رضوان عبد الله
المجالس البرلمانية المشتركة للشرق الاوسط ، و المكونة من مجلس حزب العمال للشرق الاوسط و مجلس حزب المحافظين للشرق الاوسط و مجلس حزب الديمقراطيين الاحرار للشرق الاوسط ، شكلت بعثة تقصي حقائق اللاجئين الفلسطينيين " كهيئة مستقلة " في تموز 2000 ، حيث قامت سكرتارية البعثة " بالاتصال بالسلطة الوطنية الفلسطينية و الحكومة الاسرائيلية عبر بعثاتهما الدبلوماسية في لندن للاطلاع على المشروع ..." .
وبعد ان قامت بزيارة مدتها عشرة ايام من اجل " جمع الحقائق من فلسطين و الاردن و سوريا و لبنان " استعانت خلالها البعثة " بنصائح كل من وزارة الخاجية البريطانية و منظمة التحرير الفلسطينية و الاكاديميين و الخبراء المختصين باللاجئين الفلسطينيين حول المنظمات و الشخصيات التي تتوجه اليها... "وبعد ان اجرت " نقاشات طويلة مع كل من الحكومات السورية واللبنانية و الاردنية و السلطة الوطنية الفلسطينية بهدف طلب معاونتهم لعمل البعثة واستشارتهم عن الشخصيات والمنظمات التي يمكن ان تستعين بهم البعثة في كل مراحل عملها ..." قامت بجمع "شهادات اللاجئين " التي كانت نوعان من الشهادات " شهادات شفهية من اللاجئين والتي تشكل الجزء الرئيسي من هذا التقرير ... بالاضافة الى عدد قليل من الشهادات المكتوبة ...
وملخص اجتماعات جمعت من الاجتماعات التي عقدتها البعثة مع مسؤولي المؤسسات والمنظمات والخبراء والقيادات السياسية ..." و جمعت الشهادات ، بحسب التقرير ، باللغتين العربية و الانكليزية، حيث "تم تسجيل اسماء كل اللاجئين الذين ادلوا بشهاداتهم مع ذكر اسم المدينة او القرية المنحدرين منها بالاضافة الى اسم المحافظة اثناء فترة الانتداب ..." قامت اللجنة بترجمة الطبعة الانكليزية الثانية الصادرة في لندن ، آذار 2001 ، لتقريرها الذي اعدته تحت عنوان " حق العودة " ، بعد ان سجلت ملاحظاتها وتوصياتها ، الناتجة عن مجموعة من الاسئلة وجهت لفئة من اللاجئين ، و اخذت شهاداتهم ، و شهادات بعض المؤسسات و المنظمات غير الحكومية العاملة في الوسط الفلسطيني ،إضافة الى شهادات مثقفين و باحثين فلسطينيين ...
و قليل منهم ضمن اطر منظمة التحرير الفلسطينية ، حيث إجتمعت البعثة أيضاً " مع عدد عدد من المسؤولين الحكوميين و مسؤولي المنظمات و المؤسسات المعنية باللاجئين الفلسطينيين " .
ورغم ان الافتتاحية ، وهي بقلم بروفسور ريتشارد فالك من جامعة برينسيتون ، تظهر إهتمام كاتبها بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين و بواقع القضية الفلسطينية و " المأساوية اليومية الحالية للاجئين الفلسطينيين ...." و تبدي صدمة البروفيسور فالك " من الاوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون...
" و تباكيه على " وجود الفراغ المؤسسي القائم منذ عقود ..." إلا انه يتساءل عن مسألة تمثيل اللاجئين و ذلك من خلال " إعادة التفكير حول اهمية قضية اللاجئين لأي عملية سلمية حقيقية ، و في الدرجة الاولى توجد مسألة تمثيل اللاجئين : هل يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية تمثيل مصالح اللاجئين الفلسطينيين في الشتات؟ " مدعيا من مخاوف حول إهتمام " منظمة تحرير فلسطين بحقوق اللاجئين المقيمين داخل الاراضي الفلسطينية الخاضعة لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية " وينسب تلك المخاوف الى الاعتقاد " بأن السلطة الوطنية الفلسطينية تركز بشكل رئيسي على اقامة الدولة الفلسطينية ، و تبدي استعدادا للتنازل عن أغلب ، ان لم يكن كل ، حقوق اللاجئين الفلسطينيين المستندة الى القانون الدولي و المبادئ الاخلاقية ...
"ويكمل الروفيسور فالك " اهتمامه " بالتمثيل الفلسطيني حيث يرجع الى المجتمع الدولي عاتقه و بمسؤولية خاصة " تتعلق بانشاء آلية لتمثيل اللاجئين الفلسطينيين بصفة عامة ، و المقيمين في الاردن وسوريا و لبنان بصفة خاصة ..." ويعزو البروفيسور فالك اهمية التقرير البرلماني الى " احتوائه على عدد كبير من شهادات اللاجئين الفلسطينيين التي عبرت عن صلابة تمسك اللاجئين الفلسطينيين بتنفيذ حق العودة كجزء لا يتجزأ من عملية السلام و المصالحة الاسرائيلية الفلسطينية...." معربا عن موقفه بفرضية قادة الجانبين (الفلسطيني و الاسرائيلي ) بامكانية " التفاوض عل حل يتجاهل المطالب الاساسية للمجتمع الاوسع للاجئين الفلسطينيين ... " بأن ذلك" خطأ كان احد الاسباب الرئيسية التي ادت الى فشل اطار اوسلو منذ البداية ...
من المحتمل ان يؤدي هذا الفشل الى تحلي الطرفين بالواقعية كشرط مسبق لسلام حقيقي ، و التوصل الى آليات تقود الى الارض الموعودة " اما عضو البرلمان البريطاني عن مقاطعة داندي ، اسكتلندا ، إيرني روس ، رئيس بعثة التقصي الذي كتب مقدمة التقرير، أدرك بأن اللقاء مع اطفال مخيم المية و مية هو " جوهر بعثة تقصي الحقائق والسبب الرئيسي لوجودنا في هذا المكان ...
حيث كان اطفال المخيم ، و هم الجيل الثالث من اللاجئين و يعيشون في مخيمات مضى على اقامتها اكثر من خمسين عاماً " فان هؤلاء الاطفال " عندما تحدثوا معنا عن محنتهم، كانوا يتحدثون بصراحة وبدون مواربة ، كانوا معتزين بشخصيتهم بالرغم من الفقر و الحرمان وقسوة حياتهم في مخيمات اللاجئين " ويضيف روس " عكست الطريقة التي تحدثوا بها عن احلامهم في المستقبل عن احزانهم ، لادراهكم ان صفة اللاجئ التي يحملونها سوف تحرمهم للأبد من الفرص التي تتوفر للأطفال الآخرين الذين يعيشون كمواطنين داخل بلادهم ...." و بعد ان يأمل البرلماني البريطاني للأطفال بأن " يكبروا و يتمتعوا بكافة الحقوق و الفر المتوفرة للاطفال في كل مكان .... " يطالب بالعمل لكي " يكون هذا الجيل هو آخر جيل من اللاجئين الفلسطينيين " لأنه " لقد حان الوقت لأن يعودوا الى ديارهم ".
بعد عرض للإطار التاريخي لأزمة اللاجئين و النتائج الرئيسية المستخلصة من شهادات اللاجئين و التي اوجزها التقرير بالنقاط الرئيسية التالية :" جوهر الصراع ـ خطر الاستبعاد ـ عدم التمثيل ـ الارض و الناس ـ الدور البريطاني و المسؤوليات الاسرائيلية و الدولية "، أورد التقرير ملاحظات عامة و تحليل يتضمن " آراء سياسية حالية للاجئين الفلسطينيين و الانتفاضة و التمثيل و موضوع اللاجئين في سياق عملية اوسلو للسلام" حسب ما ورد بالتقرير ، جاءت التوصيات من البعثة التي تحدثت عن الدور " الذي لعبته بريطانيا في تسببها في أزمة اللاجئين الفلسطينيين " حيث شعرت البعثة " بضرورة ان تقوم الحكومة البريطانية بالإعلان عن بعض الالتزامات لإيجاد حل عادل لمأساة اللاجئين الفلسطينيين..." بعد ان فوجئت " بأن كل اللاجئين قد عبروا عن هذا المطلب ..." وحمّل التقرير المجتمع الدولي المسؤولية " حيث ساهم في خلق هذه المشكلة باعلان التقسيم عام 1947 ..."لافتاً النظر الى ان امام بريطانيا "الفرصة المتاحة لتقديم المساعدة في المشاريع الصغيرة و الملحة و العلمية ..." و من هذه المشاريع تمويل مشروع الملفات العائلية في بريطانيا المخصص " لحفظ الوثائق الاصلية لأملاك اللاجئين التي انتزعت منهم في عام 1948 وهي مهددة بالتلف بسبب وسائل الحفظ غير المناسبة ..." ووجدت البعثة " ان منظمة الاونروا تمر بمرحلة خطيرة تؤثر على استمرارها و من البديهي ان يتوفر حل عملي قبيل الشروع في تقليص دورها .
" و يضيف التقرير انه " يمكن ان يكون للمنظمة دور في القيام بوظائف الخدمات الحكومية عن طريق اعارة موظف بريطاني كبير حتى يأتي الوقت الذي يتم فيه الوصول الى حل .
و في كل الاحوال يمكن لبريطانيا ان تقدم البادرة الايجابية الى اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تجاهلهم لفترة طويلة و كذلك الى المنظمة التي تقدم الخدمات الاساسية اليهم ، وذلك عبر دعمها لهذه المهمة الصغيرة و الفائقة الاهمية .." اما التوصية الثانية و التي جاءت تحت عنوان " آليات المطالب الجماعية و المطالب الفردية للاجئين الفلسطينيين " فهي تشكل محاولة لمعالجة عدد غير قليل من المشاكل التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون حاليا نتيجة لعدم توافر الآليات التي تسمح لهم بالتعبير و توصيل اصواتهم " حسب ما جاء في التقرير .
وتعكس التوصية ما اعتبر "مشاعر القلق التي عبر عنها اللاجئون الفلسطينيون في شهاداتهم من استبعادهم من العملية السلمية الرسمية " و التي اسفرت حسب التقرير" عن فصلهم على المستوى التنظيمي و عمليا عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية " و ذلك بسبب " خلق السلطة الوطنية الفلسطينية و نقل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الى الضفة الغربية و قطاع غزة ...
" واقترحت البعثة أخيراً ، الى الاتحاد الاوروبي و الى المفوضية الاوروبية للاجئين " البدء في دراسة كيفية خلق آليتين متمايزتين للاستجابة لمطالب اللاجئين و المنفيين الفلسطينيين ... لمعالجة نوعين من المطالب المتعلقة باللاجئين ...احد هذين المطلبين جماعي : خلق آلية لتمكين و تعزيز الاجراءات الديموقراطية لصناعة القرار عبر تضمين آراء اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات ... وفردي : هناك حاجة للتعامل مع القضية الشائكة الخاصة بالملكية و الاختيار الفردي بين العودة و التعويض على اساس الحقوق الفردية ...
" و تود لجنة تقصي الحقائق " ان توصي الاتحاد الاوروبي و مفوضيته بالبدء في دراسة العناصر النظرية و العملية لهذه الآلية خاصة انها في وضع يتيح لها القيام بذلك ..." اما تشكيل و اجراءات عمل بعثة تقصي الحقائق فجاءت" بعد ان اجتمعت اللجنة البرلمانية المشتركة لتقصي الحقائق الخاصة باللاجئين الفلسطينيين ، استجابة الى القلق المتزايد بين اعضاء مجلس النواب البريطاني حول التجاهل الخطير لمسألة اللاجئين في ظل اتفاقيات اوسلو .
" حيث شعر المجتمعون " ان موضوع اللاجئين لم يحظ بالاهتمام الكافي بالرغم من حجم و تعقيد المشكلة و اهميتها الجوهرية في العملية السلمية و في أذهان الفلسطينيين في كل مكان ." وتركزت اهداف البعثة بإعداد ورقة عمل حددت فيها الاهداف العامة و الاطار القانوني للمشروع و صيغت ورقة العمل " وفق مبدأ اختيار اللاجئين في اطار قرار الامم المتحدة 194 ، و على اساس انه يوفر افضل اطار يمكن العمل بموجبه ..." ، و حدد الغرض من جمع شهادات اللاجئين مساعدة اللجنة " في خلق آلية تمكننا من توصيل آراء و مطالب اللاجئين الفلسطينيين المتعلقة بحق العودة بشكل مباشر و اصيل ..." . وكان احد المهام لزيارة اللجنة الى المنطقة " التعرف الى آراء المسؤولين و الحكومات و المنظمات في المنطقة و المرتبط عملها بتجمعات اللاجئين ".
بعد ان ادركت اللجنة ان موضوع اللاجئين " يؤثر على العديد من دول المنطقة ، و بخاصة الدول المضيفة التي استضافت اللاجئين الفلسطينيين لأكثر من خمسين عاما ، و يجب ان يتناول أي حل ، مطالب حكومات هذه الدول المضيفة." أما المبادئ الارشادية التي استندت عليها البعثة فتركزت حول مبدآن اساسيان : " الاول المسؤولية التاريخية و القانونية للمجتمع الدولي نحو اللاجئين الفلسطينيين ، وتمثل الثاني في حق اللاجئين في الاختيار ".
و التزمت البعثة " بوجهة النظر التي تفسر قرار الامم المتحدة 194 باعتباره الاساس القانوني الذي يستند عليه حق العودة للاجئين الفلسطينيين ". بعد ان ادركت ان " هذا القرار يتألف من اربعة مكونات : العودة ،إعادة الاسكان ، و التأهيل الاقتصادي و الاجتماعي ، و التعويض " وبعد ان اقتنعت البعثة " بأن هذه الحقوق لا تتعارض ، بل بالاحرى، تتوافق ، مع القانون الدولي المعمول به .
" بينما اختارت البعثة ان يكون احد مبادئ عملها " الموافقة و الشمولية ، اذ يشكل اللاجئون الفلسطينيون ثلثي الشعب الفلسطيني..." ، لذا رأت البعثة ان مشاركة وموافقة اللاجئين الفلسطينيين " ضرورية لانجاح اي صيغة سلمية ، و يجب التوصل الى حلول تستند الى القانون الدولي و الموافقة الشعبية و التي تعتبر من العلامات المميزة للقانون الدولي الحالي التي تؤيدها بريطانيا باستمرار في مواقفها السياسية الخارجية بدون استثناء ...." .
رغم الملاحظات التي ممكن ان نسجلها على اداء البعثة بالنسبة للشهادات الموجودة ، حيث ورود بعض الاسماء التي نسبوا أصحابها على انهم باحثين ، و اسماء اخرى لمسؤولي منتديات او تجمعات او حتى مجموعات ، و نحن نعرفهم جيداً ، و من ناحية اخرى هناك محاولة تغييب لدور منظمة التحرير الفلسطينية بطريقة أو بأخرى ، رغم الاتصالات المسبقة من قبل البعثة بالمنظمة ، و رغم وجود شهادات صادرة عن أعضاء سابقين في الهيئة التنفيذية للمنظمة او اعضاء سابقين لهم علاقة بملفات اللاجئين في المنظمة ، طبعا مع الاحترام والتقدير لكافة الاسماء و الاشخاص ، و رغم الاخطاء الكثيرة الواردة بالترجمة التي عبرت عن جهل المترجم بالاسماء باللغة العربية ... حيث تكررت الاخطاء .
رغم كل شيئ ربما تكون البعثة البرلمانية البريطانية لتقصي الحقائق حول اللاجئين الفلسطينيين هذه ، و هي هيئة مستقلة كما ورد خلال التقرير ، قد بدأت بدايةً أقل ما يمكن أن نقول أنها تكفرعن الذنب الذي اقترفه آبائهم وأجدادهم ، حيث نستطيع ان نعتبر ان هذا التقرير يشكل مبادرة غير عربية ، صادرة بلغة غير عربية أيضاً( التقرير صدر اساساً باللغة الانكليزية ) ، لتوصيل رسالة الى المجتمع الدولي حول الحق الفلسطيني بعودة اللاجئين الى ارضهم و وطنهم ، و من المهم جداً أيضاً الاستفادة من هذا الموقف البرلماني البريطاني المتقدم والذي يشكل ظاهرة صحية في مجتمع أعمته غيوم الصهيونية عن الحق العربي حتى أصدر قادته وعد بلفور المشؤوم ، و شرد شعباً تمتد جذوره لآلاف السنين في فلسطين ، و لربما يكون هذا التقرير كلمة حق من جزء من نواب الشعب البريطاني الذي ينحدر من امبراطورية استعمارية لم تكن تغيب عنها الشمس يوماً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق