عطا مناع
رحل الحكيم،هناك من وصف الرحيل بالجسدي، هذا صحيح لان الجسد فان والبقاء للقيم والمواقف، كالعين تواجه مخرز الاحتلال، تتطلع في الأفق للحلم الذي لم يتحقق بعد، رحل المؤسس بكل ما قيل عنة من عمق ووضوح رؤيا وتمسك بالثوابت التي نادى بها طيلة ستة عقود، قيل عنة الكثير وكأنهم يرون في هذا الرجل ما فقدوة ليتشبثوا بحلمة وانتمائه وعناده حتى النفس الأخير، امن بان فلسطين لنا من نهرها إلى بحرها، ولعن التسوية، وارتضى أن ينهي حياته بهدوء بعيدا عن فوضى الإعلام، رافضا أن يكون شاهدا على ذبح شعبة في غزة، مشيحا بوجهة عن مشاهد العار وذبح الإنسان الذي لطالما امن أنة القضية.
رحل الحكيم واختلطت الأشياء،ونكست الأعلام، وتحركت وثائق العار تبحث عن مكان لها بجانب جثمانه الطاهر، أنة تجسيد للتناقض بين القيم الوطنية، رجل مات وهو يردد اسم اللد والوحدة العربية وأحلام الشباب التي سافر بها من منفى إلى منفى دون أن يكل أو يتعب مؤمنا بشعبة وبحتمية الانتصار، وآخر انحرف عند أول منعطف ليصبح الناطق باسم من دفع بشعبنا إلى تيه اللجوء وأمين سره.
جاء رحيل الحكيم ليسقط القناع عن مرحلة اتسمت بالهبوط والانحدار والتنكر للوطن الذي تحول إلى كعكة مشبعة بدم الشعب يتقاسمها من تقمصوا الانتماء للقضية التي عاش ومات من اجلها كغيرة ممن أطلقوا الرصاصة الأولى والكلمة الأولى، هؤلاء الذين عاشوا للوطن الذي شكل الصفحة الأولى والأخيرة من حياتهم، أنهم"الإرهابيون" في نظر عدوهم الذين لم يتوانى عن ملاحقتهم في حياتهم ومماتهم، لادراكة أنهم ملح الأرض ووقودنا لاستنهاض الهمم في زمن الانكسار، أنهم حجارة الوادي الكبيرة التي نحتت بعمرها تاريخنا وضمنت لنا صيرورة نضالنا، هم صمام الأمان وكلمة السر التي الحاضرة المتحررة من الزمان والمكان.
لقد رحل الحكيم ونحن منغمسين في الفوضى والاشتباك الداخلي من رؤؤسنا حتى أخمص أقدامنا، لنتحول لقبائل متناحرة تسمي نفسها قوى وروافع وطنية، قبائل أحرقت السفن التي أبحرت بشعبها في زمن الاحتلال، لتدخلنا في متاهة الارتجال وشخصنه القضايا الوطنية، ولسان حال غالبيتهم"أنا ربكم الأعلى... أنا الشعب والشعب أنا"، أنة الانقلاب على ما راكمة الشعب من انجازات وتضحيات مقدسة، انة الشطب المؤكد للهوية والثقافة الفلسطينية، انقلاب على الحريات وحقوق الإنسان وعلى الايثارية الفلسطينية بشهدائها وأسراها وعلى معاناة الشعب وحلمة.
بعيدا عن العاطفة، إن المصيبة كبيرة ومركبة وهي لا تكمن برحيل قادة الشعب الفلسطيني العظام فمن الطبيعي أن يترجلوا ويلحقوا بمن سبقوهم من الوطنيين ومن يقول يعكس ذلك فهو من عبده الأصنام، مصيبتنا في رحيل الجسد والفكر وانعدام التواصل في حمل راية الكفاح والحفاظ عليها في الزمن الصعب، مصيبتنا في اندثار قوة المثل وافتقارنا للقائد الاستراتيجي ذو الرؤية الثاقبة صاحب القرارات الصائبة والشافية، مصيبتنا أن الوطن يخنق ونتقاتل على المعبر ونختلف على الشرعية، مصيبتنا في عشرات القادة أو الذين يعتقدون أنهم قادة يفرضون علينا الانصهار في نرجسيتهم المزعجة التي لا تعبر عن الحد الأدنى من مصالحنا كشعب.
في عمان التي احتضنت طبيب الأطفال الناشط في أوساط الفقراء من أبناء المخيمات بداية السبعينيات شيعة محبوه إلى مقبرة سحاب، المشاركون في التشيع كانوا من رفاقه ومن عايشه من القوى الوطنية العربية والفلسطينية، في عمان حيث انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولحظات العنفوان دفن مؤسس الجبهة الشعبية، وربما تذكر من شيعوا الحكيم واستمعوا إلى صدى صوته الذي نادى بفلسطين من النهر إلى البحر وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها بفعل الاستعمار البريطاني الداعم للعصابات الصهيونية الهاغاناة وشتيرن، لربما استحضر مشيعوا الحكيم وهم يلقوا علية نظر الوداع واقف العز والبطولة والرفض وقولة لا صلح لا استسلام لا مفاوضات، وقد يكون مشيعوا الحكيم قد فراءو الفاتحة على أرواحهم وأراحنا الميتة نحن الجثث التي تسير على غير هدى فاقدة لبوصلتها تائهة في أروقة المؤسسات الدولية تستجدي الوطن ممن تأمر على الشعب والوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق