السبت، مايو 31، 2008

العماد عون: شُكر إيران على ماذا؟

الياس بجاني
نقلت العديد من المواقع الالكترونية يوم أمس باللغة الانكليزية عن وكالة أنباء مهر الإيرانية وتحت عنوان: " ميشال عون يشيد بالدور البناء الذي تقوم به إيران في لبنان"، الخبر التالي، وقد ترجمناه حرفياً:
("بيروت في 31 أيار 2008/طهران تايمز/أشاد زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون بالدور الإيراني الايجابي والبناء في مساعدة لبنان على حل أزمته. ففي مقابلة له مع مراسل وكالة أنباء مهر من بيروت بالتزامن مع انتخاب ميشال سليمان رئيساً للبنان الأسبوع الماضي قال عون: "من المؤكد انه كان لإيران دور ايجابي وبناء في مساعدة اللبنانيين على تحقيق الوفاق، ونحن نشكر هذا البلد على دوره الايجابي،" وأضاف عون: "عندي رسالة صداقه وأخوة للإيرانيين، وأنا أرى فيهم محبي للبنان". وردا على سؤال حول الشرق الأوسط الجديد المقترح من قبل الولايات المتحدة قال عون: "نحن دائما في الشرق الأوسط الجديد، ولكنه ليس الذي تتحدث عنه دائما وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس")

نعم، نعم، إنه هو العماد ميشال عون بلحمه وشحمه، أنه هو نفسه البطل المغوار الذي حمى حقوق المسيحيين في مؤتمر الدوحة واستردها من مغتصبيها بالكامل.
أطال الله بعمره، وزاده وزنات ونعماً وخيرات، فقد برهن بالفعل عن شجاعة وفروسية في مواقفه الأخيرة، وها هو "يُكمل النقر بالزعرور".

الرجل يعترف بالجميل، ويقدر الفضائل، ولا ينسى تحت أي ظرف من يمد له يد المساعدة في الأوقات الصعبة والحرجة، وخصوصاً إن هي أتت عن طريق دويلة الضاحية الجنوبية العزيزة على قلبه، مروراً بقصر الشعب السوري المشرعة أبوابه "وشبابيكه والطاقات" لاستقباله يوم يقرر دولته زيارة الشام.

والعماد بالطبع مسرور جداً لأن المساعدة الإيرانية هذه عرَّجت بعد الشام على معسكري الإخوان "بني بعث" في بقاعنا الغالي، حلوة وقوسايا، الساهرين بأخوة منقطعة النظير على أمن وسلامة حدودنا، وعلى وحدة المسار والمصير والمقاومة والممانعة، وباقي كل ما في القاموس العكاظي من مفردات تتناسب مع حالنا والواقع الذمي والهرطقي الناخر لعظامنا، والواقع على رؤوسنا والصدور والأكتاف!!

العماد، وإن جاء شكره لإيران متأخراً بعض الشيء، إلا أنه قام بالواجب وأكثر مع الإخوان في عاصمة الأمويين، وهو وبعد عودته من المنفى أعطاهم وعلانية صكوك براءة "بالجملة" من كل الجرائم والاغتيالات وعمليات الخطف والقتل والسرقات والانتهاكات التي ارتكبوها ضد شعبنا طوال حقبة احتلالهم الغاشم لوطننا.

عفواً، عفواً، لم نقصد احتلال، لا نريد إغضاب دولته، فهو وحزب الله سموه في ورقة تفاهمهما "تجربة". (وصفت "ورقة التفاهم" مرحلة الوصاية السورية أي الاحتلال، في القاموس العوني القديم، بـ"التجربة السابقة" التي علقت بها أخطاء وثغر وشوائب)

لم يوضح لنا العماد عون إن كان شكره لإيران هو موقف شخصي، أم أنه جاء نيابة عن اللبنانيين، وعن 80% من المسيحيين الذين لا يزال يصر بأحلامه وأوهامه أنه يمثلهم، كون الأمر مختلف ومتناقض بين الموقفين.

بالواقع كلبنانيين، لا توجد أي فضيلة يمكن أن نشكر إيران "ولاية الفقيه" عليها، فكل أفضالها والعطايا عندنا هي دموية وانتحارية واحتلالية وتخوينية وتمويلية وتهجيرية واستعلائية وتهديد بفقر البطون ونحر الرقاب وقطع الأيدي.

فهل نشكرها على احتلال 40 % من مساحة وطننا بقوة السلاح، وعلى إقامة دويلة لجيشها، (حزب الله) عليها، وعلى تسليح وتمويل واحتضان مرتزقة ومأجورين مكلفين زرع الفتنة وإلارهاب في نفوس أهلنا؟

أو نشكرها على مصادرتها قرار حرب وسلم دولتنا وتقويض مؤسساتها وفرض مبدأ الذمية على كل اللبنانيين، وجر البلد إلى الحلف السوري الإيراني رغماً عن أرادة أهله؟

أم ترى نشكرها على ثقافة الموت والانتحار ورفض الآخر التي تربي عليها الأجيال الواقعة تحت سلطتها ونفوذها؟

أو نشكرها على الحرب المدمرة التي شنتها على إسرائيل سنة 2006 وتسببت بما تسببت به من خسائر وفقدان أرواح؟

أو نشكرها على تهجير أهلنا الأشراف من الجنوب وإجبارهم على اللجوء إلى إسرائيل ونعتهم بالخيانة والعمالة؟

أو نشكرها على احتلالها بيروت ومحاولتها احتلال الجبل، وتطول القائمة وتطول.

لا، لا، نحن لا يحق لنا شكر إيران، وإلا نكون نرتكب الذنوب والخطايا المميتة، بل واجبنا يحتم علينا أن نطالبها بتركنا وشأننا وسحب جيشها وحرسها من عندنا والكف عن التدخل في شؤوننا.

من هنا فشكر العماد للفرس وإدعاء أخوتهم لا يعني السواد الأعظم من اللبنانيين، كما أن شكره لسوريا وتبرئتها من أفعالها الشنيعة طوال فترة احتلالها لوطننا هو عمل مدان ومستنكر، غير أنه غير مستهجن أو مستغرب كون العماد وربعه باتوا يبدلون مواقفهم بالبساطة التي يبدلون فيها ملابسهم.

يقول العماد إن سوريا خرجت من لبنان وبالتالي "لماذا كل ما حدا نضرب كف منتهم سوريا؟".

لو عدنا إلى أقوال الرجل الموثقة قبل عودته من المنفى الباريسي لوجدنا فيها مئات الأقوال المعاكسة والناقضة كلياً لهذا الخطاب العوني "المصلحي" الغافر والنافر.
ففي مقالة كتبها العماد في 2/10/2002 تحت عنوان :"المآثر السورية في لبنان"، قال:"وما أشبه اليوم بالأمس حيث تعود الغوغائية سيدة الموقف ليبرر السوري استمراره باحتلال لبنان. وتعود بي الذاكرة إلى أحداث الحرب الأليمة، إلى بداياتها، إلى شمال لبنان، وبالتحديد إلى بيت ملآت وتلّ عباس ودير عشاش ودير جنين ومنجز ورحبة، حيث قتلت عناصر الصاعقة "الفلسطو-سورية" العشرات من الأهالي والرهبان وحرقت الكنائس وهجّرت القرى. وبعد أن أضرم النظام السوري النار في حجر لبنان وفي بشره، في ظل أجواء إعلامية مشابهة تماماً لما يحاول أن يفعله اليوم، دخل إليه إطفائياً بطلاً لينقذه من نفسه. ليس المهم بالنسبة لنا أن يفتعل النظام السوري الذرائع ليبرّر احتلاله للبنان، ولكن ما لا أستطيع قبوله أن يفرض على اللبنانيين تبنّي جرائمه، ويجعل من نفسه قاضياً فيها. جرائم ضد الانسانية لا تسقط مسؤوليتها مع مرور الزمن."
اضغط هنا لقراءة مقالة العماد كاملة http://www.10452lccc.com/general%20aoun/aoun2.10.02.pdf

من المحزن والمؤسف أن مصداقية العماد عون لم تعد قابلة للصرف، وهي أمست تُزايد في سطحيتها والتهويل على مدرستي أحمد سعيد والصحاف.

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

تورنتو/كندا في 1 حزيران 2008
عنوان الكاتب البريدي phoenicia@hotmail.com

في أسفل الخبر موضوع مقالتنا الذي نشرته طهران تايمز باللغة الإنكليزية:

Michel Aoun praises Iran’s constructive role in Lebanon
Tehran Times Political Desk/31/05/08
TEHRAN – Lebanon’s Free Patriotic Movement leader Michel Aoun has praised Iran for its “positive and constructive role” in helping resolve the Lebanon crisis.
“Iran surely had a positive and constructive role in helping Lebanese to achieve an accord and we thanked this country for this positive role,” Aoun told.
He made the remarks in an interview with the Mehr News Agency reporter in Beirut concurrent with the election of Michel Suleiman as Lebanon’s president last week.
Aoun said, “I have a message of friendship and brotherhood for Iranians and I see them as Lebanon lovers.”
Under Arab League auspices, rival Lebanese leaders clinched a deal in the Qatari capital Doha to end the political feud between government and the Hezbollah-led opposition.
Under the Doha agreement, which defused a crisis that had caused the worst civil strife since Lebanon’s 1975-1990 war, Lebanon’s parliament on Sunday elected army chief Michel Sleiman as new president.
Aoun, who also heads the Change and Reform Bloc, expressed hope that the election of Michel Suleiman would help end the crisis and open a “new era in Lebanon”.
He called on all “foreign friends and parties” to respect Lebanon’s “independence and sovereignty” and avoid blocking efforts to resolve the problems.
Aoun also advised Lebanese to make decisions “independently and in line with their national interests”.
Asked about a new Middle East proposed by the U.S., he said, “We are always in the new Middle East, but not the one (U.S. Secretary of State Condoleezza) Rice talks about.

الخميس، مايو 29، 2008

المفاوضات السورية والفلسطينية مع إسرائيل

صبحي غندور
تتواصل الرعاية التركية لمفاوضات غير مباشرة تحدث الآن بين سوريا وإسرائيل، في ظل حالة تأزم سياسي مستمر بين دمشق وواشنطن، التي كانت قد رعت في عهد كلينتون المفاوضات بين الطرفين بعد مؤتمر مدريد الذي دعت اليه إدارة جورج بوش الأب في نهاية العام 1991.
ولقد ظهر واضحاً، في مؤتمر مدريد وبعده، مدى صلابة المفاوض السوري ورفضه للتنازلات، بالإصرار على الانسحاب الشامل من هضبة الجولان المحتلة والإصرار على أولوية استرجاع كل الأرض السورية المحتلة مقابل السلام المطلوب مع إسرائيل.
وكانت هضبة الجولان تعني للإسرائيليين في الماضي موقعاً استراتيجياً عسكرياً لا يجوز التخلي عنه لأسباب أمنية، لكن تطور أنواع الأسلحة والأساليب التقنية المستخدمة الآن عبر الأقمار الصناعية، ووجود حجم كبير من الصواريخ الهجومية والدفاعية المتنوعة في إسرائيل، كشفا حقيقة الأهمية الاستراتيجية الأخرى للجولان لدى إسرائيل حيث تسيطر الهضبة على ربع مصادر المياه المستخدمة في الكيان الإسرائيلي. فأصبح الانسحاب الإسرائيلي من الجولان ممكناً بقدر ما تضمن إسرائيل فيه حق سيطرتها على مياهه، وليس بمقدار تواجدها العسكري على أرضه، خاصة إذا حصل الاتفاق على أسس شبيهة باتفاقيات كامب دافيد التي ضمنت لمصر استعادة الأرض (سيناء) مقابل السلام الكامل مع إسرائيل.
إذن، هي مفاوضات صعبة على المسار السوري وهي تتمّ مع طرف صلب في مواقفه، لكنّها أيضاً مفاوضات على قضية ليست معقدة، لأنّها سهلة التحديد من حيث ماهية "الأرض" مقابل ماهية "السلام".

أمّا في المسار الفلسطيني، فالوضع الآن معاكس تماماً، إذ أنّ الطرف الفلسطيني المفاوض "سهل التعامل" لكن القضية التي يفاوض بشأنها "معقدة جداً". ولقد ظهر في السنوات الماضية – منذ توقيع اتفاق أوسلو- كيف تجاوبت رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية مع المطالب الأميركية والإسرائيلية بسهولة ممّا أدّى إلى وجود السلطة الفلسطينية الراهنة على "أرض" غير محدّدة بعدُ نهائياً، مقابل تسليم بسلام كامل مع مغتصب هذه الأرض ودون أيّة ضمانات أيضاً لمستقبل استقلالية "الدولة" التي ستحكم هذه "الأرض" أو "الشعب" المشرّد بغالبيته خارج هذه الأرض. فعناصر الوطن الفلسطيني (أرض – شعب- دولة) ما زالت كلّها غير محدّدة أميركياً وإسرائيلياً، بينما مضمون "السلام" الإسرائيلي المطلوب تحدَّد وتحقَّق، وتحرص السلطة الفلسطينية على تنفيذه، في ظل حسم أميركي/إسرائيلي ليهودية دولة إسرائيل!.

ولعلّها مقارنة موضوعية الآن أن تُرى المفاوضات العربية الجارية مع إسرائيل كالآتي:
· على المسار السوري: مفاوضات صعبة بوساطة تركية مع طرف عربي صلب لكن على قضية غير معقّدة (تحديداً أرض الجولان)، ومن السهل الاتفاق بشأنها بين الأطراف المعنية، خاصة أن أكثر من ثمانين بالمائة من القضايا قد جرى التفاهم عليها في المفاوضات السابقة تحت الرعاية الأميركية.
· على المسار الفلسطيني: مفاوضات متواصلة برعاية أميركية مع طرف عربي مُسهِّل للأمور ويحمل صفة التمثيل للشعب الفلسطيني، على قضية معقّدة جداً وترمز إلى كل الصراع العربي/الصهيوني منذ مطلع القرن العشرين.
***
إنّ الموقف الرسمي السوري استمرّ على صلابته منذ مؤتمر مدريد، وحرصت القيادة السورية أيضاً على عدم القبول بأيّة اتفاقيات مرحلية على المسار السوري أو منفصلة عن مصير الجبهة اللبنانية، ممّا أدى إلى تسليم إسرائيلي بمقولتين:
- الأولى: ضرورة التوصّل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل على كلِّ شيء (أي مضمون مقولة "الأرض مقابل السلام") أو لا اتفاق على أيِّ شيء.
- الثانية: أنّ مصير التسوية الإسرائيلية مع لبنان سيكون مرتبطاً بنتائج المفاوضات على المسار السوري، وبأنّ الاتفاق مع سوريا هو المدخل أيضاً لإتفاق تسوية نهائية على الحدود اللبنانية يسترجع فيه لبنان مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتنتفي بعده الحاجة لوجود سلاح المقاومة.
إنّ الاتفاق الإسرائيلي مع سوريا هو – كما قال باراك في نهاية حقبة المفاوضات بالتسعينات- مفتاح الاتفاق مع كل الدول العربية والمدخل للعلاقات الإسرائيلية مع كامل المنطقة العربية. فقوّة الموقف السوري تنبع من أنّ الاتفاق مع سوريا هو بوّابة لمفهوم "التسوية الشاملة" على الجبهات المجاورة لإسرائيل وللعلاقة مع دول المنطقة العربية.
وإضافة للأبعاد السياسية والاقتصادية في قوّة الموقف السوري التفاوضي، فإنّ الموقف السوري من الناحية الأمنية يستند إلى قوّة التحالف مع إيران وحركتي المقاومة في لبنان وفلسطين.
أيضاً، سوريا تفاوض الآن دون اعتراضات عربية ودولية، بل تدعمها في هذه المفاوضات غالبية الحكومات العربية والقوى الدولية الفاعلة.
أمّا المفاوضات على المسار الفلسطيني، فقد انتقل مسار التفاوض فيها من وفد مشترك مع الوفد الأردني عقب مؤتمر مدريد عام 1991 إلى مفاوضات سرّية في أوسلو عام 1993، تمّت حتى بلا علم الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، الذي كان يرأسه آنذاك المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، وطبعاً من دون تنسيق مع أي طرف فلسطيني آخر، ودون توافق أو تشاور مع أيّة جهة عربية أخرى مفاوضة.
ورغم مضي حوالي خمس عشرة سنة على اتفاق أوسلو، وانتهاء العديد من المهل الزمنية المتفّق عليها، فإنّ الطرف الفلسطيني المفاوض ينتقل من مهلة زمنية لأخرى، ومن اتفاق "مبادئ" إلى اتفاق "مبادئ" آخر.. فتحصل البدايات ولا تُنفَّذ النهايات، وتسود "الوقائع" الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية!

لقد كان مؤتمر مدريد عام 1991 آخر أشكال التواجد العربي المشترك في مفاوضات واحدة مع إسرائيل، كما كان آخر أشكال المشاركة الدولية الفعّالة في مرجعية الاتفاقيات، حيث انتقلت المفاوضات بعد مدريد إلى الرعاية الأميركية الكاملة، وإلى المسارات المنفصلة، بل والمتنافسة أحياناً!

أسئلة كبيرة تحيط حالياً بمناخ المفاوضات الدائرة، لكن هناك صعوبة حتى الآن في توصّل المفاوضات السورية/الإسرائيلية إلى نتائج عملية سريعة، مع أنّه لو يتمّ التوصّل إلى اتفاق ونتائج عملية ستشهد المنطقة العربية مرحلة جديدة تماماً تختلف في طبيعتها عمّا كانت عليه طيلة السنوات الماضية.
يبقى مصير المسار الفلسطيني مجهولاً طالما أنّه يعتمد حصراً على "راعٍ أميركي" ينأى الآن بعيداً عنه معظم "قطيعه" في المنطقة، حتى "كلبه الوفي" يبحث هو الآخر عن أمنه الخاص!!.

الأربعاء، مايو 28، 2008

إخوة يوسف.. لا اخوة »الإسلام«


سعيد الحمد
لا اعتراض لدينا ونحن نقرأ سيرة الإخوان المسلمين ان يتحالفوا سياسيا مع الملك فاروق وان يسيروا في ركبه فهذا خيارهم وهذا قرارهم، ولكننا سنكتشف من خلال الوقائع المرصودة والموثقة انهم كانوا يخدعون وكانوا يخونون حليفهم الملك بل كانوا يخططون للتآمر عليه والاطاحة به. لا نقول هنا كلاماً سردياً وانشائياً خيالياً، ولكنها حقائق البحوث والدراسات والتواريخ والارقام التي تثبت ان »اخوة يوسف« لا »اخوة الاسلام« لا امان لهم.
في نهاية الثلاثينات يلتقي امامهم حسن البنا بالملك فاروق في سيدي جابر بالإسكندرية وسط تظاهرة اخوانية حاشدة تهتف باسم الملك وليؤكد البنا على »امل الإخوان المسلمين في جلالة الملك المسلم«.
هذا ما تناقلته الصحف وما زال موثقا ومسجلا بالتفاصيل الدقيقة لمن يريد الاطلاع على المزيد.. ولكن نفس الصحف والمجلات ونفس الوثائق تكشف بعد سنوات قليلة وخلال ذروة تحالف الإخوان مع القصر عن اكتشاف السلطات الملكية »معسكرا سريا للتدريب العسكري في جبل المقطم تابعا للإخوان المسلمين ويضم مخزنا كبيرا للاسلحة والذخيرة الثقيلة والمتطورة« فانتبهت السلطات وانتبه القصر لخطورة الموقف وبدأوا يرصدون حليفهم الإخواني. وفي فبراير ٨٤٩١ اشترك الإخوان المسلمين في عملية اغتيال الامام يحيى ملك اليمن، وهو الحدث الذي هز عرش الملك فاروق مدركا ان نمو الجماعة قد صاحبه نمو جهازها العسكري.
فاذا كان »اخوة يوسف« لا »اخوة الاسلام« يخططون في الاربعينات من القرن المنصرم للانقلاب على حليفم الكبير »الملك فاروق« فماذا نتوقع منهم.. كيف نصِف سياسيا واجتماعيا مؤامراتهم.. وكيف نفهم تحالفاتهم التي يظهرون فيها خلاف ما يبطنون؟؟ هل هي انتهازية ووصولية؟ ام هي مشروع خاص بهم كان وما زال مستمرا بذات الاسلوب وبذات الطريقة »التقية السياسية« واظهار خلاف ما يخططون وخلاف ما يفكرون..
الم يغدروا بالسادات بعدها بسنوات عديدة وهو الذي فتح لهم الابواب وقربهم ومكنهم حتى تمكنوا منه، ولعلنا نستذكر هنا ما فعلوه بالمملكة العربية السعودية وهي التي احتضنت جماعاتهم في زمن اطلقوا عليه »المحنة الكبرى« وأنفقت عليهم الملايين وقربتهم وآمنتهم من جوع ومن خوف فاستلموا الوظائف العليا والمراكز المهمة في التعليم وفي غيرها من المؤسسات.. فماذا كانت النتيجة التي اختصرها وزير الداخلية السعودية سمو الامير نايف بن عبدالعزيز حين قال لجريدة السياسة الكويتية في ٣٢/ ١١/ ٢٠٠٢ »جماعة الإخوان المسلمين هم اساس البلاء في العالم العربي«.
ونعود الى الوراء قليلا في نهاية الاربعينات فبعد اغتيال سليم زكي مدير امن القاهرة آنذاك، واغتيال رئيس محكمة الاستئناف برصاص الإخوان المسلمين كما تذكر الوثائق الرسمية والشعبية والتاريخية تنفجر عشرات القنابل الإخوانية في مباني القاهرة ومدينة الاسكندرية وفي نفس العام ضبطت السلطات البوليسية سيارة عسكرية تابعة للاخوان المسلمين تحمل بداخلها كافة الوثائق التنظيمية للجهاز العسكري الخاص الذي كان يخطط للانقلاب على الملك الحليف فاروق.. فهل تريدون المزيد من شواهد الخطر المسكوت عنه لدى »اخوة يوسف« لا »اخوة الاسلام« انه التاريخ يا سادة فهل يعتبر المعتبرون؟؟
وما قدمناه هنا مجرد عناوين سريعة تكفي لإعادة طرح السؤال حول طبيعة واسلوب هذا التنظيم السري الذي يعلن خلاف ما يبطن والذي يعمل وفق اجندة اسلاموية خاصة به من اجل انجازها وتحقيقها ينكل ويغدر اول ما يغدر بحلفائه وبمن اولوه ثقتهم.. فهل يعتبر المعتبرون؟ وهل يعودون للتاريخ القريب لقراءة سيرة خطر »اخوة يوسف« لا »اخوة الاسلام« كما يدعون؟؟

سعيد الحمد
كاتب واعلامي من البحرين
يمكن الاتسال به عبر البريد الالكتروني التالي
:

الله معك يا سنيورة

سعيد علم الدين
الله معك يا سنيورة يا عطرَ رفيقِ الورد !
ومع فخامة الرئيس سليمان واحرار الوطن يدا بيد ، ستعيدان حتما لبلاد الأرز : السيادة الكاملة، والديمقراطية الصحيحة، والاستقلال الناجز، والأمن والازدهار، والأمل المفعمِ للأجيال الصاعدةِ بالسلام والاستقرار في لبنان، لبناء المستقبل المشرقِ بشمس شباب الغد.
لقد أصابت قوى 14 آذار باختيار دولة الرئيس السنيورة لرئاسة الحكومة في المرحلة الحالية. وهو الذي قطع كل المراحل المتفجرة الأليمة خلال السنوات الثلاث المنصرمة بتفوق لافت للنظر وامتياز وبدرجة ممتاز وبشهادة اللبنانيين والعرب والعالم وبتصفيق حاد وهتاف عفوي حار عبرت عنه منذ ايام في الوسط التجاري الحشود .
الله معك يا بطل السراي والممانعة والشهامةِ والصمود!
ورئيس حكومة الشهيد بيار وشهداءُ انتفاضة الاستقلال والجيش وكل شهداء وطن المجد والخلود!
يا قلب أبيض طيب ساكن في كل القلوب!
يا منقذ لبنان بشجاعة واصرار من براثن الذئاب واللصوص والوحوش والأفاعي والأسد الحقود!
يا ابن صيدا وصور وزحلة والباروك ، وجبيل وطرابلس وبعلبك وبيروت ، يا ابن كل شعب لبنان المنكوب والمنهك من تكرار المآسي وافتعال الحروب!
الله معك يا بطل المقاومة السياسية والنقاط السبع وعودة السيادة اللبنانية براية جيشنا الباسل والعَلمِ المرفوعِ الى ارض الجنوب.
ليس انتقاصا من الزعيم الوطني الشيخ الشامخ سعد الحريري، فهو قدها وقدود، ولكن المرحلة الحالية المأزومة التي يمر بها لبنان تتطلب المتابعة من رجل المرحلة التي تحولت الى مراحل، الأستاذ فؤاد السنيورة. عدا ان استعداد الحريري للتحضير للانتخابات المقبلة اهم بكثير من حرق اصابعه في نار هذه الازمة المفتعلة وبنار المحور الايراني السوري تحت الرماد مشتعلة. وشاهدنا ما حدث بعد خطاب نصر الله! ولن يستتب الاستقرار وتفرض الدولة هيبتها على المواطن وسيادتها على الوطن، الا بنزع كل السلاح المخرب والموجه لصدور الأبرياء من ايدي الميليشيات والناس جميعا وفي مقدمتها حزب الله.

المقاومة لا تنظر إجماعا وطنياً ولا شعبياً

راسم عبيدات
....... كلمة سماحة الشيخ حسن نصر الله في ذكرى التحرير،كانت مليئة بالدروس والعبر والمعاني،حيث أكد على أن هذا التحرير كان انتصاراً لكل اللبنانيين،وكذلك اتفاق الدوحة أيضاً كان انتصاراً لكل اللبنانيين وانتشالاً لهم من براثين حرب أهلية وطائفية ومذهبية،أراد لها البعض تدمير لبنان،وأخذه الى حيث يجب أن لا يكون لبنان،في تضاد مع حركة الشعوب والمقاومة العربية والإسلامية، وفي صف القوى المعادية، وقال عندما يقع الاحتلال على بلد فالمقاومة في ذلك البلد ،لا تحتاج الى إذن وتصريح من أحد،فهي تمتشق السلاح وتمضي من أجل التحرير، وهذا السلاح هو الذي حرر لبنان وطرد المحتل، وليس قرارات هيئة الأمم التي رفضت إسرائيل تطبيقها،أكثر من عشرين عام، وهذا السلاح هو الذي سيحرر الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي،والذي لولاه لما تمتع أي منهم بالحرية،فالعدو لا يؤمن إلا بلغة القوة والغطرسة، وها هم الأسرى الفلسطينيون،أكثر من 80 أسير منهم قضى عشرين عاماً فما فوق في سجون الاحتلال، ومفاوضات مارثونية وعبثية زادت عن خمسة عشر عاماً،لم تحرر أي منهم ومن غير المتوقع أن تحرر أي منهم، ولا يتوقع لهم التحرر والتحرير إلا من خلال صفقة التبادل المتوقعة مع حماس وحزب الله.
وسماحة الشيخ حسن نصر الله أكد على ،أن الشعوب التي تريد أن تستعيد حقوقها وحريتها،عليها أن تمارس المقاومة والنضال،فالتاريخ لم يعرف شعوباً نالت حريتها بالتذلل والاستعطاف والاستجداء،والمخرج الوحيد لذلك،هو المقاومة نهجاً وثقافة وإرادة وفعل،كما أن سماحته أزال اللبس والغموض ومحاولات بعض المتصيدين التشكيك في موقف الحزب من القضية العراقية،عندما أكد على انحياز الحزب ووقوفه ودعمه للمقاومة العراقية في تصديها ومقاومتها للمحتل الأمريكي، وهذا الموقف تمليه قناعات عقائدية وفكرية وسياسية وواقعية ..الخ. وسماحته أكد على أهمية امتلاك عامل الإرادة في الصمود والدفاع، حيث أشار الى نجاح تلك الإستراتيجية في لبنان وغزة،رغم الاختلال الكبير في الإمكانيات وموازين القوى التسليحية والعسكرية والاقتصادية والدعم والإسناد الدولي،ورغم أهمية وقيمة هذه العوامل في الصراع،إلا أن الأهم من ذلك هو الإرادة والتصميم والقرار بالمواجهة والصمود والاستعداد للتضحية ودفع الثمن،وشدد سماحة الشيخ حسن نصر الله في الموقف من السلطة،على أنه رغم الانتصارات التي حققها حزب الله،والتي تؤهله للمطالبة بالسلطة أو تقاسمها مع الآخرين،على أن الحزب ليس من طلاب السلطة والسيطرة على لبنان أو فرض فكره ومعتقداته ومشروعه على اللبنانيين،وولاية الفقيه التي يؤمن بها الحزب،تقول بأن لبنان بلد متنوع ويجب المحافظة عليه، وأن مطالب الحزب السياسية قبل مرحلة الحسم العسكري،هي نفسها ما بعد مرحلة الحسم،بل وحرص سماحته على القول بأن الحزب سيعمل على أن يكون هناك أوسع تمثيل في الحكومة للمعارضة ومن حصة وسهم حزب الله في الحكومة،وهذا يدلل على أن الحزب لم يقم بالحسم العسكري من أجل حكم لبنان أو الاستئثار بالسلطة،كما حاولت بعض الإطراف اللبنانية والإقليمية والدولية الترويج لذلك،بل ما أقدمت عليه قوى الموالاة من اتخاذ قرارات غير شرعية،تصيب سلاح المقاومة في الصميم،هي التي دفعته لهذا العمل،هذا العمل الذي جعل اتفاق الدوحة ممكناً ومهد لحل مشكلة الاستعصاء اللبناني القائمة منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً،وشدد سماحته على أن سلاح المقاومة لن يستخدم من أجل تحقيق أية أهداف أو مكاسب سياسية داخلية، وهذا سلاح هدفه الدفاع عن لبنان وعن المقاومة في وجه الأعداء،وبالمقابل أكد على أنه لا يجوز استخدام سلاح الدولة من أجل تصفية الحسابات مع فريق معارض،أو يستخدم لخدمة مشاريع وأجندات خارجية،هدفها إضعاف قوة ومنعة لبنان في مواجهة إسرائيل،أو استخدام هذا السلاح ضد قوى المقاومة،وشدد على أن المدخل الصحيح في لبنان لبناء الدولة،وإعادة تكوين السلطة والحكومة ومؤسساتها هو قانون الانتخاب،أما عندما يريد البعض تفصيل قانون انتخابي وفق مقاساته وحساباته الشخصية والحزبية والزعاماتية والطائفية،فهو لا يريد بناء لبنان ولا يريد له الخير والوحدة والسلم الأهلي،بل يريد تكريس الانقسام وتعميق المذهبية والطائفية، وحول حكومة الوحدة الوطنية ، أكد سماحته على أن المشاركة الحقيقية للمعارضة مع الموالاة في هذه الحكومة،ليس انتصاراً للمعارضة على الموالاة،بل انتصاراً للبنان كل لبنان،وانتصاراً للشعب اللبناني وانتصاراً للعيش المشترك ومشروع الدولة، وقال كما كان انتصار آيار /2000 انتصارا لكل اللبنانيين،وليس لفئة أو طائفة أو لحزب أو تيار سياسي دون غيره،كذلك هو اتفاق الدوحة ،والذي أبعد شبح الحرب الأهلية عن اللبنانيين،ومنع محاولة جر لبنان الى الخانة والمكانة الخاطئة،من قبل بعض أطراف الموالاة،تنفيذاً وخدمة لأجندات البعض في إخراج لبنان من دائرة المقاومة،الى دائرة التدويل والخضوع الكامل لقرارات "ولش وكوشنير" وغيرهم من السفارات الغربية في لبنان،أما حول انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية،فاعتبر ذلك تجديد لأمل اللبنانيين جميعاً بعهد جديد وبداية جديدة، وهذا ما تم تلمسه من خلال خطاب القسم التوافقي الذي ألقاه في مراسيم التنصيب للرئاسة، والشيخ حسن نصر الله لم يفته الإشادة بكل القوى والقيادات الدينية والفكرية والسياسية في العالم العربي والإسلامي، والتي لعبت دوراً بارزا في مواقفها الشجاعة والجريئة في تعطيل المشروع الأمريكي والذي يحاول تصوير الصراع السياسي في أي مكان على أنه صراع مذهبي.
إن ما أكد عليه سماحة الشيخ حسن نصر الله من معاني ودروس وعبر في كلمته بذكرى التحرير،علينا أن نتمثل الكثير منها،نحن الفلسطينيون،بأنه مهما اختلفنا فأن ما يجمعنا ويوحدنا أكبر من كل الخلافات والانقسامات،وأنه من أجل التصدي ومواجهة العدوان،لا بديل عن وحدتنا ،فهي التي توصلنا الى أهدافنا في الحرية والاستقلال،كما علينا أن نقوم بمراجعة جادة ومسؤولة لكل نهج التفاوض هذا،هذا التفاوض العبثي والمارثوني،الذي لن يقربنا لا من أحلامنا ولا من حقوقنا بوصة واحدة،بل نهج مدمر ويعمق من انقسامنا وضعفنا وتفرقنا،ويستخدمه أعداءنا من أجل فرض الحقائق والوقائع على الأرض،فحتى في أبسط الأمور الحياتية والإنسانية،لم يحقق هذا النهج أية نتائج ملموسة،فكيف في الحقوق الوطنية والسياسية؟،وكما قال سماحته من أجل أن نستعيد حقوقنا ونحرر أرضنا ،فإنه لا بديل عن المقاومة بكل أشكالها، وغرس نهجها ومفاهيمها في عمق وجداننا وذاكرتنا، لا تعميق ثقافة الهزيمة والاستسلام والاستجداء،فهي لن تقربنا ولن توصلنا الى حقنا في العودة والحرية والدولة المستقلة بوصة واحدة.

الثلاثاء، مايو 27، 2008

المغترون وقانون الانتخاب

لاحظ س. حداد
إن توافق السياسيين على قانون انتخاب يمثل خطوةً إلى الأمام في حل أحد مستعصيات الأزمة اللبنانية لكنّ، إذا ما كانت نتائجه تثبيت الحكم الطوائفي، فإنه سيأسس لمرحلة جديدة من التأزّم قد تفجّر البلاد مجدداً.. وللخروج من باب هذا المستقبل المظلم يتوجب التمسك بنصوص مقدمة الدستور وإشراك جميع اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، الذين لا زالت أسماؤهم مدرجة في لوائح الشطب الانتخابية..
إن مشاركة المغتربين في الانتخابات التشريعية والقانونية، على أنواعها، هو حق دستوري أكّده الدستور اللبناني ولا يجوز استبعادهم وإلغاء دورهم في التعبير وإبداء رأيهم الحر في اختيار ممثليهم لإدارة شئون البلاد التي ينتمون إليها.. ولم يعد مقبولاً استعمالهم كأفواجٍ سياحية أو أرقامٍ استثمارية أو حتى عناوينَ نوستالجية..
إن رفض مشاركة المغتربين تحت شعارات وهمية تعتمد مقولة التسبب بِ " خلل في التوازن الطائفي " لم تعد تبرر هذا الرفض إذ أن اللبنانيين في الاغتراب باتوا، بعد الهجرات القسرية التي فُرِضَت عليهم بسبب الحروب، يشكلون أقليات لبنانية من جميع طوائف لبنان ولم تعد تقتصر على فئة واحدة..
من الملاحظ والموثوق به ان المغتربين، على تعدد انتماءاتهم الطائفية، أضحوا أبعد ما يكون عن الطائفية البغيضة التي أدركوا أنها السبب الرئيسي في هجرتهم عن الوطن وبالتالي أمسوا اليوم أكثر وأشد رغبة في الابتعاد عن هذه الطائفية والسير قُدُماً في مشروع إلغائها نهائياً من النظام السياسي في الوطن..

منافع مشاركة المغتربين في الانتخابات في المستوى الشعبي وفي الحقل السياسي:
* إن اشتراك المغتربين في الانتخابات سوف يشجع المقيمين على التخلي عن الطائفية والاندماج بفاعلية أكبر في مشروع إلغائها من النفوس إلتماساً لإلغائها من النصوص..
* مشاركة المغتربين، بحسب لوائح الشطب المعمول بها قانوناً، سوف يساعد في إستدراج العديد من ذوي والرغبة في التغيير لنسق السياسة القائم حالياً المُقعِد لكل تقدم وتطوير بسبب الانتماءات الحزبية والعشائرية والطائفية على حدٍ سواء.. وبالتالي ينتج جيلاً جديداً من القادة السياسيين الذين يصبون إلى تثبيت أركان الدولة وتطوير نظامها باتجاه الديمقراطية الحقيقية والتخلي تدريجياً عن تلك المدعوة توافقية..
* المغتربون يرفضون ما أفتى به بعض السياسيين من تخصيص عدد من ممثلين لهم في الندوة النيابية ويفضلون المشاركة المباشرة في اختيار نوابهم من مجموع المرشَّحين بحسب النظام القائم حالياً لأن مشاركتهم ستُعيد انتمائهم إلى الوطن بنفحِ ما اكتسبوه من حرية الاختيار في مغترباتهم فيقرروا من هم أؤلئك النواب الذين يعملون للوطن ويختارونهم دون سواهم..
انطلاقاً من هنا،
لن يقتصر دور المغترب اللبناني على المشاركة في الانتخابات التشريعية بل سوف يُفترض الأخذ برأيه، الحر وغير المتئِك على القيادات والزعامات السياسية المحلية، في الأمور الوطنية المصيرية وسوف يكون فاعلاً ومؤثراً في بلورة الصورة النهائية للنظام الذي يريد اللبنانيون العيش في ظله وليس ذاك الذي يريدونه له..
إن تحرر المغترب من عقد النقص السياسي لدى المسئولين السياسيين سوف يؤدي بكل تأكيد إلى تراجع هؤلاء السياسيين عن نهج التسلّط، بواسطة المذهب أو الطائفة أو العشائري أو حتى عن إغراءات المال السياسي والمراكز التي، في الطلق، لا تعنيه ولا تغريه..
إن رأي المغترب اللبناني في شكل ونوع النظام السياسي، سوف يدفع بالمسئولين عن إدارة البلاد الكثر من التأنّي في اتخاذ القرارات غير الصائبة، كما سيفرض اعتماد العلم والخبرة والمعرفة التي يتمتع بها العديدون من شباب لبنان، من غير ورثة طاقم السياسيين الحاليين واستطرادا إلى اختيار بعض هؤلاء لتطوير العمل السياسي العام ووضعه في سكة حديدية تقود البلاد تدريجياً إلى التصفية من أدران الحروب ورجالها وتمنع عليهم قطعاً أية منادات أو دعوات إليها..

في هذا، نرى خروجاً تدريجيا عن النهج المتبّع حالياً، لاستقطاب الشارع المذهبي والطائفي تمكيناً للسيطرة على البلاد، الذهاب بالشعب في دروب الحرية الحقيقية لاختيار ممثليه الفعليين إلى الندوة النيابية الذين يمتثلون للقانون الديمقراطي الذي تبسطه إرادة الشعب وليس أية إرادة خارجية، أقليمية أو دولية وهكذا ينهض لبنان ويعود إلى أهله ويعود أبناؤه إليه ويتساوون في الحقوق والواجبات، ويصبح بالفعل أكبر من دولة بل رسالة سلام كونية..

صانك الله لبنان
التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا

احذروا : سفاح يتجول في طرق غزة..!

محمد داود
أطفال بعمر الزهور يتحركون ببراءة وعفوية تقطعت بهم السبل، رغم المآخذ التي تنادي على أنهم عماد وديمومة المجتمع وتطوره راهناً ومستقبلاً. فالخاسر في أي حرب أو صراع هم الأطفال، وهذا ما ينطبق على قطاع غزة، نتيجة التصعيد الإسرائيلي وجرائم الحرب التي يقترفها من حصار جائر واستهداف مباشر بالقذائف المدفعية والصاروخية التي طالت العديد من الأطفال منذ أن أعلن الاحتلال عن تنفيذه المحرقة وحرب الإبادة التي بدأها في الأصل منذ عام 1948م، اشتدت رحاها في هذه الأثناء ضارباً بعرض الحائط كافة القوانين الدولية وحقوق الإنسان التي تكفل للأفراد والأطفال العيش بأمان وسلام.،... في ظل سلطة سياسية سيطرت على قطاع غزة بالقوة المسلحة، أتاحت الذرائع للاحتلال الإسرائيلي للإمعان في معاقبة الشعب الفلسطيني وكأن هذا ما ينقص شعبنا وأطفالنا، الذين دفعوا الثمن الباهظ بفعل فوضى السلاح والفلتان الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، تجسد بالقتل والتجويع والاهانة وغياب الأفق السياسي الواعي الحكيم، بعد أن أفرزت النتائج سلطة أمر واقع لا تستجيب ولا يعنيها تلبية الخدمات ومتطلبات شؤون المواطنين؛ فالمشهد هنا في غزة استثنائي إذ أصبحت الأماكن تعج بالشحاذين والمتسولين، والبطالة المقنعة يبحثون عن لقمة عيشهم بشتى الطرق، فتجد عمالة الأطفال والنساء والشيوخ بأعمار مختلفة، ولا غرابة أن ترى شباباً يتوسلون لشراء منهم سلعة بسيطة مقابل ثمن بخس، يطاردونك عند كل إشارة ضوئية غير مبالين من سرعة المركبات أو شدة أشعة الشمس الحارقة، وآخرين تجدهم في الأسواق والأماكن العامة، على أبواب البنوك والمحالات التجارية والمساجد، وحتى في الجامعات والمدارس، بل يطرقون بيتك في كل حين حتى تعطيهم ما تيسر، جاء بعضهم من مناطق بعيدة خشية التعرف عليهم، وهذا ما تحدثت عنه الصحف في غزة أمس الأول عندما كشفت النقاب عن رجل متسول يتخفى بزي امرأة، .. فيما انطلق بعض الأطفال والفتية بعد تجاوزهم الامتحانات وانتهائهم من الـموسم الدراسي حتى بدت عليهم ملامح الفرحة الغائبة، عيونهم مليئة بالأمل نحو غدٍ مشرق يعيش فيه الطفل متمتعا بكل حقوقه أسوة بأطفال العالم الحر، حتى وجدوا أنفسهم زجوا إلى الطرقات أو العمل على شاطئ البحر، وسط خشية من عدم تكرار الاستراحات والخيام و التنزه ... مخاوف من أن يتسم هذا العام بشح رواده نتيجة ظروف المواطنين المادية السيئة من جهة وتلوث مياه البحر بالمياه العادمة، التي تدفقت إليه بدون معالجة، بعد توقف العديد من المضخات عن العمل بفعل نقص الوقود من ناحية أخرى، ووسط شح في وسائل النقل والمواصلات المكلفة، فيما ينشغل الآباء متنقلين بين المؤسسات الاجتماعية والخدماتية سعياً في الحصول على مساعدة أو كابونة، لعلها تسهم على ما يسد رمق أسرته من لقمة العيش و توفير متطلباتهم. وفي الطرف الثاني تجري التحضيرات العسكرية الإسرائيلية لمواصلة العدوان الهمجي، لا سيما بعد فشل جهود صفقة التهدئة التي تسعى إليها حركة حماس لتثبيتها في قطاع غزة مع الجانب الإسرائيلي برعاية مصرية.
إن مشهد ألأطفال عند كلا الجنسين "الذكور والإناث" كان مثير للشفقة، عنوانه التسول، ولكنه أخذ أساليب مبطنة مختلفة للمحافظة على ما تبقى من معاني الكرامة وعزة النفس، بالتالي توزعت المهن والحرف لكنها تبقى في نفس الإطار، فمنهم من يتوسلك لشراء قطعة بسكويت أو علبة سجائر أو ولاعة أو لبان أو باكوا محارم، أو كممات واقية من دخان المركبات التي أصبحت تسير على زيت الطعام كوقود عوضاً عن المحروقات الأخرى، مما أحييت أمجاد وسائل قديمة على الانتشار مثل "العربة والكاروا"، فيما آخرين أعطوا الصبغة لعملهم من خلال إعداد تقارير طبية له أو لأحد أفراد عائلته بأنه معاق ويستحق الشفقة، أو تجد نساءً يحملن أطفالاً ويدعن أنهم معاقين أو أيتاماً. وآخرين اتخذوا علواً في المهنة فتجد من يلقون بأنفسهم أمام مركبتك في خطوة منهم لمسح زجاجها أو التوسل لأن تساعده بقدر حاجته، وآخرين أكرمهم الله "بقالون وقود أو أنبوب غاز" حصل عليه بعد مشقة بالغة ليتخذها مصدراً للبيع والرزق، لكن في جميع الحالات يبقى المعيار : إما بالنفور والرفض، أو القبول بالرأفة والإحسان، لكن الإهانة والإذلال سيدان الموقف، مما ترك أثاراً اجتماعية وتأثيرات نفسية لها تداعيات سلبية وصحية خطيرة مثل الخوف والرعب والقلق والحرمان وتوترات نفسية وعصبية، بل وصلت إلى حد الموت، وهو المشهد اليومي الواضح من الارتفاع الكبير على معدل الوفيات لا سميا الأطفال حديثي الولادة بفعل الحصار وعدم توفر إمكانات العلاج والدواء والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى سقوط العديد من الشهداء الأطفال بفعل الاستهداف المباشر وعمليات القصف والاجتياح، والنقص الشبه التام في المكونات الغذائية الأساسية أدت إلى سوء التغذية و النقص عند الكثير من الأطفال لا سيما في ظل نقص شديد للأدوية والمستلزمات الطبية وخاصة أجهزة الحضانات الخاصة بالأطفال المولودين حديثاًُ والأجهزة الخاصة بعملية التنفس, الأمر الذي ضاعف من حالات الكساح و فقر الدم وغيرها من الأمراض الجديدة. هذا بالإضافة إلى انتشار غير مسبوق للأوبئة نتيجة تراكم النافيات وتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع،.. واستخدام البدائل عن السلع التي أصبحت تختفي من الأسواق رويداً رويداً بفعل الحصار أهمها الحليب ومساحيق التنظيف و..، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأخرى التي أصبحت نادرة وإن وجدت فهي تُباع في الأسواق السوداء دون رقيب.
المشهد يدعوا للتدخل والعناية والاهتمام، فالأطفال الفلسطينيون يعدمون وتقتل معهم أحلامهم وتمزق أرواحهم وأجسادهم، .. محرومون من ممارسة أبسط حقوقهم الاعتيادية في الحياة واللعب واللهو، تطاردهم كوابيس وأشباح الموت، عالقون في سجن كبير محاط بأشواك وألغام وصواريخ كما يحاصرهم العنف والفقر والجهل، محرومين من الشعور بالأمان والهدوء في منازلهم و....الخ. وهذه العوامل التي أفرزتها تلك النتائج أوجدت ثقافة جديدة دخيلة على مجتمعنا أصابت الأطفال ألأبرياء على وجه الخصوص، هي : "ثقافة العنف والغضب" .. "نزعة الشر" والتسول واللامبالاة العاطفية، والجديد تفشي ظاهرة السرقة والاحتيال والقتل من أجل الحصول على المال، بالإضافة إلى المظاهر السلبية الأخرى التي تطرأ عليهم كالتدخين والإجرام، وهذا ما بات يعبرون عنه جلياً في ألعابهم، التي يقلدون بها مشاهد "الفلتان الأمني ومظاهر الملثمين والتعبئة الثقافة الحزبية الضيقة، أو التقمص بمشاهد الإرهاب الصهيوني وصواريخه القاتلة، والعجيب أنها انعكس بالإيجاب على نمو قدرات الأطفال العقلية والذهنية الواعية التي تفوق عمرهم، بالإلمام بأطراف الصراع.
وأخيراً أتساءل :
أليس من الأجدى أن نحمي جيلنا الناهض فلذات أكبادنا في لحظة تتنافس الشعوب وتتسابق فيما بينها مفتخرة بإبراز ما ينعم به أطفالها من حياة زاهرة تتسم بالرقي الصحي والذهني والنفسي والتربوي والثقافي ..، بينما أطفال فلسطين وخاصة أطفال غزة يسقطون ضحية الصراع بكل أطرافه ؟!
كاتب وباحث

شعبنا الفلسطيني يستحق اتفاق (دوحة)!

د. عدنان بكريه
فلسطين الداخل


بداية نهنئ الشعب اللبناني الشقيق بفصائله وطوائفه وأحزابه على اتفاق التسوية الذي توصلوا إليه في الدوحة والذي فتح الأبواب أمام مصالحة وطنية تخرج لبنان من أزمته المستمرة منذ بداية السبعينات هنيئا لك يا لبنان... وفي هذا السياق أعتب على الدول العربية وعلى الجامعة العربية التي لا تسعى مجددا لجمع الأطراف الفلسطينية المتصارعة ومحاولة وضعها على مسار التسوية الداخلية... اعتب على قطر التي لم تبادر للم شمل الفصائل الفلسطينية المتخاصمة لما تملكه هذه الدولة من مقومات التأثير السياسي والاقتصادي.... أليست فلسطين عربية كلبنان ؟! أليست القضية الفلسطينية لب الصراع العربي الإسرائيلي ؟! ألا يستحق شعبنا مصالحة وطنية كما الأطراف اللبنانية ؟!
نحن لا نغار من الشعب اللبناني الشقيق ! نحب هذا الشعب الأغر والذي احتضن المقاومة الفلسطينية... عاش آلامها وآمالها .. دعمها عندما كانت بحاجة للدعم وقدم العديد من الشهداء لنصرتها ... وازداد حبنا له لأنه خرج من محنته وفوت الفرصة على كل المتربصين بوحدته وبانتمائه الوطني.
برغم التناقض الحاد بين الأطراف اللبنانية إلا أنهم رضخوا لإرادة الشعب ولبوا نداءه واستعادوا لحمتهم الوطنية لأنه كان لديهم الإصرار على ضرورة حقن الدم اللبناني والنهوض بالتحديات التي تواجههم برغم مساحة التناقضات السياسية الشاسعة.. فلماذا لا يتمتع قادة شعبنا بما يتمتع به إخوتنا اللبنانيين من تسامح وإصرار على إعادة اللحمة.. ويذللوا العقبات ؟! ولماذا لا نصنع وحدة فولاذية بمواجهة التحديات خاصة وأننا نمر بظروف أصعب واقسي من ظروف الشعب اللبناني .
إن أي خلاف فلسطيني داخلي قد يلقي بظلاله على الدول العربية كون العديد من الفلسطينيين يقطنون ويعملون هناك وتنعكس عليهم الخلافات الداخلية بشكل وآخر ! وحتى أن العلاقات العربية والدولية تتأزم بتأزم الوضع الفلسطيني ، وعليه فان واجب الدول العربية وفي مقدمتهم قطر السعي الحثيث لاحتضان حوار فلسطيني داخلي يخرج الوضع الفلسطيني من حالته المتأزمة.
مصلحة الدول العربية وخاصة تلك الدول الغير منحازة لأي فصيل لملمة الوضع الفلسطيني الداخلي وخلق توافق فلسطيني يكون مقدمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتف حول أجندة سياسية وتنظيمية جديدة وتتخندق في ساحة الدفاع عن الحق الفلسطيني .
الصلح والتوافق الفلسطيني بات حاجة ملحة في المناخ الدولي الحالك... والسلم الأهلي لا يقل تأثيرا عن أسلحة المقاومة وأدبيات التفاوض ! والسلم الأهلي لا يتحقق إلا إذا صدقت النوايا وامتزجت الأحلام والآلام.
الحصار المفروض والدم النازف في غزة يجب أن يشكلا الحافز لمبادرات عربية تنهي الخلاف الفلسطيني الداخلي الذي أدى إلى ضعف الموقف الفلسطيني وضياع الأمل ... وهنا ندعو دولة قطر لان تكمل مشوارها التوافقي الذي بدأته مع الأخوة اللبنانيين ليشمل فلسطين.. فلو قيض لجهودها الاستمرار والنجاح فإنها ستتزعم العالم العربي بلا منافس... لأنها ستكون الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في خلق سلم أهلي بين الأطراف المتصارعة .
الخلاف اللبناني كان أصعب واقسي من الخلاف الفلسطيني نظرا لتركيبة لبنان الطائفية والمذهبية والسياسية المعقدة .. بالمقابل فان الخلاف الفلسطيني قابل للحل ما دامت الفصائل الفلسطينية المتصارعة تناضل من اجل هدف مشترك وحلم مشترك.. تناضل لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكنس الاحتلال فالعدو هو عدو مشترك والتحديات هي تحديات مشتركة ... أعداء شعبنا يتلذذون ويرقصون للتشرذم الحاصل ويحاولون إبقاء هذا التشرذم كي يسهل عليهم شطب القضية الفلسطينية وثوابتها .
على كل طرف فلسطينيي أن يترك مكانه ويتجه بخطوات تجاه الآخر فعوامل التقارب باتت أكثر من عوامل الفرقة والنزاع بعد انكشاف وجه السياسة الأمريكية المنحازة كليا لإسرائيل.. فبوش وخلال خطابه في الكنيست الإسرائيلي أصر على إبداء الدعم الكامل لإسرائيل دون خجل أو تحفظ ! أصر على تحميل الضحية المسؤولية وتبرئة الجلاد ! وعليه فإننا مطالبون اليوم ودون تأجيل العودة إلى طاولة الحوار الأخوي وعدم العودة إلى المكاتب قبل تحقيق المصالحة... تماما كما فعل اخوتنا اللبنانيين ... المطلوب مبادرة طرف عربي ذو مصداقية كدولة قطر لاحتضان الحوار الأخوي الفلسطيني ورعايته.
القضية الفلسطينية لا تحتمل هذا الترف النضالي ! وهي بحاجة ماسة لتوحد الجهود والاوليات ... بحاجة ماسة لإعادتها إلى مركز الضوء والى مكانها الطبيعي في الأولويات العربية والعالمية .. ومهما حصل فان التنافر الداخلي سيتحول إلى قوة جذب إذا امتلكت الفصائل الإرادة السليمة والنية الطيبة ووضعت مصالح الشعب فوق كل الاعتبارات الفردية والفئوية.
شعبنا الفلسطيني الذي تعمد بالدم والدموع قادر على تجاوز المحن هكذا عودنا وفي أقسى الظروف... شعبنا الفلسطيني والذي استعصى على أعدائه استئصاله سيعرف كيف يضع حدا لجنون أبنائه.

سوريا والمفاوضات والثمن الباهظ

د. عدنان بكريه

ثلاثة أحداث دراماتيكية تخيم على المشهد السياسي في المنطقة .. اتفاق الأطراف اللبنانية في قطر .. انطلاق المفاوضات السورية الإسرائيلية بشكل علني في (استانبول) والوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس .
المتتبع للأمور يظن للوهلة الأولى بأن هناك انقلاب في السياسة يميل باتجاه إبرام اتفاقات وتسويات تغير وجه المنطقة العابس! لكن الأمور ليست بهذه البساطة .. فمن خلال قراءتنا للسياسة الإسرائيلية والأمريكية وعلى مر التاريخ ندرك بأن إسرائيل وأمريكا لا يمكنهما التنازل عن شيء دون مقابل... فهل سيكون المقابل هذه المرة رقبة حزب الله وحركة حماس وفرض حلا مؤلما على الشعب الفلسطيني وفرقعة تحالف قوى الممانعة في المنطقة ؟!
لا يخفى على احد بأن التحالف السوري الإيراني بات يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل.. فهو تحالف مبني على قاعدة التصدي للمشروع الأمريكي الهادف إلى إطباق السيطرة على مقدرات شعوب المنطقة .
الولايات المتحدة وبعد فشلها الميداني الذريع في العراق بدأت تبحث عن وسائل أخرى تمكنها من فرض سيطرتها على المنطقة ... وصلت إلى قناعة بأنها غير قادرة على إقحام نفسها في عملية عسكرية ضد إيران أو سوريا فتجربتها في العراق وأفغانستان تشهد على ذالك لذا فهي تسعى باتجاه ضرب أركان هذا التحالف وفق خيارات أخرى ! عملية سلام هش تكون نتائجه ضرب التحالف الإيراني السوري وإقصاء حزب الله وحركة حماس من مسرح الأحداث وبالتالي الاستفراد بكل طرف على حدة ! فهل ستبتلع سوريا الطعم وتقبل بالجولان منزوعة السلاح تحت رقابة الأجهزة الأمريكية ؟!
إسرائيل وبالتحديد ايهود اولمرت غير مؤهل وغير قادر على التنازل فهو في وضع سياسي داخلي لا يحسد عليه ...ملفات الفساد تتأرجح كحبل المشنقة على حلبته السياسية ! وهو محاصر أيضا من اليمين الإسرائيلي وشركائه في الائتلاف الحكومي الذين لا يمكنهم التنازل عن هضبة الجولان ! وحتى أن التنازل يتطلب إلغاء قانون ضم الجولان الذي شرع في الثمانينات وبأغلبية ثمانين عضو كنيست ! وربما يطلب اليمين العودة إلى استفتاء شعبي الأمر الذي يجعل التنازل عسيرا للغاية.. وحتى لو تم تذليل العقبات القانونية،فان التنازل سيكون عن جزء بسيط من الهضبة يخضع لسيادة وسيطرة مشتركة وربما دولية أو أمريكية ! من هنا فان خيار السلام الذي تطرحه إسرائيل يبقى خيارا محاصرا بالعديد من عوامل الفشل !
إن تخوفنا نابع من أن هذا الخيار لا يعدو كونه حربا إعلامية إسرائيلية لكسب تأييد العالم تجاه أي خطوة عسكرية بديلة قد تطرح مستقبلا فيما لو فشلت المفاوضات وأهدافها ! ونشير أيضا إلى أن تحريك المفاوضات قد يهدف للضغط على حركة حماس بغية القبول بشروط التهدئة التي تطرحها إسرائيل وربما يكون مجرد استنزافا للوقت من قبل اولمرت المحاصر داخليا بهدف فك حصاره السياسي .ومن قبل سوريا التي تريد فك عزلتها عبر البوابة الإسرائيلية !
سوريا معنية أكثر من غيرها بالسلام كخيار استراتيجي شريطة استعادة أراضيها المحتلة ... فهي معنية بفك عزلتها الدولية عبر البوابة الإسرائيلية.. لكن ما يدعونا للقلق غياب مصطلح ( حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس) من أدبيات الحوار الجاري ! هذا المصطلح الذي ساد لهجة الدول العربية وبالذات سوريا على مدار أكثر من نصف قرن .
اشرنا سابقا إلى أن أي تسويات عربية منفردة لا تشمل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن تأت بالسلام كون القضية الفلسطينية لب الصراع العربي الإسرائيلي وأي تجاوز أو تقزيم للمشكلة الفلسطينية سيأزم الوضع أكثر ! ونوهنا إلى ضرورة دمج مسارات التفاوض أو على الأقل التنسيق بين الأطراف العربية وعلى المسارات المتعددة والخروج بموقف موحد..
دعونا لا نفرط بالتفاؤل ... فإسرائيل لا تقبل بالسلام دون أن يدفع الطرف الآخر ثمنا باهظا.. فهي معنية بسلام يبقي لها سيطرتها على هضبة الجولان...سلام يفتح أمامها أبواب التطبيع الرسمي والساخن مع العالم العربي ويخلصها من التحالف السوري الإيراني... سلام يضع حدا لحزب الله وحركة حماس ! فتصريح وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني "إن سورية يجب أن تنأى بنفسها عن إيران وتقطع العلاقات مع حزب الله اللبناني وحركة حماس إذا أرادت التوصل إلى سلام مع إسرائيل".
****
الغريب في الأمر تزامن بدء المفاوضات والإعلان عنها مع توقيع اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية إذ لهذا التزامن مدلولاته السياسية... فسوريا كان لها دورا في المرونة التي أبداها حزب الله وهي أرادت من وراء هذا الدور المؤثر إثبات قدرتها على الإمساك بالأوراق اللبنانية وبزمام المبادرة هناك... وبأنها قادرة على قلب العديد من الأمور في لبنان وغير لبنان بهدف التأثير على سير المفاوضات مع إسرائيل والضغط عليها !
كل المؤشرات كانت تشير إلى فشل الحوار اللبناني الداخلي لكن حصلت المفاجأة في اللحظة الأخيرة.. فهل كان هناك للقوى الكبرى وللتغيرات الجارية علاقة في تغيير وجهة الحوار باتجاه التسوية والمصالحة ؟! نحن نبارك لإخوتنا اللبنانيين هذا الاتفاق الذي قطع الطريق على حرب أهلية وتدخل قوى خارجية.
حذرنا من أن يكون العرض الإسرائيلي لسوريا مجرد خدعة لابتزازها سياسيا ولابتزاز الطرف الفلسطيني والضغط عليه !! ونحذر مرة أخرى من أن المناخ السياسي السائد في المنطقة لا يدفع باتجاه السلام ! فخطاب الرئيس بوش في الكنيست الإسرائيلي قضى على كل فرص السلام ! والحصار المفروض على غزة والتلويح باجتياحها يقلل فرص التسوية .. والاهم الوضع السياسي الداخلي الإسرائيلي المأزوم .سوريا لن تقبل بسلام مشروط ومنقوص وهي التي رسخت في عقلية وسلوك المواطن السوري التصدي والصمود وعدم التفريط والممانعة وقبولها بسلام لا يؤمن لها استعادة كاملة لأراضيها المحتلة يتطلب تغيير عقلية وتربية وسلوك ونهج حياة ترسخ عبر عقود من الزمن وهذا ليس بالأمر السهل !

تعال نفرفش على المكالمات والاتصالات اليومية

بسام أبو علي شريف
يا خونا أنتو مش ملاحظين أن الكلام العاطفي والتعبيرات الرومانسية زادت قوي اليومين دوول دي مش بس زادت دي رطرطت .. حبيب قلبي .. روحي نور عيني .. وحشني يا غالي أنت فينك يا قمر .. والنعمة الشريفة بموت فيك ..
والكلام ده مش بس بتقولوا الست للراجل .. لا راجل لراجل وست لست يقوم رازعك طقم حنية كدة من غير أية منسبة .. وساعات من غير سابق معرفة ..
الشيء الغريب أنو شلال الكلام الحب الفظيع ده جي في وقت الحب فيه انتهى تماما .. والناس مبقتش طايقة بعضها والحقيقة ثورة الاتصالات والمبايلات .. اختارت لنا .. وسائل جديدة يا دوب تكتب سند وصلت يا باشا ولكنا فاكرين عبد الحليم حافظ ولبنة بتقلوا بصوتها اللي بدوخ .. اقفل بقى يا صلاح .. وصلاح مش عاوز يقفل .. كانت بتقول صلاح بطريقة يا جماعة خلتني أعيد الثانوية العامة علشان أحسن مجموعي .. كان نفسي يبقى اسمي صلاح من حلاوة صلاح اللي بتقولها .. وطبعا عبد الحليم ولبنة كانوا بتكلموا بالساعات بدون مشاكل .. لأن مصلحة التلفونات أيامها كانت بتدفع للناس فلوس علشان يشجعوا الناس تتكلم ..
النهار ده بقى .. هنستعرض مع بعض قاموس لألفاظ عاطفة جديدة .. دخلت حياتنا ظهور الموبايل .. تلاقي اللي بتكلمك في نهاية المكالمة تقلك يله باي .. وبعدين طلعت حاجة جديدة سي يو .. سي يو .. أيه سي يو ..وبعدين طلعت لك قفلة جديدة .. للمكالمات .. تلاقي الآنسة اللي بتكلمك .. بعد ثلاث ساعات ضحك وهزار قبيح تقلك بتأثر .. لا اله إلا الله .. وطبعا لازم يرد محمد رسول الله ..
لكن أيه موقعها هنا .. تكلمني ألف مرة .. بعدين تقفل كدة .. خدوا ده جديدة برضوا في نهاية المكالمة يلا باي .. وسي يو والحاجات ده .. فجأة وقبل ما أهبد السماعة في وشها .. تقلي يله تيك كير ..
كدة في المطلقة خلي بالك من نفسك .. ظاهرة ثانية غيظاني شوية .. لما تتصل بي وحدة وأقول ألو .. تقولي مالك صوتك مش عجبني .. طمني عليك .. بليز قلي .. متخبيش علية حاجة .. ولازم بقة أجاري مشاعرها .. ما دام هي مخضوضة كدة على الفاضي .. بس كدة عندي شوية أنفلونزا .. تقوم مسرخة ومرحتش على الدكتور ليه .. أنت لازم تعمل تشك أب .. لا يمكن الولية ده بتصوت على مين .. أنا بأقلها عندي أنفلونزا عادي .. مش أنفلونزا الطيور ..
وعلى كدة على طول .. بقيت مدة سايق على طول .. كل اللي حوليا نزلين حب في بعض وخوف على بعض كل الكلام حلو والأحضان دافئة كل اللقاءات سبايسن لدرجة أن إحنا مش مكفينا حب واحدة في السنة عندنا اتنين فلنتاين .. واحد فبراير واحد نوفمبر أمال نودي الحب اللي عندنا فين ..
وفي الأفراح تلاقي المعازيم نازلين رقص وزغاريت والعروسة والعريس منتهى السعادة في حب الناس بس قرب شوية لأي تربيزة وأسمع الكلام .. تلاقيهم نازلين تقطيع في فروة أهل العريس والعروسة .. ولو دخلت عزاء نلاقي المعزين نازلين عياط ونهنهة .. لدرجة أنك متعرفش الميت ده قريب مين .. قرب شوية تلاقي اللي نازل نهنهة بيقول للي قاعد جنببه في الصوان ..
أسمعت آخر نكتة .. ويقوموا فطسانين على روحهم من الضحك .. حب .. حب .. في حتة حب .. مش شايف قدامي .. غير عشاق ونظرات وتسبيل وعواطف يا رب شوية كراهية بقى الحب مالي البلد .. أعزائي القراء أنا بأحبكم جدا يله باي .. سي يو .. تيك كير .. بليز اعملوا تشك أب علشان أنا بقى قلقان عليكوا .. يله باي .. سي يو ... بقيت كلمة .. من المسئول عن ضياع ثقافة وطموحات هذه الأجيال ؟!!
قطر- الدوحة

حرب شاملة على الوجود الفلسطيني في القدس

راسم عبيدات

...... يبدو أن الحكومة الإسرائيلية بالتعاون ما بين وزارة الداخلية الإسرائيلية وما يسمى ببلدية القدس والجمعيات الاستيطانية،وفي ظل الحديث عن المفاوضات السلمية، وحتى تضمن إخراج مدينة القدس من دائرة التفاوض أو أية تسويات أو حلول مقترحة،قامت بشن حرب شاملة على الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة،بهدف كسر إرادة الإنسان المقدسي،ودفعه إلى دوائر الإحباط واليأس والرحيل عن المدينة المقدسة، وفي هذا السياق تحدثت المصادر عن اتفاقيات بين بلدية القدس والجمعيات الاستيطانية عنوانها،طرد السكان الفلسطينيين والحد من وجودهم في القدس،وجوهر الاتفاق يقوم على أن تقوم بلدية القدس بتسريع وزيادة أوامر هدم البيوت العربية المقامة بدون ترخيص،حتى المسكونة والمشيدة منذ ما لا يقل عن عشر سنوات،وفي المقابل تقوم الجمعيات الاستيطانية بتمويل عمليات الهدم، ودفع الرواتب والأجور لأطقم البلدية والشرطة المشاركة في عملية الهدم، وكذلك التي تقوم بعمليات دهم واسعة للكثير من البيوت العربية،وطلب تراخيص بنائها، وفي هذا السياق هدمت بلدية القدس مؤخراً ستة بيوت في القدس العربية، وأخطرت أكثر من مائة وثمانين عائلة بهدم بيوتها قريباً، ناهيك عن تقديم الكثير من العائلات للمحاكم البلدية وفرض غرامات مالية باهظة عليهم ،تصل حد مئات ألوف الشواقل،ومطالبتهم بعمل مخططات هندسية والحصول على تراخيص لهذه البيوت، وهي تدرك أنه في ظل الشروط التعجيزية التي تضعها أمام العرب الفلسطينيين في القدس العربية للحصول على التراخيص اللازمة، سيكون مصير هذه المباني الهدم،ولعل من الهام جداً قوله في هذا السياق،بعد أن عجزت بلدية القدس ووزارة الداخلية الإسرائيلية عن إيجاد المصوغات القانونية التي تمكنها،من هدم منزل عائلة الشهيد أبو دهيم،والذي نفذ عملية القدس في إحدى دفيئات الاستيطان والتطرف،لجأت إلى تقديم عائلة أبو دهيم للمحاكمة بحجة البناء غير المرخص، كمقدمة لهدم منزل عائلة الشهيد أبو دهيم، والأمر لم يقتصر على عائلة الشهيد أبو دهيم ،بل الحملة شاملة وطالت في الإطار الانتقامي والثأري، الكثيرين من سكان جبل المكبر،حيث تشارك في هذه الحملة مختلف الأجهزة البلدية والحكومية والمداهمات والغارات تنفذ للبحث والتفتيش عن البيوت غير المرخصة من سنوات طويلة، ومداهمة المحلات التجارية ،وجباة ضرائب التلفزيون والتأمين الوطني وضريبة المسقفات"الأرنونا وغيرها،والحملة ليست قصراً على سكان المكبر، بل تطال كل قرى وبلدات المدينة المقدسة وبلدتها القديمة، فكل يوم ترى شرطة بلدية القدس، في كل أزقة وشوارع القدس،تطارد المقدسيين وتمنعهم من توقيف سياراتهم على جوانب الطرقات والشوارع لقضاء حاجاتهم ومصالحهم،وتفرض عليهم المخالفات الباهظة،وفي إطار متصل بهذه الزعرنات والعربدات على سكان المدينة العرب الفلسطينيين،تجري ملاحقة الأفراد والمؤسسات،التي تنوي القيام بأي نشاط مهما كان طابعه وطني أو اجتماعي، حتى لو تعلق الأمر بنشاط لمكافحة ظاهرة المخدرات وتفشيها بين الشباب المقدسيين، ووصل الأمر حد منع تقديم واجب العزاء،أو إقامة مأدبة غداء لوفد أو ضيف زائر،كما حدث في منع عائلة القائد الفلسطيني الراحل حكيم الثورة جورج حبش،من فتح بيت عزاء له في جمعية الشابات المسيحية في القدس،وإقامة مستشار رئيس الوزراء مأدبة غداء في فندق الامبسادور في القدس لوفد إماراتي جاء للافتتاح مشروع إسكان المعلمين في القدس،ناهيك عن عمليات الدهم والإغلاق بحق الكثير من المؤسسات المقدسية،تحت حجج وذرائع القيام بأنشطة تابعة للسلطة الفلسطينية،أو داعمة لما يسمى"بالإرهاب"، ويبدو أن الأمر سيصل حد غرف نوم المقدسيين، ومنعهم من ممارسة حقوقهم الشرعية، لأن ذلك يندرج في إطار دعم ومساندة"الإرهاب"،وينتج عنه زيادة السكان العرب الفلسطينيين في القدس،وهو ما يتعارض مع الرؤيا والتوجهات الإسرائيلية،في تفريغ المدينة وتطهيرها من سكانها العرب المقدسيين،وهناك أهداف ومرامي أخرى للسياسات الإسرائيلية بحق المقدسيين،وهو قتل روح الانتماء الوطني عندهم ،والعمل على تدمير وهتك النسيج المجتمعي المقدسي،من خلال نشر كافة الآفات والأمراض الاجتماعية وبالذات ترويج المخدرات وتعميق الخلافات العشائرية والجهوية والقبلية،وإحلال الروابط العشائرية والقبلية بدل الروابط الوطنية،في أوساط المجتمع المقدسي،وتحديداً الفئات الشابة منه،وبما يؤشر إلى تطبيق النماذج والسياسات التي لجأت إليها إسرائيل في المناطق المحتلة عام 1948 مثل يافا واللد والرملة وغيرها على أهل مدينة القدس.
إن المخاطر المحدقة بالمدينة المقدسة جداً خطيرة وتتصاعد يوماً بعد يوم، وكل شيء يمت للعروبة والإسلام في المدينة مستهدف، والسياسات الإسرائيلية في القدس قائمة على تخريب الوعي المقدسي وهتك وتدمير نسيجه الاجتماعي،ودفع سكانه إما للهجرة الطوعية من خلال ممارسات وسياسات لا يقوى على مواجهتها الإنسان المقدسي بمفرده وجهوده الذاتية،أو حمله على المغادرة قسراً من خلال سياسات عنصرية،وإجراءات التطهير العرقي والقومي،وحتى اللحظة الراهنة المواجهة والرد على هذه الممارسات والسياسات الإسرائيلية،تأتي في الإطار والسياقات الفردية والجهود المبعثرة غير الموحدة والمتراكمة ،فالعنوان والمرجعية التي جرى إفرازهما للمدينة،من خلال المؤتمر الشعبي الذي عقد في المقاطعة،بتاريخ 26+27/1/2008،لم تأخذ دورها على الأرض وبقيت في الإطار الشعاري والنظري،بانتظار مرسوم رئاسي طال انتظاره،صدر قبل عشرة أيام فقط يرسم شرعيتها وتمثيلها،وكذلك العناوين والمرجعيات الأخرى التي تمارس دورها وعملها بمراسيم وتعيينات رئاسية ووزارية، عملها مبعثر وغير منظم وفيه الكثير من التضارب والتعدي على الصلاحيات،وكذلك هناك فراغ وغياب لدور القوى الوطنية،جزء منه ذاتي والآخر بفعل سياسات وممارسات الاحتلال،والتي تقمع وتمنع أي نشاط مهما كان نوعه وشكله،حتى لو كان في الإطار الاجتماعي أو التعليمي وغيره.
ومن هنا فإنه بات من الملح والضروري جداً،وبعد صدور المرسوم الرئاسي باعتبار الأمانة العامة العنوان والمرجعية للقدس،أن تنتقل من إطار الحديث عن الخطط والبرامج الى إطار العمل الفعلي على الأرض،حتى تكسب ثقة واحترام المقدسين،والذين وصلوا الى مرحلة فقدان الثقة والإحباط من كل الأجسام والمرجعيات المعينة،والتي لا تقدم أية خدمات فعلية،سوى الكثير من الشعارات"والهوبرات الاعلامية"والصور في وسائل الأعلام،وخصوصاً أن الكثير من اللجان التي شكلها المؤتمر تفككت وتحللت،عندما شعرت أن المسألة غير جدية، وهذا الجسم لن يختلف عن الأجسام واللجان السابقة المشكلة والمعينة، وبالتالي الأمانة العامة عليها أن تغير هذه النظرة، وتعمل على تفعيل نفسها ولجانها،من خلال فعل جاد وحقيقي،يعالج هموم المقدسيين واحتياجاتهم اليومية،يقوي ويصلب من ثباتهم وصمودهم على أرضهم ووطنهم.

مات المفتاح

عطا مناع

تشعر أحيانا انك تكرر نفسك، ولكن لا باس من التكرر، لان للتكرار وظائف كثيرة ومنها إقناع نفسك انك على قيد الحياة، وخاصة إن هناك من ينظر إليك كميت وعلى الميت لا تجوز إلا الرحمة، ولا باس من إحياء ذكرى السنة لهذا الميت الذي حنطة البعض ووضعه في فترينة لها فعل بئر النفط للبعض الفلسطيني الذي بات يعرف من أين تؤكل الكتف.

جاءت الذكرى الستون للنكبة الفلسطينية، وكالعادة امتشق ونفض عن كأهلة غبار العام الماضي وأعلن أن العودة حق لكل من هجر من بيته، وان هذا الحق ليس للبيع ولا المتاجرة وأنة ثابت كما الجبال في وجه العاصفة التي اقتلعت ما اقتلعت من ثوابتنا وثقافتنا الوطنية، عاصفة استهدفت الإنسان الفلسطيني جسدا وروحا وفكرا تهدف اجتثاث ما تبقى فبنا من كرامة وإيمان تسلل لقلوبنا في سني الاحتلال.

المشكلة التي نعاني منها نحن اللاجئون فقدان التواصل مع ذاتنا وسيادة العمل النخبوي الذي لا فعل له على الأرض، ولا إميل إلى الانجرار وراء سراب الفعاليات الانتقائية رغم أهميتها، لان ديمومة الفكر اللاجئ لا يمكن أن تتغذى وتنمو بالفعاليات الموسمية على اعتبار أن ذاكرة اللاجئ مستهدفة بشتى الوسائل المستخدمة بحنكة المعتمدة على العلوم الاجتماعية والتقلبات الطبقية في أوساط اللاجئين الذين أصبحت لبعضهم مصالح من الصعب التنازل عنها.

بالعربي، لا يمكن التعاطي مع ذكرى النكبة الكبرى كتظاهرة لها حدود، لان النكبة مستمرة طالما الاحتلال موجود، هذا الاحتلال الذي يبذل جهودا جبارة لاختراق الوعي الفلسطيني والقناعة بان التمسك بحق العودة يعبر عن عقلية قديمة لا تعي متغيرات المرحلة التي تتطلب اعتماد الواقعية الأمريكية في مناقشة الأشياء، وللأسف هناك من تورط في هذا النوع من التفكير وباشر بطرح المبادرات الغير بريئة حتى وان كان عمرها قصير إلا أنها تعكس حالة من النشاز والتشويش على حالة الإجماع التي كانت سائدة فلسطينيا.

ما العمل، ما السبيل إلى لملمة الأوراق وإعادة القطار على السكة، وكيف يمكن إخضاع النخب للرقابة الشعبية الغائبة، وهل أصبحت المؤسسات الفاعلة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين على المحك العملي الذي يفرض عليها اتخاذ سياسات منسجمة مع المجموع العام المتعطش لاستعادة الدفة وإرساء الأسس لثقافة تعزز التواصل بين الأجيال بعيدا عن العفوية التي حولت تجمعات اللجوء لمجرد صدى لأجيال أصبحت في ذمة الله.

أرى أن المخاطر تحدق بقضية اللاجئين، وبتحديد أكثر لا نحتاج لزرقاء اليمامة لرؤية المشهد اللاجئ في العام القادم أو الذي يليه، لان المفاوضات الجارية تمهد الطريق لتخريجه غير عادلة لقضية اللاجئين، ولا نحتاج لذكاء للوقوف على الخطاب الإسرائيلي والأمريكي الذي يواجه مواقف فلسطينية خجولة قد تفرض عليها تسوية تستثني حق العودة، وهذا ما يطبل ويزمر له الإسرائيليون وحلفائهم ليل نهار، مما يستعدني إعلان حالة الطوارئ والاستنفار في الأوساط الوطنية الفلسطينية وبالتحديد في المخيمات التي تشكل رأس الحربة للدفاع عن حقوقنا المشروعة.

قبل أيام اتصل بي صديق هاتفيا وقال لي مات المفتاح، قلت له ماذا تقصد، قال مات أبو إبراهيم- محمود عبيد، قلت وبعض الأصدقاء بالفعل مات المفتاح، أو زيتونة المخيم كما اسماه البعض، وقد عاش "المفتاح" أي أبو إبراهيم 111 عاما، وكان يشارك في كافة فعاليات النكبة الفلسطينية وشاهدته عندما زرع مفتاح العودة على بوابة العودة على مدخل مخيم عايدة، سلم المفتاح لحفيدة وتلي وصيته، كان قويا لدرجة أننا اعتقدنا أن الموت لا يجرؤ على الاقتراب منة، مات المفتاح الذي كان عنوانا للباحثين عن الحقيقة وللصحفيين، وهو الذي شكل تاريخا حيا يحكي قصة اللجوء والمذابح التي ارتكبت عام 1948 وممارسات الأتراك والحياة الفلسطينية في القرية ومن بعدها المخيم.

مفتاح المخيم عاد إلى الأرض ليلحق بمئات المفاتيح التي ماتت قهرا في صحراء اللجوء، وبقي في المخيم بضعة مفاتيح سيطويها الزمن قريبا، لكنهم سلموا مفتاح العودة للأحفاد، والمفتاح كما الخيمة، أنة اكبر من مجرد مجسم فهو البت والذكريات والحق الفلسطيني، أنة المفتاح السحري لأحلام تائهة منذ ستون عاما، أحلام قد تندثر في ظل انقطاع التواصل والاستمرارية والفعل المؤسساتي المناهض لكل من يجرؤ على المساس بحقنا، ولنتذكر أن" أبو الخيزران" بطل رواية رجال في الشمس للأديب الفلسطيني غسان كنفاني حاضرا بيننا، وهو الذي اخصتة المرحلة وبات يتاجر بكل شيء، وهو الذي قال لماذا لا تقرعوا جدران الخزان؟؟؟؟؟.

الاثنين، مايو 26، 2008

من ينقذ الناصرة

نبيل عودة

هل يختلف وضع بلدية الناصرة اختلافا جوهريا عن الأوضاع المأزومة في سائر السلطات المحلية العربية؟
لم أشأ ان أدمج بلدية الناصرة ضمن سائر السلطات المحلية العربية ، في المقال السابق الذي نشرته تحت عنوان " فساد السلطات المحلية من فساد الأحزاب" ... وذلك لعدة أسباب جوهرية . أولها ، ان الناصرة بحد ذاتها تشكل حالة خاصة ، وتتمتع بمكانة سياسية بالغة الأهمية لعموم الجماهير العربية في اسرائيل . وثانيا ، الناصرة شكلت النموذج الذي سارت على نهجه العديد من بلداتنا العربية في استعادة سيطرتها على السلطة المحلية . وثالثا ، ادارة بلدية الناصرة ، رغم كل العوامل السياسية والاجتماعية المشابهة التي قادت للوضع الفاسد والمأزوم ، ما تزال تشكل ، نسبيا .. نموذجا اداريا سليما بكل ما يخص مصالح المدينة وأهلها .
اذن نحن أمام حالة ايجابية خاصة ، هي نتاج الجهد الشخصي لرئيس البلدية المهندس رامز جرايسي ، رغم ان كل العوامل السلبية التقليدية السائدة في سلطاتنا المحلية ، ستحسم في النهاية هذا الوضع المميز والخاص والذاتي بالوقت نفسه ، وقد بدأت العديد من العوامل السلبية ، داخل صفوف الجبهة ، وفي الشارع النصراوي ، تبرز بقوة غير مسبوقة ، مما يجعلني متشائما من مستقبل هذه التجربة المميزة ، ومن امكانية انقاذها اذا لم نشهد تحولات جذرية في تشكيل قائمة الجبهة للانتخابات القريبة ( قائمة رئيس البلدية ) ، ولكنه موضوع أتركه للنهاية.
الأمر المقرر ان فساد الأحزاب يترك أثره السلبي أيضا على بلدية الناصرة، وخاصة في الحسابات الانتخابية للجبهة، التي تدير البلدية منذ اكثر من ثلاثة عقود ، و تفرض وما تزال ، نهجا يعتمد تشكيل قائمة الجبهة على قاعدة حاراتية وطائفية ، لذا نرى ان الناصرة لم تقع بعيدا في الحسابات الحاراتية والطائفية ، والى حد ما في الحسابات العائلية ، عند تركيب قائمة مرشحيها الحالية والقوائم السابقة . ان محاولة اضفاء غطاء سياسي جبهوي ، لم يعد يغطي الحقائق المريرة في الحسابات الفئوية . بكلمات اخرى ، نرى ان تفاحة الناصرة لم تقع بعيدا عن شجرتها ، وللأسف لم تقع على رأس "نيوتون" جبهوي ...
من هنا تبدأ الاشكاليات التي تتعمق اليوم ، في الناصرة أيضا .. مع الصورة المأزومة والفئوية المقيتة ، للسلطات المحلية العربية . ان الأصرار على تركيب قائمة فئوية من مركبات الجبهة فقط ، التي تهاوت عمليا ولم تعد قائمة وفعالة كما كانت سابقا ... أوجد قائمة ضعيفة وهزيلة لا تمثل المجتمع النصراوي ، انما تمثل الحسابات الحاراتية ، والحسابات الطائفية ، حتى لو كان منطلقها الأساسي غير طائفي ، بل تمثيلي لأهل الناصرة ، وهي حسابات ذات أفاق سياسية واجتماعية ومدنية ضيقة ، وربما نجد حسابات عائلية أيضا في التأثير على تركيبة القائمة الانتخابية ، ولكني لا أستطيع ان أقول انها تشكل ظاهرة "عائلية سياسية" ، في الناصرة على الخصوص ، رغم ضيق الأفق السياسي الذي يميز هذا النهج بجوانبه الفكرية والسياسية.
ان الظن ( الجبهوي ) ان وجود ممثل حارة معينة ، من الجبهة شرط ... أو ابن طائفة معينة ، من الجبهة شرط أيضا .. بأنه الأمر الحاسم في تشكيل قائمة تمثل الناصرة أفضل تمثيل ، قادرة على الانتصار وقيادة عملية التطوير ، وان تفرض نفسها وجها سياسيا واجتماعيا وحضاريا لمدينة الناصرة ، ذات المركز السياسي المتميز والهام للجماهير العربية ، ولسائر الجماهير العربية في داخل اسرائيل ، هو أضغاث أحلام ثبت فشلها وفسادها السياسي ، ويثبت الوضع المأزوم في السلطات المحلية العربية بما في ذلك وضع الناصرة البلدي ، بطلان هذه المفاهيم وعقمها وخطرها على مستقبل سلطاتنا المحلية ومجتمعنا في الناصرة أيضا .
بالطبع لا يمكن تجاهل الدور السلبي – المأساوي على واقع الناصرة ، لوجود قائمة طائفية سياسية بشكل مطلق ، في تركيبتها واسمها ونهجها ، وأعني قائمة الحركة الاسلامية ، مهما اطلق عليها من أسماء تحمل مفاهيم الوحدة (الناصرة الموحدة )!!
حقا لا يمكن الاستهانة بالنسبة الكبيرة التي حصلت عليها هذه القائمة. ولا يمكن نفي حقها في تمثيل شريحة واسعة من سكان الناصرة ، مهما اجتهدنا في تفسير أسباب تصاعد قوتها والتفاف شريحة كبيرة من المواطنين حولها .
أبرز مشكلة لهذه القائمة ، عجزها عن اقناع ولو شخص واحد ، من ابناء الناصرة المسيحيين ، في التعامل معها انتخابيا، بالترشيح أو بالتصويت ، أو بأهليتها لتمثل مجمل سكان ومصالح المدينة وتطورها البنيوي ومكانتها السياسية التمثيلية اللائقة لمجمل الجماهير العربية ، وقدرتها على خدمة المجتمع المدني النصراوي وتوحيده .وأؤكد ان رفض التعامل معها هو رفض سياسي في جوهره ، ان انتصارها يعني سقوط مكانة الناصرة وتعميق تشرذمنا الاجتماعي والطائفي خارج الناصرة أيضا. هذه رؤيتي على الأقل . أن تصبح الناصرة مركزا سياسيا لقوى سياسية طائفية ، لن يكون بذلك مكسبا ما للجماهير العربية ، أو للناصرة ، او لتطوير مرافق المدينة . ستصاب المدينة بنكسة في نسيجها الاجتماعي والوطني ، وستزداد الكراهية للآخر المختلف . وعندها لن تكون المسافة بعيدة ليتساوى الوضع المأزوم والفساد في الناصرة أيضا ، مع الوضع السائد في الكثير من سلطاتنا المحلية .
ليس سرا ان فجوة كبيرة تفصل قائمة الحركة الاسلامية عن ابناء الناصرة من جميع الطوائف ، والرفض القاطع للتعامل معها من نصف السكان على الأقل ، يتسع باستمرار على خلفية ما جرى في الناصرة في الساحة المحاذية لمقام شهاب الدين ، والتي استغلت طائفيا لأهداف سياسية ، ألحقت بالناصرة وبالنسيج الوطني للمدينة ، أضرارا بالغة ليس من السهل نسيانها والعبور عنها ما دام نفس النهج سائدا ، وما دام نفس الموقف يحرك شخصياتها.
ان قائمة تخوض معركة بلدية في مدينة مشتركة لعدة طوائف ، لا يمكن ان تكون وقفا على طائفة واحدة ، حتى لو أعلنت ليل نهار انها عازمة على خدمة المواطنين بمساواة واستقامة. الموضوع لا يتعلق بمصداقية الشعارات والأشخاص ، وأقول اني أحترم بعض شخصياتها ومصداقيتهم ، غير ان الموضوع ليس قناعة شخصية أو عامة ، انما قضية أكثر عمقا وأكثر من مجرد التفكير بالخدمات البلدية المجردة ، أو بالمكانة العامة للناصرة.
معظم المواطنين يرفضون العودة الى الأجواء المقيتة ، يرفضون ان تسيطر على مدينتهم الصبغة الطائفية المدمرة ، التي تمثل حزبا دينيا لمدينة كانت دائما تتميز بمواقفها الوطنية .
الموضوع لا يتعلق أيضا بانتماء رئيس البلدية الشخصي ، ولا نتردد في انتخاب شخصية نصراوية من خارج الاطارات السياسية والطائفية اذا كان عليه اجماع ، وهو أفضل حل للمرحلة القادمة .ولكن سياسات القوى المتنفذة لها تفكيرها الفئوي ، ولا أستثني أي جسم سياسي من هذا الأمر..
من المؤسف تماما أن نضطر في هذا الزمن الأسود والمحتقن بالسموم الطائفية ، ان نتحدث عن مواطني الناصرة ، بصفتهم أبناء طوائف وليس ابناء شعب واحد . لا أكتب مقالا لأهرج بشعارات بالية .أكتب لأكشف الحقيقة المريضة التي نعيشها ، ولأقول ما يؤلمني ، وليشرب الغاضبون البحر .. هذا الانشطار الطائفي لا يهدد مستقبلنا في وطننا فقط ، انما يحولنا الى " حطابين وسقاة ماء " على هامش المجتمع الاسرائيلي ، ويلغي شخصيتنا الوطنية ومطالبنا بالمساواة والتطور.
أكون بلا ضمير اذا لم أشر الى الدور السلبي الذي لعبته الجبهة أيضا ، بخطاباتها السياسية في تعميق الأصطفاف الطائفي ، عبر خطاب سياسي تحريضي منفلت ، بدل النقاش الحضاري والفكري في مواجهة صعود الطائفية المدمرة لكياننا ... وآمل ان لا أضطر للتوضيح أكثر.
أعرف ان ما أكتبه يثير غضب وسخط المعسكرين الرئيسيين في الناصرة ، ولكن ما يقلقني حقا ليس غضبهما ، انما تفسخنا الاجتماعي وتحول الدين الى الهوية الأساسية بدل الهوية الوطنية.
من هنا أرى ان استمرار الحسابات الطائفية والحاراتية في تركيب قائمة الجبهة ( والقائمة الثانية لن تكون الا طائفية لأنها أصلا قائمة حزب ديني على المكشوف ) هو نهج فاسد سياسيا . نهج تأثيره السلبي يتوازى ، اجتماعيا على الأقل ... مع النهج المنافس.
ان انتصار الجبهة عام 1975 في الناصرة ، كان انتصارا لكل أهل الناصرة.. ولكل العرب في اسرائيل ولكل القوى الدمقراطية اليهودية في اسرائيل .قاد الى تغييرات فكرية وسياسية ، جعلت من الناصرة وفكرها الجبهوي السياسي ، طريقا لليقظة الوطنية ، قلبت الواقع العربي في اسرائيل ، وفتحت أمامه مجال تحقيق انجازات سياسية واجتماعية وتطويرية هامة . واقول ، يمكن تأريخ انتصار الجبهة في التاصرة كبداية مرحلة جديدة في حياة العرب في اسرائيل ، انعكست ايجابيا على وضعهم السياسي والقانوني . ولكن القيادات لم تكن بقدر المسؤولية.
الواقع يختلف اليوم نحو الأسوأ . الجسم السياسي الذي أنجز فكر الجبهة ، والتحولات الحاسمة في تطورنا السياسي والاجتماعي والفكري ، دخل في مرحلة سبات وتفكك . والصراعات الشخصية مع حلفائه وداخل تنظيمه ( بين قادة الحزب الشيوعي مثلا ، كما تبين من مقابلة نشرتها كل العرب ، مع سكرتير الحزب الشيوعي السابق عصام مخول في عددها 08 – 05 - 16، قال فيها ان الجبهة والحزب انحرفا ، وهناك من نسي الأممية والصراع الطبقي وارتمى يعانق حكاما يقمعون أخاه الشيوعي في بلدانهم .وان من اراد اغتيالي سياسيا وجسديا سينقلب الاغتيال عليه ، ووجه انتقادات غير مباشرة لقائد الجبهة وعضو الكنيست والرجل القوي في الحزب اليوم محمد بركة ) ، والنقاش يدور من وراء الكواليس وعلنا . والسمكة تفسد من الرأس . الجبهة لم تعد جبهة الناصرة الا اسما . مركبات الجبهة اختفت . كانت تضم تنظيما للجامعين عدد المنتسبين اليه وصل الى 600 – 700 جامعي ، وتنظيم للتجار والحرفيين يضم المئات ، وتنظيم للطلاب الجامعيين ابناء الناصرة ,, وحدث ولا حرج .. تلاشت الأجسام نتيجة أخطاء قيادات الجبهة نفسها ، وعجزها عن قيادة نضال سياسي وفكري متوازن ، الغرور أصبح سياسة ، عبادة الفرد المدمرة أطلت برأسها الفاسد ... ووقع الانشقاق الذي أثر سلبيا على مكانة الجبهة والوحدة الوطنية لأهالي الناصرة . وظهرت سياسات متشنجة مريضة ، أشبه بسياسات الحرمان الديني من القرون الوسطى . وما يجري اليوم هو الحفاظ على بقايا انجاز .. ليس قبولا لنهج سياسي بقدر ما هو رفض لنهج قد يقود الناصرة الى كارثة على المستوى الاجتماعي والسياسي والتطويري.
ان استمرار سياسة ونهج تشكيل قائمة الجبهة في الناصرة ، بنفس العقلية القديمة سيكون مغامرة خسارتها اليوم أكثر ضمانا من نجاحها.
مشكلة الناصرة ليست الفساد الاداري . العكس هو الصحيح . البلدية بادارة المهندس رامز جرايسي تقوم بعملها بشكل مهني نسبيا ، على الأقل بالمقارنة مع الوضع الفاسد والفاشل في السلطات المحلية العربية عامة.ازمة الناصرة كما أراها هي أزمة حزبية سياسية بالأساس . أزمة تتميز بفساد الحياة الحزبية وخوائها من المضامين الفكرية ، وتحول الأحزاب الى تنظيمات شخصانية . الشخص هو الحزب . الشخص هو الايديولوجيا الحزبية . الشخص هو رأس المال السياسي . ثرثرته وتفاهاته قيم عليا .عفويته تختصر كل التنظيم ومؤسساته . هذه الظواهر قادت الى تفسخ الأحزاب . الى صراعات شخصية انتهازية ، وتصفيات للمنافسين بصفتهم أعداء سياسيين .
فساد الأحزاب واستشراء الطائفية في بلداتنا على صعيد انتخابات السلطات المحلية ، والعمل السياسي المحلي عامة ، قادت الى نزاعات عنيفة ودموية في العديد من البلدات العربية . كذلك حال العائلية السياسية . دفعتنا الى نزاعات لا تقل شراسة وعنفا ، لدرجة أضحت ظاهرة العنف في المجتمع العربي من الظواهر المرضية التي تقلق شعبنا ومؤسساته ومثقفية .
قبل سنوات " طورت " أحدى "شخصيات" الجبهة نظرية سياسية تقول ما معناه ، انه مع صعود العائلية في بلداتنا العربية ، على الجبهة ان تتعامل مع هذه الظاهرة وتبني تحالفاتها معها لضمان تحقيق انجازات سياسية .. الخ .
لا أعرف اذا ساهمت هذه " النظرية – المهزلة " بتطوير فكري سياسي يضاف " للفكر " الماركسي للحزب الشيوعي وجبهته.ولكن النهج في بناء تحالفات مع العائلية السياسية كان عميقا ومتقدما .
حقا في الناصرة الصورة أقل حدة ، ولكنها لا تقع بعيدا عن مجمل الصورة الفاسدة للعائلية السياسية والحاراتية السياسية والطائفية السياسية.
امتحان جبهة الناصرة في الانتخابات القريبة سيكون امتحانا مصيريا . هل ستنجح الجبهة بتشكيل قائمة أهلية واسعة ، وليس قائمة موقوفة على عناصر الجبهة فقط ؟! الجبهة لم تعد ذلك الجسم الذي وحد الناصرة قبل أكثر من ثلاثة عقود. يجب اعطاء دفعة حيوية للواقع النصراوي المتردي . انقاذ الناصرة من ادارة طائفية مغلقة هو مهمة لكل ابناء الناصرة من كل الطوائف. اعرف ان بعض القوى " الوطنية "، من حزب التجمع ( عزمي بشارة ) يتحضرون لأخذ دورهم في المعركة القادمة ، وآمل ان نسمع نتائج ايجابية تعيد رسم الخارطة السياسية بشكل عقلاني في مدينة الناصرة .. عبر الضغط لتشكيل قائمة أهلية واسعة، قد تعيد بعض الحيوية للمجتمع النصراوي .. هل يتصرفون بمسؤولية ؟!
بالطبع هناك قوى أخرى تنشط ، حتى الآن الصورة لم تتضح ، ولكن هذا لا يعني ان ننتظر .. لأن الانتظار يعني الهزيمة.
نبيل عودة – كاتب واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

اسوار "السلام" بين القدس وبغداد

نقولا ناصر
(الاسوار العربية تزداد ارتفاعا وتمتد طولا لتحول الوطن العربي الكبير الى اكبر نظام للكانتونات السياسية في العالم ، كانتونات يتم في العراق وفلسطين تفتيتها الى اجزاء اصغر خصوصا في "مدينتي السلام" المحتلتين ، القدس وبغداد)

لا يوجد حد علمي سوى مدينتين اطلق العرب عليهما اسم "مدينة السلام" ، وهما القدس وبغداد ، وكلتاهما الان تحت الاحتلال وعنوان ل"سلام" يسعى المحتلون الى نشره اقليميا فوق انقاضهما ، ولا يقف في وجههم سوى المستهدف الاول بالغزو والاحتلال وهو تحديدا الهوية العربية الاسلامية للمنطقة ، لذلك لا عجب ان تكون هذه الهوية هي عنوان المقاومة ، ولا يهم هنا ان كان عنوان هذه الهوية قوميا او اسلاميا ، بعثيا او ناصريا ، سنيا او شيعيا ، علمانيا او دينيا ، ليبراليا او وطنيا او حتى قبليا وطائفيا ، فالجميع مستهدفون طالما هذه هويتهم ، التي يحاصرها المحتلون باسوار وجدران عسكرية واقتصادية وسياسية ودبلوماسية وامنية مسنودة بغزو ثقافي للعقول هدفه تدمير هذه الهوية وتنشيط وتفعيل كل ما هو نقيض لها .

والمؤسف ان الدولة القطرية العربية بانظمتها كافة تكيف اوضاعها بحيث تتساوق مع المحتلين ، توهما بان هذا التساوق قد ينقذها وينقذ النخب الحاكمة فيها من طوفان الاحتلال الاجنبي الجارف حد ان تدفن هذه النخب رؤوسها في الرمال فتتغاضى ضعفا او كرها او تواطؤا واعيا عن سقوط بعض نظرائها تحت الاحتلال او تتغاضى عن حصار بعضهم الاخر حتى يسقط ضحية له ، بالرغم من ان التجربة التاريخية للاحتلال الاجنبي ، وبخاصة الاميركي والاسرائيلي ، تثبت ان المحتلين يستهدفون كل الانظمة العربية بالتغيير ولا يترددون لحظة واحدة في التخلص من أي منها بالغزو او الانقلاب او التامر الداخلي حتى ترضخ جميعها لارادتهم واملاءاتهم .

ولم تكتف الدولة القطرية بالحزام العسكري الذي يطوق كل انظمتها وسواحلها بالاسطولين الاميركيين السادس والخامس وبحلف شمال الاطلسي "الناتو" الذي يتمدد جنوبا ليستوعب العديد منها ضمن تفويضه ، ولا بحدود التجزئة التي تفصلها عن بعضها فلا تسمح الا بالنزر اليسير من التواصل باي شكل كان بين ابناء الامة الواحدة في كل منها ، ولا بالاسوار الامنية التي تقيمها لتحول قواتها لمكافحة الشغب وشرطتها ومخابراتها بينها وبين شعوبها ، ولا بالاسوار الاقتصادية التي تباعد بينها وبينهم بالفجوة المتسعة بين غنى نخبها الفاحش وبين فقر شعوبها المتزايد ، بل انها لجات مؤخرا الى الجدران الاسمنتية والالكترونية للانكفاء على نفسها وحماية التجزئة السياسية للامة التي كما يبدو لم تعد كل الاسوار السابقة كافية لحمايتها .

ولفت ذلك نظر المحرر الدبلوماسي لصحيفة الغارديان البريطانية الذي كتب في الرابع والعشرين من الشهر الماضي: "لقد بدا العصر الجديد للاسوار" ، فقد عادت الاسوار الواقية من المتاريس والاستحكامات والتحصينات الحجرية بقوة ، "بعد ان كانت تعتبر الى ما قبل مدة وجيزة اثارا وطنية لاجتذاب السياح" ، في "الحرب العالمية على الارهاب" ، هذه الحرب التي تتخذ في الوطن العربي شكل حرب يشنها الجيش الاميركي الاقوى في التاريخ ليس ضد جيوش نظامية بل ضد شعوب بكاملها بعد ان دمر دولها الوطنية وجيوشها كما يفعل في العراق حاليا او كما يفعل بالوكالة الاسرائيلية في فلسطين او بالوكالة الاثيوبية في الصومال ، لكي يخلص محرر الغارديان الدبلوماسي الى الاستنتاج بان "تجارة حل النزاعات في انحطاط وتحل محلها الان صناعة الاسمنت" ... وربما يكون ذلك احد الاسباب الرئيسية في ارتفاع اسعار هذه المادة الحيوية للتنمية !

وكل ذلك يحدث في "عصر العولمة" التي انطلقت جارفة بعد انهيار سور برلين والاتحاد السوفياتي السابق اواخر تسعينيات القرن العشرين الماضي ليتوقف طوفانها الكاسح امام الاسوار العربية التي يزداد ارتفاعها ويمتد طولها ليحول الوطن العربي الكبير الى اكبر نظام للكانتونات السياسية في العالم ، كانتونات يتم في العراق وفلسطين تفتيتها الى اجزاء اصغر خصوصا في "مدينتي السلام" المحتلتين ، القدس وبغداد .

غير ان السور العربي الاكبر هو جدار الصمت والسرية الرسمية الذي يلف كل ما يتعلق بجدران هذا السجن العربي الكبير الذي يحاصر العرب جماعة وافرادا والذي يتم التعتيم عليه بعناوين "وطنية" ، مثل "الامن الوطني" ، تحث على الولاء القطري وتقيم "اسوارا قانونية" تحظر أي تواصل تنظيمي عابر لحدود التجزئة بين ابناء الامة الواحدة حد ان تتحول اجهزة الاعلام الرسمية للدولة القطرية الى ابواق للسخرية من الارث السياسي النضالي للقومية العربية والعروبة بعد ان خسرت ، او ربما تفضل هذه الاجهزة مفردة "هزمت" ، امام الغزو الصهوني التوسعي والغزو الاميركي المحتل .

واحدث الاسوار العربية التي يجري بناؤها سور اسمنتي – الكتروني عسكري يبنيه سلاح المهندسين الاميركي بتمويل جزئي من واشنطن على الحدود بين مصر وبين قطاع غزة لمنع تكرار الاجتياح الشعبي الفلسطيني لهذه الحدود قبل اشهر ولهذا السور رمزية "قومية" تؤكد نجاح المشروع الصهيوني الذي انزرع دولة في فلسطين في الفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه كما يمكن اعتباره ايضا رمزا للتنصل القومي من المسؤولية يقول لعرب فلسطين في القطاع لكم الله واذا اخترتم القتال فاذهبوا انتم وربكم وقاتلوا . وهذا السور العسكري يعزز السور الدبلوماسي المتمثل بمعاهدة السلام مع اسرائيل التي فصلت عمليا بين مصر وبين مسؤوليتها القومية تجاه فلسطين واهلها ، مثلما فعلت المعاهدة الاردنية المماثلة ، لكي تحصر المعاهدتان هذه المسؤولية في المجال السياسي والدبلوماسي والاعلامي المشروط بعدم التعارض مع نصوصهما .

اما السور الحديث الاخر فانه جدار دبلوماسي تبذل الدبلوماسية الاميركية قصارى جهودها لبنائه بين سوريا وبين لبنان وهما القطران العربيان الوحيدان اللذان لا يقيمان علاقات دبلوماسية منذ استقلالهما في اربعينات القرن الماضي ، في وضع مفعم بالرمزية ايضا يحاول ان يتمرد على التجزئة التي فرضها سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي على الوطن العربي ويحاول الان بوش الاميركي استكمالها . وفي هاتين الحالتين لو سئل أي مواطن عربي عن رايه فيهما لكان جوابه قاطعا بالرفض المطلق لبناء السورين العسكري والدبلوماسي لا فرق .

ومن الاسوار العربية الحديثة السياج الذي تبنيه المملكة العربية السعودية بطول (900) كيلومترا على امتداد حدودها مع العراق والمفترض ان يكون بناؤه قد انتهى خلال العام الحالي فيما قررت المملكة مواصلة بناء حاجز امني مع جارها العربي اليمني في الجنوب كانت قد توقفت عن بنائه عام 2004 ، ففي شباط / فبراير العام 2007 الماضي ذكرت "اراب تايمز" ان "السعوديين يواصلون بهدوء مشروعا بقيمة (8.5) مليار دولار لتسييج" كل حدودها مع اليمن البالغ طولها (1100) ميل . كما تقوم الامارات العربية المتحدة ببناء سور على حدودها مع سلطنة عمان بينما تقوم الكويت بتحديث سورها البالغ طوله (215) كيلومترا على امتداد حدودها مع العراق ، فيما استكملت مصر تسوير منتجعها "شرم الشيخ" على البحر الاحمر واضطرت سوريا الى بناء ساتر ترابي تقليدي بينها وبين العراق لرد الاتهامات الاميركية لها بتسهيل مرور "الارهابيين" عبرها الى العراق .

وفي مغرب الوطن العربي قال احد المعلقين ان النسخة المعاصرة لسور الصين العظيم هي الحاجز الترابي والحجري الضخم المجهز بالمعدات الاكترونية والرادار والمعزز بحقول الالغام والمسنود بالاسلاك الشائكة والخنادق العسكرية ومرابض المدفعية الذي بناه المغرب على امتداد (2700) كيلومتر للفصل بينه وبين بضعة الاف من جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية ، ليتحول هذا السور الى اسفين بين المغرب والجزائر والى فاصل بين دول المغرب العربي وبين تحويل "اليافطة" المرفوعة للاتحاد المغاربي الى واقع حي على الارض .

وحول الحزام الخارجي للوطن العربي الكبير قامت اسبانيا التي تحتل مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين قبل عامين بمضاعفة ارتفاع السور الذي يفصلهما عن الوطن الام بطول تسع كيلومترات بحجة منع "المهاجرين غير الشرعيين" من التسلل عبرهما اليها ومنها الى اوروبا ، التي اطلقت حرية الحركة للناس والسلع بين دولها لكنها تدعم بقوة الجهود الاميركية لبناء السور الدبلوماسي الحدودي بين سوريا وبين لبنان ، لذلك قام الاتحاد الاوروبي بتمويل السوري الاسباني في الاراضي المغربية المحتلة كجزء من السور الاكبر الامني والقانوني والسياسي الذي يبنيه للفصل بين اوروبا المتخمة وبين افريقيا الجائعة . وفي المشرق العربي قامت تركيا ، التي تتوسط الان لهدم الاسوار بين سوريا وبين اسرائيل ، ببناء سياج مرتفع وحقول الغام على مساحة تزيد على (500) ميل بينها وبين سوريا على امتداد الاسكندرون ، التي اقطعها الفرنسيون للاتراك في الوقت نفسه تقريبا الذي اقطع البريطانيون الاحواز الى ايران وفلسطين الى الحركة الصهيونية ، بينما بدات ايران ببناء سورها الخاص على امتداد حدودها مع العراق .

وكانت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية قد ذكرت في تشرين الثاني / نوفمبر عام 2006 ان دولة الاحتلال الاسرائيلي تخطط لبناء سياج كهربائي على امتداد حدودها مع مصر بدءا من ام الرشراش (ايلات) على البحر الاحمر . واذا كان الجدار ، الذي اسمته منظمة التحرير الفلسطينية "جدار الضم والتوسع" ويسميه "معسكر السلام" الفلسطيني "الجدار العنصري" ، والذي ما زال الاحتلال الاسرائيلي يبنيه على امتداد (700) كيلومتر في الضفة الغربية غني عن البيان بالنسبة للراي العام العربي ، خصوصا بعد الحكم بعدم قانونيته الذي اصدرته محكمة العدل الدولية بلاهاي في التاسع من تموز / يوليو 2004 ، فان الاسوار التي يبنيها الاحتلال الاميركي في العراق ما زالت بحاجة الى المزيد من التغطية الاعلامية لتسليط الاضواء عليها ، لكن احد القواسم المشتركة في الحالتين ان الاحتلالين يسوغان بناء هذه الاسوار والجدران بحجة "الامن" غير ان باني الجدار الفلسطيني يعلن صراحة ان امنه هو المقصود بينما يقول الاحتلال الاميركي ان المقصود من بناء الاسوار ، بخاصة في "دار السلام" العراقية ، هو امن الطوائف وحماية احداها من الاخرى !

في الحادي والعشرين من الشهر الماضي كتب البروفيسور ستيف نيفا في "فورين افيرز ان فوكس" يقول ان العقيدة العسكرية للجيش الاميركي وتكتيكاته في العراق قد "تاسرلت" منذ اوائل تسعينات القرن الماضي اثر ورطتها في الصومال عندما بدات في تبني الخبرة الاسرائيلية في حرب المدن وبدا الخبراء الاسرائيليون في تدريب المارينز عليها واقتبس من مقال لمايك ديفيس عام 2004 قول الاخير ان الجيش الاميركي تبنى تكتيكات ارييل شارون في استخدام الحرب "التكنولوجية" لاحتواء ثوار المدن في العالم الثالث .

واضاف نيفا ان القصة الحقيقية لما يحدث "على الارض في العراق من بغداد الى الموصل هي ان القوات الاميركية منشغلة في بناء عشرات الجدران والحواجز الاسمنتية بين وحول الاحياء العراقية" التي تتواصل فيما بينها عبر "بوابات" ، وانه يوجد في بغداد وحدها ما لا يقل عن احدى عشر "جيبا سنيا وشيعيا" من هذا النوع ، وكان حي الاعظمية اول هذه الجيوب وما يزال اشهرها ، بالاضافة الى ابراج المراقبة والدوريات الالية الطيارة على الارض ودوريات المروحيات في الجو والحواجز العسكرية ونقاط التفتيش التي تدقق في هويات العابرين منها ، ليخلص الكاتب الى ان "هذه الجدران قد حولت بغداد الى عشرات النسخ من المنطقة الخضراء ، لتفصل بين الجار وجاره وتخنق التجارة والاتصالات العادية" بين الناس ، "وقد اقيمت جدران مماثلة في مدن عراقية اخرى بينما ما زالت مدينة الفلوجة محاطة بالاسلاك الشائكة ولا يوجد الا مدخل واحد اليها" ، بينما "تتمتع" دار السلام البغدادية ب"رفاهية" وجود اكثر من بوابة مماثلة للدخول اليها والخروج منها . وقد بدات قوات الاحتلال الاميركي مؤخرا في بناء جدار فاصل طوله ثلاثة اميال بين شمال وجنوب مدينة الثورة في العاصمة العراقية التي تطلق المليشيا الطائفية المسيطرة عليها اسم "مدينة الصدر" . فكم هو الفرق حقا بين حال بغداد وبين حال القدس ؟

والمفارقة المثيرة للسخرية حقا ان قوى الاحتلال الاميركي والاسرائيلي ، وقوى "العولمة" ، التي ترفع في غزوها الفكري والاقتصادي الممهد لغزوها العسكري شعار "حرية حركة" البشر والسلع في راس شعارات حقوق الانسان التي تسوقها في المنطقة وتسلط كل الاضواء عليها للتغطية على حرية الاوطان وسيادتها المحتلة والمحاصرة والمستباحة هي نفسها التي تحاصر العرب جماعة واوطانا وافرادا بمزيد من الاسوار تحاول ان تجعل منها ليس جدرانا تمنع حركة الاجسام فقط بل ايضا سدودا لا تنفذ منها اصوات الاحتجاج الصارخة على هذا الوضع الذي يتناقض مع شعاراتها ومع العولمة التي تبشر بتحول العالم الى "قرية صغيرة" ، ثم تحول الاسوار التي تقيمها الدولة القطرية الى تجارة رابحة لنهب المزيد من ثروات شعوب المنطقة ، ولبيع الاجهزة الالكترونية والمجسات المدفونة تحت الارض واجهزة الرؤية الليلية وغيرها من "التقنيات الامنية" والاف الاميال من الاسلاك الشائكة لتعزيز مناعة الاسوار الاسمنتية العربية .

لكن الفصل والانفصال يكمنان في صلب استراتيجية بناة الاسوار والجدران عربا كانوا ام اسرائليين ام اميركيين . وربما لا يعرف الكثيرون ان فكرة الجدار الذي تبنيه دولة الاحتلال الاسرائيلي لترسيم حدودها ، وليس للامن كما تتذرع ، كانت فكرة رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق رابين ، الذي طالما وصفه كثير من الزعماء العرب وبخاصة الفلسطينيين منهم ب "شريك السلام" ، وليس خلفه اللاحق ارييل شارون الذي يعود الفضل له في وضع الفكرة موضع التنفيذ ، فقد نقلت مجلة فورين افيرز الاميركية عن رابين اعلانه في سنة 1994: "علينا ان نقرر الانفصال كفلسفة" .

عندما اجتاحت جماهير عرب غزة معبر رفح الى مصر في شهر كانون الثاني / يناير الماضي كتب مراسل السي ان ان الاميركية يقول: "ان الرغبة في الوحدة وحرية الحركة في العالم العربي تظل عميقة راسخة وكل ما يحتاجه المرء لكي يفهم السبب في ذلك هو ان يعبر حدودا في هذه المنطقة" ، ليضيف ان اجتياح الحدود المصرية الفلسطينية "كان سابقة ، اذ لبضعة ايام في الاقل ، اختفت الحدود بين مصر وبين غزة وبدا ما حل محلها طبيعيا للشعب على جانبيها" .
وقد كان مراسل السي ان ان على حق ، فهذا هو الوضع "الطبيعي" الذي كان الى ما قبل اقل من قرن من الزمن ، والذي ينبغي ان يكون وسوف يكون ان طال الزمن ام قصر ، لان الاسوار والجدران التي تقام الان باسم الحفاظ على السلام والامن والتي تحاول تحويل الحدود بين دول التجزئة العربية الى سدود دائمة هي وضع شاذ وطارئ يسير عكس تاريخ المنطقة التي توحدها الهوية العربية الاسلامية وضد حركة التاريخ المعاصرة . واذا كان الوضع الراهن السائد هو حالة سلم فاي شيء ابقى لحالة الحرب ؟!

* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

الأحد، مايو 25، 2008

هل هذا عرس ديمقراطي ام تعيين للرئيس

سعيد علم الدين
ألف مبروك للبنان على هذا العرس الديمقراطي الذي طال انتظاره! والف مبروك للشعب اللبناني برئيسه الجديد بعد هذا الفراغ المميت! وألف مبروك لفخامة الرئيس العتيد ميشال سليمان الحكيم!
أملنا كبير بقيامة لبنان السيد المستقل الديمقراطي الحر المتجدد على يد المخلصين من أبنائه وفي مقدمتهم قائد المسيرة الميمونة الرئيس سليمان.
ولكن هل ما حدث اليوم الاحد في لبنان عرس ديمقراطي ام تعيين للرئيس ؟ وما قيمة الانتخاب اذا كان الناجح معروف سلفا؟
فهناك من ينتقد الديمقراطية اللبنانية معتبرا انتخاب سليمان نوعا من التعيين على الطريقة العربية المعهودة وبنتيجة 99،99 .
حيث يقول أحدهم "في سورية تم انتخاب رئيس واحد لا يوجد غيره بشار، وفي لبنان تم انتخاب رئيس واحد لا يوجد غيره ميشال. و الحال في بقية الدول العربية مسخرة".
ردا على هذا الكلام السطحي جدا والذي ينظر إلى شكل الديمقراطية وليس جوهرها أقول:
إن الديمقراطية هي روح قبل أن تكون جسدا.
وروح الديمقراطية هي الحرية وقد عبر النواب عن ذلك عندما انتخبوا سليمان بطريقة سرية ودون ضغوط أو تهديد أو إكراه كما حصل في التمديد الإرهابي للحود على يد بشار الأسد. هذا عدا أن المجتمع اللبناني رغم الارهاب البعثي الشمولي الذي تعرض له خلال 30 سنة وبشكل مدمر وقاتل خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وبشكل همجي ارهابي خلال اجتياح بيروت على يد حزب الله وامل وحرق مؤسسات اعلامية لإسكاتها، إلا أنه ظل مجتمعا حرا حيا نابضا بصحافته وأحزابه ومفكريه وتعدديته وعكس سوريا مثلا، لا يوجد معتقل سياسي واحد في لبنان بسبب أرائه.
إن الديمقراطية هي قوانين ودستور قبل أن تكون زخرفة لمجلس الشعب وديكور ورقص ودبكة وفلكلور.
هذا واضح من خلال الصمود الاسطوري لحكومة السنيورة والتي قدمت الشهداء حفاظا على قوانين البلاد وما نص عليه الدستور.
حتى ان الفراغ ومخاض انتخاب الرئيس العسير يدل دلالة واضحة على انه لا يمكن المقارنة بين انتخاب سليمان وانتخاب بشار الذي فصلوا له الدستور على القد تفصيلا.
إن الديمقراطية هي اخلاق عالية، وقيم سامية، ومبادئ ثابتة ومنها احترام وتقبل الاخر قبل أن تكون عملية انتخاب وتصفيق وهتاف بالروح بالدم نفديك يا ابن العم. من رأى عملية الانتخاب في مجلس النواب واللبناني وهمروجة ما يحدث من هتافات في مجلس الشعب السوري يعرف ان المقارنة مفقودة. نتمنى للشعب السوري الشقيق ان ينتخب رئيسه قريبا على الطريقة الديمقراطية الحية وليست الشكلية الصفراء الميتة. ومن هنا فالديمقراطية هي حياة وانطلاق للمجتمع وليست موتا واختناقا، كما يحدث في الدول الشمولية كسوريا وكوبا وايران وليبيا وغيرهم من الدول المريضة بالقائد الضرورة.
لا بد من التأكيد هنا ان المرحلة التي يمر فيها لبنان وشعبه وديمقراطيته حاليا هي مرحلة صعبة، انتقالية، خطيرة، وحساسة جدا وتتطلب التأني والصبر وتضافر كل الجهود لانتخاب الرئيس التوافقي دون منافسات ديمقراطية حادة ستزيد من الانقسامات ولن تجدي في الوقت الحاضر نفعا. على العكس ستعقد المشكلات وربما تفجرها بدل حلها. هذا الحشد الدولي المميز والغير مسبوق والقادم خصيصا للمشاركة في هذا الحدث الديمقراطي البيروتي يدل على نضارة وتألق الديمقراطية اللبنانية في بيتها الأصيل.

إسرائيل تفعل قانون ما يسمى "بالمقاتل غير الشرعي"

راسم عبيدات
.... ما يسمى"بالمقاتل غير الشرعي" حسب التوصيف الإسرائيلي ،هو كل من شارك بإعمال فدائية مباشرة أو غير مباشرة، ولا تنطبق عليه صفة أسير حرب حسب المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة، وقد استخدمت إسرائيل هذا القانون العنصري واللا شرعي والمخالف لكل الأحكام والقوانين الدولية،ضد أسرى حزب الله، وذلك من أجل استخدامهم كورقة ضغط ومساومة في أية عملية تبادل أسرى محتملة،وهذا القانون "القراقوشي"جرى تفعيله قبل عدة أيام فقط،حيث أصدرت قوات الاحتلال قراراً باعتبار عدد من أسرى قطاع غزة"مقاتلين غير شرعيين"، فبعد انتهاء مدة محكوميتهم جرى تحويلهم للاعتقال الإداري، ومن ثم بعد جلاء قوات الاحتلال عن قطاع غزة، جرى تحويلهم للاعتقال الإداري المفتوح، على اعتبار أنهم يشكلون خطراً على أمن دولة إسرائيل، وهذا القانون والذي هو من اختراع المخابرات الإسرائيلية، والتي تعتبر مبدعة ورائدة في هذه القوانين"القراقوشية"، فالجميع يذكر انه بعد أن لمست أجهزة "الشاباك"الإسرائيلية أن الكثير من الأسرى يسجلون بطولات وصمود في التحقيق، وبالتالي عدم اعترافهم بما ينسب لهم من تهم، يجعلهم يفلتون من الاعتقال والمحاكمات وقضاء سنوات طويلة في السجن،فكان قانون تامير عام 1982، وهذا القانون نص على أن أي متهم يرد بحقه اعتراف من شخص آخر،كافي لإدانته ومحاكمته، ومن بعد ذلك سنت وشرعت الأجهزة الأمنية استخدام التعذيب بحق المناضلين والأسرى العرب والفلسطينيين، والذين قضى واستشهد عدد منهم في أقبية التحقيق الإسرائيلية.
والقانون الإسرائيلي القديم الجديد يستهدف إضفاء الشرعية على إجراءات غير شرعية وقانونية ،من خلال احتجاز الأسير كورقة ضغط ومساومة لأطول فترة ممكنة، ودون أية إجراءات قانونية واعتماد على مادة وملف سري، وما يميز هذا القانون عن الاعتقال الإداري ،أن الاعتقال الإداري مسقوف زمنياً،وبعد انتهاء المدة المحددة للاعتقال يتم عرض المتهم على المحكمة مجدداً،للنظر مجدداً في إطلاق سراح المتهم ،أو تمديد فترة اعتقاله مرة أخرى، وفي الغالب يجري تمديد اعتقال المتهم عدة فترات أخرى،تحت يافطة الملف السري،فعدا أن هذا القانون يعتبر انتهاكاً جسيماً لكافة القوانين الإنسانية المتعلقة بأسلوب الاعتقال ومكان الاحتجاز وحقوق المعتقل،كما انه يحرم المعتقلين من ممارسة حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم والاطلاع على التهم المنسوبة إليهم، وسن القانون بهذه الطريقة الخبيثة وتشريعه،يخلق إيحاءات ودلالات غير حقيقية،بان إسرائيل تتعامل مع الأسرى الفلسطينيين وفق القوانين والاتفاقيات الدولية، والصحيح أنها تتعامل مع كل الأسرى الفلسطينيين والعرب على أنهم"مقاتلون غير شرعيين" وإذا كان هذا غير معلن وصريح من المحاكم العسكرية الإسرائيلية، والمخاطر الأخرى لهذا القانون والذي جرى تفعيله ،أن يجري تطبيقه بحق العديد، بل الكثير من الأسرى الفلسطينيين، والذين تنتهي مدة محكوميتهم ،أو تجديد فترات اعتقالهم الإداري، لكي تستخدمهم إسرائيل في عمليات تبادل الأسرى المحتملة مع حماس وحزب الله،فنحن نلمس أن اعتقال النواب والوزراء الفلسطينيين،والكثير من قادة حماس،يجرى احتجازهم واعتقالهم تحت هذا البند، حيث جرى قبل ثلاثة أيام تمديد اعتقال أربعة من نواب حماس للمرة الثانية ،بحجة عدم قدرة النيابة على إحضار شهودها من المخابرات والشرطة، وهي تلجأ لهذا الأسلوب ،لاحتجاز هؤلاء النواب لأطول فترة ممكنة،وفي كل مرة تختلق الحجج والذرائع حول عدم إحضار الشهود ، واللافت هنا أن المحامين والمؤسسات المحلية والدولية ،وكذلك الأحزاب والفصائل،وحتى الحركة الأسيرة نفسها،لم تعر هذا القانون الاهتمام الكافي،هذا القانون الذي يعتبر جداً خطير،والذي يتطلب طرحه على كافة المحافل والمؤسسات الدولية،من أجل فضحه وتعريته ،والعمل على إجبار سلطات الاحتلال على إلغاءه،وهذا لن يكون ممكناً دون أن تأخذ المؤسسات التي تعنى بالأسرى دورها، وكذلك اللجنة الخاصة بالأسرى في المجلس التشريعي،ووزير الأسرى يتطلب منهم ،طرح هذا القانون على جامعة الدول العربية وحتى هيئات الأمم المتحدة،وبدون تصدي جدي وحقيقي لهذا المشروع،فإننا سنشهد في القريب العاجل أن الكثيرين من الأسرى الفلسطينيين،سيجرى اعتقالهم واحتجازهم على ذمة هذا القانون، وتفعيل القانون في هذا الوقت بالذات،ليس عبثياً أو نوع من "الفنتازيا"السياسية، فإسرائيل التي تدرك تماماً ،أن الأسرى الفلسطينيين الذين تستخدمهم كورقة من الضغط والابتزاز السياسي، لا يتم إطلاق سراحهم فيما يسمى ببوادر حسن النية،والمقصود هنا الأسرى الذين تصنفهم "بالملطخة أيدهم بالدماء" ،وبالتالي من أجل أن تستمر في الاحتفاظ بهم لهذه الأهداف والغايات،فإنه لا بد من تقليل أي ثمن تدفعه في أية صفقة تبادل محتملة مع قوى المقاومة الفلسطينية،التي قد تأسر أسرى إسرائيليين،وفي حالة أسر أي من جنودها أو مستوطنيها من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، تلجأ لهذا النوع من الاعتقال ،وتقوم باعتقال عدد من القادة والكوادر الفلسطينية ،تحت يافطة هذا القانون،وتستخدمهم من أجل أن يجري مبادلتهم كجزء من صفقة التبادل المحتملة، مما يقلل من الثمن الذي تدفعه في هذه الصفقة،من خلال إطلاق سراح من جرى اعتقالهم حديثاً،بالأسرى القدماء أو الذين ترفض إسرائيل إطلاق سراحهم،خارج تصنيفاتها وتوصيفاتها ومعايرها،ناهيك عن أنها تريد أن توجه رسالة للشعب الفلسطيني وفصائله،بأن أسر جنود ومستوطنين إسرائيليين، لن يجدي نفعاً في تحرير أسراهم، ويجب التنبه لهذه النقطة الخطيرة، وعلينا أن لا ننخدع في الأوهام أو تنطلي علينا الأمور، فأكثر من 81 أسير فلسطيني،قضوا عشرين عاماً فما فوق،لم تحررهم لا حسن نوايا ولا اتفاقيات سلام ،أوسلو ومن بعدها طابا،ولا وعود أنابوليس،فالعقلية الإسرائيلية القائمة على الغطرسة والعنجهية،والتي صرح قادتها أكثر من مرة ،أن الأسرى الفلسطينيين وقادتهم،يجب أن يموتوا خلف جدران هذه السجون الإسرائيلية، يجعلنا متيقنين ومؤمنين،أن تحرير أسرانا من هذه السجون الإسرائيلية،لن يتحقق إلا من خلال البحث عن طرق ووسائل جديدة،تمكن من إطلاق سراح هؤلاء الأسرى،بعيداً عن امتهان الكرامة والتسليم بالشروط والاملاءات الإسرائيلية.
وتفعيل هذا القانون العنصري والفاشي"قانون المقاتل غير الشرعي"يجب أن يزيد من إصرارنا وعزمنا على فضح كل الممارسات الإسرائيلية بحق أسرانا،ونقل قضيتهم الى كل بيت فلسطيني،وأروقة المؤسسات العربية والدولية ،وتحديداً هذا القانون"القراقوشي"والذي يعني اعتقال مفتوح ولا شرعي وبدون إجراءات قانونية، وهذا غير مستغرب ما دام الجهاز القضائي الإسرائيلي والمحاكم المتفرعة عنه،هي أدوات الاحتلال العسكري ،ووظيفته إضفاء الشرعية القانونية على جرائم الاحتلال وممارساته المتناقضة مع منطق ونصوص القانون الدولي ،وتشريح الاحتلال وتكريس مفاهيمه.

الفليبين تزرع البسمتي لصالح البحرين

د. عبدالله المدني

جميل حقا أن تتفرع مجالات التعاون ما بين جمهورية الفلبين الصديقة ومملكة البحرين إلى مجالات غير مسبوقة، فتتجاوز ميادين استقدام العمالة المدربة والعمالة المنزلية والتجارة البينية والسياحة والتعليم العالي والصحة إلى ميادين تعاون لا عهد لمنطقي الخليج وجنوب شرق آسيا بها، وان تحظى كل هذه التطورات بمتابعة خاصة من القيادتين السياسيتين في البلدين

أما الأجمل فهو أن يكون هذا التطور بدافع تحقيق هدف استراتيجي هو ضمان الأمن الغذائي للطرفين المتعاونين، وذلك طبقا للإعلان الذي نشر مؤخرا حول زيارة وزير الصناعة والتجارة البحريني الدكتور حسن عبدالله فخرو إلى مانيلا ومحادثاته مع نظيره الفليبيني آرثر يوب، وما انطوى عليه الإعلان من تأكيدات فليبينية حول موافقة مانيلا من حيث المبدأ على تملك القطاع الخاص البحريني لمساحات كبيرة من الأراضي في الفلبيبين من اجل زراعة الأرز البسمتي (تحديدا) عليها بهدف تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين من هذه المادة الغذائية الرئيسية وتوفيرها بأسعار معقولة في متناول يد المواطن.

ولسنا هنا بحاجة إلى القول أن هذا المشروع إذا ما قدر له التحول من فكرة إلى عمل ملموس بالدقة والصورة المتوخاة، سوف لن يحقق الأمن الغذائي لطرفي الاتفاقية فقط وإنما لعموم أبناء الخليج، انطلاقا من حقيقة كون الأرز هو المكون الرئيسي لوجباتهم، وحقيقة كون النوع البسمتي منه هو الذي يطلبه المواطن الخليجي دون الأنواع الأخرى، إلا في حالات عدم وجود بدائل. وليس أدل على هذه الحقيقة من تأكيد الجانب البحريني على أن ما اتفق عليه مبدئيا هو استملاك أراض لزراعة ذلك النوع من الأرز بالذات، و الا فان الفلبينيين لا يشترطون أنواعا محددة من هذه السلعة التي تشير كافة الإحصائيات والتحقيقات أن أسعارها ارتفعت 3 مرات ونصف المرة خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، الأمر الذي دقت معه نواقيس الخطر من حدوث اضطرابات سياسية وفوضى اجتماعية في أماكن كثيرة من آسيا وأفريقيا، فترددت صدى تلك النواقيس بأشكال مختلفة مثل: تحذير منظمة اليونيسكو من تزايد ظاهرة إخراج الأسر لأطفالها من المدارس إلى سوق العمل في دول كثيرة من اجل توفير دخول إضافية تعينها على مواجهة الارتفاعات المتتالية في أسعار المواد الغذائية وعلى رأسها الحبوب، أو نداء الأمم المتحدة عبر أمينها العام "بان كي مون" بضرورة القيام بجهود عاجلة من اجل تفادي أوضاع قد تجر العالم إلى الفوضى، وإشارته إلى تأثر بلدان كانت حتى وقت قريب مثالا على الاستقرار مثل السنغال والكاميرون وموريتانيا، أو اجتياح المظاهرات لشوارع دول مثل بنغلاديش التي خرج فيها أكثر من عشرين ألف مواطن من عمال صناعة النسيج (عصب الصناعة الوطنية والمصدر الرئيس للعملة الصعبة) طلبا لزيادة الأجور من اجل مواجهة ارتفاع أسعار الأرز، أو قيام حكومات كحكومة الفليبين بإجراءات خاصة لمحاربة جشع مزارعي وتجار الأرز ومضارباتهم عن طريق طلب مساعدة الولايات المتحدة بتكوين مخزون من الأرز وطرحه في الأسواق بأسعار متهاودة (وهو ما استجابت إليه واشنطون سريعا بإرسالها أكثر من مائة ألف طن من الأرز من المخزون الحكومي الأمريكي مشفوعة بمساعدة نقدية بقيمة مائتي مليون دولار).

في أسباب ارتفاع أسعار الأرز وغيره من الحبوب والذي يتوقع له الاستمرار بحسب " معهد أبحاث الأرز الدولي" الذي يتخذ من الفليبين مقرا له، يمكن ذكر عوامل كثيرة مثل: ارتفاع أسعار الطاقة، تخصيص أو تحويل مساحات وكميات اكبر من الأراضي والمياه والأموال في الهند والصين والدول الأخرى المعروفة تقليديا كمصدرة للأرز لأغراض أخرى غير إنتاج الحبوب، تأثر محاصيل الأرز بالفيضانات والطقس القارس والكوارث الطبيعية التي اجتاحت الصين وفيتنام وبنغلاديش واندونيسيا وغيرها من الأمم المنتجة للأرز هذا العام، لجؤ التجار والمستهلكين على حد سواء إلى التخزين تحت تأثير مخاوف حدوث ارتفاعات جديدة في الأسعار، على نحو ما حدث بصورة واضحة في قطر والولايات المتحدة، واخيرا لجؤ بعض الدول مثل الهند وفيتنام ومصر والصين وكمبوديا والبرازيل إلى رفع أسعار حبوبها و فرض رسوم إضافية على منتجيها و مصدريها بغية تخفيض الكمية المتسربة إلى الخارج وزيادة الكميات المتجهة إلى الأسواق المحلية. والمعروف أن الهند التي تصدر سنويا ما مجموعه أربعة ملايين طن من الأرز حققت الاكتفاء الغذائي في الطعام بفضل ما عرف بالثورة الخضراء في ستينات القرن الماضي زمن رئيسة حكومتها السيدة انديرا غاندي، لكنها اضطرت العام الماضي أن تستورد الحبوب للمرة الأولى منذ ستة عقود بسبب انخفاض مخزونها من القمح. وهكذا فهي تحاول اليوم في نظر المراقبين الا يتكرر ذلك بالنسبة للأرز، ولهذا لجأت في منتصف مارس/ آذار الماضي إلى رفع سعر الطن منه من 650 دولارا إلى 1000 دولار، مع فرض حظر منذ أكتوبر/ تشرين الأول على تصدير الأرز غير البسمتي الأقل جذبا للعملة الصعبة والأقدر من ناحية السعر على ملاءمة ظروف المواطن الهندي الاقتصادية.

وبالعودة إلى جداول الاستيراد الخليجية للأرز، نجد أن 70 بالمئة من واردات دول مجلس التعاون الستة من هذه السلعة كانت من النوع البسمتي الذي جاء جله الأعظم من دولتين هما الهند والباكستان مع سيطرة الأولى على حصة الأسد. وهذا يعكس حقيقتين مهمتين: الأولى أن 30 بالمئة من واردات دول مجلس التعاون من الأرز هي من أنواع أخرى غير البسمتي، وتأتي من دول مثل تايلند والفليبين وفيتنام ومصر والولايات المتحدة وبنغلاديش واندونيسيا، وربما لأغراض توفيرها لغير المواطنين ولاسيما للآسيويين من غير أبناء شبه القارة الهندية. الحقيقة الثانية هي أن جزءا معتبرا من العملة الصعبة المتحصلة من وراء بيع النفط إلى دول معينة مثل الهند تعود إلى الأخيرة في صورة أموال لسداد فواتير الأرز البسمتي الفاخر الذي صارت الهند اليوم تعتبره سلعة استراتيجية، بل لجأت مؤخرا إلى رفع أسعارها للمشترين الأجانب بغض النظر عن جنسياتهم، فأحدثت لغطا امتد من بنغلاديش المجاورة إلى كاليفورنيا حيث تقيم اكبر جالية هندية وصينية خارج القارة الآسيوية. وبهذا فان ما كان يقال من أن التحويلات المالية الضخمة للعمالة الهندية الوافدة إلى الخليج تعود إلى المنطقة في صورة عملة صعبة تدفعها نيودلهي سدادا لفواتير النفط الخليجي المرتفع الثمن، صار يقال مثله حول وارداتنا من البسمتي الذي تعتبر الهند الأولى في زراعته وتصديره على مستوى العالم، تليها باكستان فبنغلاديش فالنيبال، بل الذي طورته الهند شكلا ونكهة ورائحة وتعبئة على مدى أجيال وعقود، فيما تخلفت فيه باكستان لأسباب ليس هنا مجال ذكرها.

وعليه تفتخر الهند اليوم أنها ليست فقط موطن ملك أنواع الأرز أي البسمتي (الكلمة تعني بالهندية الشيء ذي الأريج والنكهة الطيبة او ذي الملمس الناعم)، وإنما أيضا موطن افخر أنواع البسمتي على الاطلاق وهو النوع المعروف باسم " تيلدا" والذي تتميز بحباتها الطويلة التي يصل طولها قبل الطهي إلى 8 مليمتر، وبعد الطهي إلى 18 مليمتر، مع خاصية عدم التصاق الحبات ببعضها البعض. وبإلقاء نظرة سريعة على المناطق التي يأتي منها البسمتي الفاخر في شبه القارة الهندية، نجد أنها المناطق الشمالية والشمالية الغربية في الهند، أي ولايات اوريسا وبيهار واوتار براديش والبنجاب وجامو، إضافة إلى أجزاء من ولاية البنغال الغربية، حيث توجد أوسع رقعة أراض زراعية لإنتاج الأرز في العالم وبمساحة إجمالية تبلغ 44 مليون هكتار من السهول التي تروى بمياه الأنهار المتدفقة من جبال الهملايا في فصول ذوبان الثلوج. وهكذا فان لزراعة البسمتي شروط مناخية وطبيعية خاصة يجب تحققها للحصول على الأنواع الفاخرة والجيدة التي يمكن عرضها للمستهلك الخليجي. بل ربما لزراعته وإنتاجه والعناية بمحصوله أسرار لا يعرفها غير أبناء شبه القارة الهندية الذين توارثوا زراعته وتصديره عبر القرون والأجيال.

وبطبيعة الحال ، لا نريد هنا أن نستبق الأمور فنقول أن مثل هذه الشروط والظروف غير متوفرة في الفليبين، لكننا نتمنى أن يكون الجانب البحريني في اتفاقه مع الفليبينيين قد استدرك هذه النقطة الهامة، كيلا يتكرر ما حدث في الستينات من فشل لمشروع سعودي- تايواني لزراعة الأرز (أيضا) في إقليم الإحساء من المنطقة الشرقية.

الأمر الآخر الذي نتمنى ألا يكون الجانب البحريني قد تعجل فيه هو أن للاسم أي "البسمتي" سحر خاص لا يقاوم، ولا يعوض باسم آخر. وهذا الاسم صار اليوم ملكا خاصا للهنود- الباكستانيون يحاولون أيضا نيل الحقوق الحصرية للاسم لكن دون نجاح - بل دارت معارك قانونية حوله حينما حاولت شركة أمريكية في تكساس عائدة للأمير الليختنيشتايني هانز آدم في سبتمبر/أيلول 1997 وضع اسم "بسمتي" على منتجاتها من الأرز الأمريكي، وقتها وقعت أزمة دبلوماسية قصيرة بين واشنطون و نيودلهي التي هددت باللجؤ إلى منظمة الزراعة والأغذية العالمية لحماية حقوقها. ما نريد قوله بإيجاز، أن استخدام اسم "بسمتي" على المنتج البحريني - الفليبيني المنتظر ليس بتلك السهولة، وبالتالي فتسويقه و قبول المستهلك به ليسا أيضا بالأمر السهل. كما أن إطلاق اسم آخر عليه قريب من بسمتي مثلما فعلت الشركة الأمريكية حينما اختارت اسم "كاسماتي"، لن يحل هو الآخر القضية، بل يفسدها أكثر.

د. عبدالله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة: 25 مايو 2008
البريد الالكتروني
:

نكسة..ونكسات

د. صلاح عودة الله
تمر في هذه الايام وبالتحديد في الخامس من حزيران عام 2008 الذكرى الحادية والاربعون لحادثة حزينة ومؤلمة على الشعب العربي عامة وشعبنا الفلسطيني بصفة خاصة وهي ذكرى حرب الايام الستة أو ما تعرف بالنكسة الثانية, تلك النكسة الذي أدت إلى احتلال ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية وضياع كافة اراضي فلسطين تحت الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي. ان هذه المناسبة تعيد فتح الذاكرة على مرحلة من مراحل المعاناة العربية ـ الفلسطينية لاتزال آثارها المدمرة تعشش في داخل كل مواطن عربي وتلقي بثقلها على واقعنا الراهن.
بين العام 1967 والعام 2008 جرى ماء عربي وإقليمي ودولي كثير. فـ"لاءات الخرطوم" العربية الشهيرة عقب النكسة: "لا للسلام، ولا للمفاوضات، ولا للاعتراف بإسرائيل"، صارت "نعم بالثلاثة"، إذ انتهى العرب جميعاً -ولا يكاد يخرج عن إجماعهم فريق يعتد به- إلى أن يكونوا أصحاب مبادرة سلام تطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها العام 1967 مقابل اعتراف عربي كامل بها، وسلام حقيقي معها.
واحد واربعون عاما والنكسة الشاهد المتجذر في الذاكرة العربية , يحرك مواجع الأمة , ويعيد ترتيب أولويات الآلام فيها , وفي أغلب الأحيان يجدد أو يضيف المزيد منها , حيث الجراح القديمة تتحول دائما إلى مواطن لنزف جديد يرهق الوجدان , ويوسع مساحة القهر.
في النكسة التي تطل هذا العام والجراح قد اتسعت , والشواهد قد تعمقت إلى الحد الذي أضحت فيه جزءا من التاريخ والحاضر على حد سواء , لا يستطيع أحد أن يتجاهل أحكام العقود التي مضت , ولا أن ينسى دروسا امتدت على مدى تلك السنوات , وهي تحرض في كل الاتجاهات وقد ازدادت لغة التحريض فيها , كما اتسعت لهجة الاستنهاض .
مشاهد الانكسار الممتدة على مساحة الوطن لم تترك الكثير من الخيارات , ولم تتح الكثير من الحرية في الانتقاء , حيث الحياد الوحيد المتاح ان تكون خارج التاريخ , أو كما أراد لها الكثير من المنظرين من خارج الحلبة تتفاعل معها كمشاهد أيقن عجزه عن الدخول .‏
هكذا أرادوا أن تكون الهزيمة في الذاكرة , وأن تترسخ النكسة في الوجدان كحالة تعبير عن العجز الكامن , لتضاف إليها آلاف أخرى من أشكال الهزيمة في التاريخ والجغرافيا , في الفكر والممارسة , وأحيانا كثيرة في الوجود .‏ من يبحث في أسباب الهزيمة , وتداعيات النكسة لا تعييه الحيلة في تلمس أوجهها المختلفة , ولا يعجز عن التعرف وبوضوح إلى العوامل التي أدت إليها , ومن يريد أن يقرأ أكثر ثمة الآلاف من الشواهد التي تدفع باتجاه الإدراك الفعلي لدلالة الاستمرار في مناخها , رغم جملة من التطورات التي أعقبتها , وكانت تتوافر لها عوامل النجاح لتجاوزذلك المناخ وتلك التداعيات. وبقي السؤال المعلق إلى متى تبقى تلك النكسة قائمة , ولماذا تستمر بأشكال ونماذج تختلف باختلاف الظروف , وتتلون بتلون المتغيرات , وتتحرك بتحرك الغايات والاهداف ?!‏
إن من السخرية والوقاحة إن يحتفل بوش مع اليهود على ارض فلسطين فيرقص فرحا معهم على أنين شعبنا الفلسطيني الذي يعاني من ظلم الحصار القاتل والإبادة الجماعية يوميا ومن حمام الدم الذي لم يستثني حتى الطفل الرضيع وفي الوقت الذي يطالب الشعب الامريكي بمحاكمة هذا القاتل على جرائمه في العراق الذي استباحت حرمات شعبه وانتهكت أعراض ماجداته واصبحت دبابته وطائراته تدك المنازل العرقية على رؤوس ساكنيها من الشيوخ والأطفال والنساء كما يعاني التراب العربي في الخليج العربي والجزيرة العربية من تدنيس مغول العصر ووحوش الارض له , فرغم كل ذلك فان بوش بعد إن ينهي احتفاله بعذاب شعبنا العربي ينوي زيارة أصدقائه الحكام العرب فهل بعد هذا الهوان العربي سيكون هوان .

إن شبابنا العربي اليوم بحاجة اكثر من أي وقت الى التمسك بالمبادئ الوطنية القومية والثورة التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق على واقع التجزئة والإذلال الذي تكرسه حكوماتنا من خلال انصياعها للمحتل الأجنبي لتعود لأطفالنا ابتسامتهم ولتطمأن أرواح شهدائنا في عليين وليفتح شيوخنا منازلهم بما يحتفظون في جيوبهم من مفاتيح الكرامة فان ساعة الثورة قد حان موعدها ولا يصنع النصر إلا الأبطال .
هل يعيش العرب فعلاً في عالم "القرية الصغيرة"، أم أنهم مصرون على مخاطبة أنفسهم بعد أن استمرأوا دور الضحية الذي يؤدونه باقتدار منذ عقود وعقود؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، كما يجب أن تكون، فإن عليهم –ضمن أشياء أخرى- أن يغيروا الصور النمطية التي يحملونها عن الآخرين كي يغير هؤلاء الصور النمطية التي يحملونها عن العرب.
وهنا استذكر قصيدة شاعرنا العظيم الراحل نزار قباني"هوامش على دفتر النكسة" والتي كتبها في أعقاب نكسة حزيران (يونيو) 1967:
أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه..والكتبَ القديمه..أنعي لكم..كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه..ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه ..أنعي لكم.. أنعي لكم ..نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه.. يا وطني الحزين..حوّلتَني بلحظةٍ ,من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين..لشاعرٍ يكتبُ بالسكين..اذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ ,لأننا ندخُلها.. بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ..لأننا ندخلها.. بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ......السرُّ في مأساتنا,,صراخنا أضخمُ من أصواتنا..وسيفُنا أطولُ من قاماتنا .....يا سيّدي السلطانْ ,لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ..ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..في داخلِ الجدرانْ..لو أحدٌ يمنحُني ,من عسكرِ السلطانْ..قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ.. لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ.. !!

ثم يخاطب الأطفال:
يا أيُّها الأطفالْ..من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ..وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..ويقتلُ الخيالْ..يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ ..وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ..لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ,فنحنُ خائبونْ..ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ..ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ ..لا تقرؤوا أخبارَنا..لا تقتفوا آثارنا..لا تقبلوا أفكارنا..فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ ..ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ ..يا أيها الأطفالْ: يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ..أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ..وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهْ...!!
وفي الختام اقول"للاشاوس" في حركتي حماس وفتح ان ما تحقق من مصالحة لبنانية داخلية نصراً لكل اللبنانيين، وحافزاً لتحقيق مصالحات عربية أخرى وتحديداً على الساحة الفلسطينية،التي ترزح تحت الاحتلال ويخنقها الحصار ويضعفها الانقسام الداخلي بل ويقتلها.وكلمة اخيرة اوجهها الى قادة حركتي حماس وفتح: عودوا الى رشدكم والى طاولة الحوار والمفاوضات, فأنتم ومهما كبرتم ستبقون اقزاما امام من هو اكبر واعظم منكم..وطننا فلسطين كل فلسطين...!
- القدس المحتلة