الجمعة، يوليو 31، 2009

نحو توازن استراتيجي اقليمي و دولي لصالح العرب - 1 ـ

السيد محمد علي الحسيني

يعتمد تحقيق التفوق لأية دولة على المستوى الاستراتيجي على عدة عوامل أساسية متداخلة ومترابطة مع بعضها وان کان أهمها وأکثرها تأثيرا العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتولي مختلف دول العالم بشکل أو بآخر أهمية لموضوع تحقيقها تقدما على الصعيدين الاقليمي أو الدولي أو کلاهما معا، في الوقت الذي نجد فيه ان هناك دولا حققت مستويات عالية من التفوق وحتى انها باتت تتحکم في لعبة التوازنات الاقليمية والدولية وتحدد المؤشرات والمقاييس التي في ضوئها تصعد أو تنزل دولة أو دول محددة.

وکما هو صعب ومرير مسألة تحقيق التفوق الاستراتيجي والوصول الى القمة أو مستويات مثالية، فإنه وفي نفس الوقت لن تکون عملية البقاء في القمة أو المستوى المثالي سهلة و هينة بل وانها قد تکون احيانا أصعب بکثير من عملية الصعود وأکثر مرارة منها.

وعند مراجعة المراحل التأريخية المتباينة نجد هناك العديد من الدول التي صعدت وبلغت مستويات غير عادية من التفوق الاستراتيجي وصارت تتحکم في مسارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي نجد أن هذه الدول بنفسها قد تقهقرت الى الوراء ونزلت من مستوياتها الاستراتيجية الى مستويات متدنية فقدت على أثرها أغلب أوراق الضغط التي کانت في يديها.

ونظرة الى العالم القديم، وتحديدا الى الزمن الذي کانت فيه کل من الحضارات الرومانية والفارسية و الاغريقية هي الابرز والاقوى والاکثر تحکما في المسارات السياسية و الاقتصادية، فإننا نکتشف وبسهولة أن السبب الذي دفع بالاغريق والرومان والفرس الى بلوغ هکذا مستويات راقية کانت تعود أساسا الى منحها أهمية کبيرة لمسائل العلوم والثقافة وسن القوانين و التجارة وتنظيم الحياة الاجتماعية وبناء قوة عسکرية مقتدرة ناهيك عن أنها ولاسيما عند الرومان والاغريق قد أولت للجانب السياسي أهمية مميزة من حيث الترکيز على الابعاد الديمقراطية وإشراك أکبر عدد ممکن من الناس في صناعة وصياغة القرار السياسي والتشريعي. ونجد سبب نزول هذه الدول من مستويات رقيها وصعودها الاستراتيجي يتعلق بتراجع هذه الدول في الجوانب الاساسية التي صعدت من خلالها، وبتعبير أوضح وأدق، أن الامبراطوريتين الرومانية والفارسية وفي مراحل زمنية معينة، لم تتمکنا من المضي قدما بمستويات تقدميهما على الاصعدة العلمية والثقافية والقانونية والتجارية..الخ ولم تتمکنا من دفع عجلة التقدم بفعالية الى الامام وذلك ماولد عوامل الضعف والتراجع في آجم تلك الامبراطوريتين ودفعتهما لنزول حاد من علياء صعودهما الى حضيض خبو نجميهما.

ولو تمعنا في التأريخ العربي الاسلامي وطالعنا عصر صدر الاسلام والخلفاء الراشدين والعصور الاموية والعباسية والعثمانية، فإننا نجد ولاغرو صفحات مشرقة من التفوق العربي ـ الاسلامي على الصعيد الدولي وکيف انه تمکن من بسط نفوذه وسطوته على مختلف الاصعدة وبنفس السياق، فإن أسباب تراجع وسقوط الدول الاموية والعباسية والعثمانية تتعلق اساسا بتفشي الفساد والمحسوبية وعدم الشعور بالمسؤولية وغلبة الجهل على الثقافة وتراجع العلم والبحوث الدراسية.

أما الحديث عن العصور الوسطى، فإن ذلك سيقود للحديث عن دول مثل فرنسا وإمبراطورية النمسا والمجر کيف إنهما کانتا لفترات محددة تسيطران وبإحکام على مقاليد السياسة والاقتصاد والتجارة الدولية وکيف تراجعت هاتان الدولتان، أما الحديث عن العصر الذي صعدت فيه بريطانيا وصارت (الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس) فإن تقدمها الصناعي ـ الزراعي ـ العلمي ـ القضائي ـ السياسي داخليا کان متلازما لسطوتها وبسط نفوذها على مختلف بقاع العالم وکيف کانت تتحکم في ممرات التجارة الدولية وتلعب الدور الابرز ليس في تنصيب وعزل الملوك والرؤساء وانما حتى في بناء الدول ذاتها، هذه الامبراطورية بدأت بالتراجع مع صعود دول أخرى وبروزها وأخذها زمام المبادرة منها بمختلف المجالات الحساسة و المهمة وتکفي الاشارة الى دول مثل الولايات المتحدة الامريکية والمانيا(في فترة الحرب الباردة) واليابان وکيف ان کل واحدة منها بدأت تلعب دورا على صعيد أو عدة أصعدة حتى آل الامر الى هذا اليوم الذي نرى فيه بوادر تراجع وإنکسار وتقوقع في الغول الامريکي وکيف أن الازمة الاقتصادية الاخيرة قد أماطت اللثام عن الواقع الحقيقي للاوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية للولايات المتحدة الامريکية ووضعتها على المحك وهي الان في صراع مصيري من أجل ضمان مجرد بقائها في القمة وليس بقائها القوة الاوحد في العالم.

في هذا الخضم، وفي کل هذا التضارب السياسي ـ الفکري ـ الاجتماعي ـ الاقتصادي، تبلورت المراحل التأريخية التي حددت وبموجب سنن ومقومات واضحة اولويات تفوق دول معينة وتلاعبها بالتوازن الاستراتيجي بين الدول لحساب مصلحتها ومنفعتها الخاصة، وإذا ماوضعنا عصور التفوق العربي ـ الاسلامي التي استمرت لقرون جانبا، فإن العرب وببالغ الاسف لم يتمکنوا من أن يشغلوا دورا مهما وحيويا في لعبة التوازنات الاستراتيجية الاقليمية والدولية وأثبتت مجريات الوقائع والاحداث على الارض أن دور العرب بهذا السياق لم يکن أبدا في مستوى الطموح العربي ولافي مستوى صراعهم المصيري مع أعدائهم الاساسيين وعلى رأسهم الکيان الصهيوني الغاصب للقدس.

ولامناص من ان الحديث عن السعي الجدي لإحداث تغيير في المعادلة وتجيير التوازن الاستراتيجي الاقليمي والدولي بشکل أو بآخر باتجاه يصب في مصلحة العرب، ليست بتلك العملية السهلة کما قد يتصورها البعض وانما هي واحدة من أعقد وأشرس المعارك المصيرية "الصامتة" التي تتداخل وتتشابك فيها العديد من العوامل والظروف والملابسات. إلا أنه لاخيار للعرب سوى خوض هذه المعارك "الحضارية" وإثبات أحقيتهم بالتفوق من خلال سعيهم الحثيث من أجل کسب موطئ قدم اساسي وراسخ لهم في لعبة التوازنات الدولية وسوف نوضح تفاصيل ذلك لاحقا بعون الله تعالى.

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.

جدعون ساغر يغتصب هوية الطلاب العرب في مناطق 48

راسم عبيدات

.......لم يعرف التاريخ على مر عصوره وأسوء أنواع وأشكال احتلاله،هذا الشكل والنوع من العنصرية والاقصائية ورفض الاعتراف بالآخر،ومحاولة محو ذاكرته ووجوده.واجباره على انشاد نشيد محتله ومغتصب أرضه كنشيد قومي له،ولكن في مجتمع عنصري مسكون بهاجس الخوف الدائم من الفلسطيني في الأحلام واليقظة والقبور،والنظر اليه على أنه سرطان يجب اقتلاعه من أرضه،يصبح كل شيء مباح ومشروع وليس فعلاً منافياً لحقائق التاريخ وتزويراً له وأيضاً ليس لا سامية بغيضة ومقيته في أبشع أشكالها وصورها وتجلياتها؟!.

ومع تشكل حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل،شهدنا حالة من التصعيد غير المسبوق والتي وصلت حد"الهستيريا" ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في مناطق 48،وتسابقت كتل وأحزاب اليمين بمختلف ألوان طيفها الحزبي والسياسي على تقديم مشاريع قرارات تستهدف وجود وهوية وذاكرة وانتماء شعبنا هناك،وهي ترى أن إثبات صهيونيتها وولاءها لأفكار"جابوتنسكي وهرتزل وبن غوريون" يتحقق فقط بما تطرحة من أفكار وما تقوم به من أعمال وأفعال مغرقة بالتطرف ضد شعبنا وأهلنا في مناطق 48،فمن مشاريع وقرارات منع وتقيد احياء النكبة الى مشاريع قرارات منع ما يسمى بالتحريض والمقصود تقيد حرية الرأي والتعبير لشعبنا، وصولاً الى قرار وزير التربية والتعليم الاسرائيلي "جدعون ساغر" باخراج كلمة ومصطلح النكبة من المنهاج التعليمي للطلبة العرب،وكذلك فرض ما يسمى بالنشيد الوطني الاسرائيلي"هتكفاه" الأمل على الطلبة العرب،وهذا لا يعني سوى اغتصاب هوية الطلبة العرب وتعميق حالة الاغتراب عندهم ،فهذا النشيد لا يمت الى قوميتهم وهويتهم ورموزهم وتاريخهم وتراثهم بصلة،سوى أنه يذكرهم بعمق مأساتهم وتشردهم واغتصاب أرضهم،وانشاده ليس له سوى معنى واحد أن الاحتلال هو الضحية وأن شعبنا هو الجلاد والمغتصب لهذه الأرض،وأنه مدين له بالإعتذار عن هذه النكبة،هذه الأرض التي وجدوا عليها قبل هؤلاء العابرين بمئات السنين،والمسألة لم تقف عند هذا الحد،بل وامعانا في محاولات ضرب ومحو الذاكرة والهوية والوجود الوطني لشعبنا على أرض أجداده،أمر"جدعون ساغر" بالغاء وشطب كلمة النكبة من المنهاج الذي يدرس في المدارس العربية،مبرراً ذلك بأنه لا توجد دولة من الدول تعتبر يوم"استقلالها" يوم نكبة،هذه النكبة التي يدرك "ساغر وغيره من أركان حكومته وقادته،أنها ستبقى خالدة في التاريخ وفي الذاكرة والوجدان الشعبي الفلسطيني،خلود هذا الشعب ومن لا يعايش النكبة من أبناء شعبنا،فهو يتمثلها ويشاهدها يومياً في الممارسات والاجراءات الاسرائيلية القمعية والإذلالية بحقه،والنكبة أكبر كثيراً من أن يجري شطبها بقرار أو جرة قلم،وستبقى مخيمات اللجوء والشتات والمنافي التي يتوزع فيها شعبنا شاهد على هذه النكبة،كما سيبقى وجود وتكاثرشعبنا على أرضه كابوساً يؤرق"ساغر" وغيره من القادة الصهاينة،هذا الشعب الذي كانت رئيس الوزراء الاسرائيلي السابقة"غولدا مئير" ترى أنه بمثابة الكابوس لها ولدولتها تشعر به مع كل ولادة لطفل فلسطيني جديد.

ومهما اتخذ"ساغر"وغيره من قرارات غاية في العنصرية والتطرف والإقصائية،سيبقى حق شعبنا في العودة الى أرضه ووطنه،حق فردي وجمعي وقانوني وتاريخي لا يسقط بالتقادم،ولا تلغيه أية مبادرات أو إتفاقيات أو اجتهادات أو قرارات أوحلول خلاقة وغير خلاقة خارج الترجمات الحرفية والدقيقة للقرار الأممي(194) والذي كفل هذا الحق لشعبنا الفلسطيني،حق تتوارثه وتحمله الأجيال جيلاً بعد جيل على مر السنين.

"وساغر" وغيره من القادة الإسرائيليين على اختلاف مشاربهم السياسية،والذي يتنكرون بالمطلق لهذا الحق،يدركون تمام الإدراك أن جوهر الصراع والحل والوصول الى سلام حقيقي يتوقف على هذا الحق،فهو أحد أهم مرتكزات البرنامج الوطني الفلسطيني،والذي لا تستطيع أي زعامة أو قيادة فلسطينية مهما كانت درجة اعتدالها أو حتى تعاونها مع المحتل،أن تمتلك الجرأة أو القدرة على التنازل عن هذا الحق،فأي موافقة على ذلك ستكون بمثابة انتحار سياسي لتلك القيادة .

ونحن ندرك تمام الإدراك أن ما يقوم به "ساغر" وغيره من قادة اسرائيل،يندرج في اطار سياساتهم واسترايجياتهم الرامية الى دفع القيادة الفلسطينية المفاوضة والدول العربية الى الإعتراف بالطابع اليهودي لدولة اسرائيل،كشرط وأساس للموافقة على اقامة دولة فلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام1967 ، وهي تطرح في مطابخها السياسية الكثير من السيناريوهات والمقترحات،من أجل التخلص من أكبرعدد ممكن من أبناء شعبنا الفلسطيني هناك،تارة عبر التبادل السكاني والجغرافي،وأخرى عبر عمليات طرد وترحيل قسرية،تتجلى في سلسلة من الممارسات والقرارات المتلاحقة والمغرقة في التطرف والعنصرية.

ولكن جماهير شعبنا التي تشبثت بوجودها وبقاءها هناك،وعمدت هذا التشبث والبقاء بالدماء والتضحيات،ولم ترهب أو تترك وتهجرأرضها في أحلك أيام الحكم العسكري.

اليوم مع تجذر وتطور وعيها،وتبلور هويتها القومية بشكل واضح،وولادة وتشكل أحزابها وحركاتها الوطنية والقومية الحاضنة لهذا الفكروالوجود،والمعبرة عن همومها وهويتها وتطلعاتها،وسقوط الرهان على ذوبان واندماج شعبنا في المجتمع الإسرائيلي،وتصاعد المطالبة الإعتراف به كأقلية قومية،لها مؤسساتها الثقافية والتعليمية الخاصة،كان بمثابة الضوء الأحمر الذي أشعل الخطر أمام "ساغر" وغيره من قادة التطرف في اسرائيل،بأن استمرار الوجود العربي الفلسطيني بالتنامي والزيادة والتكاثر،مع وجود قوى وأحزاب فلسطينية تدفع به نحو خيار التمسك بهويته وثقافته الخاصة،لا بد أن يشكل خطرجدي على يهودية الدولة ويحولها الى دولة ثنائية القومية،مما ينزع عنها الطابع اليهودي،ولهذا نرى أن قرار وزير التربية والتعليم الاسرائيلي"ساغر" بإخراج كلمة النكبة من المنهاج التعليمي في المدارس العربية،وكذلك فرض تعليم ما يسمى بالنشيد الوطني الاسرائيلي"هتكفا" الأمل على طلبتنا في المدارس العربية،يندرج في اطار الحرب الشاملة الممارسة اسرائيلياً بحق أهلنا وشعبنا هناك،والتي بات من الواضح أن الأحزاب الصهيونية،بدأت تكشف وتكشر عن أنيابها بشكل سافر ووقح ضد شعبنا هناك في ظل الإنحيازات الكبيرة في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين والتطرف .

وهذا يفرض على كل القوى والأحزاب الفلسطينية الشريفة،على اختلاف مشاربها الفكرية وتلاوينها السياسة،أن تتوحد في معارك الدفاع عن هويتها وحماية وجودها ،واستمرار صمودها وبقاءها على أرضها،فكل القوى الفلسطينية ومؤساتها وقياداتها في دائرة الإستهداف الإسرائيلي،وأي انقسام من شأنه أن يساهم في تمرير ما تقوم به قوى التطرف والعنصرية من مخططات تستهدف وجودنا في وطننا وأرضنا،وهذه المعركة ليست قصراً على أهلنا وشعبنا في 48،بل معركة يجب أن يشارك ويساهم بها الشعب الفلسطيني،بكل مكوناته وتجمعاته في الوطن والشتات.

من يحوي الآخر الزمان؟؟ أم المكان؟؟؟

حسيبة موساوي
مساءكم.. عنبر.. مساءكم.. أحلى من قطعة سكر..
ها..قد عدت وفي جعبتي.. وريقة أخرى قد تكون خاصتي وقد تكون خاصتك.. من أردت أن تقرأني وتطرح فكري.. يقاسم بعض من زمنك.. اليوم أردت أن أقتسم فكرة قد تتبادر إلى أذهانكم.. فكرة من يحوي الآخر؟؟.. الزمان أم المكان؟؟ سؤال طالما حيرني.. وبعثرني وجعلني كل مرة أكتشف حقيقة أعمق من التي كنت أبحث عنها.. حقيقة وجودنا، هل هو متعلق بالزمان أم بالمكان؟؟.. أم بكليهما؟؟، فرحت أغوص بتفكيري وشرودي في هذا العالم المضاء داخل ساعة حالكة من الليل وسط هاته النجوم الصيفية، أراقني منظرها.. أردت أن أصعد إلى السطح.. وفعلا فعلت ذلك..
خفت كثيرا في البداية.. أحسست أن هذا الليل يحتويني وحدي دون أن يقاسمني هاته الخلوة أحد آخر، فأصابني دوار.. ولم أعد أستطيع المكوث أكثر، شعرت بشيء يجذبني نحو الأفق، ورغبة شديدة تهز نفسي وتدفعني إلى الوراء كي أنزل.. ترى ما المخيف داخل هاته السماء؟؟ أعلوها وشموخها؟؟.. أم خباياها؟؟..
جميلة هي تلك الأضواء.. لكن في نفس الوقت فهي مخيفة ورهيبة، كثيرا ما كنت أقرأ الطالع والأبراج والفلك والنجوم.. وغير ذلك من الماورائيات.. من باب التطفل فقط، ليس عيبا أن أقرأ ما يمنع عني.. ولكن العيب أن أبقى شاردة في ملكوت خلق لي فهو جزء مني ومن معتقداتي .. حقي في هذا الكون.. كل الأديان تشير أن ولادتي مرتبطة بهذا الكون.. كل الحضارات أشادت بهذا المنطق.. أنا ما أنا عليه الآن نقطة رياضية في الفلك ، من يحدد إحداثياتها؟؟.. من يحدد تناظرها؟؟.. من يحدد ثقلها.. ومركزها؟؟.. نحن نشبه الدمى أو عرائس المسرح.. يد خفية تحركنا داخل مجال معين ومعلوم.. خلال زمن معين ومحدود، لماذا أنا هنا دون أن أكون هناك؟؟.. لماذا أنا خلال هاته الثانية بالذات أطارحكم سؤالي؟؟.. من أكون؟؟.. تبقى جدلية الوجود دائما متاهة لا مفر منها، صنيع جميل مبهر، أي ريشة هاته التي حددتها وصنعت لها الظل؟؟.. وحددت مكانها ...
حين نتحدث عن المكان فنحن نحدد المجال.. أي يجب وضع المحور.. الفلك.. المسرح أين يقف البطل، الخشبة إن صح القول، إذن الخشبة أو المسرح ماهو إلا محور تتلاعب داخله كل النقاط الرياضية، أو تلك العرائس التي لحد الساعة لم نتحدث عنها وعن حقيقتها..
وفي الأخير ما أردت قوله، أن ساعة الولادة.. ساعة الفرح.. ساعة الترح.. حقيقة مرتبطة بمكان وجودي.. وحركيتي.. ويبقى أن نقول أن المكان يحوي الزمان، الموت والحياة لا يلتقيان في مكان واحد..
الحركة يحددها الزمان، إذن الزمان يحوي الإنسان، ويبقى أن نحدد أي إنسان هذا الذي تحويه هاته الثانية بالذات داخل هذا المجال بالذات، فوق هذا المسرح..
آ...خ يا جنوني.. مرة أخرى تعذب معي من يقرأني..
إلى أن نلتقي في وريقة أخرى..

الخميس، يوليو 30، 2009

السيد محمد الحسيني يطالب بالوقف الفوري للهجوم على مدينة أشرف


سلم وفد من المجلس الاسلامي العربي برئاسة رئيس شورى التنفيذ فضيلة الشيخ راشد بدير ، رسالة من الامين العام للمجلس سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني ، الى السفير العراقي في لبنان البرزنجي ، تناول فيها الموقف من هجوم القوات العراقية على مدينة أشرف معقل منظمة مجاهدي خلق الايرانية .

وعبر الحسيني في رسالته عن الصدمة والذهول من هذا الهجوم الذي يستهدف لاجئين هاربين من الظلم و الجبروت والطغيان ، وهذا ما يتنافى مع القوانين والانظمة الوضعية التي تلزم الدول بحماية اللاجئين السياسيين ، ويتناقض كذلك مع مختلف الشرائع السماوية وبشکل خاص مع الشريعة الاسلامية السمحاء .

وسأل الحسيني عن توقيت هذا الهجوم ، وهل له علاقة بضغوط ايرانية مورست على العراق في ظل ازمة النظام الايراني الحالية .

ولفت العلامة الحسيني عناية المسؤولين العراقيين الى ان هذا الهجوم سيكون له بالغ الاثر السلبي على سمعة ومكانة الحكومة العراقية في المحافل الدولية والاوساط السياسية والاعلامية والشعبية على حد سواء .

وختم رسالته بمطالبة السلطات العراقية بوقف هذا الهجوم فورا والعمل على حماية اللاجئين الايرانيين الى أراضيها ، والاسراع الى معالجة ما تسببت به هذه العملية العسكرية من أضرار بشرية ومادية ومعنوية .

كما زار وفد المجلس الاسلامي العربي كلا من الممثل الشخصي للامين العام للامم المتحدة في لبنان السيد مايكل ويليامز ، ورئيس بعثة الصليب الاحمر الدولي في لبنان السيد جورج كومينوس ، وسلمهما رسالتين من السيد الحسيني تطالب المجتمع الدولي بالتدخل السريع والحازم لدى الحكومة العراقية لوقف المجزرة والكارئة الإنسانية التي ترتكبها في مدينة أشرف فورا . وتحث الهيئات الدولية المختلفة على التدخل الانساني العاجل لمساعدة واغاثة أهالي المدينة .

وهذا نص الرسائل المرسلة :

. سعادة سفير جمهورية العراق في لبنان الأستاذ عمر البرزنجي – المحترم-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,

نتابع في المجلس الاسلامي العربي في لبنان عن کثب الانباء الواردة من العراق و التي تتحدث عن عمليات تعرض غير مسبوقة لسکان مدينة أشرف معقل منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة اسفرت عن سقوط العديد من الشهداء و المئات من الجرحى على يد الشرطة العراقية، واننا في الوقت الذي ندين فيه و نشجب مثل هذه التصرفات و الاجرائات البعيدة جدا عن روح التسامح و العطف الاسلاميين و حتى إنها لاتتفق مع المعايير و الاعراف الاجتماعية التقليدية المتعارف عليها بين مجتمعاتنا العربية بشکل عام و المجتمع العراقي بشکل خاص، فإننا ندعو الحکومة العراقية و دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالکي الى إتباع سياسة الحکمة و بعد النظر و عدم السماح بتطور الاوضاع و تفاقمها و حدوث کارثة إنسانية تصبح مادة للإعلام الدولي بحيث تشوه سمعة العراق ومکانته الدولية.

سعادة السفير:

ان الواجب الاسلامي و الاخلاقي يدعو الحکومة العراقية الى أن تغير من سياستها الحالية المتبعة ضد سکان مدينة أشرف وتعاملهم وفق الاعراف والمعايير والضوابط الدولية کلاجئين سياسيين يستحقون الحماية من نظام بات لايرحم حتى شعبه واننا نطالب الحکومة العراقية أن توقف وبشکل فوري کافة عملياتها التعرضية والاستفزازية ضد مدينة أشرف واننا وباسم المجلس الاسلامي العربي في لبنان نعرب عن تضامننا مع سکان أشرف و نقف معهم في نفس الخندق حتى يرفع عنهم الغبن والعاقبة للمتقين.

السيد محمد علي الحسيني

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان

بيروت /الخميس:30/7/2009

--------


حضرة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان السيد مايكل وليامز- المحترم -

السلام عليكم,

يتعرض سکان مدينة أشرف معقل منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة في شمال شرق العاصمة بغداد إلى حملة قتل ومداهمة و إعتقالات غير مسبوقة وإن أنباء مؤکدة وموثقة تحدثت عن سقوط العديد من الشهداء والمئات من الجرحى بينهم أکثر من ثلاثون عنصر نسوي من سکان أشرف من خلال تعرضهم للضرب بالهراوات واستخدام الغازات الخانقة والمسيلة للدموع وکذلك إستخدام الذخيرة الحية ضدهم وتأتي هذه العمليات البربرية الهمجية البعيدة عن کل المعايير والقيم والضوابط الانسانية والقانونية والدينية بعد مدة طويلة من فرض حصار جائر على هذا المعسکر بناءا على ضغوطات مباشرة من النظام الايراني وان العديد من أعضاء المنظمة قد تم إعتقالهم و إقتيادهم إلى جهات مجهولة واننا في المجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان في الوقت الذي ندين ونستنکر بشدة تصرفات وإجرائات الحکومة العراقية المنافية والمخالفة للأعراف والموازين الدولية، فإننا نهيب بکم أن تتدخلوا مباشرة وفوراً لوقف هذه المأساة والکارثة الانسانية وعدم السماح بأن تتخذ أبعادا أکثر خطورة و دموية من ذلك ونناشدکم بأن تمارسوا الضغوط الکفيلة بردع الحکومة العراقية من الانجراف خلف سياستها الدموية هذه ونطالبکم بأن تراعوا حقوق هؤلاء الايرانيين التي تريد الحکومة العراقية هدرها في سبيل إتفاقيات ومصالح ضيقة خاصة واننا بإنتظار إجرائاتکم مع فائق تقديرنا لکم.

السيد محمد علي الحسيني

الامين العام للمجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان

بيروت ,الخميس:30/7/2009

------------

حضرة رئيس بعثة الصليب الاحمر الدولي في لبنان السيد جورج كومينوس – المحترم-
السلام عليكم ,

تواردت خلال الاربع و العشرين ساعة المنصرمة أنباءا مؤسفة عن حدوث عمليات مداهمة غير مشروعة لمدينة أشرف معقل منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة من قبل قوات الشرطة العراقية بأمر خاص من جانب حکومة نوري المالکي وأفادت تلك الانباء بوقوع العديد من الشهداء ومئات القتلى وبينهم أکثر من ثلاثين أمرأة وان الاجواء متوترة هناك للغاية سيما بعد أن أخذ الجيش العراقي زمام المبادرة و بسط سلطته ونفوذه على مدينة أشرف ونحن نرى في المجلس الاسلامي العربي في لبنان ان الاوضاع آخذة بالتفاقم مالم يکن هنالك تدخلات دولية وإنسانية تخفف من حدة المأساة و تهدئ من روع الکارثة المحدقة بسکان المدينة وندعوکم کمنظمة إنسانية مهتمة لمراعاة و متابعة القضايا المتعلقة بالسجناء والاسرى والذين يتعرضون لکوارث مختلفة أن تتدخلوا من أجل معرفة مصير اولئك المجاهدين الذين تم إقتيادهم من قبل الشرطة العراقية الى أماکن مجهولة حيث نتخوف من أن يتم تسليمهم الى النظام الايراني نظير صفقة سياسية ـ أمنية وان المعلومات والخبرة المتوفرة لدينا تؤکد بأن مثل هذا الاحتمال وارد بقوة وعليه ندعوکم للتحرك العاجل والسريع في سبيل وأد هکذا مشروع لا إنساني کما ندعوکم لزيارة المعسکر أيضا والتعرف عن قرب على أوضاع واحوال سکان أشرف واننا نهيب بکم أن تسرعوا جهد إمکانکم لأن الوقت في غير صالح سکان أشرف الذين لاغوث لهم سوى الدول المحبة للسلام والمنظمات الانسانية وتقبلوا جزيل شکرنا.

السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان

إسـتغاثة لمبارك من ألف أسرة مصرية تعمل بشركات البالون الطائر بالأقصر

نصر القوصى

أستغاثة جديدة وصلتنى من أصحاب شركات البالون بمدينة الأقصر يستغيثون فيها بالرئيس محمد حسنى مبارك و يؤكدون في شكواهم أن

سياحة البالون الطائر والتى بدأت بمصر منذ 20 عاما و زادت وترعرعت يوما بعد يوم ووصلت للعالمية فى ظل قياده سيادتكم الحكيمة وخبرة الطيران المدنى المصرى المرموقة ، فمصر اليوم تحتل المركز الثالث عالميا فى هذا المجال بعد أمريكا وتركيا من حيث عدد الرحلات والركاب الذى يصل يوميا إلى 1500 راكب شتاء وحوالى 200 راكب صيفا مقسمين على الشركات الثمانية العاملة بالمجال بالأقصر ، ورغم النداءات والإستغاثات والإلتماسات والتحقيقات العديدة من جميع الصحف والقنوات التليفزيونية المصرية والعالمية و بعد النداء والإستغاثة الأخيرة بجريدة النبأ العدد 1035 بتاريخ 18 /7/20009 م وبعد التحقيق الصحفى لجريدة الأهرام بعنوان لماذا الإصرار على وقف البالون برغم تنفيذ كل عوامل الأمان رغم تحقيق 200 مليون جنية إيرادا سنويا (توقف طائر الخــــــــــــير ! ) بالعدد 44786 بتاريخ 20/7/2009م ورغم إهتمام جميع مسئولى الدولة بجميع قطاعاتها بهذه القضية التى تخدم 1000 أسرة مصرية تعمل بها بطريقة مباشرة ، والتى تخدم 6000000 ستة مليون سائح يزورون مصر والتى تساهم مساهمة مباشرة فى دفع عجلة التنمية والإقتصاد القومى ، والمجال لة رواده الكثيرون من جميع أنحاء المعمورة . ساهم هذا النشاط وبشهادة جميع مشغلى السياحة العالمية والمحلية بزيادة نسبة عدد الليالى السياحية وعدد السائحين للأقصر والبلاد المجاورة مثل أسوان والغردقة وشرم الشيخ ! ! ! تركيا الآن سحبت جميع سائحين البالون الذين يأتون لمصر و يقلعون بـ 45 رحلة بالون فى وقت واحد ( قبل شروق الشمس ) بكابادوكيا ، وفى مهرجانات البالون الدولية بأمريكا وأسبانيا وإنجلترا يصل عدد البالون إلى 1000 بالون صغير الطراز فى الجو يطير فى وقت واحد ويساعد ذلك على التنشيط السياحى والمساهمة فى تحقيق أعلى دخل قومى ،كما يخلق فرص عمل للشباب ، شركات التأمين الدولية ترفض وقف التأمين الذى يبلغ حوالى 1000 جنيها يوميا على الشركة الواحدة عن طريق مصر للتأمين ، المرتبات لم تتوقف لأن العمالة فنية ونادرة ، أقساط البنوك لم تتوقف .. الدكتور / سمير فرج رئيس المجلس الأعلى للأقصر ساهم بكل جهوده فى حل هذه القضية وقدم كل ما تم الإتفاق علية من لجان الطيران المدنى وشركة المطارات المصرية التى تدير المشروع ... السيد الفريق طيار / أحمد شفيق وزير الطيران المدنى تابع القضية بنفسة حتى تاريخ 29/7/2009م فى الإجتماع الأخير مع شركة المطارات المصرية وسلطة الطيران المدنى المصرى لإعادة إفتتاح الشركات ومطار البالون والذى كان من المفترض 31/7/2009م ، الأستاذ الدكتور / أحمد نظيف رئيس مجلس الوزاء ساهم مساهمة فعالة فى حل الأزمة بتوجيهاتة الحكيمة .. ولن يبقى شىء يعيق الإفتتاح من جميع وزارات الدولة ... ولا ندرى لماذا لم يتم إعلان تاريخ الإفتتاح حتى الآن ..

فنناشد سيادتكم بالتدخل فى حل هذه القضية الهامة وهى قضية العاملين البسطاء

التى تهتم بها سيادتكم دائما والذين فقدوا الذات ولم يقدوا على مواكبة ظروف الحياه الصعبة بعد توقف النشاط أكثر من ثلاثة أشهر من 25/4/2009م و حتى الآن ..

وتفضلوا سيادتكم مع قبول وافر الإحترام ،

مقدمة لسيادتكم العاملين بشركات البالون الطائر بالأقصر

وادي الجهل السعيد

صالح خريسات
اختيار الكلام أصعب من تأليفه. وقد أفضى هذا القول بي، إلى العشرينيات من القرن الماضي، حيث صدرت قصة رمزية، مترجمة عن الأدب الانجليزي، وذاع صيتها بين المثقفين وكبار الكتاب. وقد جعلت هذه القصة مقدمة لكتاب نفيس عن التسامح، كان يهدف إلى إلغاء ذلك المطلق المزيف، الذي هو مصدر كل هيمنة عمياء، على العقل البشري.
تتحدث القصة عن شعب كان يعيش في "وادي الجهل السعيد"، وقد سلم قيادته إلى عدد من "الكبار العارفين" الذين عكفوا على صفحات من كتاب قديم، كتبها قبل ألف عام، شعب مجهول.
وكان القدم يضفي على هذه الصفحات، لوناً من القداسة،حتى أصبحت معارضة ما جاء فيها، أو الشك فيه،تعرض أصحابها لسخط الناس.
وتصور القصة الجماعات المتساكنة في "وادي الجهل السعيد"، منطوين على أنفسهم،لا يعرفون شيئاً عن العالم، خارج واديهم، ويعتبرون التطلع إلى هذا العالم الخارجي، لوناً من الكفر. تقول القصة:
"وكانت تتلى عليهم في همس، عندما يخيم الظلام في أزقة قريتهم الصغيرة، قصص غامضة المعنى، عن الرجال، والنساء، الذين تجرئوا على أن يشكوا، أو يسألوا.. وكان يقال، إنهم ذهبوا ولم يعودوا..وكان يقال، أن عدداً قليلاً، حاولوا أن يتسلقوا الهضبة التي تحجب الشمس،ولكن هذه عظامهم البيضاء، مطروحة عند سفح الهضبة".
ثم تحكى القصة، أن رجلاً قد تجرأ على الخروج، على هذا الناموس،فطاف ما طاف،ثم عاد دامي الأقدام،منهوك القوى،ولم يكد يصل إلى اقرب باب، حتى سقط وقد أغمى عليه.فظل زمناً طريح الفراش، وقد صمم "كبار العارفون" على محاكمته، بعد أن تبرأ جراحه،لتجرئه على الخروج عن حدود الوادي..
ثم تصوره القصة، وقد اقتيد إلى ساحة كبيرة انعقدت فيها المحكمة، وأمره الكبار أن يلزم الصمت،ولكنه أدار لهم ظهره، واتجه إلى الجماهير،وراح يتحدث إليهم عما رأى، وعما اكتشف، ويقول فيما يقول:"وكنت عندما أسأل أحداً:ما وراء هذه الهضاب؟ كنت أجاب بهز الرؤوس، وبالصمت.وكنت إذا ألححت بالسؤال، أخذوني إلى العظام البيضاء، عظام أولئك الذين تجرأوا على تحدي الله، وكنت أصيح وأقول:هذا إفك،إن الله يحب الشجعان، فكان"كبار العارفون"يأتون إلي ويقرأون لي من الكتب المقدسة. وكانوا يقولون:إن كل شيء في السماء، وفي الأرض، مرسوم بالناموس. وإن هذا الوادي بنص الناموس لنا، نملكه ونعيش فيه. لنا حيوانه، وزهره، وثمره، وسمكه،نفعل بها ما شئنا. أما الجبال، فهي لله.وما وراء الجبال، يجب أن يبقى مجهولاً حتى آخر الزمان.
ويصيح"الكبار العارفون":زنديق..! هذه زندقة، ورجس، وتردد الجماهير كلماتهم. ثم يتناولون أحجاراً كثيرة، ويشدون على الرجل رجماً، حتى يقتلوه.
ثم تنتقل بنا القصة، إلى هذه البلاد نفسها،وقد حل بها الجفاف بعد سنين،وماتت الماشية من العطش، وأمحلت الغلات من الحقول، و"الكبار العارفون" مع ذلك كله، يتأنون بانقشاع المحنة، لأنه هكذا وعدتهم الكتب، التي بين أيديهم. ولكن المحنة لم تنقشع.
وأقبل الشتاء، وهلك نصف السكان لقلة الطعام، وعند ذلك حدثت ثورة، وتشجع الناس على الجهر بالدعوة إلى الهجرة إلى ما وراء الجبال. واحتج "الكبار العارفون"، ثم اضطروا للاستسلام، عندما رأوا المراكب تنقل المهاجرين، في طريقهم إلى اكتشاف المجهول. ويختتم الكاتب قصته بانتصار هذه الجماهير. وقد أفضى بها السير إلى حقول خضراء، ومروج نضرة. وعند ذاك تذكروا الرائد الأول، الذي رجموه بالأمس، فنقلوا رفاته ليدفنوه في البناء الشامخ، الذي كان خاصاً لسكنى "الكبار العارفين". فأين في زماننا تقع بلاد وادي الجهل السعيد، وما هي حدودها؟!.

كاتب عمود " تشوف تشوف " ، ينزع ورقة التوت ،عن مدير نشر مجلتي «تيل كيل» و«نيشان».

علي مسعاد
" ...ما يهم بنشمسي هو الدرهم، ومن أجل جمعه يمكن أن يبيع أي شي في مجلتيه من الجنس إلى الحشيش إلى الدعارة..."
رشيد نيني / عمود " تشوف تشوف " تحت عنوان "يخاف ما يحشم "

"..هذه "الصنطيحة" التي يمتاز بها بنشمسي والتي بدأ بتربيتها منذ اليوم الأول لصدور مجلته..".
وتتوالى الكلمات " العارية " ، تباعا ، عن صاحب مجلتي " نيشان " و" تيل كيل "...
كلمات ، لا تشبه كل الكلمات ...
فقد استقاها ، صاحب عمود " تشوف تشوف " ، من قاموس " العري " و " الفضائح " ، التي تؤدي وظيفتها ، بشكل جيد ، من نزع ورقة التوت ، عن المستهدف منها ، وترديه ، عاريا ، كما هو ، في عيون " مالك " الحقيقة ، وأمام الملء ...وليس بالصورة ، التي يرغب ، ويجتهد في أن يراه ، بها الآخرون .
هي ، كلمات اختارها ، مدير نشر صحيفة " المساء " ، الجريدة ، الأكثر مقروئية ، على الإطلاق ، في المغرب ، بعناية فائقة ، ليفتح بها ، النار على صاحب مجلتي " نيشان " وتيل كيل " ، اللتين تدافعان ، على حد قول صاحب العمود ، عن الخبائث والفسق والفجور والعصيان .
فالمجلتين ، على حد تعبير ، رشيد نيني ، تعطيان فكرة واضحة عن العمل الخطير الذي يقوم به من أجل زعزعة الأسس التي يقف عليها هذا المجتمع، الذي لا يرى فيه بنشمسي سوى تجمع عشوائي للمنافقين والمرضى بالانفصام والعدوانيين المليئين بالعقد الدينية والمسكونين بالماضي العتيق.
وأن صاحب مجلتي " نيشان " وتيل كيل " ، والكلام ، لنيني ، " ..الإسلام، في نظره، ليس هو الحل وإنما العلمانية، مع أنه لم يكتب كلمة واحدة عن إسرائيل، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط حسبه، التي تتحول بسرعة إلى دولة دينية يهودية خالصة. وإذا كان الإسلام ليس هو الحل، فإن القرآن، حسب بنشمسي، يجب أن تتم مراجعته، أما عيد الأضحى فليس سوى مناسبة لتلطيخ الشوارع بالقاذورات، والحج ليس سوى «سوبيرمارشي» سنوي كبير، أما الصيام فليس فريضة والدولة يجب أن تفتح المقاهي والمطاعم لأشباه بنشمسي الذين لا يصومون رمضان في إطار الحرية الدينية، عوض أن يبقوا مختبئين في مقر مجلتهم يحاولون خنق صوت «الكوكوت» التي تصفر يوميا ساعة الغداء. أما مؤسسة الزواج فقد انتهى زمنها والمكان اليوم للتعايش بين الشبان والشابات بدون عقود زواج، والبكارة ليست سوى عقدة، أما العفة فمرض نفسي يجب التخلص منه..." .
لكن السؤال ، الذي يطرح نفسه بإلحاح ، عند قراءة ، كل الكلمات التي كتبها رشيد نيني في حق بنسمشي ، هو :
- هل فعلا ، حان الوقت لقول الحقيقة والصراخ بالحقيقة أم أن صاحب عمود " تشوف تشوف " ، قد أخطأ التوقيت ؟ا
بالأمس القريب ، فتح رشيد نيني ، النار على رفاق دربه ، من مؤسسي ، صحيفة " المساء " نفسها ،من توفيق بوعشرين ، على أنوزلا فحسين مجدوبي ، فكشف أوراق الجميع وأمام الكل ، مما خلق حربا حامية الوطيس ، بين أصدقاء الأمس ، وعوض أن يفتحوا ملفات حقيقية عن واقع المغرب والمغاربة ، خصصوا كل وقتهم وجهدهم وصفحاتهم ، للنبش في أوراقهم السرية ؟ا
مما ، ولد لدى قراء الصحافة الوطنية ، أسئلة عديدة ، لعل أبرزها :
- هل ، هي ، فعلا ، الصحافة التي نستحق ؟ا
صحافة ، عوض أن تلتفت الصحافة ، إلى الواقع وتكشف الأوراق كل الأوراق ، وتفضح الوجوه كل الوجوه ، لم تنجح إلا في فضح سوءات رجالاتها ، ناسية ، الهدف من تأسيسها ، وجمهور القراء ، الذي لا يهمه ، أن يكون صاحب مجلتي " نيشان " و" تيل كيل " ، " جبانا " ، وغيرها من النعوت والصفات ، التي لا تعد ولا تحصى بعمود " تشوف تشوف " .
بل ، القارئ المغربي ، في حاجة إلى سجالات حقيقية ، حول مواضيع وملفات ، راهنة ، تهم واقعه اليومي ومستقبل أبنائه .
وهو ، ليس قاصرا ، لدرجة لا يفرق فيها ، بين إعلام جاد ، يخدم القضية وإعلام لا يهمه ، إلا التواجد في السوق وبأي ثمن وتحت أي مسمى .
وما قاله ، رشيد نيني ، في حق بنسمشي ، كفيل بالتاريخ ، للكشف عنه وتعريته ، فالتاريخ لا يرحم ، وأن السجالات الفكرية والأدبية ، هي ما نحتاجه اليوم ، قبل الغد ، وليس إلى نشر الغسيل على صفحات الجرائد والمجلات ، لأهداف لا يعلمها إلا أصحابها .
و " النار " التي فتحها ، اليوم رشيد نيني ، على بنسشمي ، وبالأمس على بوعشرين وأنوزلا ، لا تعكس إلا الوجه الحقيقي ، للمؤسسات الصحفية ، التي بدأت تفقد جمهور قرائها ، مع بداية الاكتساح ، الذي بدأت تعرفه الصحافة الإلكترونية في المغربية ، بالنظر إلى هامش الحرية الذي يتمتع به ، كتابها ، إلى جانب الروح المتجددة التي تسري في دماء مؤسسيها ، في الوقت التي ظلت فيه الصحف الورقية ، رهينة " مقص الرقيب " و" قتل " روح الابتكار ، لدى أغلب المنتسبين إليها .

كيف نحافظ على وحدة المجتمع؟

صبحي غندور

هناك، في الحاضر العربي، مزيج من الأزمات، بعضها صناعة خارجية ناتجة عن احتلال أو تدخّل أجنبي سافر، وبعضها الآخر هو محصّلة تراكمات داخلية من عوامل سوء الحكم وتعثّر محاولات الإصلاح والتغيير السليم.

ولا يخلو أيّ مجتمع، مهما كان حجمه، من مظاهر وعوامل انقسام، مثلما تكمن فيه أيضاً عناصر التوحّد والوئام. إنّهّا سنّة الحياة في الجماعات البشرية، منذ تكوّنها على أشكال تكتّلات عائلية وعشائرية وقبلية، وصولاً إلى ما هي عليه الآن من صورة أممٍ وأوطان.

لكن المحطة المهمّة في مسيرة تطوّر الشعوب، هي كيفيّة حدوث التغيير والتحوّل فيها، كما هو السؤال عن طبيعة الانقسامات وأطرافها. أي، هل الانقسام على قضايا سياسية؟ اجتماعية واقتصادية؟ أم هو تبعاً لتنوّع ثقافي/أثني، أو ديني/طائفي؟ فكلّ حالة من تلك الحالات لها سماتها التي تنعكس على تحديد ماهيّة الأطراف المتصارعة وأساليبها وأهدافها.

وحتى لا يبقى الحديث في العموميات، فإنّ المشكلة ليست في مبدأ وجود انقسامات داخل المجتمعات والأوطان، بل هي في انحراف الانقسامات السياسية والاجتماعية إلى مسارات أخرى تُحوّل الصراع الصحي السليم في المجتمع إلى حالة مرضية مميتة أحياناً، كما يحدث في الصراعات الأثنية والطائفية والقبلية. فكثير من المجتمعات الإفريقية شهدت وما تزال حروباً أهلية على أسس طاثفية وأثنية وقبلية. كذلك مرّت القارّة الأوروبية بهذه المرحلة، وكان ما شهده العقد الماضي من حرب الصرب في يوغسلافيا ومن الأزمة الأيرلندية هو آخر هذه الصراعات، رغم التحوّل الكبير الذي حصل في أوروبا وفي أنظمتها السياسية خلال القرن العشرين.

أيضاً، رغم الإنقلاب الثقافي الذي حدث في أميركا مؤخراً بانتخاب باراك حسين أوباما كأوّل رئيس أميركي أسود، فإن الولايات المتحدة الأميركية شهدت منذ قرن ونصف القرن حرباً أهلية دامية كان عنصراً مهماً فيها الصراع حول الموقف من مسألة "العبيد" ومن هم من غير ذوي البشرة البيضاء والأصول العرقية الأوروبية، واستمرّت مظاهر التفرقة العنصرية في أميركا رغم ما نصّ عليه الدستور الأميركي من مساواة بين كلّ المواطنين، ورغم وجود نظام سياسي ديمقراطي علماني يتناقض مع المسألة العنصرية.

إنّ الفكرة الأساس التي أحاول التأكيد عليها هنا، هي أنّ عوامل الانقسام ومظاهره ستبقى قائمة في أيِّ مجتمع مهما بلغ هذا المجتمع من تطوّر اجتماعي وسياسي ومن تفوّق علمي وحضاري، لكن المهم ألا تكون عناصر الانقسام السائدة فيه هي ما يدفع إلى حروب أهلية بدلاً من تغيير سلمي يحقّق أوضاعاً أفضل للحاضر وللمستقبل معاً.

فالتعدّدية بمختلف أشكالها هي سنّة الخالق الحتمية على هذه الأرض، والطبيعة تؤكّد تلك الحقيقة في كلِّ زمانٍ ومكان. لكن ما هو خيار بشري ومشيئة إنسانية هو كيفيّة التعامل مع هذه "التعدّدية"، ومن ثمّ اعتماد ضوابط لأساليب التغيير التي تحدث في المجتمعات.

فليس المطلوب عربياً، وهو غير ممكن أصلاً، أن تتوقّف كل مظاهر الانقسام في المجتمع. فهذه دعوة مناقضة لطبيعة الحياة وسنّتها التي تقوم على التحوّل والتغيير باستمرار، وعلى الصراع الجدلي الإجتماعي بين الناس. لكن المؤمّل به هو أن تأخذ الصراعات السياسية والاجتماعية أولويّة الاهتمام والتفكير والعمل بدلاً من الصراعات التي تجعل الفقراء مثلاً يحاربون بعضهم البعض فقط لمجرّد توزّعهم على انتماءات أثنية أو طائفية أو قبلية.

وحينما ينتفض شعب ما في أيِّ بلد من أجل المطالبة بالعدالة السياسية والاجتماعية، تصبح حركته قوة تغيير نحو مستقبل أفضل، بينما العكس يحدث إذا تحرّكت الجماعات البشرية على أساس منطلقات أثنية أو طائفية، حيث أنّ الحروب الأهلية ودمار الأوطان هي النتاج الطبيعي لمثل هذا التحرّك.

إنّ المجتمعات الديمقراطية المعاصرة قد توصّلت إلى خلاصات مهمّة يمكن الأخذ بها في أيِّ مكان. وأبرز هذه الخلاصات هي التقنين الدستوري السليم لنظام الحكم ولتركيبة المجتمع ممّا يصون حقوق جميع المواطنين في البلاد.

أيضاً، لا بدّ في هذه المجتمعات من توافر الحدّ الأدنى من ضمانات الأمن والغذاء، وبعض الضمانات الاجتماعية والصحية، ممّا يكفل التعامل مع مشكلتيْ "الخوف" و"الجوع"، فلا تكون "تذكرة الانتخاب" أسيرة ل"لقمة العيش"، ولا يخشى المواطن من الإدلاء برأيه أو المشاركة بصوته الانتخابي كما يملي عليه ضميره لا كما يرغب من يتحكّم بلقمة عيشه أو من يرهبه في أمنه وسلامته.

***

هذه أسس هامّة لبناء المجتمعات الحديثة ولتوفير المناخ المناسب لوحدة الأوطان ولتقدّمها السياسي والاجتماعي ولمنع الاهتراء في أنظمتها وقوانينها، كما هي عامل مهم أيضاً في منع تحوّل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى براكين نار تحرق نفسها ومن حولها.

كذلك، فإنّ عدم الالتزام بأساليب التغيير الديمقراطية يعني تحويراً للانقسامات السلمية نحو مسارات عنيفة. فالانقسامات السلمية الصحية في المجتمعات تحتاج لضمانات التغيير الديمقراطي من قبل الحاكمين والمعارضين معاً.

فالتمييز ضروري بين رفض أسلوب العنف المسلّح من أجل التغيير أو في التعامل مع "الآخر" في المجتمع نفسه أو خارجه، وبين حقّ المقاومة المشروعة من أجل التحرير حينما تكون هناك أجزاء من الوطن خاضعة للاحتلال.

والتمييز ضروري بين تغيير أشخاص أو حكومات أو قوانين، وبين تهديم أسس الكيان الوطني والمؤسسات العامة في الدولة.

أيضاً، التمييز مطلوب فكرياً بين الدين نفسه وبين اجتهادات دعاته، بين الحرص على الولاء الوطني وبين التقوقع الإقليمي، بين الانفتاح على الخارج وبين التبعية له، بين الهُويّة القومية وبين الإساءات التي حدثت باسمها، كما تحدث الآن باسم الانتماءات الدينية.

إنّ التمييز مطلوب بين قدرتنا كعرب على تصحيح انقساماتنا الجغرافية من أجل حاضرنا ومستقبلنا، وبين انقساماتنا التاريخية في الماضي التي ما زلنا نحملها معنا جيلاً بعد جيل، ولا قدرة لنا على تغييرها أصلاً!

إنّ العرب يواصلون في حاضرهم مزيجاً من سلبيات التاريخ والجغرافيا معاً، على أرض عربية مجزأة، وما حولها من طموحات إقليمية ودولية. وفي ظلّ هذا الواقع القائم على التجزئة تتخبّط الأوطان والأفكار والتجارب الإصلاحية.

لقد أصبحت هناك علاقة جدلية بين سوء الأوضاع في الداخل وبين محاولات الهيمنة من الخارج. كما هي أيضاً العلاقة السببية بين عطب الحكومات وبين تدهور أحوال المجتمعات والحركات السياسية المعارضة فيها. فكلّما غابت البنى السياسية والدستورية والاجتماعية السليمة في المجتمعات، كلّما كان ذلك مبرّراً للتدخّل الأجنبي ولمزيد من الانقسام بين أبناء الوطن الواحد. وتزداد المشاكل الداخلية تأزّماً كلّما ارتهن البعض لإرادة الخارج الذي شعاره دائماً: "فرِّق تسُد".

أبو ماهر غنيم، وطائر الوقواق / د. فايز أبو شمالة

د. فايز أبو شمالة
عاد أبو ماهر غنيم إلى أرض الوطن يحف فيه أبو مازن، عاد من الشرق متجهاً إلى الغرب تحت ظلال علم إسرائيل، إنها الطريق الطويل الفاصل بين الجذر والثمرة، بين الدم والسلامة، وبين الضحايا وصرخاتهم، لقد عبر أبو ماهر الطريق الذي حلم أن يعبر منه يوماً على هيئة الفاتحين المنتصرين مكللاً بالغار، عبر أبو ماهر غنيم الطريق تحت حراسة الجندي الإسرائيلي، عبر على دم الشهداء الذين عاهدهم أنه لن ينكّس رأسه يوماً، وأنه لن يمر من تحت سيف إسرائيل المشهر، غرّب أبو ماهر غنيم مكرهاً، ليقدم أوراق غربته عن الوطن إلى الضابط الإسرائيلي وفي أذنيه تصنُّ كلمات الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصر في قصيدته التي وقف لها أبو ماهر مصفقاً، ومهللاً، ومرحباً بالشعر الذي يعبر عن الواقع الفلسطيني المتحرق على الكرامة بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، الاتفاقية التي وقف ضدها أبو ماهر غنيم، وقال فيها الشاعر عز الدين المناصرة: أيها البدوي الذي قد توسّد عشب الحرير
تشككت لما رأيت قماش العلم
باهتاً مثل هذا الضجيج الذي لا يهز القبور
أين عروة مخلاتهم والشعير
إذا نام مهري وناموا على طاولات المدى
وأنا لم أنم
إذا غربوا دونما فشك أو هدير!!!
أخيراً ترك أبو ماهر غنيم الهدير للدبابات الإسرائيلية، فلم يعد يسمع إلا هدير المفاوضات، أما فشك المقاومة الفلسطينية فقد تكفل بتصفيته الجنرال كيث دايتون، فأهلاً وسهلاً بعودة البطل الميمونة إلى أرض فلسطين، لأن العودة إلى فلسطين حق لكل فلسطيني، ويجب ألا يحرم منها أحد أكان يؤيد أوسلو أو يحتقر أوسلو، ومن الجريمة أن تكون العودة إلى الوطن انتقائية، وأن تكون لأغراض سياسية، وأن تصير العودة نقطة مساومة ومفاوضة للتخلي عن الأصول التي من أجلها كانت الانطلاقة سنة 1965، وكان فيض الشهداء، وكانت أنّات الأسرى المكظومة، وعذابات الثاكل، وكانت الثورة، وكان الحلم يلمع بين نجمتين معلقتين في سماء الوطن والشتات.
لكم تمنى شعبنا الفلسطيني أن تكون عودتكم لها دوي الكرامة، وصوت الأمل، ولون التضحية التي قضى من أجلها الآلاف والآلاف، يوم نزفت الوديان، والجبال، والسفوح، يوم صار العذاب دمعاً يقطر من الجرح المفتوح.
fshamala@yahoo.com

الأربعاء، يوليو 29، 2009

أبو عمار يلاحق قاتليه

د. عدنان بكرية

يأبى أبو عمار إلا أن يفجر قضية مقتله من جديد وهو الذي عودنا على عدم التسامح والصمت على الجرائم التي ارتكبت ضد أبناء شعبنا .. كيف لا يلاحق قاتليه حتى بعد مماته ؟! وكيف يمكن الصمت على دم أبو عمار صانع الثورة الفلسطينية وحامل شعلتها وحامي نارها ؟
بعد أربعة أعوام على اغتيال الرجل بالسم وإقفال ملفه وتسجيله ضد مجهول تتفجر قضية اغتياله من جديد على يد فاروق القدومي احد رفاق أبو عمار ومؤسسي حركة فتح وم ت ف .. كثيرة هي الأسئلة التي تطرح في هذا السياق وبدلا من التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة يجب فحص ملف اغتيال عرفات من جديد ووضع النقاط على الحروف .. وعليه لا بد لنا من طرح بعض النقاط المفصلية في قضية الاغتيال ربما تشكل مدخلا لتحقيق نزيه يكشف عن الجاني أو الجناة الحقيقيين.

أولا – مما لا شك فيه أن عرفات اغتيل بالسم وكل الاحتمالات تشير إلى ان المخابرات الاسرائيلية قامت بتسميمه عن طريق دس السم بالدواء أو بمعجون الأسنان لكن السؤال المطروح ..كيف استطاعت المخابرات الإسرائيلية الوصول إلى دوائه وأغراضه الشخصية داخل المقاطعة المحاصرة والتي لا يدخلها إلا المقربين جدا منه ؟وهذا الأمر يؤكد الرواية بأن هناك أطراف مقربة جدا شاركت في ترتيب الأمر وتنفيذه .
بسام أبو شريف المستشار الشخصي لعرفات يقول بان سيارة نقل فلسطينية خاصة كانت تنقل الحاجيات لعرفات وكان سائقها فلسطيني وكانت تعبر حاجزين وعند الحاجز الثالث يتم تفتيشها من قبل الإسرائيليين ويبدو انه تم تغيير الدواء عند الحاجز الثالث !والسؤال كيف يمكن تغيير الأغراض الشخصية دون أن ينتبه الحراس الفلسطينيين ؟

ثانيا – طبيب أبو عمار الشخصي (اشرف الكردي) أكد أن القيادة الفلسطينية عارضت تشريح جثة أبو عمار واخفت التقارير الطبية التابعة له الأمر الذي أضاع سير التحقيق والبحث وأسدل الستار على حقيقة اغتياله والاهم من هذا كله عدم تشكيل لجنة تحقيق رغم مطالبة الشارع الفلسطيني بذالك ... ترى من يقف وراء تمييع التحقيق ومنعه ؟!والكردي أبدى استغرابه واستهجانه لعدم إبلاغه بمرض أبو عمار وهو الذي كان يستدعى على الفور من قبل مكتب أبو عمار !ويضيف "ما زلت متعجبا من عدم إبلاغي بمرض الرئيس الفلسطيني إلا في الأسبوع الثالث، وهو ما لم يحدث من قبل قط. كما أنني مندهش لأن أحدا لم يسألني بعد سفره عن حالته وخلفيته الصحية، وأنا طبيبه الذي لازمته خلال 25 عاما. ولم أجد تفسيرا مقنعا لاستبعادي من الفريق المعالج له".

ثالثا – مما لا شك فيه ان هناك أطراف كثيرة كانت معنية بتغييب أبو عمار وفي مقدمتها اسرائيل وبعض خصومه من الفلسطينيين فكل القراءات السياسية آنذاك كانت تشير إلى استفحال الخلافات داخل البيت الفلسطيني وبالتحديد الفتحاوي !ومما لا شك فيه انه من الصعب جدا على اسرائيل الوصول إليه دون الاعتماد على طرف آخر خاصة وان عرفات معروف جدا بحدسه وحسه وحرصه الأمني وهو الذي نجا من محاولات اغتيال متكررة ومتعددة .

رابعا – وعودة إلى اتهامات فاروق القدومي لأبي مازن ومحمد دحلان ورغم خطورتها إلا أنها تفتح الآفاق للتفكير الجدي والبحث عن قتلة ياسر عرفات وهنا لا بد لنا أن نشير إلى أن اتهامات القدومي تبقى منقوصة ما لم تدعم بأدلة قاطعة لأن الأمر اخطر من مجرد اتهامات تخرج وعليه فان القدومي مطالب بتدعيم اتهاماته بأدلة واضحة وقاطعة إذا كان يمتلكها كما يقول .. لان عدم كشف باقي البينات من شأنه أن ينعكس سلبا على القدومي نفسه !وثمة سؤال لا بد من طرحه ..لماذا صمت أبو اللطف أربع سنوات على الأمر؟!

خامسا – الأمر المحير جدا ... ان القدومي والمعروف بتاريخه النضالي وبصدقيته وبأنه ماكنة السياسة الفلسطينية لا يمكنه توجيه مثل هذه الاتهامات الخطيرة دون ان يكون واثقا مما يقول ودون الاستناد الى حقائق دامغة !خاصة وانه يعرف كيف ستنعكس هذه الاتهامات على الشعب الفلسطيني وحركة فتح بالتحديد والذي يعتبر احد رموزها التاريخيين والبارزين .
ويجب اخذ اتهاماته على محمل الجد حتى لو كان البعض غير مقتنع بروايته !فلا يمكن أن تخرج هذه التصريحات من فراغ لان القدومي يعرف تماما بان هذه الاتهامات ستؤدي إلى انهيار حركة فتح .. وكذالك لا يمكن أن تأتي هذه التصريحات من باب تصفية الحساب مع أبي مازن فالتلاعب بدم أبي عمار أمر غاية في الخطورة.
أمام هذه الحيثيات لا بد من فتح تحقيق شامل لكشف من يقف وراء اغتيال ياسر عرفات حتى لو كانوا المتهمين أبو مازن ودحلان فلا احد فوق القانون ... وانهي المقال بما كتبه المفكر فهمي هويدي :
أن الصراع في الساحة الفلسطينية، الذي استدعى قتل عرفات، لم يكن في جوهره بين زعامات بقدر ما إنه كان ولا يزال بين مواقف سياسية بعضها مع الخطوط الحمراء والثوابت والبعض الآخر في المربع المعاكس. وقد سبقت الإشارة إلى أن الخلاص من عرفات أريد به إزاحة العقبة التي وقفت في طريق التسوية التي كان التفريط في الثوابت من شروطها.
بالتالي فلا ينبغي أن يصرفنا التحقيق في مقتل أبو عمار الرمز عن تسليط الضوء على انعكاسات ذلك على الموقف والمنهج، باعتبار أن المطلوب لم يكن رأس الرجل فقط وإنما رأس القضية ذاتها.
الملاحظة الثانية المهمة أن التواطؤ على قتل عرفات للخلاص من الموقف الذي يجسده لا يختلف كثيرا عما يسمى الآن بالتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية في رام الله وبين السلطة الإسرائيلية. ذلك أنني لا أرى فرقا كبيرا -إلا في الدرجة- بين أن يكون هناك تفاهم بين عناصر فلسطينية وإسرائيلية على التخلص من أبو عمار وبين أن يتم ذلك التفاهم بين رجال أمن فلسطينيين ونظراء إسرائيليين لهم، لملاحقة عناصر المقاومة وتصفيتها، وهو ما يدعونا للاعتراف بأن التواطؤ لم يتوقف، وإنما استمر تحت مسميات أخرى.

يا طالبين الدبس من قفا النمس

راسم عبيدات

..........يبدو أنه بسبب ادماننا كعرب وفلسطينيين سياسة التفاوض من أجل التفاوض،لم نعد قادرين على التمييز فقط، فهذه الميزة فقدناها منذ زمن،بل وحتى التعلم من الأمثلة والمأثورات الشعبية،من طراز"اللي بيجرب المجرب عقله مخرب" ويا "طالبين الدبس من قفا النمس"...الخ،ولا حتى من الوقائع والحقائق والمعطيات على الأرض،وحتى النبي موسى عليه السلام حينما ساورته الشكوك حول وجود الله،قدم له الدليل المادي على وجوده واطمئن قلبه،ولكن دعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض عندنا من عرب وفلسطينيين،والذين أصبحوا خبراء وجهابذة،وألفوا الكتب عن أن أهمية وقيمة التفاوض ودوره في استرداد الحقوق والأوطان،فهم يتعاملون مع الأمور على قاعدة"عنزة ولوطارت"،فرغم كل الحقائق والوقائع الموجودة على الأرض،والتي تثبت فشل هذا النهج وعقمه،بل أصبح مشرعاً وشاهد زوراً على استمرار الاحتلال في ممارساته واجراءاته القمعية بحق شعبنا الفلسطيني،وفي المقدمة منها استمرارالاستيطان وتصاعدة وتزايده بوتائر عالية جداً،فهم لا يريدون مغادرة هذا النهج أو التخلي عنه،وهم يعلمون جيداً أنهم لن يحصلوا على دبس من عدو يقف على رأس حكومته مجموعة من كبار قادة التطرف واليمينية،خبروهم وجربوهم أكثر من مرة،فرئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي "بنيامين نتنياهو" والذي تولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية في 1997،رفض تنفيذ اتفاقيات أوسلو وأصر على فتح الاتفاقيات واعادة التفاوض على المتفق عليه،وقال بالحرف الواحد أنه لن يقدم أي شيء للفلسطينيين مجاناً،وبوجوده الآن في رئاسة الحكومة الاسرائيلية عبر عن استراتيجيته ورؤيته للسلام والمفاوضات والحل مع الفلسطينيين بشكل واضح وجلي لا يقبل التأويل أو حتى الإجتهاد في النص،بالقول أنه اذا ما أراد العرب والفلسطينيين السلام وموافقته على دولة فلسطينية،فعليهم أن يعترفوا بيهودية دولة اسرائيل والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل،واسقاط حق العودة بشكل نهائي،وبقاء الكتل الإستيطانية الثلاث الكبرى تحت السيطرة والسيادة الاسرائيلية،وما تبقى من أراضي دولة اسرائيل يتنازل عنه للأغراب ليقوموا عليه ما يريدونه أو يسمونه دوله ،جمهوريه،امبرطوريه ،شريطة أن تكون منزوعة السلاح،وأن لا يكون على رأس قيادتها حماس وغيرها من فصائل المقاومة الأخرى،وأضاف اليها وأن تمنع من اقامة أية أحلاف عسكرية.

هكذا قال"نتنياهو" في كلمة تنصيبه وفي خطابه الذي ألقاه في جامعة "بار ايلان" الإسرائيلية في حزيران الماضي،وأظن أنه لا يدعي أي من جهابذتنا العرب والفلسطينيين أنه أكثر معرفة "بنتنياهو" من أبيه والذي يقول بأن ابنه النبيه يسخر من العرب والفلسطينيين ويضحك عليهم،ويطرح عليهم شروط تعجيزية غير قادرين على الموافقة عليها.

وقبل الحديث عن التطورات السياسية والجارية حالياً على صعيد الصراع العربي- الاسرائيلي وفي القلب منه الفلسطيني،لا بد من القول بأن عدد المستوطنين في الضفة الغربية،قبل أوسلو كان ما بين 110-120 ألف مستوطن،وارتفع هذا العدد عام2007 ليصل الى 270 ألف مستوطن،أما الآن فهو يناهز300 ألف مستوطن.

واليوم يجري الحديث عن حركة سياسية نشطة في ظل وصول "أوباما" الى الحكم من أجل فكفكة حلقات الصراع العربي- الاسرائيلي،والانتقال من ادارة الأزمة الى حلها،هذا الحل واضح جداً أنه لن يرى النور،ليس كنظرة تشاؤمية أونوع من الرفض من أجل الرفض أو"الفنتازيا"،بل لأن أي حل يتطلب بالأساس،خضوع اسرائيل للمؤسسات الدولية،والإلتزام بالقوانين والمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات والقرارات الصادرة عنها،أما بقائها فوق القانون الدولي،وتوفيرالحماية والحضانة الأمريكية والأوروبية الغربية لها،من أية قرارات أوعقوبات تتخذ بحقها،فهذا يعني مزيداً من الصلف والعنجهية الاسرائيلية والتنكر للمؤسات الدولية وقراراتها،كما أن خطة أو رؤية "أوباما" السوبرمانية التي ينظر لها فلسطينيو وعرب الاعتدال،والتي يعتبرونها انقلاباً جوهرياً في السياسة الأمريكية،فهي حتى اللحظة الراهنة لم تخرج عن استخدام لغة جديدة لتسويق بضاعة قديمة أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد قابلة للبيع والتسويق حتى بأبخس الأثمان.

فيما هو مطروح حالياً من وعد جديد "لأباوما" بإقامة دولة فلسطينية خلال أربع سنوات،لا يتعدى أو يخرج عن وعود الرئيس الأمريكي السابق"بوش" وعود إقامة الدولة الفلسطينية خلال خمس سنوات والتي انقضت دون أن يتحقق شيء سوى المزيد من الإستيطان وقضم الأرض الفلسطينية.

ووعد"أوباما" الرباعي بإقامة الدولة غير قائم على انهاء الاحتلال،بل الحركة السياسية الجارية حالياً من خلال الزيارات واللقاءات المكوكية بين المسؤولين الأمريكيين والأوروبين الغربيين مع زعماء المنطقة من عرب وفلسطينيين واسرائيليين ،تستهدف بالأساس العمل على اقناع الاسرائيليين بالموافقة على تجميد الإستيطان لمدة ثلاثة شهور،بالطبع بما لا يشمل القدس والمشاريع الإستيطانية قيد الأنشاء،مقابل أن يقوم العرب بخطوات تطبيعية كبيرة تجاه الإسرائيليين من طراز فتح الأجواء العربية أمام حركة الطيران التجاري والسياحي الإسرائيلي وحتى الحربي،وفتح الأسواق العربية أمام البضائع الإسرائيلية،ناهيك عن فتح السفارات والقتصليات والممثليات التجارية الإسرائيلية في البلدان العربية ...وغيرها.

ومن هنا تبدأ دورة لا منتهية من الجدل البيزنطي والمفاوضات المارثونية،حول المشاريع التي يشملها التجميد والتي لا يشملها،والخطوات التطبيعية كافية وغير كافية،وطبعاً الحكومة الاسرائيلية لا تعدم الحجج والذرائع من أجل خرق الاتفاق ومواصلة الإستيطان،وحتى إن التزمت بذلك فهي ستطلق يد الجمعيات الإستيطانية في القدس للإستيلاء على المزيد من المنازل العربية في القدس وتكثيف الإستيطان فيها من أجل استكمال تهويدها وأسرلتها،ناهيك عن مواصلة الحملة واصدار المزيد من القوانين العنصرية بحق عرب 48،والتي تنتهك حقوقهم وحرياتهم وتمس وجودهم وانتماءهم وعروبتهم،ناهيك عن اطلاق العنان لزعران المستوطنين للقيام بحملات عربدة وزعرنة بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية طولاً وعرضاً.

وهذا يتطلب منا كعرب وفلسطينيين،أن نحدث تغيراً جدياً في رؤيتنا وسياساتنا ومنهجنا واستراتجياتنا،لا تقوم على استمرار استجداء "الدبس من قفا النمس" والتذلل أمام عتبات المؤسات الدولية والبيت الأبيض،بل العمل على استثمار كل عناصر قوتنا العربية من أموال وقوة اقتصادية وتجارية وعلاقات،وتفعيل واسناد قوى المقاومة واحتضانها،وبما يشكل ضغط جدي وتهديد حقيقي للمصالح الأمريكية والأوروبية الغربية في المنطقة،وبما يجعلها تمارس ضغوط جدية على اسرائيل من أجل انهاء احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة،وتطبيق وتنفيذ مقررات الشرعية الدولية،وبدون ذلك فإن ما يجري لا يخرج عن إطارادارة الأزمة لا حلها،والعمل على شرعنة الإحتلال وتأبيدة.

اتفاقية "أوسلو" أين الحسابُ؟

د. فايز أبو شمالة
بعد خمسة عشر عاماً يتوجب على الفلسطينيين وضع اتفاقية "أوسلو" على ميزان المصالح والأضرار التي لحقت بقضيتهم الوطنية، وأن يحاولوا قراءة آثارها السياسية، والحياتية، والوجدانية بموضوعية، ماذا تحقق من إيجابيات، وماذا تساقط على رأسهم من سكن السلبيات؟ وأين وصلت قضية فلسطين التي من أجلها كانت الانطلاقة سنة 1965 وما رافقها من شهداء، وكانت الانتفاضتان وما تبعها من جرحى وأسرى وعذابات، وقطع أرزاق.
أما الإيجابيات التي يحشدها البعض المؤيد لاتفاقية "أوسلو" فإنها تذوب أمام حقيقة واحدة، وهي أن عدد المستوطنين الذي كان يُعَدُّ بالآلاف في الضفة الغربية، قد صار بعد "أوسلو" أكثر من ثلاثمائة ألف يهودي، وأن مدينة القدس العربية التي كانت متصلة بمدن الضفة الغربية من جهة الشمال، والجنوب، والشرق، قد انقطعت عن محيطها العربي، وتهودت، ليجيء جدار العزل ليقتطع أجزاءً من الضفة الغربية ويضمها للدولة العبرية، ويفرض على الفلسطينيين العيش في مناطق منفصلة عن بعضها في الضفة الغربية، ومفصولة عن غزة بسبب الانقسام الفلسطيني الذي هو إحدى إفرازات "أوسلو" التي شقت الساحة السياسية الفلسطينية إلى مؤيد ومعارض، ولما كان الالتزام بشروط الاتفاقية يقضي بتطبيق بنودها على الأرض واتخاذ خطوات تنفيذية بما في ذلك وقف الانتفاضة، ومنع المقاومة، فقد صار الرفض للتقيد بما جاء في اتفاقية "أوسلو" تمرداً، وهذا ما قاد الساحة الفلسطينية إلى المواجهة المسلحة، وأوصل الحال الفلسطيني إلى ما هو عليه اليوم من انقسام.
وفي حين لم تحقق الاتفاقية أي ضمان للاعتراف الإسرائيلي بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، أو السياسية وفق القرارات الدولية، اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل، وحقها في الوجود، مقابل اعتراف إسرائيل بالمنظمة فقط.
ومن يراقب بحيادية يستنتج أن اتفاقية أوسلو قد بيّضت وجه الدولة العبرية، ومهدت لاتفاقية وادي عربة في الأردن، وفكت طوق المقاطعة العالمية عن الدولة العبرية التي مدت جذورها الاقتصادية، والدبلوماسية حتى الهند والصين شرقاً.
أما الشق الاقتصادي الملحق باتفاقية "أوسلو"، فيتفق المؤيد قبل المعارض على أنه أسوأ اتفاق بين مجموعتين، لا بين كيانين منفصلين؛ إذ جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعاً، دون فسحة أمل للتطور، أو الاعتماد على الذات، ومن أبرز نتائجه الضائقة المالية المزمنة.
ما سبق من نبش في الذاكرة يقود إلى أن اللاجئين قد باتوا أبعد عن حق العودة، وأن الدولة قد تبخرت، وأن الصراع الذي كان في وجدان الأمة صراعاً عربياً إسرائيلياً قد انخسف بعد "أوسلو" ليصير نزاعاً حدودياً بين السلطة وإسرائيل.
إن بعض ما سبق ليفرض على الفلسطينيين أن يقتصّوا من المسئول عن اتفاقية "أوسلو"، وأن يقتنصوا اللحظة المناسبة لمحاسبة من أفرغ قضيتهم السياسة من مضمونها، وهيأ لإسرائيل من أمرها أمناً، بعد أن أزاحت ملف القضية الفلسطينية عن طاولة المجتمع الدولي، لتدسه في أدراج أجهزتها الأمنية؟.
fshamala@yahoo.com

بيان عاجل من المجلس الإسلاميِّ العربيِّ في لبنان

بيان

بسم الله الرحمن الرحيم:(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف)

إلى: دولة رئيس وزراء العراق السيد نوري المالکي,

إلى: مجلس النواب العراقي,

إلى: کافة القوى الخيرة و المحبة للسلام في المنطقة و العالم,

يتابع المجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان و بقلق بالغ الانباء المتباينة بشأن الاستعدادات الجارية للهجوم على مدينة أشرف معقل منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة وان هنالك أنباء قد وصلتنا تتحدث عن عمليات مداهمـة قد قامت بها قوات الشرطة العراقية لمدينة أشرف مستخدمة الهراوات و الغازات المسيلة للدموع و الخانقة و کذلك الذخيرة الحية و قيامها بإعتقال البعض منهم و إقتيادهم إلى خارج المعسکر إضافة إلى وقوع أربعة شهداء و أکثر من ثلاثمائة جريح وهو أمر أصابنا بالصدمة و الذهول لکونه ليس يتنافى مع القوانين و الانظمة الوضعية وانما حتى يتعارض مع مختلف الشرائع السماوية و بشکل خاص مع الشريعة الاسلامية السمحاء المعروفة برحابة صدرها وسعة آفآقها لتقبل و إستقبال کل هارب أو متصدي للظلم و الجبروت و الطغيان إينما کان وان توارد هکذا أنباء مثيرة للسخط و للقلق و الانزعاج سوف يکون لها بالغ الاثر على سمعة و مکانة الحکومة العراقية في المحافل الدولية و الاوساط السياسية و الاعلامية و الشعبية على حد سواء والامر الذي يزيد من قلقنا و يدفعنا لوضع أکثر من علامة استفهام على توقيت الهجوم هو أنه قد جاء عقب البيان الخاص الذي أصدرته السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية بخصوص عودة سکان مدينة أشرف إلى إيران بشروط معينة منها على سبيل المثال لا الحصر:(يتمتعون بحصانة من الاعتقال و المطاردة و التعذيب و الاعدام وأي نوع من الملاحقة و فتح ملفات قضائية کيدية ضدهم و سيتمتعون بحرية التعبير)حسبما ورد في البيان المذکور والذي حدد أيضا اسسا و مبادئ قانونية و أخلاقية للتعامل و التعاطي مع سکان أشرف في حال عودتهم الى إيران وان يصادق النظام الايراني على کل ذلك وبخلافه فإن الحکومة العراقية مدعوة لکي تعلن إمتثالها لقرار البرلمان الاوربي الصادر في 24 نيسان المنصرم و تنفيذ أحکامه.

ان تزامن هجوم الشرطة العراقية مع ذلك البيان الصادر عن السيد مريم رجوي يبين بوضوح أن هنالك ثمة أمور عديدة بحاجة للتوضيح وعلى رأسها مايشاع عن ضغوط إيرانية إستثنائية على الحکومة العراقية من أجل تصفية موضوع مدينة أشرف و الغايات و الاهداف المبيتة من ورائها و ماهو مصلحة الشعب العراقي من الامتثال لهکذا ضغوط؟ وان الحکمة و المنطق تتطلبان من الحکومة العراقيـة أن تتأنى کثيرا في أية خطوات تخطوها فيما يتعلق بمدينة أشرف ولاسيما إذا ماکانت من صالح النظام الايراني وان المصلحة الوطنية العراقية تتطلب الدفاع عن سکان أشرف بوجه التهديدات القائمة ضدهم ونحث الحکومة العراقية أن تضطلع بواجباتها الاساسية الملقاة على عاتقها بموجب المقررات الدولية المسائل المتعلق بها وقبل ذلك ماتستوجبه الاحکام الاسلامية من ضمان توفير الامن و الطمأنينة لهؤلاء المجاهدين الخارجين على سلطان ظالم و مستبد کما إننا نطالب الولايات المتحدة الامريکية أيضا أن تفي بإلتزاماتها بهذا الصدد وان لاتقف کمتفرجة على الاحداث الدامية في أشرف حيث أن سلامة و أمن سکان أشرف وبموجب القرارات الدولية ذات الصلة على ذمة الامريکان.

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان

السيد محمد علي الحسيني

الاربعاء:29/7/2009

الثلاثاء، يوليو 28، 2009

من المسئول عن حرمان مشرفى ووكلاء الأنشطة التربوية من كادر المعلمين

نصر القوصى

وردت لنا شكوى من كمال بشارى رضوان آدارى بالتربية والتعليم أكد فيها

إن قرار الإدارة المركزية للشئون الإدارية وشئون العاملين بالوزارة بحرمان مشرفى ووكلاء الأنشطة التربوية من كادر المعلمين مثير للدهشة والأستغراب ففى 12/9/2007وردت للمديريات والإدارت التعليمية والمدارس نشرة بالقرارات المنظمة لصرف الكادر من الإدارة المركزية للشئون الإدارية وشئون العاملين بالوزارة والتى أفادت بأن شاغلى وظيفة مشرف نشاط ( إجتماعى- صحافة – مسرح – وسائل تعليمية – مكتبات ) بالمدارس يستحقون صرف بدل معلم وهو المرحلة الأولى من الكادر على اعتبار أنهم يقومون بعمل أخصائى نشاط بالمدارس طبقا للقانون 155 لسنة 2007م .وفى 28/10/2007 وردت نشرة من نفس الجهة تتضمن نفس المعنى .

وفى 30/10/ 2007ومن نفس الجهة وردت نشرة ثالثة تحمل نفس المضمون واشترطت أن من يستحق صرف الكادر يكون منتمى لاحدى مجموعات التعليم ( التخصصية تعليم – الفنية تعليم-الهندسة تعليم) وبناء على كل هذا تم صرف المرحلة الأولى من الكادر لمشرفى الأنشطة ابتداء من 1/7/2007م

وفى 1/3/2009 ورد خطاب يفيد أن أخصائيين النشاط الذين اجتازوا امتحان المرحلة الثانية يستحقون صرف المرحلة الثانية من الكادر وكان هؤلاء المشرفون قد أدوا امتحانات الكادر وأجتازوها بنجاح بناء على خطابات سرية وردت لهم بالوزارة .

وذلك طبقا للمادة 72 من القانون 155 لسنة 2007 التى تنص على أن كل من يجتاز اختبارات الكادر يحصل على المرحلة الثانية منه وتسمى بدل اعتماد .

وبعد ذلك قوجئ الجميع بورود خطاب بأن المشرفين لا يستحقون صرف كادر المرحلة الثانية .

أعقب ذلك خطاب آخر فى 12/3/2007 يفيد أن هؤلاء المشرفيين لا يستحقون صرف شيئا من الكادر سواء من المرحلة الأولى أو الثانية لأنهم غير حاصلين على مؤهل عالى .

والعجيب أن هذه الخطابات وردت من الإدارة المركزية للشئون الإدارية وشئون العاملين بوزارة التعليم التى قرر قبل ذلك الصرف ويقول المشرفون الذين ألتقينا بهم لقد تقدمنا بالعديد من الالتماسات إلى المسئولين بالوزارة فافادوا أن الموضوع معروض على السيد المستشار القانونى للسيد وزير التعليم وكذلك مجلس الدولة .

ومن وقتها ونحن محرومون من الكادر فهل يصح ونحن شركاء فى العملية التعليمية ودورنا لا يقل عن دور المعلم وبدوننا تصبح العملية التربوية خاوية وناقصة .

نناشد السيد الوزير وكل المسئولين أنصافنا فليس من المعقول أن نلجأ إلى اساليب غير شرعية للحصول على حقوق شرعية .

استنساخ الفساد واستحلاب ثور الطهارة

سامي الأخرس
دائماً تبدأ محرقة التاريخ من الماضي، لأن التاريخ لا يستند على مرتكزات فضفاضة، أو نرجسية، وإنما يبدأ من حيث انتهت آخر الصفحات، التي لا يمكن إعادة صياغتها بنفس الديباجة. ربما تتشابه بملامحها وتطوراتها وتحركاتها، وتحرشاتها، وعوامل اندفاعها المحبرية، لكن لا يمكن الصياغة بنفس الديباجة لأن هناك تطور في الوعي والمفهوم، وتغير في الشكل والجوهر، والمضمون، ولو في حدود المعقول والمقبول.
ولكن ورغم ذلك يمكن استنساخ باقة من باقاته مع إضافة زخرفة أكثر حداثة، ومواءمة للظرف البيئي والمناخي الذي تخضع له هذه العملية لإعادة الاستنساخ حتى يمكن لها محاكاة الحاضر، والإعلان عن المستقبل، وقهر الماضي.
لا أدرك من أين ابدأ عملية التورية عن ذلك المفهوم أو بالأدق "المصطلح" الذي له يومان يدغدغ خلايا عقلي النشطة، والمتأهبة حتى غلب على قدرتي في المضي قدماً بالحافزية والاستعدادية التي كانت تتسم بالحمية والنشاط في " رسالتي العلمية" التي لم أعد أمتلك من القدرة النفسية النظر إليها وفي سياقها الطبيعي الذي بدأت به بعقد العزم على أخراج شيء جديد، أو على الأقل ما يحمل سماتي الفكرية التي ما أن تضمد جرحاً حتى ينزف آخر، بفعل فساد القوم، وفساد الهواء المحاصِر لغلافنا النفسي، والجسدي، حتى أصبح شاغلنا الذهني في إطاره الطبيعي والرئيسي، وكأن أنوفنا تحولت لخياشيم تعجز عن القيام بواجباتها الطبيعية، فاستبدلت بخياشيم كمن يعيش في بحر من الفساد لا تلتقط أضراره شعيرات الأنف العادية، فنحونا صوب التسمك ولكن لم ننجو لأن الافتراس بعالم البحار اشد وطأة وضراوة من حيتان الأرض المتكورة.
فديباجة العقلاء بثوب أهل العلم والمعرفة، وعفن الحقيقة عندما تقع على كومة فساد تزينها ياقة براقة تبهر الناظر والسامع على مرآي مسافات الهامش .
في ظل قتامة الإحباط التي تستحوذ عليك في بعض الأحيان، وتجعل من صدرك بركان يكاد يتفجر ، لا يسعك سوى أن تستل من مخزونك كل الترهلات المتأففة من طفيليات الزمن التي كنت لبرهة تعتقد إنها أحد الضرورات لاختمار الحياة، واستمرارها، وإنها من ذلك الصنف النافع المفيد، والضروري للحياة. فتبدأ عملية إنتاجها الطبيعي حتى توخز جسدك وخزت ألم تلوث حلماً جميلاً كنت تشاهد ملامحه وأنت متفتح العينان ، أعمى القلب، كمن يقول فعلاً" إن العاشق لا يبحث عن عيوب معشوقة"، والحبيب لا يرى من حبيبة سوى الحب. وذاك القديس في محرابه يتزركش بالعفاف والطهارة المغلف بالشوق، إلى أن تصفعك عملية الاستنساخ لنفسك تحت مبضع الألم لتبدأ عملية الاستذكار مع قهقهة صامته ساخرة يتبعها حديث نفسي بينك وبين روحك مردداً" آن أوان الاستذكار أيها الحمار" لقد غدت الغفوة، وليس عجب أن توصف نفسك بالحمار بهمس دون أن يسمعك أحد سوى تلك النفس الشريرة القابعة ببدنك، لأنك تعبر عن خدعة وغباء غلفت ضفاف الوادي الجاف التي كنت تستمتع بعذابات مياهه الجافة، التي لا يراها سواك في حلم تعيشه، وكذبة تصدقها.
فالمرأة كالتاريخ لا يمكن ركل أحدهما، وبهما سر مشترك، الجاذبية، الأناقة، الجمال مع علاقة الخشونة التي تبرز لك مخالبها بلحظة لتفترس طهارتك، وبراءتك، وعفافه نفسك، أليس حواء من أخرجت آدم من الجنة؟!
أوليس هي من يركع حامل القلم، والشارب، والمعرفة، والفكر ليسقط ببراثن دلالها، ونعومة خلقها، ويسيل لعابة عاجزاً عن مقاومتها؟! بلا هي ثورة جميلة يسقط المرء ضحية لسلاحه الفعال. وصدق من قال ثلاثة أصناف لا يشبعون " طالب النساء، وطالب المال، وطالب العلم" يلهثون كلاً في واده خلف شهوته، أما هذه المخلوقة، فهناك أول من يقع ناظره على اسمها" مجرد اسمها" تبدأ الحركة الفسيولوجية ثورتها وفعلها السحري، وتنتابه غريزة حميمية، مصحوبة بضعف، لتستسلم ذكوريته ، ويركل ثقافته، وطهارته، ويبتلع لعابه. فكم جميلة منحت الأولوية تحت قلم أحمر بيد أستاذ، وعقل مفكر برأس زعيم...الخ، حتى أولئك الغير جميلات لهن نصيب من الطيب على أمل استحصال شيء إن تمنعت الجميلة. ولكن إنصافاً للحقيقة أتساءل من الساقط الأنوثة أم الذكورية؟ بقناعة راسخة الساقط هي تلك النفس الشهوانية الدنيئة التي لا ترى بالأنوثة سوي شهوانية، وكأن الطبيعة الإلهية لم تمنحها سوي شهوانية فحسب، بالرغم من إنها شريكة كاملة المواصفات العقلية، والحياتية، ولكن هل كذب "كونفشيوس" عندما قال على الرجل الناجح أن يبتعد عن ثلاث" ما بين فكيه، وأمعائه، وما بين فخديه" هو صدق ونحن تجاهلنا.
مشهد مستنسخ من التاريخ بديباجة الفساد على مستوى المؤسسة المعرفية التراكمية لبني البشر، تعيد صناعة نفسها في مصنع مناخي كل ما يحيط به فاسد فاسق، في مجتمعات تبحث عن الفضيلة، وهي أهل الفضيلة، تبدأ يومها بالبسملة ويكاد الخشوع أن يقفز باكياً من بؤبؤ عينيه وهو يستمع لترتيل قرآني من آيات الرحمن، وأول ما يبدأ بإدارة المفتاح بقفل باب مكتبه يعود ذاك العجوز الذي أخذ منه العمر عتيا لحيويته وملاطفاته ومغازلاته على أنغام الاوكازيون الأكاديمي المليء بفاتنات صغيرات، متأهبات لاستقبال حياة باسمه، أمانات تغادر عتبات الصغر لنهل العلم، والمعرفة، من عقول وكتب العلم، وتجارب الماضي والحاضر لربط خيوط الأمل بالمستقبل، وليس لنهل تسبيل العيون، وتوزيع الابتسامات حتى يُعتقد أنه أغمي عليه عشقاً وذوباناً وسحراً " ولما لا فتنه الجمال"، فتقع فريسة تلك الجميلة ولما لا وفي نهاية المطاف والأمر درجة التميز رهن ابتسامه ومداعبة من جسدها الرشيق المتراقص على أنغام مراهقة هؤلاء.
لم يستنسخ التاريخ " دوللي" وحدها لعيد إنتاج نوع بهيمي من أنواع المخلوقات، بل استنسخ لنا أنواع وأنواع من مكدسات البشر، وأرباب القلم والفكر، ولننظر في سيل المعرفة الذي فرضته علينا العولمة الثقافية كم من بارع مثقف، وأستاذ متفلسف،ومثقف يافع أنتج لنا ليسحر أفئدتنا بقاموسه المعجمي، وفكرة المزدان بالتعملق الإنتاجي، ولكن!!!! لكل امرئ مرآته التي لا يرى تشوهاته سوى عندما يقف أمامها وحيداً عارياً من عفونته.
تضطرنا الحياة للتفلسف أحياناً تحت وطأة العنف المجتمعي الذي يحتضن عمرك، كحاضنة الخدج، لا تقوي على الخروج منه لأنك تموت لمجرد مغادرته، ولكن السؤال المفعم باليأس من أولئك هل يفهم أحداً فلسفتك تلك؟ وهل يعى قارئها مقصدك؟ وهل يمكن قراءة ما لم تكتبه وأنت في قمة ثورتك الذاتية؟ أجب إن كنت تقرأ – تفهم – تفكر- تعي – تحس.
هي لحظة مثل أي لحظة يتفاعل معها الوعي الحسي مع اللاوعي فتنتج قريحتك ما يمكن لها من إنتاج في خضم إعصار من الهواجس المتراكمة في عصارتك العقلية التي لا يمكن ملء الكؤوس منها لتسكر أدمغة الظامئين من الحقيقة، لأن الحقيقة إزعاج يحقق الاستنفار، وينمي الحقد في باطن الأمور، ويرسم توجهات النفس العبثية، لتنفجر عندما تتهيأ لحظة الافتراس لأولئك المنتفخين علماً، وفكراً، للتنظير الهش، المرتعش أمام نصاعة الطهر والإصلاح.
فلم تعد قوانين الجوعي ترضي بملء الأمعاء فقط، لأن التاريخ لن يستنسخ الجوعى، بل الشابعون، ويستنسخ المنتفخون لأنهم تهرقلوا كهرقل الروم، وتقمصوا دور هولاكو، وهارون الرشيد الحكيم، حامل مشعل العلم والفتح، بعبق الجاريات المزينات لقصر بغداد الجميل.
هل وصلت إلى مبتغاي؟ وانتصب ظهري المنحني لأقف أشاهد مرآتي الصادقة؟ وأدرك هؤلاء أن القوم لا يتوهون؟ نغادر الوادي ولكن تبقي حجارته فيه.......
ولعل التاريخ يبدأ من جديد في سرد سيرة" كونفشيوس" ويعلمنا إننا بيوم قرأنا لأفلاطون، وسقراط، وسيرة محمد العظيم سر الفضيلة، والعدل، والأمانة، والصدق بجوهرها، وليس بشكلها.
وليت مجتمعنا، وجامعاتنا، وهواءنا، وماءنا، يحقن بمضاد إنفلونزا الفساد الذي لم نتمكن ونحن نتصفح التاريخ من استحلاب مشروب الطهارة من زبده.

لا منافسة، ولا نفقات، يا شركة الاتصالات

د. فايز أبو شمالة
الرازق هو الله، ولن نحسدكم على حجم أرباحكم يا شركة الاتصالات الفلسطينية، بارك الله لكم في هذا المال المستقطع من خبز الشعب، والمسحوب من جيب المواطن وهو صاغرُ، حيث لا يجد طريقاً آخر للاتصال، والترابط مع العالم إلا من خلالكم، وما دام لا منافس لكم فهنيئاً لكم مبلغ 291 مليون دينار صافي الإيرادات التشغيلية لهذا العام، وصافي أرباح بنسبة 36% تصل إلى 89 مليون دينار مكنتكم من توزيع الأرباح بنسبة 40% ، ووفرت لكم التغطية لإقامة الاحتفالات، والمناسبات، والهدايا، فالمال كثير، والخير وفير، فلم لا تقام المهرجانات، وينبري الشعراء في الغزل، والتمسح بالعسل.
أما إذا تعطل هاتف، أو احتاج المواطن للرقم 144، أو 166، أو 176، ستأتيه الاسطوانة بالكلام الرقيق: سيتم تسجيل المكالمة لضمان ضبط الجودة. ولما كان الفلسطيني متلهفاً على ضبط الجودة، فهو ينتظر صابراً، ولكن الاسطوانة تواصل العزف، وعلى المواطن الانتظار، وسماع الموسيقى، ثم مزيداً من الانتظار، والموسيقى، والإعلانات، ووقت ضائع، والهدف هو ضبط الجودة، من خلال تسجيل أطول فترة زمنية من الاتصال على حساب المواطن، وكأن شركة الاتصالات استعذبت الأرباح، فلجأت إلى ضبط الجودة من جيب المواطن، ولن أتطرق إلى اسطوانة جوّال مرحباً في عز الحاجة، وإن نسى المواطن موعد الفاتورة يوماً، تفصل الخدمة.
لقد حلل الله الربح، وحرم الاحتكار، وإذا كان من حق المستثمر على الوطن الربح، فإن حق المواطن على الحكومة محاربة التفرد، فما زالت ذاكرة الشعب الفلسطيني لا تنسى أن زمن الاحتلال الإسرائيلي البغيض، كانت تأتي فاتورة التلفون للمواطنين أقل تكلفة من الزمن الفلسطيني المنتظر، وقد حسبت شخصياً قيمة تكلفة الاتصال من بيتي إلى بيت الجيران في خان يونس فوجدتها أغلى من تكلفة الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولما سألت في قلعة الرأسمالية عن السبب، قيل لي: إنها المنافسة، هنا تتنافس الشركات على حسن الجودة، وعلى تخفيض الأسعار، وللمواطن الخيار!.
فمن ينافسكم يا شركة الاتصالات الفلسطينية؟ وبأي حق تملكتم ذبذبات الوطن، وصارت لكم حكراً، لتبيعون المواطن الهواء كما يطيب لكم؟ وتربحون ما يحلو لكم!! لقد باعت البلدية الماء للمواطن، ولكن بعد أن استخرجته من قاع الأرض، وعندما تبيع شركة توزيع الكهرباء الطاقة، فإنها تكون قد اشترتها من المنتج، وإذا باع التاجر الغاز فإنه يكون قد اشتراه، فمن أين تستخرجون الهواء، أو من أين تستوردونه يا شركة اتصالات؟
لا ننكر أن لكم أصولاً ثابتة للاستثمار، ولكم شبكة تمديدات، ولكن هذه الأصول لا تعني الاستئثار، وزواجكم الكاثوليكي مع وسائل الاتصال، وإذا توفرت لكم ظروف سابقة مكنتكم من رقبة القرار، فإننا نسأل السلطة في غزة ورام الله، وننادي، يا أصحاب القرار، افتحوا باب المنافسة في حسن الجودة والأسعار، ليصير للمواطن الحق في جزء من الربح، وله الفرصة في التدلل والاختيار.
fshamala@yahoo.com

الاثنين، يوليو 27، 2009

مأساة العقل العربي

هـيـثـم الـبـوسـعـيـدي
كثر الحديث عن أسباب التخلف العربي وجذور الفشل وعوامل الانحطاط، وما تعيشه الأمة من آثار سلبية في كافة الجوانب على الرغم من التغيرات البسيطة في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم التي تتباهى بها الأنظمة من المشرق حتى المغرب وتطلق عليها في ذات الوقت عدة مصطلحات مثل "إنجاز" و" نهضة" و " تقدم".

وهذا الفشل الذريع والتردي الذي تتحدث عنه كثير من الدراسات أرجعه كثير من المفكريين والفلاسفة العرب لعدة أسباب جوهرية، من أبرزها وأهمها ما يعيشه العقل العربي الفردي والجماعي من أوضاع صعبة وظروف متردية تمتد جذورها لفترات زمنية طويلة غير محددة.

والعقل بالأساس هو حصيلة الأفكار والقيم والمبادئ والمعتقدات والعادات التي ترتكز عليها الثقافة المنتمي إليها ذلك العقل، ونظرة سريعة لصفات وخصائص العقل العربي تدفعنا لاكتشاف ما يمر به هذا العقل من حالات حرجة وأوضاع متأزمة وذلك بسبب سيطرة جملة من الأفكار على جزء من تكوينه وتفكيره، لتؤدي بمرور الزمان لوضعه في حاله أشبه بالأسير القابع في سجن كبير لا يستطيع الخلاص من قيوده ولا الفكاك من قبضة سجانه.

فهذا العقل يتصف بأنه عقل ماضوي جامد يتغنى بالماضي والأمجاد العتيقة، ويتعلق بجزء من المعتقدات ذات الطابع التقليدي التي لا تجر معها سوى الويلات والحروب الطائفية والمشاحنات القبلية.

كما أنه يلتصق دائما بسلبية الرجوع للخلف والالتصاق بالتفسير الماضوي لحقائق العلم والتقدم دون إعطاء فرصة للعقل للانطلاق والتوسع في مجالات التفكير، لذا فإن التفسيرات المحددة والدوران في الحلقات المفرغة يجعله دائما محبوس في مساحات ضيقة وحدود مغلقة.

وهو من جانب آخر عقل غير واعي يعيش حالة من الغيبوبة والسلبية والتناقض وخصوصا أمام "التطور الحاصل في العالم" دون أن يتفاعل معه أو يستفيد منه بطريقة جديدة من أجل تحقيق قفزات واسعة وانتشال أوطانه ومجتمعاته من حالات الانحطاط إلى حالات الازدهار، وذلك راجع بالأساس لاعتقاده أن مفهوم المعاصرة والحداثة عبارة عن حرب ثقافية ضد قلاعه الفكرية وحصونه العقائدية وميراثه الحضاري مما جعله في وضعية المشتت بين الحفاظ على الهوية الموروثة أو تمزيقها أو البحث عن هوية مصطنعة أخرى دون إدراك الأسباب الرئيسة لحدوث ذلك التخبط.

فجزء من تلك الأسباب واقع في سوء تعامل العقل العربي مع الواقع وتغافله عن إدراك تفاعلاته وطبيعة القوى التي تتحكم فيه كما أن أحد أسباب حدوث ذلك التخبط هو سوء فهم الأحداث الجارية الآن في المجالات العلمية والإنسانية في العالم كله.

هذا أسفر عنه وجود مسافة واسعة بين العقل العربي ومفهوم المعاصرة والتقدم دفعته نحو تجاهل تحديات المستقبل والتغافل عن اقتناص الفرص وإهمال التوجه نحو مسارات التقدم والحداثة.

والنقطة الأبرز في معاناة العقل العربي تتمثل في وجود ثقافة أحادية الجانب تسيطر على تفكير الأفراد في كثير من المجتمعات العربية، وتسعى لتوزيع قيم القبيلة أو الطائفة أو الانغلاق عن الذات بين أفرادها، وقيم أخرى ذات طابع انعزالي ونزعة شيفونية، بل تدمن هذه الثقافة بعض اللعب الغبية من أمثال " أضحوكة المؤامرة ".

وهذه الثقافة تمتد جذورها لما قبل الإسلام بحيث ظلت لوقتنا الحاضر ولم تستفد من الثورة الفكرية التي أحدثها الإسلام، فقد أنقلب العقل العربي بعد فترة من ظهور الإسلام على أجزاء مهمة من القيم العظيمة والمبادئ العليا، وأبرز تلك المبادئ " العدل " الذي غاب عن بلاط الحكام مما نتج عنه افتقار الحياة العربية لمبدأ " العدل " في شتى شؤون ونواحي الحياة عبر قرون طويلة.

كل ذلك أدى لوجود مجتمعات متخلفة تملؤها العواطف الساخنة والأوهام الكاذبة لتنتج عن تلك السلوكيات عدة مساوئ وأضرار منها: سوء الإدارة، مركزية الدولة، تسلط الفرد، انتشار الفساد، أنظمة تعليم متهالكة، اقتصاديات هشة، أشكال مختلفة للتعصب، غلبة العاطفة في الأمور الاجتماعية والسياسية، بروز" الأنا " المتضخمة ضد المخالف للمذهب والعرق والطائفة والوطن، بالإضافة إلى طغيان ماضوية المذاهب والفرق التي أغرقت الأفراد والمجتمعات بمزيد من الخلافات الحادة والأحقاد المدمرة.

والمتأمل قليلا لحالة الأمة يثبت له صحة النقاط سالفة الذكر، فالأمة حاليا في وضع محرج بحيث أصبحت غير قادرة على استقبال قيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بعالمية العلم والمعرفة، بل فشلت فشلا ذريعا في حسن التعامل مع حركة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومبادئ الديموقراطية، كما أن الأنظمة الرسمية العربية على اختلافها هي بالأساس نتاج دول مزيفة وهزيلة وهذا ما أكدتها حادثة احتلال العراق، ولم تصل إلى مرحلة البلادة السياسية والإنسانية التي تعيشها في الوقت الحاضر إلا بعدما عبثت بالأوطان والمجتمعات بشتى أشكال القمع السياسي والاضطهاد الفكري مما أسفر عنه مجتمعات ضعيفة القرار غير قادرة على المشاركة في صناعة الحدث، ليصبح بعد ذلك المواطن العادي ذا طبيعة انهزامية، يبتعد عن مطالب الحرية والعدالة والمساواة ويتخذ مواقف ذليلة خانعة في كل الأمور المفروضة عليه مقابل " لقمة العيش " وبضعة دراهم، وفي نفس الوقت تمارس هذه الأنظمة العربية دور الخانع الذليل ولكن أمام القوى الكبرى في العالم.

أما المجتمعات العربية فهي تعيش اليوم أشبه بحالة اللاوعي والخوف من طرح الأفكار التجديدية والاطروحات التنويرية، مع وقوف عقل النخب العربية في الظل بحيث أمست غير قادرة على ممارسة دورها في رسم إشارات التقدم ووضع خطط فاعلة للخروج بالعقل العربي من مأزقه. والأصعب من ذلك أن الفشل في مواجهة النظام العالمي الجديد أدى وسيؤدي لغياب الكثير من القيم النبيلة وإلغاء الكثير من معالم الشخصية العربية وتحطيم الواقع أكان سياسيا أو معرفيا أو جغرافيا، وسيمهد نحو بروز إشكالية المجتمعات الاستهلاكية غير المنتجة وربما نصل سريعا إلى مرحلة المجتمعات المادية مما يؤدي بشكل كبير لتشويه العقل العربي أكثر مما هو مشوه ووضعه في خانة أشد مأساوية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل من سبيل لانتشال العقل العربي من مأساته ؟
الحل هو في إخضاعه لعميلة نقد واسعة ومراجعة دقيقة ودراسة متعمقة وتحليل منطقي يتم من خلالها مناقشة مجموعة الأفكار الحالية والمعتقدات والقضايا التاريخية القابعة في عقل الإنسان العربي لأجل غربلته من الشوائب وتنقيته من السلبيات مع الاحتفاظ بجزء من القيم الأصيلة والمبادئ العليا ذات الجذور الإسلامية والعربية، بالإضافة إلى أهمية قراءة التاريخ بنظرة دقيقة وفاحصة لفهم الحاضر والماضي والمستقبل والاهم من ذلك مناقشة تفاصيل اللحظة الراهنة بكل ما تحتويه من ظروف قاهرة وأوضاع مأساوية، وعندما يتحقق ذلك رغم استحالته سيتمهد الطريق نحو نقل العقل العربي من حالة الخمول إلى حالة النشاط بل سينقذ نفسه من وضعية التأزم إلى وضعية الانفراج، وسيكسر كافة القيود ويعبر كل الحواجز مهما كانت، وهنا ندرك في المحصلة النهائية أهمية نقطة تحرير العقل العربي التي هي أهم وسيلة لتخليص العرب بقياداتهم ودولهم ومجتمعاتهم ومثقفيهم وإفرادهم من قيود الانعزال والظلام إلى التنوير والانفتاح وتبني أفكار الحداثة التي تدعو لنشر مبادئ مرتبطة بالعقل والضمير والأخلاق والحرية والمساواة والإبداع في شتى المجالات.

السببية بين العلم والفلسفة

زهير الخويلدي

" أما الرياضيات فهي نظر في الحساب والهندسة وليس في مقتضيات الهندسة والحساب ما يخالف العقل والحق ولا هي مما يمكن أن يقابل بإنكار وجحد"[1]

أبو حامد الغزالي، مقاصد الفلاسفة.

منذ البواكير الأولى لإنبجاس القول الفلسفي مع الإغريق أو الهنود أو الحكماء العرب بدت فكرة السببية متعلقة بالطموح الكبير الذي تبديه همة الفكر نحو جعل المسائل الكلية: الأصل والتكوين وصيرورة الكائن أمورا معقولة ومدركة من طرف الإنسان. وظهر البحث العقلي عن الأسباب الأصلية والتطلع المعرفي نحو العلل النهائية أمرا متأصلا في الطبيعة البشرية ومنغرسا في الروح التائقة نحو المطلق.

بيد أن الإنسان لم يدرك مباشرة عن طريق الحواس والذهن سوى جزء بسيط من الواقع، وبالتالي كان البحث بواسطة الأسباب منذ البدء وسيلة محبذة لتجاوز هذه المحدودية وبلورة إستراتيجية معرفية وتقنية تقدر على سبر الكون في مجموعه. هذا التوجه لم يكن عن طريق إبداع الأساطير الكونية والحكايات الكبرى التي تظهر القدرات الخارقة للبشر ونماذج خرافية من السيطرة على المكان والتجوال في الزمان وإنما من خلال اختراع نظريات علمية وتصورات فلسفية تعتمد على التجريد الرياضي والتثبت التجريبي وتعتقد أن الطبيعة تخضع لقوانين ثابتة وأن الوقائع تنتظم وفق نظام معين وأن انبثاق وتتابع الظواهر يشبه انبثاق وترابط الأفعال الإرادية للبشر.

إن فهم مصطلح السببية Causalité ودوره في نظرية المعرفة وفي مستوى سيطرة الإنسان على الطبيعة وعزوه الفضاء وتفجير الذرة والتحكم في الخلايا المنتجة للحياة يتطلب تقصي جنيالوجي لوضعها السابق في ركام الميتافيزيقا و استعمالها المكثف من قبل العلماء في الاختراعات والإنشاءات الصناعية من قبل التقنيين، دون أن نهمل فترات الأزمة التي تعرضت لها والانتقادات التي وجهت إليها. فما نقصد بالسببية؟ ماهي طبيعة السببية؟ ماهو أصلها أو مصدرها؟ وماهي قيمتها؟ ما الفرق بينها وبين العلية والضرورة والحتمية والجبرية؟ هل هي عقيدة دينية أم فكرة فلسفية؟ هل هي قانون علمي أم مبدأ أنطولوجي؟ هل حتمية صارمة أم نموذج إرشادي يوجه البحث العلمي لا غير؟ هل هناك سببية خاصة وجزئية وقطاعية أم أنه لا توجد سوى سببية كونية كلية وواحدة؟ كيف يمكن رسم تاريخ مختصر للنظريات الفلسفية لفكرة السببية؟ ما حقيقة الانتقادات الموجهة ضدها؟ وهل بالفعل مجرد عادة في القول والعمل كما يري الغزالي وهيوم أم أنها سنة من سنن الكون وضرورة طبيعية كما يؤكد ابن رشد واسبينوزا؟ ما طبيعة الأزمة التي تعرضت إليها؟ وهل يمكن للفلسفة والعلم أن يتخليا عنها؟ ألا تتحول السببية إلى عائق ابستيمولوجي تحول دون التقدم والتطور؟ وهل يقتضي منطق الكشف العلمي تحطيمها والاستغناء عنها واستبدالها بأوليات جديدة؟

ما نراهن عليه هو تفادي الربط بين الإيمان بالسببية على صعيد الوجود والمعرفة والقيم والتسليم بالقضاء والقدر والارتماء في الخرافة والغيب والتأكيد على أن الإنسان خالق أفعاله وهو مكلف بعقله مستخلف في الأرض وبالتالي فهو مسؤول عما يأتيه في الأرض من أعمال سواء كانت محمودة أو مذمومة.

ماهي المنزلة الميتافيزيقية للسببية؟

يقول أفلاطون: " كل ما يولد هو يولد بالضرورة بفعل سبب... لأنه من المستحيل أن يولد أي شيء كان دون سبب"[2]

بادئ ذي بدء يمكن أن نشير إلى أن مصدر النظريات الفلسفية هو في الغالب النظريات السابقة عن الفلسفة وخاصة التصورات الدينية والميثولوجية، فالمفهوم السحري عن القدرة puissance عند المانا والذي حلله كل من فرايزر ودوركايم وموس يمكن أن نعتبره واحد من أصول فكرة السببية في أشكالها الأولى.

وحتى إن التفت الإنسان البدائي فيما بعد إلى الآلهة فذلك نتيجة إحساس وفهم معينين للسببية. وقد افترض الإغريق فوق هذه الآلهة نفسها قدرة مطلقة لا تقهر أطلقوا عليها اسم القدر وافترضوا أنها تتحكم في الأحداث التي تحصل للبشر وحتى في مصير الآلهة نفسها. ففي التفكير الأسطوري يعتبر غضب الآلهة سبب هذا العنف الذي يجعل المرء في حالة من عدم الرضى بمنزلته في الكون و يسبب غفوة الناس. فضربات القدر لها أسبابها والقدر نفسه يتحكم في الآخرين بالأسباب. غير أن فهمنا للسببية على أنها قدر يقتضي وجود فكرة الكلية واستمرارية السلاسل والتساوي بين السبب والنتيجة ولكن توجد على الأقل فكرة تعاقب الأشياء وهي فكرة ضرورية حسب هارتمان لتشكل مفهوم السببية العلمية فيما بعد.

إن الانطلاق من فكرة القدر يمكننا من إدراك مصدر فكرة السببية فقد أعلن أنكسماندر "أن كل شيء يحدث بالاعتماد على القدر". غير أن هذه الضرورة المطلقة بعيدة كل البعد عما نعنيه اليوم بالسببية التي ربما تكون قريبة مما يعنيه الذريون بالصدفة عند تفسيرهم لحدوث الأشياء في العالم. إن ديموقريطس لا يرى في وجود قطيعة بين الأحداث بل استمرارية وحلقة متسلسلة ، إذ كل شيء يفسر من خلال أساس صلب وبواسطة قانون معين ومنطق خفي. انه منذ أن شرع العالم في التواجد فإن كل شيء يحدث وفق ضرورة معينة.

لقد أشار علينا سقراط بأنه عثر في يوم من الأيام على كتاب الطبيعة لأناكساغور ووجد فيه أن مبدأ النوس Nous هو الذي ينظم كل الأشياء وقد نقد اعتماد الطبيعيين على الأسباب الميكانيكية واقترح نظرية الغائية التي تتأسس على الإرادة الموجودة في الطبيعة البشرية. إلا أن أفلاطون في محاورة الفيدون يرى أن الأسباب الغائية لا تسمح بتفسير شامل للأشياء ويلتجئ إلى شكل جديد للسبيبية صاغه فيما بعد أرسطو اسم العلة الصورية. ويقصد أن الأفكار هي الماهيات والأسباب الصورية للأشياء غير أن نظرية الأشكال الصورية عند أفلاطون خاضعة للأسباب الغائية .

اللافت لنظر أن هناك تفسيرات متعددة لفكرة السببية عند أفلاطون ففي محاورة المينون يقول أن المعرفة العلمية هي معرفة ثابتة وبالاعتماد على العلم يقع تثبيت المحسوس بواسطة التفكير في السبب وفي المحاورات الأخيرة يعلن أفلاطون صراحة عن فكرة السببية، ففي الفيلاب يرى من الضروري أن كل شيء يصير ولا بد أن يكون وراء صيرورته سبب ويفرق بين الأسباب الأصلية الأولى لتكون الشيء وتكون الأسباب الثانوية التي ترتبط بالمادة وهي أسباب عمياء لامعقولة ونجد هذا التمييز بين الأسباب الأولى والأسباب الثانوية وارتباطها بالعقل في الطيماوس.

ورغم كل شيء فإن أفلاطون لم يبدع إلا إرهاصات ومبادئ جنينية لفكرة السببية وأرسطو هو الذي أسس أول نظرية حول السببية عندما ميز بين أربعة من الأسباب الصورة –المادة –الغاية –الفاعل . اذ يأخذ مثال التمثال ويرى أن علته المادية هي البرنز والعلة الصورية هي الإله أو الإنسان الذي يحاكيه النحات والعلة الفاعلة هي ضربات المطرقة والعلة الغائية هي الغائية التي وجد من أجلها التمثال (التعبد –التذكر). ويترتب عن ذلك أن الإغريق لم يستنبطوا نظرية في السببية من الطبيعة بل من أثار الإنسان ومن نظره وتأمله لهذه الآثار على الرغم من أن اعتبار الطبيعة لم يكن غائبا عن أنظار أرسطو الذي حاول بالإضافة إلى ذلك أن يوجد قدرة صانعة تحاكي الشخص الإنساني.

لكن إذا أخذنا الأشياء في نموها أي في "الكيف" و"اللماذا" فلا بد أن نعود إلى العلة الفاعلة التي تفسر تكون التمثال في الزمان والعلة الغائية التي تفسر لماذا صنع التمثال، كما أن الصورة المادية تتناقض مع العلل الصورية والغائية والفاعلة لأن هذه الأخيرة ليست مفارقة للشيء بل هي محايثة.

تتعلق نظرية السببية بمجمل فلسفة أرسطو وبمنطقه لأن السبب يلعب نفس الدور في القياس أو علم النفس بما أن العلاقة بين السبب والنتيجة هي نفسها الموجودة بين الغاية والوسيلة في الفعل الإرادي والقائمة بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل في الميتافيزيقا. إذ أن الفاعل هو الذي يدفع بالشيء من القوة إلى الفعل ولكن الفعل ليس إلا السبب الصوري وفي المجال العملي ولكي نفسر ظاهرة الكسوف والخسوف يلتجئ أرسطو إلى العلة الغائية لأن هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها بالعلة الفاعلة، فالتغير الطبيعي والإنتاج الصناعي يحدثان من الصورة.

غني عن البيان أن أرسطو هو الواضع الأول لنظرية متكاملة عن فكرة السببية وحتى الفلسفات الرواقية والأبيقورية فإنها وقعت في العديد من النقائض . إذ أكدت الرواقية على العقل و اللوغوس والأسباب ونظرت إلى الأشياء باعتبارها في نفس الوقت منطقية وطبيعية، فالسبب يعطي الشكل للمادة وسنجد أن الرواقيين يثبتون السببية الكونية التي قال بها أنكسيمندر عندما يتطرقون إلى القدر ويتبنون كذلك الأفكار الميتافيزيقية لأرسطو . ولكن لهم السبق في القول بأن كل شيء في العالم هو منغلق عن الأشياء الأخرى ولكنهم يرون أن كل شيء متعلق بالكل وبالنسبة إليهم "كل شيء يمكن أن يكون علامة على كل شيء" ويمكن على هذا النحو أن نعتبر أن إثبات الرواقية للسببية هو تدمير للمفهوم الحقيقي لها.

هذا التناقض نجده كذلك عند الأبيقوريين فهم يقولون من جهة أن لا شيء يصدر عن اللاوجود متبعين ديموقريطس ولكنهم يؤكدون على أن تواجد بعض الفترات الزمنية القصيرة والخاطفة التي تغادر فيها الذرات الخط المستقيم لتلتقي ببعضها البعض و بهذا فهم يثبتون السببية ونقيضها في نفس الوقت. وبالتالي لا نجد حقيقة كونية بل نظرية في الصدفة وحتى الشكاك مثل بيرون وسكستوس وأنسيدام فإنهم أكدوا على لاكفاية مبدأ السببية لأن السبب لا يوجد لا عندما يحدث الأثر ولا عندما يعاصره فهي ليست شيئا لأنه يسبق النتيجة / الأثر بل ينبغي أن يحدث في نفس الوقت مع الأثر لكن إذا كان السبب والأثر متعاصرين فمن يقول لنا من بين هذين الحدثين من هو السبب ومن هو النتيجة؟ وينتهي الريبيون إلى أن فكرة السببية هي مجرد فكرة أو ابتداع من ابتداعات الفكر وقد واصل الغزالي النقد الريبي بتأكيده أن فكرة السببية هي من إبداع الفكر بينما الأمر الذي يوجد في الواقع هو التتابع والتعاقب والتكرار لا غير.

اذ يقول الغزالي في هذا الإطار:" "إن الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا وما يعتقد مسببا ليس ضروريا عندنا، بل كل شيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمن لإثبات الآخر ولا نفيه متضمن لنفي الآخر، فليس ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر."

نستخلص من ذلك أن البذور الجنينية لفكرة السببية الحديثة مزروعة في الفكر الفلسفي القديم، ففلسفة اسبينوزا مثلا قد احتوت على كل النظريات القديمة : الهندسة الاقليدية والتصور الرواقي والأبيقوري للكون، لذلك أنتج اسبينوزا مفهوما للسببية هو في نفس الوقت ضرورة عقلانية حيث أن خصائص شكل هندسي ما مستنبطة من ماهية هذا الشكل وسببية محايثة للعالم أي للطبيعة، غير أن الطبيعة من حيث وجهها الإبداعي هي الإله ،وفي مستوى ثالث يؤكد اسبينوزا أن كل واقعة معينة هي مسببة من قبل واقعة معينة تسبقها وهي تشير بذلك إلى التصور الذري لسببية.

ما نلاحظه أنه بعد القديس توماس الإكويني لم يحافظ الفكر البشري إلا على نوعين من الأسباب الأربعة الأرسطية فهو قد تخلص من العلتين الغائية والمادية واعتمد على العلة الفاعلة والصورية فإذا كان العصر الأول لنظرية السببية يعود إلى أرسطو وعلله الأربعة فإن العصر الثاني الذي أبقى على علتين " الفاعلة والصورية" قد بدأ مع علم القرن 17 ولعل تصور الإله على أنه إله صانع أو علة غائية مثل التصور الأرسطي والقبول بفكرة إله خالق من عدم قد أعطى قيمة كبيرة للعلة الفاعلة فكأن العلم والفلسفة قد توحدا ليتفقا على إعطاء العلة الفاعلة المنزلة الأولى، وسنجد في العصور الحديثة أن العلة فهمت من خلال معنيين الأول تنص فيه على التعاقب الزمني للأثر بالمقارنة مع السبب أو الضرورة العقلانية بين الأثر والسبب في الأول نحن أمام التصور التجريبي أما في الثاني فنحن أمام التصور العقلاني لسببية.

إن" السبب في اللغة: اسم لما يتوصل به إلى المقصود وفي الشريعة: عبارة عما يكون طريقا للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه"[3]. من هذا المنطلق تعرف السببية هي العلاقة الثابتة بين السبب والمسبب وبالتالي تحدث جميع التغيرات وفقا لقانون الارتباط بين السبب والنتيجة، وتعني أن لكل ظاهرة سببا يقف وراءها وبالتالي ما من شيء إلا وكان لوجوده سبب أي مبدأ يفسر وجوده. هناك ترادف بين السببية والعلية ولكن العلة هي ما يحصل به الشيء وينتج المعلول بلا واسطة بينما السبب هو ما يحصل عنده الشيء ولا به وبالتالي يفضي إليه بواسطة. لكن كيف كانت النقلة من الفلسفة إلى العلم تحولا من العلة إلى السبب؟ ولماذا لم يعد الباحث يكتفي بالتفتيش عن علل الظواهر وصار يهتم بالقوانين وبالعلاقات الثابتة التي تربط بينهما؟

[1] أبو حامد الغزالي، مقاصد الفلاسفة. تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2002. ص. 09.

[2] أفلاطون،محاورة الطيماوس ،a 28 .

[3] الشريف الجرجاني، التعريفات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 2000، ص 120

محاورات رجال الدين

صالح خريسات
هناك خطأ شائع، أرجو أن أسجل تحفظي عليه، وهو ما يتردد على ألسنة المفكرين والأدباء، في صيغة الحوار بين الأديان. فالحقيقة أن الديانات لا تتحاور فيما بينها لأنها في أصلها واحدة، ومصدرها واحد وهو الله في السماء. ومعلوم أن رجال الدين، الذين يمثلون الديانات، وينطقون باسم أتباعها، هم الذين يتحاورن فيما بينهم. ولأنهم ليسوا ملائكة، وليسوا معصومين من الخطأ، فإن الخلافات تبدو بينهم واسعة، وتحتاج إلى مؤتمرات كثيرة لبحثها، وتحديد سبل الالتقاء والتعاون. هذه المؤتمرات تنعقد بمبادرات شخصية، من الزعماء السياسيين، وقادة الفكر والرأي، الذين يدركون بحسهم العلمي، والإنساني، أهمية تشكيل قاعدة فكرية، يتم التأسيس عليها، من أجل إزالة كل ما علق بقلوب الناس، من أسباب العداء الديني، والصراعات الدامية، التي يدفع الإنسان الطيب،ثمنها من روحه، وأرواح أولاده، وأمنهم، ومعاشهم، ورخاء بلدهم، ومستقبل الأجيال التي لا ذنب لها، ولا مسؤولية.وفي الغالب تختتم هذه المؤتمرات إعمالها، بمشاركة مئات الباحثين، والمتخصصين، في شؤون الديانات السماوية الثلاث.وقد قدر للباحث, إن يضطلع على جملة من هذه المؤتمرات، ومراجعة مقرراتها، فهي دائما تركز، وسط أجواء العدائيات المستمرة، بين أ تباع الديانات المتعددة،وأعمال العنف والتدمير، بين الشعوب المتناحرة، تركز على ضرورة توسيع دائرة الحوار، لتشمل كل المعتقدات، على اعتبار أن الحضارات، تقوم على قاعدة الحوار بين الشعوب، وتبادل المعرفة، وتعميق أواصر التعاون. بيد أن اختلاف النوايا، وغياب مظاهر التفكير السليم،غالبا ما تعكر صفو المؤتمرات، وتضيع هيبتها وقيمتها الدينية والإنسانية والفكرية أيضا.وغالبا ما تنتهي هذه المؤتمرات، باتفاق دولي، على أن الإرهاب ظاهرة كونية، تجب محاربتها بمشاركة جميع دول العالم،وكأن الغاية من هذه المؤتمرات الدولية، معالجة ظاهرة الإرهاب والعنف، والواقع أن هذا الهدف، هو نتيجة الجهود التي من المفترض أن تبذل، لتصحيح الأخطاء الفكرية والمنهجية، والتعليم الهابط في المدارس، ودور العلم، فلا يجوز أن نقفز إلى النتائج، من غير التأسيس عليها، فنحن بحاجة إلى سنوات طويلة، من العمل والتهيئة لمثل هذه النتائج المرجوة. وقد وجدت أن الإعلان الختامي لهذه المؤتمرات، غالبا ما يكون مخيباً للآمال، فهو لا يمهد الطريق للقاء آخر. فما هي طبيعة مثل هذه المؤتمرات؟ وما هي خطوطها الأساسية؟ وهل هناك نقطة للتلاقي والاتفاق، ومحو أشكال التناحر، والتباغض، والاختلاف، بين الأديان والمعتقدات؟!.
إن حوار الأديان، أو حوار الثقافات، أو حوار الحضارات، وأحياناً الحوار بين الشرق والغرب، كلها ذات دلالة واحدة، وهي تعني اجتماع زعماء العالم، وقادة الفكر السياسي، والديني، وعلماء الأديان، والمعتقدات، على اختلاف انتماءاتهم العرقية، والدينية، والإيديولوجية، للتباحث والتعاون، في إمكانية تحقيق قدر مشترك من التعاون، بين شعوب العالم، وترسيخ السلم، والأمن، على الأرض، ونبذ كل أشكال العنف، والعدائيات، وأسباب التناحر والتباغض.
وتشكل مثل هذه اللقاءات، مناسبة هامة، يتبادل فيها العلماء، الأبحاث، والآراء، ويتناقشون في جو من الحرية، والحوار المثمر، حول موضوعات تقدم الإنسانية، ونشدان الرخاء، ومنع التجاوزات على كرامة الإنسان، وحقوقه، التي أقرتها الشرائع الدينية، والقوانين الوضعية.
معنى ذلك أننا بحاجة إلى قوة معرفية، وليست قوة السلاح، لكي ننتصر في مثل هذه اللقاءات العالمية، بعد أن ثبت للعالم، بأن الحرب لا تقتل عدوا،ً وإنما تقتل الإنسان نفسه، وتدمر حياته، وتلغي دائرة حريته، وسعادته.
ولم تعد ثقافة تمجيد الموت، كتضحية، مقبولة، ولم يعد العالم، يتحمل عدائيات جديدة، أو حرب إبادة، وتطهير عرقي. هذا ما تقوله الأوساط السياسية، والثقافية، في البلدان الأوروبية، وأمريكا. وهم الآن يرفعون شعارا، "بصفتي إنسانا فإن موطني العالم كله".
وإذا قدر لنا، أن نستقبل مثل هذا الشعار، بنوايا طيبة، فإننا بلا شك، نحتاج إلى معرفة أفضل، حول المشاكل التي تعاني منها، مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وبخاصة في هذا الوقت بالذات، حيث ما زالت الحواجز النفسية، بفعل العوامل الدينية، والتاريخية، والسياسية، تمنع قبول الآخر، وترفضه، وتهدد بإلغاء وجوده.
لا بد والحالة هذه، من تبادل معرفي وثيق، بين الحضارات البشرية، بمعزل عن الإنتماء العرقي للقوى المشاركة، في صنع تلك الحضارات. مع التشدد، على ضرورة احترام الخصوصية التاريخية، لكل شعب ميزت تطوره، وقادته إلى بناء دولة، معترف بها عالمياً.
ولن تفلح كل الجهود الرامية، إلى ترسيخ مبدأ شراكة السيادة فوق الأرض إلا إذا تولدت مرحلة جديدة، تفسح المجال أمام جميع الشعوب، للتعبير عن وجودها الحر، وسيادتها الكاملة على أراضيها، وامتلاك مصيرها بيدها، مع المساهمة النشطة، في بناء السلم، والاستقرار في العالم.
وكلنا ثقة، أن تلقى دعوة تكاتف زعماء الدول، وحرصهم على أداء هذه الرسالة الإنسانية، صدى في نفوس الخيرين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لتنتقل هذه الرسالة، إلى الشعوب المتساكنة على ظهر الأرض، فتساهم هي الأخرى، في ترسيخ السلم والإستقرار في العالم، وبناء مجتمع إنساني جديد، تنتفي فيه الحروب، ويضمن للشباب العالمي، أجواء أفضل، من العدالة الاجتماعية، والحرية.
ونؤكد الآن، على ضرورة استمرار اللقاءات الدورية، و الحوار بين رجال الدين، والحضارات المختلفة، وتوسيع دائرة الاهتمام، لتضم أكبر عدد ممكن، من المؤثرين في الأوساط التعليمية، والسياسية، والاجتماعية، والتربوية، وأن يفسح لهم مجال الإطلاع، على إنتاج بعضهم بعضا، ومناقشة أهم القضايا الاجتماعية، والسياسية، والأثرية، ودراسة تطور حركات التحرر في العالم، والمشكلات الرئيسية، التي تعترض طريق السلم والإستقرار. فمثل هذه اللقاءات، والمشاركات، ينتج عنها تبادل الأفكار والمؤلفات، وتعميق صلات التعاون الفكري والثقافي، بين الشعوب المختلفة، من أجل الوصول إلى فهم أفضل، لمشاكل المجتمعات المعاصرة.
وإذا أحسن العلماء، وأخلصوا النية، فلا شك أن يصبح هؤلاء، رسل معرفة، وتبادل خبرات، في مجال التقارب بين الشعوب، والدول، بمعزل عن الأنظمة السياسية، التي تسودها. وسيكون الشرف الرفيع، والدور العظيم في صنع الاستقرار والسلم العالمي، الذي هو أمل الشعوب وغاية تطلعاتها.
وليت أن الزعماء والعلماء، يتجاوزون فكرة رصد الظواهر السياسية، والبحث في مشكلاتها، لأنها لا تكاد تنتهي أبداً، فالتطور الاجتماعي بشموليته، السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والعمرانية، والعسكرية، والإدارية، هي مفاتيح الالتقاء والتعاون، ومحور التوافق والانسجام، بعد أن قضت السياسة على أشكال السلام، والطمأنينة، والتعايش بين الشعوب.
هذه المحاولات التوحيدية، لا تلغي فوارق التحليل، على أساس منهجيات علمية متباينة، بل تشدد على تلك الفوارق، شرط أن يكون هدف التحليل، إبراز دور الإنسان، في صنع تاريخه بنفسه، وإلغاء كل ما يعوق عملية التطور الاجتماعي، من عوامل موضوعية، ناتجة عن صراع الإنسان مع الطبيعة، أو عن استغلال الإنسان للإنسان.
وفي مثل هذه الأجواء العلمية الإنسانية، تغيب الحواجز المصطنعة، بين العلوم الإنسانية، وتترسخ قاعدة "لا وطن للعلم" بحيث يبرز التاريخ الاجتماعي، كعلم شمولي، يضم كل العلوم الإنسانية، ويتجاوزها، لإبراز عملية التطور الاجتماعي، بجميع جوانبها. فتضم الأبحاث، نماذج من مختلف جوانب الحياة البشرية، ونماذج تصف الحضارات، أو علم السياسة، أو علم الشرائع، ونماذج تعالج قضايا المرأة، أو البيئة، أو تاريخ الفكر والمذاهب..الخ. وبهذه الشمولية، يكون الإنسان حقاً، هو مقياس كل شيء في الوجود.
وتدعو الحاجة الآن، إلى الاهتمام بالأجيال الجديدة، من مختلف شعوب العالم، ليتم إعادة النظر في الكتب التاريخية المقررة، في المدارس الثانوية، والجامعات، وضرورة إنقاذ الأجيال، من براثن النظريات العرقية، وإدانة التوجهات العنصرية، والعسكرية، ورفض مبدأ الحرب، كوسيلة لحل المشكلات الدولية المعاصرة، وضرورة تجنيب البشرية، ويلات حرب عالمية محتملة، وتنشئة الأجيال الجديدة، على مبادئ حرية الشعوب، في حق تقرير مصيرها، دون ضغوط، أو تدخل خارجي، في شؤونها الداخلية.

نداء إلى إخواننا الشيعة في اليمن

السيد محمد علي الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم:(ياأيها الذين آمنوا عليکم أنفسکم لا يضرُّکم من ضلَّ إذا أهتديتم إلى الله مرجعکم جميعا فينبئکم بما کنتم تعملون)صدق الله العظيم.

إلى إخواننا الشيعة في القطر اليمني العربيّ الشقيق...

السلام عليکم و رحمة الله و برکاته,

نتابع في المجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان و عن کثب أنباء الصدامات المؤسفة التي تحدث في بلدنا الثاني اليمن بين أبناء الوطن و العرق و الدين الواحد, وإننا في الوقت الذي نتألم کثيراً لذلك و ندعو الباري القدير دوماً أن يسبغ من فيض الطافه على أبناء الشعب اليمني و يضع حدّا لهذا الصراع غير المجدي الدائر بين أبناء الشعب فإننا نرى السيناريو الحالي الذي تتم تأدية أدواره على الساحة اليمنية، لايخدم سوى أجندة و قوى خارجية لاتتربص خيراً باليمن و شعبه، ورغم أننا أکدنا وفي مناسبات کثيرة على تغلغل أيادٍ خارجية(خبيثة)بين الشيعة العرب في مختلف الأقطار العربية وسعيها لاستغلال أوضاع الشيعة ولاسيما الجانب الطائفي من أجل الوصول إلى غايات وأهداف مبيتة لاتخدم لامن قريب ولامن بعيد مصلحة الشيعة العرب ولاحتى تساهم في تحسين أوضاعهم بل انها تساهم في المزيد من تعقيد أوضاعهم وجعلهم يبدون بصورة سلبية في نظر الآخرين.

أيها الإخوان: إن المجلس الإسلاميّ العربيّ الذي يرى في نفسه المرجعية الفکرية ـ السياسية الوحيدة للشيعة العرب، يدعو إخوانه من شيعة اليمن إلى عدم الاقتداء بقوى مشبوهة لاتريد من الأساس خيراً للشيعة و لاتهديهم إلى الطريق القويم ونحثّهم على أن يمحّصوا أي خطوة يقومون بها ويفکروا في أبعادها النهائية حيث يجب عليکم أيها الإخوة أن تفکروا وبعمق في مصلحة شعبکم قبل مصلحة شعوب أخرى تبعد عن بلدکم آلاف الکيلومترات ومطلوب منکم أن ترفعوا من درجة وعيکم إلى مستوى لاتتمکن القوى الخارجية أو المتربصة شراً باليمن بشکل خاص و العرب بشکل عام من استغلالکم لصالح أهدافها الخاصة.

أيها الاخوان الاعزاء:

لقد أوصى الله عزّوجلّ المسلمين في محکم کتابه الکريم أن(لاتلقوا إيديکم إلى التهلکة)، واننا نرى السير في هکذا طريق لا خير فيه ولا مستقبل زاهر من ورائه، سوف لايؤدي في نهاية الأمر إلا إلى نتائج سلبية و غير مرضية, واننا ندعوکم إيها الإخوة أن تکونوا حذرين و في مستوى المسؤوليتين الوطنية و القومية و ان تعملوا وبکل ماأوتيتم من أجل إنهاء هذه الفتنة وإن ثقتنا والله لکبيرة بکم والحمد لله رب العالمين.

محمّد عليّ الحسينيّ

الأمين العام للمجلس الإسلاميّ العربيّ في لبنان

لبنان /بيروت

الثلاثاء :28/7/2009

www.arabicmajlis.org

الأحد، يوليو 26، 2009

سهرتان، وانفجارٌ في فرح دحلان

د. فايز أبو شمالة
أنظر في كومة بطاقات الدعوة لحضور حفل زفاف، واستغرب؛ أين الوقت الكافي لأغطي كل هذه المناسبات، ولاسيما أن قطاع غزة من شماله إلى جنوبه يعيش حالة فرح، ويعج بالسيارات المزينة التي جعلوا منها هودجاً لزفة العروس، أما موعد العرس فيحدده صاحب الصالة التي ستقام فيها السهرة، وليس العروسين، فصالات الأفراح في غزة معدودة، ومحجوزة لأسابيع قادمة. لذا عندما تصل بطاقة الدعوة تكون الفرحة قد اكتملت، ولم يبق إلا تنفيذ البرنامج الذي يشتمل على سهرتين:
أما السهرة الثانية فهي تخص النساء، أو سهرة ليلة العمر كما يسمونها في مصر، فهي تصنع الذاكرة المشتركة للعروسين، وتؤسس للتواصل الإنساني، وفي هذه السهرة يجلس أهل العروسين من الذكور خارج الصالة، ويتركون النسوة لوحدهن، ليظهرن في الصالة بما راق لهن، ويلبسن ما يحلو لهن، ويتنافسن، ويظهرن قدراتهن على الرقص فيما بينهن، والذكر الوحيد الغارق في أحلامه هو العريس، العريس فقط! مع التحذير من التصوير بالجوال داخل الصالة، والناس في غزة تتفهم ذلك في ظل الحصار الصهيوني الذي رفع أسعار كل شيء بما في ذلك سعر الشرف، فقد ربض على أرض غزة، ورفض أن يغير طبعه، فإذا بنساء غزة حجاب، وجلباب، ورحم فلسطينية تُصرُّ على الإنجاب.
أما السهرة الأولى فهي سهرة العريس، وتتم في الشارع العام دون وجود للمرأة، وفيها يستعرض الشباب قدراتهم على القفز، والرقص، والحركة الرياضية، وتنشيط الحنجرة، والمجاملة، والتمني بالعدوى، إنها ليلة لكل الحارة عندما يختلط عرق الرجال بالهواء الطلق، وكأنها إرادة البقاء مع أنغام: على دلعونا، ويا ظريف الطول، وأحياناً أغنية: فتحاوي ما يهاب الموت، أو أغنية: هلا يا صقر القسام، وليس صحيحاً ما يقال: بأن الرجل إذا رقصَ نقصَ، الرجل إذا رقصَ على طريقة غزة المحاصرة اقتنصَ مهارة، وخفة، ورشاقة، وحيوية.
وسط هذا الفرح الفلسطيني دوى الانفجار، لقد كان واضحاً أنه يستهدف حركة حماس قبل عائلة دحلان، إنه انفجار الفتنة، وإظهار عجز حماس عن حفظ الأمن، ولاسيما أن الفرح المستهدف يخص عائلة أحد قيادي حركة فتح البارزين، ومن يقدم على مثل هذا العمل هو جاهل بأصول علاقاتنا العائلية، ونسيجنا الاجتماعي، وهو غرٌ في السياسة، يحركه من له أهداف تخريبية ضد المجتمع، وهذا هو مكمن الخطر، ولاسيما إذا حاول التستر على جريمته بعباءة الدين الإسلامي، ليحلل ما طاب لمذاقه، ويحرم ما لا يتناسب ومقاسه!. فأين هو الحرام في أفراحنا المكشوفة، ومناسباتنا التي يتلصص عليها الطيران الإسرائيلي؟
في سجن نفحة الصحراوي، وبحضور السجين جبر وشاح، أقسم السجين محمد أبو شاويش: أنه إذا عاش، وخرج من السجن فلن يجالس الرجال، فقد ملّ رؤيتهم على مدار الساعة بعد عشر سنوات في السجن، وقال: سأجلس مع الحاجة صفية، وخديجة، وعائشة على باب الدار في معسكر النصيرات، وسأهجر الرجال.
بعد سنوات تحرر من السجن، وزرته في مكان عمله في غزة، فإذا به يجلس وسط عشرة موظفين رجال، ولا يوجد بينهم أي امرأة! . كان ذلك تعبير صادق عن حال غزة التي تحافظ على الأصول، وترفض الاختلاط، وهي تحتمي بدينها، وتصر أن تظل بئر زمزمٍ، وزئير جيلٍ عرمرمٍ، تمسك بيدها بندقية المقاومة، وهي تستعد للمواجهة القادمة.
fshamala@yahoo.com

المصالحة العراقية المستحيلة

نقولا ناصر

(الاعتراف الأميركي باستحالة استقرار الوضع في العراق دون شراكة سياسية مستحيلة بدورها للمقاومة في مشروع الاحتلال هو مشروع أميركي للمصالحة العراقية محكوم عليه بالفشل مسبقا)

تحتل "المصالحة العراقية" الآن البند الأول في جدول الأعمال السياسي لكل أطراف الصراع التاريخي الدائر على أرض الرافدين في الوقت الحاضر، فبينما تسعى القوة الأميركية القائمة بالاحتلال لهذه المصالحة كشرط مسبق لضمان استمرارية النظام السياسي الذي كانت منذ غزو العراق عام 2003 تجهد لإقامته في بغداد حتى يتسنى لها تحرير قواتها لاستخدامها في مسرح العمليات الأفغاني، تسعى القوة الإيرانية -- المستفيدة الأولى حتى الآن من الاحتلال الأميركي -- لمصالحة تضمن أن يستمر هذا النظام نفسه ضامنها لكي تظل هي المستفيد الأول بعد رحيل قوات الاحتلال الأميركي، في الوقت نفسه الذي تجهد المقاومة العراقية من أجل إنجاز مصالحة تكون المدخل إلى وحدة وطنية لا تسرع في تحرير العراق من الاحتلال وكل المستفيدين منه وما تمخض عنه فحسب بل تكون أيضا ضامنا لسلاسة المرحلة الانتقالية التي ستعقب الرحيل المرتقب لقوات الاحتلال ثم بعد ذلك ضامنا لاستقرار النظام الوطني الذي سيحمل أعباء إعادة بناء الدولة العراقية وإعادة إعمار الدمار الشامل الذي خلفه الغزو فالاحتلال والطفيليات السياسية التي جاء بها معه لتمتص نسغ الحياة من الجسد العراقي النازف.

وخلال الأسبوع الماضي كانت "المصالحة" هي العنوان الرئيسي للحراك السياسي لأطراف الصراع الثلاثة، فهي كانت اليافطة التي رفعها الرئيس الأميركي باراك أوباما كهدف لاستقباله نوري المالكي رئيس وزراء النظام المنبثق عن الاحتلال في بغداد، وكانت هي اليافطة للمهمة التي أرسل نائبه جو بايدن لأدائها في العاصمة العراقية أوائل الشهر الجاري، وكان انتداب أوباما لبايدن لإنجاز هذه المهمة تجاوزا لوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ووزير دفاعه روبرت غيتس وسفيره في بغداد كريستوفر هيل، ورفعا لمستواها، عل بايدن ينجح في ما فشلوا فيه جميعا وفشل قبلهم ريان كروكر، سفير سلفه جورج بوش إلى القطر العربي المحتل، بعد ست سنوات من الجهود الحثيثة التي بذلها لتحقيق مصالحة بين الطفيليات السياسية المتكالبة على ما استطاعت نهشه من فتات الاحتلال، تكالبا جامحا لم يكبحه أي رادع حد زج الوطن العراقي المثخن بجراح الاحتلال في فتنة طائفية لم يجد الاحتلال رادعا لها سوى الزج بالمزيد من قواته المحتلة التي فشلت بدورها بدليل ما يخصصه أوباما حاليا من جهد ورجال لإنجاز المهمة.

وبينما كان الرئيس السوري بشار الأسد يحث زعيم التيار الصدري الزائر في دمشق، مقتدى الصدر، على "أهمية العمل من أجل المصالحة الوطنية" ويؤكد "حرص سوريا على دعم أي جهد يستهدف تحقيق هذا الهدف"، حسب بيان من مكتب الرئيس بثته وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، كان رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) علي لاريجاني يحث أحمد الشلبي، رئيس "المؤتمر الوطني العراقي" الزائر في طهران، على "الوحدة بين العراقيين جميعا، وبخاصة بين الشيعة" لأن "الوضع الحساس والخاص للعراق في المرحلة الانتقالية" يجعل هذه الوحدة "أساسية أكثر من أي وقت مضى"، حسب تقرير نشرته "طهران تايمز" يوم الخميس الماضي، وهو تقرير لم يفته الإشارة إلى "حسد" بعض الدول العربية من الدور الإيراني في العراق!

وإذا كان حرص طهران على المصالحة بين "الشيعة" مفهوما في دوافعه وأهدافه، فإن حكمة الدبلوماسية السورية وواقعيتها التي تضطرها لاستقبال الصدر وحثه على المصالحة لا يمكن أن تنخدع بقوله إن حكومة المالكي "ما زالت تحت تأثير المصلحة الحزبية" لتغض الطرف عن كون "تياره" السياسي ما زال محكوما بالسقف الطائفي الحزبي إياه بدليل إعلانه كذلك أنه لا يسعى إلى "إسقاط" حكومة المالكي أو "إضعافها" وبدليل عجزه حتى الآن عن إيجاد أي قاسم مشترك مع المقاومة بالرغم من كل رطانة تياره ضد الاحتلال، ولا يمكن أن تفوتها حقائق مثل دور "جيش المهدي" الذي يقوده في الفتنة الطائفية، ومثل الصراع الدموي بين "التيار الصدري" وبين غيره من القوى الطائفية في إطار "العملية السياسية" وخارجها للفوز بحصة من السلطة التي أنشأها الاحتلال الأميركي، وللفوز بالحظوة لدى طهران باعتبارها القوة "العراقية" الأكثر تأهيلا من غيرها من أطراف الأخطبوط الإيراني في العراق لضمان استمرارية المكانة التي أصبحت لإيران في العراق في ظل الاحتلال الأميركي، ومثل التقلب السياسي الذي يدفع التيار الصدري مثلا للانضمام إلى "الائتلاف الشيعي" ثم الخروج عليه أو للتحالف مثلا مع حزب الدعوة لإيصال المالكي إلى سدة رئاسة الوزراء ثم انقلاب الطرفين على بعضهما، لكن الحقيقة الهامة التي لا تفوت الدبلوماسية السورية بالتأكيد هي التناقض المزمن للتيار الصدري بين المعارضة اللفظية ذات الملامح الإيرانية للاحتلال وبين المقاومة الفعلية للاحتلال على الأرض.

غير أن الحقيقة الأكثر أهمية التي تدركها الدبلوماسية السورية لكنها تختار الاستنكاف عن الجهر بها لأسباب حصيفة معروفة تكمن في أن حرص طهران على المصالحة "بين الشيعة" العراقيين، أو على الأصح بين الأحزاب والمليشيات التي تدعي تمثيلها لهم، هو طريق طائفي مجرب أثبت بالتجربة المرة أنه أولا مستحيل بين الأحزاب التي تدعي منذ الاحتلال تمثيل هذا المذهب العريق في التراث الديني والسياسي العربي، بدليل انفراط الائتلاف الطائفي الذي يحث لاريجاني الآن على إحيائه، وهو ثانيا ليس طريق العراقيين إلى أي وحدة وطنية، بدليل أنهار الدماء العراقية البريئة التي سفكت بسبب السير فيه، وهو ثالثا ليس طريقا لأي مساهمة عربية في إحلال الأمن والاستقرار في العراق بعد أن أحبط جهود جامعة الدول العربية لتحقيق المصالحة بين العراقيين، وهو رابعا الطريق المسؤول عن الفتنة والفرقة والاقتتال الوطني الذي استخدم لتشتيت أي جهد وطني شامل لمقاومة الاحتلال منذ الغزو، والدعاة إلى هذا الطريق والذين سلكوه هم خامسا الوحيدون المستفيدون منه، وهو سادسا طريق مثل الوبأ انحصرت عدواه داخل الحدود العراقية حتى الآن لكنه يهدد بالانتشار إقليميا انتشارا يهدد النسيج الوطني وبالتالي وحدة الأراضي الإقليمية لأقطار التجزئة العربية المجاورة، وهو سابعا الطريق الوحيد للمصالحة الذي تسعى إليه القوتان الأميركية والإيرانية بهدف إطالة أمد الاحتلال لأن أي وكيل للاحتلال بعد رحيله لا يمكن إلا أن يكون طائفيا.

ومن المؤكد أن الدبلوماسية السورية تدرك أكثر من غيرها كل هذه الحقائق وغيرها الكثير، غير أن الوقت ربما يكون قد حان في المرحلة الانتقالية الفاصلة التي يمر العراق بها لافتراق سوري حاسم عن الرؤية الإيرانية والأميركية للمصالحة العراقية، افتراق يستلهم المبادئ القومية لسوريا وقيادتها ويستهدف مصالحة توحد العراقيين وطنيا في مقاومة الاحتلال حتى التحرير، لا السعي وراء سراب توحيدهم طائفيا على أمل توفير استقرار للعملية السياسية الأميركية والنظام المنبثق عنها بهدف إطالة أمد الاحتلال.

ثلاث استنتاجات أميركية

إن الرؤية الأميركية للمصالحة قد توصلت إلى ثلاث استنتاجات رئيسية: أولها أن النظام الذي رعاه الاحتلال حتى الآن في المنطقة الخضراء ببغداد هو نظام طائفي يعجز بحكم طائفية مكوناته السياسية نفسها عن تحقيق أي مصالحة يمكن أن توصف ب"الوطنية".

وثانيها أن مصالح إيران تتناقض مع أي مصالحة وطنية في العراق إلا إذا قبضت الثمن إما شراكة لها مع المصالح الأميركية في العراق وحوله أو وراثة منفردة للاحتلال الأميركي فيه.

وثالثها وأهمها أن المقاومة العراقية حقيقة مادية قائمة على الأرض ترسخت وتنمو يوميا وعجز الاحتلال واذرعه "العراقية" عن دحرها بالرغم من كل محاولات دحرها طوال السنوات الست الماضية وبالتالي لا يمكن دونها أن تتحقق أي مصالحة وطنية عراقية أو يحل أي أمن واستقرار.

ولأن الاحتلال الأميركي يبدو عاجزا عن قطع أذرع الأخطبوط الإيراني في العراق ويبدو عاجزا بقدر أكبر عن قطع دابر المقاومة العراقية فإنه يسعى الآن إلى مصالحة توفق بين إيران وامتداداتها العراقية وبين المقاومة، غير أن هذا مشروع أميركي محكوم عليه بالفشل المسبق، لأن بحرا من الدماء التي سالت في الحرب العراقية الإيرانية وتاريخا من الأطماع الفارسية في العراق وقضايا الحدود التي تفاقمت بالغزو يفصل بين طرفي هذا المشروع، فالمراقب يدرك بأن إيران استثمرت الاحتلال الأميركي لمواصلة حربها على العراق التي توقفت بين البلدبن باتفاق لوقف إطلاق النار عام 1988 لا باتفاق سلام تعذر حينها ومن غير الممكن أن يتحقق الآن بمصالحة بين المقاومة -- وهي الوريث الشرعي للنظام الوطني العراقي الذي خاض تلك الحرب – وبين الجيوش الإيرانية العلنية والسرية التي تصول وتجول تحت المظلة الأميركية في العراق اليوم، ناهيك عن أنهار الدماء التي سالت طوال السنوات الست المنصرمة والتي خطط الاحتلال لسفكها لكنه بذكاء المستعمر التقليدي ترك تنفيذ الجريمة لأطراف "العملية السياسية" وهي دماء لا يمكن للمقاومة غسلها إلا ربما بمحاكمة المسؤولين عنها، لا بالتصالح معهم.

ولهذا السبب شهد المراقبون منذ زيارة بايدن لبغداد أوائل الشهر الجاري مسرحية ما صوره الإعلام الأميركي كخلاف بين الإدارة الأميركية وبين حكومة المالكي وهو لا يعدو كونه اختلافا بينهما حول تكتيكات "فرق تسد" التي يراهما كل طرف منهما مناسبة أكثر لشق صفوف المقاومة عن طريق إغراء هوامشها بالانضمام إلى "عمليتهم السياسية"، حيث قدم أطراف هذه العملية عرضا نموذجيا لمؤهلات العميل المزدوج وهو يحاول ضرب راعييه الأميركي والإيراني أحدهما بالآخر.

فعندما "اقترح" بايدن ضم "بعثيين" إلى العملية السياسية سارع المالكي إلى اعتبار اقتراحه تدخلا في الشؤون الداخلية العراقية التي يحتار المراقب في معرفة أي شأن منها لا يتدخل فيه المحتلون الأميركيون. وعندما تأكد في الأسبوع الماضي توقيع بروتوكول بين الحكومة الأميركية وبين "المجلس السياسي للمقاومة العراقية" طلب وزير خارجية المالكي من الولايات المتحدة وتركيا "توضيحات" بينما اعتبرت حكومته أي اتصالات أميركية كهذه خرقا للاتفاقية الأمنية بين الجانبين. وكان الصوت الإيراني مميزا ومرتفعا في التهديدات التي أطلقها علنا أطراف "عراقية" في العملية السياسية بالتحول إلى "مقاومة" أميركا في العراق إن حاولت أن تفرض من قالت إنهم مارسوا العنف والإرهاب على هذه العملية.

وعلى كل حال فقد تبرأ الجسم الأساسي للمقاومة من أي اتصالات كتلك، فالقيادة العليا للجهاد والتغيير (عزة الدوري) تلخص موقفها في البيان الذي أصدرته قيادة قطر العراق لحزب البعث في السابع عشر من الشهر واعتبر "زيارة بايدن محاولة واضحة لترتيب الأوضاع الداخلية في العراق وتعزيز التفاهم الأميركي – الإيراني وتنظيمه قبل عملية الانسحاب الأميركي من العراق" ودحض التقارير التي تحدثت عن "ضغط بايدن" على المالكي لإنجاز مصالحة مع البعثيين باعتبارها "أخبارا كاذبة" هدفها "تشويه" سمعة الحزب وأعلن " أن البعث لا يلتفت إلى ما يسمونها (المصالحة) ورفضها مرارا وتكرارا وأكد أنه اختار منذ البداية طريق المقاومة المسلحة لطرد الاحتلال ومن جاء بهم لحكم العراق".

بينما تلخص موقف القيادة العليا للجهاد والتغيير (حارث الضاري) بالبيان الذي أصدرته في اليوم نفسه اللجنة الموحدة لفصائل التخويل والذي أكد بأن "طبيعة مرحلة الصراع بيننا وبين العدو المحتل لا تستدعي التفاوض معه بل تتطلب زيادة زخم الضربات لإجباره على الإذعان لشروطنا والانسحاب من أرضنا" بينما اعتبر البيان "العملية السياسية برمتها من حكومة ودستور ومفوضية وما إلى ذلك هي من إفرازات الاحتلال لا نعترف بها ولا نقر بمشروعيتها ونطالب بزوالها مع زوال الاحتلال"، بينما أكدت القيادتان أنهما لم تفاتحا بالأمر، وكانتا قد أوضحتا أنهما ليس ضد التفاوض بشروط المقاومة من حيث المبدأ.

وينسحب موقف القيادتين هذا على مؤتمر للمصالحة ذكرت تقارير إن بايدن ينسق لعقده في واشنطن قبل نهاية العام، وقبل انتخابات "العملية السياسية"، برئاسة أوباما نفسه، تحضره عدة دول عربية، تتوقع الإدارة الأميركية منها استخدام ما لها من نفوذ أو ما تستطيعه من مساع حميدة لإقناع المقاومة العراقية، وبخاصة تلك التي يقودها البعثيون، بإلقاء سلاحها والانضمام إلى العملية السياسية مقابل التصريح للبعث بالعمل كحزب سياسي مشروع ودور في صنع القرار العراقي، وفي هذا السياق ذكر تقرير لأسبوعية "الأهرام ويكلي" هذا الشهر أن بايدن حث المالكي على السماح للبعثيين بإعادة التجمع في حزب جديد يشارك في الانتخابات التي أقر "البرلمان العراقي في الأسبوع الماضي إجراءها أوائل العام المقبل.

حقائق عراقية تنتظر اعترافا عربيا

لكن هذا الاعتراف الأميركي باستحالة استقرار الوضع في العراق دون شراكة سياسية مستحيلة بدورها للمقاومة في مشروع الاحتلال إن كان يحكم مسبقا على المشروع الأميركي للمصالحة بالفشل فإنه من جانب آخر يؤكد مجموعة من الحقائق: أولها أن المصالحة بين القوى الطائفية والعرقية بالمحاصصة بينها قد اثبت فشله، ليستمر حتى الآن ما وصفه مؤخرا إياد علاوي -- الذي دخل التاريخ باعتباره أول رئيس وزراء عراقي تحت الاحتلال -- ب"فراغ السلطة" في بغداد.

وثانيها أن الدولة العراقية التي هدمها الاحتلال قد عجز حتى الآن عن بناء بديل لها ولن تستطيع الحكومات المتصارعة في ظل الاحتلال بناءها، ويستطيع المراقب تعداد أربع منها مثل حكومة الظل الأميركية للاحتلال وحكومة الواجهة العراقية له في المنطقة الخضراء وحكومة دولة القاعدة "الإسلامية" التي تخوض مع كلتا الحكومتين حربا طائفية وحكومة الكرد العرقية المحصورة في الشمال العراقي ناهيك عن حكومات المليشيات الطائفية في الأقاليم.

وهذا يقود إلى الحقيقة الثالثة وهي أن إعادة بناء الدولة العراقية هي مهمة وطنية لم يعد يوجد من هو مؤهل لها غير المقاومة، وهذه بدورها تقود إلى الحقيقة الرابعة وهي أن المقاومة قد فرضت وجودها ممثلا حقيقيا للشعب العراقي بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها، فالاعتراف الأميركي بها سواء المباشر (توقيع بروتوكول مع "المجلس السياسي للمقاومة) أم غير المباشر (المناورات الأميركية لشقها بشرائها سياسيا بعد فشل تجربة "الصحوات" لعزلها عن قاعدتها الشعبية بشراء قادة للصحوات ماليا).

وخامس هذه الحقائق أن المقاومة قد نجحت في ما فشل فيه الاحتلال، فهي توحد صفوف فصائلها بصورة متسارعة في مصالحة وطنية حقيقية لم تعد تتردد في المصارحة في النقد الذاتي لأخطاء الماضي، وكان انضمام اللجنة القيادية للحزب الشيوعي إلى الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية للقيادة العليا للجهاد والتغيير أحدث المؤشرات إلى ذلك، بينما يستمر معسكر الاحتلال وعمليته السياسية في التصدع والتشظي.

أما الحقيقة السادسة فهي نجاح حزب البعث في الخروج كالعنقاء من مجزرة "اجتثاثه" باعتباره المؤسسة الوطنية العراقية الباقية الوحيدة المؤهلة لبناء الوحدة الوطنية والدولة الوطنية القادرتين على إنقاذ وحدة الأراضي الإقليمية للوطن العراقي وإنقاذ العلاقة التاريخية الجيوسياسية للعراق مع أمته العربية والإسلامية، وليس أدل على هذه الحقيقة من الحالة الهستيرية التي أصابت حكومة المالكي نتيجة اعتراف الاحتلال الأميركي بهذه الحقيقة، وهي هستيريا أصابت حكومة البديل الطائفي بالرعب حد أن تحظر زيارة ضريح الرئيس الشهيد صدام حسين في إشارة غنية عن البيان إلى أن إرثه الذي اعتقدت أنها قد دفنته إلى غير رجعة بإعدامه قد انبعث ليقض مضاجعها ومضاجع الاحتلال الذي جاء بها.

بقي أن تعترف الدول العربية بهذه الحقائق لترسيخها بعد أن اعترف الاحتلال الأميركي بها جاهدا للالتفاف عليها بهدف إجهاضها، عل النظام العربي يكفر عن دوره في إيصال الوضع العراقي إلى ما آل إليه، وعسى أن يكون تفاؤل قيادة قطر العراق لحزب البعث في الحادي عشر من الشهر الماضي في محله عندما قالت إن المقاومة العراقية "نجحت في إحداث شرخ في الطوق العربي المفروض حولها ، ورغم انه لم يصل لمستوى الدعم إلا انه رسالة واضحة للجميع بان المقاومة تفرض وجودها عربيا وعالميا مما يفتح المجال أمام تطورات عربية لصالح المقاومة".

*كاتب عرب من فلسطين