الزمان الا عنتر زمانه نعيم قاسم باشا ليدلها على طريق المقاومة والتحرير ونصرة الشقيق الفلسطيني.
كفى مزايدات بحق اللبنانيين في المقاومة والتحرير أيها المراهقون المغامرون المعرقلون لقيام الدولة السيدة العربية الديمقراطية الحرة المستقلة!
نحن اللبنانيين ضحينا في سبيل القضية الفلسطينية ما يفوق الأوصاف. حتى أن الكلمات تعجز عما كابده اللبنانيون ومنذ عام 68، عام حرق طائراتنا في مطار بيروت من قبل الكوماندوس الإسرائيلي ردا على عملية الجبهة الشعبية في مطار اثينا الذي انطلق منفذوها من مطار بيروت، وحتى هذه اللحظة. وإذا كان أهل القضية يعملون لحلها من خلال السياسة والصلح وأوسلو والخلاص ، وإذا كانت جميع الدول العربية الكبرى صالحت واعترفت أو في الطريق إلى الصلحِ والاعتراف، فما بال حسن نصر الله ماسك السلم بالعرض وكأن الحرب استراحة نافخ نرجيلة في ساحة رياض الصلح او تحت أشجار الصفصاف!
ألم يكفه التدمير وتهجير المليون وحرق العشرات من أطفال قانا مرتين؟
فلا تزايدن علينا يا غربان الاغتيالِ والارهاب والفساد!
كفى مزايدات بحق اللبنانيين واستنزافا للبنان أيها المراهقون المغامرون المتاجرون بدماء الأحرار والشرفاء لمصلحة ايران!

القطاع الخاص ودوره في التنمية الوطنية

د. اميل قسطندي خوري

ينص قانون ارثر اوكون Okun’s Law الذي يربط بشكل مباشر بين معدل البطالة unemployment rate وبين الناتج المحلي الاجمالي GDP - Gross Domestic Product على انه اذا قمنا بتخفيض معدل البطالة بمقدار 1% فان ذلك يؤدي الى زيادة نسبة الناتج المحلي الاجمالي بمقدار 3%. وبناء عليه، اذا كنا نرغب في تحسين مستوى النمو الاقتصادي economic growth فما علينا اذن الا ان نعمل على رفع معدل العمالة وتشغيل الايدي العاطلة عن العمل من خلال توفير البيئة والاليات والوسائل المناسبة لتحقيق ذلك. والسؤال المطروح هنا هو كيف لنا ان نرفع من سوية التنمية الوطنية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتجاريا وصناعيا … الخ من خلال استخدام هذا القانون بفاعلية قوية وكفاءة اكبر؟
اذا كانت معظم الاقتصاديات العالمية global economiesفي عصرنا هذا بدات تتجه او قد اتجهت بالفعل نحو تطبيق نظام الخصخصة او التخاصية privatization وانفتاح الاسواق والتدفق الحر للتبادلات التجارية الدولية، فان الجواب على السؤال الذي طرحناه سابقا قد نجده في اجندة اعمال المستثمرين والقطاع الخاص private enterprise investment. فالفكرة المحورية التي نريد ان نوصلها هنا انه كيف يمكن لهذا القطاع الحيوي الهام ان يزيد من دعمه المباشر لمسيرة الوطن المتواصلة في مواجهة تحدياته الاقتصادية والتزاماته الخارجية والداخلية من خلال تحقيق تنمية وطنية شاملة ومستدامة تستطيع بالفعل ان تساهم مساهمة ملموسة في تحسين نسبة النمو الاقتصادي الوطني ورفع معدلات الناتج المحلي الاجمالي؟
القطاع الخاص مدعو عبر هذه الزاوية الى ممارسة دوره الوطني باقصى درجات الفاعلية والجدية (اينما امكن وكيفما امكن) في المساهمة مساهمة حقيقية ومخلصة في تحريك وتنشيط ودفع عجلة الاقتصاد المحلي، وذلك من خلال ايجاد او زيادة عدد فرص العمل للمواطنين، والتي لن تؤدي فقط الى زيادة معدلات مداخيلهم وتحسين مستوى معيشتهم وتوفير حياة كريمة لهم، بل سوف تؤدي ايضا الى خفض معدلات الفقر والبطالة ورفع مستوى الايرادات الضريبية التي تدر على خزينة الدولة، والتي من شانها ان تساهم في تخفيض عجز الموازنة العامة budget deficit وتقليص حجم المديونية بكلا شقيها الداخلي والخارجي internal and external debts املا بالوصول في نهاية الامر الى تحقيق فائض مالي fiscal surplus يمكن لنا الاستفادة منه بشكل ايجابي في عمل الكثير من اجل الوطن، كانشاء مشاريع تنموية حيوية تعود على البلد بفوائد اقتصادية نافعة للوطن والمواطن على حد سواء.
قد يكون توفير او زيادة مثل هذه الفرص العمالية (من خلال تدفق الاستثمارات الرأسمالية capital investments في قطاعات حيوية مختلفة كالصناعة والتجارة والزراعة والسياحة والطاقة والاسكان والاتصالات والبنوك والفنادق والمطاعم والاسواق التجارية … الخ) على حساب ارتفاع الكلف التشغيلية operating costs او انحسار الهوامش الربحية profit margins للشركات وذوي الاهتمامات التجارية business concernsاو تصاعدات في معدلات اجور العمال ورواتب الموظفين بفعل تزايد الطلب على العمالة، ولكن من ذا الذي قال ان تحقيق تنمية وطنية شاملة ومستدامة سوف يكون بدون ثمن يذكر، او انه قد يتاتى بمناى او بمعزل عن تقديم التضحيات تلو التضحيات الرخيصة في سبيل مصلحة ورفعة الوطن، وصولا بالمحصلة النهائية الى النماء والرخاء المطلوبين لصالح الجميع والله ولي التوفيق.

_______________
د. اميل قسطندي خوري
dekh@myway.com

الاثنين، مارس 30، 2009

القمة العربية التالية في ... بغداد

نقولا ناصر
(بغداد تستعد لاستضافة القمة العربية العادية التالية عام 2010 وترؤس دورة القمة العربية التالية بعد قطر في سابقة تاريخية إن حدثت قد تتوج مثل جلال طالباني ناطقا باسم الأمة العربية)

بينما تستعد وسائل الإعلام العربية والدولية لتسليط الأضواء على المصالحة العربية ، إن تحققت أو لم تتحقق ، عندما تنعقد القمة العربية العادية الحادية والعشرين في العاصمة القطرية الدوحة اليوم وغدا ، أو على حضور الرئيس السوداني عمر البشير أو عدم حضوره لهذه القمة ، أو على دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أو عدم دعوته لحضورها ، أو على ترقب ما إذا كان بيانها الختامي سيجدد أو لا يجدد أو يجدد بسقف زمني الإجماع العربي على "مبادرة السلام العربية" كإطار سيؤشر سلبا أو إيجابا إلى نجاح أو فشل حوار القاهرة الفلسطيني المقرر استئنافه أوائل نيسان / أبريل المقبل ، إلى غير ذلك من التوقعات التي يمكن أن تكون عناوين إعلامية جاذبة ، فإن العنوان الرئيسي الذي لا يحظى حتى الآن بما يستحقه من اهتمام هو توجه عربي لا تنقصه الأدلة للاعتراف العربي بالأمر الواقع الناجم عن الاحتلال الأميركي للعراق وإلى منحه شرعية القمة العربية .

ولا يسع المراقب المتابع لتعليقات المقاومة العراقية (القيادة العليا للجهاد والتحرير والقيادة العليا للجهاد والتغيير) والمعارضة السياسية (القيادتان القطرية والقومية لحزب البعث وهيئة علماء المسلمين في العراق) إلا أن يلفت انتباهه مدى حرصهم جميعا على نجاح المصالحة العربية ونجاح القمة الحادية والعشرين ، وإلا أن يلاحظ دماثة في لغة خطابهم لم تمنعهم من عرض وجهة نظرهم بوضوح لا لبس فيه بأن المقاومة هي الممثل الشرعي للشعب العراقي وهي حاضنة الهوية العربية الإسلامية في العراق وبالتالي فإنها المدخل الموضوعي لعودة العراقيين إلى أمتهم ولاستئناف الدور العراقي المؤسس لجامعة الدول العربية وبأن الاعتراف العربي بالأمر الواقع الذي لم ينجح الاحتلال بعد في فرضه بفضل المقاومة هو اصطفاف متسرع سابق لأوانه إلى جانب النظام المنبثق عن الاحتلال والموالي له وانحياز ضد المقاومة العراقية ستكون نتائجه عكسية على الأمن القومي العربي المفترض أن الجامعة العربية رافعة له وعلى الأمن الوطني لدولها الأعضاء .

وربما كان الخبر الذي أذيع ثم نفي عن زيارة كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يزمع القيام بها لبغداد عشية انعقاد القمة مؤشرا رمزيا إلى "الواقعية" التي ستحكم التوجه العام للقادة العرب عندما يجتمعون في الدوحة تحت عنوان "المصالحة" القومية والفلسطينية والعراقية والصومالية والسودانية والموريتانية ، إلخ. ، وإذا كان التوجه نحو المصالحة ضرورة تحظى بالتأييد الشعبي وتقتضيها رسميا الحاجة الملحة إلى ملئ الفراغ الناجم عن الانقسامات العربية المتكاثرة كالفطر حتى لا تملأ القوى الدولية والإقليمية هذا الفراغ ، فإن "الواقعية" التي تريد تحقيق أي مصالحة كهذه بالبناء على الاعتراف بالأمر الواقع الناجم عن الاحتلال أو الانتهاك الأجنبي السافر لل"سيادات" الوطنية هي مصالحة ، إن تحققت ، ستكون قصيرة العمر وذات نتائج عكسية .

وإذا كانت زيارة عباس لبغداد لم تتم ، سواء لإلغائها أو تأجيلها ، فإن الزيارة الثانية له منذ عام 2005 التي قام بها عشية انعقاد القمة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للعراق قد تمت فعلا لتتصدر الأسباب الموجبة لها والنتائج التي تمخضت عنها استضافة بغداد للقمة العربية العادية التالية عام 2010 ، حيث يتقرر مكان انعقاد القمة وفقا للحروف الأبجدية ، والعراق يلي قطر في ترتيب هذه الحروف ، وقد كان التكامل تاما في هذا الشأن بين موسى وبين مضيفيه ، فبينما أكد وزير خارجية الحكم المنبثق عن الاحتلال هوشيار زيباري بأن العراق "يحتفظ بحقه" في استضافة القمة التالية أكد موسى بأن الجامعة العربية مهتمة بإعادة العراق إلى محيطه ودوره العربيين وأعرب عن سعادته وهو يستمع إلى الترحيب العراقي بدور الجامعة , وبالتالي فإنه إن لم يطرأ ما يثبت العكس فإن العراق سوف يرأس دورة القمة العربية التالية بعد قطر ، وإذا حالت "الأوضاع الأمنية" دون استضافة بغداد للقمة فإن ذلك لن يحول دون تسلم العراق رئاسة القمة من قطر في ترتيب بروتوكولي خاص بمقر الجامعة في القاهرة .

وإن حدث ذلك فإنه سيكون سابقة تاريخية يتولى فيها غير عربي رئاسة المنظمة الإقليمية العربية التي كانت على علاتها عماد النظام الرسمي العربي منذ أكثر من ستة عقود من الزمن ، وإذا كان لا يوجد أي ضير في أن يتولى رئاستها واحد من الأقليات التي اندمجت في الحضارة العربية الإسلامية عبر تاريخ طويل من التعايش يؤمن بانتمائه لهذه الحضارة ويعلن ولاءه لها ولأهلها فإنه يوجد كل الضير في أن تتولاها شخصية -- مثل "الرئيس" جلال طالباني إن تجددت رئاسته -- بنت مجدها الشخصي تاريخيا على الدعوة إلى الانفصال عنها ، ولم تتردد في دعوة كل الغزاة والطامعين لاستباحة سيادتها وهي حتى الآن ما زالت ترحب باستضافة قواعد عسكرية أميركية وتلح على "عدم التسرع" في أي انسحاب "غير مسؤول" لقوات الاحتلال الأميركي من العراق حتى يستتب لها الأمر فيه ، اللهم إلا إذا حدثت معجزة توبة تبدد أية مخاوف عربية من هكذا مقدمات في زمن انعدمت فيه المعجزات .

وإذا ما أجبرت حقائق الواقع الوطني والإقليمي والدولي المعارض للانفصال مثل هذه الشخصية وغيرها على الارتداد ظاهريا عن الدعوة إليه إلى التمسك مرحليا ب"الفدرالية" فإن هذا الارتداد لا يردعها عن دفع مليشياتها المسلحة (البيشمركة) إلى خارج حدود فدراليتها للتوسع جنوبا بعمق يزيد على عشرين كيلومترا في ثلاث محافظات عربية عراقية ، عند حدود تستقوى بالأجنبي لمنع أي حكم مركزي في بغداد من تجاوزها شمالا ، ليتحول الوضع المتوتر الناجم عن ذلك بين "فدرالية كردستان العراق" وبين الحكومة المركزية في العاصمة العراقية إلى قنبلة موقوته تهدد بالانفجار في أي وقت وهي إن لم تنفجر فإنها تساق كذريعة للمطالبة بمنع انسحاب قوات الاحتلال كواحدة من ضمانات عدم انفجارها .

إن العرب المختلفين حاليا على من هو العدو الاستراتيجي لهم ، وهل هو إسرائيل أم إيران ، ينبغي لهم التوقف عند حقيقة أن طالباني والحركة الانفصالية التي ينتمي إليها تاريخيا قد استعانوا ب"العدوين" كليهما ، وما زالوا ، ضد عرب العراق وعرب الجامعة العربية المعنيين بالحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للعراق ، وإذا ما أجازت القمة العربية ، أي قمة عربية ، رفع طالباني أو من هو مثيل له إلى رئاستها فإنها عندئذ تقدم على سابقة تاريخية ستكون الفاتحة لنظام إقليمي غير عربي ما زال الاحتلالان الأميركي والإسرائيلي يدعوان إليه بديلا لجامعة الدول العربية باسم النظام "الشرق الأوسطي" الجديد أو بغير ذلك من الأسماء ، ولن يعود مستغربا بعد ذلك أن تكون الرئاسة لهكذا نظام تركية أو إيرانية أو إسرائيلية .

إن التقارير التي لم تتأكد بعد عن عدم نية طالباني في تجديد رئاسته للعراق لن توفر مهربا للقادة العرب من مواجهة احتمال أن يتزعمهم طالباني للتحدث باسمهم عالميا ، لأن هذه التقارير لو صدقت فإنها لن تتحقق قبل الانتخابات العراقية في نهاية العام الحالي ، مما يوفر مهلة كافية لكي يختتم طالباني حياته السياسية المعادية للعرب متوجا كعنوان للآمة العربية وناطق باسمها ، لكن كنقيض لا كمجدد لإرث صلاح الدين الأيوبي .

غير أن الحقيقة الساطعة هي أن طالباني لم يتغير ولا يتوقع أن يتغير ، لكن التغيير يحدث في الموقف العربي منه ومن أجندته السياسية . ولا بد من البحث عن حقيقة التغير في الموقف العربي في غير الأسباب التي ساقها عمرو موسى أثناء زيارته الأخيرة للعراق . والمفارقة أن هناك إجماع عربي على هذا التغيير بين طرفي الانقسام العربي في معسكري "الاعتدال" و "الممانعة" المختلفين على كل شيء كما يبدو إلا على الاعتراف بالأمر الواقع الناجم عن الاحتلال الأميركي في العراق ، حيث توجد اليوم تسع سفارات عربية عاملة في العاصمة العراقية ، بالرغم من الاختلاف بين المعسكرين على الدور الإيراني في العراق ، وهو اختلاف سوف يبدده بالتأكيد أي إجماع بين المعسكرين على منح شرعية القمة العربية للنظام السياسي الذي أقامه الاحتلال في بغداد لأنه نظام إيراني في بعده الطائفي ، وإيراني في الولاءات السياسية للأحزاب السياسية التي شاركت في "العملية السياسية" التي هندسها المحتل الأميركي فأنتجته ، وهو نظام له سندان أمنيان الأول اميركي والثاني إيراني ، وهو نظام إيراني في اقتصاره على القوى الطائفية والعرقية والقبلية التي ترى في القوى القومية التي تعتمد المواطنة لا المحاصصة الطائفية والعرقية أساسا للوحدة الوطنية ، فحتى تلك القوى القومية التي كانت معارضة لنظام حزب البعث نأت بنفسها عن المشاركة في نظام كهذا ، وليس سرا أن إضافة ركيزة ثالثة عربية له تعترف به كأمر واقع كانت منذ الغزو عام 2003 مطلبا أميركيا وإيرانيا .

إن الأسباب التي ساقها عمرو موسى للاستجابة العربية لهذا المطلب الأميركي – الإيراني بمنح شرعية القمة العربية للنظام "الإيراني" ، بأي مقياس يقاس به ، في المنطقة الأميركية الخضراء ببغداد هي أسباب متهافتة: فالمستقبل "المزدهر" الذي قال موسى إنه يراه للعراق لا يمكن بأي حال أن يكون الوضع الراهن هو المقدمة الموضوعية له ، و"التحسن" في الوضع الأمني الذي أشاد به بالمقارنة مع الوضع الذي كان سائدا أثناء زيارته الأولى عام 2005 تدحضه أشلاء الجثث العراقية المتطايرة في سلسلة التفجيرات المشبوهة التي تصاعدت من جديد بقدر ما تدحضه تحذيرات القادة العسكريين للاحتلال من القنابل الموقوته للعنف الطائفي والعرقي الكامن في القضايا العالقة بين أطراف "العملية السياسية" للنظام نفسه ويدحضه كذلك عجز القادة السياسيين للاحتلال في واشنطن عن إعلان النصر العسكري في حربهم على العراق ، أما إشادة موسى بجهود المصالحة الوطنية التي تقوم بها حكومة النظام فإنها بحاجة إلى وقفة خاصة لأنها تنطوي على قدر من الخلط لا يقل عن قدر أكبر من التراجع عن موقف سابق للجامعة العربية من قضية المصالحة في العراق .

فالمصالحة غير الوطنية ، التي تستهدف تهدئة الوضع الأمني لكي يستتب الأمر للاحتلال ولنظام موال له أقامه ، بين أطراف "العملية السياسية" التي حصد العنف بينها عددا من الأرواح العراقية البريئة ما زال إحصاؤه مهمة مفتوحة لمنظمات حقوق الإنسان الوطنية والعربية والدولية كانت بندا رئيسيا ضمن ثمانية عشرة بندا حددتها القيادة السياسية للاحتلال في واشنطن لقياس فشل أو نجاح مشروع الاحتلال الأميركي للعراق ، لكن المصالحة الوطنية التي رعت الجامعة العربية مؤتمرات عراقية في القاهرة وغيرها من أجل إنجازها كانت تسعى وراء المهمة التي كانت مستحيلة منذ البداية ، وأثبت تطور الأحداث استحالتها ، لإيجاد قواسم مشتركة بين النظام الذي جاء به الاحتلال ، وكان غطاء عراقيا للاحتلال لا يستر عورة أكثر مما تستر ورقة التوت ، وبين المقاومة الوطنية العراقية لهذا الاحتلال . لذلك فإن تراجع الجامعة العربية عن المصالحة الثانية للاكتفاء بالمصالحة الأولى كمسوغ لإضفاء شرعية القمة العربية على الأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال في العراق هو في الواقع نقلة نوعية في الموقف العربي من "الحياد" الظاهري بين الاحتلال والنظام المنبثق عنه ، وهو حياد وصفه بعض منتقديه بالتواطؤ ووصفه بعض آخر مشتطا بشراكة عربية في الغزو والاحتلال ، إلى اصطفاف عربي رسمي ومعلن ضد المقاومة العراقية .

أما السبب غير المعلن لهذا الإقبال العربي الرسمي على دور في العراق في ظل الاحتلال فإنه يتمثل في محاولة لموازنة أو منافسة "النفوذ" الإيراني فيه ، وكان هذا دائما مطلبا للاحتلال الأميركي لكنه لم يكن أبدا مطلبا "للنظام الإيراني" الذي نشأ تحت مظلة الاحتلال إلا بعد أن استتب الأمر لهذا النظام ، كما يعتقد ، وبعد أن أدرك بأن الدعم الإيراني وحده له دون إسناد عربي لن يكون كافيا لاستمراره إذا ما قرر المحتلون الأميركان الانسحاب بطريقة "غير مسؤولة" ، لكن خلاصة أي دور عربي كهذا تتلخص عمليا في دعم هذا النظام نفسه الذي لا يجد أي حرج وهو يستجدي الإسناد العربي في الوقت الحاضر في الإصرار المعلن على أن لإيران "دور خاص" في العراق . إن منح شرعية عربية لهذا النظام هو محاولة متأخرة ستكون نتائجها عكسية بالتأكيد للاستثمار السياسي لغض الطرف العربي عمليا عن الغزو والاحتلال الذي أعقبه ولغض الطرف العربي عن الاستثمار الإيراني المبكر للغزو والاحتلال ، فمثل هذه المحاولة ستقود فقط إلى تعزيز النفوذ الإيراني بتعزيز النظام الذي يجسد هذا النفوذ .

إن سابقة الاسترضاء العربي للاحتلال الإسرائيلي بالاعتراف بالأمر الواقع الفلسطيني الذي فرضه الاحتلال كانت له نتائج عكسية فلسطينيا وعربيا واضحة في عواقبها الوخيمة على الأمن القومي والتضامن العربي والقضية الفلسطينية وقضية السلام بحيث لا يكون تكرارها للاعتراف بالأمر الواقع الذي يحاول الاحتلال الأميركي أن يفرضه في العراق إلا إصرارا على أن يلدغ العرب من الجحر مرتين .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*



الأحد، مارس 29، 2009

تعليـم اللاطائفيـة فـي مجدليـا ـ زغرتا

حسناء سعادة

السفير

طـلاب يعترفـون بهـا ليرفضوهـا

«الكفر مرفوض أما بقية الشتائم فربما قد نتقبلها» هذه هي خلاصة رأي شباب وصبايا مدرسة الكرملية في مجدليا قضاء زغرتا حول الشعارات الطائفية ومدى تأثيرها على الشباب.

في البداية كابروا وأكدوا أنهم لا طائفيين، هم في مدرسة مختلطة طائفياً ومناطقياً، يقولون إن الإدارة والأساتذة يفسرون لهم يومياً أهمية تقبل الآخر ولكنهم في النهاية اعترفوا بأن في داخلهم شيئاً من هذا القبيل بنسبة معينة. بين طالب وآخر تتراوح بين الابيض والاسود وصولاً الى كل الالوان «فالطائفية موجودة عبر الاذاعات والتلفزيونات، في البيت والشارع والحي» حسب مي التي رأت انه يجب إعادة النظر في الأسس التربوية للوصول الى لا عنف ولا طائفية. الطلاب يحب بعضهم بعضا داخل المدرسة وصداقاتهم متينة «أما في الخارج فالموضوع يستفد، لا سيما حين تُستعمل شعارات بغيضة» حسب نسرين. أكثر من ستين طالباً وطالبة في الصفوف الثانوية توزعوا على حلقتين استمعوا وناقشوا وأبدوا رأيهم وأجمعوا على أنهم يأسفون لقول وكتابة الشعارات التي تحرض على الطائفية ولكنهم مقتنعون بأنها قد تؤدي الى توترات محدودة ولكن ليس الى حرب أهلية.
«من رابع المستحيل ان ننخرط في حرب اهلية» تقول ماريا، مضيفة «أن مجتمعنا تربى على الطائفية وهذا غلط وعندما نتحدث تبدأ ترسبات ما تعلمناه في محيطنا من أشياء مغلوطة بالظهور تدريجياً الا انه كلما تعرفنا الى الآخر كلما ابتعدنا عن الطائفية».
اسئلة كثيرة، محرجة في قسم منها، طرحتها عليهم المدربة صفاء الضيقة ممثلة الفريق الوطني لتعلم اللاطائفية الذي تؤسسه الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية. صفاء اكتشفت حسبما أوضحت لنا أنهم ردوا «بصدق وصراحة وبتعاون تام وهذا يساعد على تقبلهم للموضوع» مشيرة الى انها تعتبر ان المدرسة كان لها الفضل في إبعاد شبح الطائفية عن الطلاب كونها تضم تلامذة من مختلف المناطق والطوائف. التدريب تخلله عرض لفيلم قصير يحكي بالصورة قصة الحروب وتعكس المشاهد طبيعة كل محارب والنتيجة السيئة للحرب ووقوع القتلى والجرحى ليختتم بإعلان كل فريق انه انتصر على غريمه... فيلم استفز الطلاب وترك أثراً كبيراً عليهم طبعاً مع بعض الاعتراضات القليلة من طلاب اعتبروا ان رؤية العنف تشجع على العنف فكان الرد من أصدقائهم أن رؤية العنف تجعل الانسان يشمئز من القتل ويعرف نتيجة الحرب مسبقاً.
يقول ذو الفقار ان والده أخبره ان الحرب بشعة لكنه عندما شاهد الفيلم اكتشف مدى هذه البشاعة فيرد مارون بأن الجيل الجديد قادر على التغيير شرط ان يعيد النظر في كثير من الامور.
من جهته عبد القادر أشار الى أن الفيلم دفعه للتعرف أكثر على الآخر من أجل بناء علاقة سليمة بين المسلم والمسيحي، فيما رأت فيه مروى أن الطائفية تؤدي الى حروب ودمار ويجب نبذها، فيما اعتبر لحود ان السلاح كل السلاح يجب أن يوجه باتجاه العدو ويجب ألا ننخرط في حرب أهلية مهما جرى. وحدها سالي لم تحب الفيلم معتبرة أن العنف يولد العنف وان المشاهد لن تؤخر أو تقدم بل يجب الاستفادة من تجربة لبنان الفريدة بتعدد طوائفه.
في الختام عاد الطلاب الى صفوفهم ليؤكد بعدها مدير المدرسة الأب ميشال حداد انه لا يخشى عليهم حتى من مجتمعهم الضيق، فالنواة التي تزرعها فيهم المدرسة حول أهمية تقبل الآخر واحترام رأيه لا بد أن تثمر، مشيراً الى انه رغم ما جرى من توترات أمنية خلال السنوات السابقة في المنطقة لم يتأثر الطلاب واستمروا في تعاونهم ومحبتهم بعضهم لبعض.
الجدير ذكره انه تم اختيار الكرملية لتجاوب الادارة ولكونها مدرسة تضم مختلف فئات المجتمع وطلاباً من مختلف الطوائف وهي ايضاً تضررت من العنف الهمجي خلال الحروب لكنها عادت صرحاً تربوياً جامعاً على تلة تشرف على زغرتا المارونية وطرابلس السنية وجبل محسن العلوي.
يذكر أن فريق الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية الذي ينفذ مشروعاً لتعليم اللاطائفية، قد درب 20 منشّطاً على مدى 12 لقاءً مكثفًا، حيث تعلّموا واختبروا 63 تمرينًا وتطبيقًا تربويًا للتنشئة اللاطائفية، وفي 2009 باشر معظمهم بنشاطات في مناطق ومؤسسات متنوعة لنقل هذه الخبرة وتوعية مئات المواطنين من سائر الأعمار على اللاطائفية في التربية والسلوك كما في القوانين والسياسة.

أهلنا النازحين إلى إسرائيل: من صارَعَ الحقّ صَرَعه

الياس بجاني

(وطنية- 27/3/2009 : "ولعل من المعيب أن ينطلق بين الفينة والأخرى من يسعى لتحرير العملاء واللصوص والمجرمين من قيود القانون ومستلزمات العدالة، وآخر هذه المحاولات جرت من خلال مشروع يقدم للمجلس النيابي للعفو عن رموز الجريمة والعمالة، ممن كانوا يد الاحتلال وعينه في احتلال أرض الوطن وقتل مواطنيهم وتدمير بلدهم، وزج الأحرار والشرفاء في المعتقلات وبؤر التعذيب المتعددة".) مقطع من الخطبة التي ألقاها العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، يوم الجمعة بتاريخ 27/3/09، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك.

أصابتني الدهشة والحيرة وحزنت جداً وأنا أقراً ما قاله العلامة، السيد محمد حسين فضل الله عن أهلنا النازحين إلى إسرائيل، دون أن يسميهم، وذلك تعليقاً على إقتراح قانون العفو العام الذي قدمه النائب أنطوان زهرا إلى مجلس النواب، لمنح عفو عام عن الجرائم المقترفة قبل 27 نيسان 2005.

نقول، وبراحة ضمير متناهية، أن أهلنا هؤلاء هم من أشرف الشرفاء، ومن أكثر اللبنانيين وطنية وإخلاصاً وتفانياً، وكل محنتهم ومأساتهم ناتجة عن عمق وتأصل حبهم لوطنهم، وتعلقهم بأرضهم، ورفضهم العيش إلا بكرامة وعزة.

هم ليسوا بحاجة لمنة من أحد ليعفوا عنهم، لأنهم لم يرتكبوا لا جرم الخيانة، ولا رجاسة العمالة، ولا باعوا أرضهم، ولا تاجروا بالمقاومة، ولم يعتدوا على أحد.

دافعوا ببسالة عن أنفسهم وأرضهم وأعراضهم، وهذا واجب مقدس وحق مشروع، ولم يخالفوا أياً من القوانين اللبنانية المرعية الشأن، ولا هم رفعوا في يوم من الأيام غير العلم اللبناني. وقد وقفوا طوال سنوات العزل والحصار والتخلي التي فرضت عليهم من قبل حكام دولتهم القابعين تحت نير الاحتلال الحقيقي، وقفة الأبطال في وجه كل جحافل المأجورين والأصوليين والغرباء والمرتزقة والإرهابيين وتجار التحرير، وقدموا من أبنائهم على مذبح أرض الجنوب الغالية ما يزيد عن 800 شهيد، بينما الغير، والذي يدعي البطولة اليوم، هلل لكل غريب وكل فاسق وكل تاجر، وكل من عمل ضد وطنه تحت أية راية أو أيديولوجية، وبهدف نحر الوطن وقتل أحلام أبنائه ولم يستح بعد لا بالشعارات ولا بالأعلام ولا بالحروب التي شنوها، ولا يزالون على كل من تجرأ على مواجهتهم بالحقيقة.

أهلنا الأحرار والسياديين والأتقياء هؤلاء نزحوا مجبرين إلى إسرائيل سنة 2000 لا خوفاً على حياتهم وحياة أطفالهم، بل لوقف مهزلة التقاتل بين اللبنانيين التي أرادها ولا يزال بعض قصيري النظر من أمثال ذلك الذي هدد علانية بالدخول إلى مخادعهم، وبقر بطونهم، وقطع أعناقهم، والتي لم تكن بالسهولة التي اعتقد وهو ذاقها بالتأكيد.

منسيون هم من قبل الغالبية العظمى من القيادات اللبنانية الزمنية والروحية على حد سواء، علماً أنهم ينتمون إلى كل الطوائف اللبنانية، ولا يمكن لأحد، مهما علا شأنه، أن يتنكر لما قدموه لوطن تخلت عنهم حكوماته طوال ثلاثة عقود من الزمن.

وهنا تجدر الاشارة إلى أن زعماء ورجال دين يعرفهم جيدا العلامة فضل الله كانوا شجعوا الجنوبيين على التعاون مع الاسرائيليين بقولهم لأبناء إحدى القرى الشيعية الذين سألوا عن البوابة التي فتحت على الجدار القريب من قريتهم "إن أغلق الاسرائيليون البوابة اقفذوا فوق الشريط"

نسأل من يتهم أهلنا هؤلاء بالعمالة والخيانة أن يحدد للبنانيين وللعالم، المعايير الوطنية والقانونية والأخلاقية والدينية التي يستند إليها في اتهاماته الباطلة هذه، ونحن سنكون أول من يرتضي بتطبيقها على الجميع دون استثناء.

مما لا شك فيه أنه في حال استعمل معيار وميزان واحد للعمالة والخيانة، وطبق بعدل وإنصاف على الجميع، فإن أهلنا النازحين إلى إسرائيل سيكرمون وتقدم لهم دروع البطولة وتقام لشهدائهم التماثيل والنصب التذكارية!! وليس كما حدث يوم دخلت جحافل الحقد حيث أفرغت حقدها بنصب الشهداء وتماثيلهم.

حرام، وألف حرام أن تعامل شريحة من شعبنا اللبناني بهذه القساوة، وبهذا الظلم، وبهذا الكم من التجني والافتراء والتنكر.

فحتى سجن الخيام "الفزاعة" الذي فُبركت حوله الأكاذيب والروايات، هو مقارنة مع كل السجون اللبنانية والعربية والشرق أوسطية، وحتى العالمية التي تتعاطى مع الارهابيين، فندق بسبعة نجوم.

نسأل أين هي سجون حزب الله، ومن هو الذي يعرف ماذا يجري في أقبيتها، ومن هم نزلائها؟ وماذا عن سجون الشقيقة والجارة!! معيب هذا التعامي عن الحقائق.

إلى كل من يتجبر، ويعاند، ويكابر، ويصدر الأحكام والإتهامات دون وجه حق، ويصنف الناس طبقاً لمفاهيمه ومعتقداته، وفي نفس الوقت ينادي بالتعايش، والسلام، والأخوة، وبمبدأ قبول الآخر، نقول خافوا الله، فهو عز جلاله، لا يقبل بالظلم، ولا يرضى عن الظالمين والمفترين.

لكل القادة الروحيين والزمنيين في لبنان الذين يقيسون الأمور بمقاييسهم الخاصة، ويصدرون الأحكام طبقاً لمعاييرهم الذاتية والعقائدية، نقول وبمحبة وصدق، إن أردتم أن يحترم الغير أبطالكم وشهداءكم وخصوصياتكم وثقافتكم، احترموا أنتم بدوركم أبطال وشهداء وخصوصيات وثقافات ومعتقدات وطقوس الغير، وتذكروا أن أهلنا النازحين إلى إسرائيل بنظر شريحة كبيرة من اللبنانيين، ونحن بافتخار في مقدمتهم، هم أبطال وشرفاء وأصحاب حق وحاملي قضية.

وللأحباء من السياسيين الذين يتحاشون الدفاع عن إهلنا في الجنوب خوفا من الفجّار نقول إن الفجور يسيطر على الساحة لأنكم لا تردعونه وهو سيقف عند حده يوم تقولون كلكم بصراحة أين هو الحق وأين هو الباطل.

وعن تهمة التعامل مع إسرائيل "الجاهزة"، التي ترمى جزافاً هنا وهناك، نقول للجميع ما قاله السيد المسيح للكتية والفريسيين والعشارين والمرائين للذين كانوا يريدون رجم مريم المجدلية: "من كان منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر".

ومن كان في لبنان، كل لبنان، من القيادات والأحزاب كافة، سجله دون اتصال أو تعامل أو علاقة أو تعاون مع إسرائيل وغير إسرائيل، أو زيارة لها، فليرمي أهلنا الأبطال بتهمة!!.

إن أهلنا في إسرائيل مستعدون لتحمل الكأس عن كل الوطن كما فعلوا يوم كانت جحافل المنظمات وجيوش الاحتلال تعيث بالوطن خرابا، ولكن فليتوقف من بيوتهم من زجاج عن رمي الحجارة كيما اتفق لأنه للصبر حدود.

نختم بقول الإمام علي: "ليكن أمرُ الناس عندك في الحق سواء. من تعدّى الحقّ ضاع مذهبُه. من صارَعَ الحقّ صَرَعه".

ما السر وراء رفض عباس القبول بـ 93% من أراضي الضفة..؟

محمد داود

كثرة التصريحات في الآونة الأخيرة عن رفض الرئيس عباس العرض الإسرائيلي حول نية إسرائيل التنازل عن 93% من أراضي الضفة الغربية، بما فيها أحياء من القدس الشرقية .بمعنى الانسحاب من 93% من مناطق الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وتسليمها للسلطة الفلسطينية.

وهذا العرض ليس بالأول، فقد عرض أيهود باراك أكثر من هذا العرض إبان توليه منصب رئاسة الحكومة، عندما بدأت مفاوضات الوضع النهائي في كامب ديفيد، والتي فشلت بسبب رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والعودة إلى حدود سنة 1967، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في عودة اللاجئين واتخاذ القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة. إذ أصرت إسرائيل على التخلي عن حق العودة واقترحت تعويض اللاجئين مالياً من خلال صندوق دولي تؤخذ أمواله من عرب الخليج وزيادة على ذلك اقترحت أن يعوض اليهود الذين قدموا من الدول العربية إلى إسرائيل من الصندوق نفسه، وقدرت قيمة هذه التعويضات بخمسة عشر مليار دولار كما أقرت الوثائق الإسرائيلية بأنها ستسمح بعودة عشرة الاف لاجئ فلسطيني فقط على مدار خمسة عشرة عاماً، وباسم لم شمل العائلات، أما من تبقى من خمسة ملايين لاجئ فيعوضوا ويتم توطينهم في البلدان التي هاجروا إليها، كما يسجل بشأن موقف إسرائيل من قضية اللاجئين أنها تنصلت من أية مسؤولية لها عن النكبة.

رفض الرئيس الراحل عرفات بشدة هذا العرض السخي، من وجهة نظر إسرائيل جملةً وتفصيلا ودعا لتصعيد المقاومة، وبدأت الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية والعربية، تنهال عليه؛ انتهت فصولها بتصفية عرفات جسدياً، وإعادة احتلال أراضي الضفة الغربية وبناء الجدار العازل، وفرض واقع جغرافي وديمغرافي جديد.

الرئيس عباس اليوم هو أمام نفس النسخة من العرض الإسرائيلي، رغم ذلك رفض عباس الخوض في هذه المغامرة الجديدة القديمة، بعد أن أدخلت إسرائيل مقترحات جديدة وخطيرة، تحتاج إلى موقف شعبي وفصائلي، لأنها قضايا مصيرية وتستوجب الإجماع الوطني عليها وتحتاج إلى مصالحة وموقف "م.ت.ف" كونها الجهة المخولة في الخوض في غمار المفاوضات ولكن بعد دخول الفصائل الرافضة لمشروع أوسلو وعلى رأسها حركتي"حماس والجهاد".

من هذه القضايا إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، والخلاص من فلسطينيين الداخل "عرب الـ 48"، الذين أصبحوا في نظر إسرائيل القنبلة الديمغرافية المستقبلية، وذلك بترحيلهم إلى الكيان الفلسطيني أي حل الدولتين ويهودية الدولة مثلما تحدثت عنها ليفني وباركها بوش في وقت سابق.

إن الهدف الإسرائيلي يصب أكثر من أي وقت مضى على ضرورة الخلاص من فلسطيني الـ 48، وما الإجراءات القمعية التي يتعرض لها أهلنا في أم الفحم وغيرها من المدن والقرى الداخل على يد قطعان المستوطنين إلا جزء من سياسة إسرائيلية هادفة إلى طرد شعبنا الصامد في الداخل، "واعتبارهم عقدة الحل" في لحظة ينشغل الفلسطينيون حول السبل الكفيلة نحو المصالحة الوطنية، وينشغل باقي الفصائل في دراسة المقترح الإسرائيلي حول عدد الأسرى ونوعيتهم، بينما ينشغل العالم العربي حول كيفية إنجاح المصالحة الفلسطينية، أم المواطن الفلسطيني لايزال يبحث عن كيفية الحصول على غذائه ومقتضيات الحياة في ظل الحصار والإغلاق؛ منتظراً لحظة الأعمار، لما دمرته الحرب الأخيرة.

كاتب وباحث

الادارة . . مبادىء ومفاهيم ورؤية

د. اميل قسطندي خوري

لقد كان تطوير نظرية الادارة theory of management واختلاق مبادىء راسخة تضبطها في قوالب واطر سليمة مبنية على اسس علمية ومعايير عالمية، مجالا للبحث المتواصل والدراسة المستفيضة على مدار السنين. ومن الباحثين والصناعيين المعروفين والمدراء المخضرمين الذين كانت لهم الخبرة الواسعة والباع الطويل في مجالات الادارة الانتاجية والتجارية والصناعية وغيرها، نذكر منهم على سبيل المثال هنري فايول، شيستر بارنارد، الفين براون، فريدريك تايلور، بيتر دركر، اوليفر شيلدون، وهنري دنيسون. تعرف الادارة بانها هي المهمة التي تعنى بتحقيق اهداف معينة ومحددة للمؤسسة/للشركة من خلال اشخاص (اي الموظفين) يعملون ويتعاونون ويتواصلون ويتفاعلون بعضهم مع بعض في مجموعات منظمة organized groups من اجل الوصول الى هذه الاهداف. وقد تاخذ هذه الاهداف اشكالا متعددة حسب رؤية المؤسسة/الشركة او رسالتها التي قامت من اجلها او الاتجاه الاستراتيجي الذي رسمته لها في مجتمع الاعمال business society كتحقيق الربح او تعظيم ايراداتها maximization profit او رفع نسبة حصتها السوقية market share او زيادة حجم مبيعاتها او تحسين مستوى خدماتها او توسيع رقعة مشاريعها الاستثمارية (اذا كانت الشركة ذات توجه ربحي) او خدمة شرائح معينة من المجتمع (اذا كانت المؤسسة ذات توجه غير ربحي) مثل المؤسسات غير الحكومية (NGOs) والتي تعنى مثلا بتقديم خدمات خيرية جليلة ذات طابع انساني اواجتماعي او مجتمعي humanitarian, social, or civic services تهدف الى تحسين ورفع سوية تركيبة النسيج المجتمعي composition of societal fabric.
وفيما يتعلق بالمزايا الشخصية للمسؤولين الاداريين، يقول هنري فايول في كتابه المعروف الادارة الصناعية والعامة general and industrial administration الذي نشر عام 1949، انه يجب ان تتوفر في هؤلاء الاشخاص صفات مميزة وفريدة تتلخص في القدرات الجسدية physical abilities مثل الصحة الجيدة والقوة البدنية، والقدرات الذهنية mental abilities مثل القدرة على الاستيعاب والتعلم والتكيف والحكم الحصيف على الامور، والقدرات الاخلاقية moral abilities مثل الرغبة في تحمل المسؤولية، الى غيرها من ميزات وقدرات اخرى كالتحصيل العلمي total educational level والمهارات التقنية technical skills والخبرات المهنية professional experiences. ومن خلال خبرته الادارية في مجال الاعمال، يضيف فايول ان هناك خمس وظائف ادارية اساسية (وهي ما يسميها فايول عناصر الادارة elements of management وهي التخطيط والتنظيم واصدار الاوامر والتنسيق والتحكم/السيطرةplanning, organizing, commanding, coordinating, and controlling.. فالمدير مثلا هو الشخص المسؤول في المقام الاول عن تخطيط عمل ومهمات وواجبات الموظفين والمرؤوسين، وهو الذي يقوم بدور التنسيق بينهم، وهو الذي يقوم باختيارهم وتوظيفهم وتعيينهم في الشاغر المناسب، وهو الذي يقوم بتاهيلهم وتدريبهم مهنيا وتقنيا، وهو الذي يقوم بتوجيه التعليمات واصدار الاوامر لهم، وهو الذي يقوم بمراقبة عملهم ومتابعة انجازاتهم، وهو الذي يقوم بتقييم ادائهم الوظيفي وقياس النتائج الفعلية لمجمل انشطتهم العملية ومن ثم مقارنتها بالاهداف المنشودة حسب الخطط المرسومة والمعايير المحددة من قبل المؤسسة/الشركة، وهو الذي يقوم ايضا بتصحيح اية انحرافات سلوكية مهنية كانت ام شخصية تكون خارجة عن المسار الصحيح لحيثييات او متطلبات العمل، او قد تكون غير ملتزمة الالتزام الكلي المطلوب بالميثاق المؤسسي لاخلاقيات العمل corporate code of ethics وذلك من خلال اعطاء الارشادات والتعليمات اللازمة لهم لكي يتمكنوا من تنفيذ ما هومطلوب منهم تنفيذا دقيقا وسليما ضمن اطار استراتيجيات وبرامج واهداف العمل الموضوعة.
وقد قام فايول بوضع مجموعة من المباديء الاساسية لنظرية الادارة، نذكر منها على سبيل المثال ان الوظائف يجب ان يتم تقسيمها حسب التخصص العملي work specialization مما يؤدي بالنتيجة الى تحقيق كفاءة اكبر في استخدام العمالة utilization of efficient labor وان السلطة الادارية للمدير هي مزيج من مكونين رئيسيين: الاول يتمثل في مركز المدير الوظيفي الرسمي job position officialوالثاني يتعلق بالوضع الشخصي للمدير personal status كخبرته العملية مثلا، وان على المدير ان يحصل على الولاء المؤسسي للموظفين وحبهم للعمل والتزامهم به organizational loyalty and commitment من خلال التعامل معهم بلطف وعدالة kindliness and fairness. ومن اكثر المباديء الرئيسية التي شدد على اهميتها فايول هي الحاجة الماسة الى العمل الجماعي team workومدى اهمية التواصل الفعالeffective communication في الحصول على اقصى درجات التعاون بين افراد المجموعة. كذلك ركزفايول على نقطة عظيمة الاهمية وهي ان المباديء الاساسية للادارة يمكن استخدامها وتطبيقها في جميع النشاطات الاجتماعية ابتداء من ابسط الاعمال الفردية وانتهاء بعمل اكبر المؤسسات او الشركات، اذ انها تدعو جميعها الى افضل سبل التعاون المشترك. اما شيلدون فهو يعتقد ان الادارة تشمل مبادىء مهمة مثل تحديد سياسات المؤسسة/الشركة، وتنفيذ هذه السياسات، وتنسيق الوظائف. اما دنيسون فقد قام بتطوير مبادىء ومفاهيم ذات قيمة عالية في النظام المؤسسي للشركات، نذكر منها مثلا تحفيز الموظف employee motivation والعمل الجماعي. اما موني ورايلي فقد قاما باضافة مباديء ومفاهيم اخرى الى المنظومة الادارية، نذكر منها على سبيل المثال مبدأ التنسيق the principle of coordination ومفهوم الوظائفيه functionalism ومفهوم الصلاحيات الادارية managerial authority والتي يصفها موني بانها قدرة الشخص او المسؤول الاداري على التنسيق the power or ability to coordinate. اما شيستر بارنارد فقد جاء هو ايضا بمبادىء ومفاهيم شديدة الحساسية كانت لها مساهمات كبيرة في تطوير نظرية الادارة. ففي كتابه الشهير وظائف المسؤول التنفيذي the functions of the executive الذي نشر عام 1938، ركز بارنارد على ثلاثة مفاهيم ادارية رفيعة المستوى وهي القيادة leadership والتواصل مع الاخرين communication وتعاون المجموعة group cooperation. وفيما يخص اللامركزية decentralization في الادارة وعملية صنع القرار decision-making process يقول دركر ان اللامركزية تتحلى بحسنات عديدة، نذكر منها مثلا السرعة في صنع القرار وغياب النزاعات او الخلافات بين الادارة المركزية العليا ورؤساء الاقسام absence of conflict between senior central management and division heads.
هناك امور حساسة ومهمة جدا يتوجب على المسؤول التنفيذي اما ان يتجنبها او ان يحرص على الاهتمام بها. فمن الامور التي يجب على المدير ان يتجنبها مثلا التصلب في الرأي لا سيما اذا كان يعلم انه فعلا على خطأ، وان لا يتناسى ابدا حقيقة بديهية واساسية وهي ان نجاحه في موقعه المؤسسي يعتمد بالدرجة الاولى على موظفيه ومرؤوسيه الذين يشكلون بالنسبة اليه مصدر ونبع المعلومات التي يحتاجها باستمرار لانجاح مهامه التنفيذية وعمله الاداري. كذلك يجب على المدير ان يقف على مسافة شاسعة عما يسميه بيتر دركر الغرور الاداري managerial ego اذ ان التعنت الاصم والتشبث الاعمى بهذا المفهوم السلبي ممكن ان يؤدي بالمؤسسة/الشركة الى الفشل الذريع في تحقيق مصالحها واهدافها الاستراتيجية مما قد يلحق بها اضرارا فادحة هي في غنى عنها، كأن يصل بها الحال مثلا الى اعلان افلاسها او الخروج من سوق الاعمال بشكل قسري وبصورة نهائية. ومن الامور شديدة الحساسية التي يجب على المدير ان يبتعد كل البعد عن القيام بها اجراء اية تغييرات او تعديلات مؤسسية organizational changes or modifications دون المراعاة التامة لمصالح الموظفين الذين قد يتاثرون سلبا بمثل هذه الاجراءات، وان لا يقوم بتكليف الموظفين اية مهام بعيدة عن او خارج دائرة اهتماماتهم الوظيفية، وان لا يوكل الى مرؤوسيه subordinate managersاية صلاحيات ادارية delegation of authority قد تكون خارج مدى قدراتهم الاشرافية او نطاق امكانياتهم التنفيذية او اكبر من حجم معرفتهم التقنية supervisory skills or technical know-how . ومن بوتقة الامور المهمة التي يتوجب على المسؤول الاداري ان يعمل على تعزيزها والحرص على الاهتمام بها، نذكر مثلا انه يجب على المدير ان يبني ويقوي علاقاته العامة relations public داخل وخارج مكان العمل، وان يقدم كل مساعدة ممكنة مهنية كانت ام عملية لموظفيه ومرؤوسيه حتى يتسنى لهم تأدية عملهم على اكمل وجه، وان يولي اهتماما خاصا بالمميزين والبارزين منهم كل في مجال عمله او تخصصه المهني، وان يحاول ان يتفهم مشاكلهم الشخصية والعائلية، اذ ان الروابط الاسرية لها النصيب الاكبر في التاثير المباشر على حالتهم النفسية، الامر الذي من شانه ان يؤثر سلبا على كفاءتهم المهنية او نوعية ادائهم الوظيفي او مستوى عطاؤهم في مكان العمل. كذلك على المدير ان يحترم الموظفين ويعترف باهميتهم ويثمن جهودهم لما لهذا الادراك الحسي من اهمية كبرى ليس فقط في تحسين الاداء المهني ورفع معدلات الانتاجية بل ايضا في الحصول على ولاء وظيفي اعظم للمؤسسة/الشركة، وان يعمل على تحسين مهاراتهم المهنية والتقنية من خلال اتاحة كل الفرص الممكنة لتعليمهم وتدريبهم مما يساهم في تحقيق مستويات انتاجية اعلى، وان يعمل على تنشيط الموظفين وشحن طاقاتهم ورفع معنوياتهم حرصا على ان لا يصابوا بحالة من الكسل او الجمود او القصور الذاتي organizational inertia وذلك منعا للترهل الوظيفي، وان يستخدم اسلوب الاقناع بدلا من اصدار الاوامر لهم من خلال التواصل الفعال معهم سواء في ارسال الارشادات او اعطاء التعليمات او مناقشة افكار جديدة او ابداء مقترحات مفيدة قد تساهم في تحسين مستوى عملهم او رفع سوية اداؤهم الوظيفي. كذلك على المدير ان يعمل على اشراك الموظفين active involvement employee في المناقشات والتحليلات الادارية للمؤسسة/الشركةmanagement discussions and analyses كيفما امكن، الامر الذي من شانه ان يساعدهم على فهم اكبر لمجريات امورها وتقدير اوفى لمجمل احوالها واوضاعها وشؤونها. فعلى سبيل المثال، عندما يتمكن الموظفون والمرؤوسون من فهم كيفية سير المؤسسة/الشركة او الى اين تتجه في بيئة الاعمال business environment او ماهية الحقيقة الفعلية لوضعها المالي او السوقي او التنافسي financial standing or market/competitive position فان هذا بلا شك سوف يساعدهم على ادراك اعمق لحجم مسؤولياتهم المؤسسية وحساسية دورهم الوظيفي في تحديد مستقبلها وتوجهها الاستراتيجي واهمية مشاركتهم الفاعلة في ترسيم حدودها على خريطة بيئة الاعمال، ناهيك عن تحمسهم واندفاعهم الشديدين لاداء عملهم على نحو افضل، خصوصا اذا كانت معطيات المؤسسة/الشركة توحي بانها في طور نمو وازدهار او ترتقي من نجاح الى نجاح اكبر او تتقدم الى الامام بوتيرة اسرع. كذلك على المدير ان يستخدم معيار او نظام معين لقياس اداء الموظفين a gauge for measuring performance ومن ثم القيام بضبط نظام المكافئات system performance-based rewards على اساس التفريق بين مستويات الاداء المميز من العادي او الضعيف او الواعد الخ، فان وجود مثل هذه المعايير او الانظمة كم له من دور مهم وحيوي في متابعة وتصنيف نوعية اداء الموظفين، وبالتالي العمل على تحسينه اينما لزم الامر. وبيد ان هناك من يعتقد ان الادارة هي علم بحد ذاته، فان هناك ايضا من يعتقد ان الادارة هي فن، وان العلم والفن (في سياق مفهوم او منظومة الادارة) ليسا منفصلين بل مكملين لبعضهما البعض. فعلى سبيل المثال، يقول فايول في كتابه مباديء الادارة العلمية principles of scientific management الذي نشر عام 1913، ان الادارة هي علم يرتكز على مباديء ونظم وقوانين واضحة ومحددة. اما بارنارد فهو يرى ان الادارة هي فن انطلاقا من اعتقاده ان التكنولوجيا العملية practical technology ممكن لها ان تصبح فنا تطبيقيا applied art من خلال ما يسميه المعرفة السلوكية behavioral knowledge. فالفن (يضيف بارنارد) سواء كان طب او موسيقى او هندسة او ادارة، هو من اكثر ابداعات السعي الانساني الذي تكمن مهمته الرئيسية في ايجاد استعمالات مفيدة للمعرفة العلمية.
ومن خلال خبراتي الشخصية في مجالات الادارة العليا والتسويق الاستراتيحي والمبيعات الاقليمية وتدريب الموارد البشرية، فانني وفي رأيي المتواضع ارى ان الادارة هي عملية شبيهة وقريبة من علم الاقتصاد، ولا عجب في ذلك اذ ان الاثنين يعتبران من فصيلة العلوم الاجتماعية. فكما ان الاقتصاد يقوم على خلق التوازنات المطلوبة بين الاطراف ذات العلاقة (كرفع نسبة الفائدة مثلا لاحتواء التضخم وذلك من خلال العمل على تخفيض معدلات الطلب على القروض/التسهيلات المصرفية، وبالتالي تقليص نسب الانفاق الاستهلاكي والاستثماري مما قد يساعد على تراجع المستوى العام الاسعار)، هكذا هي الادارة. فالادارة في نظري عبارة عن موقف محدد يستطيع ان يقف من خلاله المسؤول التنفيذي الاعلى top-echelon executive على مسافة متوازنة من ثلاثي زوايا او كيان المثلث المؤسسي organizational entity trio بحيث يكون بامكانه:1)) تحقيق الاهداف الكلية للمؤسسة/الشركة (كتحقيق مستوى اعلى من الارباح او المبيعات مثلا) بالشكل الذي يرضى عنه المالك الفردي او الشركاء او المستثمرين فيها،)2) المضي قدما بها الى المزيد من التقدم والنجاح والاستمرارية مما يجعل اعضاء مجلس الادارة راضين عن الاداء الاجمالي لعملياتها المؤسسية، (3) انجاح عمل ومهمات الموظفين على النحو الذي يجعلهم يشعرون بالفخر والرضى عما قدموه من انجازات لصاحب العمل. وبهذا تكون قوى او عناصر الاداره التنفيذية العليا senior management force قد قامت فعلا بتحقيق المصلحة العامة general goodwill لجميع الاطراف المعنية، بحيث تكون كلها قد خرجت من دائرة صراع الاعمال ومعضلة التوازنات المؤسسية الشائكة وحلقات شد الحبل اللامنتهية راضية كل الرضى عن مجمل الاداء العام للمؤسسة/الشركة performance overall corporateوالنتائج التي استطاعت ان تحققها خلال مسيرتها المهنية والعملية.

----------------------
د. اميل قسطندي خوري
dekh@myway.com

في ذكرى يوم الأرض ......تضيع الأرض


راسم عبيدات
......تأتي الذكرى الثالثة والثلاثون ليوم الأرض الخالد،تلك الذكرى التي هبت فيها جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل- مناطق 48 – للدفاع عن أرضها ووجودها في وجه الأطماع الإسرائيلية التي تستهدف وجودهم وأرضهم،ولكي تثبت تلك الجماهير التي عمدت ذلك اليوم بالدماء والتضحيات أنها مهما استخدم المحتلون من وسائل وأساليب لطردهم وتهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم،فهي لن تفلح أبداً بذلك،فهناك شعب يمتلك الإرادة والتصميم للبقاء ولن يتشرد ثانية في منافي اللجوء والشتات.
همّ شعبنا واحد،ومصير شعبنا واحد وان اختلفت الأولويات والاستهداف واحد أيضاً،فبالقدر التي تستهدف فيه يافا وحيفا واللد وأم الفحم،بالقدر التي تستهدف فيه القدس ونابلس والخليل وسلوان وغيرها،فهذا عدو يبني وجوده ومشروعه على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وجوده،ولكن هذا الشعب منغرس في أرض ومصمم على الدفاع عنها،فهو جذوره ضاربة وممتدة عميقاً في هذه الأرض وتمتد إلى ألاف السنين،ولن تجدي معه نفعاً مقولات " شعب بلا أرض وأرض بلا شعب"،وسيبقى يدق ويقلق مضاجع الإسرائيليين في منامهم وأحلامهم وكوابيسهم..
هذا الشعب فشلت كل الوسائل والأساليب لتطويعه وطرده وتهجيره،ويثبت كل يوم بأنه يجترح المعجزات في الصمود والبقاء،هذا الصمود والتشبث بالبقاء،دفع كل صناع القرار الإسرائيلي للبحث عن كل الخطط والبرامج المشروعة وغير المشروعة،ليس التي تحد فقط من الوجود العربي الفلسطيني في مناطق 48،بل ممكنات الطرد والتهجير القسري،حيث نشهد مؤخراً وفي ظل تجذر وتعمق العنصرية والفاشية في المجتمع الإسرائيلي،قيام المستوطنين بحملات من العربدة والزعرنة المنظمة تجاه الوجود الفلسطيني هناك،والجميع يذكر تلك العربدة في شوارع وأزقة مدينة عكا،ومحاولات المستوطنين مؤخراً للعربدة والزعرنة في مدينة أم الفحم،تلك الزعرنات والعربدات التي تصدت لها جماهير شعبنا الفلسطيني،مثبتة وملقنة إياها الدروس بأن أم الفحم عصية على الكسر،وعجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء،ولن ترهب أو تخاف جماهير شعبنا ويتركوا أرضهم لقمة صائغة لأوباش المستوطنين..
في الوقت الذي يزداد فيه الاحتلال تغولاً وتوحشاً،ويشن فيه حملة وحرباً شاملتين ومفتوحتين على شعبنا الفلسطيني،فإن شعبنا الفلسطيني في نفس الوقت يضرب أروع الأمثلة في الصمود والتضحية والتشبث بالبقاء،صمود تجسد بشكل لافت للنظر في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة واستخدمت فيها كل أشكال وأنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً،وجدنا أن قيادات هذا الشعب وفي ظل اشتداد الهجمة عليه،تقتل على وهم سلطة مجردة من الصلاحيات ولا تمتلك أدنى مقومات السيطرة،بل وتمعن في تجاوز كل ما كنا نعتبره خطوط حمراء لا يجرؤ أي فلسطيني على تجاوزها،هذه الهجمة التي تتكثف وتتصاعد بفعل حالة الانقسام والانفصال الفلسطيني،حيث هذه الحالة هي التي تشجع الاحتلال الإسرائيلي وتفتح شهيته على المزيد من التوسع والاستيطان،وإخراج مشاريع التهجير والتطهير العرقي إلى حيز الوجود والتنفيذ،فها هي القدس تشن عليها حملة شاملة ومفتوحة،ولم تعد مسائل الترحيل والطرد وهدم البيوت فردية،بل أصبحت جماعية وتطال أحياء بأكملها،فمن حي البستان في سلوان والذي وجهت فيه إخطارات لهدم أكثر من 88 بيت فلسطيني يسكنها أكثر من 1500 شخص،إلى حي رأس خميس في شعفاط وإخطارات بهدم 55 بيت فلسطيني،الى الطور وبيت حنينا وشعفاط والمكبر وصورباهر وأم طوبا وعشرات أوامر الهدم،والشروع في إقامة أحياء استيطانية جديدة في الشيخ جراح وسلوان وغيرها،واستكمال إجراءات عزل وفصل مدينة القدس جغرافياً وديمغرافياً عن محيطها الفلسطيني،حيث صودر أكثر من 30 دونم من أراضي شعفاط من أجل توسيع الحاجز العسكري المقام على مدخل مخيم شعفاط وبلدة عناتا،ومصادرة أكثر من 3500 دونم في المنطقة المسماة E1الواقعة إلى الشرق من بلدتي أبو ديس والعيزرية من أجل إقامة مدينة استيطانية عليها،وبما يحكم إغلاق القدس وإحاطتها إحاطة السوار بالمعصم بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري،وبما يفصل شمال الضفة عن جنوبها ويلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والوجود.
في ظل تشكل حكومة يمينية مغرقة في التطرف والعنصرية في إسرائيل وتسييد وجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من العنصرية والكره والحقد لكل ما هو عربي وفلسطيني،فالمتوقع لهذه الهجمة الاستيطانية أن تتصاعد وتتكثف،وخصوصاً أن الاستيطان في الضفة الغربية منذ ما يسمى بمؤتمر أنابولس للسلام وحتى اللحظة الراهنة زاد بنسبة 173%،ويجري التخطيط من أجل إقامة 73000 وحدة سكنية للمستوطنين في الضفة الغربية،من أجل تغير الطابع الديمغرافي فيها،أي زيادة نسبة المستوطنين فيها عن عدد السكان العرب الفلسطينيين.
وكل هذه المخططات تثبت أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمختلف تلاوينها وتسمياتها،إن اختلفت في التفاصيل والجزئيات والهوامش والنبرة واللغة،فهي متفقة في الاستراتيجي،وهو مواصلة الاستيطان والأسرلة والتهويد،بينما نحن نتلهى في مفاوضات عبثية عقيمة،أصبحت تستغل كغطاء لمواصلة إسرائيل لممارساتها وإجراءاتها القمعية والاذلالية بحق شعبنا الفلسطيني.
اذاً في ذكرى يوم الأرض الخالد،والذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية،ويجري نهبها ومصادرتها والاستيلاء عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها،فلا بد من خطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكن من الدفاع عن هذه الأراضي وحمايتها،واستخدام وسائل المقاومة بكل أشكالها وتسمياتها بدءاً من وقف المفاوضات العبثية وربط استئنافها بالتوقف الكلي للاستيطان في الضفة والقدس بكل أشكاله ومسمياته،والنضالات الشعبية والجماهيرية كما هو الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري،حيث بلعين ونعلين والمعصرة وأم سلمة وجيوس ضربت أروع الأمثلة في هذه المقاومة الشعبية،والتي يجب أن تتطور وتتوسع وتمتد لتشمل كل قرى ومدن فلسطين،فما عاد الشجب والاستنكار والبيان من الوسائل الفعالة في ردع ووقف غول الاستيطان،هذا الغول الذي يبتلع كل شيء له علاقة بالوطن،لا الاستجداء بالمفاوضات يوقفه ولا الاستجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت الأبيض وعواصم أوروبا الغربية،وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة "والهوبرات" الاعلامية والتصوير أمام الكاميرات وفي الفضائيات بل ما يوقفه هو وحدتنا وانهاء انقسامنا ونضال جاد وحقيقي،وخطوة عملية في هذا الجانب أفضل من مليون شعار.

القدس- فلسطين
Quds.45@gmail.com


كيف يكون المرء حرا؟

زهير الخويلدي

"الحرية لا تعطى بل تفتك"

يرى البعض أن هناك تناقض حاد بين وجود الإنسان وماهية الحرية ونداء بين وجود الحرية وماهية الإنسان ويفسر ذلك بأن الحرية تستوجب القيام بفعل دون إكراه وغياب الضغط بينما يواجه الإنسان في اندراجه في العالم العديد من التضييقات وتعتصره عدة الزامات وتظل الحرية بالنسبة إليه مطلبا عصيا ومثلا أعلى لا قبل له فردا أو جماعة، وكلما تقدم به الزمن ومضى في الحياة إلا وازداد تعلقه بهذا الوهم وازدادت رغبته في الدنو من هذه القيمة الجميلة ولكن كل ما يفعله هو الغربة عنها والمزيد من الابتعاد عن جوهرها.

إن نموذج الفرد الحقيقي هو الإنسان الحر والذات المستقلة والشخصية المختلفة والإنية المتفردة وكلها صفات إنسية نبيلة تدل على الدرجة الرفيعة التي ينبغي أن يتبوأها هذا الكائن الرسالي والموجود الوسائطي بين عالم البهموت الداني وعالم الملكوت السامي. إن الحرية هي قيمة القيم والرهان الأكبر لأن إتلاف الطريق المؤدي إليها هو الخسران الأكبر.

عما تسائلنا الحرية عندئذ؟ وهل يحتاج الإنسان لمعرفة حدها من أجل أن ينشدها؟

إنها عزم على الوجود بغير تحفظ وقدرة على التحديد الذاتي وتجاوز كل القيود والانتصار على السائد وليست مجرد حرية اختيار بين ممكنات شتى أو فعل المرء لما يحلو له. إن معوقات الحرية كثر وأهمها المجتمع والطبيعة والاقتصاد والسياسة والثقافة ونقيضها هي العبودية والاغتراب والحيوانية.

هناك طريقان لتحصيل قبس من الحرية: الأول هو الطريق السلبي ويتمثل في حسن التعامل مع نقيضها وهي العبودية والحتمية والضرورة وقد اشتهرت مقولتين في هذا السياق هما الحرية وعي الضرورة والمقولة هي أن الضرورة تظل عمياء ما لم يوجد من يفهمها، نستخلص من هاتين القولتين أن التحرر من أسر الضرورة ممكن شرط أن يفهم الإنسان القانون الذي يتحكم فيه ويطوعه لنفسه.

الطريق الثاني هو الطريق الايجابي الاثباتي وهو أن يصادر الإنسان أن الحرية هي الوضع الأصلي ,انه حكم عليه أن يكون حرا لأن وجوده يسبق ماهيته ولذلك ينبغي أن يتحمل مسؤولية مصيره بنفسه لأن ما سيكون عليه هو وليد قراراته واختياراته.

بيد أن البعض من الفلاسفة يوحدون بين الطريقين السلبي والايجابي في مشروع واحد هو مشروع التجاوز والانتصار على الذات والارتقاء الى درجة الوجود الأشرف في مسار كينوني متكامل وأصيل.

خلاصة القول أن الحرية منظومة شاملة تضم الحريات السياسية في مواجهة غطرسة الدولة والحريات الفردية في مواحهة انغلاق المجتمع والأحزاب وهيئات المجتمع المدني وحرية المعتقد واقامة الشعائر الدينية في كنف التسامح والاعتدال في الملكية وتنقل فرص الاستثمار وحرية التفكير والنقد ضد التزمت الثقافي والتحجر العقائدي. هكذا ننتهي إلى الإقرار بأن الحرية ليست بالأمر المستحيل ولا يوجد تناقض بين الإسلام وهذه القيمة طالما أنه دين الحرية بامتياز يبدأ بقول اللا ويثور على كل أشكل الاستغلال والزيف والعبودية ويدعو الناس الى العمل واتباع الخير ويحمل على الظلم والتعسف. فمتى تتطرق التآويل إلى أن العبودية التامة لله هي منح الناس الحرية التامة كمبدأ تكليفي يستحقون عليه الثناء والجزاء؟

كاتب فلسفي

السبت، مارس 28، 2009

رسالة مطوّلة إلى مؤتمر القمة العربية في دوحة قطر الفتية

لاحظ س حداد
قادة الأمة العربية: أوقفوا العبث بأزمتي فلسطين ولبنان!

أزمتان مُزمنتان تشكلان الهمّ الأكبر لقادة الدول العربية في جميع مؤتمرات القمة التي يعقدونها دورياً..

إن الأزمة السياسية التي يتخبّط بها لبنان منذ أكثر من ثلث قرن والتي ذرّ قرنها مؤخراً إثر اغتيال رئيس وزرائه المغفور له رفيق الحريري وطرد قوات النظام السوري من لبنان واستمرت نحواً من أربع سنوات أرعبت شعب لبنان وذهب ضحيتها خيرة قياداتها السياسية والاعلامية وتفاقمت إثر حرب "لو كنت أعلم" التي شنتها إسرائيل على الجنوب اللبناني فدمّرته وهجّرت أهله كما ضربت البنى التحتية لكافة أرجاء الوطن الصغير الأمر الذي كلّف الاقتصاد اللبناني ما كلف ولولا يد العون العربي لكان انهار تماماً..
كل ذلك استُتْبِعَ بأنواعٍ من العبث السياسي الذي مارسه بعض المتطلعين إلى مواقع سياسية أو إلى تغيير نوع النظام اللبناني برمته، في استغلال غير مُبرَّر لنتائجَ غير مضمونة لاستراتيجية المحور الشعوبي الذي يقوده النظام الايراني ويشجعه النظام السوري ولكلٍّ منهما غاياته وأهدافه، دون التبّصُر بعواقب الأمور وما قد تجرّه على المنطقة العربية بأسرها من متاعب عرقلت وتعرقل مبادرة السلام التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية وصار توثيقها في مؤتمر بيروت والتي هدفت أساساً أنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.. هذه الأزمة أمست إحدى كبريات الهموم العربية بعد معضلة فلسطين وتستتبعها بالطبع أزمات التفتيت والتشتيت في السودان والعراق..

الأزمة الفلسطينية،
بدا واضحاً الخلل الذي أصابَ الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني جرّاء العبث بعواطف قياداتٍ فيه مقاومة، وأيضاً على يدي النظام السوري يشجعه النظام الايراني، وأدى بالتالي إلى حرب غزة التي هدفت إسرائيل من خلالها تحجيم دور المقاومة الفلسطينية "حماس" فكانت نتائجها كارثية على شعب غزة بالذات وإلى عودة التصلّب الاسرائيلي، وهو لم ينتفي أصلاً، تجاه المبادرة السلامية العربية..
ومن هنا، نرى أن الأزمة الفلسطينية الداخلية لن تجد الحل النهائي ما لم تعود الوحدة الحقيقية إلى هذا الشعب، دون التطلّع إلى المصالح الشخصية أو التسلّح باستراتيجيات الأغراب، أنّمن كانوا، فيصبح بإمكانه موحداً وانسجاماً مع المبادرة العربية إعطاء الثقة لمبادرة الرئيس الأمريكي الجديد، أن يستعيد قوته بل يفرضها على الجميع من أجل استكمال تأسيس دولته المستقلة..
فاصلة،،،
ليس مقبولاً إضاعة وقت رؤساء دول عربية في محاولات رأب الصدع الفلسطيني وكأن لا عمل لديهم سوى إجراء مصالحات بين هذا الفريق وذاك فيما هؤلاء لا همَّ عندهم سوى خلق الخلافات فيما بينهم وطلب مساعدة الغير لفضها.. هلاّ اكتفى هؤلاء متاجرة بعواطف الشعوب العربية وتأخير تطورها واقتناص مواردها، فكما أنّ للفلسطيني حقٌ على أهله ومحبيه من الشعوب العربية كذلك لهذه الشعوب حقٌ عليهم بقبول نصائحهم... أليست هذه شريعة العشائر العربية منذ الجاهليةوإلى اليوم؟

إن على الشعوب العربية واجب شكران مساعي مصر وقياداتها وليس التنكر لها كما صار التنكر لمساعي عاهل المملكة المملكة العربية السعودية وغيرهما لما بذلتاه من أجل وقف الحرب على غزة وقبلها محاولة لمّ الشمل في مكة المكرمة..
هذه الأزمة، بعد حرب غزة وما افتُضِحَ من أمر الداعين إليها والعبث القاتل الذي رافقها أضحت الهم الأول بامتياز لجميع الدول العربية، التي طالتها ألسنة البغاء السياسي لبعض عناصر المحور الشعوبي وحلفائه، وما أظهروه من قرصنة لعواطف الشعوب العربية والاسلامية البائسة بحكمهم لكنها في آن شكلت نقلة نوعية في خلخلة ثقة هذه الشعوب بهم سيما وأنَّ أحدٌ منهم لم يحرك ساكناً لدرء الأخطار العسكرية عن أبناء غزّة بل على العكس من ذلك قدموا لهم بيانات الاحتجاج عن ارتكابات إسرائيل والمطالبة بإلغاء المبادرة العربية وكأنَّ مقدميها [ الدول العربي ] هم مَن أخلوا ببنودها وكأنّ أبناء غزّة على جهلٍ مطبق بها! وبعد،،، ألا يجوز الاستنتاج أن ما أدى إلى حرب غزة هو أساساً من أجل إالغاء المبادرة العربية المذكورة والعودة إلى أولى حلقات الصراع؟

هنا يتحتّم توجيه السؤال التالي: ألا يرى المطالبون بإلغاء المبادرة العربية واستثمار الاستراتيجيات الغريبة انهم إنّما يوفرون الفرص الذهبية لإسرائيل للمضي قُدماً بمخطط تهويد الأرض الفلسطينية بما فيها القدس التي يتنافس أصحاب المنابر القومية والاسلامية ومؤتمرات الأحزاب العربية باستصراخ القمم العربية لانقاذها؟

سؤال استطرادي: هل في إلهاء الأمة العربية ومعها الأمة الإسلامية في مباريات الدفاع عن حماس غزة وحزب لبنان الإلهي وتوجيه خطابات وتصاريح التأييد وفتح باب المزايدات الاتهامية لدولٍ سفكت شعوبُها دماءً ذكية وأخرى اقتطعت من موارد أبنائها من أجل مُجمَل فلسطين وليس غزة فقط؛ هل في مثل هذه الوسائل يعود الحق الفلسطيني إلى أصحابه وتُنْشأ الدولة الفلسطينية؟

سؤال استطرادي آخر: هل يتحتم على كل دولة عربية، منفردة، الاستنجاد بدول العالم من أجل وقف تعديات دول عربية شقيقة على شعبها ونظامها وأرضها وفرض ضمها بالقوة المسلحة أو الهيمنة السياسية والأمنية كما حصل في لبنان والكويت، وهل تستقيم الأمور وتعود فلسطين إذا ما زال لبنان أو الكويت من الوجود،

ونضيف: ألم نرى كيف أن حرب لبنان وحرب غزة، على الرغم من مقولات انتصار المقاومة الاسلامية في كلتا الحالتين، ولن نسمّيهما حربين، أفلحتا فقط في المزيد من التعنث الاسرائيلي والاشمئزاز العالمي لنتائجهما وللاستغراب الكامل لسقوط تلك المقاومة في فخاخٍ نُصِبَت لها بدهاء من قبل محور الأغراب المتجانس مع استراتيجية إسرائيل؟ إذا لم نرى ذلك فلا بد أن هناك خطءٌ ما مقصود أو جاهل لا يميّز بين الحق القومي والحق الانساني!

الأزمة اللبنانية،
أما وضع الأزمة اللبنانية الذي يختلف نوعياً عن الأزمة الفلسطينية فهو معرّض للاستمرار في التقوقع ضمن مبادئ متشنجة لاطرافه الكُثُر الذين فقد بعضهم، إلى الآن، بوصلة الوطنية الحقيقية التزاماً غريباً، لا يبرره شعب لبنان، باستراتيجية ايران العقيدية الشعوبية واستراتيجية النظام السوري الذي بات الآن مهدداً في عقر داره بنتائج ما جنت يديه من موبقات في لبنان..
من هنا نرى الأزمة اللبنانية مهددة مجدداً بانفجارٍ عامٍ لن تُحمَد عقباه إذا ما ثابر هذا البعض على مزاولة ما درج عليه من تصلّب في المواقف التي ظهرت سابقاً وتظهر مؤخراً إبان الحملة الإنتخابية واستعداد الجميع للمعركة الفصل التي مهما أوتوا من حصافة وفطنة لتبريد وتهدئة اجواء تزداد تتشنجاً متطرداً جرّاء خطاباتهم الانتخابية البعيدة كل البعد عن الأسس الديمقراطية لما تقترن به من توجهات مذهبية وطائفية تمنع عليهم القبول بالنتائج وإصرار هذا البعض على رفض كافة الطروحات الوطنية المطالبة باستعادة ديمقراطية القبول بتلك النتائج..
هذا ما يجعل الشعب اللبناني في حالة إحباط لا مثيل له إذ يرى أن كل ما يريده من الانتخابات هو أيصال نخبةً يثق بها لكنه ليس واثقاً بقدرتها على حمل هذه الثقة سيما وأنه يرى بأم العين أن الجميع فقد قدرة الابداع السياسي وحجر ذاته ضمن منهجٍ أرادوه له بات غير مؤهل للفكاك منه..
جُلَّ ما انبثق عن إحباط هذا الشعب هو ظهورٌ خجول لبعض الطروحات التي تنادي بالابتعاد عن كافة المحاور والاتجاه إلى تبني ما كنّا طرحناه منذ سنوات بعيدة لاعتماد نظام الحياد الايجابي..

لإخراج لبنان من أزمته نهائياً يتطلّب تدخلاً فعلياً من قبل مؤتمر القمة العربية ليس باتجاه اللبنانيين بل باتجاه مَن يغذّي فرقتهم.. فاللبنانيون مشهورون، أو باتوا مشهورين لافرق، بحبهم لوطنهم واستقلال كيانه كي يبقى موئلاً فريداً لأبوبتهم، مجتمعيّاً محلياً أو بعداً إغترابياً، وجموحهم إلى استعمال كل وسيلة لبقاء ديمقراطيته الفريدة نظاماً ودستوراً لهم وما استبسالهم في الدفاع عنه لمدة تجاوزت إلى اليوم الثلث قرن أهدروا خلاله دماء عشرات ألاف الضحايا ولا فرق هنا بمرجعية أيٍّ منهم الوطنية أو الدينية.. لكنهم في الآونة الأخيرة وبعد دخول الشعوبية الأممية العقيدية إلى عقول بعض أبنائه اختلف الوضع تماماً وبات من المتعذّر الفصل بين الوطنية الحقيقية والوطنية المُراد وصفهم بها..

علينا أن ننوه هنا أن ليس هناك من لبناني واحد قبل بدء الحرب اللبنانية كان يفكر بطائفته تفكيراً حقيقياً إلى أن بدأ النظام السوري بتفجير اسباب الطائفية البغيضة في القلوب ما استدعى انفكاك العرى الوثقى بين أبناء الوطن الواحد والاعتكاف إلى طائفته خوفاً أو تخوفاً مما زرعه تدخل النظام السوري وتشجيع بعض مسلميه للعمل الفلسطيني المسلّح على أرضه.. ليعذرنا قادة الأمة العربية لمراجعة فتح جراحٍ حاولنا طويلاً تضميدها ويأبى دعاة الشعوبية إلاّ نكئها ما يدفعنا دفعاً إلى استعمال مرادفاتها البائدة..
أما اليوم وعلى الرغم من جميع مظاهر التطيّف، لم يعد هناك من يشجع الاعتكاف إلى الطائفية خوفاً أو تخوفاً إذ باتت الطوائف كلها، مسلمين ومسيحيين، وثيقة العرى ومتينتها بعد أن تساوى الجميع في تلقي الأذية جرّاء ذات التدخل الغريب في شأنهم الداخلي كما ان والسيبة اللبنانية التي بني عليها الوطن اللبناني استعادت قوائمها الأصلية ولم يعد هناك سوى بعض المذهبيين الذين ما زالت أنفسهم تراودهم الاستيلاء على الوطن الصغير بركوب جياد الأغراب الهجينة وبعض المتمذهبين ومدعي الإثْرة وممتطي أحذية الهَوَس السياسي المدمّر للديمقراطية الدستورية .. وهؤلاء فاقَ شرُ خيلائهم خير الوطن ولا زالوا في غيِّهم سادرين ولأتباعهم الصُغَّر إلى الصغائر مُوجّهين..

إذن، إن الأزمة اللبنانية مرشّحة للإنفجار ما لم يتدارك القادة العرب الأمر ويحجروا على الفتنة المقبلة بعيد الانتخابات النيابية، إن لن قبيلها، نرى الواقعة واقعة لا محالة لما نسمعه من تصاريح الرفض، محلياً، لنتائج هذه الانتخابات أنى كانت نتائجها وما يستتبعها من تصاريح الرفض والتدخل السافر لرؤوس الأنظمة الغريبة التي ما فتئت تغذي أولئك المذهبيين والمتمذبين وتفرض شروطها الوقحة على ما يجب أن تكون عليه النتائج وهذا ما يلقي الرعب في قلوب المواطنين..

إننا نطالب القمة العربية أن تأخذ بالاعتبار جميع ما أدرجناه أعلاه وتبادر فوراً إلى انتداب فريق من المتخصصين للإشراف الكامل على الانتخابات اللبنانية وفرض تقبّل نتائجها قبل أن يستفحل الأمر ويفلت ملق التجييش النفسي والمعنوي اللذين عُبأ بهما الشعب اللبناني حيث لن يعد بإمكان أحد منع الانفلات الأمني الكبير بعد أن بدأت مظاهره بالتنامي والتكاثر يومياً..
ثقوا أيها السادة، قادة الأمة العربية، إن الشعب اللبناني لن يقف مكتوب الأيدي أمام الهجمة المنتظرة لقوى الشر والخديعة على وطنهم وكما انتفض في ثورة الأرز إثر اغتيال رئيس حكومته سينتفض بأشدّ قوة أمام محاولة اغتيال دستور وطنه..

إننا ندعو القمة العربية مجدداًَ إلى:
1) تبنّي إنشاء مجلس أمن عربي تكون أولى قراراته أن يأخذ على عاتقه إنشاء قوات حفظ سلام عربية تنتشر على طول الحدود اللبنانية مع سوريا.. وتعالج جميع الأزمات بين الدول العربية،
2) تبني إنشاء محكمة عدل دولية عربية تأخذ على عاتقها محاكمة جميع الارهابيين والاغتياليين في أي دولة من دول من العرب، لا سيما أولئك الذين تحتجزهم دول الغرب في سجونها كيما تتسنى لهم الحفاظ على حقوقهم الشريعية ورفض محاكمة أي منهم في محاكم دولية أخرى دون مشاركة قضاة من دولهم العربية..
3) إعلان توليها مراقبة وحماية الانتخابات النيابية اللبنانية الدستورية..
4) مساعدة رئيس الجمهورية اللبنانية على استكمال تشكيل حكومة إئتلاف وطني تقوم على أساس برنامج وطني شامل يعتمد خطابه الرئاسي والمسلمات الوطنية..
5) وقف تدخل النظامين السوري والايراني في الشأن اللبناني وتحت أي مسمى وحصر هذه العلاقة بمؤسسات الدولة..
6) وقف تأييد النظامين السوري والايراني لحزب الله ووقف تزويده بالسلاح والعتاد وحصره في يد الجيش اللبناني..
7) وقف تأييد المنظمات الفلسطينية وإلغاء وجودها على الأرض اللبنانية..

ما لم يُصار إلى وقف النظامين السوري والايراني عن التدخل في الشأنين الفلسطيني واللبناني لن ترتاح المنطقة الشرقأوسطية بأكملها، ولن يستقيم للديمقراطية قرار.. إنها مهمة الدول العربية مجتمعة المباشرة في هذا التغيير وعلى دول العالم المتحضر كله دعمهم..

لن نطالب برفع الكثير من المعوقات التي تفرضها الانظمة العربية لإرساء الديمقراطية فهذه باتت تدريجياً على زوال.. فهل يستجيب قادة الأمة العربية التي تبدو وكأنَّ الشمس لا تغيب عن مغتربيها!

صانك الله لبنان
عتيق لبناني
التيّار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا

محمد رعد يهدد الشعب اللبناني

سعيد علم الدين

استغرب 2009.03.28 رئيس كتلة " شكرا سوريا والوفاء لإيران" في البرلمان اللبناني النائب المقاوم محمد رعد "كيف تتناسب شعارات الحرية والسيادة والاستقلال مع القبول بتسويات ستأتي حتمًا على حساب حقوق الشعب اللبناني".
من هو الزعيم او الشخص اللبناني الذي يسعى وراء تسويات مع اسرائيل مباشرة او غير مباشرة، من فوق او تحت الطالولة؟
الظاهر ان هذه الأوهام لا يراها في أحلام يقظته ويرميها على المواطنين الا سعادة النائب رعد ومقاومته؟
حسب علمي وعلم الجميع انه لا يوجد لبناني واحد في سدة المسؤولية او في خارجها يلهث وراء الصلح او المفاوضات مع العدو الإسرائيلي!
والبارحة قالها رئيس الجمهورية في فرنسا أمام ساركوزي وبلسان كل اللبنانيين، ان لبنان يرفض المفاوضات المباشرة والغير مباشرة مع اسرائيل. وعلى العدو الاسرائيلي الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي يحتلها دون قيد وشرط حسب القرارت الدولية. وان لبنان متمسك بالحق العربي حسب المبادرة العربية وانسحاب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية. وان لبنان ملتزم بالعمل العربي الواحد في مواجهة إسرائيل.
فماذا يريد محمد رعد بعد وأكثر من ذلك من اللبنانيين؟
ما يقوله رعد هو كذب وافتراء على الشرفاء بينما حليفه بشار الاسد يهرع الى طاولة التسويات ويتحدث علنا ثلاث مرات في الاسبوع عن تلهفه للمفاوضات المباشرة برعاية أمريكية حتى مع الرافض لكل الحلول والتسويات نتنياهو.
لافتًا المقاوم رعد إلى أن "بديل المقاومة هو الاستسلام".
هو يتهم هنا بشار الاسد الذي يرفض وجود مقاومة لتحرير الجولان بالاستسلام.
فكيف بعد ذلك يحق لنصر الله التفاخر بالتحالف مع المستسلمين يا سي رعد؟
ثم يهدد رعد الشعب اللبناني قائلا: "الذي يحفظ الاستقرار في لبنان هو بقاء المقاومة".
هذا يعني ان لا امل لقيام الدولة اللبنانية السيدة المستقلة القوية صاحبة السلطة على كامل أراضيها، ولا أمل للشعب اللبناني بالخلاص من هذا الوضع الفوضوي الانحداري الشاذ، الذي تقوم به دويلة حزب الله واتباعها الفوضوية الخارجة عن سلطة القانون، والتي تعيث فسادا وارهابا وخرابا وفتنة واغتيالا في قلب الدولة.
أي القول للشعب اللبناني ان الانتخابات القادمة ليست مفصلية ولن تغير من واقع الامر شيئا، حتى ولو اكتسحت قوى 14 اذار الثلثين من المقاعد.
فسلاح حزب الله مقدس وميليشياته مقدسة ومقاوماته مقدسه وسراياه مقدسة وناصر قنديله ووئام وهابه وميشال عونه واسامه سعده واسعد حردانه .... الخ من ابواق وازلام 8 اذار هم من ثوابت ومقدسات دويلة ولاية الفقيه في لبنان.
ولكن ماذا تفعل ما يسميها رعد "مقاومة" في لبنان سوى الاعتداء على المواطنين الآمنين وتخريب ممتلكاتهم وتفجير سياراتهم كما يحدث لنشطاء الانتماء اللبناني يوميا في منطقة الجنوب الخاضعة للحزب، في محاولة اجرامية لقمعهم وارهابهم وانهاكم كي لا يشاركوا في الانتخابات المقبلة.
وماذا عن نشر الفوضى وعمليات الاجرام الغامضة والتعديات المتنقلة في البلاد، وحماية تجارة المخدرات في البقاع وبعلبك وعمليات الخطف كخطف المهندس جوزيف صادر على طريق المطار الخاضع لميليشيات حزب الله. وخطف المواطنة المسيحية ميراي الحايك، التي اعيدت مساء الاربعاء الى منزل ذويها في مغدوشة بعد ان تم اختطافها لايام عدة من قبل مسلحين مقنعين الى إحدى مناطق الضاحية الجنوبية الخاضعة لحزب الله.
أي ان عملية الخطف هذه لا يمكن ان تحدث الا تحت ناظريه، وهو الذي حلها بعد ان قبّلت الدولة المخدوعة يديه.
هذا ولم يتم الافراج عن السيدة المسكينة الا بعد ان اسقط الدها الدعوى القضائية التي اقامها بحق الخاطفين.
وماذا عن الحق العام في دويلة حزب الله يا سعادة النائب المشرع للقوانين محمد رعد؟
ورأى رعد أن "العدو الآن أعجز من أن يقوم بأي عدوان على لبنان".
أقول لرعد وأمثاله: اقعدوا هادئين منضبطين ولا تعطوا الذريعة لإسرائيل فلبنان بألف خير من شركم وشر إسرائيل.
هذا وكان قد ظهر عجز اسرائيل في حرب تموز 2006 واضحا، بحيث انها طلبت ذليلة من مجلس الأمن التدخل لوقف اطلاق النار لكي يوقف حزب الله احتلاله للقرى والبلدات الشمالية الاسرائيلية التي سقطت بين يديه كاوراق الخريف الصفراء واحدة بعد الاخرى واستطاع في هجموه الكاسح الوصول الى بحيرة طبريا في حركة التفافية عسكرية ذكية حول مرتفعات الجولان السورية فاجأ بها العدو الاسرائيلي الذي غرقت في انسحابها العشوائي الياته ومجنزراته وميركافاته وجنوده وضباهه في بحيرة طبريا فبلعتهم جميعا كما بلع البحر فرعون.
ادت هذه الهزيمة الاستراتيجية النكراء التي منيت بها اسرائيل عام 06 الى زعزعة قيادتها العسكرية باستقالة رئيس هيئة اركانها دان حالتوس، وضعضعة قيادتها السياسية باستقالة وزير دفاعها عمير بيرتس.
أما رئيس وزرائها المستقيل اولمرت فقد اصبح كالبطة العرجاء في مواجه صواريخ حماس.
وتابع رعد المنتصر نصرا الهيا قائلا : "لا يخيفنا التهويل وقرع الطبول لأننا اصبحنا في موقع القوة ونستطيع ان نواجه العدو الصهيوني وأن نقف له بالمرصاد ونلاحق خطواته، ولن يرهبنا أو يثنينا عن مواصلة الاستعدادات والتجهيز شيء، لأننا لا نريد ان يكون وطننا او أهلنا لقمة سائغة امام العدوان".
وكأن لبنان لم يكن لقمة سائغة في حرب تموز حيث دمرته اسرائيل وحاصرته لأكثر من شهرين برا وبحرا وجوا وقطعت اوصاله .... الخ من اللقمات السائغات.
وتابع رعد من موقع القوة والجبروت الذي يحتله في قلب لبنان وعقل البرلمان قائلا: "المقاومة يجب أن تتصرف وفق المصلحة الوطنية الإيرانية عفوا اللبنانية"
وأطل علينا في اليوم التالي في لقاء انتخابي من بلدة زفتا، قائلا:
"لقد دفعنا بسبب الأكثرية النيابية الحالية تكاليف باهظة في السنوات الماضية".
معه كل الحق!
فالاكثرية هي التي جرت لبنان الى حرب تموز ودمرته،
وهي التي اعتصمت الهيا واحتلت وسط بيروت وعطلته،
وهي التي حرقت الدواليب وقطعت الطرق وكسرت السيارات وصور نصرالله وبري وخامنئي واعتدت على جماهير 8 اذار في اكثر من مرة وارعبت الشباب وهجرته،
وهي التي اجتاحت الضاحية الجنوبية محتلة عاصمة حزب الله،
وهي التي اغلقت البرلمان في وجه بري وعطلت انتخاب رئيس الجمهورية،
وهي التي حاصرت الحكومة بهدف اسقاطها وخطفت الزيادين وقتلت الضابط سامر حنا،
وهي التي اغتالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري بهدف جلب المحكمة الدولية نكاية بحزب الله وسوريا،
وهي التي اغتالت خيرة رموزها ليعطف عليها اللبنانيون والعرب والعالم،
وهي التي تملك المربعات الامنية وشبكة الاتصالات وعشرات الالاف من الصواريخ والمسلحين والمخبرين والميليشيات وتحمي الخارجين عن القانون القائمة تطول حسب البطل المقاوماتي رعد.
بأي وجه سيلقى وجه ربه هذا الانسان وهو يحول الكذبة الى حقيقة!
هذه ليست شطارة سياسية، وانما استغباء للناس وانحطاط الى الدرك الاسفل من الديمغواجية.

تركيا...المشروع الإسلامي الكبير

حسام الدجني

تتمتع تركيا بموقع جغرافي دولي, تربط قلب آسيا بطرف أوروبا الشرقي, ويتمتع موقعها الجغرافي ببعض الميزات الجغرافية التي لعبت ولا تزال تلعب كبيرا في العلاقات الدولية كمضائق البوسفور والدردنيل التي تربط مياه البحر الأسود بمياه البحر المتوسط عبر بحر مرمرة.

تبلغ مساحة تركيا 780.576 كلم مربع, بينما يبلغ عدد سكان تركيا ما يقارب 73 مليون نسمة تقريبا.

تعتبر تركيا دولة بحرية, (وهذا ما دفع القيادة التركية إلى بناء أسطول بحري يتناسب مع موقع تركيا البحري في الشرق الأوسط), حيث تشرف على أربع جبهات بحرية وهي البحر المتوسط, وبحر ايجة, بحر مرمرة, البحر الأسود, وتتحكم بضيقين هما البوسفور والدردنيل, وتبلغ مساحة حدودها البحرية 7200 كم, بينما تبلغ مساحة حدودها البرية 2648 كم.

تتميز تركيا بعامل قوة آخر يتمثل في دول الجوار, حيث تجاور تركيا ثمانية دول هي (سوريا-العراق-إيران-أذربيجان-أرمينيا-جورجيا-اليونان-بلغاريا), ويرى علماء الجغرافيا السياسية أن أهمية موقع الجوار للدولة لا يتحدد بعدد دول الجوار لها فقط, بل إلى معرفة حجم سكان الدولة إلى مجموع سكان الدول المجاورة لها, وبما أن عدد سكان تركيا يبلغ 73 مليون نسمة ومجموع عدد سكان الدول المجاورة يبلغ 151.4 مليون نسمة بنسبة 1 :2.1 , هذا يعتبر عامل قوة لتركيا.

تتمتع تركيا بإرث تاريخي وثقافي وأيدلوجي في المنطقة العربية, حيث سيطرت مئات السنين ضمن الخلافة العثمانية, لهذا تستطيع تركيا أن تكون لاعبا رئيسيا في الإقليم.

أرسلت تركيا وعبر رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان إشارات للعرب والمسلمين إبان حرب غزة الأخيرة 2009, معناها أن تركيا تدعم الفلسطينيين والعرب, وأنها تتجه إلى الشرق, بعد أن كانت طموحاتها تتجه إلى الغرب, والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, والفرصة لا تأتي مرتين, فيجب تبني إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع هذا التحول التركي في المنطقة.

تعددت الأطماع الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط, لما يمثله من موقع جغرافي مميز, وضمن نظرية ماكندر الذي صاغ نظريته عن "قلب الأرض"، والتي تقول فحواها: إن من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب العالم. ومن يسيطر على قلب العالم يسيطر على الجزيرة العالمية. ومن يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم.

وبعد ظهور النفط زادت الأطماع الاستعمارية في إقليم الشرق الأوسط, وأخذت المشاريع الصهيو أمريكية تتوالى على المنطقة, فمشروع الشرق الأوسط الكبير وهو مصطلح أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في مارس 2004 على منطقة واسعة تضم كامل العالم العربي إضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان وباكستان.
ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس, وخارطة الدم والعديد من المشاريع التي صدرت والتي ستصدر, ونحن العرب والمسلمين غارقين في سبات عميق.

جدير بنا كعرب ومسلمين ونحن على أعتاب قمة الدوحة أن نطرح مشروعنا الخاص بنا وبتراثنا وبديننا ولنسميه المشروع الإسلامي الكبير, نعيد أمجاد الدولة العثمانية وزمن الخلافة الإسلامية, لينتشر العدل بن الناس, ولنتمتع بقوة اقتصادية وسياسية واجتماعية, وتزول الحدود بين الأخوة الأشقاء, مستفيدين بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية, والاتحاد الأوروبي, والتي نتمتع نحن العرب والمسلمون بعناصر قوة تتيح لنا تحقيق هذا الحلم بشكل كبير, حيث الايدولوجيا واحدة, والثقافات متشابهه, ونتمتع بلغة حضارية, وهي لغة القرآن, اللغة العربية.
وما ينقصنا سوى الإرادة والعمل مع جمهورية تركيا والتي تتمتع بعناصر القوة والقيادة, فتركيا تستطيع من خلال تسخير إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية, وبدعم من منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية, العمل على بناء الاتحاد الفيدرالي الإسلامي الكبير, والذي يعيش في كنفه المسلمون والمسيحيون واليهود جنبا إلى جنب في حرية وسلام, وبموجبه سيعمل هذا الاتحاد تدريجيا على إذابة مشروع دولة إسرائيل وسيسرع من إزالته عن الأرض العربية.

حســام الدجنــي
كاتب وباحث فلسطيني
HOSSAM555@HOTMAIL.COM


مراجعة فكرية في ضوء النقد للماركسية

نبيل عودة

يحتل الفيلسوف الاسترالي المولد كارل بوبرمكانة هامة في الفكر الفلسفي الحديث، خاصة في مجال الفلسفة العلمية ، والدفاع عن الدمقراطية . ويعتبر مؤلفه " أعداء المجتمع المنفتح " ، الذي صدر في نهاية الحرب العالمية الثانية ، من أهم المؤلفات الفلسفية التي طرحت رؤية تطويرية لفلسفة العلوم ، ورؤية تجديدية في الفكر السياسي – الاجتماعي. ويبدو ان الفترة التي عمل بها على كتابه ، عشية وخلال الحرب العالمية الثانية ، قد أثرت على مواقفه ، وأعطته حدة معينة في بعض الطروحات.
أعتبر نفسي حتى اليوم من المدرسة الماركسية ، ولكني لم أعد ذلك الماركسي المنغلق على فكر فلسفي جاء اقرب للدين من العلم . واعني الماركسية كما درسناها حسب الطريقة السوفياتية. وربما هذه مشكلتها الكبيرة التي لم ينجح العديد من المنظرين الماركسيين من دفع الماركسية خارجها ، ليس لعجزهم ، انما نتيجة سيطرة المدرسة الماركسية السوفياتية ، ودور الكومنترن والاتحاد السوفييتي وقيادات مختلف الأحزاب في الحفاظ على نهج منغلق ، من الصعب القول انه ماركسي ، بل هو أقرب للتقوقع الستاليني الكنسي . وكل من تجرأ وطرح رؤية ماركسية منفتحة ، واجه غضب الكومنترن ، والنقد الحاد والاتهام بالتحريفية ، والطرد من الحزب والنفي أو الاعدام.
في دراسة للباحث والمحاضر في جامعة تل أبيب الدكتور اشار سيلفان ، حمل عنوان " منظرو الماركسية الغربية" ( باللغة العبرية ) يكشف الكثير من الاشكاليات التي انتقدها المفكرين الماركسيين الغربيين ، والتي أضحت اليوم على لسان الكثير من الشيوعيين لدى اشارتهم الى اسباب انهيار النظام الاشتركي وأخطاء المرحلة الستالينية ، التي لم يخرج منها الحزب والنظام في الاتحاد السوفييتي رغم الانتقاد والاصلاح .. اذ يبدو ان ستالين انغرس عميقا في شخصية الشيوعيين السوفييت وغيرهم من قادة الحركة الشيوعية العالمية ، لدرجة أضحى الخروج من الفكر والعقلية الستالينية بمثابة انتحار شخصي . ويبدو انهم فضلوا انتحار أحزابهم على انتهاء أدوارهم.
ان عظمة الماركسية كانت بحيويتها واتساع تأثيرها الدولي ، وقدرتها على تعبئة كوادرها بمشاعر بالغة القوة ، وقناعات شبه ايمانية – دينية. واليوم بعد قرن ونصف القرن من بدء نشاط ماركس ، من المثير فهم ما اثارته الماركسية من تأييد ومعارضة ، أشغل عالمنا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى لحظتنا الراهنة.
لن أدخل في اسماء المنظرين الشيوعيين الذي دمغهم النهج السوفياتي بالتحريفية . اذ ان هدفي من هذه المقدمة الدخول الى بعض طروحات كتاب " أعداء المجتمع المنفتح " ، الذي صدر أيضا ضمن المرحلة التي شهدت صراعا فلسفيا وتنظيريا وايديولوجيا وسياسيا وعسكريا أيضا بين المؤيدين للماركسية ، كما عبر عنها النهج السوفييتي ونهج جميع الأحزاب الشيوعية تقريبا ، والمعادين للماركسية من المدارس الفلسفية المختلفة ، ومن الأنظمة الراسمالية والاستعمارية التي رأت مخاطر الماركسية على مصالحها الدولية والداخلية أيضا .
كارل بوبر يعبر عن قلقه على المجتمع البشري من أعداء الدمقراطية . في كتابه "أعداء المجتمع المنفتح " ( صدرت ترجمته العبرية - 2003 ) يستعرض أعداء الدمقراطية عبر تاريخ الفكر البشري كله ، بدءا من أفلاطون، ملهم الفكر التوتاليتاري ( العسكريتاري ) في التنظيم الاجتماعي ، كما يطرح فكره ، ويمكن تسميته توتاليتيرية أفلاطون بالمرحلة الرومانسية ، عبورا بفكر هيغل ، وصولا الى ماركس .حيث قام بتقطيع أو تجزيء النظرية الماركسية الى أجزاء عدة ، وشن على ماركس هجوما حادا متهما نهجه وفكره بالمسؤولية على مآسي عصرنا . . لكونها أكثر الفلسفات التي أثرت على القرنين التاسع عشر والعشرين وما زال تأثيرها عميقا حتى ونحن ندخل الألفية الثالثة بعد الانهيار الكبير في نهاية الألفية السابقة للأنظمة التي قامت على أساس الفكر الماركسي وللعديد من أحزابها الرئيسية .
قراءتي لم تكن نقدية ، انما قراءة تعليمية لفهم اتجاهات النقد البرجوازي للفكر الماركسي.الى جانب ان الكثير من المصطلحات المستعملة بالترجمة العبرية أشقتني لفهمها وبعضها ظل غائبا عن فهمي . ويؤسفني ان مثل تلك الأعمال تبقى غائبة عن المكتبة العربية ، وأكاد أجزم ان اللغة العربية تفتقد للمصطلحات التي يمكن ان تعبر عن المضمون الذي يريده الكاتب ، لأن بعض ما استطعت تفسيره أعجز عن ايجاد صيغة عربية تصلح لصياغة مضمون ما يطرحة الكتاب . ولنا تجربة في الترجمات العربية المبهمة لكتب هامة جدا وعلى رأسها "الاستشراق" لادوارد سعيد ، الذي فشلت في قراءة نصه العربي وقرأته بترجمة ممتازة باللغة العبرية. وهكذا فعل عشرات المثقفين العرب ، وقسم منهم قراءه باللغة الانكليزية ، كما تبين لي فيما بعد . وقد قرأت نقدا للمفكر العربي البارز هاشم صالح للترجمة العربية لكتاب "الإستشراق" ويدعو الى ترجمته من جديد، لأن ترجمته غير مفهومه للقارئ العربي .
ان فكر المجتمع المنفتح يحتل حيزا هاما في أيامنا هذه أيضا ، ربما أكثر من اي فترة تاريخية حديثة.. وبالتاكيد أكثر من الاهتمام بالمجتمع المنفتح في فترة منتتصف القرن العشرين عندما أصدر بوبر كتابه المذكور.
بعض نقاد كارل بوبر يؤكدون ان طروحاته ازدادت أهميتها في وقتنا... لفهم المراحل التاريخية الراهنة ، وأسلوب صياغة النشاط السياسي المعاصر.
كارل بوبر يوجه نقدا على أعداء الدمقراطية في الماضي والحاضر . من هنا نقده لأفلاطون ، مؤلف " الجمهورية " وتحليله لفلسفة هيجل ، وتناوله لفلسفة ماركس . ولكن البارز ، بغض النظر عن نقده " لأعداء الدمقراطية عبر التاريخ " هو أن دفاعه عن الدمقراطية بشكل بارز وعميق ، هما من مميزات كتابه ، وفي هذا الأمر يعتبر الأبرز بين فلاسفة القرن العشرين .
وكذلك احتل المقدمة في مجال الفلسفة العلمية ، اذ كانت رؤيته ان الحقائق في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية ، هي اتباتات القصد منها كشف الأخطاء وليس لاثبات صحة نظرية معينة، وأن العلم لا يتقدم من حقيقة الى حقيقة أخرى .. انما من اكتشاف خطأ الى اكتشاف خطأ آخر ، وان تقدم العلم يلخص كله في اكتساب معرفة سلبية .. وأن هذا يقود في النهاية الى الحقيقة.
عبر هذه الرؤية ، التي آمل اني نقلتها بوضوح ، حقق كارل وبر ، تغييرا ثوريا في فهم العلوم ، لذا يرى البعض أن بوبر أنقذ بفلسفته الرائدة العلوم من الترهل والتفكك ، وأحدث قفزة في التفكير العلمي وفي فهم فلسفة العلوم .
ومن نفس المنطلق انتقد بوبر النظريات الشمولية ، التي ادعت معرفة كل شيء، بل وطرحت شكلا جديدا لهندسة المجتمع والسلطة للوصول الى النظام المثالي وجعله نظاما ثابتا ومستمرا الى الأبد ، كما فكر الفيلسوف الاغريقي افلاطون ، في جمهوريته ... وكما فكر كارل ماركس عن نظامه الاشتراكي والشيوعي، وكما فكر زعيم الفاشيين الايطاليين موسوليني ، وكما فكر الزعيم الألماني هتلر وكما فكر العسكريين في اليابان... كلهم ظنوا انهم يعرفون ما يفعلون، ويعرفون مصلحة المجتمع وتنظيمه المثالي، وما يصح فعله وما هو عادل للمجتمع الانساني، بل ويعرفون الطريق لتحقيق نظرياتهم ، وأعلنوا نظرياتهم وبرامجهم ( هندستهم الاجتماعية ) التي تقود الى تحقيق المجتمع المثالي.
بلا شك ان أفلاطون (والفارابي أيضا في مدينته الفاضلة) وماركس ساهموا، كل واحد بقدر ما ، بدور عظيم في تطوير الفكر البشري.. وتعميق الوعي بحقائق الحياة وأهمية النظام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية ، وكانوا نظريا وفكريا على نقيض من الفكر النازي والفاشي ، وفكر نيتشة الألماني مثلا ... الذي اعتمدته النازية كفلسفتها الرسمية.ولكن الحقائق العملية ، وبغض النظر عن الرؤية الانسانية لأفلاطون وماركس وهيغل في بحثهم عن المجتمع الفاضل والعادل والنظام الذي يحترم مكانة الانسان ودوره ، قادت الى تشكيل دول عسكرية ( توتاليتيرية) مستبدة ، تحت شعارات المساواة والعدالة والدمقراطية .
هل كانت نظرية ماركس للمجتمع العادل مثلا غير قابلة للتطبيق الا بالأسلوب الذي عرفناه ؟
رؤيتي الشخصية ان الماركسية مشكلتها كانت في التطبيق وليس في الفكر .. وفي الجمود العقائدي الذي أصاب الحركات الماركسية ، وليس في جوهر الماركسية الاستبدادي.
من الواضح ان الفكرالشمولي العسكري نجده في فكر افلاطون السياسي والاجتماعي .. أو يقود اليه تلقائيا. وهذا هو مضمون تصوره لجمهوريته ، حيث قسم الناس الى فئات وطبقات : طبقة الحكام ، طبقة العسكر، طبقة المنتجين... الخ . وكان القصد تحقيق وحدة فكرية سياسية تقضي على الخلاف الفكري والصراعات بين التيارات المختلفة ، وقد تأثر الفارابي بهذا الفكر .. ولكنه موضوع آخر..
بوبر يعتقد ان نظرية ماركس لم تقع بعيدا عن فكر افلاطون.. في فهمها لهندسة الدولة العتيدة، بالخطوط الرئيسية على الأقل.. وبالتطبيق نفذ الفكر الأفلاطوني بقوة أكثر ، حيث تحول الحزب الحاكم الى الطبقة الحاكمة، والعسكر الى حماة الطبقة ( النظام ) الحاكمة ، وصيانة السلطة المطلقة للحزب ، وتحول المنتجين ( الشغيلة ) الى مصدر تمويل للدولة – الحزب – الطبقة الحاكمة.
اؤمن بشكل مطلق ان أفلاطون حركته افكار انسانية بالأساس .كيف يمكن بناء دولة ذات صفات أخلاقية في وقته . ومن المؤكد اليوم ان كل الدول التي سارت على هندسة افلاطون وماركس لبناء دولة ، أسقطت الجانب الجوهري الانساني الأخلاقي ، واندمجت بالجانب النفعي للمجموعة المتسلطة. وبالتالي تحولت الى طغم استبدادية عسكرية لا تختلف في جوهرها السلطوي عن الطغم في الأنظمة الظلامية . واليوم الصورة أكثر وضوحا أمامنا .
بوبر لم يخف اعجابه بأفلاطون : " أعظم الرجال هم الذين يمكنهم ارتكاب أكبر الأخطاء" ، والسؤال المحير هنا كيف يمكن لأشهر العباقرة في التاريخ الانساني، ان تصبح فلسفتهم تغطية لأكثر الأنظمة استبدادا؟
التوتاليترية ( العسكرتارية ) كما تطرح هي انفراد النظام بادارة كل نشاطات الأفراد السياسي والاجتماعي والانتاجي والثقافي ، عبر الضغط والترهيب والقمع ونفي رأي الآخر وحقه في التعبير والنقد ، والنظام ينشئ في هذه الحالة نظاما تربويا ينفي بشكل مطلق امكانية ترك مساحة فكرية لحق نقد النظام ، الذي يخرس النقد تحت تغطية الخدمات والمنجزات التي يحققها للمجتمع . متجاهلا الفرد وخصوصياته ، ومحاولا تذويب الخاص بالعام . وبالتالي مهما خصص النظام العسكري من جهود لتطوير المجتمع اقتصاديا وعلميا وثقافيا ، فان ضرره الاجتماعي والاقتصادي على المدى البعيد ، بالغ القسوة ، ومدمر للإنسان وللمجتمع وبالتالي للنظام نفسه ، الأمر الذي سينعكس في لحظة تاريخية معينة ، كاشكال لا خروج منه الا باسقاط كل الهندسة النظامية القائمة واستبدالها ، وليس شرطا ان يكون الاستبدال لنظام أفضل!!
في الواقع ان أفلاطون نفى أهمية الفرد ، كذلك النهج السوفييتي للماركسية. بينما منظرين ماركسيين غربيين ، اوروبيين ، لم ينفوا أهمية الفردانية ، ودورها الخاص في اطار الهدف الأسمى للمجتمع العادل الجديد. راجعوا مثلا مفهوم المثقف الموضوعي في فكر المنظر الشيوعي الرائع انطونيو غرامشي الايطالي ، والذي يعتبر من المنظرين المحدثين في الماركسية.
ومع ذلك يبقى أهم فيلسوف ظهر في تاريخ الفكر الانساني كله ، أفلاطون .. هو المنظر الأول لأسوأ هندسة اجتماعية سياسية عرفتها البشرية حتى يومنا الراهن. وحسب افلاطون يجب الابقاء على عدم المساوة ( التفاوت ) بين أفراد المجتمع ، والخضوع للنظام الصارم جدا لما فيه " خير" المجتمع ، ويعطي الحق للمسؤولين ان يكونوا قيمين على الحقيقة وممارسة الكذب لما فيه الصالح الاجتماعي. تماما كما كذب علينا قادتنا الشيوعيين واعترفوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بأنهم كانوا يكذبون علينا لانهم ظنوا ذلك لمصلحة الجمهور؟!*
وهنا يلح علي سؤال : هل من صفات العبقرية الشخصية ، القدرة على اشغال البشرية ، واثارتها بطروحات غير عقلانية؟ وهل عبقرية كارل بوبر مثلا ، في رؤيته للمجتمع المنفتح ، وضرورة الدفاع عن دمقراطيته التي لا شك بتوهجها، هل هي طرح غير قابل للإنجاز .. تماما مثلما كان طرح ماركس عن مجتمع العدالة والمساوة غير قابل للإنجاز ، كما يدعي ؟ ام ان هذا الطرح ينظر لجيل بشري لم يولد بعد ؟
لا أجدد في القول ان ماركس أحدث ثورة في الفلسفة. . وثورة في المفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية .. واوروبا بعد ماركس لم تعد هي اوروبا قل ماركس ،.وكذلك العالم بعد ماركس هو عالم مختلف بفضل تأثيرات ماركس العميقة والحاسمة على تاريخ التطور البشري منذ ظهور فلسفته وظهور التنظيمات الماركسية المختلفة.
ماركس لم يكن مجرد فيلسوف منعزل، بل كان نشيطا سياسيا ومنظما ومنظرا وموجها ، وأسس مع زميله انجلز العصبة الشيوعية الأولى في منتصف القرن التاسع عشر.كأول تنظيم سياسي عمالي طبقي ، ومع صعود قوة الطبقة العاملة وتنظيماتها الماركسية أقام أول تنظيم دولي شيوعي – " الأممية الشيوعية الأولى " - ( 1864 ) .. التي وحدت الأحزاب العمالية في انكلترا وفرنسا والمانيا والنمسا واسبانيا وغيرها من الدول وأعطت قوة تنظيمية وفكرية لظهور تنظيمات عمالية في أقطار أخرى ... وصدر عن الأممية الأولى اليان التأسيسي الشهير اسم "البيان الشيوعي" الذي صاغة ماركس وزميله انجلز ، محدثا هزة أرضية في العالم القديم ، ومعلنا: " ان استلام الطبقة العاملة للسلطة السياسية في العالم كله هي مهمة اساسية للعمال".
هل كان الخطأ في الرؤية الماركسية ، أم في فشل المتابعين والوارثين ؟
وهل عبر ماركس عن رؤية تاريخية علمية أم مجرد رغبة غير قابلة للإنجاز ، بسب طوباويتها المبالغ فيها ؟
وكيف صار ان فكرة انسانية لاسقاط الاستبداد الطبقي ، وبناء مجتمع العدالة والمساواة ، تحولت هي نفسها الى نظام استبدادي قمعي مطلق ، لدرجة ان الاستبداد والاستغلال البرجوازي في النظام الرأسمالي صار جنة بالمقارنة مع واقع العمال في "نظامهم" الاشتراكي ؟!
هذه الأسئلة أتركها للحوار .
من ضمن الطروحات الهامة في "اعداء المجتمع المنفتح " رؤية بوبر ان المجتمع يجب ان يكون في خدمة الانسان ( المواطن ) وليس المواطن في خدمة المجتمع . المسيح يقول أيضا : "الدين في خدمة الانسان وليس الانسان في خدمة الدين " وهذا القول عبقري وعظيم اذا اتبعته الديان واتخذته الأنظمة الحاكمة نهجا لمجتمعاتها .
يطرح بوبر موقفه القائل ان التنبؤات اللتاريخية هي خارج المنهج العلمي... وهي أقرب شيء للإيمان الديني.
وهنا نسأل : هل الثورة البروليتارية حسب ماركس هي حقيقة علمية ( حتمية )لا يمكن تجاوزها ؟
اسئلة أخرى للحوار.
وهل كان الطابع البنيوي للماركسية يشير الى كونها دينية أكثر من كونها علمية؟
الأمر الأساسي الذي أود تأكيده ان هناك أربعة أقانيم مركزية مشتركة بين ايديولوجيات الأنظمة التوتاليتيرية الحديثة ، رغم بعض الأختلاف بينها ، وقد طرحت هذه الأقانيم الأربعة في فلسفة أفلاطون ، وهي : أولا ، النظرة التاريخانية – الحتمية التاريخية ( هيغل وماركس آمنوا بوجود حتمية تاريخية ( وهي عقيدة تؤمن أنه يوجد سبب موجه لكل الأحداث في الطبيعة والمجتمع البشري وارادة الانسان ، هيغل راى ذلك بالفكرة المطلقة .. وماركس فسرها بالمادية التاريخية ) ثانيا ، الايمان بوجود خواص أبدية ثابتة ، ثالثا ، المجتمع المنغلق ومنع النقد والبحث العلني – المنفتح بهدف الدفاع عن الشيء الجيد ، رابعا ، حكم طبقة معينة ووجودها أعلى من سائر الطبقات من أجل ان تهتم لكل المجتمع او للدولة بفضل نوعيتها أو حكمتها المتفوقة على الآخرين .. هل حقا كانت القيادات في الدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية ، هي "الطبقة" المؤهله فكريا وعقليا وأخلاقيا للقيادة والكذب لما فيه مصلحة المجتمع والجماهير ؟!
ويلخص كارل بوبر نظرته بقوله : ": ان كل المحاولات لخلق جنة على الأرض تقود دائما الى جهنم ".
الموضوع مفتوح لمزيد من المداخلات .
* - حسب اعتراف لماير فلنر سكرتير عام الحزب الشيوعي الاسرائيلي في محاضرة له في الناصرة على أثر انهيار المعسكر الشيوعي .
نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com


الجندي جلعاد شاليط أصبح حصان طروادة للسياسة الإسرائيلية

عبـد الكـريم عليـــان

الخامس والعشرين من حزيران للعام 2006، هو اليوم الذي أسر فيه المقاتلون الفلسطينيون الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في العملية العسكرية التي سميت بالوهم المتبدد، واعتبرت في حينها خسارة فادحة للجيش الإسرائيلي، منذ ذلك الوقت وحتى الآن دفع الشعب الفلسطيني ومازال.. ثمنا باهظا لا يكمن عده وحسابه في الأرواح والممتلكات، وذاق أهل غزة الويل جراء الحصار الغاشم الذي فرضته إسرائيل بمساعدة دول إقليمية وعالمية لإرضاء الإسرائيليين.. هذا أقل ما يمكن عمله من العالم الذي يدعي التحضر ويحترم حقوق الإنسان؟! وكأن الإنسان الوحيد على هذه الأرض، أو على الأقل في الشرق الأوسط ،هو: الإسرائيلي ! ونسي هذا العالم، أو تناسى بأن القادة الإسرائيليين قد استدرجوه ليشاركهم جرائمهم البشعة والموغلة في الجريمة بحق الإنسانية جمعاء.. إذ كيف يقبلون أن تمارس إسرائيل العقاب الجماعي ضد شعب بأكمله؟ لا ذنب له سوى أنه طرد من أرضه منذ أكثر من ستين عاما، ومازالت العصابات الإسرائيلية تلاحقه في تشرده أينما كان لتقضي عليه، ولا تعطيه فرصة ليثبت للعالم أنه جدير بمشاركته الحضارة والتقدم.. وكلما خطا خطوة للأمام تغتاظ منها إسرائيل فتتحين الفرصة بالانقضاض عليه لتعيده مكسورا سنوات حتى يجبر كسره ليعود من جديد، وهكذا دواليك.. بعد خمسين سنة من النضال قبل الشعب الفلسطيني الضعيف اتفاقا هزيلا قد لا يلبي طموح طفل لاجئ من أي مخيم أو قرية أو مدينة.. وقبلت إسرائيل اتفاق أوسلو على مضد تحت ضغط دولي، أو كنتاج لما بعد الحرب على العراق، أو أنها قبلت بذلك مؤقتا لتعود بعد وقت بلخبطة الأوراق حينما رفضت دفع الاستحقاقات للفلسطينيين، وبذلك أعادت دوامة العنف للمنطقة من جديد.. لأنها لم تتعود على الهدوء والاستقرار، أو أنها اكتشفت أن ذلك يتنافى مع وظيفتها وكينونتها كجسم غريب في المنطقة.. وتوصلت لنتيجة واحدة هي: السلام والاستقرار سوف يضعفها أمام شعوب المنطقة!

عندما انتبه العالم لوحشية إسرائيل فعرض على الجميع حلولا سميت في حينها خارطة الطريق التي اقترحتها الرباعية الدولية.. ومع ذلك لم يعجبها الاقتراح وراحت تلتف عليه بانسحابها الخبيث من غزة لتوهم العالم بأنها بذلك قد تخلت عن شيء ثمين لصالح الفلسطينيين وراحت تطبق الخناق على غزة من كل النواحي والاتجاهات.. وعندما أظهر الفلسطينيون أنهم مثل: أي شعب متحضر يمارسون الديمقراطية بشفافية ونزاهة شهد لها العالم أجمع، اغتاظت أكثر.! ووجدت في نتيجة الانتخابات حجة، أو مبررا لتستمر في معاقبة الفلسطينيين والانقضاض عليهم من جديد بحجة فوز حماس كمنظمة (إرهابية)، والحقيقة من وجهة نظر الإسرائيليين أن العرب جميعهم إرهابيين، وما شعار "الموت للعرب.." الذي يردده الشعب الإسرائيلي بأكمله إلا دليلا على تطرف وعنصرية هذا الشعب الذي وجد في تراثه وتجربته ما يعزز سياسته الفاشية ضد البشرية بأكملها وليس العرب فحسب! فراح يعادي ويتجهم ضد أي بلد يمكن أن يعتدل بعض الشيء إذا ما وقفت بجانب العرب حتى لو كان معنويا، وأقل ما يمكن أن تقوم به ضد هذا البلد تنعته بأنه ضد السامية..

هكذا هي إسرائيل على مدى أكثر من ستين عاما تدور في فلك الحرب.. ستون سنة من سفك الدماء غير كافية لإنتاج ديجول إسرائيلي يقرر مرة واحدة: أن سياسة العنف لا تولد إلا عنفا متزايدا... ستون سنة من ملاحقة شعب أعزل غير كافية وغير مقنعة لهم بأن ذلك غير مجدي ولا يمكن أن يقضي على شعب، وكلما أوغلوا في الجريمة كلما زاد هذا الشعب عنفوانا وشموخا.. وكلما زاد فساد القادة الإسرائيليين وفساد مجتمعهم البغيض.. هكذا هي إسرائيل! ليبرمان وجماعته الذين لم يتعلموا العبرية بعد! صاروا جد متطرفين ولا يرغبون بوجود العرب هنا.. وحازوا على تأييد واسع من المجتمع الإسرائيلي الذي تربى على التطرف والعدوان.. ولن ننسى أن هذا المجتمع لم ينتظر رئيس وزرائه رابين أن يحقق لهم قليلا من السلام فاغتالوه على الفور، ومنذ ذلك الوقت وهم يبحثون عن مبررات تبعدهم عن تحقيق السلام، ويضعون العراقيل تلو العراقيل في طريق تقدم الشعب الفلسطيني خطوة إلى الأمام دون أي اعتبار لحقوق الإنسان ولو كان ذلك يكلفهم المزيد من الضحايا، وما قضية شاليط إلا برهانا واضحا على سياستهم الهوجاء، وإن لم يكن شاليط فسوف يجدون عشرات الشلاليط لتنفيذ هذه السياسة، ضاربين بعرض الحائط كل آمال العالم الذي بات يحلم بأن تكف إسرائيل عن إقلاق مضاجعه..

إسرائيل أوقفت الحرب على غزة وانسحبت منها؛ لأنها لا تريد حلولا وخوفا من أن يتوحد الفلسطينيون وينتهي الانقسام تاركة شاليط خلفها لحسابات سياسية كي يبقى مسمار جحا، أو حصان طروادة الذي به يمكنها تنفيذ سياستها التي تريد... وهاهو ينجلي الأمر تماما خاصة أن حوارات المصالحة الفلسطينية في القاهرة بدأت تعطي ثمارها، لكنها اصطدمت بسياسة إسرائيل لأن أي برنامج لحكومة الوحدة الفلسطينية لن ينجح، ولن تفتح المعابر، وسيبقى الحصار وسيستمر العدوان مادام شاليط في غزة، وإن تجدد الحديث عن إعادة إتمام صفقة التبادل قبل تسلم الحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ فستجد هذه الحكومة أو أية حكومة مبررات كثيرة لاستمرار حالة اللا حرب واللا سلم التي ظلت إسرائيل تعتمد عليها منذ قيامها وحتى الآن! وإن كان الفلسطينيون يبحثون عن أية وسيلة لتحرير أسراهم من القيد، فإسرائيل يوميا تعتقل منهم المزيد والمزيد بمبرر، وبدون مبرر.. هكذا هي إسرائيل إن نجحت باستخدام حصان طروادة في تنفيذ سياستها، لكنها نسيت أو تناست أن طروادة وإسبارطة لم تعد موجودتان، وبعدها انقرضت إمبراطوريات عظمى .. وهكذا ستزول إسرائيل طال الزمن، أم قصر لأنها تعيش أساطيرا وهمية في عصر أصبح العالم قرية صغيرة ولا يمكن لأي دولة أن تعيش معزولة عن محيطها..

عضو صالون القلم الفلسطيني

Elkarim76@hotmail.com

القضية ليست لغوية

نقولا ناصر

في مقابلة له مؤخرا مع صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية قال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، خالد مشعل ، إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يتحدث ب"لغة جديدة" تجاه الوطن العربي ومحيطه الشرق أوسطي ، لكن "التحدي" ، كما أضاف ، يكمن في أن تكون هذه اللغة الجديدة "مقدمة لتغيير حقيقي في سياسات الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي" .

ومشعل من موقعه القيادي ربما يطل على ما لا يراه المواطن الفلسطيني في القاعدة الذي لا يرى حتى الآن أي جديد في لغة الإدارة الأميركية الجديدة طالما هي تبني على قديم سابقتها في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والمنطقة بعامة . لكن هذه قضية أخرى . فقد أثار "أبو الوليد" في حديثه للصحيفة الإيطالية قضية "اللغة" ، ليحفزنا إلى مراجعة اللغة التي بات المفاوض الفلسطيني يتحدث بها منذ جنحت قيادته ، طائعة أو مكرهة ، إلى السلام ، وهي لغة ما زالت الفجوة تتسع بينها وبين اللغة الأصلية للقضية الفلسطينية حتى لم يعد المواطن العادي يجد قاسما مشتركا بين لغته الوطنية وبين لغة المفاوضين باسمه .

وكان آخر مثال صارخ على التناقض بين اللغة الرسمية الفلسطينية السائدة وبين الممارسة السياسية الفعلية إعفاء واحد من أكفأ وأعرق الدبلوماسيين الفلسطينيين من منصبه كسفير في موسكو ، وهو الفتحاوي المخضرم ابن القدس عفيف صافية ، السفير الفلسطيني السابق في واشنطن والأسبق في لندن والفاتيكان ، لأنه شارك في مهرجان نظمته حركة حماس لم يكن له علاقة بالانقسام الفلسطيني وكان موجها لجمهور أجنبي لتعريفه بجرائم الاحتلال أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة ، بينما قيادته تصرح ليل نهار بحرصها على إنجاح حوار القاهرة من أجل تحقيق وحدة الصف الفلسطيني !

وربما يظهر التناقض بين اللغتين الوطنية والتفاوضية جليا في كلمة "التحرير" الواردة في اسم المنظمة المعترف بها الممثل الشرعي والوحيد لعرب فلسطين وفي أسماء معظم الفصائل الأعضاء فيها ، وهي كلمة تتواضع أمام معناها كلمات "المقاومة" أو "الجهاد" الواردة في أسماء القوى الوطنية غير الأعضاء فيها ، لكن شتان بين هذا "التحرير" وبين النهج التفاوضي وما تمخض عنه حتى الآن من ترسيخ للاحتلال واستعماره الاستيطاني المستشري كالسرطان .

ومنذ بدأ التفاوض سريا قبل أن يتحول علنيا ورسميا أدرك المفاوض بأن عليه أن يتعلم لغة جديدة يفهمها "العالم" والاحتلال ، فاضطر بوعي أو دون وعي لممارسة الخداع اللغوي لكي يغطي على الانقلاب على استراتيجية "التحرير والعودة" التي منحه شعبه تفويضا بتمثيله على أساسها ، لذلك اختار التعميم لكي يغطي على "الشيطان الذي يكمن في التفاصيل" ، عندما قرر هذا المفاوض القبول بقراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 ورقم 338 فقدمهما لشعبه باعتبارهما "ال" شرعية الدولية التي ينخرط في "عملية سلام" على أساسهما ، متجاهلا عشرات قرارات الشرعية الدولية الأخرى التي ما زالت حبرا على ورق ، من أجل مبادلة "ال"أرض بالسلام ، مغيبا واقع عدم وجود أل التعريف في النص أصلا .

وعندما أدرك الشعب بأن هذه المبادلة كانت لغوية فحسب وبأن "الأرض" لا تعني كل الأرض بل خمسها وبأن السلام "الشامل" هو شامل فقط لدولة الاحتلال ولا يشمل ، إذا ما قدر له أن يتحقق على هذا الأساس ، إلا ذلك الجزء الأقل من الشعب الخاضع لاحتلال عام 1967 ، قاد الانقسام الفلسطيني الناجم عن ذلك إلى تأخير نجاح المفاوض في القبول رسميا بالقرارين أكثر من عشرين عاما ، بينما قبلت دولة الاحتلال بهما فورا ، لأنهما لم ينصا على إقامة دولة فلسطينية ، ولا على عودة اللاجئين الفلسطينيين ، ولا على انسحاب قوات الاحتلال إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، ولأنهما فوضا دولة الاحتلال ب"إدارة" الأرض الفلسطينية المحتلة في ذلك العام حتى يصنع الجيران العرب السلام معها قبل أن تسحب قواتها منها إلى "حدود آمنة ومعترف بها" .

واستمر الخداع اللغوي بعد "إعلان وثيقة الاستقلال" الفلسطيني في الجزائر عام 1988 ، فقد أغرق المفاوض الشعب في "فرحة" إعلان الاستقلال لتغرق معه حقيقة أن هذه الوثيقة كانت في الوقت نفسه هي وثيقة الاعتراف بدولة المشروع الصهيوني على ثمانين في المائة من فلسطين التاريخية ، في انقلاب استراتيجي على استراتيجية منظمة التحرير ، التي لم يكن أمرا غير متوقع تهميشها منذ ذلك الحين .

وكانت الزفة اللغوية التي أعقبت ذلك تاريخية حقا احتفالا بمولود لم ير النور بعد ، لكن أكثر من 105 دولة اعترفت بذلك الاستقلال وفتحت أكثر من سيعين "سفارة" فلسطينية في تلك الدول ، وأعقب ذلك اعتراف أميركي بمنظمة التحرير قاد إلى اعتراف دولة الاحتلال الإسرائيلي بها وبدء التفاوض معها ، ليتحول هذا الاعتراف الأميركي الإسرائيلي بحكم الأمر الواقع في الوقت الحاضر إلى المرجعية الوحيدة للاعتراف بشرعية المفاوض الفلسطيني ، الذي اعتمد "حل الدولتين" باعتباره "المشروع الوطني" الفلسطيني الذي يجري تحت غطاء خداعه اللغوي تدمير الأسس المادية لأي مشروع وطني حقا حتى في الحدود الدنيا ، مثل "إقامة سلطة وطنية" على أي "جزء يتحرر" من أرض الوطن ، لتجد الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادة المنظمة نفسيهما بدلا من ذلك في أسر سلطة حكم ذاتي ، تحت الاحتلال المباشر ، كان من المفترض أن تكون بديلا للإدارة المدنية للحاكم العسكري للاحتلال لكنها تستمر في موازاتها ، بل في ظلها ، ولا يمكن لها أن تستمر دون "التنسيق" معها .

إن الجدل "اللغوي" الساخن -- الذي لم يتم حسمه بعد في الجولة الأولى للحوار "اللغوي" الفصائلي التي انتهت في التاسع عشر من الشهر الجاري في القاهرة -- حول "احترام" أي حكومة توافق وطني فلسطينية للاتفاقيات الموقعة بين قيادة المنظمة وبين دولة الاحتلال أو "التزامها" بها هو مثال آخر على طغيان لغة التفاوض على جوهر القضية نفسها ، فالمواطن الذي ما زال لا يفهم إلا لغة القرآن ما زال لا يفهم أيضا هذا الجدل البيزنطي حول احترام تلك الاتفاقيات أو الالتزام بها ، وكان يتوقع من قياداته حوارا أجدى حول جدوى تلك الاتفاقيات وجدوى استمرار احترام أي قيادة فلسطينية لها بعد أن سحقتها دبابات الاحتلال وطائراته وبوارجه الحربية مرتين خلال ست سنوات منذ "عملية الدرع الواقي" عام 2002 وانتهاء ب"عملية الرصاص المصهور" الأخيرة وبينما جرافات الاستعمار الاستيطاني تستمر في تدمير الأسس التي قامت عليها عملية التفاوض .

ويدور هذا الجدل البيزنطي في إطار شعار لغوي خادع آخر هو"الوحدة الوطنية" ، فالوحدة المطلوب من حوار القاهرة إنجازها بين الفصائل وحدة تكتيكية تريدها فصائل المفاوضة من أجل استئناف المفاوضات فقط ، لأن الاحتلال يتذرع بالانقسام الفلسطيني حتى يتنصل من عملية التفاوض بحجة عدم وجود شريك فلسطيني واحد يمثل "كل" شعبه ولأن الراعي الأميركي لعملية التفاوض وممولها الأوروبي يريان في الانقسام عقبة تعيق المفاوضات ، وهي وحدة تكتيكية تريدها فصائل المقاومة لدعم مشروعها وإعادة النظر في عملية التفاوض الجارية منذ عقدين من الزمن وفي مرجعياتها وأهدافها .

لكن البند الوحيد على جدول أعمال أي حوار وطني غير تكتيكي ينبغي أن يكون استعادة الوحدة الاستراتيجية للشعب والوطن ، بعد أن قادت برامج "الواقعية" السياسية "المرحلية" والاتفاقيات الموقعة "الانتقالية" و"المؤقتة" المنبثقة عنها إلى البناء على اختزال الوطن في خمسه المحتل عام 1967 وإلى تقسيم الشعب على هذا الأساس إلى "ثلث" يقيم تحت هذا الاحتلال يحق للمثل الشرعي والوحيد الفلسطيني أن يمثله ويتفاوض باسمه ، و"ثمن" هو "مواطن" في دولة الاحتلال الإسرائيلي لا يحق لمنظمة التحرير تمثيله أو التفاوض دفاعا عنه ، و"ثلثان" في المنافي والمهاجر القسرية وافق المفاوض على "تأجيل" البت في مصيرهم إلى التفاوض على "الوضع النهائي" بموجب الاتفاقيات المؤقتة التي تمتد آجالها وتمدد بهذه الذريعة أو تلك حتى بات الوضع "المؤقت" المنبثق عنها وضعا دائما في الأرض المحتلة عام 1967 يبدو أن ديمومته ستطول مثل ديمومة الوضع المؤقت لدولة الاحتلال منذ عام 1948 ، التي وقع المفاوض الفلسطيني في فخ الاعتراف بها وهي ما زالت دون دستور يرسم حدودها .

ورفع شعار القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة في إطار "المشروع الوطني" لحل الدولتين يندرج بدوره في سلسلة الشعارات اللغوية التي يضيع مضمون ما تعنيه على وجه التحديد في غموض التعميم الذي تطرح فيه ، والوضوح الوحيد في رفع هذا الشعار يظهر في "تبرع" المفاوض الفلسطيني المسيق بالشطر الغربي من "القدس الشريف" للاحتلال الذي ما زال مفاوضه يرفض حتى الآن مقابلة كرم نظيره الفلسطيني بالمثل في شطر المدينة المقدسة الشرقي ، كما يظهر الوضوح في تطوع المفاوض الفلسطيني ، دون أي تفويض من أي مؤسسة وطنية ممثلة لشعبه ، للقبول بشطرها الشرقي مطلبا له ، بينما كل القدس محتلة وجميعها ، بغربها وشرقها ، ينبغي أن تكون قضية من قضايا التفاوض على الوضع النهائي . ورحم الله فيصل الحسيني الذي وثق في بيت الشرق ملكية المقدسيين العرب لخمسة وسبعين في المائة من الملكية في القدس الغربية ، ورحم الله المفاوض الفلسطيني من ردود فعل ورثة هذه الأملاك .

إن القضية الوطنية الفلسطينية هي قضية إنسان عربي من لحم ودم ، وقضية أرض وثقافة ومعتقد ، وقضية تاريخ وحاضر ومستقبل ، لكنها كما يبدو قد تحولت إلى قضية لغوية ، استبدل فيها صراع الوجود على الأرض ب"اشتباك تفاوضي" لغوي على الورق يجهد المفاوض الفلسطيني فيه من أجل إتقان لغة يفهمها الاحتلال وشركاؤه وحماته ويجهد كذلك من أجل تعريبها دون طائل حتى الآن ، لأنها ، بالعربي الفصيح ، بدأت غير مفهومة وطنيا ، وما زالت .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*