الخميس، يوليو 31، 2008

ملامح القرار 1559 .. عرب يقرأون إشارات أميركا

شوقي مسلماني
خروج القوّات السوريّة من لبنان .. كان يحظى بتأييد غالبيّة اللبنانيين، ولو لغايات مختلفة .. منها لتحقيق أجندة إسرائيليّة أو أميركيّة، ومنها سياديّة بامتياز، ومنها للحفاظ على علاقات وديّة أمتن .. في محيط متغيّرات لا بدّ أن تُحتَسب.. ومنها أخيراً وليس آخراً نعيق خلف كلّ ناعق.
وما من حاجة للتفصيل في تاريخ الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانيّة، ومَن غطّاه، وروّج له، ومَن ناهضه، ومَن التحق به في ما بعد منتفعاً ..
إنّما الحاجة للتأكيد أن القرار 1559 الذي قضى بإخراج القوّات السوريّة من لبنان كان لحساب غرب إمبريالي له مخطّطاته .. فعندما يبدو أنّ لبنان ـ المزرعة على مشارف أن يلفظ أنفاسَه كما في بدايات الحرب الأهليّة اللبنانيّة .. سرعان ما تبادر أميركا ومعها أنظمة عربيّة تدور في فلكها لنجدة لبنان ـ المزرعة.
وعندما تطلب أميركا من سوريا التعاون في العراق (تفيد معلومات أن الإدارة الأميركيّة طلبت من سوريا أن تزوّدها 60 ألف جندي) على شاكلة التعاون الباكستاني في أفغانستان .. وأقلّه التعاون الذي تبديه السعوديّة ومصر والأردن تسهيلاً للإحتلال في العراق .. وعندما تعلن سوريا أنّ "الجيش السوري ليس في خدمة الإحتلال" ..
وعندما يُعلن الرئيس السوري صراحة: "إنّ العراق أرض عربيّة، وعلى الإحتلال أن يخرج منها" ويضيف: "وعلى كل إحتلال في أي أرض عربيّة أن يرحل" ..
يبدأ المخطّط المعادي لسوريا في الظهور إلى العلن. المطلوب من سوريا هو أن تكون أداة .. وإلاّ فالعقاب. وكلّ مراقب يتذكّر تصريح الرئيس الباكستاني برويز مشرّف حيث قال أنّ الإدارة الأميركيّة حذّرته، إذا لم يتعاون، ستعيد باكستان إلى العصر الحجري.
ويصرّح الرئيس الأميركي جورج بوش قائلاً أنّه والرئيس الفرنسي إشتركا في صياغة القرار 1559 (ويتحدّثون عن المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتّحدة) وبالطبع يقضي هذا القرار أن تنسحب سوريا من لبنان ..
إنّما لا بدّ من إنفجار تخرج من بين دخانه وجوه أيقنت أنّه لا رادّ لمشيئة البيت الأبيض .. ولا بدّ من الإحتفاظ بمقعد .. وستجد في أميركا وعرب سنداً .. وهو ما حدث بعد أشهر من إستصدار هذا القرار الذي قتل النائب رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق .. وقتل المزيد من القيادات .. في المراحل التالية .. وأدخل لبنان في نفق وسط أجواء مشحونة بطائفيين وعنصريين.
وبغطاء من هذه الأجواء المشبعة بالتآمر أرتكبت إسرائيل جريمتها الجديدة بغزو لبنان .. وفي حساباتها أنّها ستصفّي الحساب مع المقاومة التي دحرتها سنة ألفين بعد إحتلال دام عقدين من السنين لأراضٍ في الجنوب تمتد مع حدود فلسطين المحتلّة إلى أكثر من مئة كلم، وفي الداخل اللبناني إلى عمق 20 كلم.
وعلى رغم الدعم الذي تلقّته إسرائيل في حرب تمّوز 2006 من "المجتمع الدولي" والدول العربيّة "المعتدلة" أو المعدّلة جينيّاً .. ومن اللبنانيين المستيقظين على "حبّ الحياة" .. والذين أسرعوا إلى السفارة الأميركيّة مذهولين من إحتمال إندحار إسرائيل في هذه الحرب أيضاً .. وإجتمعوا إلى مأدبة مع وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كونداليزا رايس .. التي برّرت لهذه الحرب باعتبارها "آلام مخاض الشرق الأوسط الجديد".
إندحرت إسرائيل في هذه الحرب أيضاً، وكذلك انفضح أنصار القرار 1559 .. باعتبارهم أدوات في مشروع هيمنة إمبرياليّة تتّخذ منحى أكثر فظاظة ..
أبرز عناوينها ما تعرّض ويتعرّض له العراق من مغول القرن الواحد والعشرين، واستمرار نهب فلسطين، وتجويع غزّة، والتآمر على سلاح المقاومة، وعلى القوى الممانعة في لبنان، كذلك التآمر على إستقرار سوريا ووحدة شعبها وأراضيها، وانفضحت أنظمة عربيّة متحالفة مع إسرائيل (مصر كامب دايفيد، وأردن وادي عربة) وأنظمة لعبت تاريخيّاً دور رأس حربة ضدّ اليسار والقوميين العرب والناصريّة .. وفي طليعة هذه الأنظمة السعوديّة التي تغذّي لفتنة من أجل حرف الصراع وتحويله من صراع عربي ـ إسرائيلي، أو عربي ـ أميركي .. باعتبار أن إسرائيل تفصيل في المشروع الإمبريالي، إلى صراع طائفي سنّي ـ شيعي لا يسلم منه مسيحيّو لبنان وسوريا إلاّ بقدر ما سلم منه مسيحيّو العراق .. الذين انخفض عددهم إلى أقل من الربع، كما انخفض عدد مسيحيي القدس إلى أقل من واحد بالمئة، أو بتعبير النهار البيروتيّة إلى "حمولة طائرتي جامبو" .. ما حدا بالراحل جوزيف سماحة للقول أنّ التاريخ قلّما عرف رؤساء يتآمرون على وحدة شعوبهم كما يفعل قادة عرب.
أمّا البديل عن الصراع الطائفي الداخلي حرفاً للصراع الأصلي فهو الصراع العربي ـ الإيراني إنطلاقاً من تعابير عنصريّة تستحضر "الفرس" و"الخطر الفارسي" .. بالإضافة إلى "خطر المفاعل النووي الإيراني" حيث إستهجن محمّد حسنين هيكل في مؤتمر له هذا الإستعداء العربي الرسمي للجمهوريّة الإيرانيّة وخصّ النظام المصري مستغرباً هذا العداء لإيران "بذريعة أنّها قد تمتلك قنبلة ذريّة في غضون عشر سنوات" وهي البعيدة فيما يتناغم مع إسرائيل الرابضة على حدودة "وتمتلك أكثر من 150 قنبلة ذريّة". وفي المؤتمر ذاته لقضاة مصر ذكر هيكل أن أجهزة مخابرات ثلاث دول عربيّة إشتركت في إغتيال القائد عماد مغنيّة صانع يوم التحرير سنة ألفين، وصانع إنتصار حرب تمّوز 2006.
لم يذكر أسماء الدول العربيّة التي تتبع إليها هذه الأجهزة موقناً أن المستمعين لمحاضرته لا تنقصهم الفطنة. وإذا تعرّض صانعو وأنصار القرار 1559 لنكسات إلى الآن تجلّت أخيراً بانتفاضة بيروت وإزاحة العقبات التي كانت مانعة لإنتخاب رئيس جمهوريّة وحكومة ومتمنّعة ضدّ "الثلث الضامن" أو "المعطّل" للقرارات الحكوميّة المشبوهة ومنها السعي لبيع شبكة الإتّصالات الهاتفيّة من قبل المروِّج للخصخصة .. وزير الإتّصالات السابق، علماً أنّ هذه الشبكة هي "نفط لبنان" بتعبير رئيس مجلس النوّاب، ومنها القرارين المشؤومين القاضيين بإبعاد العميد شقير عن المطار الدولي على نحو عمل عصابات، وتفكيك "شبكة الإتّصالات" أو "سلاح الإشارة" التابع للمقاومة، وهو السلاح الذي أشار إليه تقرير فينوغراد الإسرائيلي أنّه لا يمكن هزيمة حزب الله إلاّ بتفكيك نظام اتّصالاته أوّلاً (البعض يستفظع تهمة العمالة، وكأنّ العمالة هي فقط أن تكون على جدول مدفوعات الموساد الإسرائيلي أو الإستخبارات الأميركيّة، وليست أيضاً أن تتبادل الخدمات مع أجهزة معادية) فهذه الإنتكاسات لا تعني مطلقاً أن المخطّط الأميركي الإسرائيلي الرجعي العربي العميل قد إنكفأ إلى مرحلة ثانية تحتاج ترتيبات أكثر تعقيداً وأكثر ملاءمة .. وإشارات هذا الإنكفاء يمكن إستبيانها من تصاريح، وتغيير في تحالفات .. سيكون لها رصد آخر.

قانون سحب المواطنة .. عقاب جماعي للعرب في اسرائيل

نبيل عودة
أقرت الكنيست الاسرائيلية ، يوم الأثنين ( 08 – 07 – 28 ) سحب مواطنة الدكتور عزمي بشارة نهائياً . ووفق القانون تمنح للمحاكم صلاحيات سحب المواطنة بناءً على طلب وزير الداخلية وبموافقة خطية من المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بحجة "خرق الولاء للدولة".
ان سحب مواطنة الدكتور عزمي بشارة ، ليست هي المشكلة ، المشكلة كما اراها أكثر اتساعا من عزمي بشارة ، وتتعلق بمساحة الحرية للجماهيرالعربية في اسرائيل ، واقرار قانون فاشي ضد حرية التعبير للمواطنين العرب، بحيث يجد كل مواطن نفسه عرضة للتجريد من مواطنته بسبب تعبير عن رأيه ،لا يعجب اوساطا عنصرية.
لست من مؤيدي سياسات عزمي بشارة ، ولا من المدافعين عن تصرفاته ، ولكن ما يجري هي لوحة سوريالية ، تستغل فيها قوى اليمين العنصري المعادية للجماهير العربية ولمجرد بقائها في وطنها ، قضية شخصية لعزمي بشارة ، من أجل تضييق الخناق على المساحة الدمقراطية الضيقة أصلا لكل العرب في اسرائيل ، وتستغل هذا الموضوع لاقرار قوانين لا يمكن وصفها الا بالقوانين الفاشية. هذا القانون يجب ان يدفع القوى السياسية العربية والقوى الدمقراطية اليهودية لحملة شعبية وقانونية ودولية اذا لزم الأمر، من أجل فضحه وابطاله.
أكرر ، لست مدافعا عن أخطاء لا تليق بأن يرتكبها قائد حزب سياسي ، ولكن من الصعب في هذا الموقف المركب توجيه الانتقاد فقط لتصرفات شخصية سياسية بمستوى الدكتور بشارة ، واستغلال تصرفات ، قد نختلف في تبريرها لفرضقانون عقابي فاشي على شعب كامل .
من المؤكد ان اختيار مغادرة الوطن لم تكن خيارا سهلا . ولكنه خيار الذي فقد كل الخيارات السياسية الأخرى . ان ما ينكشف بوسائل الاعلام حول تهم غسيل الأموال يوقعنا في حيرة ، خاصة بوجود شاهد كان ينقل الأموال للسيد بشارة وهو السيد فراس عسلية الذي أعترف بنقل الأموال للدكتور بشارة ،وادين قضائيا.
الموضوع بالطبع يعطينا درسا حول نوع القيادات ( ليس عزمي لوحده فقط ،بل غيره أيضا ) ومدى مصداقية الثقة بتصرفاتهم . وخطر أخطائهم على جماهيرنا .
عندما تغيب الرقابة يقع المحظور ، ويتحول الى حمل ثقيل على جماهير شعبنا كلهم . هناك أخطاء سياسية ترتكب لا تقل مأساوية عن أخطاء تبييض الأموال ، أو غيرها من التصرفات السياسية الهوجاء .. انا اقيم فاصلا كبيرا بين تصرفات شخصية يعاقب عليها القانون ، وبين اقرار قانون هو عبارة عن عقاب جماعي ضد شعبنا كله ، مستغلين هروب زعيم ما من المثول امام القضاء للدفاع عن نفسه وعن مصداقيته الشخصية والسياسية .
هذا الموقف لا يترك مجالا الا الادانة غيابيا مع الأسف الشديد ، وكل التبريرات التي ساقها المدافعون عن زعيمهم ، هي تبريرات غير مقنعة اطلاقا.. وكما نرى تستغلة السلطة الحاكمة لجعله ادانة لكل الجماهير العربية ، وسيفا فاشيا مسلطا فوق حرية التعبير والنشاط السياسي للعرب في اسرائيل.
شعبنا لا يمكن ان يكون مسؤولا عن تصرفات أي شخص مهما تبوأ من المراكز السياسية أو الرسمية . وخطوة الكنيست تعمق الغضب من الواقع السياسي والأجتماعي والأقتصادي الذي تعاني منه الجماهير العربية ، وقاد في الماضي الى هبة أكتوبر 2000 التي ما تزال اسقاطاتها ماثلة في حياتنا وحياة الدولة حتى اليوم .
حاكموا المتهمين بالفساد ولكن لا تحكموا غيابيا على المواطنين العرب في اسرائيل . ومشكلة اختيار عزمي بشارة للبقاء خارج اسرائيل ، وعدم مواجهة التهم ، هي ادانة تستغلها السلطة لتحولها الى ادانة جماعية وعقاب جماعي.
التحدي المطروح امامنا اليوم ليس عزمي بشارة ، المتجول بحرية بين قصور الأمراء ، بل صيانة مساحة الحرية وحقوق المواطنة والانسان ، امام الهجوم الفاشي اليميني الأرعن .
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة

التغيير والإصلاح لا يتم بواسطة فرمانات ـ الجزء الأول

لاحظ س. حداد
بعد كل اجتماع لتكتله، يتحفنا الجنرال بنظريات إصلاحية يريد اعتمادها وصولاً إلى التغيير المنشود،
ويصدر ما يشبه الفرمانات الهمايونية التي يتراكضُ أتباع السلطان العثماني أو الفوهرر الألماني،
إلى التقيّد بها وتنفيذها استنساباً ومرحلياً!
أولى هذه النظريات كانت : نظرته إلى الديمقراطية وفهم معانيها،
ثاني هذه النظريات كانت : نظرته إلى المقاومة وسلاحها،
الثـالثة والأخيـرة كانت : نظرته إلى المعتقلين في السجون السورية...

في هذا الجزء الأول نتناول مطالعة الجنرال المعلم ميشال عون حول الديمقراطية..

هناك بعض الأمور نسمعها اليوم تبين بعض الجهل في الديمقراطية يقول الجنرال ميشال عون في مطالعة قدمها خلال مؤتمره الصحافي الذي أعقب الاجتماع الأخير لتكتل التغيير والإصلاح يوم 8 تموز 2008 .. ويضيف: في الدول الأعرق في الديمقراطية وعندما يكون البلد في مرحلة أزمات يقوم إئتلاف بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة فيها.. مثلاً في المانيا هناك ائتلاف بين الموالاة والمعارضة حتى يتخطوا أزمة معينة، أو أن يكون توازن في الحكم ولا يمكن لأي أحد أن ينفرد به.. ويردف: فإذا من لا يقدر أن يفهم هذا النموذج، أي أن تتفق المعارضة والموالاة على الحكم إذا وصلوا إلى حد أدنى من الاتفاق على مصلحة الوطن،.. ويكرر: يجب أن يفهموا أنه في أعرق البلاد ديمقراطية يصير هناك اتفاقفي الأزمات الكبيرة.. هذا بصرف النظر إذا كان النظام نوافقيا أو أكثرياً، فكم بالحري في البلاد التي فيها نظام توافقي كما في لبنان حيث يكون التوافق شيئاً مهماً جداً في حياة الوطن..

(1) فهم الديمقراطية
صحيح أن هناك بعض الجهل للديمقراطية في لبنان وليس هناك من يدعي العكس.. فالدستور اللبناني الذي جرى تعديله بعد اتفاق الطائف، سحب الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية وأكْثَرَ من صلاحيات رئيس الحكومة وجعل من رئيس المجلس النيابي حاكماً منفرداً لهذا المجلس.. وهذا ما حوّل النظام اللبناني إلى حكم طائفي توافقي ثنائي الأطراف.. وإذا ما بحثنا كيف أن كلاً من الطرفين يمثل طائفة ما، فإن النتائج والأهداف لن تبقى وطنية بل هي تنقلب طائفية بامتياز..
وإذا ما نظرنا إلى ما يمثله رئيس الحكومة بالإضافة إلى رئيس المجلس النيابي، نجد أنهما سوياً ضلعان مذهبيان في الطرف المسلم في المعادلة الوطنية في حين أن رئيس الجمهورية يمثل وحده الطرف المسيحي، بكافة أضلعه، في هذه المعادلة..
في البدء، قد يترائى لنا أن موقع رئيس الجمهورية يوازي موقعي رئيس الحكومة والمجلس النيابي مجتمعين.. وهذا قد يدفع ببعض المسيحيين للتشاوف على المسلمين وبالتالي يتقد الغضب في قلب الطرف المسلم أو أحد ضلعيه فيأخذ بالتصلّب في تنفيذ مقررات الحكم أو في التمرد عليها.. فرئيس الحكومة لديه صلاحية إخلاء رئيس الجمهورية من المصادقة على مقررات حكومته المرتدة.. ورئيس المجلس النيابي يستأثر بصلاحية تعطيل هذه المقررات إذا ما رأى فيها إجحافاً.. وهذا بالضبط ما حصل في الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس السابق وصولاً إلى انتخاب الرئيس الجيد..
وإذا ما اتفق الضلعان، رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي، على تنفيذ أية قرارات تُتخذ، فلن يكن بمقدور رئيس الجمهورية سوى الإذعان أو الاستقالة، حتى وإن رأى فيها ضرراً لمصلحة الوطن.. أما إذا رأى رئيس الجمهورية أن يستدرج قراراً ما يُراعى فيه المصلحة الوطنية، بخلاف رأي الضلعين المذكورين، فإن من السهل تعطيله، إما في مجلس الوزراء أو في المجلس النيابي دون أن يكون لهذا الرئيس أية سلطة لتحقيقه؛ فهو لا يستطيع إقالة أيٍّ منهما..
هكذا نرى كيف ان الديمقراطية التوافقية تبقى محتجزة في يد الضلع المسلم (ضلعان يندمجان متى شاءا).. وهكذا رأينا كيف أن تصرفات السياسيين في الآونة الأخيرة، تحت شعار المشاركة، أدت إلى ضرب الديمقراطية التوافقية التي فرضها اتفاق الطائف على النظام اللبناني فحولته إلى نظام طائفي بامتياز..

