الجمعة، مايو 23، 2008

انهيارات ملونة بنكهة الموت

نيللي المصري

للوهلة الأولى حين تجوب شوارع غزة التي أصبحت ملاذا للأشباح و التي تكاد تخلو من المارة خاصة وقت الظهيرة والذي من المفترض أن تكون شوارعها بمثل هذا التوقيت مكتظة بالمارة من الموظفين المغادرين عملهم وطلبة المدارس والجامعات وضحيح السيارات وتنقلات المواطنين..هذه المظاهر كلها لم يعد لها وجود بسبب مؤثرات الحصار التي أثرت بشكل كبير على كافة مناحي الحياة..
وجبة واحدة تكفي
استوقفتني بعض المواقف التي لفتت انتباهي من بينهما أمر تلك السيدة الذي لفت انتباهي إليها بينما كنت عائدة من عملي سيرا على الأقدام بدا عليها الإعياء الشديد والإرهاق.. بخطى مثقلة تتنقل هنا وهناك وتجوب شوارع غزة التي باتت خالية من المارة تبحث عن ضالتها.."أم العبد" سيدة في العقد الرابع من عمرها بدأت وكأنها في أواخر الستينيات لما رسم من ملامح الألم والحسرة على وجهها، تقول "أم العبد" : منذ الصباح خرجت من المنزل متوجهة إلى محطات تعبئة غاز الطهي لكني فشلت فالمحطات أغلقت أبوابها ولم يعد لنا أي سبيل لذلك، وتمضي بقولها: نصحتني إحدى الجارات أن اشتري "قرص كهربائي" ما يشبه المدفأة للطهو بشكل مؤقت إلى أن يتم حل مشكلة انقطاع الغاز المنزلي،وتشير إلى أن زوجها مريض يرقد بالفراش وليس بمقدوره الخروج من المنزل والبحث عن الغاز أو مستلزمات أخرى سيرا على الأقدام، وتركت أطفالي عنده ينتظرون عودتي بأمل كبير أن ينعموا بأكلة مطبوخة، وتشير بألم ويأس لا ادري كيف سنستخدم قرص الكهربا للطهي والتيار الكهربائي ينقطع باستمرار ويبدو أننا سنضطر للعودة إلى أكل النواشف والساندويتشات والاعتماد على وجبة غذائية واحدة فقط.
فيما أكدت الحاجة "أم سليم أبو سعده" من بيت حانون شمال غزة أنها فشلت في تعبئة اسطوانة الغاز الوحيدة في المنزل بعد نفاذها قبل أكثر من أسبوعين، فمحطات الغاز أقفلت بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال الوقود وغاز الطهي، وتقول: حتى "القرص الكهربائي" الذي من الممكن استخدامه بشكل مؤقت في الطبخ إلا أن ثمنه أصبح باهظا لا استطيع ابتياعه، فأصبح ثمنه "60 شيكلا" بدلا من "25 شيكلا"، وزوجي عاطل عن العمل ودخل الأسرة محدود والاعتماد الأساسي على المساعدات الإنسانية، وتضيف "أم سليم" لم نقف مكتوفي الأيدي واضطررنا للطهي على الحطب وإيقاد النار في حوش المنزل ليس من أجلنا ولكن من اجل أطفالنا الذي مازالوا صغارا لا يدركون ماهية الأزمة.
على ناصية الموت
المرضى من سكان قطاع غزة دائما وأبدا حكاية ألم، ممنوعون من السفر للعلاج وهو أبسط حق من حقوقهم كبشر، والدة الرضيعة" سلوى ناهض طواحنية" ثمانية شهور التي انضمت إلى قافلة شهداء الحصار منذ أمس تساءلت بألم وحسرة ما ذنب هذه الرضيعة منعها من السفر والعلاج بالخارج، لقدت فقدت أغلي ما عندي طفلتي الصغيرة لم اقدر على مساعدتها وإنقاذها، لازالت ضحكتها ومداعبتها لا تفارقني أبدا ، و بانضمام الطفلة سلوى إلى قافلة شهداء الحصار يصل عدد القافلة إلى "156" شهيدا وشهيدة، و أكدت مصادر طيبة فلسطينية أن الموت يتهدد قائمة كبيرة من المرضى من أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة جراء عدم تلقيهم العلاج بسبب عدم توفر الأدوية الناجم عن الحصار الظالم الذي يفرضه الاحتلال على غزة منذ نحو عام، ومنعهم من مغادرة القطاع لتلقي العلاج.
الأجنة والمصير المجهول
وتتواصل معاناة أبناء قطاع غزة المتفاقمة كل يوم خاصة والتي أثرت بشكل كبير على النساء منهم، السيدة"رجاء سامر" تبلغ من العمر"27" عاما وهي حامل بشهرها الثامن بدت علامات القلق عليها وهي تشعر باقتراب موعد ميلادها فهي تسكن بمنطقة بعيدة عن المستشفيات الرئيسية، وتقول: ما أخشاه هو أن يأتي موعد الولادة ولم استطع الوصول إلى المستشفى، فلا سيارات إسعاف ولا سيارات أجرة ولا وقود أصلا، وأضافت مازحة متعالية على خوفها يبدو أنني سأضطر لأحجر عربية كارو يجرها الحمار لنقلي إلى المستشفى، وأكدت أنها لا تستطيع أن تواصل ترددها على العيادة الطيبة بشكل مستمر للاطمئنان على حالتها الصحية وحالة المولود نظرا لبعد المسافة وانعدام الوقود.
أما السيدة "فتحية سرحي" البالغة من العمر" 29" أم لثلاثة أطفال وحامل بشهرها السادس أكدت لنا خوفها الشديد على حياتها وحياة جنيها فهى تسكن بمنطقة قريبة من حدود التماس مع الاحتلال حدود عام67 والتوغلات الإسرائيلية والقصف مستمر بشكل شبه يومي، وتخشى الإصابة خلال هذا التوغل وتعرض حياتها وحياة أطفالها للخطر كون سيارات الإسعاف حتى وان توفرت لها الوقود لن تستطيع الدخول للمنطقة، فان حياتي أنا وأطفالي بخطر لا شك فيه.
الأرامل والمطلقات قلق لا ينتهي
وتتفاقم المعاناة بين النساء وهذه المرة بين النساء الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن سواء خلال مواجهتهم الاحتلال أو من خلال الاقتتال الداخلي وغير ذلك، فكل منهم رحل وخلف ورائه هموما ومسؤولية كبيرة على عاتق الزوجة تواجه مصيرا قاسيا في خضم مجتمع يعاني أساسا من النظرة الدنيوية للمرأة المطلقة أو الأرملة،
السيدة "حنان سعيد" في العقد الثالث من عمرها توفي زوجها بعد إصابته بمرض مخلفا لها خمسة أطفال،تقول: كنت أسكن مع عائلة زوجي بنفس البيت وعندما توفي تغيرت مناحي الحياة وأسلوب المعاملة لي كوني أصبحت أرملة وفرض عليا الإقامة الجبرية وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى كالمستشفى فقط واخبروها بأنهم سيلبون كافة احتياجاتها هي وأطفالها ، وأكدت أنها تعاني الأمرين من نظرة المجتمع إليها ولا تستطيع التحرك بحرية، وكانت تتمنى أن تعمل بدلا من أن تعتمد على مساعدات أهل زوجها فقط.
أما السيدة "م.ع" مطلقة رفضت الكشف عن اسمها أوضحت أنها تتعرض دوما لضغوطات نفسية واجتماعية وتحجيم لتحركها كونها سيدة موظفة، مشيرة إلى أن البعض من الناس حاولوا التحرش بها ، وقالت والدموع تملأ عينيها: لا ادري ما الجرم الذي ارتكبته كوني أصبحت مطلقة، كان من المستحيل أن استمر مع زوجي الفاسد أخلاقيا فقد كان يضربني ويهينني بشدة وتضيف: احمد الله أنني لم أنجب منه أطفالا وسوف أواجه المجتمع ارفض أي مذلة أو أي اهانة.
إحصائية
وكانت الإحصائيات والأرقام التي أوردتها المحاكم الشرعية الفلسطينية أن هناك زيادة ملحوظة طرأت علي نسبة الطلاق في قطاع غزة، وكذلك علي قضايا النفقة التي تقيمها النساء ضد الرجال، خلال العام المنصرم 2007، متوقعة ارتفاع النسب في العام الجاري إذا ما استمر الفقر والحصار المفروض علي السكان الذي أثر علي سلوكهم في الحياة، وكانت التقارير التي أعدتها المحاكم الشرعية بينت أن نسبة الطلاق إلي الزواج بلغت 1 إلي 7، وهي أكبر من سابقتها التي كانت 1 إلي 8 خلال الأعوام الماضية، اضافة غالى ارتفاع ملحوظ في نسبة عدد الأرامل نظرا للظروف التي يمر بها المجتمع الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات: