الأحد، مارس 28، 2010

أحلام ( .. 1548 ..).. كل آذار وأنتن بألف خير

سامح عوده
– فلسطين

في آذار نحن إلى هوس الذكريات، لتشتعل في أدمغتنا مواقد الحنين ، وشغف العشق الأزلي لمن يغيبون قسراً في علم قريب منا في المكان تفصلُ بيننا وبينهم بضع جدران وجند وعسكر وقضبان تأسرهم وتأسرنا، يغيبون أجساداً لكن أرواحهم لا تفارقنا، أرواحهم معنا في كل لحظة، وكلما مروا كطيف بهي أيقظوا الحنين فينا ..

أمطرونا بمواويل للوطن الجميل، وفضاء قصائدٍ يهدرُ كالموج لا تصلحُ للنسيان، هم الأسرى فرسان الحرية روح الأرض وزيت الحرية الذي يسرجُ في قناديلها، قد نخفقُ التعبير أحياناً، وتسبقنا الدموع قبل أن نفتحَ أبواب الشوق على مصراعيها للفضاء الفسيح ..

في كل يوم نسجل على ألواح التاريخ عنواناً عريضاً أننا باقون، وفي آذار الحالم تمتزجُ الذكريات معاً في حكاية فريدة من نوعها، وحدهم الفلسطينيون من يعرفون معناها، يوم المرأة، وعيد الأم، ويوم الأرض، حكايا كالأسطورة تتداخلُ كألوان الشفق لحظة الغروب، لا يمكن الفصلُ بينها، وكذلك نحن الفلسطينيين يصعبُ علينا الفصل بين المرأة – الأم - والأرض ..

في العنوان كل آذار وأنتن بألف خير، كان محور المقال المرأة الفلسطينية في جميع أماكن تواجدها، وما دفعني للاستمرار في الموضوع هو التقرير الصادر عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين، الذي نشر عبر الصحف المحلية على مساحة صفحة كاملة، وهنا سأرجع الفضل لأهله طاقم الوزارة، وربما تكون للوزير عيسى قراقع البصمه الأولى في هذا التقرير باعتباره أسيراً سابقاً وكاتباً من طراز فريد، وللحق فالتقرير يحتوي على مئات العناوين، وفي كل سطرٍ منها تجدُ أسطورة، مع قناعتي التامة بأن عهد الأساطير قد ولى إلا أن الأمر يختلف عندما تتحدث عن المرأة الفلسطينية لأنها الأسطورة الباقية، والحقيقة الساطعة كالشمس..!!

ويذكر التقرير أن ( خمسة عشر ألف ) أسيرة اعتقلن منذ العام 1967 م، وخلال الانتفاضة الأولى اعتقل ( ثلاثة آلاف أسيرة )، وفي الانتفاضة الثانية ( تسعمائة أسيرة )، والتقرير يحتوي على آلاف العناوين للكتابة، فما أن تبدأ السطر الأول حتى تنهي في كل سطر تقفزُ إلى ذهنك عشرات العناوين، ولهذا فقد استفزتني كل السطور وتعالت في سمائي آلاف العناوين كلها أحدثت ضجيجاً في ذاكرتي، ولذا اخترتُ عنواناً كان لافتاً بين السطور ..

على أعلى الصفحة ومن الجهة اليسرى توجد صورتها، صورة الأسيرة أحلام التميمي والتي تقضي حكماً بالسجن ( 16 ) مؤبد، عدتُ بالذاكرة إلى الوراء، وحاولت ربط الخيوط معاً كي تتجلى الصورة بكل أبعادها، فتذكرتُ هذا الاسم الذي لم يكن عابراً في الذاكرة، تذكرت حديث عمها الدكتور سمير شحادة والد خطيبها نزار التميمي الذي يمضي حكم المؤبد في السجن هو الاخر، وقد عقد قرانهما وهما يقبعان خلف القضبان ..

وتذكرتُ أنني قبل ثلاثة أعوام قرأتُ كتاباً عن أحلام ونزار بعنوان " أحلام ابن النبي " للمتوكل طه، وهو يبحرُ في عوالمهم ويغزلُ من حروف اللغة شعراً، يروي الحكاية كلها، عن عاشقين للوطن غيبا قسراً خلف القضبان ..

أحلام .. صورة فلسطينية خاصة، شيء مركب من عطور الجنة، عظيمة هي هذه المرأة لقد خطت على أوراق تقويمنا أننا أحرار رغم الاحتلال، وبهذا النموذج الفريد علمتنا دروساً أنه " ليس بعد الليل إلا فجرُ مجد يتسامى " ، وأن الكرامة والحرية لا تنال إلا بعد ليل بهيم ..!! فجدران الزنزانة الباردة، وصقيع الغرفة، والعزل .. والتعذيب، لم تنل من إرادتها شيئاً ..

أحلام .. التي لم تمنعها حواجز الاحتلال وإجراءاته القمعية، من أن تسكن روح الوطن فتخطت حقول ألغام زرعت لها، وتجاوزتها باتجاه مطعم " سبارو " واعتقلت وحكم عليها حكماً تجاوز عمرها الافتراضي مئات المرات ..

ظلت أحلام .. بعنفوانها أسيرة منذ العام 2003 م تعاني ظروف الاعتقال والحرمان البعد عن الأهل والأحبة، بهذا النموذج البطولي لعطاءات الفلسطينية تعلمنا أن بعد الليل سيولد نهار، وأن الحرية تولد من رحم الجراح، في قصة هذه الفلسطينية أحزان وأوجاع، وجراح مفتوحة للملح ..!!

لقد كتبت أحلام من خلف زنزانتها :

عنـــــــــــــدما نختــــــــــارُ أنْ نحــــــــــــبَّ

نتّــــــــــــــجهُ نحـــــــــوَ الحـــــــــــــــــــريّة ..

عبارات أبلغ من قصائد تصلحُ منهجاً للكون كله، ودستوراً للعقلاء، هذه الفلسطينية ُ بكل تفاصيلها، وما أحلام إلا جزءا يسيرا من مسيرة العطاء التي وهبتنا إياها، نرويها في آذار .. آذار الخير والعطاء .. آذار المرأة والأرض ..

والآن .. هل عرفت ماذا يعني أحلام ..( .. 1548 ..).. ، إنها حكاية فلسطينية شامخة ..

إنها قصة أسيرة لم يقهرها القيد ، إنها عطاء يضاف إلى جمال آذار ..

إنها وباختصار سوف تقضي في السجن 1548 عاماً ..

ليست هناك تعليقات: