الأربعاء، مارس 31، 2010

لا تدعوهم يمضون قبل تسجيل شهاداتهم

نضال حمد

قبل ايام قليلة ودع أهالي بلدة الصفصاف المرحوم الحاج خالد يونس - أبو فؤاد ، أحد وجهاء بلدة الصفصاف المميزين ، صاحب العلم والمعرفة والتاريخ الملتصق بقضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .. عمل ابو فؤاد يونس مديراً لبعض المخيمات، مثل مخيم الرشيدية ومخيم بعلبك كما ابن بلدته وزميله الاستاذ الحاج ابو مروان حمد مدير مخيم البداوي أمد الله في عمره ... عرف عن أبي فؤاد اخلاقه العالية وعلاقاته الجيدة والمتينة بكل الذين عرفهم . عرفه أهل فلسطين اللاجئين رجلاً مسالماً ، محباً للمعرفة والعلم والتعليم والتقدم ... وكان يحث اهالي بلدته وافراد حمولته على العلم والدراسة والمثابرة والمواصلة حتى نيل أرفع الشهادات الدارسية والجامعية.
رحل الحاج أبو فؤاد عن عمر ناهز ال 95 عاماً بعد صراع مع المرض أضناه في آخر شهور حياته. جدير بالذكر أن المرحوم أبو فؤاد ولد سنة 1915 في بلدة الصفصاف الجليلية الفلسطينية المحتلة من قبل قطعان اليهود الصهاينة ، الذي احتلوها كما جاراتها الرأس الأحمر وطيطبة وقديثا والجش وعين الزيتون وميرون وعكبرة وكل قرى منطقة صفد.. فقد احتلوها بعدما جاءوا الى فلسطين من كل بقاع الدنيا ، مسلحين بالحقد والكراهية والضغينة والعداء لكل من كان يقيم على تلك الأرض المسماة فلسطين والتي ستبقى تسمى كذلك الى يوم الدين. لم يكتف القتلة اليهود الصهاينة باحتلال البلدة وتشريد سكانها وابو فؤاد كان واحداً منهم ، بل ارتكبوا مجزرة رهيبة بحق من اعتقلوهم من سكانها الآمنين وكذلك بحق من لجأ اليها من سكان القرى المجاورة. فاستشهد حسب أقوال أهالي البلدة 111 من أبناءالصفصاف وابناء البلدات المجاورة ، الذين احتموا فيها بعد سقوط بلداتهم نهاية شهر تشرين الأول - اكتوبر 1948 . وللعلم فأن آل يونس فقدوا في تلك المذبحة ثمانية ضحايا من رجال العائلة. فيما سقط 11 من آل زغموت و10 من آل شريدي و7 من آل حمد وآخرين من كافة عائلات البلدة.
الحمد لله أن أبو فؤاد يونس ترك شهادته قبل أن يعود الى ربه .. فقد علمت أن قناة المنار كانت اجرت معه مقابلة تحدث فيها عن بلدته الصفصاف. ولا بد أن تلك المقابلة غنية ومليئة بالمعلومات المفيدة والهامة عن الصفصاف وقضاء صفد. فالحاج ابو فؤاد كان شاباً يبلغ من العمر 23 عاماً عندما هاجم اليهود الصههاينة البلدة واحتلوها ، كما أحتلوا كل فلسطين.
إن رحيل من تبقى على قيد الحياة من جيل أبو فؤاد يونس وأبو عفيف حمد والأجيال التي جاءت بعدهما ولا نقول قبلهما لأنه لم يعد هناك من هو على قيد الحياة من الذين ولدوا قبلهما.. رحيل هؤلاء يدعونا لدق ناقوس الخطر. ويلح علينا بأن نطلق صرخة استغاثة نأمل أن تصل الى كل الذين تعنيهم الذاكرة الشفوية ، وتعني لهم حكاية الصفصاف والقرى المهجرة والمهدمة في فلسطين المحتلة سنة 1948 شيئاً ما .. ايها الشباب ابدئوا بمتابعة هذه الملفات وبتسجيل الشهادات لهذا الجيل الذي لم يعد كثيرون منه على قيد الحياة. فهذه امانة في اعناقكم ... ايها المهتمون بالصفصاف وبكل قرية وبلدة ومدينة فلسطينية نكبت وسرقت وسلبت ودمرت . تسجيل ذاكرة الكبار قبل أن يرحلوا عن عالمنا أمانة كبيرة في عنق كل وطني غيور لديه الامكانية لتسجيل مقابلة أو حديث مع اي من هؤلاء ولم يقم بذلك.
رحم الله الحاج ابو فؤاد يونس ورفيقه الحاج ابو عفيف حمد الذي رحل قبل عدة شهور دون أن يترك للاسف شهادته. والتي نعتقد أنها كانت غنية ومفيدة بحكم أن شقيقه محمد طالب حمد ( أبو طالب حمد ) كان واحداً من اهم وجهاء الصفصاف في البلاد وفي الشتات. وهناك حكاية طريفة عن المرحوم أبو طالب حمد ، وهي أنه بعد اللجوء من فلسطين الى لبنان وبعد سنوات العيش بمذلة ومهانة وفقر وتشريد وعوز وقمع وظلم ، كتب هذا الأخير رسالة وجهها الى الله سبحانه وتعالى ، وشكا فيها هم شعبه اللاجئ المشرد والطريد ، الذي يعامل بمهانة واذلال من قبل السلطات الأمنية في لبنان. ومن قبل الاحتلال الصهيوني في فلسطين. وضع رسالته في البريد وكتب على غلافها " رسالة من لاجئ فلسطيني الى الله ".. أرسلها فلم تذهب الى العنوان المرسلة اليه ولا هي عادت الى مرسلها ، الذي بدوره رحل بعد الرسالة بعدة سنوات عن عالمنا ليصبح بين يدي الرحمن.
علينا حفظ حكاياتهم وشهاداتهم وأرشفتها وصيانتها والمحافظة عليها لتكون في عهدة الأجيال القادمة ، ولتبقى فلسطين بكل بلداتها ومدنها حية وحاضرة في الصغار وفي الاجيال القادمة ، الى أن يتم تحريرها من رجس الاحتلال الصهيوني واعادة رفات كل موتانا وشهداء شعبنا وضحايانا الى بلدتهم الصفصاف والى بلداتهم ومدنهم في فلسطين المحررة.
* مدير موقع الصفصاف
www.safsaf.org

وجهان لكهرباء واحدة في غزة

د. فايز أبو شمالة
الوجه الأول: لا شرَّ بلا خيرٍ، ولا عسر من انقطاع الكهرباء عن غز بلا يسرٍ، فمن الشرِّ الذي أرادوه بقطع الكهرباء أعطوا لغزة صفاء الذهن الوطني، أخذوا النور عنها وأعطوها دقة بصر المقاومة، وواسع النظر إلى الحلم الفلسطيني، هدوا الصناعة في غزة ليعيدوا إليها هدوء الأعصاب السياسي، فصار ليل غزة بلا كهرباء أجمل، وصار صوتها أرق، وصارت سماؤها أكثر بريقاً، وصار جلباب غزة يفوح عطراً، ويتساقط نرجساً، وفاحت شوارع غزة بالياسمين، وأشرقت بيوتها بالحنين في ثلاثة:
أولاً: انقطاع الكهرباء لساعات يعزل الناس عن نشرات الأخبار، وشبكة الإنترنت، ويعطيهم فسحة للتواصل الاجتماعي، والتفاعل الإنساني الذي يبرمجه الناس مع مواعيد قطع الكهرباء.
ثانياً: بلا كهرباء يشع بريق العتمة في البيوت، وللعتمة همس دافئ، ومشاعر حياة تدركها الحواس، وحكايات عائلية بالأمل عن الغد الذي سيشرق بلا محتل، وبلا غاصب.
ثالثاً: قطع الكهرباء يلزم الأطفال بالنوم المبكر، وبالتالي يتفرغ الوالدان لواجبات أخرى، ولاسيما أنهم يوقتون التواصل الوجداني مع قطع الكهرباء، عندما تشرق العتمة بالأشواق، وترتعش ممرات الكنيست الإسرائيلي من التكاثر السكاني، وتحترق الأوراق.
الوجه الثاني لكهرباء غزة: لا خير في أمة ترتبط بحبل سري مع عدوها، ترجوه الانتصار، فيفيض عليها بالكراهية، ويضن عليها بالكرامة، ويوسع السجون لأبنائها، يطعمها الشهد إن رضي عنها، ويسقيها الذل إن غضب عليها، وهذا ما يدركه سكان غزة في ثلاثة:
أولاً: أن الدولة العبرية سبب انقطاع الكهرباء، والهدف من قطعها المتواصل هو: إشغال الناس عن التفكير في 85% من فلسطين المغتصبة، وعن 15% تحت الاحتلال.
الثاني: أن عدوهم دولة لليهود تفعل ما يطيب لها، ولا تجرؤ أي دولة عظمى أن تقول لليهودي في إسرائيل: لا. ولا يجرؤ أي زعيم عربي مهما كان، أن يمس بسوء شال الحرير الأزرق الذي يلف خصر إسرائيل.
الثالث: أن قطع الكهرباء عن غزة لا تخص سكان قطاع غزة وإسرائيل فقط، وإنما هنالك يد شيطان تنسج كل الوقت ثوب العتمة على مقاس تمرد سكان غزة على شروط الرباعية، وللتفصيل أقول: يحتاج قطاع غزة إلى 3300 كوب وقود صناعي أسبوعياً، ولكن محكمة العدل العليا في إسرائيل قررت أن غزة تحتاج إلى 2200 كوب وقود صناعي أسبوعياً فقط، والتزمت الحكومة الإسرائيلية بذلك، والتزم الاتحاد الأوروبي بتسديد قيمة فاتورة الوقود مباشرة إلى إسرائيل من برنامج الطوارئ حتى نوفمبر 2009، عندما أوقف الاتحاد الأوروبي البرنامج لأهداف سياسية خبيثة، وراح يضخ المال مباشرة إلى حكومة رام الله، التي اكتفت بتسديد فاتورة ما مقداره 1100 كوب وقود صناعي أسبوعياً فقط، لتقع غزة تحت ضائقة الحاجة إلى من يسدد عنها باقي قيمة فاتورة الوقود؟ ولاسيما أن المتضرر المباشر من نقص الوقود هو المواطن الفلسطيني الذي يعاني اغتصاب أرضه، ويكتوي بنار الحصار.
فلماذا تراجع الاتحاد الأوروبي عن تسديد فاتورة الوقود مباشرة كالسابق؟ لماذا ألغى برنامج الطوارئ؟ وهل يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تعميق شق الخلاف الفلسطيني عندما حول المال نقداً إلى حكومة رام الله؟ وأين منظمات حقوق الإنسان وهي ترى سجناء غزة بلا كهرباء؟ وهل تقطع الكهرباء عن سجناء "جوانتنامو" وعن سجناء أبو غريب وسجناء نفحة؟ أين جامعة الدول العربية؟ وأين التنظيمات الفلسطينية من يسارها إلى يمينها؟ وأين الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية؟ بل أين رجال حركة فتح الذين يعيبون في مجالسهم الخاصة على حكومة رام الله تنكرها لغزة، وتخصيصها جل الميزانية الفلسطينية لمشاريع في الضفة الغربية؟
على سكان غزة التأقلم مع العتمة، وأن يتحسسوا مسارهم بقرون استشعار المقاومة، وأن يلتقطوا برموشهم نجوم الصبر، ليصنعوا من الصمود قبة الصخرة للمسجد الأقصى.

وسائل الاعلام وحقوق الانسان

دكتور روزينيا
نقلها الى العربية ابراهيم ابوعلي



في الايام القليلة الماضية قام الرئيس "لولا"بزيارتين خارج البلاد,وقد كان من الممكن ان يمرا بسلام,لكن جزء كبيرا من وسائل الإعلام البرازيلية

قررت ان تكيل بمكاييل مختلفة لتلك الزيارتين,ومن اجل ذلك فإنك وبكل تأكيد ستجد المختصين في الموضوع من صحفيين ومثقفين دائما جاهزون ليبدوا اراء تنطبق مع ما يريده اصحاب الفضائيات ووسائل الاعلام ان يبث على الملأ!,,,اما اصحاب الرأي المخالف فغالبا ما يكونوا مهمشين واذا سمح لهم بإبداء ارائهم فيكون بطريقة محدودة

اكتب هنا عن زيارتي الرئيس "لولا" لكوبا وللشرق الاوسط

لن اعلق على تصريحات الرئيس ,لكن عن كيفية تغطية وسائل الاعلام للزيارتين,وبشكل اساسي فيما يتعلق بحقوق الانسان

لقد وصل "لولا"الى كوبا في نفس اليوم الذي توفي فيه "اورلاندو زاباتا"وهو احد معارضي النظام الكوبي, وبسبب ذلك كان هناك تضخيم اعلامي وانتقادات واسعة في وسائل الاعلام البرازيلية عن حقوق الانسان"المهضومة" في كوبا.

وبالمقابل ففي زيارة الرئيس "لولا" لاسرائيل لم يكن هناك اي تعليق حول هذا الموضوع,فقط التعليقات كانت حول عدم زيارة "لولا"لقبر هرتسل .الصحافيون والمختصون والمثقفون انتقدوا "لولا" فقط لعدم زيارته قبر هرتسل!لكنهم لم يذكروا ان الزيارة لم تكن مدرجة على الاجندة الرسمية اساسا!وكذلك لم يذكروا ان رؤساء دول اخرى لم يقوموا بزيارة ذلك القبر امثال ساركوزي وبرلسكوني والذين مروا هناك في الايام الليلة الماضية.



بعد موت "زاباتا" في كوبا كان هناك معارض اخر للنظام الكوبي هو "غيليرمي فارينياز"والذي نجد في ماضيه تداخل بين الجريمة والقليل من العمل السياسي,فقد انتهز الفرصة ليعلن اضرابا عن الطعام, وفارينياز هذا غير مسجون وقد عرض عليه امكانية الهجره لكنه أبى ورفض

ومن جهة اخرى فإن هناك صمت رهيب حول حقوق الانسان في اسرائيل ,حيث انه نتيجة للاعتداءات الاسرائيلية فإن هناك مابين 4 الى 5 ملايين فلسطيني لاجئين ومشردين خارج فلسطين وان هناك اكثر من 3.2مليون فلسطيني يعيشون داخل فلسطين واذا ارادوا الذهاب من مكان الى اخر فعليهم ان يمروا على بعض من ال 600 حاجز تدقيق اسرائيلي تعترضهم, وفي كل واحد من هذه الحواجز هناك امكانية عدم متابعة الرحلة او الاعتقال,

فإسرائيل هي من البلدان التي لديها اكبر عدد من المعتقلين السياسيين في العالم حيت تعتقل في سجونها اكثر من عشرة الاف فلسطيني بينهم اطفال ونساء, وكذلك تجد من ضمن المعتقلين مسئولين فلسطينيين تم انتخابهم ديموقراطيا حيث تجد 39 نائبا فلسطينيا معتقلا وتجد بين المعتقلين 9 وزراء تم خطفهم منذ شهر حزيران 2006 والكثير من هؤلاء المسئولين لم توجه لهم اية تهمة ولم يحاكموا, وبكل بساطة هم سجناء لدى اسرائيل

وبدون ان تبدي الاسباب

هل تعلم ان 25%من الفلسطينيين الذين مازالوا تحت الاحتلال العسكري الاسرائيلي قد تم سجنهم في لحظة ما من حياتهم

وان التعذيب مسموح به قانونيا في اسرائيل ومصرح به من قبل محكمة "العدل" العليا حيث سمحت بأستعمال" اساليب مؤلمة"!لاستجواب الفلسطينيين

اقول:لن يوجد هناك احترام لحقوق الانسان ما لم يوجد احترام للارض التي يعيش عليها الانسان

ان قرار التقسيم رقم 181 والصادر عن الامم المتحدة عام1947 والذي اقيمت اسرائيل على اساسه قد منح 56% من فلسطين للدوله الجديدة, بينما ترك الباقي وهو 44%من مساحة فلسطين لتقام عليها دولة فلسطينية, علما بأنه قبل صدور هذا القرار كان الفلسطينيون يملكون 96% من فلسطين.

ان هناك اعتداءات كثيرة على حقوق الفلسطينيين,وكذلك لا يمكنني ان انسى "سور العار" الذي تبنيه اسرائيل في الاراض الفلسطينية وبطول

سبعمائة كيلو متر وهو مرفوض ومدان من قبل الهيئات الدولية, هذا السور يقطع اوصال الاراض الفلسطينية ويقطع اوصال العائلات الفلسطينية, يمنع الناس من الوصول الى اعمالهم, يمنع الطلاب من الوصول الى مدارسهم, ويمنع الفلسطينيين من الوصول الى مصادر مياه الشرب
وسائل الاعلام البرازيلية بشكل عام تتجاهل كل هذه المعاناة.



قبل سنين مضت قرأت في لوموند ديبلوماتيك الصادرة بالاسبانية ان صبيا يهوديا كان يتمشى مع جدُه في احد شوارع تل ابيب وكان الجد يقول لحفيده "اترى هذه الشجرة, انا الذي زرعتها" وتلك ايضا, انا ساعدت في بناء تلك الحديقة" وهكذا كان يخبر حفيده عما قام به من بناء وزراعة من اجل تأسيس دولة اسرائيل وبنائها وبعدما سمع الطفل الكثير من جده ,سأله: جدي هل كنت فلسطينيا؟

هذا يظهر كيف ان بلدا اقيم بمعاناة الكثيرين وبقرار من الامم المتحدة اصبح الان اكثر دولة لا تحترم قرارات الامم المتحده ولا تحترم حقوق

الانسان بينما نكاد لا نجد اي انتقاد لها من وسائل الاعلام.

الدكتور روزينيا هو طبيب اطفال ونائب فيديرالي في الكونغرس البرازيلي عن حزب العمال في ولاية بارانا*


ليتها كانت في مقرّرات قمّة ليبيا

صبحي غندور


انتهت القمّة العربية في ليبيا "على خير". فلم يتكرّر الانقسام أو المقاطعة أو تبادل الإهانات كما كانت تشهد قمم سابقة. ربما هذا "إنجاز" في حدِّ ذاته، لكن معظم الفضل في ذلك يعود للأسف إلى التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة الأميركية لا في المنطقة العربية. فالإدارة الأميركية السابقة كانت تضغط من أجل إقامة محاور عربية متصارعة تحت تسمياتٍ ومضامين لا علاقة لها بالعروبة. فمحور "الإعتدال" أرادته إدارة بوش آنذاك ليكون جمعاً لأطراف عربية مع إسرائيل في مواجهة قوى المقاومة في فلسطين ولبنان وضد الدول الإقليمية الداعمة لها، وفي مقدّمتها سوريا وإيران، مما يُسهّل إقامة "شرق أوسطي جديد" سعت له إدارة بوش وإسرائيل ومارستا من أجله الحروب في العراق ولبنان وفلسطين.

الظروف الآن تغيّرت كثيراً، خاصّةً بعد مجيء إدارة أوباما وبعد القمّة الاقتصادية في الكويت (يناير 2009) التي "تزامنت" مع نتائج انتخابات أميركية أسقطت حكم "الجمهوريين" و"المحافظين الجدد"، وحيث شهدت "قمّة الكويت" مصالحات بين زعماء عرب كبداية لمرحلة جديدة.