(2) معنى الديمقراطية
ما جعل الديمقراطية تفقد معناها وتتحول إلى طائفية مرده إستقواء بعض المسيحيين ( رئيس تكتل التغيير والإصلاح ) بسلاح تملكه فئة أو حزب في مذهب من المسلمين، أي أحد ضلعي الطرف المسلم، تهدد به ليس باقي فئتها أو مذهبها بل باقي مذاهب الطرف المسلم، وباقي مذاهب الطرف المسيحي أيضاً.. سلاحٌ أبقته سوريا، عند بدء تنفيذ بنود اتفاق الطائف في أيدي ما يسمى بالمقاومة ( حزب الله ) في الوقت الذي جُرِّدَت كافة الأحزاب والقوى اللبنانية من أسلحتها.. والسبب الظاهر معروف من الجميع أمّا الأسباب المبطنة فهي ما رأيناه ونراه منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان إلى التغلغل السوري الايراني في كادرات حزب الله.. ولن نفشي سراً بالقول إن هذا التغلغل أفادَ النظام السوري في إبقاء سيطرته الأمنية المموهة وأفاد النظام الايراني بفرض إرادته الاستراتيجية لاكتساح الساحة العربية عقيدياً انطلاقاً من لبنان..

(3) ضرب الديمقراطية من الداخل
هنا يدخل على الخط طيفٌ لم يُحسب حسابه تماماً فيدفع بالطائفة المسيحية إلى التشقق فالإختلاف.. طيفٌ كان مأمولاً أن يرتقي أعلى المراتب وطنيةً ما فتئ ينادي بها خلال وجوده في الخارج ( المنفى ) لكنه، مع الأسف، عوض ذلك وتحسُّباً غير مدروس، لا طائفياً ولا وطنياً، وجد طريقاً مهّدته له أيدي برعَت في سبل الإغواء والإغراء، فتحول عن موقعٍ أُعِدَّ له ليندمج في سربٍ أبقته سورياً نسيجَ عنكبوت يصطاد كل من خفَّ طيرانه من الهوام..
أجَل، إن أهم ما أحال النظام الديمقراطي الدستوري القائم إلى نظامٍ طائفي توافقي هو الإصطفاف الطائفي الذي سببه الجنرال عون شخصياً مباشرة، ليس في مطالبته المحقّة بتصحيح الإداء المسيحي من ضمن المعادلة السياسية، التي أسس لها النظام السوري أثناء فترة إمساكه بلبنان واستئثار القوى المتحالفة معه بكامل السلطة، أقله ظاهرياً، ووضعه المسيحيين في خانة الأتباع وليس الشراكة وحسب، بل في افتراض صحة رؤياه باستقطاب فئة مذهبية ( حزب الله ) والإستقواء بها..
لقد خُدِعَ الجنرال أيمّا خداع حين تهيأ له أن ورقةَ تفاهمه مع حزب الله سوف تستدرج هذا الحزب إلى العودة إلى الوطن والتخلي عن حلمٍ عقيدي نشأ عليه.. كما خُدِعَ حزب الله حين افترض ان الجنرال سوف يقدم له التغطية المسيحية اللازمة للإجهاز على باقي المذاهب اللبنانية..
إنخداع الجنرال برؤياه في حزب الله بدل أن تخفف من غلواء هذا الحزب العقيدية فيعود عن حلمه، أدخلت الجنرال في متاهٍ طائفي مذهبي لم يعد بمستطاعه التخلّص منه ولم يعُد أمامه، تغطيةً لخطءٍ جسيم ارتكبه، سوى انتهاج سبيل التصعيد فاندفع إلى استقطاب المزيد من التغطية المسيحية ضاماً إليه بعض الذين لا زالوا مؤمنين بخطه السيادي القديم وكذلك جميع من خلّفتهم سوريا من حلفاء وأحلاف سياسيين، بعضهم مسيحيون وأغلبهم أزاحوا الدين جانباً..
هكذا، تحول الجنرال عن طروحاته في استبدال نظام لبنان من الديمقراطية التوافقية إلى الديمقراطية الحقيقية استعداداً لتحويله إلى دولة مدنية علمانية ثابر الجنرال طوال خمسة عشر سنة يناظر فيها، تحول إلى تثبيت أقدام الطائفية بشكل مرعب تماماً..
إن الفكر الهمايوني الذي يتملك رؤى الجنرال تقود البلاد بأسرها إلى بؤر طائفية لا تشابه ما جرّبَ في بدايات الحرب اللبنانية؛ تجربة ربما دامت بضع أشهرٍ وما لبثت أن عادت إلى شباك الحرب الوطنية.. وما يذكرنا بهذا اللقاء الذي أسماه الجنرال مسيحياً في حين أنه لم ينضم إليه سوى بعض المخلصين مسيحياً والعديد من المتسلقين طائفياً..
إن ما يجهد الجنرال في خلقه أو اختلاقه لا يعدو كونه سوى بذر الخلاف بين المسيحيين كمجموعة تمثل الضلع المسيحي في المعادلة اللبنانية ودفعه، تحت شعار المشاركة، وبين الضلع المسلم.. في الواقع ما كان هذا اللقاء سوى تجمّع عشوائي ضم إليه جميع من يظن أنهم لا بد يحملون أرقاماً انتخابية تزيد حجم تمثيله المزعوم للمسيحيين.. لكن تبين في الواقع أنه إنما كان صنيعة تفضح هزال هذا التمثيل المنتمي في أغلبه إلى ايديوليجيات حزبية واستراتيجيات عقائدية لا رابط لها سوى الاسم.. وتعود في معظمها إلى حقبة الحرب والاحتلال ولم يعد لها الوزن الموثوق.. واستطراداً، رأينا أن أما يجمعها، ليس الدين المسيحي بل العداء السياسي المطلق لكل ما له علاقة بدولة الاستقلال الثاني.. وهكذا نجد جنرالنا يستجدي التحالف مع كل من له اسم مسيحي وإن كان أبعد ما يكون عن الديمقراطية..

تصرُّف رئيس تكتل التغيير والإصلاح أنتج :
أولاً تظهير عداءَه الأبدي لحزب القوات اللبنانية ورئيسه الذي وقف بالأمس واليوم سداً منيعاً ضد استلامه الموعود للسلطة.. وثانياً الاستغناء كلياً عن سلطة الكنيسة التي ينتمي إليها طائفياً وذلك بضمّه أغلبية الذين ينادون ظاهرياً بالعلمنة وهم في واقع الأمر لا يعدو كونهم مجموعة من الوصوليين الذين ينتسبون إلى كل من يعدهم بالسلطة والتسلط..
في هذا، نرى إلى الديمقراطية التي ينشدها الجنرال ليست سوى نسخة جديدة من ديمقراطية طوائفية أُسميت خطأً ديقراطية توافقية.. فمن يريد فرض الديمقراطية الحقيقية انطلاقاً منها إلى العلمنة، لا يستنجد بالقوى الطائفية أو المذهبية فيطلق مدافعه ضد طائفته ويوكل نفسه مدافعاً عنها ويطلق سهام كيوبيد باتجاه قوى بعض المذاهب في الطوائف الأخرى ويساهم بشكلٍ مباشر في خلخلة أيمانها الوطني فيبرر معاداتها لجزءٍ من طائفة يدعي تمثيلها.. إنها ديكتاتورية مذهبية هي ما يدعو الجنرال إليها.. وحتى هذه لم يجد مِن رؤساء تلك المذاهب، أو قواها الرئيسية، مَن يذهب مذهبه في ديمقراطيته المزعومة..

من هنا نرى أن الجنرال عون قد ساهم مساهمةً فعّالة في ضرب الديمقراطية التوافقية المعمول بها حالياً وتحويلها إلى ديمقراطية مذهبية بالغة الخطورة، إذ أن مثل هكذا ديمقراطية سوف تعتمد قطعاً على العددية التي ستقود حتماً إلى تبني النسبية في التمثيل ليس بين الطوائف بحسب عددها ( 18 أو أكثر ) بل إلى التغيير الجذري في نصوص الدستور القائلة بالمناصفة بين طائفتين كبريتين - المسيحية والاسلام - وتقودهم إلى إعادة النظر في نصوص الدستور لاعتماد العددية المذهبية الثلاثية الأضلاع.. ثلاث أقليات أو ثلاثة مذاهب!

وهنا لن يقع الجنرال في شر أعماله بل يوقع الجميع في هذا الشر.. فمطالبته بحقه في الرئاسة بصفته الممثل الأول للمسيحيين، سوف يقتصر تمثيله هذا على أكثرية في الأقلية المسيحية ( هذا إذا بقي وحدة ديك التمثيل ) وهذا ما سيفتح شهية المذاهب الأخرى للمطالبة بحقهم في الحكم وبحسب عَدَدِيَتِهم وليس بحسب طائفتهم.. فهل يضمن الجنرال قبول المذهبين في الطائفة الاسلامية بقاء رأس الحكم بيد أقلية ليست في عرفهما أكثر تأهيلاً من كليهما، وهل ستنفع آنذاك ورقة تفاهمه مع أحد المذهبين؟ إننا نشكُّ في ذلك تماماً.. ونحن، سبق أن بُشِّرنا مراراً بنوايا قادة هذا المستقوين بالأغراب - مثل المطالبة بموقع نيابة رئيس الجمهورية!

ونتساءل : هل من أجل إثبات نظرته إلى الديمقراطية سيفقد المسيحيون موقعهم الرئيس الذي أبقاه لهم اتفاق الطائف وقبلَ به الجميع، أم أنه سيتابع نهجه الهدام للديمقراطية التوافقية ومنع قيام دولة الديمقراطية الحقيقية وعلى حساب المسيحيين الذي يدعي الدفاع عن مصالحهم! سؤال جوابه يأتي من متابعة الجنرال انحناءَه أمام كافة الطروحات المذهبية التي يتبناها حلفاؤه، غير عابئ بما سينتج نهجه من خضّات قد لا تنتهي بسوى حرب ردةٍ مسيحية غير محددة الأهداف!

تساؤل آخر:
أين كان فهم الجنرال للديمقراطية حين أقفلَ، حليفه في المعارضة، رئيس المجلس النيابي، أبواب مجلسه ومنع نواب الأمة مناقشة كافة الأمور الوطنية التي وحده مخولٌ مناقشتها وتقربر مصيرها.. ألم يكن لديه أيّ عمل يقوم به سوى نبش قبور الأخطاء الحكومية، وما أكثرها، مقدماً المُحفزات لوقف عمل المؤسسات الدستورية وفضل معالجتها في الاعلام المسموع والمرئي واستعمال لغةً شوارعية لم يسمع الشعب اللبناني أو الناطق بلغة الضاد مثيلاً لها.. ومثيراً بل مهيجاً الشارع المذهبي والطائفي ضدَّ بعضه البعض.. وهل هذه كانت قمة الديمقراطية لديه؟

تساؤلٌ أخير: هل الآن، وبعد أن فقد الأمل في ارتقاء كرسي رئاسة الجمهورية، وأصبح لديه العديد من الوزراء، يأتي دور تنفيذ الديمقراطية المؤدية إلى العلمنة وكيف.. هل بالدفاع عن حلفائه المذهبيين أم بتعطيل دور رئيس الجمهورية التوافقي قسراً وتشبثه في مسك زمام الأمور بكلتا يديه! إن لله في خلقه شئون..
... . ...
إلى الجنرال العزيز نقول:
الديمقراطية التي نعرف هي تلك التي لا تميِّز بين مذهب وآخر بحسب تعداده وقوةٍ عسكرية يمتلكها أو بين طائفةٍ وأخرى بحسب توجهات بعض مذاهبها العقائدية غير اللبنانية، أو بين أحزابٍ لا تمتُّ إلى الوطن بأية صلة غير النسَب، والساعية منذ نشأتها إلى قلب نظام الحكم الديمقراطي وتحويله قسراً إلى أنواعٍ من دكتاتوريات مستوردة، وبين أحزابٍ كرّست نفسها، ومنذ نشأتها أيضاً، للدفاع عن الوطن ونظامه الديمقراطي..

الديمقراطية الحقيقية تستوعب كل هؤلاء وأولئك وتنخلهم وتبطل حجج ايديولجياتهم واستراتيجياتهم، وتبوتقهم ضمن الوطن الواحد فيتخلون عن تطلعاتهم واستنجاداتهم بالخارج، العقائدي أو العقيدي..

فمن يريد التغيير فالإصلاح لا يُلزم طائفته أو مذهبه ثم وطنه بخطٍّ دكتاتوريٍّ يراه صائباً ويستعمله لمصلحته الذاتية دون مصلحة الوطن بل هو مَن يرى في طائفته وفي غير طائفة تنوعاً فكرياً أيمانياً وطنياً يصبّ في مصلحة أبناء الوطن كله.. بهذا وحده يمكن لأبناء كافة الطوائف التمتع بالديمقراطية الحقيقية مدفوعين بالأيمان بوجوده وبوجودهم فيه ويحققون رسالته الانسانية الكونية التي يتغنى بها الجميع..
... . ...

فيما نراه من تصرفات رئيس تكتل التغيير والإصلاح أن الجميع يعود من الحرب وهو يريد الذهاب إليها.. هذا الرجل لم يتعب بعد من الحروب وها هو اليوم، وفي سبيل التغيير، تغيير النظام، لا يأنف من استعمال كافة الوسائل التي تتيحها له تحالفاته لضرب ما تبقى من ديمقراطية في لبنان، والغريب، تحت شعار الديمقراطية!

إن التغيير الذي يطلبه الجنرال، بواسطة الفرمانات أو القوة العسكرية الموضوعة في خدمته، يرغب به جميع اللبنانيون ديمقراطياً..
التغيير والإصلاح يأتي بتساوي الجميع أمام القانون إذ لا فائدة تُرجى من إملاق الدولة من قواها الذاتية وبالتالي السيطرة عليها حتى يصبح تحقيق الديمقراطية مُسهَّلاً.. فأيام أتاتورك ولى وانقضى وها هي تباشير زعزعة ديمقراطيته تبدو للعيان!

إلى القاء في الجزء الثاني: عون والمقاومة الإسلامية!

صانك الله لبنان
التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا

عزمي بشارة وضريبة الموقف

د. عدنان بكريه
/ فلسطين الداخل
رغم أنني تحفظت سابقا من خروجك القسري ،إلا أنني أقف اليوم معك والى جانبك عل متاريس التحدي .. فتعالوا نتصدى سوية للعصى التي ترفع بوجوهنا وللسكين الذي يحاول تمزيق شرعية وجودنا ! لا وقت للتباين والتردد والتلعثم ! بالأمس الشيخ رائد صلاح ومحمد كناعنة واليوم عزمي بشارة وغدا من ؟! ربما كلنا ... !!
مرة أخرى تحاول الكنيست إلزامنا دفع ضريبة الموقف !وتُشرع قانونا عنصريا مخزيا بهدف نزع مواطنة (الدكتور عزمي بشارة) تحت ذريعة وبدعة "خرق الولاء للدولة". ووفق القانون تُمنح للمحاكم صلاحيات سحب المواطنة من أي مواطن يتجاوز خطوط "الولاء للدولة" بناء على طلب وزير الداخلية!!
يبدو أننا بتنا على مفترق طرق حاد وخطير مزدحم بالدلالات والإشارات السياسية العنصرية والتي سيكون لها مردودها السلبي على وضعية الأقلية الفلسطينية هنا، ليس على صعيد الارتباط المدني فحسب ... بل على صعيد حق الوجود والبقاء على ارض الآباء والأجداد ! فإذا كنا قد ناضلنا سابقا لتقطيع كرباج الحكم العسكري الذي جلدنا به حتى منتصف الستينات.. فإنهم بقانونهم الجديد يعاودون رفع الكرباج ... لا بل يذهبون إلى ابعد من ذالك... إنهم يستلون سيفهم كي يقطعوا نسيج البقاء والوجود ! فهل سينجحون ؟ سؤال متروك للاتي والعبرة فيما مضى.. فهل سيعتبرون من الماضي ومن التاريخ؟
قانون يولد قانونا من رحم مشروع فاشل أصيب بالجفاف منذ منذ أن شرّع الله وجودنا على هذه الأرض وقبل أن يحضر (موشه وشلومو) إلى "ارض بلا شعب ليسكنها شعب بلا ارض" هكذا توهموا ! فوجدوا شعبا نابضا حيا يزاحم الزمن زاده التقوى والإيمان بالحق والعدل والوجود والبقاء.
إنها محاولة أخرى لإقصاء الفلسطيني ومحاصرة شرعية وجوده هنا ... وستشكل بداية عصر جديد عنوانه .. رفع (دَبسه القانون) بوجه من يجرؤ على التضامن مع شعبه وأمته وبوجه من يرفع صوته عاليا رافضا انتهاكات إسرائيل اليومية بحق شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية .
عزمي بشارة لم يرتكب جرما عندما وقف إلى جانب شعبه معلنا ولاءه للحق الفلسطيني والشيخ رائد صلاح لم يرتكب جرما عندما جعل صدره درعا للذود عن الأقصى الشريف ومحمد كناعنه لم يذنب عندما تمرد على البطش السلطوي !
***
علينا أن نصمت صمت أهل القبور على عمليات القتل والتشريد والإبادة التي يتعرض لها شعبنا حتى يرضى عنا وزير الداخلية ويقبل بنا مواطنين هنا على أرضنا وفي وطننا !! ( تاريخ مقلوب وزمن مقلوب ).. وهو يدري بأن مواطنتنا ليست منّة ... ولا تتحدد بمرسوم أو قانون، بل حددتها حتمية الوجود التاريخي على هذه الأرض وهي تحمل أبعادا اكبر وأوسع من مجرد بطاقة زرقاء وجواز سفر كحلي وتوقيع موظف في الداخلية.
هويتنا سحنة سياسية قومية توارثناها أبا عن جد فترسخت في وجداننا وأصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية للفلسطيني أينما كان .. هي انتماء للأرض والتراب والشجر والحجر .. هي مساحة من الجرح الفلسطيني والعربي ... هي آهة من الألم الفلسطيني ونبضة من الحياة ...هي الحياة بعينها... هي جذور امتدت إلى ما قبل التاريخ ورست عميقا في هذه الأرض الطيبة.. هي حكايا شعب بأكمله .. وإذا كان حكام إسرائيل يرون بنا ضيوفا غير مرغوب بهم وأيتاما على موائدهم..نقول لهم بصوت مدو مجلجل ما قاله الكبير محمود درويش :
(((سجل...انا عربي...انا اسم بلا لقب // صبور في بلاد كل ما فيها يعيش بفورة الغضب // جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح الحقب // وفبل السرو والزيتون وقبل ترعرع العشب فهل ترضيك منزلتي ؟// سجل انا عربي //انا اسم بلا لقب.)))
وجودنا على هذا التراب وانتماؤنا له لا يخضع لقوانين ولا لمحاكم ولا لمراسيم، بل هو وجود طبيعي وانتماء أزلي... يتعزز كلما تقدم التاريخ بنا إلى الأمام ويترسخ كلما اشتد البطش والقهر ومهما استحدثوا من آليات لتطويعنا وإخضاعنا ومحاصرة شرعية وجودنا .. إلا أننا باقون هنا نهتف باسم الزعتر والزيتون إنا على العهد باقون .
***
لقد دأبت إسرائيل ومنذ عام 48 على محاولة إقصائنا ،فلم تترك مجالا إلا وجربته .. كنا وما زلنا اسود تجارب لأدواتها وسلاحها ... كنا وما زلنا الجبل الذي تتحطم على سفوحه عواصفها وتخر مكسرة الأجنحة... كل أدواتها فشلت في تركيعنا وتطويعنا وزحزحتنا قيد أنملة عن طريقنا الذي اخترناه! كل سلاحها النفسي والحربي لم يستطع خدش إرادتنا وذاكرتنا، لا بل كان له فعل عكسي، إذ قوّى المناعة المكتسبة لدينا وأوقد فينا نار التحدي... وصلّب عزيمتنا وأصبحنا أكثر إصرارا على البقاء والوجود متماسكين خلف متراس التحدي ! فهل تتعقل حكومة إسرائيل ؟! وتقر بأننا نحن أصحاب التاريخ والوطن والأرض والشرعية... نحن الشرعية بذاتها .. ولا شرعية لطائر يحلق في الفضاء بدوننا ! لا شرعية لشجرة تزرع دون أن تروى من عرقنا ! لا شرعية للعصى التي ترفع بوجوهنا .. ولا شرعية لحرب تقاد بطائرة ضد طير وعصفور .. هذه هي حكمة التاريخ ... والحكمة التي يجب أن يعيها الجميع هي انه .. لا بد أن ينتصر الكف على المخرز ... لا بد ان ينتصر الجرح على السكين !
dr.adnanb@hotmail.com

حالات طلاق في الكويت بسبب مسلسل نور التركي

نديم امهز ابو مهند

استهل (مجلس الامة الكويتي) الصيف بحدثـين وقعا في الكويت في الصيف
الاول : حالات الطلاق في الكويت بسبب مسلسل (نور) وهو مسلسل تركي سخيف
والثاني : المظاهرات والاعمال التخريبية التي قامت بها العمالة البنغـلاديـشية في الكويت

يقـول احد اعضاء مجلس الامة ان (حالتين طلاق) وقعـت في الكويت
بسبب المسلسل التركي
وليس حالات كثيره كما تروج (قناة الام بي سي) واستشهد بما ذكرته الصحافية الاماراتية
مريم الكعـبي حيث ذكرت
ان احدى صديقاتها بينما هي في احدى المولات التجارية في دبي
تـقول دخل مصورين (ام بي سي) ومعهم
موظف في (الام بي سي) دخل المول التجاري
وهو يحمل (لافته ضخمة) مكتوب عليها ابطال مسلسل نور
عندما نظرت الناس اليه لكي تـقرأ اللافته
مصور ام بي سي (صور الناس ) وهم ينظرون الى اللافته
ثم عرضوها بعـد ذلك مع تـعـليق : ا
الناس تلاحق ابطال مسلسل نور

اي انها دعاية رخيصة .. لم يلاحقهم احد .. اسلوب دعائي وتقطيع الصور
واختيار مقاطع منها .. وديليت لمقاطع اخرى

مسلسل تركي ممل طويل البطل الرئيسي للفيلم (مهند) من ممثلين الدرجة الثالثة في تركيا
ليس نجم في بلده .. يعمل في الاعلانات التجارية .. وهو محسوب على مجتمع الشواذ في تركيا
وهو لاينفي ذلك .. هذا الشيئ ليس جريمة ولا مـستنكر في تركيا اتاتورك .. تركيا العـلمانية

ولكن يبقى السؤال لماذا تـفعـل (ام بي سي) ذلك
رزق الله على ايام كانت (ام بي سي) معقـده كل القـنوات

إصلاح الفكر العربي


صبحي غندور
الفكر السائد الآن في المنطقة العربية تغلب عليه الانتقائية في التاريخ وفي الجغرافيا، بحيث يعود البعض في تحليله لغياب الديمقراطية في الأمَّة إلى حقبة الخمسينات من القرن الماضي وما رافقها من انقلابات عسكرية، وكأنّ تاريخ هذه الأمَّة كان قبل ذلك واحةً للديمقراطية السليمة!
الحال نفسه ينطبق على ما تعيشه الأمَّة العربية الآن من ظواهر انقسامية مرَضيّة بأسماء طائفية أو مذهبية أو عرقية، حيث ينظر البعض إليها من أطر جغرافية ضيّقة وبمعزل عن الفهم الخاطئ أصلاً للدين أو للهويّة القومية اللذين يقوم كلاهما على التعدّدية وعلى رفض التعصّب أو الانغلاق الفئوي.
فلِمَ هذا الفصل المفتعل بين أهداف واحتياجات الأمَّة وشعوبها؟ ولِمَ الآحادية في الطروحات الفكرية في الوقت الذي تعاني فيه البلاد العربية من أمراض مشتركة لا يكفي لإنقاذها منها وصفات فكرية مبتورة بين فترة وأخرى!

إنّ إصلاح الفكر العربي لا يضع فقط الأهداف السليمة للمستقبل، بل هو يحدّد أيضاً ضوابط الأساليب ووسائل العمل التي تكفل النجاح والتغيير والتقدّم.
إنّ إصلاح الفكر العربي هو المدخل لإصلاح الأعطاب الداخلية بكلّ أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنّه الأساس أيضاً لإصلاح العلاقات العربية/العربية وبناء تكامل عربي فاعل على مختلف الأصعدة.
إنّ تطوير العلاقات العربية/العربية باتجاه أفضل ممّا هي عليه صيغة الجامعة العربية، أصبح يتطلّب تطويراً لصيغة أنظمة الحكم في الداخل، وإعادة الاعتبار من جديد لمفهوم العروبة على المستوى العربي الشامل. فتحقيق أوضاع دستورية سليمة في كلّ بلد عربي هو المدخل الصحيح الآن لبناء علاقات عربية أفضل، وهو الضمان كذلك لاستمراريّة أيّ صيغ تعاونٍ عربيٍّ مشترك. لكن المشكلة الآن هي ليست فقط في غياب الحياة الديمقراطية السليمة، بل أيضاً في ضعف الهُويّة العربية المشتركة وطغيان التسميات الطائفية والمذهبية والعرقية على المجتمعات العربية. وفي هذا الأمر تكمن مخاطر الانفجار الداخلي في كلّ بلد عربي، وبذا تصبح العروبة لا مجرّد حلٍّ فقط لأزمة العلاقات بين البلدان العربية، بل أيضاً سياجاً ثقافياً واجتماعياً لحماية الوحدات الوطنية في كلّ بلد عربي.

إنّ العروبة الثقافية الجامعة بين كلّ العرب هي حجر الزاوية في البناء المنشود لمستقبلٍ أفضل داخل البلدان العربية وبين بعضها البعض.
وحينما تضعف الهُويّة العربية فإنّ بدائلها ليست هُويّات وطنية موحّدة للشعوب، بل انقسامات حادّة تفرّخ حروباً أهلية من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس معاً.
إنّ العودة العربية للعروبة هي حاجة قصوى الآن لحماية المجتمعات في الداخل، ولتحصينها من هيمنة الخارج، ولبناء أسس سليمة لتعاونٍ عربيٍّ مشترك وفعّال في المستقبل.
إنّ العروبة المنشودة ليست دعوةً لتكرار التجارب السياسية والحزبية التي جرت في مراحل مختلفة من القرن العشرين بأسماء قومية، بل هي عودة إلى أصالة هذه الأمَّة ودورها الحضاري والثقافي الرافض للتعصّب وللعنصرية.
ومن دون عروبة جامعة لن تكون هناك جامعة عربية، ولا أيضاً أوطان عربية واحدة!
إنّ مشاعر اليأس تزداد بين العرب وتصل ببعضهم إلى حدّ البراءة من إعلان انتمائهم العربي، وإلى تحميل العروبة مسؤولية تردّي أوضاعهم.
إنّها مشكلة الخلط بين الانتماء والظروف، بين العروبة والأنظمة، بين الهويّة والممارسات.
إنّ الشخص العربي هو الإنسان المنتمي للثقافة العربية أو لأصول ثقافية عربية. فالهويّة العربية لا ترتبط بعرق أو دين، ولا بموقف سياسي أو منظور أيديولوجي، ولا تخضع لمتغيرات الظروف السياسية.
إنّ الانتماء إلى العروبة يعني الانتماء إلى أمّة واحدة من حيث تكامل عناصر الأمَّة فيها: لغة وثقافة واحدة لشعوب ذات تاريخ مشترك على أرض مشتركة ولها مصائر ومصالح مشتركة قد تعبّر مستقبلاً عن نفسها بشكل من أشكال التكامل أو الاتحاد بين بلدانها.
إنّ العروبة هي تعبير عن الانتماء إلى أمّة لها خصائص تختلف عن القوميات والأمم الأخرى حتى في دائرة العالم الإسلامي.
إنّ الهوية العربية هي دائرة تتّسع، في تعريفها ل"العربي"، لتشمل كل من يندمج في الثقافة العربية بغضّ النظر عن أصوله العرقية. ويدخل في هذا التعريف معظم من هم الآن عرب رغم أنّهم لم يأتوا من حيث الدم أو العرق من أصول عربية.
إنّ "العروبة الحضارية" هي الثقافة العربية ذات المضمون الديني الحضاري الذي أخرج الثقافة العربية من الدائرتين: العرقية والجغرافية إلى الأفق الحضاري الواسع الذي اشترك في صيانته ونشره مسيحيون عرب ومسلمون من غير العرب.

المشكلة الآن، هي في بعض الجماعات التي لم تدرك بعدُ (لا فكراً ولا ممارسةً) أنَّ القومية العربية هي حالة انتماء وليست مضموناً فكرياً وسياسياً قائماً بذاته. أي لا يكفي القول "إنني قومي عربي" لأحسم موقعي وموقفي الفكري من قضايا لها علاقة بالدين والديمقراطية وبالواقع العربيّ الراهن والصيغ الدستورية للحكم.

المشكلة الآن في الواقع العربي أن معظم الطروحات الفكرية فيه، والممارسات العملية على أرضه، لا تقيم التلازم والتوازن السليم المطلوب بين ثلاثية الشعارات: الديمقراطية والتحرّر ومسألة الهوية العربية.

لذلك نحتاج عربياً لبناء تيّار عروبي يقوم على مفاهيم فكرية لا تجد تناقضاً مع دور الدين عموماً في الحياة العربية، ولا تجد تناقضاً مع تعدّدية الأوطان بل تعمل لتكاملها، وتقوم على الديمقراطية في نظام الحكم وفي أساليب المعارضة. تيار عروبي يرفض استخدام العنف لتحقيق دعوته أو في علاقاته مع الآخرين، ويميِّز بين الحقّ المشروع لأبناء الأوطان المحتلَّة بالمقاومة ضدّ قوات الاحتلال، وبين باطل استخدام أسلوب العنف ضدّ غير المحتلين وخارج الأراضي المحتلة. تيار عروبي يدعو للبناء السليم للمؤسسات العربية المشتركة، وللمنظمات المدنية المبنية على أسلوب العمل الجماعي الخادم لهدف وجودها. تيار عروبي تكون أولويته الآن هي حماية الوحدة الوطنية في كل بلد عربي وليس الانغماس في وحل الصراعات الأهلية.

رحلة حياة في مطار الذاكرة

سامي الأخرس
بدأت من هذا الزقاق الصغير الترابي الذي يصطف على جانبيه أكواخ طينية متكدسة بجانب
بعضها البعض كطفل يلعب بالمكعبات الصغيرة ، حيث مياه الأمطار تغرق بعضاً من هذه
المنازل وكلا يحاول دحر هذا العدو الذي يتسلل إليه تحت إيقاعات البرق والرعد بليلة موحشة قائمة سوداء ، والمعركة تستمر طوال الليل ونحن لا ندرك ماذا يفعل الكبار ؟ في ساعات الليل كلا يستنجد بجاره الذي أسعفه الحظ أن السيول لم تغزو كوخه المسمى منزلا ، المصنوع من الطين والقش ليستطيع مقاومة عوامل البيئة قدر المستطاع حتى تشقشق بواكير الفجر ، ونبدأ بالبحث عن رشفة مياه تغسل الوجوه النائمة لتهرول وعلى ظهرها حقيبة مصنوعة من القماش بها دفتر وكتاب وقلم وقطعة خبز صغيرة محشوة بالزعتر الفلسطيني الآتي من جبال الضفة ، ونسير صفوفاً ومجموعات نركل حجارة المخيم ونتسابق لنتمكن من الشراء قبل دخول أبواب المدرسة من هذه العجوز التي تقف على باب المدرسة ، ومنا كثيرا من كان لا يقوى على الشراء لأنه لا يمتلك ما يشتري به ، وما بين الذهاب والعودة في رحلة القلم كنت لا أزال أتذكر من يكبروني يرددون " بي آل أو الحكم الذاتي نو " أي حكم ذاتي لا أعي ماذا يقولون ؟ ! ولم أعرف دلالة العبارة حتى كبرت ، ولكن اردد معهم ربما اعتقدت ببداهة الطفولة البسيطة أنها لعبة أو تسلية للهو ، حتى ألقي بالحقيبة القماشية وأسارع الزمن لساحة صغيرة نمارس بها لعبة كرة القدم ، بكرة بلاستيكية صغيرة ادخرنا أشهر لكي نتمكن من شرائها .
لا أدرك ما يدور حولى سوى إني عشقت الزقاق الصغير ، ومنزلي القابع على أطراف المخيم تجمعني بغرفة واحدة مع أخوتي الأربعة والثلاث بنات والأخرى هي غرفة الوالدين مع تعدد وظائفها كمطبخ وحمام ، يبدأ مع صباح يوم الجمعة من كل أسبوع ، حيث تشعل الأم النيران مع ساعات الفجر وتبدأ رحلة الاستحمام الأسبوعية من الأكبر حتى الأصغر ! وهناك تكون عملية ملاحقة أحياناً للأصغر الرافض للاستحمام حيث لا يريد أن تضيع لحظات من اللهو ، اضاقة للعقاب الذي ينتظره إذا عاد متسخ الملابس التي لا بديل عنها سوى ما نزعه في حمامه الأسبوعي .
كنت احسد من يكبرني وهم كلا معه طائرة ورقية يفتخر إنها الأعلى من طائرات الآخرين ، وانتظر أن أنمو بسرعة لامسك بهذه الطائرة العجيبة التي لم اكتشف بعد كيف تضع ، وأمضى من زقاق لآخر مع أقراني الصغار وننتقل من منزل لأخر ، ومن حارة لأخرى ، نسمع حكاية من هذا الشيخ وقصة من هذه العجوز التي تجمعنا وتغني لنا أهازيج قديمة نشتم بها مرارة اللجوء ، وحب الوطن ، لم نسمع سوى الثورة ، وفلسطين ، وفدائي ، لا اعرف ولم نسمع أن هناك أجزاء صغيرة غير هذه الكلمات ولم اعلم أن ليله الذعر الذي اقتحم بها الجيش الإسرائيلي زقاقنا ليعتقل مجموعة شباب ، وكلما سألنا قيل لنا أنهم فدائيون ، لم نعرف إنهم فتح أو جبهة شعبية ، بل فدائيون ، كلمة نمت مع نمو أجسادنا وعقولنا التي كانت تطعم بزيت السمك من الممرض " أبو يوسف " العجوز في مدارس وكالة الغوث الدولية ونمت أصداء جهاز الراديو ( المذياع ) الوحيد الذي كان يصمت المخيم كأنه في عالم أموات لا تسمع منه سوى صوت الثورة الفلسطينية ، صوت منظمة التحرير الفلسطينية من بغداد ، وعبارات أخرى لا زالت تسكن قلوبنا وذكرياتنا ، نداء نداء نداء من صقر الثورة الى فدائيو الوطن توكلوا على الله والله معكم .
لا زال الزقاق يحميني من نفسي ومن شرور زمني ، ولازال والدي رحمة الله يعود مساء ليجمعنا ويحدثنا عن أرضنا ومزارعنا وأشجارنا ، وعن طفولته ، وعن الانجليز ، وعن اليهود قصص أتذكرها يوميا ولا أزال لا اعلم لماذا نحب المخيم ؟ ونحب الزقاق ؟
كبرنا في أحضان المخيم وكبر الوطن معنا ، حتى جاءت تلك الآلة العملاقة لتضرب بكفها بيوت المخيم فتتهاوى فوق بعضها ، ونحيب النساء وبكاء الرجال الشاهد على لجوء آخر ، لجوء ألقى بنا الى حياة أكثر تطورا حيث المنازل المشيدة بالحجارة والمنازل بالكهرباء ، ولكنها لم تحمل الدفء الذي شعرنا به وسط المخيم ، وأخلاق المخيم حيث بدأ الجيران في تقاسم مناطق الحدود السكانية ، وخصوصيات لم تكن قائمة ، وبدا الانقسام الاجتماعي وبدأت رحلة التمايز بين فسطاط الأحزاب ، وفسطاط المصالح الشخصية .
نعم أصبح لدى أكثر من بنطال وقميص ، وأصبح لدى القدرة للاستحمام يوميا ، وأصبح لدينا جهاز تلفاز خاص ، وأصبح لدى كرة قدم خاصة ، ولكن لم يعد لي الحب الذي تعلمته في المخيم ، ولم تعد كلمة فدائي تسرق أفئدتي أصبحنا نخضع لجراحة الحزبية ومبضعها تشرح فينا كيفما شاءت ، فذاك فتحاوي وهذا جبهاوي وذاك حمساوي وتعددت الألوان ، وانعزلنا في رحلة حسم وتجاذب حزبي والكل يتعامل مع الآخر على قاعدة الانتماء الحزبي لا الانتماء الوطني .
مضت الأيام سريعا وتحولنا لدمى شطرنجية تحركها أصابع غليظة ، ووجوه غادرتها حمرة الأخلاق وتم التصنيف والتهديد والوعيد ، فهذا وذاك والكل شركاء في نصب أعواد المشانق ، وأضحى الجميع في حلبة لا تحتمل أكثر من بطل واحد مفتول العضلات يتوجب عليه قتل الأخر ليستأسد ويزأر، حتى تمت عملية التصنيف لثلاث أجزاء ، جزء أخذ عقابه ، وجزء عليه انتظار العقاب ، وجزء ثالث ينعم بالرضا لأنه يطيع السيد ويحنى الرأس ولا يعرف سوى كلمة" أمرك سيدي " ومن رحلة مخيمي الى مطار مدينتي مررت بكل الفرح والحزن ، الألم والابتسام ، الحزن والسعادة حتى أمسكت قلمي واستمعت لخطابات القادة ، وقرأت ما حملته الأخبار وقررت الرحيل .
رحيل أخر لا يعرفه سوى من ينتظر هنا على أبواب الماضي والحاضر ، ولكن يصطدم بأبواب موصدة بالشمع الأحمر مكتوب وسطها " المستقبل "
وأصبحت لدى سيارة وشقة واذهب لأكبر صالونات التجميل ، وأتحدث بأرقام من خانة الألوف ، وعدة أجهزة حاسوب بانترنت في منزل واحد ، وهناك غرفة للأولاد ، وغرفة للإناث ، وحساب بنكي ، ومدارس خمس نجوم ، وكل أجدد طواقم الملابس الفاخرة حتى اشتكي دولاب الملابس من كثرها ، وموكب حراس يغطي عين الشمس ، بعدما كنت أتجول وحيدا والطمأنينة تملئ قلبي ، والحب يستعمره فلا أخشى شيئاً ، ولكن الثمن كان كبير جدا ، فقدت به طمئنيني ، وفقدت اعز ما أملك من معاني الحب ، وفقدت الأصدقاء ، وفقدت وطن سكنني طويلا لاستبدله بحزباً صغيرا .. فأسلمت نفسي حبيسا لقلم وورقة وجهاز حاسوب ومكتب وغرفة بها كل أنواع الملذات والراحة .
ويبقى الأمل غائباً ، ويبقى السؤال من أنا ؟ !
أنا اللاجئ ، أم الفلسطيني ، أم الوطن ، أم الحزبي ؟ !
أم أنا من علم أنبه أن يدوس علم الوطن ورايته تحت أقدامه ، ويموت لأجل راية بلون واحد ، يقاتل ويموت من أجلها ، استعمره الانهزام والحقد وهو يتعلم النطق ، فقبل أن اعلمه فلسطيني علمته اسم الحزب .
أنها رحلة المكننة العقلية ، واستنزاف القدرات الإنسانية ، اختزال سيئ لواقع أسوا .
ويبقى الحال عما هو عليه ، وعلى المتضرر أن يتجنب الشبح والتشهير والجلد ، وومضات الكهرباء ، والعصا . وتستمر رحلة البحث والتنقيب عن وطن تاه في أزقة وصحارى الأحزاب ، وعلى من يجده أن يسلمه لأقرب موقع امني لينال عقابه خروجه بلا استئذان ، ويعاد تربيته لأنه لم يربى ، هذه هي العبارة التي أصبحت لسان الحال في زمن الغراب والبوم ، زمن الانتشار والرباط تحت نوافذ النيام ، زمن الويل لك أن ذهبت للسؤال عن ابنا أو أخاً أو حبيسا في احد المقرات الأمنية .
الرحلة رقم 1948 انتهت وسلمت نفسها لأمن المطار وحكم القاضي العسكري عليها بالإعدام ، وكذلك الرحلة رقم 1967 نالت نفس المصير ، فلم يعد لها مكان ولا زالت رحلة النهاية تخضع للإجراءات القضائية والكل في الانتظار .
رحلة طويلة وشاقة بدأت من زقاق لتنتهي بمصيف فاخر على شاطئ البحر المتوسط في شريط ساحلي مغلق اسمه الزمان والمكان بلا عنوان ........ ولا زلت أعيش في تخلفي وأتذكر مخيمي ....

مفارقة ما بين "أولمرت" والزعامات العربية

راسم عبيدات
......في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء الاسرائيلي "أولمرت"مساء الأربعاء 30/7/2008 في منزله، أعلن فيه عدم تنافسه على رئاسة حزب"كاديما"،وبما يعني تخليه عن منصبه كرئيس وزراء،حال انتخاب رئيس جديد للحزب.
وبغض النظر عن مسلسل التحقيقات المتعلقة بالاخفقات والهزيمة العسكرية في الحرب على لبنان تموز/2006 والفضائح المتعلقة بالرشاوي والفساد،والتي طالت"أولمرت" مباشرة،مما استوجب اعلانه عدم ترشح لرئاسة الحزب،خوفاً من أن تقوده التحقيقات الجارية بتهم الفساد الى السجن.
والعبرة هنا أن هناك نظام قضائي ولا أحد محصن أمام القانون،بدءً من"كتساف"الرئيس الاسرائيلي السابق،والذي تم اقالته والتحقيق معه بطريقة مهينة بتهم تتعلق بالتحرش الجنسي،وانتهاء ب"أولمرت" والذي تولى الحكم والأب الروحي شارون"لكاديما" في غيبوبة،وها هو يخرج من الحكم وهو في نفس الغيبوبة،مع فارق كبير جداُ،حيث شارون بشخصيته"الكريزماتية" وقدرته على الحسم واتخاذ القرارات،رفع من شعبية"كاديما" الحزب الذي أسسه،وحطم أحزاب كبرى وقف على قمة هرمها وقيادتها مثل"الليكود"،واليوم وشارون ما زال في غيبوبته،فإن التوقعات تشير الى أفول نجم"كاديما" والذي ربما يدخل في مرحلة غيبوبة كمؤسسه وبانيه، وقد تدفع الصراعات والخلافات، بين أقطابه الواردة اليه من أكثر مشرب سياسي وحزبي الى التفكك والتحلل.
والمهم هنا أنه رغم كل مسلسل الفضائح والاخفاقات،فإن هناك انجازات تحققت في عهده في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،مثل تخفيض معدلات البطالة والفقر،والتأييد السياسي العالمي غير المسبوق لاسرائيل عالمياً ..الخ،ولكن كل ذلك لم يشفع لهذا الرجل،وها هو يصل نهاية مستقبله السياسي.
أما في عالمنا العربي،فالصورة ليست كما هي في اسرائيل،فضائح وفساد ولجان تحقيق وهزائم وغيرها،فكل الزعامات العربية بمختلف تسمياتها وألقابها، لا تشوبها شائبة ولا تغيب عنها واردة ولا شاردة،فهي في العدل أعدل من الخليفة عمر بين الخطاب،وفي الحريات السياسية والديمقراطية والتعددية الحزبية،ما هو متوفر فيها لا يوفره أي نظام سياسي ليبرالي يدعي راية الديمقراطية،فحق التعبير عن الرأي والتظاهر ضد النظام "مكفول"،حتى أن أجهزة قمع النظام،"توفر الحماية للمتظاهرين،لا تعتقلهم ولا تطلق الرصاص عليهم ولا يجري اغتصابهم في السجون ولا تعذيبهم ولا يختفي جزء منهم دون معرفة طريق له"،أما عن تداول السلطة والترشح ،"فهو النموذح الرائد،والذي لو صارت عليه الشعوب والدول الأخرى،لما بقيت في جهلها وتخلفها،فالأوطان عندنا وهذا فقط غيض من فيض اقطاعيات،وهي مملوكة بالوراثة رؤساء وملوك وأمراء ،ولا يتخلى أي من زعماءنا عن كراسيهم،الا بالموت أو القتل"،فالجماهيرهي التي تريدهم وجاءت بهم للحكم بطريقة ديمقراطية(99،9 )،وأعطوني أي زعيم في العالم يحصل على هذه النسبة،بما فيهم زعيم الدولة الأولى في العالم،وهناك مثال حي على" وعي" الشعوب و"حبها" للقيادة أكثر من نفسها،وهي لم يحركها لا اغتصاب العراق ولا فلسطين،ولا ما يرتكب فيهما من مجازر وانتهاكات واستباحة للأوطان والأعراض،بل حركها حب الزعيم والقائد،وما أن وصلت أخبار اعتقال السلطات السويسرية ل"هانيبال" القذافي بتهمة ضرب خادميه،كما ضرب صديقته في فرنسا،حتى قامت الدنيا ولم تقعد وتحركت "اللجان الشعبية الثورية"،أكثر الله منها في دولنا وهي كثيرة، لتهتف بحياة الزعيم وولده،وأغلقت مؤسسات وشركات سويسرية عاملة في ليبيا ،واعتقل الكثير من رعايها في ليبيا أيضاً،في مثال حي وصارخ على "النخوة والشهامة العربية"،وهذه الجماهيرالتي لم تنتصر لا لنفسها ولا لقضاياها العربية، ستبقى غارقة في نار الجهل والذل،وستبقى ترقص وتطبل وتزمر للنظام،ما زالت هي والأحزاب التي تدعي تمثيلها ارتضت لنفسها هذا الدور.
أما في المجال الاجتماعي،وتحديداً في قضايا الفقر والبطالة ومحوالأمية،فهذا ما يميز أنظمتنا وقدرتها على وضع "الحلول لهذه المشاكل"،حيث أنك في طول الوطن وعرضه ،لا تجد "جائعاً واحد لا فقراء يموتون جوعاً لا في الصومال ولا السودان ولا اليمن"،أما معدلات البطالة فهي "الأدنى" في العالم وتقارب "الصفر"، لا 20 ولا 30 في المائة،او ستين وسبعين في المائة كما هو الحال في فلسطين،وفي التعليم لم يبقى لدينا "أمي واحد"،فقط 85 مليون على الأقل من مجموع عدد سكان الوطن العربي، وفي قضايا المرأة وعلى صعيد حقوقها ومساواتها،فهذا أحد نماذج "الفخر والاعتزاز لنا عالمياً، حيث لا بيوت دعارة عندنا ولا تحرش واغتصاب للنساء في الشوارع ،ولا امتهان لكرامة المرأة،ولا هي سلعة وتجارة"،وحديث المؤسسات الدولية عن أن دولتين من الدول العربية في المرتبتين الثانية والسادسة في تجارة اللحم الأبيض،هي محض "افتراء وتشويه"،والمحطات الفضائية الجنسية التي يمتلك رجال أعمالنا وأمرائنا أغلبها،فهي امتياز ونصر يسجل لنا ويضاف "لسجل انتصاراتنا الكثيرة"،ونحن الأقدر على حل مشاكل العنوسة في مجتمعاتنا،وهناك الكثير من المراجع الدينية التي تفتي في هذا الجانب،فعدا الزيجات الشرعية مثتى وثلاث ورباع،لدينا زواج المسيار والمتعة والكيف والونس والعرفي وحتى ارضاع الكبير قبل الصغير.
أما على الصعيد العسكري والسياسي والقضايا القومية،ففيهما الكثير الكثير من "النماذج الخلاقة والمبدعة واجتراح المآثر والبطولات"،فترساناتنا تمتلك أحدث أنواع السلاح،والمعد طبعاً ليس "لقمع الجماعير وقيادتها بالنار والحديد،بل لحماية الوطن والدفاع عنه ونصرة قضاياه،فأرضنا وأوطاننا ليست مستباحة ولا تجد عليها قاعدة عسكرية أجنبية،ولم نستخدم السلاح في خلافاتنا الداخلية أو في الاعتداءات على بعضنا البعض،ولم نسهل وندعم ونساهم في احتلال هذا البلد العربي أو حصاره،وانتصاراتنا ليس لها أول ولا آخر،ولم نعرف الهزيمة قط،ولن تكن جيوشنا للإستعراض،ولا أسلحتنا نشتريها وتصدأ،ونشغل من خلالها شركات السلاح الأمريكية والغربية،المستخدم في قتلنا ولا نشتريها من أجل عمولات ورشاوي طائلة نتقاضها"،أما عن الرتب والنياشين والأوسمة عندنا،فهي لم ينالها ويحصل عليه أفضل وأشجع القادة العسكريين في المعارك، "فالرتب والنياشين والأوسمة عندنا،والتي تثقل صدور وأكتاف الكثير من قادتنا العسكرين،يحصلون عليها ليس في معارك الشرف والبطولة،بل من خلال المراسيم"والفرمانات"وعلاقة القرابة والمصاهرة والنسب وغيرها.
وأنا لو استميرت في شرح الفروقات لكم بين قادة أنظمتنا العربية،وحتى الأحزاب وحركات التحرر منها والتي تتلطى بالشرعية الثورية زوراً،وبين قادة النظام في اسرائيل ،فهذه مسائل بحاجة الى كتب ومجلدات،وعندما يأتي وقت يتخلى فيه زعيم من زعماءنا عن كرسيه طواعية أو نستطيع توجيه اتهام لعقيد وليس وزير أو زعيم بالفساد والرشوة أو السبب في هزيمة ،فهذا يعني أننا نسير نحو التغير والتطوير والتثوير.

أبو العلاء عبد عبدالله - نموذج للأخلاق الغائبة

نبيل عودة

لم أكن أنوي الرد على مدعي الأخلاق المكنى ابو العلاء عبد عبدالله ، ولكني تلقيت عشرات الاتصالات من أصدقاء أعزهم ، تطالبني بعدم ترك متعربش على حساب الأخلاق ، يفرد تفاهاته وعاهات نفسه وأمراضه الشخصية ، تحت صيغ أخلاقية .
لاحظت ان المكنى أبو علاء ، في كتابات أخرى يتهجم أيضا على غيري ، بنفس الأسلوب عديم العقل ، والمستهجن انه يدعى قدرات لغوية ، لم نكتشفها بنصوصه ، المميزة بلغة مفككة من ناحية الصياغة ، وركيكة فكرا ومعان ، وهي ظاهرة لا يمكن ان تتغير مع من يدعي ما ليس فيه من أخلاق وقيم ، ومن لا يملك عقلا يقظا قادرا على معايشة العصر والخروج من كهف التخلف والانحطاط الذي ما زال يلازم حلات اجتماعية مستعصية ، لا حل لها الا بالزمن مع الأسف الشديد .
أبو العلاء .. لم يعجه مقالي عن " العجوز والفوطة " ، وهذا حقه المشروع ، ولم أكتب المقال لأحصل على تصفيقه ، وكان باستطاعته ان يناقشني دون اللجوء لمحاولات التشهير . اذا كنت "عجوزا مراهقا " كما يدعي في مقالته ، وهو ما ركز عليه "نقاشه الحضاري "، فاني أشكره ولا أرفض ان ابقى عجوزا مراهقا حتى الممات ، ولا أقبل ان أكون ظلاميا متخلفا حتى الممات مثل المكنى أبو العلاء ، وكل طروحاته في الحضيض ... ومشبعة بالأحقاد والتفاهة .
ابو العلاء يذكرني بحكاية ( بدون الفوطة التي أزعجته في مقال سابق ) والحكاية عن شخص سقط داخل بئر عميقة وقد حاول التشبث بأعشاب نبتت على جدار البئر الداخلية ليتقي السقوط ، وقد نجح على عمق ثلاتين مترا بوقف سقوطه الى القعر، حين قبض على جذر أوقف استمرار سقوطه نحو موته المؤكد.
تمسك بالجذر جيدا وبقوة ، وقد راعه ان الجذر ضعيف .. ولكن ما العمل في هذه الورطة يا أبو علاء ؟ الفوطة هنا لن تساعد ه كما تعلم ، حتى لو لوحت له بها ليل نهار ؟ او لوحوا لك بها ..
مضى وقت طويل وهو متمسك بالجذر ويصرخ طالبا العون .
- هل من أحد فوق ؟ انقذوني سقطت داخل البئر .
ولكن لا من مجيب . نظر الى الأعلى ولم ير الا دائرة زرقاء هي القطعة الوحيدة من السماء التي تظهر له من فتحة البئر الدائرية.
- أنقذوني ... انا هنا داخل البئر ... هل تسمعونني ...؟
واصل الصراخ بيأس وهو يشعر بتعب وألم في ذراعيه ، وخوف شديد ان لا يصمد الجذر الذي يقبض عليه بكل قوة قبضتيه كى لا يسقط نحو موته المؤكد الى قعر البئر.
وفجأة سمع صوتا مجلجلا :
- انا ربك الذي تعبده ، أرى ما يحدث معك ، لا تخف ، اترك الجذر وسوف أنقذك.
الشخص المتمسك بالجذر مؤمن بالله ، ولكنه في وضعه المأساوي بدأ يفكر ، ويقلب الموضوع بذهنه بسرعة ، ينظر نحو فتحة البئر ، لا يرى الا بقعة السماء الزرقاء المدورة ، والصوت المجلجل يواصل الرنين في أذنيه ، ولكن الشخص المتمسك بالجذر ، بعد تفكير ، صرخ بقوة :
- هل يوجد أحد آخر فوق لينقذني ؟

الشخص المتمسك بالجذر الضعيف ، وغير المضمون أن يتحمل وزنه لوقت طويل ، في لحظات حياته الحرجة ، يميل نحو استعمال المنطق . نحو اعتماد العقل .
لا أعرف يا أبو علاء سببا يجعلك تفقد اتزانك وعقلك حين تقرأ اسمي . ولا أعرف ما يخدش حياءك يا أبو علاء .. ومن نصك يبدو ان الحياء لا يخصك . وان العقل لا يقع في عالمك الظلامي. ويبدو انك لا تعرف الثقافة والتراث العربي ، أو الديانات السماوية .
ما هو الحياء يا هذا ؟ هل الجنس يعني الحياء ؟ اذن لماذا لا نحرق كل كتب التراث والأدب ، وأكاد اجزم انه لا يوجد كتاب ذو قيمة خلو مما تسمية خدش للحياء.
وهل كتب الدين خلو مما تسمية خدشا للحياء ؟؟
ربما العقل أيضا بات خدشا للحياء . والمنطق خدشا للحياء . ووجود الانسان أكبر خدش للحياء .. ؟ وربما ممارسة العلوم والطب والابداع الانساني خدش للحياء ؟؟ والتعليم خدش للحياء ؟...والتعددية الدينية والاثنية والفكرية والثقافية خدش للحياء ؟؟ والتمييز بين الجنسين خدش للحياء . .؟؟ وهذا الخدش للحياء في نهجك لا نهاية له !!
هل تعرف السبب ؟؟ إبحث عنه في ذاتك المريضة ، التي لا ترى الدنيا الا عبر ثقوب الجنس!!
ولا تفكر بحياتها الا بموضوع واحد وحيد لا يتغير ...
حتى في القرن السابع عشر، أي قبلك بأربعة قرون ... فضل الفيلسوف الفرنسي التنويري ديكارت ، العقل عن الاعتماد على الله وحده . ليس ضد الايمان أنما ضد الاتكالية ، وضد الشعوذة التي يتحفنا بها أمثال أبو العلاء في كتابة أشبه بالكوكتيل ، الم تسمع بالقول العبقري :"اعقل وتوكل" ؟
حسنا ، لا اتهمك بالعقل حتى لا تغضب ..
يتحدث أبو علاء عن الحياء ويكتب ما هو أكثر فحشا ، قالعا شرش الحياء من جذوره . ما دخل مواقفي السياسية والخدمة المدنية بموضوع العجوز والفوطة ؟ تريد ان تعترض على موقفي من الخدمةالمدنية ؟ ترى فيه موقفا يتعارض مع الطرح القومي أو الديني الذي تدعيه؟ لك مطلق الحق ، إطرح ما لديك لنتحاور مثل بني البشر ... ربما تقنعني بصحة رايك .. وربما تضحكني بعمق تفاهتك !!
اليس من العهر السياسي والثقافي ان تدمج الحابل بالنابل بهدف وحيد وأوحد ، التشهير بنبيل عودة فقط ، الذي لا يعرفك ولا تعرفه ، ولم يجالسك ولم تجالسه ، ولم يحتك بك ولم تحتك به ؟؟
هل هو اسلوب أم هي أخلاق ؟
جوابك لا قيمة له لأن أي من الخيارين يضعك في باب الفظاظة وكراهية البشر مع سبق الاصرار ربما لعاهة في نفسك .. ربما تكره نفسك لأمرآخر لا ندريه ، فتبحث عن ضعفاء للتفلت عليهم ، ولكن العقل المغلق لا يوقع الا صاحبه .
ما هي دوافع غضبك وخروجك الى لغة تشهير في حوار حول ما تسميه خدش للحياء ؟ ليتك طرحت فهمك للحياء والأخلاق لنتسلى قليلا . هل مواقفي السياسية والثقافية وراء غضبك الهستيري من نبيل عودة ؟ وهل حقا قصة العجوز والفوطة نجحت بخدش جلدك ومشاعرك المرهفة ؟
لست ضد الحوار ، ولست ضد النقد ، ونقد مواقفي ، ولكني اطلاقا ضد الشعودة في التفكير ، والهرطقة في الحوار . وضد التفاهة وفقدان أبسط القيم التي تميز الانسان عن بني البشر . وضد التهجم تحت ستار الحياء لأنك بلا حياء كما تظهر أفكارك عارية حتى من ورقة التين في نصك .
مرة أخرى لست ضد الحوار ولست ضد النقد ونقد مواقفي .. ولكن هناك شروط أولية يتعامل بها البشر في حوارهم وفي خلافهم .
ليس كل من لا أقبل رأيه يصبح عدوي واردح له وأشتمه بحجة الحوار وخدش الحياء يا رقيق الجلد والنفس ، أبو علاء عبد عبد الله النكرة وعديم الحياء .
ألم يكن أجدر بك وبكرامتك الشخصية ، ان تلتزم بأدنى مستوى يتطلبه الحوار ، أو النقد . أو النص اللغوي الانشائي؟.. ليس أحتراما لي ، انما تغطية لذاتك المريضة.
أقول بصراحة مطلقة ، ان ما يحرك الحاقد أبو علاء عبد عبد الله ، هي مواقفي السياسية من مختلف القضايا ، بما فيها الثقافية والفكرية والسياسية ، فقط أعمى البصر والبصيرة لا يرى ذلك ، وخاصة موقفي من موضوع الخدمة المدنية لمجتمعنا وأهلنا ... هل هذا أيضا خدش للحياء ؟؟
ان أقرب وصف لحالتك هي حالة الساقط في البئر ، وقبلها خدشت الفوطة حياءك ... ليكن الله في عونك وعون حيائك ، وان يهديك لعدم الخلط بين قضايا لا علاقة لها بموضوع الحوار الذي لم أجده في "مجاحشتك" الكلامية . واتمنى لك من كل قلبي ، رغم استفزازك لي غير الضروري وغير المفهوم ،ان تبدأ بالعودة الى وعيك قبل فوات الأوان عليك . وتعال نتحاور باحترام لخلاف الراي ، ولحق الاختلاف أيضا.
الحوار كان دائما معيارا لرقي المجتمعات المدنية ، ورقي الانسان ، وليس المجتمعات المغلقة والمتحجرة التي تفقس متعصبين هجينين بلا أصالة .

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي فلسطيني
nabiloudeh@gmail.com

الأربعاء، يوليو 30، 2008

يا دعاة التجرد من العاطفة الوطنية تريثوا

عطا مناع

إنهم كمن يسبح في الرمال المتحركة لا يتقدمون قيد أنملة، يطلوا علينا بين الحين والأخر بفتاوى سياسية ووطنية وأيدلوجية وحى عاطفية، فهم يحشرون أنوفهم حتى في مشاعرنا الوطنية وتعاطفنا مع من نعتقد إننا نتقاطع معهم في همنا وألمنا وقهرنا وطموحنا التحرري من قيود القهر ألاحتلالي والطبقي، لدرجة أن البعض أصبح يجرم ويشوه تحيزنا لأبناء جلدتنا ويصفنا بالسطحية وحراس العاطفة الذين لا يقيمون وزنا للمنطق أو العقل أو التفكير العلمي ويضعوننا في قفص الاتهام لأننا نقول نحن نتعاطف مع قضايا امتنا العربية التي تشكل امتدادا طبيعيا لوجودنا وحاضنة لها الفضل الأكبر في استمرار أسباب صمودنا.

يا أنصار الفكر الأسمنتي، لا يمكننا أن نتجرد من عواطفنا في معالجة قضايا شعبنا، كيف لا نتعاطف مع الزعيم العراقي الشهيد صدام حين نشاهده كالمارد أمام الموت يقرأ علينا وصيته الأخيرة فلسطين ومقاومة الأجنبي؟ ولماذا ننساق وراء أفكاركم السوداء وتحريضكم الأعمى على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي يشاطرنا همنا ويقارع من استباح أرضنا ويوقع به الهزيمة تلو الهزيمة، إنكم تنكرون علينا عاطفتنا تجاه الأسرى في سجون الاحتلال وفرحنا لتحرير عميد الأسرى العرب سمير القنطار وتقديسنا للأسير الفلسطيني سعيد العتبة الذي دخل عامة الثاني والثلاثين في سجون الاحتلال.

يا أصحاب الفكر المعلب لا يمكننا إلا أن ننحاز لدماء من ضحوا بحياتهم من اجل كرامتنا ورفعتنا، أنا لا اعرف كيف يصف البعض الكلمنجيي هذه الدماء لبناء أمجاد مزعومة، ولا استوعب فلسفة الأستذة والإسقاطات الأكاديمية الجامدة التي يمارسها علينا أصحاب المدرسة التي تستهدف تكويننا الوطني الذي بني على حب الوطن والانتماء له، بربكم قولوا لي لما يضحي الإنسان بحياته سجنا أو شهادة من اجل وطنه، هل تعلمون لماذا؟ لان الوطن عبارة عن نسيج متكامل لسلة من الحلقات للمفاهيم والتجارب والإبداع الفكري والثقافي والفني والتراثي الذي جاء كعصارة للتفاعل الاجتماعي لامتدادنا كفلسطينيين وعرب، لن تقنعونا أن الشيعة أعداءنا، ولن نقبل إلا بامتدادنا العربي بتكويناته وتعقيداته، لان العاطفة الوطنية والهم المشترك والتاريخ المشترك العامل الرئيس لخروج المسيرات والمظاهرات التضامنية مع الفكر المقاوم الذي قضى على الفكر الشيطاني في صحراء التفريط لدى الأنظمة الرسمية التي أصبحت عاجزة عن تبرير ذاتها أمام شعوبها لتأتوا انتم وتلقوا بالقشة في محاولة يائسة وبائسة لإنقاذ ماء وجوههم المسودة بسبب انجازات الفكر المقاوم الذي ترجم نفسه بانتصارات على عدو عبث بأمتنا لستة عقود مضت.

يا أيها الديمقراطيون الجدد: نحن لسنا بالبلهاء لتنطلي علينا ألاعيبكم المكشوفة، فمرة تطلبون منا أن نكون واقعيين، وأخرى تقولوا أننا نعتمد العاطفة ونجافي العقل والمنطق في معالجتنا الفكرية لواقعنا، تخرجون علينا بما تعتقدون أنة اكتشاف وبلسم لمشاكلنا وحلا لقضيتنا، تتبادلون الأدوار المطلوبة منكم بسذاجة، تقولون لنا ضحوا بعودتكم إلى أرضكم التي هجرتم منها من اجل الأقصى، تسالون وتجيبون في نفس الوقت، أحسدكم على تفانيكم للخدمات الجليلة التي تقدمونها لأعدائنا بقصد أو بدون قصد لا يهمنا لأنكم تعبثوا في واقعنا وتقتحموا عالمنا المختلف عن عالمكم.

يا أيها العابثون تريثوا، ويا أيها المتخمون انسحبوا من عالمنا، نحن وإياكم على طرفي نقيض، انتم من طبقة يطيب لها أن تستسهل العبث بعالمنا، هذا العالم الذي اتخذ من الحلم إكسير لمواجهة قهرنا وتشردنا وفقرنا، يا أيها الذين لا تتقنوا إلا الطعن من الظهر انظروا حولكم ودققوا لتروا حجم المأساة التي نعيشها جراء العنف الداخلي الذي أصبحنا نحن الفقراء حطبا رخيصا لناره الغير مقدسة، نعتقل على الهوية السياسية ، تصادر حريتنا، وتنتهك حقوقنا، يا أيها المنظرون اعلموا أن لا فرق بين الفلسطيني والفلسطيني كان عزيا أو ضفاويا، لا فرق بين لبناني وفلسطيني ومصري وعراقي وأردني وسعودي ويمني وسوري، نحن أبناء الجلدة الواحدة، لهذا يتزود الشباب المصري بحبهم لفلسطين ويجتازوا حدود غزة للتضامن معنا، ويتحمل طفلا سوريا لمن يتجاوز الحادية عشر سنة مشاق السفر مشيا على الأقدام من سوريا للبنان ليقول تحيا المقاومة.

يا سادتي الذين لا ارغب في التعرض لهم بالأسماء والألقاب، أتريدون منا أن نتجرد من عاطفتنا ونتحول إلى ظل للآخر الذي يسطوا كل يوم على ثروتنا التراثية الأصيلة وجرنا إلى ثقافة المكدونلد البائسة المسطحة التي تستنفر فينا غرائزنا، أتريدون منا أن ننحاز لفكر الهزيمة ونغطي شمس المقاومة بالغربال، قد يكون لكم وجهه نظر، ويفترض بنا أن نسمعها لكن لن تقرضوا علينا يا أصحاب الفكر الأسمنتي أن نلتزم الصمت ونتنكر لمئات آلاف من الشهداء الذين كانت العاطفة الوطنية العامل الرئيس لتضحياتهم من اجلنا.

لا تزايدوا على المطران شقور

نبيل عودة

نحن نفتخر بالمطران شقور ونجله على الدور التربوي العظيم الذي قام ، ويواصل القيام به في مجتمعنا العربي في اسرائيل .وأعتقد ان تصريحاته ربما زلة لسان لم يعنها حرفيا أنما اراد حض ابناء الطوائف المسيحية على المزيد من العطاء الوطني في هذا الزمن الأغبر والسيء ، حيث تكثر هجرة ابناء الطوائف المسيحية من الشرق العربي ، بسبب المعاناة والاضطهاد الذي يتعرضون له من قوى متطرفة تدعي التدين كذبا وبينها وبين الأصالة الدينية ، هوة لا يمكن ردمها.
ان واقع المسيحيين اليوم في الشرق سيء جدا . اقرأوا مقال وزير الاعلام الأردني السابق ، صالح القلاب ، حول واقع المسيحيين المهين في الشرق ، ونقده اللاذع للتعامل معهم .اقراوا مقال الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت التي تنتقد بقسوة تعامل السلطات المصرية مع أقباط مصر . اقرأوا مقال الصحفية الفلسطينية ناديا عيلبوني حول ما جرى من جرائم بحق المسيحيين في غزة . اقرأوا مقالا ممتازا للأمير طلال بن الوليد نشره قبل أكثر من 6 سنوات ، يحذر فيه من هجرة المسيحيين بسبب الآضطهاد والتعامل الظلامي معهم ، ويقول ان العالم العربي يفقد بذلك الطبقة صاحبة المصلحة في التطوير الاقتصادي والاجتماعي والقادرة على مد جسور نحو الحضارة العربية التي ما زال الشرق يشحدها . وكذلك هناك مقال بنفس الروح للصحفي الكبير محمد حسنين هيكل.
الحقيقة التاريخية ان ابناء الطوائف المسيحية في الشرق ، لعبوا دورا أساسيا في كل الرقي الحضاري للدولة العربية الاسلامية ، منذ زمن العباسيين ، خاصة في فترة هارون الرشيد وابنيه الأمين والمأمون ، والى يومنا الراهن . عشرات العقول المسيحية ، والاسلامية أيضا تغادر الوطن قهرا .. ويمكن القول ان التنوير يغادر عالمنا العربي ، من هنا أفهم صرخة المطران الياس شقور. ان من يقرا المقابلة كاملة يفهم الموقف السليم للمطران شقور. ومن يريد ان يزاود ،أو يتحين الفرصة لأمر في نفس يعقوب ، عليه ان يعرف أولا ما أنجزه هذا الانسان لمجتمعه العربي بكل طوائفه ، من فتح مكتبات عامة ، عرفت ان احداها في نحف وافتتاح مدرسة ثانوية في دبورية .. وسجله أكبر من ان يسجل بهذه العجالة الصحفية.
لست الآن في باب استعراض الدور التاريخي للمسيحيين العرب ، ولكني لا بد من أن أشير الى حقيقة لا يمكن تجاهلها ان المسيحيين العرب كانوا وراء نشوء الحركات القومية العريية ونشر الصحافة والمسرح والرواية والطباعة والوعي القومي ( أول مطبعة أقيمت في بيروت من الارساليات المسيحية)، ويكفي الحديث عن دور الآباء اليسوعيين في لبنان الذين انقذوا اللغة العربية من التتريك . ويكفي أيضا الاشارة الى دور ادباء المهجر ، وكلهم مسيحيون ، الذين أعطوا للثقافة العريية والحضارة العربية أدبا راقيا ما زال يسحرنا حتى اليوم ، وشكل انطلاقة لغوية عربية رفعت اللغة العربية الى مصاف اللغات الحية . وفتحوا امام الثقافة العربية آفاقا واسعة حدودها السماء.
هل من ينكر دور المسيحيين العرب في تطوير الصحافة في مصر ، وتطوير المسرح والسينما وسائر الفنون؟ ان الحديث الذي أدلى به المطران شقور ( بالأساس العنوان الذي إختارته الصحيفة لأمر لا يخدم الهدف من الحديث مع شخصية دينية وناشطة اجتماعيا وتعليميا ) يجب ان يفهم بنسبيته ، وليس بمضمونه المطلق. لأن الأب شقور هو متابع للنهج الحضاري المسيحي الوطني ، الذي يفتح الآفاق للتعليم أمام الاف الطلاب العرب من جميع الطوائف.ويقوم بدور نضالي لا يمكن الاستهانة به ، من أجل تعزيز مكانة المسيحيين في الشرق ، وتعزيز مكانة ابناء العروبة بكل دياناتهم ، أمام ما يواجهونه من مؤمرات على أوطانهم ومستقبلهم.
بالطبع نحن ضد الطائفية البغيضة ، نحن ضد الكراهية بين ابناء الوطن الواحد.
استعرضوا الأحزاب القومية العربية ، تجدوا ان المسيحيين العرب كانوا ضمن القوى الطلائعية في التأسيس والتنظير والنشاط الفكري والسياسي وارساء الأخوة الوطنية .
لا أحب حديث الطوائف ، ولكن طرح الموضوع خرج عن اطاره . ونحن ، بقدر انتمائنا الى دين ما ، ننتمي الى قومية والى ثقافة والى تاريخ هو فخر لكل ابناء العروبة ، وأرجو عدم المزايدة على المطران الياس شقور.

نبيل عودة- كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

الثلاثاء، يوليو 29، 2008

المغتربون والانتخابات

لاحظ س. حداد

ما يتردد في كواليس السياسيين وتصريحاتهم المتناثرة، في ما يتعلق بحق المعتربين في الانتخابات النيابية، لا يؤكد مصداقية مقالهم ولا يبَّشر بخير.. وما يقال عن قصّرِ الوقت المتبقي لإيجاد الآلية المناسبة لإشراك المغتربين حقٌ يُراد به باطل..

فلا داعي إطلاقاً الإختباء خلف الأصابع القانونية وغير القانونية.. فما يسري على اللبنانيين المقيمين في لبنان من قوانين انتخابية يجب أن تسري على المغتربين.. والفارق يبقى في أن لدى اللبنانيين المقيمين أماكن معروفة ومحددة لصناديق الاقتراع بينما المغتربين غير مقررة بعد الكيفية التي سيتوجب عليهم اتباعها للإدلاء بأصواتهم.. وهذه ستكون سهلة الحصول فيما إذا قررت الدولة اللبنانية الاستجابة إلىرغبات أبنائها المغتربين بإعطائهم حقهم في المشاركة في ليس حمل هموم الوطن وحسب بل في اختيار من يرونهم جديرين بحمل المسئولية الوطنية الكاملة..

نقدّم فيما يلي تفاصيل اقتراح سبق أن قدمناه إلى بعض السياسيين ونشرناه في الصحافة الاغترابية:
مـدخـل ...
أولاً : نعلم أنه، قد لا يكون استعمال الوسائل الألكترونية متوفرة تماماً عند كافة المغتربين ولم يتوفر للدولة بعد مواقع رصد كافية وإحصائها لاعتماد نتائجها لذا قد تصبح عُرضة للطعن الذي بدوره لم يُصار إلى تحصينه بعد..
ثانياً : نعلم أن وزارة الخارجية تمتلك المعلومات الكاملة عن وجود سفاراتنا وقنصلياتها في كل دولة من دول العالم، وبالتالي أيضاً يتوفر لديها العلم بأماكن تواجد اللبنانيين، في المدن الكبرى لهذه الدولة، حيث لا توجد قنصليات.. كما أن وزارة الخارجية علماً أكيداً بالدول التي ليس للبنان فيها سفارة أو قنصلية..
ثالثاً : لا شك أن وزارة الخارجية على علم بوجود مؤسسات وجمعيات اغترابية في كافة المدن ذات الكثافة السكانية من المغتربين، وأن هذه تمارس نشاطاتها الوطنية التراثية والاجتماعية بكل وداعة وثقة وتتبادل في اجتماعاتها جميع ما يجري على أرض الوطن وتتمنى فعلاً لو أمكنها المساهمة في أي عمل يفيده..
رابعاً : نشارك وزارة الخارجية العلم بوجود فروع للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في العديد من دول العالم ومدنه الكبرى، ويُعرَف عن هذه الجامعة أنها تمثل الاغتراب رسمياً ومعترف بها من قبل وزارة الخارجية اللبنانية..
خامساً : من المعروف أن اللبنانيين في عالم الانتشار لم يتخلوا قط عن جنسيتهم اللبنانية إلاّ في البلدان التي تفرض مثل هذا التخلي قبل منحها جنسيتها للغير.. لذلـك، فإن لبنانيين الاعتراب لا زالوا متمسكين بجنسيتهم اللبنانية وبالتالي لا زالت أسماؤهم مدرجة في جداول الشطب الرسمية ما عدا الذين احتسبوا أمواتاً أو شُطِبت أسماؤهم بالقلم الأحمر بسبب عدم حضورهم إلى قلم الاقتراع..
الاقـتراح ...
مواقع الانتخاب: بالتعاون التام بين وزارة الخارجيو وزارة الداخلية،،
1) يمكن اعتماد السفارات اللبنانية وقنصلياتها مواقع للأقلام الانتخابية..

2) يمكن لكل سفارة اختيار مؤسسة لبنانية ( مثل الجامعة اللبنانية الثقافية ) في كل مدينة كبرى ذات كثافة سكانية لبنانية واعتمادها موقعاً لقلم انتخابي.. يكون ذلك بالتعاون وإشراف السلطات المحلية.. وكذلك بالتعاون مع قضاة صلح لبنانيين معينين من الدولة لاجراء عمليات الفرز والاحصاء حسب الأصول.. ومنعا لأي طعن، تودع النتائج في السفارات والسلطة المحلية على حدٍ سواء قبل إرسالها إلى وزارتي الخارجية والداخلية..
3) أما في الدول التي لا تمثيل دبلوماسي لها مع لبنان، فيصار إلى اعتماد قرار السفير الأقرب إليها في انتداب القنصل الفخري للبنان ( إذا وُجِد ) أو إحدى المؤسسات اللبنانية الاغترابية وأيضاً بالتعاون مع السلطات المحلية..

4) يمكن، وخلال فترة وجيزة، استنساخ لوائح الشطب الانتخابية الأصلية وإرسال نسخ عنها إلى جميع سفارات لبنان في دول الانتشار.. وعلى السفارات توزيع لوائح الشطب على القنصليات والمؤسسات المختارة..

هكذا نرى سهولة مشاركة المغتربين أخوانهم في الوطن في تقرير أمورهم الوطنية..
قد يدعي البعض، كالعادة، أن هذه العملية يشوبها الكثير من الشوائب.. لا بأس بذلك قط فنحن علينا اتخاذ الخطوة الأولى، ولسنا ألأول في العالم الذين يشاركون في مثل هذه الانتخابات من خارج حدود دولتهم.. وإن أية أخطاء يمكن حصولها، يمكن تجاوزها إذا كانت النوايا سليمة ووطنية خالصة..
يجب ألاّ ننسى أن مثل هذه الخطوة قد تتبعها خطوات هامة أخرى مثل إجراء عملية إحصاء كبرى أو عمليات استفتاء على الأمور الوطنية الهامة إذ ليس من المقبول قط أن رأي مجموعات لبنانية مقيمة في الأمور المصيرية على أضعاف أضعافهم مغتربة.. ويجب أن يعلم الجميع إن اهتمام المغتربين بأمور وطنهم أصبح شغلهم الشاغل ويأخذ من وقتهم أكثر مما يتصور الكثيرون..
إنه من باب أولى أن يشارك اللبنانيون في إبداء رأيهم في أمور وطنهم، وعلى السياسيين الأخذ به لسبب وحيد فقط وهو عدم رضوخ المغتربين للإغراءات المادية أو العشائرية أو القبلية أو حتى الطائفية.. فهم، وبعد طويل اغترابهم وتمتعهم بالحرية الفكرية والعملانية للتعبير، باتوا محصنين ضد الكثير من الضغوطات ويهمهم رفعة اسم وطنهم ورسالته فيتحقق لهم مصداقية ما يبارون العالم به من عنفوان وعراقة تاريخ ويزيلوا عن عاتقهم ما علق بهم من مشوهات الحروب التي خيضت باسم وطنهم وهم منها براء..

أخيراً نأمل مخلصين أن يشاركنا اللبنانييون المقيمون في أختيار الأنسب لتمثيل الوطن في الداخل وفي عالم الانتشار!

صانك الله لبنان


إسماعيل المشوخي شمعة ألم

سامي الأخرس
كلما يلوح فجر يوم جديد ، وتلقي الشمس بأشعتها الدافئة على بقعة الألم التي تسكننا ، ونحن نقف على شرفة الحياة نتأمل ذاك الطفل المبتسم وهو يغادر لمدرسته ممسكاً بيد من يكبره ممن أضنتهم الحياة شوقاً وحزناً ، تلوح الذكري وتستوحي من بين الابتسام حزنُ يشع مع أشعة الشمس ، حزناً بطعم الحرمان وقسوة الآه والفراق مع تنهيدة الأم وهي تسبح على فراشها الليلي الموحش تحي ذكري حبيباً غادر إلى حيث اللالقاء ، غادر ليترك الدار مهجورة من تغريده الفجر ، ويترك في جنبات البيت آه وألم تصدح بصدي الصوت ، غادر ليضع شموع الذكري تحترق شوقاً وعشقاً ، وابتسامة الطفلة سجينة تبحث عن حرية آتية ولحن كانت تحلم به موسيقاه كلمة " بابا " وهي تتراقص على أفئدة قلب شغوف انتظر الزمن يمضي لاحتضان عيون ولدت من صبر طويل وانتظار شاق ، زرعها نبته وانتظر بزوغها لتتخمر ابتسامة معتقة ، وقيثارة يعزف عليها أغنية حب ومستقبل وفرح وهي تداعبه بألحانها ، وتطبع بشفاهها قبلة على جبينه وتقضم إصبعه بمداعبة بريئة .
إنها ذكري كلما أمسكت أجندتي الخاصة حاولت أن أزيحها من أمام ناظري ، ومن مخيلتي ولكن آبي اللحن الحزين إلا أن يراقص ورود البنفسج في مساء غادرنا به روحاً يافعة بالود مفعمة بالأمل ، أهزوجة عشق دائمة العزف لا تفارقنا مقطوعاتها الشعرية .
إنه اليوم الذي لا أتمني أن يأتي ولا أنتظره ولكنه آتي يحمل ريح الفراق العاصفة التي ألقت بي إلى شجون الفراق وألم الغياب ، ذكري توقفت عندها نبضات القلب عن الخفقان منذ أن رأيت هذا الجسد مسجي بوداعه الأخير ، وتلك الروح غادرتنا لتهجر جدران البيت وتصعد نجما للسماء نهتدي به إلى طريق الصبر وسط صحراء الحزن والألم والفراق واللوعة .
اليوم ليس كأي يوم إنه الثلاثون من تموز الذي سلبت به صداقة وأخوة وحب ، سلبت بفعل ذئاب ماكرة تعشق الانقضاض وطبعها الافتراس وشيمتها الخيانة ، إنها الذكري التي لم أتمني أن اكتب عنها أو استذكرها ، رحيل روح الشهيد إسماعيل المشوخي (الحن) ، يوم أن احتضنت جسده المغدور محررات غزة تلك التي عشقها وقضي عمراً باحثاً عنها محررة مطهرة ، فعاد لها جسداً مطهرة وروحا بريئة .
الشاهد والشهيد إسماعيل المشوخي الذي سقط ولم ينحني ، لم يخشي الموت وإنما خشي الغدر ، فقاتل عدوه والذئاب التي نهشت جسده ، ولكنه لم يسقط أبداً.
إسماعيل المشوخي (الحن) اليوم ذكري استشهاده الأولي تلك الذكري التي ارسم على حزنها لوحة لا زالت تنبعث منها رياحين المسك لتعبق بالوطن .....
المناضل إسماعيل الذي حمل البندقية منذ نعومة أظافره حباً بالوطن وعشقاً للأرض ليمضي بين القضبان أجمل سني عمره ، فزادته تماسكاً وتحدياً ، فلم تنل منه بل نال منها الصبر والجلد ليعزف على قيثارة الصمود لحن لا يتقنه الكثير ... حتى سقط جسدا وتعملق روحاً.
فارساً ينتظر.......... اليوم ليس كأي يوم إنه يوم أنتظر به حتى ساعات المساء لأدون أن الذكري تبقي دوما مرسومة بالشرفاء والأبطال ، ملهما للأحياء ، قدوة للفرسان ، وهذا المساء كانت ذكري استشهاد المناضل إسماعيل المشوخي الذي نالت منه يدر الخيانة والغدر .
فالرحمة لفارسنا إسماعيل المشوخي ، ولروحه الخلود ... ولذكراك الشموخ ... ولقاتليك العار ... لن تغيب أبداً
Samyakras_64@hotmail.com

تصفيات... اغتيالات... هدم ... اعتقالات فلسطينية وإسرائيلية

راسم عبيدات

هذا العنوان يكثف ما وصلت اليه الحالة الفلسطينية المحزنة والمضحكة المبكية في نفس الوقت،والتي كل الدلائل والمؤشرات تدلل على أنها تتجه نحو المزيد من الاحتقان والتدهور الداخلي،والذي وصل مراحل عالية من الخطورة،عقب العملية الإجرامية في القطاع،والتي راح ضحيتها خمسة من خيرة القادة الميدانيين لكتائب القسام، هذه العملية كان لها تداعيات جداً خطيرة،وأثبتت بأن الحديث عن الوحدة الوطنية والحوار الوطني والمصالح العليا للشعب الفلسطيني،يفتقر الى المصداقية وغير مترجم الى أفعال من طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية(فتح وحماس)وهو فقط للاستهلاك المحلي وحديث شعارات وخطابات ولقاءات صحفية ومتلفزة.

كما أن العملية كشفت عن حالة من الحقد والفئوية العاليتين،وانحدار الى مستويات غير مسبوقة وغير أخلاقية في القدح والذم والتحريض والتخوين والتعبئة الحاقدة،تفوق التعبئة والتحريض والحقد على جرائم ومجازر الاحتلال اليومية.

ورغم أن هذه الجريمة تستدعي الرد عليها بشكل قوي وبما يمكن من كشف القتلة وجلبهم للقضاء والمحاكمة وإنزال أقصى العقوبات بهم وبمن يقف خلفهم ويوفر لهم الدعم والمساندة والاحتضان والتغطية، أينّ كان موقعه ومنصبه.

ولكن هذا لا يبرر بالمطلق أن تستعجل حركة حماس توجيه الاتهامات،وتشن حملة واسعة من الاعتقالات والمداهمات والاقتحامات في صفوف حركة فتح والمؤسسات المحسوبة عليها،وبالمقابل فإن مظاهر الفرح والأهازيج "الوطنية" المباركة لهذه الجريمة،والقول بشكل مباشر وسريع ،من قبل عناصر نافذة في فتح والسلطة أنها أتت في سياق الصراعات الداخلية بين أجنحة حماس المتصارعة،جاء ليكشف عمق الأزمة والتداعيات الخطيرة المترتبة عليها،حيث كل طرف يحاول أن يجد المصوغات الشرعية لممارساته ومسلكه وتصرفاته،وكأن الخلاف فقهي وليس سياسي، فجريمة غزة تستدعي إجراء حالة من التحقيقات الأمنية الواسعة،والتصدي السريع والحازم لمثل هذه العصابات المجرمة،ولكن بعيداً عن استغلال الحادث والجريمة لتوجيه الاتهامات المتسرعة، وشن حملة واسعة من الاعتقالات تعوزها الأدلة والبراهين،وبالمقابل فغير مفهوم ولا مبرر ولا يوجد له أدنى تفسير ما تقوم به الأجهزة الأمنية من اعتقالات واسعة في صفوف أعضاء وأنصار حركة حماس في الضفة الغربية، إلا أن ذلك يأتي في إطار النكاية لما يحصل في القطاع والرد بالمثل،وأخذ المعتقلين كرهائن من أجل المبادلة

والشيء المضحك المبكي،في الوقت الذي تجري فيه عمليات الاعتقال المتبادلة،تقوم قوات الاحتلال مستغلة ذلك بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المناضلين في الضفة الغربية،بل أنها أقدمت على عملية اغتيال،لأبرز قادة القسام الميدانيين في منطقة الخليل المناضل شهاب النتشة، وعملية الاغتيال تلك والتي أتت في ظل ما تشهده وتعيشه الساحة الفلسطينية من تحشيد وتجييش داخليين،محولاً الصراع مع العدو الإسرائيلي الى صراع ثانوي وهامشي،رغم أنه الجذر والأساس لكل المآسي والشرور التي يعيشها شعبنا الفلسطيني،والعدو الإسرائيلي بالتهاء الفصائل الفلسطينية في صراعاتها وخلافاتها الداخلية،يستغل ذلك وينفذ مخططاته وجرائمه بشكل مستمر ومتواصل،ويعلن حرباً شاملة على المقدسيين الفلسطينيين،تستهدف تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم وبيوتهم وممارسة التطهير العرقي بحقهم،حيث أقدمت سلطات الاحتلال وبعد فترة ليست بالقصيرة على لقاء عباس مع "حمامة" السلام الإسرائيلية"بيرس" على هدم بناية من ستة طوابق تعود للمواطن ماجد أبو عيشة في بيت حنينا،وشرعت في خطوات عملية للاستيلاء على منزل عائلة الكرد في منطقة الشيخ جراح،تمهيداً لإقامة حي استيطاني في المنطقة،وأعلنت عن طرح عطاءات ومناقصات لإقامة مئات بل ألاف الوحدات السكنية في كل أنحاء مدينة القدس وأحيائها العربية،وترافق ذلك مع اتخذ سلسلة من القرارات الحكومية بحق السكان العرب المقدسيين،أقلها هدم منازل المناضلين الذين ينفذون عمليات ضد الاحتلال ومستوطنيه،ومنعهم من العمل في سوق العمل الإسرائيلي،والحرمان من الحقوق الاجتماعية والصحية،ناهيك عن دراسة إمكانية التخلص من سكان الأحياء الفلسطينية العالية مثل صورباهر والمكبر،وشن عملية تحريض مباشرة من قمة الهرم الحكومي السياسي الإسرائيلي على العرب المقدسيين

والأمور ليست وقفاً على هذا الحد،ففي الوقت الذي تشتد فيه وطأة الأزمة والصراعات الداخلية،فإنه من المؤكد أن الاحتلال سيعمل على تغذيتها وتفاقمها،والقيام بشكل غير مباشر ومباشر بعمليات تصفية متبادلة لأعضاء من(حماس وفتح)،وبما يخدم أهدافه ومخططاته في تأجيج الصراع الفلسطيني وتعميق حالة الانقسام.

وفي ظل كل ما تشهده الحالة الفلسطينية،من تفاقم واشتداد أزمة طرفي المعادلة الفلسطينية،حيث المفاوضات العبثية والمارثونية،لم تحقق أية نتائج ولو في الإطار الحياتي والإنساني، وبما يمكن من حفظ ماء وجه السلطة والفريق المفاوض بل كلما استمرت المفاوضات،وأكد الفريق الفلسطيني المفاوض على تمسكه بها،كلما زاد إذلال إسرائيل لهذا الفريق وتعميق أزمته وخياراته في الشارع الفلسطيني،والطرف الأخر من المعادلة،وجد نفسه أمام التزام صارم بتهدئة،تقدم إسرائيل على اختراقها بشكل شبهة شامل ومتكرر،فلا المعابر فتحت ولا مستلزمات الحياة الأساسية دخلت للقطاع،ولا الاعتداءات توقفت.

وفي خضم هذه الأزمة المتصاعدة والمتفاقمة، يطل علينا الرئيس عباس من القاهرة لكي يعلن انطلاق الحوار الوطني الفلسطيني ولا أدري عن أي حوار يتحدث؟ وبين منّ ومنّ سيجري الحوار؟،هذا الحوار الذي يجري مع الإسرائيليين بدون شروط،أما بين الفلسطينيين أنفسهم فهو بحاجة لألف شرط، لكي لا ينطلق ولكي نسجل على بعضنا البعض النقاط في فشل الحوار،وبالمقابل توصلنا لتهدئة مع إسرائيل، ولم نتوصل لتهدئة مع بعضنا البعض،ونعيد اجترار الحديث و"الفذلكات" الكلامية والمهارات اللغوية،عن أسس وشروط الحوار، وندور في نفس الحلقة الفارغة ،ونستمر في الصراع على وهم سلطة، قد توصلنا الى ضياع الحقوق وتبدد المنجزات والمكتسبات،ونعفي أنفسنا من تحمل المسؤوليات.

إن حالة الانقسام سوف تتعمق،ببعديها الجغرافي والسياسي،والأزمة ستتطور وتتصاعد،إذا ما وصلنا نقاشنا البيزنطي،حول أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة؟،وستصبح الساحة مفتوحة ومرشحة لخيارات وأجندات غير فلسطينية،وسيواصل الاحتلال تنفيذ مخططاته وفرض سياسة الأمر الواقع.

الأحد، يوليو 27، 2008

لا يكفي استنكار جريمة بحر غزة

عطا مناع

توالت الاستنكارات للجريمة البشعة التي ارتكبت على شاطئ بحر غزة وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، وقد تراوحت ردات الفعل ما بين المطالبة بإعدام منفذ الجريمة والاستنكار والخروج بمسيرات ضخمة نظمتها حركة حماس وحكومة غزة المقالة، وكانت حركة حماس قد وجهت أصابع الاتهام لحركة فتح وشنت حملة منظمة طالت عناصر الحركة ومؤسساتها في قطاع غزة مما ادخل الشعب الفلسطيني في دائرة جديدة من التوتر والتحريض الإعلامي والشعبي الغير مبرر الذي تقوده شخصيات مركزية من حركة حماس.

كان ضحية هذا الاحتقان الذي خيم على أجواء قطاع عزة والضفة الغربية والاعتقالات العفوية التي للعناصر فتح في غزة من قبل حكومة حماس وحكومة رام الله في الضفة، اعتقالات تعبر عن حالة من التخبط والارتجال وفقدان البوصلة ودفع الشارع الفلسطيني للمجهول، فمن غير المعقول ورغم ضخامة الجريمة أن تقوم حركة حماس بتخوين حركة فتح حتى لو كان منفذ الجريمة ينتمي لها، ولا اعتقد أن حركة حماس استطاعت خلال ساعات أن تغلق دائرة التحقيق وتصل إلى استنتاجات مفادها أن حركة فتح لها توجه مركزي بتنفيذ تفجيرات تستهدف حكومة حماس التي تسيطر على القطاع وتتحمل مسئولية استتباب الأمن وسيادة القانون بملاحقة المجرمين وعدم الانجرار للأداء العفوي في التعاطي مع الجريمة لان ذلك سيضاعف الضحايا وسيراكم للمزيد من الاحتقان الذي يشكل حاضنة للفوضى والقتل على الهوية السياسية.

ما حدث في غزة جريمة تقع في دائرة المتابعة القانونية، وللقضاء الفلسطيني وليس ألفصائلي الحق والواجب أن يأخذ دورة في التحقيق وإعلان النتائج للجمهور الفلسطيني بشفافية وتقديم الفاعلين مها بلغ عددهم وعلى شانهم لمحاكمة شفافة بعيدة عن حركة حماس وحكومتها التي اتخذت موقفا مسبقا بملاحقة حركة فتح في القطاع واجتثاث وجودها المؤسساتي والتنظيمي وكان هذه السياسة ستشكل مخرجا للمأزق الفلسطيني الداخلي وستنقذ حركة حماس من القادم.

بالمقابل لا زالت حكومة رام الله والأجهزة الأمنية الفلسطينية تكرر نفس الأخطاء المميتة والمستندة لردود الأفعال باعتقال العشرات من كوادر حماس وأنصارها في الضفة الغربية والزج بهم في زنازين السلطة في الوقت الذي تتعرض فيه الضفة الغربية لأشرس حملات الاعتقال والاغتيال ومصادرة الأراضي من قبل دولة الاحتلال التي يطيب لها هذا الصراع الذي تتسع رقعته وكأنة يعطيها الضوء الأخضر لارتكاب مزيد من الجرائم بحق الشعب والأرض الفلسطينية.

الطبيعي أن يستنكر الشعب الفلسطيني وقواه وفعالياته جريمة شاطئ غزة، ولكن لا يفترض بهذه الفصائل والفعاليات أن تستكين لهذا الفعل الضعيف وعدم رفع الصوت عاليا في وجه عمليات التطهير السياسي التي تعبر عن شوفينية تنخر النسيج الفلسطيني فالمتابع لبرامج فضائية الأقصى يستطيع أن يقرأ الخطاب الإعلامي التعصبي لقيادات حماس الذي يعبئ لمرحلة الأرض المحروقة والانفصال لغير رجعة بين قطاع غزة والضفة الغربية ، وقد يعلق البعض على ما يصدر عن بعض الشخصيات التي لها مصلحة في استمرار الصراع لان الحوار سيسحب البساط من تحت أقدامها ويفقدها امتيازاتها وخاصة أولئك الذين يضعون الحطب على النار كالذي تمنى وعبر شاشة تلفزيون فلسطين لو أن انفجار شاطئ غزة استهدف الدكتور محمود الزهار والجعبري ليكشف بهذا الكلام عن ضحالة سياسية ووطنية.

منطق الأشياء يقول أن لا مفر من الحوار لأنة الخرج الوحيد للخروج من الحالة الفلسطينية التي راكمت الفشل تلو الفشل، والشعب الفلسطيني الذي استنكر جريمة غزة تواق لهذا الحوار الذي دعا إلية الرئيس محمود عباس وجدد الدعوة هذا اليوم من مصر، غير أن الأجواء والبرامج تشير لعكس ذلك وخاصة الردود الرافضة من حركة حماس للحوار لاعتقادها أن جريمة غزة جاءت كفعل منظم تقف على رأسه حركه فتح التي استنكرت الجريمة، لكن كما ذكرت سابقا فان الاستنكار لا يكفي ويجب العمل على ارض الواقع بالتمهيد لحوار ناضج بوقف الحملات الإعلامية والاعتقالات السياسية مع اقتناعي أن أوراق اللعبة الفلسطينية لم تعد ملك الفلسطينيين وان الأطراف الخارجية لا تريد لنا الخروج من دوامة العنف السياسي والميداني التي نغرق فيها.

خلاصة الأمر : تلعب التعقيدات الداخلية دورا مركزيا وعقبة كبيرة أمام حوار فلسطيني داخلي يفضي لنتائج ايجابية، مما يهدد بصعود القوى الفاشية في المجتمع الفلسطيني الذي يفقد حقوقه ويسير مجبرا للانقسام والدخول في مرحلة جديدة من الاقتتال الذي يأخذ طابع التصفية السياسية وتكوين سلطة اللون الواحد مما يهدد التنوع السياسي وخاصة في قطاع غزة الذي بات على قناعة باستبعاد الأخر الفلسطيني الذي تحول من وجه نظر حماس إلى عميل للاحتلال في حالة من التعميم العير مسبوقة.

السلام دون حل قضية اللاجئين خطا استراتيجي


نقولا ناصر
"اذا لم نجد حلا لهذه المشكلة المؤلمة (اللاجئين الفلسطينيين) فان الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني سوف يظل دون حل ، حتى لو اقيمت دولة فلسطينية" – يوسي بيلين


منذ فشل المحادثات السياسية العربية الاسرائيلية المبكرة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لوزان وباريس عامي 1949 و1951 على التوالي لم تنجح كل المحادثات اللاحقة بشانهم حتى الان في التوصل الى أي اتفاق عادل او غير عادل لفك استعصاء مشكلتهم ، غير ان التطور الجديد كان القفز عن هذه المشكلة والانتقال الى مباحثات وابرام اتفاقيات ومعاهدات للسلام العربي الاسرائيلي لم تكن ممكنة قبل ذلك بسبب قضية اللاجئين تحديدا ، ولن يمضي وقت طويل حتى يتضح ان توقيع معاهدتي السلام المصرية والاردنية ثم اتفاقيات السلام الفلسطينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي قبل حل هذه القضية كان خطا استراتيجيا فادحا وضع العربة امام الحصان كما يقول المثل الاجنبي ولذلك ما زالت مسيرة مركبة السلام تراوح مكانها منذ عام 1991 .

"تطلب اتفاق اوسلو منذ عام 1993 حل مشكلة اللاجئين .. قبل التوصل الى اتفاق دائم .. وكان واضحا اننا اذا لم نجد حلا لهذه المشكلة المؤلمة فان الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني سوف يظل دون حل ، حتى لو اقيمت دولة فلسطينية طبقا لحدود متفق عليها" . كتب ذلك الاسرائيلي يوسي بيلين احد المهندسين الرئيسيين لاتفاق اوسلو (بيترليمونز في 31/12/2001) . لكن بغض النظر عن اختلاف الرؤيتين الفلسطينية والاسرائيلية للحل فان كلا الجانبين وغيرهما من القوى العربية والدولية المعنية بالسلام العربي الاسرائيلي ، وكما يشير تطور "عملية السلام" منذ سبعة عشر عاما وقبل ذلك ، لم يعودوا يابهون بهذه الحقيقة الاساسية في حراكهم السياسي ، في الاقل كما يدل توقيع معاهدتي السلام المصرية والاردنية ثم اتفاقيات اوسلو الفلسطينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي .

ان الاجماع العربي الراهن على مبادلة اقامة دويلة فلسطينية بالقفز عن حل عادل يعيد اللاجئين الى وطنهم ما زال حتى الان يعتبر حلا فوقيا مفروضا يرفضه عرب فلسطين وبخاصة اللاجئون منهم ، حسب استطلاع للراي اجراه المركز الفلسطيني للراي العام ونشرت نتائجه اوائل تموز / يوليو الجاري حيث رفض اكثر من تسعة وثمانين في المئة ووافق اقل من سبعة في المئة من الفلسطينيين المستطلعة ارائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين منذ عام 1967 التخلي عن حقهم في العودة مقابل اقامة دولة فلسطينية في المنطقتين وابرام اتفاق للسلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي .

وهذا مؤشر جديد يثير اسئلة جادة حول وطنية "البرنامج الوطني" القائم اساسا على هذه المبادلة والذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك حول مدى تمثيلها "الشرعي والوحيد" لشعبها الذي يكاد اللاجئون يمثلون ثلثيه ، مما يعيد الصراع على الارض في فلسطين الدائر منذ ما يزيد على قرن من الزمان الى المربع الاول ويحكم على جهود السلام المستمرة منذ عام 1991 بالفشل الذريع حتى لو حدثت "معجزة" -- حسب قول رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض احمد قريع – وتم التوصل الى اتفاق للسلام او لاتفاق اطار او اتفاق "رف" لابرامه .

وتدور عملية السلام القائمة على اساس هذه المبادلة في سياق حراك دولي تلتزم به الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركة فتح وفصائل المنظمة المؤتلفة معها منذ "اعلان الاستقلال" عام 1988 ، حراك قرر منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبموجب اتفاقيات اوسلو التي اعقبته "تاجيل" بحث حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى حين التفاوض على قضايا الوضع النهائي الدائم لابرام اتفاق سلام فلسطيني – اسرائيلي .

والمفارقة التاريخية ان منظمة التحرير -- التي كان تحرير الارض وعودة اهلها اليها المسوغان لقيامها والتي انتزعت شرعيتها الوطنية والاعتراف الدولي بشرعية تمثيلها لشعبها فقط عبر حمل اللاجئين ومخيماتهم لرسالتها – قد انساقت طائعة او مختارة مع "التاجيل" . اما المفارقة السياسية فهي ان تسعى المؤسسة الصهيونية الحاكمة في دولة الاحتلال الان الى المطالبة بحل قضية اللاجئين قبل ابرام أي اتفاق للسلام بينما تلهث قيادة منظمة التحرير وراء أي اتفاق قبل حلها وهي جوهر الصراع وعدم الاستقرار الاقليمي والتي لن يكون هناك سلام او استقرار دون حل عادل لها على اساس العودة والتعويض حتى لو ابرم مليون اتفاق للسلام .

غير ان التطورات ما زالت تسير في اتجاه معاكس . فعلى سبيل المثال حث يوسي بيلين عضو برلمان دولة الاحتلال الاسرائيلي (الكنيست) عن حزب ميريتس الذي يوصف ب"اليساري" و "الحمائمي" والذي لا ينغلق باب في وجهه من ابواب "معسكر السلام" الفلسطيني والعربي ، مجموعة من سفراء الاتحاد الاوروبي في اجتماع مغلق مع "لجنة الشؤون الخارجية والدفاع" في السادس عشر من تموز / يوليو الجاري على ان تقرر كل دولة من دولهم حصتها "الكوتا" من اللاجئين الفلسطينيين الذين يمكنها استيعابهم ، لكي "نكون مستعدين ... وقادرين على تنفيذ ذلك .. عندما تحين اللحظة الحاسمة" لابرام اتفاق للسلام كما قال في اليوم التالي في مقابلة مع الجروزالم بوست .

ولكي يتاكد مجددا الاجماع على رفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض بين ما يوصف باليسار واليمين في المؤسسة الصهيونية الحاكمة في دولة الاحتلال قالت عضو الكنيست عن حزب كاديما الذي يقود الائتلاف الحاكم ، اميرة دوتان ، التي تشارك "اليميني" بيني ايلون في رئاسة اللجنة البرلمانية: "نريد ان نضع هذه القضية على الطاولة ولا نبقيها تحت الطاولة ، وان نتعامل معها ليس غدا بل اليوم ليتسنى لنا العمل على حل متفق عليه" ، ويلاحظ ان دوتان قد استخدمت عبارة حل "متفق عليه" التي ترددها الرئاسة الفلسطينية منذ اعتمادها في مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة الجامعة العربية في بيروت عام 2002 .

بعد سبعة عشر عاما من بدء عملية مدريد تتضح المعالم الرئيسية للاستراتيجية الاسرائيلية للتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين ، واولها اطالة امد هذه العملية في حد ذاتها واستمرار تغذيتها بوعود سلام زائفة بهدف كسب المزيد من الوقت تحت مظلتها لخلق المزيد من الحقائق الديموغرافية على الارض مثل تنشيط المزيد من الهجرة اليهودية الى دولة الاحتلال لتغذية وتسمين المستعمرات ديموغرافيا في الاراضي المحتلة عام 1967 بمزيد من المستوطنين ، وثانيها توظيف هذه العملية لجعل عودة اللاجئين حتى الى الدويلة الموعودة اكثر صعوبة وجعل الضفة الغربية نتيجة لذلك منطقة طاردة لا جاذبة لهم ، وثالثها توظيف اطالة امد عملية السلام العقيمة لاستمرار "تاجيل" حل قضية اللاجئين ، ورابعها توظيف هذا التاجيل لاستمرار ابتزاز المزيد من التنازلات الفلسطينية التي تدرجت تنازليا حسب الاتفاقيات الموقعة والتفاهمات التي تم التوصل اليها حتى مباحثات طابا عام 2001 من العودة والتعويض كحق للتنفيذ تكفله قرارات الامم المتحدة الى موضوع "يتفق عليه" بالتفاوض ، وخامسها استمرار العمل من اجل انهاء تفويض الامم المتحدة للاونروا ونقل مسؤوليتها عن اللاجئين الفلسطينيين الى مفوضية الامم المتحدة للاجئين وحجتها ان الاونروا فشلت بعد ستين عاما في "توطينهم" ولذلك فانها تطيل عمر مشكلتهم بينما المفوضية نجحت في اعادة توطين ما يقارب الاربعين مليون لاجئ منذ الحرب العلمية الثانية .

وسادس معالم الاستراتيجية الاسرائيلية ظهر حديثا بافتعال قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية ، التي تقدر مصادرهم عددهم بين (750) الفا وبين (900) الف ، بانشاء مؤسسات وهيئات يهودية واسرائيلية لتوثيق "قضيتهم" واعدادهم واملاكهم ومطالباتهم . وكالعادة استخدمت هذه الاستراتيجية الكونغرس الاميركي لتسليط الاضواء على "قضيتهم" . ففي شهر نيسان / ابريل الماضي تبنى مجلس النواب في الكونغرس اول قرار له بشان اللاجئين اليهود ونص هذا القرار على ربط قضيتهم بقضية اللاجئين الفلسطينيين وعلى وجوب ان تنص أي قرارات تصدرها أي جهة مستقبلا بشان الفلسطينيين منهم على اشارة صريحة الى اللاجئين اليهود من البلدان العربية .

واذا ما تحول هذا القرار الى سياسة رسمية لواشنطن او لغيرها من الدول فانه بحكم الامر الواقع سيحول الدول العربية الى شريك للفلسطينيين في تقرير مصير اللاجئين . ويتضح من متابعة التحليلات والتعليقات الاسرائيلية والصهيونية على هذا القرار ان الهدف هو دفع الدول العربية الى الاعتراف بمسؤوليتها عن "مشكلة" اللاجئين اليهود اذا ما اصرت على اعتراف اسرائيل بمسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ثم للتفاوض معها على تبادل الاعتراف بالمسؤولية دون ان يترتب على ذلك عودة أي من اللاجئين الفلسطينيين او اليهود واقناع الدول العربية بتوطين ضيوفها الفلسطينيين مثلما استوعبت اسرائيل اليهود المهاجرين اليها من هذه الدول .

ومن اركان هذه الاستراتيجية جر الجانب الفلسطيني الى القبول بالتفاوض على حل "متفق عليه" في تجاهل كامل للقانون الدولي واكثر من مائة وعشرين قرارا اصدرتها الامم المتحدة ، معظمها للتنفيذ لا للتفاوض ، بشان اللاجئين الفلسطينيين لا يشير أي منها من قريب او بعيد الى اللاجئين اليهود باستثناء الاشارة غير المباشرة اليهم في قراري مجلس الامن الدولي رقمي (242) و (338) اللذين ذكرا كلمة اللاجئين دون اضافة تعريف "الفلسطينيين" لوصفهم كما نصت القرارات الاخرى . والمفارقة ان منظمة التحرير انخرطت في عملية السلام تحديدا على اساس هذين القرارين اللذين يتعاملان مع ازالة اثار العدوان الاسرائيلي على العرب في سنة 1967 والاشارة الى اللاجئين فيهما هي الى "النازحين" نتيجة لذلك العدوان وليس الى لاجئي 1948 .

ويبدو ان المجتمع الدولي لم يعد يجد من الواقعي ان يكون فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين لذلك لم تخرج اخر توصيات للامم المتحدة عن الاطار الذي ارتضته منظمة التحرير لنفسها . فقد اقرت اللجنة الرابعة (ازالة الاستعمار) في دورتها الاخيرة التي تزامنت مع انعقاد مؤتمر انابوليس لاحياء عملية التفاوض الفلسطينية الاسرائيلية في تشرين الاول / نوفمبر العام الماضي اربع قرارات – توصيات للجمعية العامة تتلخص في دعم جهود الاونروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين حيث هم دون اعادة التاكيد على حقهم في العودة والتعويض ، لكن احدها قد اعاد التاكيد فعلا على حق "النازحين" في العودة الى بيوتهم واماكن اقامتهم في الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 . لقد شمل حصاد اتفاقيات اوسلو ، اضافة الى مضاعفة عدد المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية ومستوطنيها الذين يكاد يقارب عددهم النصف مليون نصفهم في القدس ، اعتراف اكثر من خمسة وستين بلدا بدولة الاحتلال الاسرائيلي قبل ان يزول هذا الاحتلال ، وهذه الحقائق الدبلوماسية وعلى الارض لا بد وان تنعكس في قرارات الامم المتحدة .

وبينما تستمر الاستراتيجية الاسرائيلية في محاصرة اللاجئين الفلسطينيين دبلوماسيا وسياسيا وعلى الارض وتستمر منظمة التحرير في مناورات "سلمية" عقيمة لا تزيد على كونها تساوقا طوعيا او بالاكراه مع هذه الاستراتيجية ، وصلت الى مطار اللد (بن غوريون) في الثالث والعشرين من تموز ثلاث طائرات تحمل (450) مهاجرا يهوديا من فرنسا التي تحتضن بعد الولايات المتحدة الاميركية ثاني اكبر واغنى جالية يهودية في العالم خارج فلسطين لينضموا الى (15) الف مهاجر من الولايات المتحدة وبريطانيا خلال السنوات الست الماضية . ان حقيقة هجرة هؤلاء من ثلاث دول غنية تتحكم بمصير العالم اليوم وليس هروبا من الهولوكوست واوروبا التي يحتلها النازي هي مؤشر اخر الى ان الصراع ما زال يدور بين غزوة استيطانية اجنبية وبين عرب فلسطين من سكان البلاد الاصليين .

ان عجز الدول العربية الذي ظهر مؤخرا عن استضافة بضعة الاف من اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من جحيم الاحتلال الاميركي للعراق بالرغم من الملايين من مواطنيهم الذين تستضيفهم منذ ستين عاما وقبولها بتشتيتهم الى تشيلي والبرازيل وكندا وغيرها انما يندرج بغض النظر عن النوايا والمبررات في سياق الجهود التي يقوم بها بيلين والاجماع الاسرائيلي لاعادة توطينهم في "بلدان ثالثة" . وفي الرابع عشر من تموز/ يوليو دعت منظمة "ريفيوجيز انترناشونال" الحكومة الاميركية وغيرها من البلدان التي تستوعب المهاجرين الى اعادة توطين ثلاثة الاف لاجئ فلسطيني عالقين منذ ما يزيد على سنتين في مخيم بائس دون أي خدمات على الحدود العراقية السورية "دون ان يجحف ذلك ب"حقهم في العودة الى وطنهم" ورفضت المنظمة الترتيبات المنسقة بين مفوضية الامم المتحدة للاجئين والحكومة السودانية ومنظمة التحرير الفلسطينية لنقلهم الى بيوت جاهزة في احد احياء الخرطوم "دون أي طريق الى المواطنة والجنسية" . لكن وزارة الخارجية الاميركية سارعت الى رفض هذا الطلب قائلة ان السودان هو الخيار الافضل المتاح لمفوضية اللاجئين في الامم المتحدة (سي ان ان في 17/7/2008) ، وكانما واشنطن تصر على بقائهم "دون جنسية" الى الابد .

في هذا الاطار "السياسي" الاميركي والعربي والفلسطيني تتحرك الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين في سياق حراك دولي يتخذ من السلام عنوانا بائسا له تلتزم به الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير ، حراك قرر منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبموجب اتفاقيات اوسلو التي اعقبته "تاجيل" بحث حل قضية اللاجئين الفلسطينيين الى حين التفاوض على قضايا الوضع النهائي الدائم لابرام اتفاق سلام فلسطيني – اسرائيلي .

وما زالت هذه الاستراتيجية ، كما قال بيلين ، ترى بان شركاءها الفلسطينيين في عملية السلام "يزعمون" بان اسرائيل طردت اللاجئين وما زالت تقول ان قرار الامم المتحدة رقم (194) نص على "رغبة في العودة" حولها هؤلاء الشركاء الى "حق العودة" وما زالت تكرر بان الاتفاقيات "الموقعة" تنص على حلول تستثني العودة وان الاتفاق في طابا ، الذي يطالب المفاوض الفلسطيني باستئناف التفاوض بناء عليها ، تم على التعويض لا العودة او عودتهم الى الدولة الفلسطينية وعلى توطين اللاجئين حيث يقيمون الان واستيعابهم في "بلدان ثالثة" والسماح لعدد صغير منهم بلم الشمل "لاسباب انسانية" مع ذويهم في دولة الاحتلال ، وهذه هي نفسها الخيارات الواردة في التفاهمات والمبادرات شبه الرسمية التي جرت على هامش اتفاقيات اوسلو وفي اطارها مثل تفاهمات بيلين مع الرئيس محمود عباس عام 1995 و"مبادرة جنيف" وغيرهما .

وقد حان الوقت لكي يسحب رسميا كل المعنيين الفلسطينيين مبادرة جنيف ومثيلاتها السابقة واللاحقة لانها تمثل "الغطاء الفلسطيني" الذي يمنح بيلين وامثاله "مؤهلات فلسطينية" تعزز صورة دولية لهم كدعاة سلام يستغلونها في تصفية قضية اللاجئين ، كما حان الوقت لاجماع فلسطيني وعربي على التعامل "ليس غدا بل اليوم" مع قضية اللاجئين باعتبارها اولوية يقرر الاتفاق او عدم الاتفاق عليها الاستمرار او عدم الاستمرار في عملية التفاوض لانها هي القضية الاساس والقياس لصدقية انجاز أي اتفاق للسلام على اساس العدل والقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com

هـنـيـئـاً لـكـم الـرئـيـس الـتـوافـقـي

محمد عبد اللـه

لبنان أحد ثلاث دول عربية استثنائية تعيش الهامش الأوسع من الديموقراطية في منطقتنا إلى جانب فلسطين و العراق ، و لا تختلف لبنان كثيراً عن نظيرتيها العربيتان في استغلال الديموقراطية على الطريقة العربية الأصيلة ، حيث الأحزاب العائلية المتوارثة و الحوار بالسلاح و قتل بني البشر المدعوم و المبارك من القادة المقدسين.

و لأن ما يحكم لبنان هو العوائل و ليس الديموقراطية الحقيقية فقد عاش الحوار الوطني اللبناني (حوار السلاح و حوار الكلام معاً) خارج البرلمان ، و بما أن الحوار قائم أساساً خارج البرلمان فإنه من البديهي أن تأتي الحلول غير دستورية ، بل توافقية ، و كأن البلد قد وُلد بالأمس و ليس له دستور يحكمه ، فتقوم الحكومات و يأتي الرؤساء بلا دستورية و لا شرعية.

جاء الرئيس اللبناني الجديد ميشيل سليمان بعد أن كان فريق الموالاة يطعن في شرعية رئيس الجمهورية السابق اميل لحود ، و فريق المعارضة يطعن في شرعية رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ، و غداً سوف لن يكون من الصعب على من يريد أن يعكر الأجواء السياسية أو الأمنية في لبنان لأي سبب من الأسباب أن يطعن في شرعية الرئيس ميشيل سليمان و هناك من الدواعي الدستورية ما يؤمّن ذلك.

يقول المناوؤن للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية أن الخصوصية العربية لا تتماشى مع الديموقراطية الغربية ، و ربما حريٌ بنا أن نقول أن الخصوصية العربية لا تتماشى مع الديموقراطية غربية كانت أو هندية أو يابانية أو روسية أو أياً كانت. و لأن الديموقراطية بعيدة عن الثقافة العربية و خصوصياتها بل هي دخيلة عليها فقد تجلى ذلك واضحاً عندما دُعي إلى إنتخاب الرئيس ميشيل سليمان ، حيث لم يكن الأمر انتخاباً البتة ، بل كان أقرب ما يكون الى التعيين أو التزكية منه إلى أي شئ آخر.

لماذا فرح اللبنانيون بهذا الشكل العارم لإنتخاب "على الأصح تزكية" سليمان رئيساً؟ هل ما حصل يستدعي كل هذه الإحتفالات التي توحي و كأن مشاكل لبنان قد حُلت؟ و هل سوف يفرح اللبنانيون و بهذه الطريقة مرة أخرى عند تشكيل الحكومة؟

لم تطفأ أنوار الزينة في بيروت حتى اشتعل الشارع من جديد و عادت الإصطدامات ، و الرئيس الذي فرح الناس بقدومه لم يحل أو يربط ، و كان موقفه هذا تماماً كموقفه من الإصطدامات عندما اجتاح حزب الله بيروت و هو على رأس الجيش ، بدعوى الوقوف على الحياد ، فلماذا الفرح؟ هل سيوقف الرئيس تقاتل اللبنانيين؟ هل سيسحب سلاح المليشيات و يعزز دولة القانون؟ أين الحل في وصول الرئيس سليمان إلى سدة الحكم؟ و ما الذي استدعى هذه الفرحة؟ و هل سوف تنفع هذه الحيادية "الحادة" اللبنانيين في شئ؟

كان خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس سليمان يمثل شخصية الرئيس الى درجة كبيرة ، فهو خطاب بلا لون و لا رائحة و لا طعم ، ولأنه كذلك فقد أرضى أذواق جميع اللبنانيين ، و كما كانت الفرحة الكبيرة مستغربة و غير مبررة فقد كان استحسان الخطاب التوافقي الذي لا يحرك ساكناً أيضا مستغرباً ، و كأن الجميع لا يهمه الحلول الجذرية الدائمة و يكتفون بالحلول المؤقتة التي تضمن المصالح الآنية و الفورية لكل فريق.

حسنان وحسن

ربحان رمضان

روى لي ابن الحلاق الصيداوي المقيم بجانب ثانوية فخر الدين للبنات في مدينة بيروت اللبنانية عن جده لأبيه الذي كان كان من الموالين لآل حمية * (عائلة كردية في طاريا (منطقة البقاع اللبناني ) القادمة إليها من العراق مع جدهم حمو الكردي ، وهم على المذهب الشيعي * . بأن كرديا اسمه حمو يعتقد أنه من آل حمية كان له ثلاثة أولاد ، اسماهم حبا بالسيد الحسن بن علي عليهما السلام (حسن) ..
اسم الأول حسن الذي ولد عندما زار يوسف بن سيفا باشا (الكردي) والي طرابلس قرية طاريا ..
وثانيهما حسن الذي ولد في سنة قحط جلبت على السكان الويلات ..
وثالثهما حسن الذي ولد وأبيه في ساح القتال يقاتل عوضا عن الوالي ..

تابع الحلاق روايته فقال لي : أن حمو قرر ذات يوم السفر إلى كربلاء لزيارة مرقد الحسين عليه السلام عن طريق حلب - الموصل ، وفي أثناء سفره أصيب بمرض بالحمى فمات ، ودفنه أصحابه بالقرب من مدينة كركوك التي كانت تسمى في ذلك الزمان ب "كاركوك " والتي تعني " العمل المنظم " باللغة الكردية .
لما علم أولاده بالخبر أقاموا له عزاء لمدة أربعون يوم ، ثم اجتمعوا على وصية والدهم فوجدوا أنه كتب في طيها : حسنان يرثان ، وحسن لا يرث .
لما لم يجدوا حلا اقترح أحدهم أن يذهبوا إلى مايسمى ب (الشرع) والذي يعرف بأنه كبير القوم ، وأكثرهم تدينا ً ..
في اليوم التالي انطلقوا نحو بعقلين المدينة التي استقر بها القائد الكردي معن الأيوبي في أوائل القرن الثاني عشر للميلاد بغية مقابلة شيخ القرية وسؤاله عن وصية والدهم .
في الطريق بالقرب من ضيعة بر الياس رأوا ثلاثة نسوة .
قال الأول : هذه المرأة التي تضع يدها على صدرها لمرضع .
قال الثاني : وتلك التي تضع يدها على بطنها لحامل .
أما الثالث فقال : الثالثة عذراء ..
وأكملوا الطريق .
توقفوا لشرب الماء بالقرب من قرية تعلبايا وكانت هناك مساحة من الأرض فيها بقايا حصيد شعير .
قال الأول : كان هنا جمل أعور .
تبعه الثاني فقال : وهو أزعر ** .
فقال الثالث : ويحمل زبيبا ً وقمح .
وأكملوا الطريق ، فأوقفهم بالقرب من ضيعة قب الياس رجل يولول ويقول ضاع جملي .. ضاع جملي ..
سأله الأول : هل هو أعور؟
- أجاب الرجل : نعم أعور .
سأله الثاني : وهل هو أزعر ؟
- أجاب الرجل : نعم ، يحمل زبيبا ً وقمح .
سأله الثالث : وهل يحمل زبيبا ً وقمح .
أجاب الرجل : هو ، هو جملي ، أنتم سرقتم جملي .
ولمـّا لم يصدقهم الرجل أصرّ أن يذهب معهم إلى الشارع ..

رحب بهم شيخ "بعقلين" فبادره الرجل الذي أضاع جمله قائلا ً :
- إنهم سرقوا جملي .
وكيف عرفت أنهم سرقوه ؟ سأله الشيخ .
- لقد وصفوه وأحسنوا الوصف .أجاب الرجل صاحب الجمل .
ثم توجه الشيخ بكلامه إلى الإخوة الثلاثة وقال : من أين عرفتم أنه أعور ، وأزعر ، ويحمل زبيبا ً وقمح ؟
الأول قال : عرفته أعور لأن الكلأ في المكان الذي كنا فيه مأكول من جهة واحدة ، كان الجمل يرى في عينه اليسرى والجهة المأكولة في الجهة اليمنى .
الثاني قال : أما أنا فقد عرفته أزعر لأن خريئته (برازه) كامل ، وخريئة الجمل عادة يقسمها ذيله إلى قسمين .
فلو كان ذيله كامل لكانت خريئته مقسومة إلى قسمين .
أما الثالث فقال : وجدت في المكان الذي كان فيه الجمل ذباب ، ونمل ، ذباب أتى من أجل الزبيب ، ونمل أتى من أجل القمح .
التفت القاضي إلى الرجل وقال : هؤلاء لم يسرقوا جملك ، وإنما وصفوه ، دعنا نسمع حاجتهم .
فشرح حسن قضية وصية والدهم على شيخ "بعقلين" .
أجابه القاضي : بعد تناولنا الطعام سأجيبكم على السؤال .
قدم الشيخ لضيوفه الأكل وخرج يستمع إلى باحة الدار ليأكلوا كما يشتهون .
واحدهم قال : هذا الخروف رضع من كلبة .
فلما سمع الشيخ هذا الكلام نادى الراعي مباشرة ، وسأله : هل رضع هذا الخروف من كلبة ؟!! .
أجاب الرعي : أي والله يا شــيخ ، فقد ماتت أم الخروف وهو قبل فطامه فأرضعته كلبة .
ثم عاد ليسمع بقية التعليقات .. فقال حسن الثاني ، وهذا الخبز عجنته حائض .
فأسرع إلى زوجته وسألها : هل أنت حائض ؟
قالت : نعم ، ليس عندي من يساعدني ويعجن العجين بدلا ً مني .
ثم عاد الشيخ ليسمع ما تبقى من تعليقات ، فقال الثالث :
إنما المضيف ابن حرام ، قدم لنا الأكل وخرج ليأكل وحده .
فدخل الشيخ وقال :
- أنت ياحسن ترث ، وأنت ياحسن ترث .
- أما أنت يا حســـــن فلن ترث ، لأنه لا يعرف ابن الحــرام إلا (ابن الحرام ) .

= = = = = = = = =
- * اقرأ أكراد لبنان للأستاذ الباحث محمد علي الصويركي .

الشيح حسن نصر الله وجوقة الأقلام المأجورة

راسم عبيدات

....أنا هنا لست في إطار الدفاع عن المجاهد سماحة الشيخ حسن نصر الله،فالذي يدافع عنه أفعالة ومآثره وبطولاته،وما حققه هو والمقاومة اللبنانية من تحرير للأرض والإنسان،ولكن هناك جوقة من الرداحين والشاتمين تمتد على طول الوطن وعرضه،جوقة لا تريد لهذه الأمة أن تخرج من حالة الذل والهوان والضعف والانكسار التي تعيشها،جوقة لا تريد لهذه الأمة أن تستعيد جزء من كرامتها وهيبتها واحترامها ووجودها وحضورها بين الأمم،جوقة تستدخل الهزائم وتنظر لها على أنها انتصارات، بل وتشارك في صنع تلك الهزائم،وترقص طرباً على جماجم أبناء شعوبها،وما حصل ويحصل في العراق،وما يحصل في فلسطين خير شاهد ودليل،جوقة لا تريد لهذه الأمة أن تحقق ولو نصر يتيم،كالنصر الذي حققه حزب الله على إسرائيل في تموز/2006 ،فهي ترى في مثل هذه الانتصارات،كاشفا لعوراتها وتخاذلها وعجزها،جوقة لا تريد أن تسمع سطراً أو حتى كلمة واحدة عن المقاومة والمعارضة والممانعة والرفض للهيمنة والوجود الغربي على الأرض العربية،واستباحة بشرها وحجرها وشجرها.

جوقة تستغل الدين والعواطف والطوائف والفئوية والجهوية،وتعمل على تكريسها وتعميقها،بقصد تفتيت وتجزئة وتذرير أبناء الوطن الواحد لشيع وقبائل وطوائف، وتحريضها على الاحتراب والاقتتال الداخلي،بقصد إبقائها تحت بساطير السيطرة الأجنبية،مع أدوات كاريكاتورية تنصبها قوات الاحتلال،بحيث تأتمر بأمرها في كل شيء،في السياسة والاقتصاد والمال والثقافة والتربية،وحتى تنصيب شيوخ القبائل والطوائف.

جوقة الردح هذه المجهزة بمال البترودولار والمال السياسي ذو الأجندات المشبوهة،ما أن تمكن حزب الله من تحقيق نصر عسكري واستراتيجي على إسرائيل في حربها العدوانية التي شنتها على لبنان تموز/ 2006 ،وهذا ليس قول حزب الله ،بل اعتراف العدو نفسه،ولجان تحقيقه التي شكلها لهذا الغرض.

ولكن هذا لم يعجب ولم يرق للأقلام المأجورة داخل لبنان وخارجه،والمتنعمة بالمال المشبوه في العواصم الأوروبية من باريس ومروراً بلندن وانتهاءً بواشنطن،فسلت سيوفها وخناجرها وشحذت أقلامها،وتجندت لشن حملة مسعورة على حزب الله عامة والشيخ حسن نصر الله خاصة،من تقزيم النصر والتشكيك بحصوله الى الاتهامات الطائفية الرخيصة،المجوس والفرس والصفويين والقتلة والدمويين وغير ذلك من العبارات التي يندى لها الجبين،حتى أن أحد جهابذة الصحافة والمتنعم بالمال السياسي في باريس،ساق لنا تحليلاً لا يمكن أن يصدر عن إنسان له علاقة بالعرب والعروبة والوطن لا من قريب أو بعيد،أو حتى لديه أدنى الفهم والمعرفة بأبجدية العمل السياسي،فهو يصف عملية تحرير المناضل القنطار بالمؤامرة بين حزب الله وإسرائيل وأمريكيا بدأت باغتيال الشهيد مغنية في سوريا،وتحرير القنطار حلقة من حلقات هذه المؤامرة الفارسية الصهيونية الأمريكية،وآخر أراد أن يحمل عملية تحرير الأسرى وجثامين الشهداء،والتي سميت بالرضوان،تيمناً بالقائد الشهيد عماد مغنية(الحاج رضوان)،لما له من دور وبصمات في عملية التحرير تلك،معاني وأوجه ودلالات دينية،تحمل في ثناياها تحريض على الفتنة الداخلية والطائفية،وبما يخدم أهداف مشبوهة،وترتبط مباشرة مع دوائر راسمي ومخططي نشر وتعميم سياسة الفوضى الخلاقة في كل الوطن العربي.

وكذلك فأنت تشم رائحة العفونة والتحريض الطائفي السافر،عندما يوغل في القول الى حد التقزز، بأن هذا الحزب ليس معني بتحرير الأسرى الفلسطينيين،فالذين ذبحوا الشعب الفلسطيني في المخيمات في لبنان، لا يمكن لهم أن يعملوا على تحرير الأسرى الفلسطينيين،ناسياً أو متناسياً هذا المارق والمأجور،بأن حزب الله رغم كل الظروف والضغوط التي أحاطت بالصفقة، ومن ضمنها أن الجنديين الإسرائيليين المأسورين كانا في عداد الأموات،إلا أنه استطاع أن يحرر عدا القنطار ورفاقه اللبنانيين،حوالي مائتي جثة شهيد فلسطيني وعربي وفي مقدمتها جثة المناضلة الفلسطينية دلال المغربي،والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون،قال بأن سماحة الشيخ حسن نصر الله وجه له رسالة يطالب فيها،بالإفراج عن عدد كبير من الفلسطينيين،وسماحة الشيخ حسن نصر الله رجل ثورة ومقاومة ومبادئ ووعود صادقة،وملتصق بهموم الجماهير ومعانياتها،قدم كغيره من أبطال المقاومة ابنه شهيداً،ولا يتنعم لا بالمال ولا القصور،ويشهد على صدقتيه العدو قبل الصديق،فالجمهور الإسرائيلي يصدق الشيخ نصر الله أكثر من قيادته،وعد اللبنانيين بالتحرير فصدق،ووعدهم بالنصر فتحقق،ووعد بتحرير كل الأسرى اللبنانيين فأوفى بوعده وصدق،أما الذين لم يصدقوا ومارسوا كل أشكال وأنواع الأكاذيب والخداع والتضليل،فيعرفهم جيداً المتنعمين بأموالهم،والمتاجرين بنضالات وتضحيات شعوبهم والمتآمرين عليهم.

وسأسوق لجوقة الردح والشتائم تلك عدد من الأمثلة التي يعرفونها جيداً،ويتعامون عن قصد عنها،فالذين غزو العراق تحت حجج وذرائع امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل،وتحريره من الديكتاتورية،ونشر وتعليم أبناءه الديمقراطية الغربية.

لينظروا للنتائج المتحققة،وليقولوا لنا ماذا حل بالعراق والعراقيين؟، فالعراق احتل وتنهب خيراته وثرواته ويقتل علمائه،ويباد شعبه،وينهار اقتصاده،حتى أصبح الكثيرين من العراقيين يترحمون على عهد الرئيس الشهيد صدام بالقول،نار صدام ولا جنة أمريكيا وديمقراطيتها،والشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل حريته وانعتاقه من الاحتلال،والذي جاءت ديمقراطيته على نحو مغاير لما تريده أمريكيا وإسرائيل والغرب،يتعرض للذبح والحصار والتجويع بشكل يومي،ويتهم"بالإرهاب" في إطار دفاعه عن حقوقه المشروعة،أما الجلاد فأصبح "ضحية وحمامة سلام"،في "تعهير" واضح لكل المعايير والمبادئ والقيم الإنسانية.

والهجوم على سماحة الشيخ حسن نصر الله،ليس بالغريب والمستغرب،فالشجرة المثمرة دائماً،هي التي يتم رجمها،أما الذين أصابهم "التخشب والتيبس" ،ورهنوا إرادتهم وقراراتهم للخارج،بحيث بات يتحكم حتى في الهواء الذي يتنفسونه،فهؤلاء معذورين،وغير متوقع منهم غير ذلك.

فالذي يحتل بلاد العرب ويقتل أطفالهم ونسائهم ويستبيح أوطانهم وأعراضهم،يصفقون ويطبلون له ليل نهار،والذي يريد لهذه الأمة أن تستعيد أمجادها وعزها وأن تحجز لها مكانة لائقة بين الشعوب والأمم،يهاجم ويشكك في أهدافه ومقاصده ونواياه،وكأن المقاومة والنضال والتحرر،أصبحت شتيمة أو لفظة نشاز على هذه الأمة،وهذا أيضاً ليس بالمستغرب،فهذا عنوان مرحلة "التعهير"شامل لكل شيء.

ولكن مهما كانت قساوة المرحلة وشدتها وصعوبتها،فإنه كما قال الروائي الجزائري الكبير الطاهر وطار"لن يبقى في الوادي غير الحجارة"،والشيخ حسن نصر الله ليس فقط من حجارتها بل من قلاعها.