لكن التغيير الحقيقي لم يحدث بعد في البلاد العربية، ولا في طبيعة العلاقات العربية/العربية، ولا في صيغة "الجامعة العربية"، ولا في نوعية أو سياسات الحكومات السائدة منذ عقود.

لذلك، يمكن القول، حسب "المثل الأميركي": إن نتائج قمة ليبيا كانت "أقلّ بكثير ممّا كان منتظراً منها، ومتأخّرة جداً عمّا كان عليها فعله"، تحديداً تجاه سياسة إسرائيلية ترفض حتّى ما تطالب به واشنطن فكيف بما يطالب به العرب!.

خرجت قمّة ليبيا بقرارات متواضعة، حتى أيضاً في كيفية ومضمون الدفاع عن عروبة القدس ودعم صمود الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال والحصار. فالدعم العملي المطلوب هو ليس بالمال أو في تأمين "الغطاء السياسي العربي" لمواقف "السلطة الفلسطينية" فقط، بل إنّ الدعم الحقيقي يكون في إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها سلماً أم حرباً.

إنّ التطورات الأخيرة في المنطقة العربية، وفي العلاقات الأميركية/الإسرائيلية، كان محورها، وما يزال، هو موضوع المستوطنات، بينما كان محور الاهتمام قبل ذلك، عربياً ودولياً، هو موضوع الحصار على غزّة أو موضوع عزل المناطق الفلسطينية وجدار الفصل العنصري. وهذه المواضيع هي كلها إفرازات لقضية واحدة اسمها: "الإحتلال". ولا تحتاج قضية "الاحتلال" إلى كثير من المفاوضات والمشاريع والاجتهادات على المستويات الدولية والعربية والفلسطينية. فالاحتلال، كما هو منصوص في القوانين الدولية، يتوجّب أن ينتهي في فترة محدّدة وإلاّ تُتَّخذ بحقّ من قام به العقوبات الدولية. كما تنص أيضاً هذه الشرائع والقوانين الدولية على بطلان كل ما يقوم به الاحتلال من إجراءت، وعلى حقِّ مقاومة المحتل على الأرض المحتلّة.

فأين السلطة الفلسطينية والحكومات العربية من هذا الأمر؟

لقد جرى في "اتفاق أوسلو" عام 1993 التسليم من قيادة منظمة التحرير بنصوصٍ في الاتفاقية تتحدّث عن "إعادة انتشار" القوات الإسرائيلية وليس عن انسحاب مُتوَجَّب على "قوّاتٍ محتلّة". وقد كان ذلك كافياً لتواصِل إسرائيل نهج الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس طيلة 17 سنة، وهي، أي إسرائيل، أخذت أيضاً من الطرف الفلسطيني في اتفاق أوسلو إلغاء حقّ المقاومة المسلّحة واعتباره "عملاً إرهابياً"!!.

إذن، دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على عروبة القدس يتحقّقان من خلال التراجع عن خطيئة "أوسلو وملحقاتها"، ومن خلال عودة الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة برنامج وطني يجمع بين ممارسة العمل السياسي التفاوضي وبين المقاومة بمختلف أشكالها المدنية والعسكرية.

أمّا على المستوى العربي، فالسؤال لا ينبغي أن يكون "كيف ستتعامل إدارة أوباما مع حكومة نتنياهو"، بل: كيف ستتعامل الحكومات العربية مع الاحتلال الإسرائيلي وكل من يدعمه دولياً؟. فما يحدث الآن بين واشنطن وتل أبيب ليس بمباراة رياضية، العرب فيها بموقع المتفرّج والمساند لفريق ضدّ آخر، بل هو أمر أوّلاً وأخيراً من صميم المسؤولية العربية. فهل ستقبل الحكومات العربية بأيّة صيغة تفاهم أميركي/إسرائيلي قد تحدث لمعالجة الخلاف بين الطرفين بشأن الأراضي العربية المحتلّة أو في كيفية تحقيق تسوية شاملة بالمنطقة؟.

لدى الحكومات العربية الآن وسائل كثيرة لكي تُحسِّن من وضعها التفاوضي، ولا نتحدث طبعاً –معاذ الله- عن خيارات عسكرية غير واردة الآن لدى هذه الحكومات. فالحدّ الأدنى الذي تستوجبه مسؤولية هذه الحكومات يمكن عمله من خلال:

1- وقف كل أشكال التطبيع العربي مع إسرائيل، ودعوة دول العالم الإسلامي لفعل ذلك أيضاً.

2- تجميد الحكومتين المصرية والأردنية للعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل. فالمعاهدات القائمة لا تلغي حقّ الدول بتجميد العلاقات، وهو أمر تمارسه الدول العربية مع بعضها البعض أو مع دول أخرى في العالم الإسلامي، أوَليست إسرائيل "أحقّ" بهذا السوء من العلاقات؟.

3- التشجيع على تحقيق المصالحة الفلسطينية وفق مبدأ "حقّ المقاومة ضدّ الاحتلال" وترك تحديد أشكال هذه المقاومة لمستلزمات المواجهة الفلسطينية مع تحدّيات الاحتلال الإسرائيلي.

4- دعم كافّة أشكال المقاومة (المدنية والعسكرية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

5- دعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد الفوري من أجل اتّخاذ قرار مبرمج زمنياً يُطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلّت العام 1967 وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة وببطلان كل ما يقوم به الاحتلال الآن في القدس والضفة الغربية من تهويدٍ واستيطان.

6- إرسال وفد عربي، يرأسه مثلاً العاهل الأردني، إلى مجلسي الكونغرس الأميركي ولمخاطبة الإعلام الأميركي برسالة واحدة مضمونها دعوة الأميركيين لإعادة النظر في رؤيتهم للدور الإسرائيلي بالمنطقة. فمعظم الحكومات العربية أقامت الآن اتفاقيات أمنية وعسكرية مع واشنطن تتيح للأميركيين تسهيلات وقواعد، وهو ما لا تتيحه إسرائيل على أرض ممتدّة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي مروراً بمصر واليمن!. كذلك القول للأميركيين إنّ ثروات العرب "يستقرّ" معظمها في أميركا، وأنّ ما تدفعونه ثمناً للطاقة يعود إليكم كثمن لمشتريات عسكرية لا تستخدمها عادةً الحكومات العربية (إلاّ في حال الاضطرار الداخلي المحدود أحياناً). فما الذي تقدّمه إسرائيل لكم وهي التي تعيش على مساعداتكم المالية والعسكرية وتُسبّب لكم الآن الأذى الكبير في عموم العالم الإسلامي بسبب دعمكم المفتوح لعدوانها على الشعوب العربية وعلى المقدّسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين؟!.

إنّ تحركاً عربياً من هذا النوع يُحافظ على "موزاييك" الواقع العربي و"لا يُحمّل الحكومات إلاّ وسعها"، لكن يحفظ على الأقلّ ماء وجهها أمام شعوبها ويُكسبها شيئاً من الاحترام الدولي.

عذرا أحزابنا..ليس هكذا يحيى ذكرى يوم الأرض

المحامي لؤي زهيرالمدهون
عضو اللجنة الوطنية – حزب فدا
Loayzohir@gmail.com

تحدث المتحدثون في المحافل والفعاليات الوطنية في ذكرى يوم الأرض الخالد، وأصدرت البيانات الرسمية من قبل الهيئات والأحزاب، وكتب الكتاب وسردوا الحقائق التاريخية إحياءً لهذا اليوم لكونه محطة هامة من محطات النضال الوطني، مشكورين على نقلهم لهموم وتضحيات ونضالات شعبنا للأمتين العربية والإسلامية، ولكل أحرار العالم، ولكنني في مقالي هذا لن أبدأ من حيث بدأ الآخرون ولن أبدأ من حيث انتهوا، ولكنني سأبدأ حديثي لائما فصائل العمل الوطني والإسلامي، وكل من حمل هموم هذا الوطن ومعانته من فلسطينيين وعرب ومسلمين وأصدقاء دون الحديث عن الصفات والألقاب .
تابعت كما تابع الكثير فعاليات إحياء ذكرى النكبة الرابعة والثلاثون ممن شارك في الفعاليات؛ أو قرأ للإخوة الزملاء من الإعلاميين والصحفيين والكتاب، وحتى تصريحات القيادات الفلسطينية المتسابقة على نشر أخبار تحركاتها ومشاركتها في مثل هذه الفعاليات، تحدثوا عن حضور عشرات المشاركين، ومن حاول التفخيم تحدث عن المئات من المشاركين، وأنا ممن شارك في هذا الفعاليات أقول وبكل صراحة أنهم كانوا بضع مئات من المشاركين جلهم قيادات فصائل العمل الوطني وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الشعبية والمخاتير والوجهاء وبعضا من رجال الدين.
لم تكن مشاركة هؤلاء هو المؤسف ولكن المؤسف هو حشد ممثلي الفصائل المتواجدون بمفردهم في هذه الفعالية الوطنية؛ لمئات الألوف وعشرات الألوف والألوف في ذكرى إحياء تأسيس فصائلهم وأحزابهم، حيث كانت لجان الطوارئ وإعلان النفير الحزبي العام من اجل الحشد وشحذ الهمم من اجل إنجاح هذه الكرنفالات الحزبية، لكي يتفاخروا بهذه الأعداد من أجل المزاودة على بعضهم البعض؛ وتسخيرها لخدمة التعصب الحزبي الأهوج بالاستفادة منه في حالة طرح مبدأ المحاصصة الحزبية، في نوع من أنواع التناقض فيما تطرحه الأحزاب من مطالبتها تعزيز مبدأ التمثيل النسبي الشامل في حال إجراء الانتخابات ، وتصارعها على مبدأ المحاصصة وإثرائه في حالة طرحه، وهذا ما لمسه الكثير من الإعلاميين والصحفيين والكتاب وعامة الشعب بمزاودة الفصائل على بعضها البعض، فكانت المزاودة في العمل النقابي والمؤسسات الوطنية، حتى تسمية الساحات لم تسلم من هذا النمط من التعصب، فكانت الساحة الصفراء والخضراء والحمراء.. والله أعلم إن كان هنالك ألوان جديدة في الطريق أم لا.
إن تعدد الأحزاب الفلسطينية وتزايدها يوحي إلى وجود شعب مثقف مدني قادر على مجابهة التحديات التي تعصف بقضيته الفلسطينية، قادرا على تسويق همومه للمجتمع الدولي، من خلال انتهاجه نهج المقاومة الشعبية وانتهاجه لكل ما من شأنه أن يعزز المقاومة الممنهجة القائمة على أسس علمية مدروسة، كل من خلال موقعه ومهامه الحزبية والوظيفية والنقابية وعلاقاته وشراكته مع الأصدقاء وما أكثرها من شراكات في ظل التكنولوجيا والتطور العلمي والمتمثل بالنت الذي أضحى به العالم قرية صغيرة، ولكن وللأسف لم نرى ذلك في فعالياتنا الوطنية، وإن وجدناها في فعالياتنا الحزبية.
إن انحراف الأحزاب الفلسطينية وابتعادها عن اتخاذ دورها الريادي الذي عهدناها عليه في الماضي؛ واتخاذها من العمل الحزبي غطاءا لتمرير المصالح الشخصية والمصالح الحزبية والفئوية الضيقة بانتزاع المهام الوطنية والوظيفية والتمثيل الرسمي في المحافل الوطنية والدولية، متناسين الهدف الرئيس من وراء تأسيس هذه الأحزاب، يجعلنا نقول أن قيادات الأحزاب والفصائل هم أحوج الناس لحضور دورات التثقيف الحزبي والتعبئة الحزبية والوطنية أكثر من غيرهم من عامة الشعب، لكونهم القادة ومن يوجه عامة الشعب للطريق الصائب نحو التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية.
إن ما جعلني أتحدث بأن القادة هم أحوج بدورات التثقيف الحزب والتعبئة الوطنية، هو عدم حثهم لكوادرهم الحزبية، وأعضاء أحزابهم وأنصارهم ومؤيديهم للمشاركة في مثل هذه الفعاليات الوطنية، وحفظ طاقاتهم الحزبية للفعاليات الحزبية الخاصة التي لا تخدم في اغلب الأحيان المشروع الوطني، هذا من جانب وشرحه طبعا يطول، ومن جانب أخر هو ما حدث في أحد الفعاليات الوطنية التي شاركت بها إحياءً لذكرى النكبة، وهو تهافت القيادات المركزية بل تصارعها لحمل الشعار المركزي الذي حمل عنوانا كبيرا لهذه الفعالية الوطنية الهامة التي شكلت حدثا تاريخنا هاما في مسيرة نضال شعبنا في مواجهة المشروع الصهيوني بتهويد الأرض، ليس من اجل إيمانهم بهذا الشعار وأنا أتحدى إذا كان من حمله قد قرأه، ولكن التهافت كان من أجل التقاط الصور التذكارية والتوثيق ومراءاة لوسائل الإعلام التي دوما تركز في التقاطها للصور لكبار القادة، وما جعلني اشمئز من هذا العمل هو إلقاء القادة العظام لفصائل العمل الوطني لهذا الشعار على الأرض بعد انتهاء الفعالية في المكان الذي ألقى كل واحد منهم كلمته، هذا الشعار الذي كان قبيل دقائق يتصارعون على حمله أمام وسائل الإعلام، وقبل أربعة وثلاثون عام سقط من أجله الشهداء والجرحى.
إذا كان هذا هو حال القادة فما بالكم بحال من هم دون القادة، الم يحق لي ولكل أبناء شعبنا أن يلفظ هذا السلوك المشين، وان يلفظ التعصب الحزبي الأهوج الذي اضر بقضيتنا الفلسطينية، وبوحدتنا الوطنية، وبوحدة ثرى هذه الأرض الطيبة، التي نحتفل بذكراها في يوم هبت جماهير شعبنا في الجليل والمثلث والنقب معربة عن تمسكها بأرضها وحقوقها الوطنية ضد سياسة التهويد في الثلاثين من آذار عام 1976م، مقدمين الشهداء وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين قبل أربعة وثلاثون عاما، لم يكن فصيلا أو شخصا ما من دعا لهذه الهبة، وإنما الانتماء للأرض هو من اخرج أبناء شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده منددين بالإجراءات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي العربية في الجليل والمثلث وكل أرجاء الوطن.
للأسف، وأقولها بحسرة، لقد فقدت أحزابنا وفصائلنا في كسب مصداقية الشارع الفلسطيني ممّا انعكس على مردودها الإشعاعي وأدى إلى فقدان موقعها في الساحة السياسية التي كانت ترتكز على المزج بين ارتباطها بهويتها الوطنية وبين العمل على الرقي بأساليب النضال الجديدة ، كما أخفقت الأحزاب والفصائل في تحصين بيتها الداخلي ليتم اختراقه من طرف مجموعة من الانتهازيين المختصون في الترحال السياسي بين الأحزاب لحماية مصالحهم الفردية ليتبعهم في ذلك الانتهازيون والمتملقون من داخل الحزب وخارجه، والتي ساهمت في الوصول إلى هذا الوضع المتردّي والمخزي.

يوم الأرض وحلم العودة إليها

د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحث فلسطيني
يوم الأرض من المحطات الهامة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وصفحةٌ ناصعة من صفحات نضاله ومقاومته، وانعطافةٍٍ أساسية في مسيرته النضالية، وهي مناسبة يتوقف أمامها الفلسطينيون في أرضهم وشتاتهم كل عام، يحيون ذكراها في كل أرجاء الوطن وخارجه، ويؤكدون على معانيها، ويكررون الثوابت التي سقط من أجلها الشهداء، وهي أن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه، ثابتٌ على حقه، وأنه عصيٌ على الطرد، ومتمردٌ على الاقتلاع، ورافضٌ للرحيل، وهي مناسبة يحرص الفلسطينيون دوماً، أن يؤكدوا من خلالها على وحدة القضية الفلسطينية، ووحدة التراب الوطني الفلسطيني، وأن إسرائيل هي العدو الوحيد للشعب الفلسطيني، فهي التي احتلت واستوطنت واغتصبت وقتلت وشردت ونفت واعتدت، وهي التي سرقت ونهبت وصادرت وخربت، وهي التي هدمت البيوت، وخربت الزروع، ودنست المقدسات، وعاثت في تاريخ شعبنا فساداً وتخريباً، وهو يوم كشف فيه الفلسطينيون عن كثيرٍ من العزة والشموخ الوطني، والكرامة القومية، وقد هبوا جميعاً للدفاع عن أرضهم، والتصدي للمشروع الصهيوني الاستيطاني الاستعماري، الذي لم يميز في سياساته بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشرقية، وأراضي الفلسطينيين في المثلث والنقب وعكا والجليل، وفي سخنين وعرابة وكفر كنّا والطيبة وغيرها.
يوم الأرض 30/3/1976 علامةٌ فارقة في تاريخ شعبنا الفلسطيني، وانعطافة حقيقة ضد الممارسات الإسرائيلية، ورسالةٌ خالدة أن الأرض لدينا هي الهوية والعنوان، وهي الكرامة والشرف، وعليها ستكون حياتنا، وفيها سيكون موتنا، فقد ثار الفلسطينيون جميعاً ضد قرار المصادرة الإسرائيلي لأرضهم، وسقط منهم شهداء وجرحى دفاعاً عن حقوقهم، ليثبتوا للاحتلال أن الأرض لدينا عزيزة وغالية، وأننا نحميها بالمهج والأرواح، وقد أكد يوم الأرض المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد الأرض الفلسطينية، وطرد سكانها العرب الفلسطينيين منها، وأن إسرائيل ماضية في مخططاتها الإجرامية، وهي وإن توقفت أحياناً، فإنها تنتهز الفرصة المناسبة لتحقيق أهدافها، فهذا حلمٌ راود المؤسسين الأوائل للدولة العبرية، ومازال يدغدغ عواطف قادتها الجدد، ويعيش في مخليتهم، وقد افصحوا عنه، وكشفوا للرأي العام عن حقيقة نواياهم، فهم يصورون أرض فلسطين أرضاً نقية، لا يسكنها غير اليهود، ولا يعيش فيها العرب، لا المسلمون ولا المسيحيون، فهي لليهود وطناً خالصاً، ولا مكان للأغيار فيها، وهم يعملون لمقولتهم الشهيرة أرض أكثر وعربٌ أقل، ولكن إحياء الفلسطينيين يوم الأرض من كل عام، رسالةٌ واضحة إلى العدو الإسرائيلي، أننا لن نستسلم لأي قرارٍ يصادر أرضنا، ويستولي على ممتلكاتنا، وسنبقى في أرضنا ثابتين أمام كل محاولات الخلع والطرد، وقد استغل الفلسطينيون هذا اليوم ليعلنوا تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية والدينية، وحقهم في الدفاع عن وجودهم، رغم كل محاولات السلطة الإسرائيلية لخلعهم من أرضهم، واقتلاعهم من جذورهم، إذ أن إسرائيل تشعر بخطورة وجودهم، وتنامي أعدادهم، وأنهم سيسببون خللاً في التوزيع الديمغرافي للسكان، بما قد يجعل منهم يوماً أكثر عدداً من السكان اليهود، ما سيشكل خطراً على يهودية دولتهم.
وقد كان الفلسطينيون يملكون 75% من الأراضي فترة النكبة، ولكن وبفعل القوانين الاسرائيلية الجائرة، تم تجريدهم من هذه الأراضي، تارةً باعتبارها أراضٍ عسكرية، وتارة بدعوى المصادرة لأغراض الصالح العام، وأخرى تطبيقاً لقانون أملاك الغائبين، كما تم مصادرة أراضي الوقف الاسلامي، وأصبح الفلسطينيون يملكون 3.5% من الأرض، رغم أنهم يشكلون 20% من السكان، ولهذا شكل يوم الأرض أول تحدٍ حقيقي للممارسات الإسرائيلية، فكسر حاجز الخوف، وأدخل السكان الفلسطينيين في معارك نضالية ضد سلطات الاحتلال، مما أوقد الروح الوطنية لديهم، وأحيا فيهم مفاهيم الإنتماء والعودة إلى الأصول.
ويخطئ من يظن أن أهلنا الفلسطينيين، الذين مازالوا يسكنون أرضهم، ويعيشون فوق ترابهم، قد ضعفت عندهم رابطة الإنتماء لعروبتهم وإسلامهم، وأن إسرائيل قد أثرت عليهم بثقافتها وقيمها، وبما حاولت زرعه فيهم من عاداتٍ وتقاليدٍ غريبة، وبالأسماء العبرية التي فرضتها على شوارعهم، وباللغة العبرية التي فرضت تعليمها على أطفالهم، وبمحاولات السيطرة على المرأة، والتدخل في شؤون الأسرة العربية، ورغم ذلك فقد أضحى الفلسطينيون أشد تمسكاً بفلسطين من كثيرٍ غيرهم، وأكثر حرصاً على أرضهم وتراثهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، فحافظ المسلمون على مساجدهم، والمسيحيون على كنائسهم، وتمسكت المرأة بحجابها، والشباب بمساجدهم، ووالتزم الفلسطينيون قرآنهم، وحافظوا على إسلامهم، وقد كان هناك اعتقادٌ بأن هذا الجزء من شعبنا في أراضي 48، قد استكان وسلم بالأمر الواقع، وخضع للاحتلال وتعامل معه، إلا أن يوم الارض جاء ليؤكد حقيقة أن شعبنا هناك، هو جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني، إذ رغم كل المحاولات الإسرائيلية المحمومة، لعزل أهلنا في المناطق المحتلة عام 48، عن بقية أهلهم وشعبهم، إلا أن محاولاتهم كلها قد باءت بالفشل، ومازال أهلنا في أرضهم على حالهم لساناً وهيئةً وشكلاً، وعاداتٍ وتقاليد وقيم، لا يفرطون في موروثاتهم، ولا يتخلون عن معتقداتهم، ولا يتنازلون عن ثوابتهم وحقوقهم، ولا يفرطون في أرضهم، ولا يسكتون عن أي محاولة لمصادرتها، أو اغتصابها، ويعملون أجيالهم الطالعة حب الوطن، ويورثونهم يقينهم بحقهم، وإيمانهم بأرضهم، ويزرعون أنفسهم في أرضهم كالأشجار، لتعطي لأرضهم هويةً وإنتماءاً.
وهم اليوم حماة الأقصى، وجنود القدس، وهم الغيارى على المقدسات، والجنود المخلصين الذين ينافحون عن القدس، ضد غلاة المستوطنين، الذين يحاولون النيل من المسجد الأقصى وباحاته، فهم الذين يؤمون المسجد الأقصى للصلاة فيه، ويتبارون في الرباط في باحاته، في وقتٍ يصعب على أهل غزة الصلاة فيها، بينما يضع الاحتلال العراقيل أمام المصلين من مختلف أنحاء الضفة الغربية، فتنادوا من كل أرجاء فلسطين، لينوبوا عن شعبهم وأمتهم، في الذوذ عن حياض المسجد الأقصى المبارك، وفي تنبيه الأمة كلها إلى الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك.
وأهلنا المتمسكين بأرضهم في عمق فلسطين وشمالها، وفي صحراءها ووسطها، هم الذين يهبون دوماً لمساعدة إخوانهم المحاصرين في قطاع غزة، أو الذين تعرضوا للتدمير في مخيم جنين في الضفة الغربية، فقوافل المساعدة التي يهبون لتجهيزها، تحمل معها الكثير من أواصر المحبة والأخوة والتلاقي، فهم لا ينسون أهلهم المحاصرين، ولا يتخلون عن واجبهم تجاههم، ويتحملون من أجلهم الصعاب والعقبات، ويتعرضون في سبيلهم لأذى جنود الاحتلال، فيضربون ويعتقلون، ويتعرضون للإهانة والتجريح، ولكنهم يمضون قدماً في أداء واجبهم، ولا يلتفتون إلى المعاناة التي يلاقون، ويرفضون سياسة التجويع والحصار، والقتل والحرب والاعتداء، ويصدحون بعالي صوتهم فوق كل المنابر، وفي كل المناسبات، يفضحون ممارسات الاحتلال، ويؤكدون وقوفهم إلى جانب شبعبهم، وتمسكهم بحقهم في استعادة أرضهم، والحفاظ على هويتهم.
يوم الأرض الدامي، الذي لون تراب الوطن بالدم، وصبغ أرضه باللون الأحمر القاني، وأخرج الجماهير العربية والفلسطينية في ثورةٍ عارمة منذ أربعة وثلاثين عاماً، مازالت أحداثه إلى اليوم ماثلة، وجرائم الاحتلال على الأرض باقية، وقبور الشهداء مشادة، ولكنه يومٌ أرسى دعائم حاول العدو الإسرائيلي أن يهزها، وثبت قواعد كان يطمح الاحتلال إلى تحريكها، فربط يوم الأرض أطراف الوطن ببعضه، ونادى بتحرير كل أرضه، وعودة كل أبناءه، وأكد يوم الأرض على تمسك الفلسطينيين بممتلكاتهم، وحقهم المطلق في استعادة أملاكهم المغتصبة، فضلاً عن عودتهم إلى ديارهم المحتلة، وأكد أنها حقوق مقدسة وثابتة، وغير قابلة للتصرف أو المساومة، وأنه لا يحق لأيٍ كان أن يتصرف فيها، أو أن يتنازل عنها، فهي حق الأجيال، وملك الأمة، وقد أخذ الفلسطينيون يتطلعون إلى اليوم الذي يعود فيه ذووهم وأهلهم من الشتات، وبلاد اللجوء إلى أرضهم وطنهم، فيجتمع شملهم على أرضهم من جديد، ويرون أن هذا اليوم الذي يعودون فيه، يومٌ قادمٌ لا محالة، ولكنه يتطلب وحدةً فلسطينية، ومساندة عربية وإسلامية، ودعماً وتفهماً دولياً، وقبل هذا كله، إصرارٌ فلسطيني على الحق والثوابت، ورفضٌ تام للتنازل والتفريط، مهما عظمت الصعاب، وازدادت الخطوب.

يوم الارض 2010

عطا مناع

يقولون لكل مقام مقال، وأمام الذكرى الرابعة والثلاثون لذكرى يوم الأرض الخالد لا بد من وقفة مراجعة ومكاشفة واستخلاص عبر بهدف الحفاظ على المحطات التاريخية الجليلة التي عمدها الشعب الفلسطيني بالدم، ومن أهم هذه المحطات يوم الأرض الذي كان بمثابة صرخة في وجه الاحتلال الإسرائيلي وخاصة في فلسطين التاريخية التي هبت عام 1976 للدفاع عن الأرض والهوية والتاريخ الفلسطيني بعد اعتقاد دولة الاحتلال الإسرائيلي واهمة أنها سلخت أبناء الشعب الفلسطيني عن محيطهم الوطني والقومي وباتت تتعامل معهم كأقلية مستباحة الحقوق.

تكمن أهمية يوم الأرض أنة وحد الشعب كل الشعب على هدف واحد، وكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تستعد جيداً لمواجهة الهبة السنوية التي تنخرط فيها كافة شرائح الشعب في مواجهة جيش الاحتلال بكل الوسائل النضالية المتاحة ما حافظ على ديمومة الصراع الوطني والثقافي وأبقى على جذوة المقاومة مشتعلة لأنها كانت تستمد إمكانية بقائها من إحياء ذكرى يوم الأرض الخالد.

ببساطة وبعيداً عن التعقيدات والشعارات التي تفتقر للتجربة والمشاهدة الميدانية التي لا يمكن تزويرها بنشر ايدولوجيا التضليل فان يوم الأرض كان يرعب دولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تجهز نفسها لمواجهة الجماهير الفلسطينية في عموم فلسطين قبل حلول الذكرى الخالدة بأسابيع، لأنها كانت مدركة ان الشعب الفلسطيني سيسطر في ذكرى يوم الأرض الملاحم البطولية المعمدة بدماء الشهداء الذين سقطوا ملتحقين بشهداء يوم الأرض الذي روت دماءهم الطاهرة التراب الفلسطيني المغتصب عام 1948 .

لم تكن ذكرى يوم الأرض مجرد نزهة أو خطاب يلقيه هذا المسئول الفلسطيني او ذاك، ولم يكن هذا اليوم الخالد ليمر بمعزل عن فرض حظر التجول على العديد من المخيمات والقرى الفلسطينية في الضفة المحتلة وغزة، ولم يتعامل الفلسطيني مع يوم الأرض كباقي الأيام، إن يوم الأرض الفلسطينية المنتهكة المغتصبة التي تعرض أصحابها الأصليين للمذابح والتشريد في محاولة صهيونية لمصادرة الذاكرة وتشويه التاريخ ببعث ما قالته رئيسة وزرائهم غولد مائير في بدايات احتلالهم لأرضنا"إنها ارض بلا شعب وشعب بلا ارض" ، مقولة عنصرية نسفها يوم الأرض واقتلعها من جذورها.

كان القمع والاعتقال والقتل والإطارات المشتعلة وانتشار المتاريس في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية المشهد الطبيعي ليوم الأرض الخالد، لم يكن الاحتلال الإسرائيلي خمس نجوم كما هذه الأيام، ولم يكن احتلالاً مجانياً، كانوا يحسبون ألف حساب لغضب الشعب الذي كان ينزل للشارع للرد على أية انتهاكات تصدر بحقه من قبل دولة الاحتلال، كان لحياة الفلسطيني قيمة فلسطينية يحترمها الشعب الذي يهب غاضباً عن التعرض لحياة أي فلسطيني وتجسد ذلك في العديد من القضايا ومنها قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي للطالبة لينا النابلسي التي لم تتجاوز أل 15 عاماً وهي عائدة من المدرسة، لينا التي أحدثت هبة طلابية وشبيهة عام 1976 قبل مجزرة يوم الأرض بأسبوعين، لينا النابلسي التي كتب لها درويش وغنى لها مرسيل خليفة وخلدها الرسام سلمان منصور في لوحة فلسطينية نقية لاحقتها دولة الاحتلال من بيت إلى بيت.

ما بين المأساة والملهاة يتحول المشهد وتتغير الأولويات، ويوم الأرض عام 1976 يختلف عن يوم الأرض سنة 2010 وأخواتها، هي الأولويات والاتفاقيات والمسموح والممنوع والمفاوضات الغير مباشرة واللجنة الرباعية والتنسيق الأمني، هي منظومة من التفاهمات ترجمت نفسها على الشارع وبالتالي فان ليوم الأرض 2010 أبجدياته الخاصة، فهو يوم عادي خالي من كل شيء سوى بيان هنا وخطاب هنا وزرع شجرة مقابل ألاف الأشجار التي يقلعونها، هو يوم عادي خالي من الفعاليات المعتادة ، وقد يمر يوم الأرض دون انتباه لولا العرب الفلسطينيين الصامدين في الأراضي المحتلة، وحتى أكون منصفاً هنا بيانات تصدر عن بعض القوى الفلسطينية فرادى أو مجتمعة وكفي اللة المؤمنين....

في زمن الملهاة لا يمكن أن يكون يوما الأرض إلا عادياً، لأننا نعيش ثقافة الانقسام الرديئة والتي باتت مشبوهة بانعكاساتها الخطيرة على القضية والشعب، ولا يمكن أن يكون يوم الأرض إلا عادياً لأننا نغرق في الفساد والإفساد والقمة البوليسي الذي استأنس له المنقسمون الذين يريدون شعباً مناضلاً على المقاس بحيث لا تتضرر مصالحهم، هذه الثقافة ليست لها علاقة بيوم الأرض ولا بالأرض التي تشهد اعتي واخطر هجمة من الحكومة اليمينية الإسرائيلية وغلاة مستوطنيها ونحن لا نحرك ساكنا الهم باللهاث وراء المفاوضات التي تعترف بعظة لساننا أنها غير مجدية.

في يوم الأرض 2010 سيضربون مقاومة غزة بيد من حديد، لأنها تطلق الصواريخ "المشبوهة" شقيقة الصواريخ"العبثية"، وننادي بمقاومة الاحتلال والنزول إلى الشارع دفاعاً عن أرضنا ومقدساتنا المستباحة وسيطرة دولة الاحتلال على أرضنا.

في يوم الأرض 2010 دخلنا في النفق المظلم الذي لا يعلم إلا اللة متى نخرج منة ، نفقُ أتى على الأخضر واليابس وعزز ثقافة المشي على الرؤوس، ثقافة الضياع والإحباط والدوران في الحلقة المفرغة.

الثلاثاء، مارس 30، 2010

قمم بلا معنى وبلا قيمة

راسم عبيدات

......أراهنكم أن إنشغال وسائل الإعلام بالحرب المستعرة حول مؤخرات الفنانات من أمثال مريام فارس وروبي وغيرهما،من هي صاحبة المؤخرة الأجمل عربياً وعالمياً فاقت الاهتمام بالقمة العربية مئات المرات،فهناك ما هو جديد ومغري على هذا الصعيد وما يستحق الكتابة عنه،أما على صعيد القمم العربية التي قال عنها العقيد القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى والتي لا تمت للاشتراكية بصلة سوى بالاسم،والتي عقد آخرها في بلده،بأن أمريكا ومن خلال وزارة خارجيتها دائماً تتدخل في صياغة بيانها الختامي،أصبحت تصيب المواطن العربي بحالة من الغثيان والتقيؤ،فمنذ القمة الأولى وحتى القمة 22 ونفس الديباجات والجمل الإنشائية والفقرات مع تعديل طفيف هنا أو هناك،وبعد أن يعبر أصحاب الفخامة والجلالة والسمو عن سعادتهم وشكرهم على الحفاوة والاستقبال وحسن الضيافة، وما أن تطأ أقدام أرجلهم درجات سلم الطائرة مغادرين،فإن ما جرى الاتفاق عليه لا تجري له أي متابعة أو تنفيذ،بل كثير من هذه القرارات تتبخر قبل أن يجف حبر أقلامها،وشعبنا الفلسطيني الغلبان،يبدو أنه توسم خيراً في هذه القمة والتي عقدت تحت اسم إنقاذ القدس،حيث أنها أقرت دعماً للقدس وصمودها بقيمة نصف مليار دولار سنوياً،والقرار شيء وتنفيذه شيء آخر،فكم مرة خصصت ملاين الدولارات للقدس،لم يصل أهل القدس منها شيئاً،فهم يسمعون طحناً ولا يرون طحيناً، وهذه القمم حتى أصبحت غير مغرية للقادة العرب أنفسهم،ففي كل قمة ترى الغياب الكبير للزعماء العرب عنها،وهناك من يتمنى الخلاص من عبء بقاء الجامعة العربية،والتي هي جسد بلا روح ودورها لا يتعدى إصدار البيانات والنشرات والتصريحات الصحفية،من أجل رفع العتب والأرشيف الخاص بالجامعة،بل وأبعد من ذلك هناك من يشعر بالدونية بانتمائه لهذه الأمة أو يريد أن يتمرد على هذه الأمة.

المهم يا أخوان أنه قبل شهر أو أكثر تنشط الدبلوماسية العربية وشيوخ العرب من أجل عقد الجهات والصلحات من أجل ضمان حضور هذه القمة ،وتشعر أن هؤلاء القادة الذين يمضون الأحد عشر شهراً من العام في الخلافات والردح والتآمر على بعضهم وعلى مصالح الأمة،لا يفطنون إلى الوحدة والمصير المشترك وقضايا الأمة إلا في الشهر الذي يسبق القمة،وليت الصلحات والجهات والعطوات تفلح في إذابة الجليد بين الدول العربية،أو حتى تحركهم وتدفعهم لاتخاذ قرارات مصيرية تترك آثرها على مستقبل الأمة والمنطقة،فإذا كانت قضية كبرى بحجم قضية القدس وما تتعرض له من تهويد وأسرلة،وكذلك ما يتعرض له المسجد الأقصى من مخاطر جدية وحقيقية لجهة تقسيمه أو هدمه لم تثر فيهم أي نخوة لوضع خطة عملية لمواجهة ما تقوم به إسرائيل من ممارسات وانتهاكات،فما الذي سيحركهم أو يثير نخوتهم؟،وهم في اجتماع وزراء خارجيتهم الذي سبق القمة قالوا بشكل واضح،نحن لن نحارب إسرائيل أبداً وكلمة المقاومة شطبناها من قاموسنا ومن يتفوه بها أو يستخدمها سنقف ضده بل سنجرمه ونخونه،ومبادرتنا صالحة لكل زمان ومكان وهي خيارنا الوحيد ومن بعدها لا نملك إلا الدعاء ثم الدعاء والتفاوض ومن ثم التفاوض فهو طريقنا ومنهج حياتنا وبالمسيح نسترشد من ضربك أو صفعك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ،وأي قمة هذه التي ترفض الحوار مع طهران الجارة المسلمة والتي تجمعنا معها الكثير من الروابط والوشائج والعلاقات؟،وفي المقابل تبقي على الحوار والعلاقة والمفاوضات مع إسرائيل التي تحتل الأرض وتنتهك العرض،بل وتوجه لنا الصفعة تلو الصفعة،فحتى عندما وافقت اللجنة العربية العليا على عودة الفلسطينيين للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل لمدة أربعة شهور،فحبر القرار لم يجف حتى أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن مخطط لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية،وأبعد من ذلك أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"بكل صلف وعنجهية أن القدس ليست مستوطنة وهي عاصمة"إسرائيل" الأبدية والاستيطان سيتواصل فيها،وكان رد العاجزين على ذلك أن أصبحنا نهلل ونطبل لوجود اهتزاز في العلاقة الإستراتيجية الأمريكية - الإسرائيلية على ضوء خلافات في الجوانب التكتيكية والإجرائية بين الطرفين،وننتظر أن يأتينا الفرج من خلال الرهان على هذا الخلاف الشكلاني.

إن النظام الرسمي العربي ببنيته وتركيبته وما أصابه من تحولات طبقية عميقة نحو الارتداد عن القضايا القومية لصالح أهداف ومصالح قطرية ضيقة،بحيث أصبح الحكام همهم بالأساس الحفاظ على مصالحهم وعروشهم وتحويل دولهم وبلدانهم الى عزب وإقطاعيات للتوريث،يدفع بهم للتضحية بالمصالح والأهداف القومية وحتى التفريط بالكرامة والسيادة الوطنية في سبيل ذلك،حيث نشهد أن الكثير من دول النظام الرسمي العربي في أكثر من قضية مفصلية ومصيرية مثل العدوان على العراق واحتلاله والعدوان على لبنان وحزب الله في تموز/2006 والعدوان على قطاع غزه كانون أول/2008،وقفت الى جانب القوى المعادية وهي لم تكتفي بتقديم الدعم المعنوي والمادي واللوجستي من استخدام أراضي وأجواء ومواني،بل كانت في أكثر من مرة مشاركة في العدوان.

إن هذا التحليل يجعلنا متيقنين من عقم الحالة الرسمية العربية،ولو أراد النظام الرسمي العربي،أن يخرج من حالة الانهيار تلك،لما خرج بقمة مسماة باسم إنقاذ القدس،أن يخرج بقرار تقديم دعم لإنقاذها من التهويد والأسرلة ودعم صمود أهلها بقيمة 500 مليون دولار،تعتبر نقطة في بحر لما ترصده إسرائيل من مليارات لضم المدينة وتهويدها،والمبلغ المرصود عربياً لا يساوي عشر المبلغ الذي رصده الملياردير اليهودي "موسكوفيتش" لدعم الاستيطان والجمعيات الاستيطانية في القدس،ومن جهة أخرى لو أراد النظام الرسمي العربي أن يرد على الصفعة التي وجهها له "نتنياهو" لتم الموافقة على قرار بدء الحوار مع إيران،بدلاً من البقاء في جبهة العداء المشترك لها ،ومثل هذا القرار كفيل بتحريك وحلحلة جدية في المواقف الأمريكية والإسرائيلية،فإسرائيل ترى في ايران اللاعب المركزي والمنافس لها على الدور الإقليمي في المنطقة،كما ترى في إمتلاكها للسلاح النووي عامل ردع وكبح لطموحاتها وتهديد لمصالحها ودورها في المنطقة،وأيضاً لنصرة حقيقية للشعب الفلسطيني،كان بالضرورة أن يكون هناك قرار برفع الحصار عن شعبنا في قطاع غزة،وصياغة موقف عربي موحد وبعيداً عن سياسة المحاور بضرورة إنهاء حالة الإنقسام الفلسطينية وبالوقوف على قدم المساواة وعلى نفس الدرجة من طرفي الخلاف،وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ولا شيء غير الوحدة.

وما زال النظام الرسمي العربي على هذه الحالة من الإنهيار،فستبقى أرداف ومؤخرات الفنانات العربيات والعالميات مدار نقاش ساخن واهتمام عالي في الصحافة والبرلمانات العربية،يفوق أي اهتمام بقمة عربية لا معنى ولا قيمة لها.

منتديات الإنترنت والسرقات الأدبية، أو الاعتداء على حقوق الكاتب

عبد الكريم عليــان

Elkarim76@hotmail.com

لعلنا نعيش في زمن الفوضى وانعدام الضمير والأخلاق دون وضع القواعد والضوابط لاحترام حقوق الآخرين.. على عكس ما يمكن أن توفره التكنولوجيا الحديثة لذلك، فقديما عندما كانت وسائل الاتصال محدودة وصعبة الوصول كانت السرقات الأدبية تتم بسهولة دون اكتشافها إلا بعد وقت طويل، فمثلا يكفي لأي متطفل على الأدب أو الثقافة أن يكون في بلد مثل المغرب، فيقوم بتجميع مواد أو مادة أدبية لينسبها له في بلد آخر مثل الأردن أو فلسطين مثلا ، أو العكس.. لكن ذلك كان يكتشف بعد وقت إذا ما تشكك في قدرة السارق، واستمراره على الكتابة، أو إذا ما تتبعه حاذق مختص.. ولعلّ ذاك الزمان كان لا يجود كثيرا بالأدباء والعلماء.. لكننا اليوم نعيش في زمن تغص فيه الشبكة العنكبوتية بالمنتديات الأدبية والثقافية بحيث يصعب على المختص مجاراتها ومتابعة ما يدور فيها، وامتلأت هذه المنتديات بالرواد والمنتسبين لها، وهذا ليس عيبا، لكن العيب هو أن يتم سرقة مواد أدبية، أو علمية لأدباء وشعراء وباحثين دون التدخل والمحاسبة من قبل المشرفين والقائمين على هذه المنتديات، والأغرب من ذلك عندما يقوم أحدهم بسرقة نص شعري نشر في المنتدى مسبقا، وقام فقط ! بتغيير عنوان القصيدة من "هذا الرجل" إلى "ذاك الرجل".. قد نفهم أن هذه الطريقة يستخدمها العاشقون، أو المبتدئون في تذوق الشعر، لكنهم لا يجرؤن على نشرها بأسمائهم.. خصوصا عندما يكون هذا اللص "المراقب العام" لملتقى ثقافي مرموقا ومشهورا كثيرا في أوساط المثقفين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على فقر وضعف فكري وثقافي ولغوي لمشرف أو مراقب من المفترض أن يكون حريصا على تحقيق أهداف الملتقى وتطويره.. وللأسف! يبقى هذا اللص مراقبا ومشرفا حتى بعد معرفة صاحب الملتقى وبقية المشرفين والمراقبين..! ربما لم يشعر بمرارة وغصة الكاتب إلا كاتب مثله عندما يمر بنفس التجربة..! ولأن الفرزدق كان قد قال: "يمرّ عليّ وقت لقلع ضرس أهون علي فيه من قرض بيت شعر .."

في تجربة لي كنت قد نشرت مقالا سياسيا وفكريا في ملتقى ثقافي آخر، ومن دولة عربية أخرى فقام المسئول الأول وهو شاعر وأديب ـ كما يدعي ـ بحذف فقرة كاملة من المقال ليتغير المعنى ويفقد المقال جوهره والهدف منه، دون استشارتي وعلمي بما اقترفه من جرم، وعندما طالبته بحذف المقال رفض بالمطلق طلبي، وبقي المقال مشوها كي يرضي سياسة الدولة التي يعيش فيها علما بأن المقال لم يتطرق لدولته الغراء..!

كنت مع زميل لي نقرأ مقالا سياسيا لأحد المتطفلين على الكتابة، وتشككت في قدرة صاحبه وتشتت أسلوبه، فدفعني الفضول للبحث فوجدت فقرات كاملة من المقالة مسروقة حرفيا ولم يغير المتطفل فيها شيئا سوى ربط بعض الجمل وتغيير العنوان بعنوان آخر.. وبقي هذا يسرق ويكتب وصورته تتصدر عددا من المواقع والصحف الإلكترونية.. أما الصحيفة الورقية كمثال، فكانت تستكتب عددا من الكتاب والمراسلين ومحرري الأخبار والمنتجين فيكلفها الكثير مقابل ذلك .. أما الصحف الإلكترونية فينكبّ عليها الكتاب وما يسموا بكتاب ينشرون ما يروق لهم سواء الغث أو السمين .. سواء ضروريا أو مهما ، أو سفيه ولا يستحق النشر ! كل ذلك بدون ضوابط ولا حقوق .. ولا يكلف صاحب الصحيفة، أو المنتدى شيء سوى تصميم الموقع لمرة واحدة والاشتراك السنوي المحدود .. ومن جهة أخرى، كثير من الصحف والمواقع يمكنها أن تنسخ ما يروق لها من مواقع أخرى ( نسخ ولصق ) سواء المقالات أو الأخبار أو التقارير ، ويكفي للصحيفة أو الموقع شخص واحد أو اثنين ليقوم بكل المهمات .. وهنا يقع الكاتب في إشكاليات لم تؤخذ بالحسبان ، مثلا : قد يلصق بالكاتب تهمة الانتماء لتنظيم أو جمعية لأن مقالته منشورة فيها .. أو يمكن أن تصلك مقالة أو قصيدة شعر لا يعرف صاحبها.. إذن هناك الكثير من الكتاب والصحفيين سيفقدون لقمة عيشهم ، وكذلك هناك الكثير من المبدعين أصبحوا يدفعون من جيوبهم مقابل توصيل إبداعاتهم وإنتاجهم الذي أخذ منهم الوقت والجهد والاحتراق النفسي بما لا يقدر بثمن ؟ وصارت إبداعاتهم ليست ذو قيمة ، كما كان الكتاب الذي كنا نفتخر في زمن باقتنائه خاصة إذا كان فريدا .. وأي احتفالية سيقيمها المبدعين حينما تصدر كتبهم ؟! حتى الكتب النادرة أو الممنوعة في بعض الدول صار يمكن تحميلها والاحتفاظ بها وتناقلها بسهولة وسرعة كبيرة كما هي مصورة بدون الاحتفاظ بالحقوق الأدبية والأخلاقية لأصحابها ..

نحن لا نفهم كيف انهال بعض الكتاب الكبار على المواقع والصحف الإلكترونية لينشروا كتاباتهم في معظم المواقع؟ فما يكاد ينشأ موقع جديد حتى تجدهم يتصدرون صفحاته، فأصبحت تقرأ المقال الواحد أو القصيدة الواحدة في معظم المواقع، وكأنك تطالع صحيفة واحدة فقط ! ماذا لو توقف المبدعون عن نشر إبداعاتهم؟؟ ولماذا لا يطالبون مالا مقابل النشر كما هو معهود في الصحف الورقية؟؟ ربما لأن أصحاب المواقع لا يجمعون المال من ما يستخدمون الموقع، ولأن المال فقط ! صار يجمعه أصحاب الشبكات العنكبوتية وشركات الاتصال..؟ طبعا بالإضافة لما ذكر هناك العديد من القضايا التي نعرفها ، والتي لا نعرفها مثل قضايا التجسس والاختراق والسرقات وما شابه ... فبات مطلوبا منظومة من القواعد والأسس والقوانين التي تنظم استخدام هذه الشبكة المجنونة ، ومطلوب تكنولوجيا حلّ كثيرا من المشاكل التي يعاني منها الجميع .. وقد يكون هناك دولا باشرت في ذلك ، لكن دولنا ما زالت تنعم فقط ! بجباية الأموال من هذه الخدمة التي ليست من اختراعاتها ..؟

الفرق بين عباس وحماس

ممدوح أبو السعيد



الرئيس محمود عباس هو رئيس السلطة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".

هناك سجال اعلامي في الشارع الفلسطيني ويمتد في بعض الأحيان الى الشارع العربي والاسلامي، يتمحور هذا السجال حول الفرق بين عباس وحماس من النواحي السياسية والعسكرية.

وهنا سأتناول القضايا الاستراتيجية من الناحيتين السياسية والعسكرية:

أولاً: من الناحية السياسية

عباس يقبل في دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، مع الاعتراف باسرائيل.

حماس تقبل في دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، مقابل هدنة طويلة الامد مع إسرائيل.

حدود الدولة الفلسطينية متفق عليها بين عباس وحماس، ولكن ما يقدمه عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية خطير جداً، فالاعتراف باسرائيل تعني الاقرار بحق اسرائيل السياسي والقانوني والتاريخي بما مساحته 78% من مساحة فلسطين التاريخية. ويرى عباس أن الطريقة المثلى لتحقيق هدف اقامة الدولة الفلسطينية هي المفاوضات والمقاومة الشعبية الغير مسلحة.

بينما طرح حماس يتمثل بقبول هدنة طويلة الأمد، وهذا لا يسقط الحق التاريخي والقانوني والسياسي في ارض فلسطين التاريخية، وانما تأجيل الصراع الى الأجيال القادمة. وترى حماس أن الطريقة المثلى لتحقيق الهدف هو المقاومة المسلحة، كون اسرائيل دولة لا تفهم الا لغة القوة.







ثانياً: من الناحية العسكرية

عباس يحقر المقاومة المسلحة، فهو يصف العمليات الاستشهادية بالعمليات الحقيرة، ويصف الصواريخ بالعبثية، ويقوم يتنفيذ التزامات اتفاق اوسلو وخارطة الطريق، فهو يعيد أي جندي اسرائيلي أو مستوطن يدخل عن طريق الخطأ الى الضفة الغربية، ويعتقل المقاومين ويسحب أسلحتهم.

بينما ترى حماس أن المقاومة خيار استراتيجي، وتعمل على تعزيز ثقافة المقاومة، بل تشرعن المقاومة من المجلس التشريعي، وهنا يجب التمييز أن حماس عندما تعمل على وقف اطلاق الصواريخ من قطاع غزة، يكون ذلك ضمن التزام وطني مع الفصائل والقوى، وضمن تطوير جاهزية المقاومين على الأرض، كذلك حماس عندما تحافظ على سيادة قطاع غزة، فعندما يدخل الجندي الاسرائيلي الى قطاع غزة يخرج قتيلاً أو جريحاً أو مأسوراً.



غزة اليوم بفضل حماس وحكمها، رسمت لوحة جميلة للقضية الفلسطينية خالية من شوائب الهزيمة والاستسلام، فحماس اذا جمدت المقاومة في مرحلة ما علينا ان نتيقن أن ذلك هو مقاومة، وهو يندرج ضمن استعدادات المقاومة للمعركة الفاصلة مع الاحتلال الاسرائيلي.

لا للاشاعات المغرضة والتي تتهم حماس باعتقال المقاومين، وحتى وان اعتقل شخص ما خرج عن الاجماع الوطني والفصائلي فهذا من حق الحكومة راعية المقاومة لأن قد تسفر المراهقة السياسية الى تدمير الحسابات الوطنية في كل الميادين عسكرية كانت أم سياسية.



ممدوح ابو السعيد

كاتب ومحلل سياسي

في ذكرى يوم الارض



مأمون شحادة
مختص بالدراسات الاقليمية
بيت لحم – فلسطين
WONPALESRINE@YAHOO.COM
في وقت كانت فيه الشمس تميل للغروب وأمامه ابريق الشاي، يجلس تحت شجرة الخوخ ناظراً إلى الشمس وهي تغيب، حينها راودته الأفكار ما بين السؤال وفحوى الإجابة،.. هل أصبحنا نحن الفلسطينيين نبحث عن عالمية قضيتنا وفق ما تقرره الأرقام القياسية لموسوعة جينس، نتسابق إليها بطبق من الكنافة وستة آلاف طائرة ورقية تعلو فوق الأرض، ونسينا أن هناك ما هو أهم من ذلك ، القضية الفلسطينية، التي يتظاهر من أجلها العالم أجمع.
صحيح أن طبق الكنافة حقق رقماً قياسياً بدخوله موسوعة جينس للارقام القياسية، لكنه قسم بعد ذلك على الحضور، كل أخذ قطعته ولم يتبق بعد ذلك إلا المفعول به، الكنافة، ....وكذلك الطائرات الورقية التي علت سماء قطاع غزة دخلت موسوعة جينس كظاهرة تحدث لاول مرة، لكنها سقطت بعد علوها ولم يتبق للعلو إلا الرقم القياسي.
إن القضية الفلسطينية أكبر من ذلك بكثير فهي استطاعت أن تدخل الضمير العالمي والتعاطف الشعبي مخترقة القلوب والعواطف، مسجلة أكبر رقم قياسي تحققه قضية عشقها الجميع اقليميا وعالميا، ولكن!!! وفي ظل الانقسام ما بين الضفة وغزة ، وصراع الضد والضد البيني ما بين اخوة السلاح وعدالة القضية، سؤال يطرح نفسه... أين نحن الآن؟ وما الذي يحدث؟
هنا توقف الكاتب و اعترف للجميع وهو يردد ما قاله الشاعر نزار قباني " أهديناك مكان الوردة سكينا"،.. أفبعد ذلك نهدي أما احتضنت الجميع مكان الوردة سكينا؟، ونسينا أن القضية الفلسطينية، قضية جوهرية تسكن عقولنا وفكرنا ووجداننا، حيث انها تعبر عن شيء واحد وهو فلسطين ، بوابة الشرق وقبلة الثوار ومحط انظار الجماهير شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، الذي يلزمها عمل للمحافظة عليها كقضية يلتف حولها الجميع، عملا وفكر، ونحن نعرف ان هناك شعباً عربياً محتلاً ينتظر فرحة النصر واحتضان العالم العربي، أفبعد ذلك نشظي أنفسنا ما بين الضفة وغزة وننسَ الماضي، .... بالله عليكم اقرؤوا لي المستقبل إن استطعتم ؟
إن قضية فلسطين الآن تتراوح ما بين التقسيم والسقوط فهي أمانة في أعناقنا جميعا، فلا نريدها تقسيما وسقوطا بل نريدها رقما قياسيا في الحفاظ على مصلحة الشعب الفلسطيني لرأب الصدع ما بين الضفة وغزة.
اخذ الكاتب يستمع الى صديقه "الكاتب" الفلسطيني الدكتور ابراهيم ابراش: " الانقسام خطير، يهدد وحدة المشروع الوطني كمشروع حركة تحرر وطني بهدف واحد واستراتيجية عمل وطني واحدة و يضرب بالصميم قدرة الشعب على الوصول لهدفه الوطني"،.... ولكن ، متى يسجل هذا الرقم القياسي ؟
وقف الكاتب على اكبر جبل "فكري" مخاطبا اياهم : " لكي نحافظ على مستقبلنا نحن الفلسطينيين يجب علينا أن نحافظ على معادلة الأرقام القياسية الفلسطينية التي تتشكل من كلمات جوهرية، وحدة ، واتحاد، ومصالحة، ومصلحة شعب، ومستقبل، وأم لا تحتمل أن يتخاصم أولادها ،.... معادلة وان كانت صعبة على الحل، لكن مفاتيحها بأيدينا.
ها هو الكاتب يجلس وحيدا مرة اخرى، يرتشف فنجان القهوة تحت شجرة السنديان، امامه صحيفة معنونة ومذيلة بالاخبار، تناولها من على الطاولة، يقلب صفحاتها، فوقع ناظريه على صورة تحمل رأسين، مزارع فلسطيني يحمل نعجة برأسين... يا للعجب!!!
اخذ الكاتب يحاور نفسه مرة اخرى محدقا بالصحيفة... ولمَ العجب !!!، و نحن ابناء الشعب الفلسطيني، ابناء الارض الواحدة منقسمون الى نصفين (غزة وضفة) .. متسائلا اليس الحري بنا ان نتعجب من انقسام انفسنا وليس من انقسام النعجة !!! ، ضحينا بالغالي والنفيس ونحن ابناء شعب واحد، والان ضحينا بالغالي والنفيس من اجل الانقسام..... ان حالتنا اليوم يسودها العجب امام العالم الخارجي..!! ، لقد اصبحت قضية فلسطين تحتمل المسميات، بل اصبحت مسألة فلسطينية تحتمل كل الحلول.... اهذا ما نريده مرورا بتلك المحطة التي توصل الى ما وصلنا اليه، حيث ان "فوبيا" الاندهاش من تلك الصورة كمثل قضيتنا تدهش العالم الخارجي !!!. فقضية النعجة خرجت من يد المزارع واصبحت مسألة عالمية " تحتمل كل الحلول "، فليس للمزارع الفلسطيني سيطرة عليها، لان مسألة نعجته اصبحت في خبر كان من كثرة الاختبارات التي اجريت عليها !!!!!
حاول الكاتب ان يخاطب نفسه مرة اخرى " بلغة المخاطبة الداخلية " افبعد ذلك يا اخوة التراب الواحد والهامة السمراء القمحاوية التي عجنت من سنابل تلك الارض لتشكل منها مزارعا فلسطينيا ضحى وما زال يضحي من اجل ارضه .... ان الواجب منا ونحن ابناء تلك الارض الواحدة ان نضع الكف بالكف ونسير نحو هدف واحد وليس ان نسير في طريق ضياع الشعب والتي لا نجني منها الا الشوك وغزارة الدماء ...
غراب فوق شجرة السنديان ينعق بصوت عالٍ فاستيقظ الكاتب من محاورته الداخلية مع نفسه، وضع الصحيفة على الطاولة ومضى في طريقه حتى وجد نفسه تحت شجرة زيتون تعلوها حمامة بيضاء وصحيفة تلتحف ظل الشجرة .

كذبة ابريل : أول نيسان

فـــــــادي الحـــــــــاج

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم", آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد اخلف وإذا عاهد غدر. (متفق عليه).
في الأول من أبريل في كل عام تحصل مواقف كثيرة ‏ ‏معظمها طريفة وبعضها محزن جراء كذب الناس في مثل هذا اليوم. ‏ولعل السؤال الذي يطرح نفسه دائما في كل عام لماذا الكذب في أول أبريل وما أصل‏ ‏هذه الكذبة المنتشرة في غالبية دول العالم باختلاف ألوانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم. أما في لبنان الوضع مختلف «فالسياسيون لا يحتاجون إلى كذبة أبريل، فهم يقومون بالكذب طوال العام، وبالتالي لا يوجد أي داعٍ لكي يكذبوا مع بداية شهر أبريل.»
وقد أصبح أول أبريل هو اليوم المباح فيه الكذب لدى جميع شعوب العالم ‏ ‏فيما عدا الشعبين الأسباني والألماني والسبب أن هذا اليوم مقدس في أسبانيا دينيا أما في المانيا فهو يوافق يوم ميلاد "بسمارك " الزعيم الألماني المعروف. وهناك أكاذيب انتشرت في كل بلد من بلدان العالم ولا زالت شعوبها تتذكرها ‏ ‏وتكررها حتى الآن مع حلول أول أبريل.
ولعل السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو لماذا يكذب الناس. ‏ فقد قرأت للباحث الإنكليزي جون شيمل الذي شغل نفسه بالكذب وبالبحث عن أصوله ودوافعه ‏ ‏ومسبباته "إذا كان الكذب قد أصبح صفة يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات ‏ ‏ويستخدمونه في شتى مرافق الحياة واتصالاتهم العامة أو الخاصة فان كل الأدلة تثبت ‏ ‏أن المرأة أكثر استخداما للكذب من الرجل".
وأضاف أن السبب في ذلك "يرجع إلى عاملين أولهما عامل نفسي عاطفي فالمرأة أكثر ‏ ‏عاطفية من الرجل ولأن الكذب حالة نفسية ترتبط بالجانب العاطفي أكثر من ارتباطها ‏ ‏بالجانب العقلاني فالنتيجة الطبيعية أن تكون المرأة أكثر كذبا من الرجل".
وتابع "والعامل الثاني أن الكذب بصفة عامة هو سمة المستضعفين والإنسان غالبا ‏ ‏ما يلجأ إلي الكذب لإحساسه بالضعف من حالة من المعاناة والاضطهاد وللهروب من واقع ‏ أليم يعيشه ولأن المرأة خلقت اضعف من الرجل وعاشت على مر العصور وفي مختلف ‏ ‏المجتمعات البشرية تعاني الاضطهاد والقهر فكان لابد وأن تلجأ إلى الكذب".
الكثير للأسف يحتفلون بما يسمى كذبة أبريل والترجمة الحرفية لها لكى نكون صادقين هى خدعة أبريل ولكن كم منا يعرف الحقيقة المرة الخفية وراء ذلك. كمثال لكذبة أبريل, او اقرب تفسير كنت قد قرأته عن احدى المواقع الالكترونية التعليمية الاسلامية, مع اني سمعت كذا تفسير لما يسمى بحقيقة ابريل , الا اني اجد ان هذا اقرب تفسير له. فليس من الغريب احتفالهم بخديعتنا. واكبر دليل على ذلك تحطيمهم لأثار المسلمين وتدميرهم لها لمحو الصبغه والطابع الاسلامي للاندلس.
والقصة بدأت قبل حوالى ألف سنة عندما كان المسلمون يحكمون أسبانيا, كان المسلمون حينئذ قوة لا يمكن تحطيمها وكان النصارى الغربيون يتمنون لو يستطيعون محو الإسلام من العالم, فكان ان حاولوا مرارا وتكرارا الحد من الأسلام فى أسبانيا والقضاء عليه ولم يفلحوا ابدا.
فبدأوا يفكرون ويبحثون عن طريقة تمكنهم من تحطيم قوة الاسلام والمسلمين, فقاموا بارسال جواسيسهم الى اسبانيا ليدرسوا المجتمع لاسلامى ويتعرفوا على نقاط القوة به ويكتشفوا سر قوة المسلمين.. وتوصلوا إلى أن الالتزام بالتقوى هو السبب الرئيسى حيث كان المسلمون ملتزمون بتعاليم الدين ويطبقونه كاملا.
وبالفعل بعد تفكير توصلوا إلى خطة لتحطيم تلك القوة, فبدأوا يرسلون الخمور والسجائر الى اسبانيا مجانا, وما خفى كان أعظم. وبدأ للأسف شباب المسلمين ينجرفون ورائهم, ورويدا رويدا بدأت شوكة الاسبان الغربيون تقوى إلى أن أخضعوا كل اسبانيا تحت سيطرتهم.
وبذلك أنهوا حكم المسلمين لتلك البلد الذى دام اكثر من ثمانمائة عام, وقد سقط أخر حصن للمسلمين وهو غرناطة فى اول ابريل.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا يحتفلون كل عام بما يسمى خدعة ابريل.
قال الله تعالى
إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون "النحل 105"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. (رواه مسلم).

ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم, ونتمنى أن تكون كذبة ابريل لهذا العام هي تصالح لكل العرب وأن يكونوا يدا واحدة.

الاثنين، مارس 29، 2010

المرأةُ كَوْكَبٌ يَستنيرُ به الرّجُلُ

آمال عوّاد رضوان

"ولو كُنَّ النّساءُ كمَنْ فقدْنا/ لفضّلتُ النّساءَ على الرِّجَال/ فما التّأنيثُ لاسْمِ الشّمسِ عيْبًا/ ولا التّذكيرُ فخْرًا للهلالِ"!

بهذه الكلماتِ رثى المتنبّي شاعرُ البلاط إحدى قريباتِ الأمير سيفِ الدّولة الحمَداني، فهل كانَ الرّثاءُ رياءً، ومجرّدَ مجاملةٍ فيها منفعةٌ خاصّة، أم أنّه يعكسُ حقيقةَ المرأةِ وتقديرَها آنذاك؟

وها شكسبير يقول: "المرأةُ كوكبٌ يَستنيرُ به الرّجُلُ، ومِنْ غيرِها يَبيتُ الرّجلُ في الظّلام"!

لقد نظرَ المتنبّي الشّرقيّ وشكسبير الغربيّ بانفتاحٍ لمكانةِ المرأة وتعزيزها، فليستْ تاءُ التّأنيثِ وصمةَ عارٍ أو شارةَ انتقاصٍ، بل تزيدُها وقارًا وقدْرًا، فكما أنَّ الشّمسَ أمُّ الضّوءِ، وقاهرةُ العتمةِ وآيةٌ لحياتِنا وأرزاقِنا، وكما تعكسُ نورَها على الهلالِ فيبدو مضيئّا، كذلك المرأةُ هي شمسُ البشريّةِ والوجودِ، إذ تُضفي لمسةَ جمالٍ للطّبيعةِ البشريّةِ والكونيّة، بحنانِها وضوئِها ودفئِها، وتكتملُ دورةُ الحياةِ بشروقِها وغروبِها، فيقولُ الموسيقار بتهوفن:

"أيّتُها المرأةُ، إنّي لا أحسُّ بجَمالِ وروعةِ الطّبيعة، إلاّ عندما تلمَسينَ أزهارَها بأناملِكِ الجميلة"!

فهل قصدَ بتهوفن الطّبيعةَ بتضاريسِها، أم شخصَهُ وطبيعةَ الجسدِ، ليؤكّدَ بذلك مقولة أخرى، بأنّ "الرّجلَ جذعُ الشّجرةِ وساقُها وأوراقُها، أمّا المرأةُ فهي ثمارُها"؟ وإن كان صِدْقًا "مِن ثمارِهِم تعرفونَهم"، فهل عرفنا عن المرأةِ إلاّ ما يوجِبُ أن نفخرَ بها ونُمجّدَها ونُكرّمَها، تلكَ مَن سمَتْ بأنوثتِها حُبًّا وعطاءً، وعَلتْ بأمومتِها حنانًا وتضحية؟!

المرأةُ؛ هذا المخلوقُ اللّينُ، أمكنَها أن تتكيّفَ وبيئتَها بكلِّ أناةٍ وجلَدٍ، وقد وهبَها الباري قدرةً فائقةً على تحمّلِ الظّروفِ البيئيّةِ الصّعبةِ كي تتأقلمَ معها، ليسَ مِن منطلقِ ضعْفِها أو رضاها بمهانتِها، وإنّما محاولةً منها بصبْرها وحِكمتِها، أن تُوازنَ كلّ خللٍ قد يودي بالأسْرةِ والمجتمع، فتتحمّلُ بتضحيتِها مِن أجل الآخرين، لأنّها لا تجدُ مَن يُنصِفُها في مجتمعٍ أدمنَ على قهرِها وإذلالِها، ولا شكّ أنّها دوْمًا تحلُمُ رغمَ كلِّ المآسي العاصفةِ بها، أنّها ستحظى بواحةِ الأمان فلا تنكسر، كما يقول الفيلسوف (زواتلى): "المرأةُ كالغصنِ الرّطبِ، تميلُ إلى كلِّ جانبٍ مع الرّياح، ولكنّها لا تنكسرُ في العاصفة"!

فهل المرأةُ شجرةٌ أم فننٌ أم ثمرُ، أم هديّةٌ ربّانيّةٌ كرّمها الله فجعلَ منها أمَّ البشريّةَ، كما يقول الفيلسوف سقراط": "المرأةُ أحلى هديّةٍ قدّمَها اللهُ إلى الإنسان"؟

و "سعيد فريحة" يصرّحُ بملءِ كبريائِهِ: "المرأةُ في نظري هي الّتي تجعلُني أحسُّ بكياني كرجُل"!

فهل واهبةُ الحنانِ والعاطفةِ، وزارعةُ حقول الحياةِ بابتساماتِها الورديّة، يمكنها أن تعطّرَ القلوبَ المتعبةَ بأريج السّعادةِ والطّمأنينةِ دائمًا؟ وإنْ كانت هي منبعُ البهجةُ والسّعادة، كما يقول كونفوشيوس: "المرأةُ أبهجُ شيءٍ في الحياة"، فهل يؤمنُ الرّجلُ الشّرقيُّ أنّ المرأةَ ليستْ مِن سقط المتاع والميراث، ولا تخضعُ شرعًا للضّربِ والهجرِ والحرمانِ والتّهديد والوعيد، كما لا يمكنُ الاستغناء عنها؟

بلزاك يؤكّدُ: "المرأةُ مخلوقٌ بينَ الملائكةِ والبَشر، وأقربُ الكائناتِ للكمالِ"! فهل نقرُّ أنّ لها حقًّا في إنسانيّتها، إضافة إلى واجباتها، وأنّها قد تفوقُ الرّجلَ علمًا وصلاحًا وجدوى؟ نعم، مدرسةُ الأجيال هي، كما أشادَتْ بها الرّسالاتُ السّماويّة، وكما بَجّلها فلاسفةُ الأرضِ وشعراؤُها وأدباؤُها، فها رديارد كبلنج قال: "المرأةُ وحدَها الّتي علّمتْني ما هي المرأة"!

وأناتول فرانس قال: "المرأةُ هي أكبرُ مربّيةٍ للرّجل، فهي تعلّمُهُ الفضائلَ الجميلةَ، وأدبَ السّلوكِ ورقّةَ الشّعور"!
وشاعرُ النّيل حافظ إبراهيم يُجْمِلُ إيمانَهُ: "الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتَها/ أعددْتَ شعبًا طيّبَ الأعراقِ"!
هذا الكيانُ المدعو "امرأةً"، قد يشكّلُ نصفَ المجتمع والأمّةِ إنْ لم يكنْ أكثر، فيَقرعُ النّاقوسَ منبِّهًا جمالُ الدّين الأفغاني: يا بني أمّي، "لا أمّةَ بدونِ أخلاق، ولا أخلاقَ بدونِ عقيدةٍ، ولا عقيدةَ بدون فهم"!

نقطةٌ مركّبةُ الأبعادِ والاتّجاهات انبثقتْ مُجلجلةً، فهل حقًّا نفتقر إلى العقيدة، أم أنّها مُتواجدةٌ مُغيَّبةٌ، لكنّنا نفتقرُ إلى فهمِها والتحلّي بها، فنزدانُ بفضائلِها حينَ نتخلّقُ بها؟

هل يمكنُنا أن نصحّحَ اعوجاجَ مجتمعاتِنا فكريًّا، لنخرجَ عن عاداتِنا المتوارثةِ البالية بشأن المرأة، ونُحْسِنُ التّعامل معَها كإنسانٍ وكيانٍ؟ كيفَ يتأتّى لنا الصّلاحُ والإصلاح؟

أسوقُ قصّةً طريفةً شاعتْ بينَ مجالس المتأدّبين، مِن كتاب "محاضرة الأدباء" لمحيي الدّين بن عربي، حولَ أثر البيئةِ على تركيبةِ البشر تقول:

أنّ عليَّ بن الجهم عاشَ في شبابِهِ في بيئةٍ صحراويّةٍ قاسية، وعلى الرّغم مِن رشاقةِ المعاني والشّاعريّة الفذّة الّتي تأجّجتْ في صدرِهِ، إلاّ أنّ البيئةَ الصّحراويّةَ كان لها أثرٌ في بناءِ شخصيّتِهِ ومفرداتِهِ وألفاظِه الشّعريّة، فجعلتهُ جافًّا قاسيًا، وحينَ أنشدَ المتوكّل قال:
أنتَ كالكلبِ في حِفاظِكَ للوُدِّ وكالتّيسِ في قراعِ الخُطوبِ /أنتَ كالدّلوِ لا عدمْناكَ دلوًا مِن كبارِ الدّلا كثير الذّنوبِ
أجمعَ الحضورُ على ضرْبِهِ، لكنّ المتوكّلَ أدركَ بنباهتِهِ حُكمَ البيئة في تشكيل شعريّتِهِ، فأصدر أمرًا بأن يتمّ منْحَهُ بيتًا في بستانٍ قريبٍ مِن الرّصافة، في حيٍّ أخضر يانع، يُطلُّ على النّاس والسّوق والنّضرة والجَمال، وحينَ دُعيَ عليّ بنُ الجهمِ بعد فترةٍ، أنشدَ شِعرًا متميِّزًا:
عيونُ المها بينَ الرّصافةِ والجسر جلبنا الهوى مِن حيثُ أدري ولا أدري
أصيبَ الجمعُ بالدّهشةِ لهذا الانقلابُ في التعبير، فقال أميرُ المؤمنين: إنّي أخشى عليه أنْ يذوبَ رِقّة!

وعسى أن نذوبَ رقّةً وصَلاحًا في إدراكِ العِبرة، وما يرمي إليهِ قوْلُ مُترجم كتاب "كليلة ودمنة" عبدالله بن المقفع: المرأةُ الصّالحةُ لا يَعدلُها شيء، لأنّها عونٌ على أمرِ الدّنيا والآخرة!

الثلاثون من آذار 1976...تاريخ ذكرى فلسطينية مجيدة

محمود كعوش

يوم الكرامة...إنتفاضة الأرض المباركة

للعام الرابع والثلاثين على التوالي يستقبل الفلسطينيون في في الداخل والشتات وفي الحل والترحال ذكرى انتفاضة "يوم الأرض" المباركة بكثير من الحزن والمرارة على شهدائهم الأبرار الذين سقطوا في ذلك اليوم التاريخي المشهود. ويزيد من حزنهم ومرارتهم أن المناسبة تحل عليهم هذه العام في ظل أوضاع غريبة وشاذة طغت بشكل شامل وكامل على المشهد العربي من المحيط إلى الخليج، بات من المتعذر معها لم شمل القادة العرب بطيب خاطر وحسن نية تحت سقف واحد في مدينة "سيرت" الليبية لمناقشة قضايا أمتهم المصيرية ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة لها بعيداً عن مخاطر التدخلات الخارجية، وبالأخص الأميركية ـ الصهيونية.
لا شك أن "يوم الأرض"، بكل ما رافقه من وحشية ودموية وما نجم عنه من نتائج واستحقاقات، لم يزل يُمثل حدثاً تاريخياً مهماً وملمحاً سياسياً مضيئاً في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني وتاريخ الأمة العربية ونضالها القومي، باعتباره اليوم الذي عبر فيه فلسطينيو 48 عن رفضهم القاطع لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها عليهم سلطة الاحتلال الصهيوني الفاشية، من خلال انتفاضة عارمة أعلنوا فيها بدمائهم الطاهرة إصرارهم على التشبث بأرض الآباء والأجداد وتمسكهم بهويتهم الوطنية وبحقهم المشروع في الدفاع عن وجودهم وانتمائهم الوطني الفلسطيني والقومي العربي، رغم مؤامرة التهويد المتواصلة والمترافقة مع عمليات الإرهاب والقتل والتنكيل التي ما برحت تلك السلطة العاتية تمارسها بحق الشعب الفلسطيني منذ عام النكبة الكبرى، بهدف اقتلاعه من أرضه وتهجيره وإبعاده عن وطنه وتشتيته في أصقاع المعمورة ومحاولة تذويبه في مجتمعات أخرى لا يربطه بها شيء من التقاليد والعادات والأعراف والتاريخ والجغرافيا، والتي كان آخر مظاهرها البشعة ما حدث ويلم يزل يتواصل في المسجد الأقصى وأكنافه وفي القدس وكل فلسطين.
ومثلما ظلت الأرض محور الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني بشكل خاص والصراع العربي ـ الصهيوني بشكل عام بالنسبة لكيان العدو منذ ولادته القيصرية في قلب الوطن العربي عام 1948 وفق ما أشرت إليه جميع الأدبيات الصهيونية والخرافات التوراتية التي اعتبرت "زوراً وبهتاناً" أرض فلسطين ركيزة إنجاح المشروع الصهيوني الذي بشر به تيودور هرتزل اليهود أثناء انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 وتبنته في ما بعد جميع المؤتمرات الصهيونية الأخرى، كانت هي الأخرى وستبقى تشكل لب قضية وجود ومستقبل وبقاء الفلسطينيين وربما العرب جميعاً، الأمر الذي يجعل من التشبث بها والنضال الدؤوب من أجل الحفاظ عليها حرة ومستقلة مسألة حتمية ومصيرية لا حياد عنها ولا نقاش فيها أو مساومة بشأنها. وعلى خلفية هذه الحقيقة وإيمان الفلسطينيين بقدسية أرضهم حدثت انتفاضة 30 آذار 1976 المجيدة في الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة عام 1948 تماماً كما حدثت بعدها انتفاضتا 1987 و2000 المباركتان في الأراضي الفلسطينية التي احتلوها عام 1967.
ففي 30 آذار 1976 وبعد حوالي ثمانية وعشرين عاماً من المعاناة الشاقة والمريرة التي لا يحتملها بشر ولا حجر، قام فلسطينيو 48 بانتفاضتهم العفوية والسلمية ضد سلطة الاحتلال الصهيوني. وقد اتخذت تلك الانتفاضة المباركة في حينه شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة عمت مدن وقرى منطقة الجليل شمال فلسطين، فتحت القوات الصهيونية خلالها النار على المتظاهرين الفلسطينيين، مما أدى إلى استشهاد ستة منهم، يقتضي الوفاء لأرواحهم الطاهرة التذكير بأسمائهم، وهم استناداً لمعلومات "الموسوعة الفلسطينية": الشهيد خير ياسين من قرية "عرابة" والشهيدة خديجة قاسم شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من قرية "سخنين" والشهيد محسن طه من قرية "كفركنا" والشهيد رأفت علي زهيري من مخيم نور شمس بالضفة الغربية والذي استشهد في قرية "الطيبة". وسقط إضافة لهؤلاء عشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني في ذلك اليوم أكثر من 30 فلسطيني.
وكان بديهياً أن ينتصر فلسطينيو 1967 في قطاع غزة والضفة العربية بما فيها مدينة القدس لإخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ليمنحوا انتفاضة "يوم الأرض" بعداً وطنياً، وينتصر إليهم إخوانهم في المشرق والمغرب العربيين ليضفوا على المناسبة بعداً قومياً، وهما بُعدان لطالما افتقدناهما بعد ذلك ونفتقدهما كثيراً هذه الأيام. فما فرق الفلسطينيين كثير جداً هذه الأيام، وما يفرق العرب أكثر منه بكثير.
وبإجماع المراقبين المحايدين فأن قيام سلطة الاحتلال الصهيوني بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي قرى عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها من قرى منطقة الجليل لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد لتلك المنطقة المحتلة كان السبب المباشر لتفجر انتفاضة "يوم الأرض". وحسبما جاء في "الشبكة الإسلامية" فأن تلك السلطة البغيضة كانت قد صادرت ما بين عامي 1948 و 1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي سبق الاستيلاء عليها بفعل المجازر والمذابح المروّعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية مثل "الأرغون" و"الهاجاناة"بحق الفلسطينيين إبان حرب 1948، وبفعل التهجير والإبعاد القسريين اللذين فًرضا عليهم. فانتفاضة "يوم الأرض" لم تكن بنت لحظتها ولا وليدة الصدفة المحضة، بل كانت نتيجة بديهية ومرتقبة لمعاناة الفلسطينيين المريرة والمستمرة.
انتفاضة "يوم الأرض" التي انفجرت في منطقة الجليل في 30 آذار 1976 وتمددت لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة في عامي 1948 و1967 وطال شررها الوطن العربي والعالم الإسلامي على امتدادهما أُخمدت وانطفأت جذوتها في ذلك اليوم. لكن معركة الأرض الفلسطينية المقدسة لم تُخمد ولم تنطفئ جذوتها بعد، وهي متواصلة ولربما بحدة وشراسة أكبر وأخطر بكثير حتى يومنا هذا. فسياسات التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي ما تزال تطارد الفلسطينيين من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى بلدة ومن قرية إلى قرية ومن حي إلى حي ومن زقاق إلى زقاق، والمخططات العدوانية الجهنمية ما تزال هي الأخرى تُحاصرهم وتعمل على خنقهم والحيلولة دون تحسن أوضاعهم وتطورها. والأسوأ من ذلك كله أن التوجهات والممارسات الصهيونية العنصرية بحقهم، والتي بلغت ذروتها مع التلويح باعتبار كيان العدو "كياناً يهودياً" وتأييد الرئيس الأميركي الأرعن جورج بوش لهذا التوجه أثناء جولته الشرق أوسطية التي جرت في شهر كانون الثاني الماضي، آخذة بالتزايد والتفاقم يوماً بعد يوم، بحيث تجاوزت الأرض التي احتُلت عام 1948 وأصبحت تنذر بقرب حدوث مخاطر حقيقية تمس الوجود الفلسطيني في هذه الأراضي وشرعية هذا الوجود نفسه.
لا شك أن الشعب الفلسطيني وأرضه العامرة بالخير والإيمان واجها من المؤامرات ما لا يُحصى ولا يُعد وعاشا محناً كثيرة وكبيرة وعانا من آلام أكثر وأكبر عجزت عن تجاوزها أو تحملها كل شعوب الأرض، إلا أن أياً من أبناء هذا الشعب المرابط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وعام 1967 والمنتشرين قسراً بقوة الترحيل والتهجير والترانسفير في ديار الشتات الواسعة يقبل المساومة على أي من الحقوق والثوابت الوطنية والقومية، أو التفريط بشبر واحد من أرض الآباء والأجداد.
فمهما بلغت المؤامرات والمحن والآلام التي تنتظر هذا الشعب وأرضه في قابل الأيام، ومهما شطحت وانحرفت القلة الضالة من الأدوات الرخيصة والمرهونة بإرادة المحتل الغاشم والإمبريالية الجديدة المتمثلة بالولايات المتحدة، يبقى الأمل موجوداً لأن هذا الشعب بغالبيته، وهو صمام الأمان، قد حسم أمره وقرر بشكل نهائي أن يكون في جبهة المقاومة والممانعة حتى تحرير آخر ذرة من تراب أرضه المقدسة. رحم الله شهداء انتفاضة "يوم الأرض"، ورحم كل شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية، وكل انتفاضة مباركة وذكرى انتفاضة وأنتم بخير ونصر مظفر بعون الله .
* كاتب وباحث فلسطيني يقيم بالدانمارك

نظرة كانط الفلسفية للدين


زهير الخويلدي

"يحتاج العقل البشري لفكرة الكمال التام التي يستخدمها كسلم يرجع إليه من أجل أن يتمكن من تحديد نفسه"[1].

إن السياق خوض في هذا المبحث هو الرد على من يربط التفكير الفلسفي الحر بالتشكيك في قدسية الدين ومن يتهم معظم الفلاسفة بالإلحاد وهم منه براء ويأتي أيضا لإبراز حضور المسألة الدينية كمنطلق نظري ومسطح محايثة أخلاقي لدي مفكري الحداثة والتنوير. ولكن السبب الأبرز هو البحث في خلفية اعتبار البعض من الكانطيين الجدد وخاصة جيل دولوز[2] كانط هو أول القائلين بموت الله على الصعيد النظري قبل نيتشه خاصة لما فرق بين المعرفة العلمية الخاضعة للتجربة والتفكير الفلسفي المبحر في التجريد وبين المظهر الخارجي الموصوف والجوهر الباطني الملغز وأكد استحالة معرفة الأشياء في ذاتها وأن الغيبيات هي موضوع للاعتقاد والتسليم فحسب ولما جعل البرهنة على وجود الله في نقد العقل المحض واحد من ثلاثة نقائض antinomie يقع فيها العقل البشري.

ربما تكون مثل هذه الآراء واحدة من المبررات التي جعلت تيار الوضعية المنطقية مع حلقة فيانا والعلمويون المغالون ينتزعون تأويلا ابستيمولوجيا من المدونة الكانطية الثرية وينظرون اليه باعتباره واحدا من المنهجيين الملحدين ومن الناقدين الجذريين للميتافيزيقا والدين والمشيدين للحداثة بالمعنى العلمي محتجين بقولته الشهيرة:"ما من ثورة في مجال العلم وإلا وكانت ثورة في مجال المنهج".

لكن ألم يستعد كانط بالأخلاق والدين ما كان قد أضاعه بالمعرفة والعلم؟ ألم يكن يترك زمنا معينا للإيمان أثناء الوقت الذي يتفرغ فيه للتأمل الفلسفي العميق والبحث العلمي الشاق؟

ما يعزز رأينا أن الفيلسوف الألماني كانط قد كتب أهم مؤلفاته "الدين في حدود العقل" و"دروس في النظرية الفلسفية للدين" ليس في مرحلته الوثوقية بل في مرحلته النقدية والتي توجها بنقد ملكة الحكم بعد أن قام بنقد العقل المحض ونقد العقل العملي. علاوة على ذلك يصرح كانط علنا بتصديقه الفلسفي وتعلقه للأبعاد الروحانية وتعطشه للمطلق بقوله:" لقد بدا لي أنه من الضروري أن أضع حدودا للمعرفة...لكي أترك المجال للإيمان."فهل يتناقض هذا التشبث بالموروث الديني مع النزعة النقدية عند فيلسوف الأنوار؟

من المعلوم أن كانط فيلسوف مسيحي يتهمه البعض خاصة نيتشه بالمثال الزهدي والطهرية والأخلاقوية ويؤمن بوجود الله وببعض العقائد الدينية المتفق عليها حتى في الديانات الأخرى مثل خلود الروح والغيب والبعث والجزاء وهو واضع النظرة الأخلاقية الأخروية للعالم على الأقل في نسختها الحديثة بعد أن كان سقراط وأفلاطون قد شيدا نسختها القديمة وابن سينا وابن خلدون نسختها الوسيطة. فماهو التصور الكانطي لفكرة الألوهية؟ وكيف برهن على وجود الله؟ وماهو موقفه من المسيحي؟ وهل تحرر من النظرة المسيحية المزدرية للديانات الأخرى وخاصة اليهودية والإسلام؟

إن استحال على كانط أن يثبت وجود الله عن طريق العقل النظري فإن المرور بطريق العقل العملي وبملكة الذوق ييسران له ذلك وخاصة عند الحديث عن الخير الأسمى أخلاقيا وعن الجليل والعائل جماليا. ولقد قادت نظرية وحدة الوجود الأخلاقية كانط إلى استعمال جملة من الحجج بغية البرهنة على وجود الله نذكر منها الحجة الأنطولوجية الموروثة عن القديس أوغسطين وديكارت والحجة الكوسمولوجية الآتية من أرسطو والتي عدلها كل من أفلوطين وفلاسفة العرب والمسلمين والحجة اللاهوتية الفيزيائية التي نشأت بين أحضان العلم وبلورها نيوتن كأحسن ما يكون وفق تيولوجيا عقلانية حديثة.

لقد توج كانط هذه المناقشة المتعالية مع اللاهوت الحديث ببناء تيولوجيا ذات قواعد أنطولوجية وكوسمولوجية وفيزيائية واخلاقية وتسلم بوجود صفات أخلاقية لله وبأن الإنسان في كل مكان يدرك الطبيعة الإلهية ويحصل له اليقين في المعتقدات الدينية عن طريق الأخلاق والدين الطبيعي والحاجة المدنية إلى التدين من أجل تعزيز مشاعر المحبة وسبل التواصل بين الأفراد في المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة.

والغريب أن كانط يقترح طريقين لمعرفة الله : الأول هو طريق الإيمان بالاعتماد على ما يكشفه الوحي من حقائق ومعارف وقصص ومبادئ. الثاني هو طريق المعرفة بواسطة البراهين والعلل وهي تعتمد على العقل. يميز كانط بين الاحتمالي والضروري في مجال المعرفة ويرى أن الاحتمالي يرتبط بأشياء العالم وأن الضروري يدرك بواسطة المفهوم ولا يقبل الاحتمال وحول معرفة الله يصرح ما يلي:" لهذا السبب لا يمكننا أن نقول البتة أنه من المحتمل أن يكون الله موجودا"[3]. ويبرر ذلك بأن الله موجود بالضرورة.

يكشف كانط على ثلاثة مسلمات بديهية حول الإيمان الأخلاقي بالألوهية والتناسق الغائي للكون والسببية الربانية ويعبر عنها كما يلي:

- في الله بوصفه سبب العالم

- في الله بوصفه خالق العالم

- في الله بوصفه سيد العالم

لو استنطقنا مثل هذه الصفات لتبين لنا أن الله فكرة أخلاقية لا تستقيم الحياة البشرية دونها وأن وظيفة السببية تعني المعقولية والنظام ، وأما وظيفة الخالقية فتعني المنبع والوجودية، في حين أن وظيفة السيادة تعني العناية والمحكومية. كما أن الأفكار التوجيهية الثلاثة: الله والروح والعالم هي مسلمات العقل التأملي التي يبني عليها نسق المعرفة وذلك بالتأليف بين انطباعات التجربة الحسية ومقولات الذهن عن طريق خطاطات المخيلة.

إذا كان مفهوم الدين عند كانط يعني:" شعورنا بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية"، فإن تصوره لله ينبني على اعتراف بالروح والملائكة والحرية الإنسانية وتحترم الشخص في إطار منظومة من الجزاء تعقلن الظاهرة الدينية وتقرا المسيحية من وجهة نظر أخلاق الواجب.

في هذا السياق يصرح كانط:"إن الوسيلة التي يطرحها الله لتعويض ما ينقصنا حتى نستحق أن نكون سعداء تظل عندئذ سرا غير نخترق من قبل العقل الذي يخصنا"[4]. فكيف يساهم احترام الواجب عن إرادة طيبة ونية سليمة في تحقيق الفعل الأخلاقي على الرغم من انه يؤجل مطلب تحصيل السعادة إلى العالم الآخر؟ وهل تخطي كانط فكرة الإله الضامن الديكارتية وفكرة الإله الحافظ الابستيمولوجية؟ وهل كان اقرب إلى اسبينوزا في نظريته حول وحدة الوجود والطبيعة-الله منه إلى فكرة لايبنتز عن التوافق البدئي والعدل الإلهي؟ لكن الإشكال الذي يظل عند كانط دون حل وألهم المفكرين بعده هو: ما مصدر وجود الشر في هذا العالم إذا كان الله طيبا وقادرا ومعتنيا به ؟

المرجع:

Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion, traduction par William Fink, livre de poche, librairie Générale Française, 1993.

[1] Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion, traduction par William Fink, livre de poche, librairie Générale Française, 1993,p.51.

[2] انظر كتابه العمدة الاختلاف والمعاودة الذي نشره عام 1969.

[3] Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion, p.158.

[4] Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion,p.202

نتنياهو بين باراك أوباما ورام إيمانويل

د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني

من الصعب أن نتجاوز الخلاف الأميركي - الإسرائيلي الذي طغى على جدول أعمال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ولقاءاته في البيت الأبيض ووزارة الخارجية، فقد بدا نتنياهو مرتبكاً خلال زيارته، ولم يسعفه كثيراً اللوبي اليهودي المتربع في الولايات المتحدة الأمريكية، كما لم تنقذه تصريحاته المدوية في اجتماعات الإيباك، ولا ترحيب ومرافقة بعض كبار أعضاء مجلسي الكونجرس والشيوخ الأمريكيين، الذين حاولوا أن يتجاوزا الإهانات الإسرائيلية المتكررة للإدارة الأمريكية، وأن يخففوا من آثار الأزمة التي سببتها تصريحات وزير الداخلية الإسرائيلية، الذي أعلن خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، عزم الحكومة الإسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية، وكان الفريق اليهودي العامل في البيت الأبيض، وفي مختلف دوائر الإدارة الأمريكية، يعمل بجد لضمان نجاح زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، وضمان تجاوز الأزمات التي بدأت تظهر بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية، فاقترحوا له أنشطة، وعقدوا له لقاءات، ونشروا له صوراً، وعمموا تصريحاته وأقواله، ولكن كثيراً من تصريحاته أغضبت باراك أوباما، وزادت في حنقه، وأدت إلى تأكيد مواقفه من سياسة حكومة نتنياهو، وتوسيع الفجوة بينهما.
وقد بدت نذر الخلاف تظهر بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، منذ الأيام الأولى لتولي باراك أوباما إدارة البيت الأبيض، وقد علق كثيرٌ آمالاً كبيرة على تزايد الفجوة بين سياسات البلدين، وقد أدركت إسرائيل أن الفجوة بينها وبين الإدارة الأمريكية في ازدياد، وأنها في حاجةٍ ماسة لاستدراك أمرها، وتجاوز أزمتها، واستعادة ثقة الولايات المتحدة الأمريكية بها، وهذا ما عمل عليه الجندي الإسرائيلي السابق، رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض، الذي وقف محتاراً وعاجزاً أمام الالتزام بوظيفته تجاه سيده ورب عمله الغاضب من سياسة الحكومة الإسرائيلية، وبين ولاءه لدولة إسرائيل، التي خدم فيها جندياً مقاتلاً، مؤمناً بأفكارها وسياساتها، والتي نذر حياته من أجلها، دفاعاً عنها، ومساندةً ومساعدةً لها، وقد عول نتنياهو ومعاونوه كثيراً على إيمانويل، لمساعدتهم في تجاوز الأزمات، وعقد اللقاءات، وترتيب الاتفاقيات، وإزالة كل ما علق في ذهن الإدارة الأمريكية ضد إسرائيل وسياساتها.
ولكن رام إيمانويل الذي يشرف على تفاصيل دقيقة وكثيرة في عمل البيت الأبيض، كان يدرك حجم غضب سيده من نتنياهو وفريق عمله، وقد بات مقتنعاً أن الحكومة الإسرائيلية تعجل في خطواتها نحو العزلة الدولية، وأن دول الاتحاد الأوروبي تطالب أوباما بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن انتهاكاتها المتكررة تجاه الشعب الفلسطيني ومقدساته، وضرورة تخفيف حصارها عن قطاع غزة، وأنها باتت منزعجة من السلوك الإسرائيلي الأخير، الذي ورطت فيه العديد من الحكومات الأوروبية، عندما استخدمت جوازاتها في تنفيذ عملية اغتيال المبحوح في دبي، فحذر فريق عمل نتنياهو من أن المهمة الملقاة على عاتقه ومساعديه في البيت الأبيض كبيرة، وأنه قد لا يستطيع النجاح في مهمته، وأن أوباما جادٌ في مواقفه الغاضبة، وهذا يتطلب من نتنياهو وحكومته الانحناء قليلاً أمام العاصفة، وعدم تأجيج الخلاف بمزيدٍ من التصريحات الرعناء، ولا التصرفات الطائشة، وكاد إيمانويل أن ينجح في مهمته، ولكن فندق شيبرد الفلسطيني في حي الشيخ جراح في القدس، وضع نهايةً أليمة لجهوده، وأفشل محاولاته المحمومة لترميم العلاقة بين الرجلين، إذ أعلن وزير الداخلية الإسرائيلية قبيل انعقاد اللقاء بين أوباما ونتنياهو، عن الموافقة على بناء عشرين بيتاً فاخراً على أنقاض فندق شيبرد الفلسطيني، فأدرك رام إيمانويل أنه أصبح وفريق عمله يقفون على أنقاض علاقةٍ أمريكية إسرائيلية، وأنها أصبحت بحاجة إلى جهودٍ أكبر لترميمها، أو إعادتها إلى طبيعتها، وأن الوقت لا يعمل في صالح شعب دولة إسرائيل.
وبينما أغلق باراك أوباما على نفسه مع نتنياهو غرفة الاجتماع، أدرك إيمانويل أن محاولاته المتكررة مع فريقي عمل الإدارتين في أروقة البيت الأبيض لن تجدي نفعاً في إعادة الدفء إلى العلاقة بين الرجلين المجتمعين وحدهما، بعيداً عن الأضواء، وبعيداً عن المساعدين والمستشارين، وأن إسرائيل في مأزقٍ حقيقي لا يخرجها منه سوى تقديم بعض التنازلات، والاستجابة لبعض مطالب الإدارة الأمريكية، المتعلقة بالتخفيف عن الفلسطينيين، وبناء جسور حقيقية للثقة معهم، وبدا إيمانويل واضحاً تجاه فريق عمل نتنياهو، في وقتٍ كان يحاول فيه أن يسترق بعضاً مما يجري في الغرفة المغلقة على الرجلين منذ أكثر من ساعة ونصف الساعة، فنقل إليهم جدية المخاوف التي قد تواجه إسرائيل، نتيجة الإحراجات المتكررة التي تتلقاها الإدارة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية، خاصةً تلك التي سبقت انعقاد القمة العربية، إذ أن المواقف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ستلحق الضرر بالمصالح الأمريكية، وهي الحليف الأقوى لإسرائيل، ونقل إليهم جدية تطلع باراك أوباما إلى بعض المواقف الإيجابية من حكومة نتنياهو قبيل انعقاد القمة العربية، علها تعزز جهوده وإدارته في إعادة الحياة إلى العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكانت هذه المواقف ذاتها قد نقلتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي تعتبر على رأس الفريق المؤيد لإسرائيل في الإدارة الأمريكية، ولكنها وجدت نفسها مضطرة للوقوف إلى جانب أوباما في امتعاضه من التصرفات الإسرائيلية المحرجة، ولهذا كانت رسالتها إلى نتنياهو لا تخلو من بعض الشدة، وأنها لن تتسامح في تأخر الرد الإسرائيلي على رسالتها، وخاصة تجاه بعض القضايا المحددة التي طالبت الحكومة الإسرائيلية بالحصول على إجاباتٍ لها، خاصةً فيما يتعلق بموضوعي القدس والاستيطان.
ما من شك أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تمر بمرحلةٍ حرجة، وأن الإدارة الأمريكية غير راضية عن السلوك الإسرائيلي، وأن الاتجاه الدولي العام خاصة دول الاتحاد الأوروبي، مستاء من سياسة الحكومة الإسرائيلية، وقد بدت أجواء عدم الارتياح تظهر على وجوه وكلمات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، ومفوضية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل لمثل هذا الجو الخانق، فهي تواجه تهديداً في مستقبل علاقتها من أهم حليف استراتيجي لها، وتشعر بثقل الضغط الأوروبي عليها، وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي عنها في معركتها مع البرنامج النووي الإيراني، وقد تكون هذه الخلافات مجرد أحلام وأوهام، وأنه لا أصل لها، بل هي مظاهر مخادعة، وتقصد دغدغة المشاعر العربية، وتحاول أن تكسبها في المعركة ضد إيران، إذ أنها في حاجة إلى اصطفاف عربي وإسلامي لمواجهة مشروع إيران النووي، ولكنها في حقيقتها لا تتخلى عن إسرائيل، ولا تتناقض مع أهدافها وسياساتها، ولا تفضل المصالح العربية على مصالح إسرائيل، فرغم أن الاحتمال الثاني قائمٌ، ولا يمكن تجاوزه أو إسقاطه أو تجاهله، إلا أن الحكومات العربية معنية أن تنتهز هذه الفرصة السانحة، وأن تستغل الظروف الدولية الضاغطة على إسرائيل، سواء كانت هذه الضغوط كاذبة أو حقيقية، للاستفادة منها في رفع الحصار عن قطاع غزة، ورفض سياسة التجويع التي تمارسها ضد سكان قطاع غزة، وإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف أنشطتها الاستيطانية، والكف عن محاولاتها تهويد القدس، وطرد مواطنيها، والاستيلاء على أرضهم.
بكل صراحةٍ ووضوح، إسرائيل تواجه غضباً عالمياً متصاعداً، وتهديداً حقيقياً بالعزل الدولي، كما تواجه إرادةً فلسطينية شعبية قوية وعنيفة، لذا لابد من دبلوماسية عربية قوية وهادفة، وموقف عربي موحد، وتهديد عربي وإسلامي جاد، بعيداً عن الخلافات والانقسامات، وبعيداً عن المناكفات والحسابات الخاطئة، كما لابد من الاستفادة من موقف تركيا المتقدم، لفرض الشروط العربية، وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، والتخفيف من معاناته، والحفاظ على أرضه ومقدساته، فهذه الفرصة مواتية، وقد لا تتكرر، فلنحسن استغلالها، والاستفادة من الظروف الدولية التي خلقتها، ولا نكن نحن بسياساتنا طود النجاة للحكومة الإسرائيلية المتهالكة.

القدس ضحية العلاقات العربية الأميركية

نقولا ناصر

(استمرار الرهن العربي ـ الفلسطيني لمصير القدس لانتظار ما سوف تستقر عليه العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية هو حكم مسبق على المدينة بالتهويد)


يبدو مصير القدس العربية – الإسلامية، ومعها مصير "الدولة الفلسطينية" المأمولة فلسطينيا وعربيا، ومصير "حل الدولتين" المطلوب دوليا، ومصير "عملية السلام" العربية – الإسرائيلية الجارية منذ عشرين عاما برعاية أميركية – أوروبية بدعم "الإجماع" العربي، وكذلك الاستقرار المنشود في الشرق الأوسط لكنه مفقود منذ ظهرت إلى الوجود دولة المشروع الصهيوني في فلسطين التي يعتبر كثيرون من صناع القرار الأميركي ـ ومنهم وزيرة الخارجية الحالية هيلاري كلينتون ـ ظهورها اعظم إنجاز للبشرية في القرن العشرين الماضي، تبدو جميعها معلقة ـ ـ عربيا وفلسطينيا ــ على مصير "الأزمة الدبلوماسية" الحالية بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية حول الاستعمار الاستيطاني اليهودي لشرقي القدس المحتلة.



غير أن استمرار الرهن العربي ـ الفلسطيني لمصير القدس لانتظار ما سوف تستقر عليه العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية هو حكم مسبق على المدينة بالتهويد، وبالتالي هو نذير يهدد كل الوضع الراهن في المنطقة بأوخم العواقب، لأنه لا ينبغي الخلط أبدا بين اختلاف الإدارة الأميركية الحالية مع حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين أي خلاف استراتيجي ليس منظورا إلى أمد طويل في علاقات الجانبين الاستراتيجية الثابتة، والأجدى أن يتم رهن مصير القدس بالعلاقات العربية ـ الأميركية، لتتحول القدس إلى الفيصل بين استمرار هذه العلاقات وتطورها وبين تدهورها أو حتى انقطاعها.



إن الرسالة التي يبعثها هذا الرهان العربي، الذي يتلخص بالاستجابة لأفعال الغير دون أي فعل ذاتي، تطمئن واشنطن بان علاقاتها العربية على ما يرام، وليس فيها ما يستدعي أي تغيير في سياستها الخارجية الإقليمية.



إن حزمة "إجراءات تعزيز الثقة" التي سميت ب"تفاهمات" واقترحتها إدارة أوباما وعاد بها الخميس الماضي رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ليعرضها على حكومته المصغرة فترفضها لا جديد فيها والهدف منها العودة إلى مرجعيات "عملية السلام" القديمة إياها التي فشلت.



أما الخطة التي تقترحها قمة سرت العربية فإنها ليست بحاجة إلى تعليق، وهي تتلخص في صندوق للقدس بحاجة إلى "تصريح إسرائيلي" للدخول، وتهديدات بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي التي ما زالت فتواها حول جدار الضم والتوسع حبرا على ورق دون أي استثمار سياسي لها، وتنظيم مؤتمر دولي لن يختلف عن المؤتمرات المماثلة السابقة إلا برعاية الجامعة العربية له، وتاليف لجنة للقدس وتسمية مفوض لها في الجامعة العربية بينما لجان القدس تنتشر كالفطر، وحث اليونيسكو على إرسال بعثة دائمة إلى المدينة، وحث باراك أوباما على الالتزام بدعوته إلى تجميد الاستيطان، وحث الولايات المتحدة على تعليق حقها في النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي في حال ذهبوا إليه للشكوى أو الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إن رفضت واشنطن الاستجابة لطلبهم، ... لكن لا شيء يتعلق بالعلاقات العربية الأميركية سوى تعزيزها بالتأكيد، بينما كانت القدس وسوف تظل ضحية لهذه العلاقات ما لم تتغير جوهريا.



وبسبب عوامل الجغرافيا السياسية وكذلك عوامل الديموغرافيا السياسية، وليس فقط بسبب المضاعفات الاستراتيجية لما ينتهي إليه مصير بيت المقدس على أمنه الوطني أو بسبب دوره الخاص في المدينة المقدسة المنصوص عليه في معاهدة السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن الأردن يكاد يكون "البارومتر" الإقليمي العربي – الإسلامي الذي يقيس درجة حرارة الصراع الدائر حاليا حول القدس، وفي هذا الإطار فقط يفهم حديث الملك عبد الله الثاني مؤخرا عن القدس ك"خط أحمر"، وتحذيره خلال حديثه الأخير إلى رؤساء تحرير الصحف الأردنية من أن "إسرائيل تلعب بالنار"، وتحذيره في كل الاجتماعات مع المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين والدوليين من أن استمرار الاعتداء على القدس "سيشعل المنطقة بكاملها"، و"يهدد العلاقات الأردنية الإسرائيلية" وهي "علاقات باردة" كما وصفها في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية منذ اشهر اقتبس الملك منها في حديثه، ليضيف بأن "كل الخيارات السياسية والقانونية والدبلوماسية مفتوحة" من أجل "منع" دولة الاحتلال "من الوصول إلى غايتها" في القدس.



لكن لا الأردن منفردا ولا الدول العربية مجتمعة تبدو، اعتمادا على إمكانياتها الذاتية، قادرة على منع دولة الاحتلال الإسرائيلي من تهويد القدس، وهو غايتها، ولذلك فإنها تستجير بالمجتمع الدولي وبقيادته الأميركية، كالمستجير من الرمضاء بالنار، لأن كليهما ما زال ومنذ عام 1967 يمثل الغطاء للاحتلال الإسرئيلي، وعامل الضغط الرئيسي لمنع أي مقاومة عربية له، والدرع السياسي والدبلوماسي لحماية استمراره، ومورد الدعم المالي والعسكري الذي تستقوي به دولة الاحتلال لمواصلته، لتجد الدول العربية نفسها اليوم أسيرة رهان على مجتمع دولي لا يجير، تقوده الولايات المتحدة، وأسيرة علاقاتها الأميركية التي أصبحت ضامنة للأمن الوطني لكثير منها، وأسيرة بالتالي للتناقض بين هذه العلاقات العربية ـ الأميركية الآسرة وبين طموحها الصادق إلى "إزالة آثار" الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وهي آثار تحولت إلى حقائق مادية على الأرض تفجر الآن ما يمكن تسميته بأزمة القدس العربية الراهنة.



وهكذا يكاد الأردن يكون أيضا نموذجا للدول العربية المحاصرة بين جنوحها إلى سلام تسعى إليه صادقة لكنها ما زالت حتى الآن تفتقد شريكا إسرائيليا لها فيه وبين علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية، ومحاصرة بين قرار السلام العربي الذي صنعته فعلا وبين عجزها عن التراجع عنه، ومحاصرة بين استمرار تمسكها بقرارها كالقابض على الجمر وبين عجزها عن تنفيذه، ومحاصرة بين قرارها هذا وبين العجز الأميركي عن الضغط الأميركي على دولة الاحتلال للاستجابة له، ولذلك ما زال الأردن ومعظم الدول العربية حريصون على تجنب أي إشارة ولو تلميحا إلى مسؤولية الولايات المتحدة المباشرة عن الوضع الراهن.



والولايات المتحدة الأميركية حرصت على استغلال هذه العلاقات تحديدا لكي لا تترك لهذه الدول خيارا آخر غير السعي إلى السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى لو ترسخت لديها القناعة، بالتجربة الملموسة، بأن السلام مع هذه الدولة هو مجرد سراب ووهم، حتى بينها وبين الأردن ومصر الموقعتين معها على معاهدتي سلام، ومع ذلك ما زالت واشنطن تصر على استمرار بيع الوهم لهذه الدول، التي تصفها واشنطن ب"المعتدلة" والتي مكنتها علاقاتها الأميركية من أن تصبح صانعة للقرار العربي في الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت هذه الدول تصر على شراء الوهم الأميركي حتى بعد أن ثبت بالملموس أنه بضاعة فاسدة مفسدة عن سابق قصد.



ويبدو أن الدول العربية تركت لدولة الاحتلال الإسرائيلي مهمة تحميل المسؤولية للولايات المتحدة عن الوضع الراهن. ففي معرض دفاعه عن رفضه التجاوب مع المقترحات الأميركية لتحريك عملية السلام، قال نتنياهو أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن ما سبق له أن بعثه في رسالة إلى هيلاري كلينتون، ومن شبه المؤكد أنه قاله أيضا للرئيس باراك أوباما، بأن مشروع الاستيطان الإسرائيلي وبخاصة في القدس المحتلة "لم يكن أبدا نقطة نزاع بيننا وبين الولايات المتحدة طوال 42 سنة من البناء في الأحياء اليهودية لعاصمة إسرائيل". وقد صدق نتنياهو، فهذه حقيقة معروفة كالسر المكشوف، لكن الرسميين العرب لأسباب غنية عن البيان يتحاشون حتى الإشارة إليها.



وفي هذا السياق لا يسع المراقب إلا أن يستذكر إشادة أوباما وكلينتون وغيرهما من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية بالقرار الذي اتخذه نتنياهو أواخر العام المنصرم بتجميد مؤقت للتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية "باستثناء القدس" ليتساءل: ألم تكن هذه الإشادة الأميركية ضوءا أخضر أميركيا لاستثناء القدس سمح بموافقة نتنياهو على قرارات بناء أكثر من خمسة آلاف وحدة استيطانية جديدة في المدينة خلال فترة التجميد المؤقت، كان قرار بناء (1600) وحدة في مستعمرة رامات شلومو آخرها، وهو القرار الذي أراد البعض في قمة سرت العربية مقايضة سحبه بالموافقة على إطلاق "مباحثات التقارب" غير المباشرة، إذا صحت الأخبار المتسربة من أروقة القمة؟!



في افتتاحية لها يوم الجمعة الماضي، قالت النيويورك تايمز إن "المنازعات" الأميركية مع دولة الاحتلال جعلت الرئيس الأميركي أوباما "يبدو ضعيفا، وأعطت الفلسطينيين والقادة العرب عذرا للانسحاب من مباحثات التقارب" التي اقترحتها إدارة أوباما. لكن لا الفلسطينيين ولا القادة العرب يظهرون إي مؤشر إلى أنهم سوف يسحبون موافقتهم على المقترح الأميركي.



إذ بالرغم من مضي اكثر من أربعة شهرا مما سمته النيويورك تايمز ب"المنازعات" الأميركية ـ الإسرائيلية حول الاستيطان في القدس التي انتهت حتى الآن بثبات دولة الاحتلال على موقفها وبتراجع الإدارة الأميركية أمامها، وبالرغم من أن ثلاثة أسابيع مضت على مواجهة علنية بين أوباما وبين رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بلغت ذروتها في واشنطن الأسبوع الماضي قد انتهت باجتماع حكومة نتنياهو "السباعية" المصغرة التي قررت بأن نتنياهو "لن يغير سياسته" في القدس، وبالرغم من أن الأمل الذي داعب مخيلة الكثيرين في الحكومات العربية بأن يختار نتنياهو العلاقات الاستراتيجية مع الولايات إن خير بينها وبين انفراط ائتلافه الحاكم قد تبدد بعد أن اختار نتنياهو ائتلافه نافيا وجود "أي نية" لديه لفرطه، على ذمة هآرتس يوم الجمعة، التي نسبت إليه تحديه الصريح والمباشر للإدارة الأميركية بنفيه أيضا أنه يواصل تهويد القدس بضغط من شركائه في الائتلاف الحاكم، بقوله: "أنا لست بحاجة إلى شركاء الائتلاف للضغط علي لمواصلة البناء في القدس، لأنني أنا نفسي أخطط لمواصلة البناء في القدس كما فعل كل رؤساء الوزراء من قبلي"، بالرغم من ذلك وغيره فإن القرار الفلسطيني والعربي ما زال يراهن على الولايات المتحدة والسلام!



وهذا قرار عربي "بالإجماع". وهذا الإجماع قد تأكد يوم الأربعاء الماضي، على سبيل المثال، بتأكيد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تقود بلاده معسكر الممانعة للمخططات الأميركية ـ الإسرائيلية الإقليمية، على مبادرة السلام العربية ورفض إلغائها لأن "إلغاءها يعني التنكر للمرجعيات"، مع ان هذه المرجعيات غير ملزمة لأحد حتى الآن إلا لأصحاب المبادرة أنفسهم الذين أجمعوا عليها طوعا ومن جانب واحد والتالي فإنها ستظل قائمة سواء سحب القادة العرب مبادرتهم أم لم يسحبوها.

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

الأسير المناضل ابراهيم مشعل يدخل عامه الإعتقالي العشرين

راسم عبيدات

......عشرون عاما وأنت ترتحل من سجن لآخر،ترتحل في كل الحالات قسرا وعزلاً،فأنت دائم الحركة والفعل والنشاط،تتصدر وتقود كل الأنشطة والفعاليات والمعارك ضد إدارات مصلحة السجون الإسرائيلية في هجماتها المتكررة والمتواصلة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،من أجل كسر إرادتها وتحطيم معنوياتها،وسحب منجزاتها ومكتسباتها،وكم مرة بسبب ذلك منعت من زيارة الأهل،أو قضيت عقوبات في أقسام وزنازين العزل؟.

عشرون عاماً وأنت تحمل صليب أحزانك والسير في درب ألآلامك،عشرون عاماً مرت فيها عليك عشرات ألآلاف المعتقلين،وكذلك عشرات ألآلاف منهم تحرروا،وأنت قابض على مبادئك كالقابض على الجمر في هذا الزمن الصعب.

عشرون عاماً كلما التقيت بك في رحلاتي المتكررة إلى سجون الاحتلال،وأنت دائماً تسأليني عن كل شاردة واردة في البلدة،ما الذي تغير فيها؟ولماذا قضية الأسرى مغيبة؟،ولماذا اهتمام المؤسسات الحقوقية والتي تعنى بشؤون الأسرى،عملها نمطي وروتيني وشكلاني؟، وألف لماذا ولماذا تطرحها علي إما في "الفورة" ساحة النزهة أو في زيارات الغرف للمعتقلين.

أبو سامر المكبر ما عادت كما خبرتها،فجغرافيا البلدة تضيق على سكانها شيئاً فشيئاً،بفعل الهجمة الاستيطانية التي طالتها في القلب والأطراف،فهناك مستوطنة تدعى" نوف تسيون"تضم أكثر من 200 وحدة استيطانية زرعت في قلب البلدة وفي أجمل مواقعها،وأيضاً هناك شارع طوق شرقي سيلتهم الكثير من أرضها ويعرض عشرات البيوت فيها للهدم،وهناك تراجع نحو القبلية والعشائرية وما تفرزه من مشاكل اجتماعية،ناهيك عن التفكك والتحلل الاجتماعي وغياب قيم التعاون والتعاضد والعمل الطوعي.

والمكبر كغيرها من قرى القدس ليست بعيدة عن استهداف الاحتلال لها من حيث محاولة تدمير نسيجها الاجتماعي وإغراقها في الآفات والأمراض الاجتماعية،فالمخدرات مثلاً وصلت طريقها إلى شبابها،والحركة الوطنية بفعل العوامل الذاتية وشدة قمع الاحتلال وفقدان عوامل الثقة تراجع دورها .

ولكن ليس كل اللوحة سوداوية يا أبا سامر،فنادي المكبر بقيادته الشابة والتفاف الجماهير حوله،والتي زحف أكثر من خمسة عشر ألف منها يوم السبت 27/3/2010 إلى ملعب الشهيد فيصل الحسيني ،من أجل دعم ومؤازرة النادي والفريق في مباراة الحسم على كأس الشهيد القائد أبو علي مصطفى مع نادي الأمعري،وتحقيق نادي المكبر لفوز مستحق والتربع على عرش دوري الشهيد القائد أبو علي مصطفى،يثبت دوماً أن الإرادة تصنع الانتصارات،وهذه القيادة الشابة امتلكت الإرادة ووفرت الإمكانيات المادية للفريق،دعمها في ذلك قاعدة جماهيرية واسعة من المشجعين.

هذه الجماهير إذا وثقت يا أبا سامر تجود ولا تبخل وتصنع الانتصارات،شرط توفر قيادة مؤتمنة تمتلك الجرأة والقرار.

أبو سامر لا أريد أن أصدع رأسك،فأنا أعرف أنك الآن تطرح وتناقش مع أخوتك ورفاقك الأسرى المناضلين،والذين أنت أحد أبرز عناوينهم الإعتقالية والوطنية،ويدور في خلدك وخلدهم أيضاً الكثير من الأسئلة والهواجس والهموم الوطنية والسياسية والإعتقالية.

من طراز نحن نضالنا من أجل يكون لنا وطن حر،يعيش فيه أبناؤنا بحرية كباقي بني البشر،وليس من أجل أن يقتتل أبناء شعبنا وقياداتنا على سلطة وهمية،ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة،ولا من أجل يجزؤوا الوطن ويقسموه،أكثر مما جزاه وقسمه أوسلو.

نحن دفعنا الثمن الأغلى والأكثر على الصعيد الشخصي والاجتماعي والوطني،من أجل أن نرى نورا وضوءا في نهاية النفق،ومن أجل ان ننال حريتنا بكرامة وشرف وبما يليق بنا كمناضلين،وليس من أجل يترك مصيرنا وبالتحديد نحن أسرى القدس والثمانية وأربعين إلى إلى حسن نوايا إسرائيل وصفقات إفراجها أحادية الجانب وشروطها وتقسيماتها وتصنيفاتها.

وأيضاً لماذا نترك وحيدين لنواجه مصيرنا وقدرنا؟ وأي ثورة تلك التي 115 من مناضليها قضوا في سجون الاحتلال عشرون عاماً فما فوق،بل أن خمسة منهم دخلوا موسوعة"دينس" للأرقام القياسية!!؟؟،ولماذا كل ثورات العالم انتصرت وثورتنا لم تنتصر؟،ولماذا قياداتنا لا تتعلم من الأخطاء وتستفيد من التجارب؟، وهل أضحى نضال شعبنا الفلسطيني نضالاً "سيزيفياً" نسبة لبطل أسطورة الكاتب الوجودي الفرنسي "البير كامو" الذي كان يدحرج الصخرة من أسفل الجبل الى قمته،لتعود وتتدحرج ثانية،ويعيد هو تكرار المحاولة مرة ومرات في دحرجة الصخرة،دون أن يحقق شيئاً سوى خسارة الجهد المبذول في تلك العملية غير المجدية.

أبو سامر عشرون عاماً من عزل لآخر ولم تفقد البوصلة أبداً،فأنا أعرف أصالتك وطيبتك وعمق انتماءك وإلتصاقك بالوطن وهمومه،وكم مرة كنت تقول بأن أوسلو مرحلة عابرة في سفر نضال الشعب الفلسطيني،فالشعب الذي أسقط الكثير من المشاريع والمخططات المغرضة والمشبوهة المستهدفة لشعبنا وقضيتنا وثورتنا،قادر على تجاوز مرحلة أوسلو وما تركته من آثار وتداعيات خطيرة ما زلنا ندفع ثمنها حتى اللحظة الراهنة،فهي من قسمت الأرض والشعب سياسياً واجتماعيا،وهي من سمحت بتقسيم المعتقلين إلى أسرى قدس وثمانية وأربعين وضفة وغزة ..الخ

أبو سامر كن على قناعة بأن أختي الصابرة المناضلة أم سامر بمئة رجل،فهي قادرة على المقارعة وثابتة على قناعاتها وأفكارها،وهي ترى أن المرأة يجب أن تأخذ دورها ومكانتها في المجتمع،وهي تمتلك من القدرات والطاقات ما يمكنها من تحمل المسؤولية في القيادة في أكثر من جانب ومجال،وهي رأت بأن أفضل خدمة تقدمها لبلدها هي من خلال تشكيل لجنة أمهات تهتم بشؤون وأوضاع بناتنا الطالبات في مدارس البنات الحكومية،وحتى في هذا الدور والجانب،وجدت هي ومن معها من يحاربهن ويحاول أن يصادر دورهن،ولكن لا تقلق أبا سامر فالأمام علي كرم الله وجه قال " لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه"،وأم سامر غاضبة وعاتبة على مثقفي البلد والواعين فيها والذي يتخلون عن دورهم تجاه بلدتهم،بل وفي بعض الأحيان ترى في دورهم السلبية والتعطيل.

أبو سامر عليكم في الأسر كما قال الشهيد غسان كنفاني "أن تستمروا في دق جدران الخزان"،فحق قياداتكم وسلطتكم عليكم أن تجرب كل الطرق والوسائل من أجل أن تتحرروا من سجون الاحتلال ومعتقلاته،فأنتم الرموز والقادة والعناوين،وأنتم المضحين والذين راكمتم الإنجازات وبفضلكم عاد من عاد الى الوطن وتولى القيادة،ومسؤولية تحرركم من سجون الاحتلال وبالذات أنتم أسرى القدس والداخل،يجب أن تكون أولوية للسلطة والأحزاب والفصائل،وأيضاً آسري الجندي الإسرائيلي "شاليط"،بالضرورة أن يرفضوا أية صفقة لا تشملكم،وعليهم التمسك بشروطهم،فهذه الصفقة هي أملكم وأمل الكثير من أسرى وأبناء شعبنا.

وئام وهاب وراء هجوم الخازن على عون

الياس بجاني

محزن أن نشهد خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً هذا الهبوط الصاروخي لهالة ومصداقية ودور ووضعية العماد ميشال عون التمثيلية والوطنية والقيمية. فكما كان صعوده سريعاً وجارفاً هكذا جاء انحداره مدوياً إلى درك سفلي هو تحت ما تحت التحت، وذلك بعد انتقاله الإسخريوتي إلى القاطع السوري - الإيراني وتخليه بوقاحة الأبالسة عن ملته وناسه ومجتمعه ووعوده،� ونقضه كل ماضيه النضالي والسيادي والمؤسساتي حتى بات هذا الماضي يخجل من حاضره,

بالواقع إن ما رشق النائب السابق فريد هيكل الخازن به عون وصهره علناً من اتهامات مريبة لم تكن مفاجئة لأحد لأن ما يتم تداوله في هذا الشأن بين المواطنين يفوق بمئات المرات ما أُعلن. أما الخازن الذي ادعى العفة وكاد "يطحش" وسط هتاف مؤيديه على الطاعة والفقر رافعاً نفسه إلى مصاف المترهبين، هو يعرف قبل غيره أنه ليس في وضعية امرأة قيصر، وأن كازينو لبنان ومشروع الطريق البحري عند موقع نهر الكلب وغيرهما من ساحات الوغى كثيرة.

المؤسف أن ما قاله عون وما رد به الخازن سيبقى في نطاق السجال الإعلامي البحت، ولن يصل إلى القضاء، وبالتالي لا مساءلة ولا تحقيق ولا إحقاق للعدل. والمؤسف أيضاً أن المتباريين الآن بسلاح "الصحاف وأحمد سعيد" الزجلي لأسباب ليس لها علاقة بالوطن والمواطن والقضية، هما من ضمن طاقم سياسي فاسد ومفسد عمل ويعمل بجهد على ضرب المؤسسات ومنع قيام الدولة ويسوّق لمفهوم المحسوبية والأتباع والمنافع، ولسياسة مد اليد على الآخرين وعلى ممتلكاتهم.

فرح معارضو عون فرحاً عظيماً بهجمة الخازن وكاد بعضهم أن يرفعه إلى مصاف الأبطال، في حين تم توزيع كلامه الهجومي عبر الإنترنت "واليو تيوب" كما وُضِع بشكل لافت على العديد من المواقع الالكترونية. لا شك أنه من حق هؤلاء أن يستفيدوا من الفرصة الذهبية هذه ويسددوا في مرمى عون وصهره ويردوا لهما بعضاً من فضائلهما الاتهامية والتخوينية، وما أكثرها، إلا أنهم اغفلوا أهداف الهجوم "الخازني" الحقيقي، وتعاموا عن الجهة التي أعطت الضوء الأخضر والأمان له.

الحقيقة هي أن وئام وهاب هو وراء الهجوم على عون وقد جاء على خلفية إشكالات تصريحه من الرابية الذي طالب فيه الرئيس سليمان بالاستقالة. فكما يعلم الجميع إن التصريح الوهابي أُطلق بعد اجتماع مطول بين وهاب وعون، وبقي عون بعد ذلك لعدة أيام صامتاً هو صهره لا تأييداً ولا استنكاراً، فيما كانت تصاريح نواب كتلة الإصلاح والتغيير متناقضة وغير مقنعة ومرتبكة. إلا أنه ولأسباب لم تعلن عاد عون وتبرأ من كلام الوهاب، فانزعج هذا الأخير وقال لوسائل الإعلام بأنه عاتب على عون وأضاف بما معناه: "طبعا حكينا بالموضوع، شو كنا عم نحكي بالطقس".

وئام وهاب المعروف بموهبة اقتناص الفرص واستغلالها تربطه علاقة وطيدة بالخازن، وكان هذا الأخير ومعه النائب الآن عون وجبران باسيل وفادي عبود وناصيف قزي من ضمن الشخصيات المارونية التي دعاها وهاب للمشاركة في لقاء الجاهلية. كما أن الخازن في مقابلة له مع تلفزيون المر أجريت معه مؤخراً ادعى بتباهي أنه يقرأ جيداً المتغيرات وهو بالتالي في الوسطية أي من الذين يرغبون بالانفتاح على سوريا.

وئام وهاب وعلى خلفية الانتقام من عون قام بوضع سيناريو الهجوم وزود صديقه الخازن ببعض المعلومات المتعلقة بعون وصهره، وأعطاه بمباركة الشقيقة الأمان ليقول ما قاله بتلك النبرة العالية ومن خلال المفردات النابية والسوقية التي تفوه بها. نشير هنا إلى أن عون كان تحدث عن "مجبلة باطون حراجيل" بتاريخ 16 من شهر آذار الجاري، في حين جاء رد الخازن الناري "والمسورن" بتاريخ 24 آذار، أي بعد سبعة أيام. أما كلام عون عن التعدي على أملاك الدير بتاريخ 23 آذار فلم يرد فيه اسم الخازن.

بالخلاصة هذا هو للأسف مستوى عون الآن بعد قبوله التبعية لسوريا ولعبه دور بوقها وصنجها وكيس الرمل. لقد فقد الرجل حريته وقراره وهالته ومصداقيته وأصبح أسيراً لتبعيته، وبعد أن تنازل عن كل ما كان عنده باتت سوريا تعامله كما تعامل أقل وأصغر سياسي في لبنان ولا تقبل أن يتخذ ولو موقفاً صغيراً دون علمها وبركتها.

ما يجب ألاّ يغيب عن حسابات عون هو أنه مهما تقرب من رموز النظام السوري فأنه لن يصبح عندهم في منزلة الرئيس سليمان الذي كان لصيقاً بهم منذ ما قبل 1990 وأُوكلوا إليه موقع قيادة الجيش لمدة تسعة أعوام متتالية، ومن ثم سهلوا له دخول قصر بعبدا، ومع ذلك كُلفوا الوهاب التهجم عليه ورميه بأبشع التهم خدمة لمصالحهم وربما بعلمه المسبق وموافقته!!

يبقى أنه في أوحال وفخاخ التبعية لا كبير ولا حرية ولا كرامة، بل انصياع وخنوع كاملين ودائماً "حاضر سِيدي"!!

الأحد، مارس 28، 2010

مرارة أهل غزة لن تنفجر يا ريس

نضال حمد

ذكرت التقارير الاخبارية أن الرئيس المصري حسني مبارك سيعود الى مصر بعدما أجريت له عملية استئصال للمرارة في المانيا ، وبعدما ارتاح من مرارته التي عذبته طويلاً . الرئيس المصري محظوظ لأنه وجد من يرسله لتلقي العلاج في هايدلبيرغ بألمانيا ، حيث تكاليف العلاج والاقامة هناك باهظة جداً .. يعود الريس سالماً معافى ، بينما هناك ملايين التعساء من الشعبين المصري والفلسطيني ، الذين يموتون بسبب عدم توفير الضمان الصحي لهم ، وبسبب الاهمال والفقر والعوز والحصار والظلم والقهر. ففي مصر ملايين من المصريين لا يجدون ما يقدمونه لأطفالهم الجياع .. بينما لصوص السلطة والحزب الحاكم ، تجار الوطن والشعب والقضية ، يزدادون ثراء يوم على يوم. أما في قطاع غزة الذي تحاصره قوات الريس بجدار الكتروني عازل ، لم يعرف التاريخ البشري المعاصر مثيلاً له ، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية العالمية وضعتا كل طاقتهما في انجاح عملية بناء الجدارعلى الحدود مع غزة ، بغية قتل الفلسطينيين اعداماً بالجوع حتى الموت. ووافقت الحكومة المصرية التي تذهب وراء المال حتى ولو كان على حساب الوطن والسيادة والاستقلال والعروبة والانتماء والشرف والكرامة والدين والشعب وكل ما هو فوق المال .. وافقت الحكومة المصرية على لعب الدور الأقذر في عملية حصار غزة. فمنذ بدأ الحصار المصري الصهيوني للقطاع ، توفي مئات الفلسطينيين الذين انفجرت مراراتهم قهراً من ظلم ذوي القربى. فهؤلاء لم يتلقوا العلاج المطلوب ولا العادي في مشافي القطاع ، الخالية من المعدات والأدوية والمستلزمات الطبية، فكل تلك الأشياء تصادرها السلطات المصرية وتضعها في مستودعاتها الى أن تتلف أو أنها ترفض ادخالها بشكل نهائي ، فيما أنها تقوم بين الفينة والفينة بادخال بعض المستلزمات المصادرة.وأن حصل وعلمت السلطات بطريقة ما عن وجود مصريين أو عرب من حزب الله أو حماس أو الجهاد أو أجانب مثل جورج غالاوي والمتضامنين الاوروبيين، يعملون على ايصال المساعدات الى أهل القطاع ، سرعان ما تعتقل العرب منهم وتحاول اذلالهم وتعذيبهم وتمارس بحقهم أبشع أنواع المهانة. ثم تقوم بتقديمهم الى المحاكم بتهمة الارهاب ومساعدة الارهاب ، والمس بسيادة مصر. وكأن لمصر سيادة فعلية بعدما جعلتها معاهدات كمب ديفيد رهينة للأمريكان والصهاينة. أما الأجانب وبالذات الأمريكيين والاوروبيين فانها تكتفي باهانتهم وبمنعهم من دخول مصر مرة ثانية وبتسفيرهم كما فعلت مع غالاوي وبقية أعضاء قافلة شريان الحياة الثالثة.


بينما يستعد الريس مبارك للعودة الى مصر تشير التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "إيرين" عن أنفاق غزة الحدودية مع مصر أنّ الجدار الفولاذى الذى تبنيه مصر على حدودها مع قطاع غزة، سوف يعزل القطاع نهائياً عن مصر من الأعلى ومن الأسفل أيضاً حيث توجد الأنفاق، الأمر الذى سيضع سكان القطاع على حافة الهاوية، فكيف سيبقون على قيد الحياة، دون ممارسة عمليات التجارة عبر الأنفاق الموجودة على طول الحدود المصرية؟ حيث إنّه وفقاً للبنك الدولى وخبراء اقتصاد فلسطينيين فإن ما لا يقل عن نسبة 80% من واردات قطاع غزة تأتى من خلال هذه الأنفاق. أليست هذه جريمة العصر ؟ وأليس الذي يرتكبها من مجرمي الحرب ؟ واليس تجويع نحو مليوني فلسطيني وخنقهم وحصارهم وسد شرايين الحياة عنهم من الجرائم الكبرى ، التي يجب أن تحاسب عليها حكومة الشقيقة الكبرى ، أم الهزائم والفضائح .. وأم الاستسلام والعار ؟؟


يقول الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان : " فى غزة أنّه بالرغم من ارتفاع مرتبات حفر الأنفاق والعمل فيها لمبلغ يصل إلى 25 دولار يومياً، إلا أنّ هذه الوظيفة من الوظائف القليلة المتاحة للشباب الفلسطيني، إذ إنّهم يتعرضون لهجمات يومية من سلاح الجو الإسرائيلى، بالإضافة إلى انهيار الأنفاق ونشوب الحرائق". في حين ينقل نفس التقرير الأممي عن "زياد الظاظا" وزير الاقتصاد فى حكومة حماس المقالة، قوله أن كان هناك 20000 عامل كانوا يعملون فى الأنفاق قبل العمليات الإسرائيلية فى غزة أوائل عام 2009، ولكن بقى الآن ما يقرب من نصف هذا العدد جراء تدمير القوات الإسرائيلية من 60% إلى 70% من الأنفاق.وفي مكان آخر ينقل التقرير على لسان شحص يدعي ان اسمه ابو عنتر وهو من ملاكي الأنفاق على الحدود أن الأنفاق للعمل وكسب الرزق .. نعم يا سيد ابو عنتر الأنفاق للعمل وكسب الرزق ولكنها كذلك للعيش والحياة والصمود والاستمرار والتمسك بثوابت شعب فلسطين وعدم الرضوخ لاملاءات الاحتلال الصهيوني واعوانه من العرب والفلسطينيين.ولولاها لما كانت غزة صمدت وصبرت ولم تهزم في عدوان 2008/2009 . فهي إذن أساس من اسس المعركة ، ومن أجل هذا قرر الصهاينة والأمريكيان واعوانهم في مصر اغلاقها وتدميرها وبناء جدار عار حديث جداً يسد دروبها ويليق بمقام نظام الريس ودوره المرسوم في المنطقة.

مرارة شعب فلسطين الصامد الصابر في القطاع المحاصر لن تنفجر كما مرارة الريس ، و مقاومته ستستمر وستنتصر، ولا بد للذين صمدوا وصبروا وقاوموا ومازالوا على هذا الحال أن يجدوا وسائل وأن يبتدعوا اساليب شعبية ستتكفل باسقاط نظرية جدار العار.


* مدير موقع الصفصاف

www.safsaf.org