الثلاثاء، سبتمبر 30، 2008

تعريب الانقسام الفلسطيني

نقولا ناصر

عندما تصطدم شرعيتان عربية وفلسطينية او تتجهان نحو الصدام يكون القرار في الجانبين خاطئ خطا فادحا بالتاكيد وتكون النتيجة كارثية حتما ولا يمكن في هذه الحالة الا البحث عن "عامل خارجي" مستفيد من ضرب الشرعيتين ببعضهما ، وقد توالت مؤخرا مؤشرات الى احتمال حدوث صدام كهذا نتيجة الانقسام الفلسطيني وازمة "الشرعية" المتفاقمة الناجمة عنه التي فتحت ثغرة واسعة للتدخل الخارجي في الشان الفلسطيني الداخلي ، وهو تدخل يسعى بصورة واضحة الى تعريب الانقسام الفلسطيني بعد ان فشل التدويل في حسمه بعد الانحياز السافر غير البريء ل"شركاء السلام" الاسرائيليين والاميركان والاوروبيين لاحد طرفيه .

لقد امتلك امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى حرية التعبير علنا عن "الغضب" العربي على استمرار الانقسام الفلسطيني بلغة دبلوماسية مدروسة تستهدف بعث رسالة من الدورة ال 130 لمجلس الجامعة التي انعقدت على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة مؤخرا ، لكن غضبه لا يقارن بالغضب الفلسطيني المكظوم المتراكم نتيجة خيبة الامل الوطنية من عجز الموقف العربي الرسمي عن الارتفاع الى مستوى الحد الادنى من التضامن اللازم مع استمرار رهان النضال الوطني الفلسطيني على هذا الموقف ، وهو موقف لم يعجز بالرغم من ذلك عن استمراره في اشتراط الالتزام الفلسطيني بالشرعية العربية كمرجعية لقراره ولو على حساب المرجعيات الوطنية للشرعية الفلسطينية ، ليضاف هذا الاشتراط قيدا جديدا الى قيود الاحتلال العسكري والحصار السياسي والاقتصادي التي تكبل صانع القرار الفلسطيني فتحرمه من أي حرية للتنفيس عن غضبه علنا ناهيك عن بعث اية رسائل علنية الى صانعي القرار العرب ، الذين عجزت شرعيتهم او شرعياتهم عن فك الحصار المضروب على اشقائهم الفلسطينيين منذ اربعين عاما ونيف ، ناهيك عن انهاء الاحتلال الذي يفرض هذا الحصار .

تاريخيا كان الطرف الفلسطيني هو الاضعف في معادلة الشد والجذب ، والتكامل والتعارض ، والاندماج والانفصال بين الشرعيتين العربية والوطنية ، وقاد الفشل القومي في ردف النضال الوطني الفلسطيني هذا النضال الى اسقط شعار "الوحدة هي طريق العودة" ورفع شعار "القرار الوطني المستقل" بدلا منه ، لكن اذا كان الشعار الاول قاد الى طغيان الشرعية العربية على الشرعية الوطنية حد الغاء الاولى للثانية كما قاد هذا التداخل بين الشرعيتين الى "نكبة" عام 1948 ثم الى "نكسة" عام 1967 فان الشعار الثاني لم يكن حصاده افضل للنضال الوطني في مواجهة الاحتلال كما عجز عن الغاء الشرعية العربية مثلما سبق لها ان الغت شرعيته وكانت نتائجه السياسية ماساوية حيث حرمت هذا النضال من قواعد حيوية له كما حدث في الاردن عام 1970 وفي لبنان عام 1975 وفي الكويت عام 1991 ، دون اغفال العوامل الخارجية الدولية والاقليمية ، الاميركية – الاسرائيلية بخاصة ، التي كانت اقوى كثيرا من العامل الذاتي الفلسطيني في كل ذلك .

صحيح ان الحديث عن وجود شرعية عربية واحدة فيه تعسف كبير حد مغالطة واقع ان جامعة "الدول" العربية تتعدد فيها الشرعيات بعدد انظمة التجزئة الاعضاء فيها ، لكن الصحيح ايضا ان في الحديث عن شرعية فلسطينية واحدة قدر مماثل من مغالطة الواقع . ولا بد هنا من التذكير بان "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" قد ولد من رحم الشرعية العربية ، اذ ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية الى الوجود بقرار من مؤسسة القمة العربية عام 1964 ، وبالتالي فانها جزء لا يتجزا من الشرعية العربية . ان الاجيال الجديدة من عرب فلسطين ممن يراقبون بهلع الانقسام الوطني الحالي الناجم عن ولادة حركة حماس وغيرها خارج اطار المنظمة بحاجة الى جيل ابائهم ليرووا لهم كيف ولدت حركة فتح ايضا خارج اطارها قبل ان تقود الهزيمة العربية عام 1967 الى تسلمها لقيادتها طوال اربعة عقود تالية من الزمن ، وربما يجدر في هذا السياق ايضا تذكير صانعي القرار العرب ب"تلك" الازدواجية في الشرعية الفلسطينية لكي لا يتسرعوا في الغضب على ازدواجيتها الراهنة حد التورط بالانحياز الى احد طرفيها .

لقد كانت الشرعية العربية دائما دون اسنان ، ولم يعرف عنها انها استخدمت اسنانها العسكرية في أي قضية عربية كانت بحاجة لها ، وفي السنوات القليلة الماضية استنكفت جامعة الدول العربية عن الاستجابة الى مطالبات بارسال "قوات حفظ سلام عربية" الى العراق ولبنان والصومال والسودان ، وبما ان الاستثناء الوحيد الاهم كان اشراك قوات عربية ب"قرار قمة عربية" تحت مظلة الولايات المتحدة وقيادتها في حرب الكويت فان المظلة الاميركية المفتوحة حاليا فوق سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية تنذر بتكرار تجربة تكشير الشرعية العربية عن اسنان عسكرية ما زالت لها بعد ان خلع الاحتلالان الاسرائيلي والاميركي لفلسطين والعراق معظم اضراسها وانيابها .

في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2007 الماضي اصدرت الامانة العامة للجامعة بيانا اعتبر انعقاد اول اجتماع ل"مجلس السلم والامن العربي" الذي اقرت قمة الخرطوم عام 2006 انشاءه "خطوة متقدمة" نحو تمكين الجامعة العربية لاول مرة منذ تأسيسها من التحرك المؤثر لتسوية النزاعات بل والحيلولة دون نشوبها عبر اربع اليات اساسية تشمل نظاما للانذار المبكر وهيئة حكماء وقوات حفظ سلام وبعثات مراقبين عسكريين ومدنيين موضحا ان انشاء قوات حفظ سلام عربية ستمكن النظام العربي والعمل الجماعي العربي من التعامل الحاسم مع الازمات والنزاعات . فهل اصبح المجلس بعد عامين جاهزا لخوض اول تجربة له ؟

اذ يبدو الان ان بعض دول الجامعة تجد في الانقسام الفلسطيني الراهن فرصة لدفع "مجلس السلم والامن العربي" لخوض اول تجربة عملية له في قطاع غزة دعما لشرعية الرئاسة ومنظمة التحرير الفلسطينية العضو في الجامعة ضد شرعية فلسطينية اخرى منتخبة في اطار مؤسسات سلطة الحكم الذاتي المنبثقة عن المنظمة لكنها ليست عضوا في منظمة التحرير ، وستكون هذه التجربة ان حدثت تطورا نوعيا محفوفا بالمخاطر ، اولا لانه يعتبر خروجا على تقليد عربي عليه اجماع بعدم التدخل "العلني" في الشان الفلسطيني الداخلي وترك أي جنوح الى أي تدخل كهذا لاجهزة المخابرات وعملياتها السرية ، وثانيا لان أي انعطافة عربية كهذه تهدد بدورها بالخروج على تقليد فلسطيني عليه اجماع ايضا خصوصا من قطبي الانقسام الحالي بعدم التدخل في الشان العربي الداخلي ، وثالثا لان أي انحياز عربي لاحد طرفي الانقسام سيقود تلقائيا الى انحياز عربي اخر للطرف الفلسطيني الاخر لاسباب معروفة غنية عن البيان ، مما يقود رايعا الى توفير اسباب موضوعية لتدخل عوامل اقليمية غير عربية ، كالعامل الايراني ، التي كان الاجماع العربي والفلسطيني على عدم التدخل المتبادل يحول دون تدخله السافر المباشر او يحد منه في الاقل ، مما يعني خامسا كذلك نجاحا لمن دولوا الانقسام الفلسطيني في تعريب هذا الانقسام بتوريط العرب فيه ، ومما يعني سادسا ان المسرح يكون بذلك قد اعد لاول مواجهة في القرن الحادي والعشرين بين "شرعية عربية" وبين "شرعية فلسطينية" لن تكون نتائجها بالتاكيد اقل ماساوية من المواجهات المماثلة في القرن الماضي وسيكون الاحتلالان الاسرائيلي والاميركي المستفيدان الوحيدان منها ، ولا يتصور ان يكون أي تطور كهذا قرارا يتخذه أي "مجلس حكماء" عرب او فلسطينيين الا في حالة واحدة لا يكون فيها قرار هؤلاء الحكماء بيدهم .

ان "الغضب" والتهديد ب"عقوبات" اللذين عبر عنهما بيان وزراء الخارجية العرب الصادر عن دورة الاجتماع الـ 130 يمكن تفسيره كاداة للضغط على طرفي الانقسام الفلسطيني لتسهيل المصالحة ، لكن الامين العام عمرو موسى لم يترك مجالا للاقتصار على هذا التفسير عندما قال انهم يدرسون "الإجراءات التي سوف تُـتخذ إزاء الفوضى الفلسطينية القائمة ، وكلها في إطار مشاورات مغلقة في داخل النظام العربي الآن .

ولم يكن هذا الغضب المصحوب بالتهديد هو المؤشر الوحيد الى صدام محتمل بين شرعيتين عربية وفلسطينية ، اذ ان الاقتراح المصري الذي حظي ببعض الموافقات العربية بارسال قوات عربية الى قطاع غزة مؤشر ثاني ، ومطالبة الشرعية الرئاسية الفلسطينية بذلك مؤشر ثالث ، ومطالبة هذه الشرعية نفسها قبل ذلك بقوات دولية ترسل الى القطاع مؤشر رابع ، وموافقة دولة الاحتلال الاسرائيلي بعد طول معارضة لارسال قوات دولية الى القطاع مؤشر خامس ، وتاييد "المظلة الاميركية" للاقتراحين "العربي" و"الدولي" مؤشر سادس .

اما المؤشر السابع الاحدث فكان ما حرصت وسائل الاعلام الاسرائيلية المعروفة بخضوعها للرقيب العسكري على ترويجه في الايام الاخيرة عن استعداد سلطة الحكم الذاتي ك"خيار اخير" لانهاء سيطرة حماس على قطاع غزة "بالقوة" كما قال رئيس اركان قوى الامن الوطني الفلسطينية بالضفة الغربية اللواء دياب العلي (ابو الفتح) لصحيفة هارتس يوم الاحد قبل الماضي ، موضحا ان عملية عسكرية كهذه تقتضي التنسيق مع اسرائيل والاردن ومصر ، ومع ان ابو الفتح قال ان اسرائيل لم تستشر بعد حول ذلك فانه لم ينف أي مشاورات عربية مماثلة ، كما لفت النظر ان تصريحاته لم يسبق لها مثيل من الرئاسة الفلسطينية لكن الرئاسة وحكومتها برئاسة سلام فياض لم تؤكدها او تنفها لا بل ان صحيفة الايام المقربة من الرئاسة والحكومة معا نشرت تصريحاته على صفحتها الاولى في اليوم التالي .

وفي اليوم نفسه (22/9/2008) خرجت يديعوت احرونوت الاسرائيلية واسعة الانتشار على قرائها بمقال تحريضي كاتبه الكولونيل احتياط موشى العاد كان عنوانه الرئيسي "الفلسطينيون يتجهون نحو حرب اهلية" وعنوانه الفرعي يتحدث عن "مواجهة دموية وشيكة" بين حركتي فتح وحماس ، واستشهد الكولونيل باجتماع انعقد خلال الاسبوع السابق بمقر الحاكم العسكري للاحتلال في مستعمرة "بيت ايل " الاستيطانية على مرمى حجر الى الشرق من مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله بين عشرة قادة امنيين فلسطينيين وبين ضباط اسرائيليين اظهر كما قال الكاتب "نقلة" في موقف الرئاسة الفلسطينية "لم تصل بعد حد كونها تغييرا استراتيجيا ، ولا كانت بعد تحالفا عسكريا بين فتح وبين اسرائيل في مواجهة حماس ، لكنها كانت نقلة" ، حيث كانت تصريحات كبار مسؤولي فتح في الاجتماع "غير مسبوقة !

لقد نجحت قمة دمشق في منع تعريب الانقسام الفلسطيني بانحيازها الى شرعية الرئاسة الفلسطينية المنتخبة عندما تبنت المبادرة اليمنية للمصالحة الفلسطينية واسقطت منها "اعلان صنعاء" الموقع بين فتح وبين حماس بسبب معارضة الرئاسة الفلسطينية له ، فمنعت بذلك الانقسام الفلسطيني من ان ينعكس انقساما في الشرعية العربية ، لتنسجم قمة دمشق بذلك مع الاجماع العربي على مبادرة السلام العربية كخيار استراتيجي يجمعها مع "الشرعية الفلسطينية" المنبثقة عنها ، لكنها لم تستعد شرعية السلطة التشريعية بل تبنت المبادرة اليمنية كقرار عربي لل"حوار" بين الشرعيتين الفلسطينيتين المتصارعتين ، ليعلن المجلس الوزاري للجامعة العربية في اخر اجتماع له دعمه لجهود الوساطة المصرية باعتبارها وساطة عربية ، كما قال عمرو موسى ، وبالتالي فان أي جنوح الى تعريب الانقسام الفلسطيني ، بالانحياز الى احد طرفيه ، يتعارض مع روح قرار قمة دمشق ونصها على "الحوار" ناهيك عن كونه محفوفا بمخاطر جمة عربية وفلسطينية كل الاطراف في غنى عنها .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

الاثنين، سبتمبر 29، 2008

لا للمصالحات المسيحية الكاذبة، ونعم لعودة الشاطرين لكنف الوطن

الياس بجاني

معيب ومحزن جحود وكفر بعض القيادات المارونية اللبنانية بكل ثوابت ومفاهيم وركائز ومسلمات مجتمعها الماروني المتأصل في عمق تربة لبناننا الحبيب، تلك التربة المباركة والمسقية عرقاً ودماً وتضحيات وقرابين.

مؤسفة جداً حالة تلك القيادات المتعامية عن سابق تصور وتصميم عن غنى وتجزر ثقافة وتقاليد وقيم وأخلاقيات أبائها وأجدادها الذين ضحوا منذ آلاف السنين بالغالي والنفيس من أجل المحافظة على سيادة وحرية واستقلال وطنهم، وصون كرامته وعنفوانه.

إنه فعلاً زمن "مَحل"، فبعض الرعاة وبسبب قلة إيمانهم وأنانيتهم وجشعهم وعبادتهم للنفوذ والمال قد تحولوا إلى وحوش كاسرة وراحوا يفترسون بوحشية دموية أبناء شعبهم، ويقامرون بمصيرهم، ويتاجرون بلقمة عيشهم، ويعرضونهم للبيع في سوق النخاسة.

لقد صح فيهم مثلنا الجبلي القائل: "بزمن المحَل بتنط العنزة على الفحل".

نسأل علمَ هم مختلفون حتى تقوم الرابطة المارونية بجهد مضني لمصالحتهم مع بعضهم البعض، وهل الخلاف بينهم هذا هو شخصي؟

لا، الخلاف ليس شخصياً، ولا هو محصور بهم، وبالتالي فإن مصالحات "بوس اللحى" العشائرية، وعراضات اللقاءات والتصريحات والعنتريات الإعلامية والكلامية لن تلجم ممارساتهم الشيطانية، ولن تردعهم عن غيهم وشرودهم، ولن تخرجهم من أحلاف ومحاور الشر التي باعوا لأبالستها أنفسهم وكراماتهم وسلموها أعناقهم وألسنتهم.

الخلاف بجوهره هو بين شياطين وملائكة، بين الخير والشر، بين من هم مع الوطن اللبناني، وطن الرسالة والتعايش والانفتاح والمحبة والحضارة، وبين من هم ضده ومع أوطان أخرى هي بنظامها المذهبي وفكرها الشمولي "والإلهي" وأهدافها الهدامة والتوسعية والإلغائية للأخر ونمط حياتها المتحجر نقيض للوطن اللبناني.

الخلاف هو على مشروعين. الأول هو مشروع لبنان الدولة والكيان والسيادة والحرية والاستقلال والقانون والدستور والمجتمع المدني والتاريخ والهوية، والثاني هو مشروع "ولاية الفقيه" الإيراني الذي يسعى أصحابه وعسكره بكل الوسائل من مال وسلاح وتكفير وإرهاب واغتيالات لإقامة دولة مذهبية وشمولية وأصولية في لبنان كتلك التي أقامها الملالي الخمينيون في إيران.

لا، لا، الخلاف ليس بين أشخاص وقيادات وأحزاب ومناطق وزعامات، وإنما هو بين ثقافتين، ثقافة الحياة، وثقافة الموت، ونقطة على السطر.

من هنا فإن المصالحة التي تسعى إليها الربطة المارونية هي سراب لن تصبح حقيقة لا اليوم ولا غداً، لأن الشر لا يتصالح مع الخير، ولا الشياطين مع الملائكة، ولا الموت مع الحياة.

المصالحة المطلوبة هي مصالحة الشاردين من الموارنة، أولاً مع ربهم والشرائع السماوية، وثانياً مع بطريركهم ومرجعيتهم الدينية التي أعطيت مجد لبنان، ومن ثم مع ناسهم الذين خانوا أمانيهم والوكالات، ومع مشروع وطن الأرز، وطن الرسالة، ومع ثقافة الحياة والحريات.

إن في مقدمة هؤلاء الشاردين والشاطرين وعلى رأسهم جنرال الرابية، ومعه الربع التبعي والغنمي بكل تلاوينه. عليهم جميعاً أن يتوبوا ويقدموا الكفارات ويعلنوا عودتهم غير المشروطة ودون أي أثمان إلى كنف مشروع الدولة والثقافة اللبنانية التي للموارنة تحديداً الفضل الكبير في إشادة أعمدتها وإرساء قواعدها.

عملاً بقول السيد المسيح: "مرتا, مرتا, تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب هو واحد, او الحاجة هي الى امر واحد, وهو مرضاة الله, ومحبته"، وعلى قاعدة مثل الوالد الشاطر الإنجيلي، فلتوفر الرابطة المارونية جهدها وتوقف زياراتها واللقاءات والتصاريح وتعلن المطلوب، وهو مصالحة الشاطرين والشاردين من القيادات المارونية مع الوطن اللبناني السيد الحر والمستقل، ومع الثوابت المارونية التي هي الأعمدة التي ارتكز ويرتكز عليها الكيان اللبناني بكل مكوناته الثقافية والحضارية والتاريخية والإنسانية.

للرابطة المارونية نقول وباختصار مفيد، لا جدوى ترجى من إعطاء الشاطرين أطواق نجاة عن طريق مصالحات "بوس اللحى" بعد أن سقطت الأقنعة عن وجوههم، وتعروا أمام الناس حتى ومن أوراق التوت، وظهروا على حقيقتهم البشعة، وانفضحت نرجسيتهم وتكشفت مخططاتهم، وبانت للعلن دناءة نفوسهم.

ويوم يعود الشاطرون تائبين ومستغفرين فلتذبح لهم الرابطة المارونية العجل المثمن وتقيم الأفراح.

نذكر الشاطرين والشاردين الموارنة بقول النبي حزقيال (18-8) فلعلَ في التذكير فائدة: "إذا تاب الشرير عن شره وعمل ما هو حقٌ وعدلٌ فهو ينقذ حياته. ومن رأى جميع معاصيه وتاب عنها فهو يحيا ولا يموت".

النشرة الإخبارية لعيد الفطر السعيد/2008


راسم عبيدات
.......الخلافات السياسية العربية،مازالت تلقي بظلالها على المناسبات والأعياد الدينية،وهذا يعني أن أول أيام عيد الفطر السعيد لن تكون موحدة في العواصم العربية والاسلامية،بل وربما مختلفة في الدولة الواحدة،كما حصل في العراق العام الفائت،وفي السياق نفسة تتحدث الانباء عن حملة من التحريض والتحريض المضاد سنية- شعية تقودها المراجع الدينية في كل المذهبين،ويبدو أن هذه العملية ليست بعيدة عن الخلافات السياسية،وتؤكد المصادر وجود بصمات أمريكية واضحة تغذي هذه الخلافات خدمة لأهدافها ومصالحها.
أما على الصعيد الفلسطيني،فكل المعلومات تقول بأن حالة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني على حالها،بل وربما تتجه مستقبلاً نحو منحنيات وتداعيات جداً خطيرة،وكذلك الحوار الوطني الفلسطيني،هناك تحركات عربية نشطة لوضع حد لحالة الانقسام الفلسطيني،وتشكيل حكومة وحدة وطنية ورفع الحصار وفتح المعابر،ولكن هذه المحاولات تصطدم بمواقف وتصريحات متشنجه وتوتيريه من بعض القيادات في حماس وفتح،مما يصعب الأمور ويدفع بها نحو العودة للمربع الأول،ومع اقتراب نهاية موعد ولاية الرئيس عباس،إذا لم تنجح مساعي الحوار ويجري توافق وطني،فإن الساحة الفلسطينية مرشحة نحو المزيد من التدهور والضعف والتفكك،وستكون عرضة لخيارات أخرى على حساب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية.
وعلى صعيد المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيليية،فرغم الكثير من لقاءات القمة الفلسطينية- الاسرائيلية،سواءً العلنية أو السرية منها،فإن هذه المفاوضات ،لم تحقق أي تقدم في القضايا الجوهرية،وبقيت تدور في حلقة مفرغة،رغم ان"أولمرت" حاول قبيل نهايته السياسية أن يدخل التاريخ كرجل سلام،من خلال انجاز ما ولو على شكل اتفاق سقف أو اعلان مباديء,ولكن حتى هذا المسعى لم ينجح،وكل المؤشرات والخبراء والمحللين يقولون أنه لا اتفق فلسطيني- اسرائيلي في العام الحالي ولا حتى في المستقبل المنظور.
وفيما يتعلق بالحصار وملف الجندي الاسرائيلي المأسور"جلعاد شاليط"،فهناك حركة نشطة في هذا الاتجاه،ولكن يبدو أن اسرائيل غير جادة في اغلاق هذا الملف،وهي ترى في استمرار احتجازها لأكثر من أحد عشر ألف أسير فلسطيني ورقة ابتزاز سياسي،وان كان ثبات المقاومة الفلسطينية على مطالبها ومواقفها،قد دفع بالحكومة الاسرائيلية الى اعداد قائمة بديلة، للقائمة التي تطالب بها حماس، تشتمل على 450 أسير فلسطيني،توافق على اطلاق سراحهم في صفقة "شاليط"،نصفهم من الذين تطالب بهم حماس،واستمرار التعنت الاسرائيلي هذا قد لا يخرج صفقة التبادل الى النور،وفي سياق متصل تتحدث الأنباء عن سعي مصر لعقد صفقة اقليمية شاملة ،من ضمنها اغلاق ملف"شاليط.
يبدو أن الكثير من الاطفال الفلسطينيين لن يتذقوا فرحة العيد،بسبب الاجراءات والممارسات الاسرائيلي،حيث الحصار الخانق والظالم يلقي بظلاله على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية،وهذا ما يجعل تلبية الأسر لإحتياجات أطفالها على صعيد فرحة العيد من ملابس والعاب وهدايا صعبة جداً،ناهيك عن أن أبناء الأسرى لم تكتمل فرحتهم بتحرر أبائهم،وستبقى فرحتهم مؤجلة الى اشعار آخر.
عمليات التهويد والأسرلة في القدس ،تجري على قدم وساق،عزل وفصل وحصار وجدار وتقطيع أوصال واستيطان وهدم بيوت ،والهدف هو التهجير والترحيل القسري للسكان المقدسيين،ومن لا يرحل "بعصا موسى يرحل بعصا فرعون"، وفي سياق متصل يصعد المستوطنين من هجماتهم وعربداتهم ضد السكان الفلسطينيون،وتحديداً قي قرى شمال فلسطين،وهذه العربدة والزعرنة، تجري تحت حراسة وحماية الجيش الاسرائيلي،فبعد اطلاق المستوطنيين لعدد من الصواريخ محلية الصنع على عدد من البلدات الفلسطينية المحيطة بنابلس،وما أعقبها من اقتحامات المستوطنين لعدة قرى في منطقة نابلس أيضاً،وقيامهم بتدمير ممتلكات المواطنين وقتل حيواناتهم ومواشيهم وحرق أشجارهم ومزروعاتهم،واصابة العديد منهم بجراح،بحماية وحراسة الجيش،ومن ثم أقدم المستوطنيين من مستوطنة"يتسهار" على اعدام أحد رعاة الأغنام الفلسطينين،من قرية عقربا القريبة من تلك المستوطنة،بدم بارد حيث أطلقوا علية ما يزيد عن عشرين رصاصة اخترقت كامل جسمه.
يبدو أن شهر رمضان الفضيل،والذي يفترض أن يرفع ويزيد من درجة وحرارة الايمان عند المؤمنين والصائمين،وأن يزيد من التلاحم والتواد والترابط بين الناس،وجدنا أن هناك من استغل هذا الشهر الفضيل لرفع ومضاعفة الأسعار،وآخرين من عديمي الضمير والقيم والأخلاق والانتماء،استغلوا ذلك لطرح بضائع الموت الفاسدة ومنتهية الصلاحية،ناهيك عن أن البعض يحمل الله"جميل" في صومه وصلاته،حيث ترى نتيجة التدافع وغياب النظام والقانون،من يأتي للصلاة ويضع سيارته في الشارع العام،وهناك من لا يأبه لأي قانون أو نظام ويخرج عن مساره ومسلكه في الشارع،ويغلق الشارع من خلال التجاوز والسير في المسلك المعاكس، ويتسبب في أزمة سير ليس لها أول ولا أخر،والتدافع والتزاحم قبيل الافطار،على المطاعم ومحلات بيع الحمص والحلويات،ينذر بوقوع إما حرب عالمية أو أن البلد مقبلة على مجاعة طويلة، ناهيك عن ازدياد "الطوش" والمشاكل والخلافات الاجتماعية والعشائرية،وبما أن دوري كرة القدم للتنافس على الدرجة الممتازة بين الفرق استمر في شهر رمضان،فقد ارتفعت وزدادت ليس حرارة التنافس والاخلاق الرياضية،بل لا نجافي الحقيقة أن جماهيربعض الفرق المشاركة،غالبة أو مغلوبة لا يهدأ لها بال،بدون أن تثير شغب في الملاعب،أو تفتعل "طوشة" عامة،وكان الله في عون ادارات الأندية واتحاد كرة القدم.
وأخيراً يبدو أن روسيا ،بدأت بشد القوس في علاقاتها مع أمريكا،والتي كانت تخطط،أن تهاجم روسيا في عقر دارها وغرف نومها الداخلية،من خلال دعم ومساندة جورجيا بالأسلحة المتطورة واقامة قواعد عسكرية لها هناك،ولكن روسيا تنبهت لذلك وقمعت جورجيا عسكرياً،مما أفشل الخطط الأمريكية بمحاصرة روسيا والتعدي على مصالحها الحيوية،والشد الروسي للقوس لمسناه من خلال افشال روسيا لإجتماع الدول الستة والمتعلق بتشديد العقوبات على ايران،حيث رفضت روسيا ذلك وأفشلت الاجتماع،ويبدو أن هذه التطورات والمواقف الروسية،يمكن لها أن تؤشر على بداية مرحلة جديدة عالمياً،من انتهاء حقبة العالم آحادي القطبية ،وبروز عالم متعدد الاقطاب.

رانية مرجية ... واليد على الجرح

سامي الأخرس

بالصدفة وقع نظري على تقرير أعدته الزميلة رانية مرجية هذه الفلسطينية الوفية الصادقة عن ظاهرة تشغيل فتيات قاصرات من الضفة الغربية وقطاع غزة بالدعارة ، وبما إنني لستُ من هواة الرد على أى مقال أو تقرير إلا أن هذا التقرير حفزني للرد عليه ، وخاصة أن الزميلة رانية مرجية أنهت تقريرها بسؤالين تتساءل فيهما عن السبب ، عما وصلت إليه هؤلاء الفتيات القاصرات ، وهل السبب الحصار أم الجوع ؟
ردى على تقرير الزميلة رانية مرجية لم يأتِ من باب الغضب والحنق والشعور بالانتقاص أو العار ، فهذه الظاهرة لا تشعر الإنسان إلا بالعار والإهانه ، ولكن كيف الغضب وكاتبة هذا التقرير رانية مرجية فلسطينية تحمل فلسطين عشقاً قدسياً بين أضلعها ، ونبضاً ينزف مع نبض الألم الذي دفعها لتناول هذه الظاهرة ، وكلي ثقة بأن حالة الاحتراق والاحتقان التي أصابت رانية على تلك الفتيات والغيرة على فلسطينيتها هما اللذان دفعاها للكتابة .
لن أستفيض في الكتابة عن الزميلة رانية مرجية لأنها لا تحتاج أحداً ليكتب عنها ، بل سأتناول توضيح تساؤلاتها التي أنهت بها تقريرها .
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة عامة وفي قطاع غزة خاصة يعيش في حالة لم تمر عليه من قبل ، حيث أصبحت الحياة عبارة عن جحيم يزداد يوما تلو يوم لا يوجد أى مؤهل أو دافع لمواصلة الحياة بهدوء وطمأنينة ، حيث أصبح المواطن يعيش في تلابيب الإنقسام البغيض تتصارع بقوته وبحياته رايات حزبية لا قانون ينظمها ولا أخلاق تنظم تصرفاتها سوى رغبات القائمين على الوضع والمتصرفين بحياة المواطن بضغطة زند البندقية ، وزند الافتراس ، وشهوة الدماء والجشع .
غزة التي سطرت ملاحم البطولة وعانت وطأة القتل والإرهاب الصهيوني منذ احتلالها سنة 1967 حتى عام 2005 لم تشهد بؤس وأوضاع كما تشهده اليوم وهي تحت شريعة الفتة والانقسام المعنونة بحب الجاه والمال والاستوزار ، فأضحت جحيم متحرك يلتهم كل ما بطريقة بفعل الحصار الذي أعقب الانتخابات التشريعية لسنة 2006 فتحولت غزة لمقبرة أحياء وحصار خانق يدفع ثمنه فئة معينة فقط دون أخرى ، حيث لم يتأثر مباشرة بالحصار سوى الفقراء والمضطهدون الذين يعيشوا تحت لعنات البطالة ، والجوع ، وغلاء الأسعار الفاحش الذي لا يخضع لمعايير اقتصادية وإنما لمزاج فئة احتكرت كل شيء ، احتكرت السلع والبشر دون أي اعتبار واهتمام من الحكومة والسلطات المسؤولة والتي يبدو أن هذا الإرتفاع يحقق لها ثروات طائلة ومصدر للدخل ، بما أن البضائع المهربة عبر الأنفاق وغير الأنفاق يقابلها ضرائب مرتفعة تجبى .
في الوقت نفسه لم يقتصر الأمر على هذه القاصرات اللوتي يتم استغلال فقرهن وظروفهن لتشغيلهن بالدعارة في شوارع تل أبيب لتحقيق الهدف الأمني الذي يسعى له الشاباك في حربة المستمرة على كل ما هو فلسطيني . وهذا الشرك لا يختلف بأي حال عن استغلال المراهقين في العمل بالأنفاق والذين يدفعوا أرواحهم خنقاً تحت الرمال وهم أحياء لتوفير سبل الحياة ، شباب مراهق فقير أصبح يقتحم الموت لأنه لم يجد قوت يومه ، وقوت أهله فيدفع العمر والروح اختناقاً دون أي احساس من صاحب النفق أو التاجر الذي كل ما يؤرق ضميره كيف يحقق أكبر أرباح ممكنة ولسانه لا ينطق سوى القول " الله يرحمه قَدر الله وشاء " .
إذن فالتقرير الذي قدمته الزميلة رانية مرجية عن عمل فتيات وقاصرات غزة بالدعارة في تل أبيب ما هو سوى صورة مجزئة للصورة الأعم والأشمل عن مأساة غزة المتصارع على جيفتها العفنة ، مآساة حلت على شعبنا الفلسطيني من ذوي القربى والثمن سلطة عفنة بل جيفة عفنة لا يمتلكوا منها شيئاً سوى رائحتها النتنه المتعفنة .
المأساة أيتها الزميلة رانية مرجية وقودها شعب أعزل مقهور كان دافعة للقتال والنضال الحرية والتحرر ، أما اليوم فأسمى أهدافه توفير لقمة العيش التي تنعم بها قيادته ولا يهمها سوى من ينتصر على الآخر ، وهل الرئيس شرعي أم غير شرعي ، ومن سيتنازل للأخر ، وكيف سيتم مواجهة استحقاق التاسع من يناير ؟
هنا السبب لإندفاع القاصرات للبحث عن وسيلة للحياة بسقوط أخلاقي وإنهيار لمنظومة القيم التي كانت سمة للشعب الفلسطيني واجه من خلالها أعتى أساليب العدو .. هذه هي الأسباب التي إختزلوا كل فلسطين فيها بموكب رئاسي ولقب وزاري ، تاركين شعب بأكمله يواجه الموت والسقوط والقهر وحيداً ، وهم ينعمون بترف العيش والحياة مع أبنائهم .
هذه هي غزة اليوم التي تتأهب لإستقبال عيد الفطر ، تتأهب في أجواء مشحونة بالموت والألم والقهر والظلم الذي يحاصرها من كل مكان ، موتُ لم يعد فقط من العدو كما كان دوماً بل تعددت صورة واشكاله وأدواته وأهدافة .
هذه هي غزة التي أصبحت تعيش تحت إفتراس متوحش يعتصر القلب ألماً كلما شاهدنا الحزن على وجوه أطفال ، ونساء ، ورجال ، وشيوخ يتوسلون العيش توسل ، ونسوة صغار يتسولن في الأسواق والشوارع .
فإن شهدت شوارع تل أبيب صورة جديدة للدعارة من قاصرات غزة فإن شوارع غزة تشهد صورة جديدة لفتيات قاصرات يتسولن الحسنة من المارة لتستمر الحياة .. وما بين الدعارة والتسول شعرة تكاد تتلاشي أمام ضيق الحال وشحة الحياة .
الأن هل أدركت أيتها الزميلة من السبب في الظاهرة ؟ أم لا زال السؤال مشروع ؟

ماتْ؟...لا لم يَمُتْ. ناصر في العقول والقلوب

محمود كعوش
في الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيله:

لا جدال في أن حدث غياب القائد العربي التاريخي جمال عبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى دائماً أحد أبرز وأهم الأحداث العربية التي تفرض نفسها في أوقات استحقاقاتها على كل عقل أو قلب أو قلم عربي شريف وتستدعي منه التوقف عندها ملياً وطويلاً، إن لم يكن الحدث الأبرز والأهم بينها. فعبد الناصر كان ولم يزل وسيبقى أيضاً هو الزعيم العربي، بل العالمي، الوحيد الذي أتوقف في رحاب ذكراه ثلاث مرات كل عام، في ذكرى مولده المبارك في الخامس عشر من شهر يناير/كانون الثاني "1918" ويوم قيامه بثورته المجيدة في الثالث والعشرين من شهر يوليو/تموز "1952" وفي ذكرى رحيله المفجع في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول "1970".
وبما أن الذكرى الثالثة تستحق الآن فإنني أرى أن مقاربتها والحديث عنها يستدعيان بالضرورة الحديث عن ثورة يوليو/تموز، بكل ما حفلت به من تجربة فكرية وسياسية غنية ومثمرة كان لها الأثر الأكبر والأقوى في تشكيل التيار الشعبي الناصري المتنامي بشكل متواصل في الوطن العربي حتى وقتنا الحاضر، كما يستدعيان بالضرورة أيضاً الربط المنطقي والعملي فيما بين هذه الثورة وبين شخصية قائد مسيرتها جمال عبد الناصر، الذي كان له ولنفر من ضباط مصر الأحرار فضل القيام بتفجيرها والإطاحة بالملكية البائدة وإعادة السلطة لأبناء الشعب، أصحابها الحقيقيين، لأول مرة في هذا القطر العربي العريق الضاربة جذوره الحضارية والعلمية والثقافية في عمق أعماق التاريخ.
فبرغم مرور ستة وخمسين عاماً على تفجر الثورة وثمانية وثلاثين عاماً على غياب القائد، لم تزل عقول وقلوب المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج مشدودة إليهما وتنبض بحبهما والوفاء لهما. ويدلل على ذلك التهافت الجماهيري المتنامي بشكل مدهش وملفت للنظر على أدبيات الثورة والفكر الناصري والدراسات والأبحاث التي تعرضت لسيرة عبد الناصر كقائد عربي تجاوز بفكره وزعامته الوطن العربي ومحيطه الإقليمي.
كما ويدلل على ذلك أيضا تصدر شعارات الثورة وصور القائد جميع الحشود والتجمعات الشعبية التي تشهدها الأقطار العربية في المناسبات الوطنية والقومية والمظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر في هذه العاصمة العربية أو تلك للتعبير عن رفض الجماهير العربية للتدخلات الخارجية وفي مقدمها التدخلات الأميركية وعدم رضاها عن حالة الخنوع التي تتلبس النظام الرسمي العربي المسلوبة إرادته والمستسلم للمشيئة الأميركية ـ الصهيونية المشتركة ورفضها القاطع للسياسات الاستعمارية – الاستيطانية التي تستهدف الأمة والتي تعبر عن ذاتها يومياً بشتى صور وصنوف العدوان، وبالأخص في فلسطين والعراق.
وهنا يبرز السؤال المهم:ترى لماذا كل هذا الحب والوفاء لثورة يوليو/تموز وشخص القائد العظيم، برغم كل ما واجهاه من مؤامرات ودسائس وعمليات شيطنة وتلويث وتشويه متعمدة ومقصودة من قبل القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية وبرغم مضي ردح طويل من الزمن على ولادة الثورة وغياب القائد؟ ولماذا تسمرت جميع التجارب العربية الفكرية والسياسية عند أقدام أصحابها وانتهت مع انتهائهم، في حين بدل أن تنتهي تجربة يوليو/تموز الناصرية مع غياب صاحبها اتسعت رقعة مناصريها وتضاعف الزخم الجماهيري الذي يشد من أزرها ويطالب ببعثها من جديد في جميع الأقطار العربية بلا استثناء؟
بعدما تفجرت الثورة العظيمة، أظهر عبد الناصر تميزاً لافتاً فن محاكاة عواطف وأحلام الجماهير العربية في الإطار العام والمصرية في الإطار الخاص، وذلك من خلال عرضه للشعارات الرنانة التي رفعتها، تماما مثلما أظهر إتقانا مدهشاً لفن محاكاة أحلام وحاجات وضرورات هذه الجماهير على الصعيدين القومي والوطني وذلك من خلال عرض الأهداف التي حددتها. فقد كان عبد الناصر ابن تلك الجماهير والمعبر عن آمالها وآلامها، مثلما كانت الثورة حلما لطالما راود خيال تلك الجماهير ودغدغ عواطفها.
فكل شعارات وأهداف الثورة التي تم عرضها والإفصاح عنها في العلن والتي تفاوتت بين المطالبة بالقضاء على الاستعمار والإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال وإرساء العدالة الاجتماعية والحياة الديمقراطية ورفع مستوى المعيشة وزيادة الإنتاج وإقامة جيش وطني قوي يتولى الدفاع عن مصر والأمة العربية، جاءت بمجملها متناغمة مع أحلام وحاجات وضرورات المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج، خاصة وأن هؤلاء كانوا لا يزالون تحت وطأة الهزيمة العربية الكبرى التي تمثلت بنكبة فلسطين التي حدثت في عام 1948 والانعكاسات السلبية لتلك النكبة والإفرازات التي نجمت عنها.
وإن لم يقيض للثورة أن تحقق جميع الشعارات والأهداف التي رفعتها وبالأخص في مجال ديمقراطية الأفراد والمؤسسات، لاعتبارات كانت بمعظمها خارجة عن إرادتها وإرادة القائد، مثل قصر عمريهما وتكالب القوى العربية المضادة والأجنبية الاستعمارية – الاستيطانية عليهما، إلا أنه كان لكليهما الفضل الأكبر في التحولات القومية والوطنية التي شهدها الوطن العربي عامة ومصر خاصة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية، وبالأخص في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث عرف المد القومي العربي أوج مجده.
ولعل من العدل والإنصاف أن نسجل لثورة يوليو/تموز وعبد الناصر نجاحهما في إعلان الجمهورية وإعادة السلطة لأصحابها الحقيقيين وتحقيق الجلاء وإرساء دعائم الاستقلال وتطبيق الإصلاح الزراعي وتقوية الجيش وتسليحه وإقامة الصناعة الحربية وتأميم قناة السويس وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا وبناء السد العالي وإدخال مصر معركة التصنيع وتوفير التعليم المجاني وضمان حقوق العمال والضمانات الصحية والنهضة العمرانية. ولاشك أن هذه منجزات ضخمة وقيمة جدا، إذا ما قيست بالعمر الزمني القصير لكل من الثورة والقائد وحجم المؤامرات التي تعرضا لها.
فالتجربة الثورية الناصرية لم تكن بعد قد بلغت الثامنة عشرة من عمرها يوم اختطف الموت على حين غرة عبد الناصر وهو يقوم بواجبه القومي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقضيته وثورته. لكنها وبرغم ذلك تمكنت من إثبات ذاتها وفرض نفسها على الجماهير العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، من خلال طرحها المشروع النهضوي القومي العربي الحقيقي المنشود، الذي لطالما حلمت به وأحست بحاجتها الماسة إليه، ومن خلال حمل القائد أعباء قضايا الأمة والتعبير عن آمالها وآلامها وشجونها حتى لحظات حياته الأخيرة.
لقد شكلت ثورة 23 يوليو/تموز نتاج مرحلة تاريخية بالغة التعقيد، عصفت بمتغيرات إقليمية ودولية فرضتها نتائج الحرب الكونية الثانية مثل بروز الولايات المتحدة وروسيا "الاتحاد السوفيتي في حينه" كقوتين عظميين وحدوث نكبة فلسطين وولادة "إسرائيل" قيصريا في قلب الوطن العربي. لذا كان بديهيا أن تتشكل معها الحالة النهضوية القومية الوحدوية البديلة للواقع العربي القطري المفكك والمشرذم. وكان بديهيا أن تتشكل معها الحالة الثورية الوطنية التقدمية البديلة لحالة التخلف والإقطاع والاستبداد والرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية، من خلال بروز عبد الناصر كقطب من ثلاثة أقطاب عالميين كان لهم شرف تشكيل معسكر الحياد الإيجابي الذي تمثل بمجموعة دول عدم الانحياز.والقطبان الآخران كما نعلم كانا زعيم الهند الأسبق الراحل جواهر لال نهرو وزعيم يوغوسلافيا السابقة الراحل جوزيف بروز تيتو.
فعلى امتداد ثمانية وثلاثين عاما أعقبت رحيل عبد الناصر، مُنيت جميع التجارب الفكرية والسياسية العربية بالفشل الذريع، لأنها بدل أن تشكل البديل الذي يحظى بثقة الجماهير العربية وتأييدها قادت الأمة من خيبة إلى خيبة أخرى أكبر وأدهى وأمر. وقد أخذ على تلك التجارب منفردة ومجتمعة أنها بدل أن تتناول التجربة الناصرية بحالتها الثورية وشخصية صاحبها الفذة بالتقييم المنطقي المجرد والنقد الموضوعي البناء على ضوء ما حققته من إنجازات وما وقعت به من سقطات وعلى ضوء الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لغرض تصحيحها والبناء عليها، اختارت مصادمة الجماهير من خلال طرحها مفاهيم جديدة اتسمت بروحية انقلابية عدائية وتغيرية، الأمر الذي أدى إلى لفظ الجماهير لها ولتلك المفاهيم وبقائها على وفائها للثورة والتجربة والقائد.
الآن وبعد كل ما ألم بالأمة من مصائب وكوارث وبعد أن أصبح الخطر يتهدد كل قطر وبيت ومواطن في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه في وجوده واستمراره، ترى ألا تقتضي الحكمة أن يُقر القادة العرب بحالة التميز التي شكلتها ثورة 23 يوليو/تموز، بتجربتها وشخص قائد مسيرتها، بحيث نتوقع في قادم الأيام أن يخطوا خطوة إلى الأمام تحفزهم على تقييم التجربة ونقدها بشكل بناء وموضوعي لأخذ العبر من مواقع نجاحها وتصحيح مكامن إخفاقها، ووضعها موضع التطبيق العملي والبناء عليها، لإخراج الأمة مما هي عليه من تفكك ووهن وضعف واستكانة؟ أظنه عين الحكمة!!
محمود كعوش
كاتب وباحث سياسي مقيم في الدانمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
kawashmahmoud@hotmail.com

رسائل اردنية خاطئة

نقولا ناصر

(ان توقيع المعاهدة الاردنية الاسرائيلية قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ، او في الاقل توقيعها دون ان يكون حل مشكلة اللاجئين الذين يستضيفهم الاردن جزءا منها ، بعث رسالة ضمنية خاطئة الى دولة الاحتلال بان توطين اللاجئين في المملكة قد يكون مقبولا ولو في الاقل كامر واقع يفرض ميزان القوى على المملكة ابتلاعه)

من يتابع من الخارج مدى اتساع المعارضة في الجانبين لاي شكل من اشكال الوحدة الاردنية الفلسطينية في الظرف الراهن لا بد وان يصاب بالحيرة عندما يلتقط رسالة الانكفاء الاقليمي الخاطئة التي تبعثها هذه المعارضة عند مقارنتها بالتاريخ السياسي القريب والبعيد لفورات التضامن القومي العارم للشعبين مع كل قضية عربية ساخنة من سواحل الصحراء الغربية التي تمتد مسافة (1200) كيلومتر على المحيط الاطلسي ، حيث يدور صراع مرير على تحديد هوية وطنية لها ، الى المسافة نفسها التي كانت حدودا تفصل بين العراق وبين ايران قبل ان يحول الغزو فالاحتلال الاميركي ما كان خطا فاصلا الى منطقة عائمة واصلة متداخلة لا هوية وطنية لها حيث لا يعرف المرء اين يبدا وينتهي ما هو عراقي وما هو ايراني فيها .

وربما تصلح تغطية الزميلة "جوردان تايمز" في الخامس والعشرين من ايلول / سبتمبر الجاري لنتائج استطلاع للراي اجرته جامعة النجاح الفلسطينية في نابلس نموذجا للتوجه الاردني الراهن عندما ابرزت في عنوان خبرها وفي مقدمته ان ما يزيد على ثلثي الفلسطينيين في الارض المحتلة يرفضون أي نوع من "الاتحاد" مع الاردن لتؤخر الى الفقرة الرابعة نتيجة الاستطلاع التي اظهرت ان (27.6) في المائة منهم "يؤيدون بقوة" ليس الاتحاد بل "الوحدة" مع الاردن . ويخطئ بالتاكيد من يستخلص من نتيجة الاستطلاع المشروطة بالظرف الاني الذي يمر فيه الصراع العربي الاسرائيلي في ساحته الفلسطينية رسالة خاطئة تصم الشعبين ب"الاقليمية" ، وحسنا فعلت الزميلة جوردان تايمز عندما نشرت تفسير نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الاردنية فارس بريزات الذي اوضح بان الرفض من الجانبين للتحرك نحو الوحدة في الوقت الراهن مشروط بالاعتراف مسبقا بالفلسطينيين وبمنحهم حقوقهم كاملة وبان أي "قفز" اردني في اتجاه التوحيد قبل ذلك سيكون "خطيرا جدا من الناحية السياسية" لانه سينظر اليه باعتباره ملئا ل"فجوة امنية" اسرائيلية .

وقد كانت مصادفة ان يتزامن تقريبا نشر نتائج الاستطلاع الفلسطيني وتعليق بريزات عليه مع ورقة قدمها رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي السابق الجنرال احتياط جيورا ايلاند نهاية الاسبوع الماضي لمؤتمر معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى ، وهو معهد ابحاث اللوبي الصهيوني "ايباك" النافذ في توجيه السياسة الخارجية الاميركية خصوصا وانه المعهد الوحيد من نوعه الممول من البيت الابيض والذي يحرص كبار مسؤولي الحزبين اللذين يتداولان الحكم على مخاطبة مؤتمره السنوي ، وقد اقترح ايلاند في رسالته الخطية منح الاردن "السيطرة الامنية" على الضفة الغربية بهدف اجهاض فكرة اقامة دولة فلسطينية هناك واعفاء اسرائيل من الكلفة الباهظة لمسؤولية الامن التي عجز الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967 عن ضبطها ونقل هذه المسؤولية الى الاردن ومصر ، ولا يحتاج المراقب الى ذكاء كبير لتوقع ان تعرض دولة الاحتلال وايباك ومعهد واشنطن ضمان موافقة الكونغرس والادارة الاميركية على تمويل هذه المهمة .

لقد كانت حجة صانع القرار الاردني الرئيسية لتوقيع معاهدة السلام مع دولة الاحتلال الاسرائيلي عام 1994 هي منع تسوية القضية الفلسطينية سياسيا على حساب الاردن عبر اطروحات ما عممت اسرائيل تسميته ب"الخيار الاردني" ، بانتزاع اعتراف اسرائيلي بالدولة الاردنية ككيان سيادي مستقل ، وقد عزز الاردن في خط مواز هذا الاعتراف المتضمن في المعاهدة بدعم عملية سلام اسرائيلية فلسطينية تستهدف ، من وجهة نظر اردنية ، اقامة خط دفاع عربي عن الاردن غربي النهر الذي تحمل المملكة اسمه يتمثل في اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة تعترف بها اسرائيل لتنتهي بذلك الى غير رجعة اطروحات اسرائيلية مثل "الاردن هو فلسطين" او "فلسطين هي الاردن" ، ومن اجل ذلك يدعم الاردن منذ المعاهدة بقوة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني يفاوض هو ، لا الاردن ، على تقرير مصير الضفة الغربية التي كانت الجناح الغربي للمملكة حتى احتلالها عام 1967 ، لكن الخطر الوشيك لانهيار عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية مع المخاطر الواقعية المحتملة المرافقة التي تهدد وجود منظمة التحرير ، هي مخاطر تهدد بتصدع خط الدفاع الفلسطيني الغربي عن المملكة وتضع الاردن ثانية في مهب الاطروحات الاسرائيلية اياها .

والمعاهدة في حد ذاتها ليست ضمانا كافيا لاحترام دولة الاحتلال الاسرائيلي لسيادة الاردن واستقلاله وهي لا تزيد على كونها حبرا يبهت لونه بمرور الوقت على قصاصة من ورق تتاكل مع الزمن اذا انهارت الحيثيات الجغرافية السياسية التي قادت الى توقيعها ، وبوادر مثل هذا الانهيار تتجمع في الافق الاردني حاليا ، ولم يكن اقتراح ايلاند الا احدث مؤشرات البحث الاسرائيلي عن حل اردني للمازق الامني الذي تواجهه دولة الاحتلال في الضقة الغربية ، وكذلك للمازق السياسي الناجم عن وصول حل الدولتين الى طريق مسدود كما اتضح من النتائج المحبطة التي كانت متوقعة للقمة بين الرئيسين الفلسطيني والاميركي محمود عباس وجورج بوش في البيت الابيض يوم الخميس الماضي بعد الاشارة اليتيمة العابرة في خطاب بوش امام الجمعية العامة للامم المتحدة قبل القمة بيومين الى "شعب الاراضي الفلسطينية ، الذي يستحق دولة حرة مسالمة خاصة به" دون ان يردف ذلك باي اشارة الى "انهاء الاحتلال الاسرائيلي" وهي اشارة لا تفسير لها سوى ان ما كان يسعى اليه بوش طوال ثماني سنوات من ولايتيه لم يكن يزيد على مشروع "دويلة فلسطينية داخل دولة الاحتلال" .

ومنذ ذكر الكونت فولكه برنادوت وسيط الامم المتحدة في فلسطين عام 1948 في تقريره الى الجمعية العامة المؤرخ 16/9/1948 امكانية اندماج شرق الاردن والجزء المخصص في قرار التقسيم رقم 181 للدولة العربية في فلسطين وفكرة تسوية القضية الفلسطينية عبر الاردن كمدخل لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي تراود اباء المشروع الصهيوني الذين نجحوا في اقامة دولتهم في فلسطين ليورثوا الفكرة لصناع القرار في دولة الاحتلال هذه ، اولا لمواصلة اكذوبة ان البلاد كانت "ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض" ، وثانيا لمحو فلسطين تماما من الخريطة الجغرافية والسياسية والديموغرافية للعالم ، وثالثا وهو الاهم للتهرب من المواجهة مع اهل البلاد الشرعيين واي ممثل شرعي لهم لحل الصراع معهم طبقا للقانون الدولي وقرارات الهيئة الاممية التي منحت لدولة المشروع الصهيوني نفسها شرعيتها الدولية .

وبسبب العامل الديموغرافي لعرب فلسطين الذي يهدد "يهودية" الدولة ولكي تحتفظ اسرائيل بالسيادة على الارض وتتخلص من ضم "الاغيار" الفلسطينيين اليها في الوقت نفسه بادر الاحتلال بعد عام 1967 الى احياء الفكرة اولا بسياسة فتح الجسور في اتجاه غربي –شرقي واحد دون ان تتحول حرية الحركة على الجسور في الاتجاهين حتى بعد توقيع المعاهدة الاردنية – الاسرائيلية ، وثانيا باقتراح التقاسم الوظيفي مع الاردن في الضفة وغزة مباشرة بعد الاحتلال ثم الان باقتراح نقل المسؤولية عن الضفة او ما تبقى منها الى الاردن بشكل سافر ومباشر او بشكل مستتر يتخذ من شكل ما من اشكال الاتحاد الاردني الفلسطيني واجهة له ، بينما استمرت احزاب اليمين في طرح تفسيرها الخاص ل"الخيار الاردني" الذي يعتبر الاردن هو فلسطين ولا فلسطين غيره بين البحر الابيض المتوسط والحدود العراقية . وباستثناء الخيار الاخير ، يتلخص الخيار الاردني كما يطرحه اصحابه من الاسرائيليين في الوقت الحاضر ب"دور" للاردن في الضفة الغربية في أي معاهدة سلام يتم التوصل اليها مع الفلسطينيين او بدور اردني خارج اطار أي اتفاق فلسطيني اسرائيلي لتحقيق عدة اهداف منها "التخلص من عدد كبير من الفلسطينيين ، والحصول على مصادقة عربية على فتوحاتها ، وتصفية قضية فلسطين" كما سبق للاكاديمي الاردني احمد التل ان كتب في 25/9/1999 .

ولا يمكن تجاهل وجود ما يمكن اعتباره تشجيعا اردنيا ثم تشجيع اردني فلسطيني غير مقصودين ل"لخيار اسرائيل الاردني" ، تشجيعا بعث برسائل خاطئة الى دولة الاحتلال بان اطروحاتها حول هذا الخيار يمكن ان يتوفر استعداد للبحث فيها وربما ايضا للتفاوض عليها .

فقد كان هناك على سبيل المثال ما سماه الدكتور التل "الخيار الاردني للاردن" عندما اقترح الراحل الملك حسين مشروع المملكة العربية المتحدة في 15/3/1972 الذي رفضته منظمة التحرير ، وبعد خمس سنوات اقترح الاردن في 22/6/1977 اتحادا مع حكم ذاتي فلسطيني في الضفة ورفضت المنظمة الاقتراح مجددا ، ثم في عام 1982 عندما اقترح الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان مشروع حكم ذاتي فلسطيني يرتبط بالاردن اغتنم الاردن الفرصة ليقترح اتحادا كونفدراليا بين المملكة وبين الضفة الغربية مفترضا اقامة دولة فلسطينية في المستقبل ليوافق المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر في شباط / فبراير 1983 على الكونفدرالية من حيث المبدا لكنه اشترط ان يتم الاتحاد بين دولتين مستقلتين ، مما مهد الطريق لمبادرة اردنية فلسطينية مشتركة في الحادي عشر من شباط / فبراير 1985 لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي على اساس قرارات الامم المتحدة في اطار اتحاد بين الطرفين ، غير ان هذه المبادرة انهارت في الشهر نفسه من العام التالي بسبب الخلاف بين الطرفين على قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 الذي كان الاردن موافقا عليه بينما كانت تعارضه المنظمة ، والمفارقة ان كل "عملية السلام" التي انخرطت المنظمة فيها منذ عام 1991 قد اعتمدت موافقة المنظمة على هذا القرار كمرجعية رئيسية للعملية تكرر الرئاسة الفلسطينية الحالية الاشارة اليه في بياناتها الرسمية وتصريحاتها .

لكن التشجيع الاردني الاخطر تمثل في توقيع المعاهدة الاردنية الاسرائيلية قبل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين او في الاقل توقيعها دون ان يكون حل مشكلة اللاجئين الذين يستضيفهم الاردن جزءا منها ، فقد بعث توقيعها رسالة ضمنية خاطئة الى دولة الاحتلال بان توطين اللاجئين في المملكة قد يكون مقبولا ولو في الاقل كامر واقع يفرض ميزان القوى المختل لصالح اسرائيل على المملكة ابتلاعه .

غير ان هذا "التشجيع" الاردني الفلسطيني في كل محطاته استند الى ثلاث مرتكزات اساسية ، اولها انهاء احتلال عام 1967 للضفة الغربية ، وثانيهما اقامة دولة فلسطينية هناك ، وثالثها احترام كل الاطراف المعنية لاستقلال الاردن وسيادته ، والمرتكزات الثلاث تفتقد كل اشكال "الخيار الاردني" كما تطرحها المصادر الاسرائيلية .

ان الوعي السياسي المتقدم للمواطن الاردني قد اتاح للرقيب "الرسمي" كما للرقيب "الذاتي" -- دون اغفال النفي المزدوج لوجود النوعين من الرقابة – نشر الاخبار والافكار عن "الخيار الاردني" الاسرائيلي ومشاريعه ، بالرغم من معرفة كون مثل هذه التقارير اسرائيلية او مصادرها اسرائيلية ، وكان اخر مثال لها ما نشر اردنيا عن خطة قيل ان وزير حرب دولة الاحتلال ايهود باراك كان سيناقشها اثناء لقائه الاخير في مصر مع الرئيس حسني مبارك ، دون ان يصدر أي نفي او تاكيد لذلك ، لاعادة المسؤولية الامنية عن قطاع غزة الى مصر وعن الضفة الغربية الى الاردن . ومثل هذه التقارير ، بغض النظر عن صدقيتها ، تثير جدلا وطنيا اردنيا وفلسطينيا يساهم في ترسيخ حقيقة لم يعد احد يجادل فيها سوى الاحتلال نفسه وهي ان الخيار الوطني الاردني والفلسطيني الوحيد المتاح هو انهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي وقع عام 1967 واتاحة المجال لعرب فلسطين كي يقرروا مصيرهم فوق تراب وطنهم بكل الوسائل التي يجيزها لهم القانون الدولي وشرعة الامم المتحدة وشرعية السماء والارض كما تعرفها الامم والشعوب كافة .

لكن مظاهر الحراك السياسي الدولي والاقليمي والاوضاع الراهنة الذاتية لاطراف"عملية السلام" تبدو وكانما تسير في اتجاه معاكس: فالوضع الفلسطيني منقسم والوحدة الوطنية مستعصية ، والوضع الاردني محاصر بصراعات اقليمية اكثر استعصاء تجعله اسلس قيادا وهو يقف في عين العاصفة الاقليمية للتساوق مع موازين القوى المختلة ضد العرب بشكل ساحق ، والوضع العربي يفتقد الحد الادنى من التضامن ويتسم بالعجز ، ومثله "الكم" العددي المؤيد للحق العربي والفلسطيني في منظمة المؤتمر الاسلامي وحركة عدم الانحياز ، والوضع الدولي يحكمه القطب الاميركي الاوحد الراعي الاستراتيجي للاحتلال ودولته ، والقوى الدولية الاكثر توازنا بين طرفي الصراع العربي الاسرائيلي ما زالت اسيرة التناقض بين اقوالها وافعالها ، اما عجزا كالاتحاد الاوروبي او انشغالا بالتنمية الوطنية كالصين او باعادة بناء الدولة كروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، و"عملية السلام" التي علق كل العرب عليها امالهم ك"خيار استراتيجي" , وفي مقدمتهم الاردنيون والفلسطينيون ، عادت الى الطريق المسدود الذي وصلته عام الفين بعد "صحوة الموت" الاخيرة في مؤتمر انابوليس لتدخل حاليا ثلاجة التغيير الحكومي في دولة الاحتلال وفي واشنطن معا .

كل ذلك يقف في خلفية القلق الوطني الاردني الراهن والجدل الساخن الناجم عنه ، وهنا لا بد من وقفة سريعة لتسجيل ملاحظتين حول هذا الجدل ، الاولى ان الموقف الرسمي للدولة والحكومة يبدو متفوقا على الراي العام في بعث رسالة صحيحة الى دولة الاحتلال بان المملكة اولا حاسمة في دعمها لحق عرب فلسطين تحت الاحتلال في تقرير مصيرهم في دولة مستقلة ذات سيادة غربي النهر وثانيا ان المملكة تعزز دعمها الحاسم هذا بتعزيز الوحدة الوطنية حوله في الداخل .

اما الملاحظة الثانية فتتمثل في بعض الاستغلال النشاز للاطروحات الاسرائيلية لخدمة اهداف حزبية ضيقة او اغراض انتخابية انية او عصبيات "اقليمية" دفنها منذ مدة طويلة نضج الوعي القومي المتقدم الذي يتميز به عرب الاردن على اشقائهم في الاقطار الاخرى ، فهذا استغلال يصب في خدمة الاجندة الاسرائيلية في الاردن ، لان "الوطنية" الاردنية لا يمكن ان تتناقض مع ذاك الاجماع او تتعارض مع الوحدة الوطنية او تجد نفسها في خندق يتضارب مع التضامن القومي والاسلامي الاردني مع الاشقاء غربي النهر ، واي "وطنية" اردنية تسقط بوعي او دون وعي في مثل هذا التناقض والتعارض والتضارب انما تبعث برسالة خاطئة الى دولة الاحتلال مفادها انها قد تنجح في تحويل الخلاف الاردني (الرسمي والشعبي) – الاسرائيلي حول "خيار اسرائيل الاردني" الى خلاف اردني – اردني بين نخب تنزلق دون وعي منها الى تجاوز الخطوط الحمراء للوحدة الوطنية المجمعة على رفض "الوطن البديل" و "الخيار الاردني" و"الاردن هو فلسطين" او "فلسطين هي الاردن" ، الخ . فالاجماع الوطني على رفض مثل هذه الاطروحات المعادية هو مصلحة وطنية عليا لكل الاردنيين من اصل اردني ومن اصل فلسطيني ومن اصل شامي ومن اصل عراقي ومن اصل حجازي ومن اصل قوقازي وغيرهم ممن استقر بهم مقام الثورة العربية الكبرى في هذا الثغر المبارك باثار صحابة النبي العربي (صلعم) .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

من يستهدف الجيش اللبناني في الشمال؟

سعيد علم الدين

المجد والخلود لشهداء الوطن الأبرار والخزي والعار للقتلة الجبناء الأشرار.
لبنان السيد الحر الديمقراطي المستقل سينهض رغم أنفكم ايها الفجار، وانتم حتما ذاهبون الى الحضيض والاندثار.
سيرفرف العلم المفدى بأرزته الشامخة الخضراء بارواح الشهداء عاليا فوق القمم وفوق كل دار، وانتم بنفوسكم المريضة الحاقدة ستنقرضون في الجحور والسراديب والأوكار.
لنا ثقافة الحياة والأمل وبسمة النهار، والحضارة والنضارة والأزهار،
ولكم بشاعة الموت واليأس وعتمة الظلام، ومهارة الاغتيال والتفخيخ والانفجار، والقذارة والسقوط المدوي والاصفرار، كأوراق الخريف ستتهاوون، قبل هبوب الريح والإعصار.
نحن بشهدائنا الأحرار نكتب تاريخَ لبنان بأحرفٍ خالدةٍ من ذهبٍ ونار! وأنتم لكم الخزي والمذلة والعار!
نعزي الأهل الأحباء في الوطن الحبيب والمؤسسة العسكرية اللبنانية بالقافلة الجديدة من شهداء الوطن الخالدين: شهداء قيامة لبنان السيد الحر الديمقراطي العربي المستقل، رغم أنف الإرهاب المجرم الشرير ومن يحركه من عملاء الداخل ومن وراء الحدود.
هناك حرب ارهابية شرسة، منحطة همجية، مخابراتية غير معلنة على لبنان الجديد، لبنان انتفاضة الاستقلال، لبنان ثورة الأرز، لبنان قوى 14 آذار، لبنان الدولة والحكومة والجيش، ومنذ نجاح قوى 14 آذار في انتخابات عام 2005.
هذا النجاح الكاسح، خاصة في الشمال للائحة 14 آذار ومن ضمنها النائب اليساري الياس عطاالله، لم يستطع الشموليون الحاقدون استيعابه فردوا عليه ارهاباً على عادتهم الدموية المعروفة باغتيال ثائر انتفاضة الاستقلال اليساري الشهيد سمير قصير، واتبعوها حقداً غريزياً باغتيال المقاوم الشيوعي الأول في وجه اسرائيل الشهيد جورج حاوي. والشهيدان هم صديقان حميمان فكرا وثورة للنائب عطالله ومن أبرز قادة ثورة الارز الديمقراطية الحضارية البيضاء. حيث لم تحدث فيها ضربة كف رغم وجود مليون ونصف مليون متظاهر ملئوا الساحات والشوارع في بيروت وأذهلوا العالم بتحضُّرِهم وسلميتِهم وعفويتهم، وبالأخص شجاعتهم بكسر قيود المخابرات السورية الظالمة السادية، وتخطي حدود النظام الامني اللحودي البائس البائد.
ومن هنا نستطيع التمهيد للاجابة عن السؤال المطروح:
من يستهدف عناصر الجيش اللبناني في الشمال؟ وبالذات في طرابلس والشمال وللمرة الثالثة أو الرابعة على التوالي، لا ننسى انفجار العبدة الذي ذهب ضحيته أحد الجنود، وعبوة اخرى تم كشفها قبل انفجارها.
فما يحدث من اعتداءات على الجيش في الشمال له علاقة واضحة بإخماد شعلة ثورة الأرز ومن خلالها استدهاف الجيش الذي احتضنها في 14 آذار 2005 وحقق عام 2007 انتصارا تاريخيا على من اراد احتلال الشمال ليحولة الى امارة بعثية صفوية تحت الادارة البشارية. فالمتضرر من انتصار الجيش هو من يستهدفه الان بعد ان استهدفه مباشرة بعد انتهاء المعارك باغتيال قائد العمليات العسكرية اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج.
من هو المتضرر من انتصار الجيش؟
يأتي بالدرجة الأولى النظام السوري ومخابراته والمنظمات الإرهابية التي تدور في فلكه وتطيعه اطاعة عمياء وهي جزء منه كمنظمات: القيادة العامة لاحمد جبريل وفتح الانتفاضة والصاعقة. هذه التنظيمات الفلسطينية المتسورنة لها وجود مهم في الشمال وبالأخص في مخيم البداوي المحاذي لطرابلس. حيث أقامت فتح الانتفاضة فيه منذ فترة عرض عسكري لتحرير عسقلان.
بالاضافة الى هذه التنظيمات المخابراتية السورية هناك الجماعات اللبنانية المخابراتية السورية: كجماعة التوحيد وفتحي يكن وجماعة على عيد وجماعة فرنجية والقومي السوري وغيرهم.
اليس متضرر ايضا من انتصار الجيش في البارد من وضع الخطوط الحمراء في طريقه، حمايةً للارهاب المستعبس؟
بهذه الطريقة الارهابية في استنزاف لبنان وضرب امنه واستقراره واستهداف الجيش في عقر داره يريد النظام السوري ومعه ميشال عون وحسن نصر الله وباقي شلل 8 اذار تحقيق الانتصارات على قوى 14 اذار في الانتخابات النيابية القادمة.
تماما كما وعدهم بشار في استقباله للنائب القومجي السوري مروان فارس 21 من هذا الشهر، حيث قال أن "ان لبنان سوف يحتفل بانتصارات جديدة من خلال اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والقوى التي هزمت اسرائيل سوف تهزم خصومها في لبنان".
هذه الانفجارات المتلاحقة في كل انحاء لبنان هدفها ارهاب الناخب اللبناني ليستطيع بشار ومخابراته فرض الانتصارات التي يتحدث عنها وتغيير السياسة اللبنانية بالكامل لتصبح ذنبا للمحور الإيراني السوري.
الحل بالمواجهة وان ينتفض الرئيس ميشال سليمان على الإرهاب المستشري ويأخذ زمام المبادرة مع الرئيس السنيورة وكل المخلصين لخلاص لبنان من سرطان هذا الإرهاب.
فالارهاب سرطان جرثومي مفسد فاسد يترعرع في المربعات والسراديب والأنفاق والمواخير والجزر الأمنية والمخيمات الخارجة عن سلطة الدولة.
وقبل نزع الصور واللافتات يجب نزع السلاح من أيدي الناس ومن أيدي كل الميليشيات، لكي لا يكون في لبنان سلاح إلا سلاح القوى الشرعية النظامية.
تخاذل الجيش ووقوفه على الحياد، لكي لا يواجه الارهاب والميليشيا السوداء، المستَفْرِسَةُ على الدولة والمعتدية على العزل والأبرياء، لن يحميه من ضرباتها الموجعات.
الجيش الذي لا يستطيع ان يحمي شعبه فلن يستطيع حماية نفسه.
فعلى سليمان والسنيورة وكل المخلصين أن لا يناموا بين القبور لكي لا يشاهدوا الأحلام المزعجة، مصحوبة بكوابيس السيارات المفخخة.
لا حل لسرطان الارهاب المستشري في لبنان قبل تحويل حزب الله الى حزب مدني سياسي مثل باقي الأحزاب والتيارات. القرار 1701 أنهى دور المقاومة، التي تحولت بسلاحها إلى الداخل.ولا يكمن أن تسيطر الدولة اللبنانية وتفرض سلطتها ما دامت دولة حزب الله تعرقل قيامها باعذار وحجج لا تستقيم لمن يسير على الطريق المستقيم.

القيادي الفتحاوي محمد دحلان وسط غزة

محمد حسن
لم نعتاد أن نسمع أحداً يذكر أسم القائد الفتحاوي "محمد دحلان" في غزة، وإن تفوه بها أحد فيكون همساً وبسرية مطلقة، خشية من أن تسمعه عناصر الموت وخفافيش الظلام وما يعرف بـ "الزنانة" الحاقدة التي تتربص بأبناء شعبنا الفلسطيني مقابل حفنة من المال، فالكثير سمعت أنهم دخلوا السجون وعذبوا وضربوا لأنهم نطقوا الحق وقالوا كلمة صدق في وجه سلطان جائر، وهذه صفة شعبنا الفلسطيني الذي يمتاز بالعناد والصمود والكرامة ورفضه للظلم مهما كان جبروت الحاكم، وما حدث اليوم إلا تعبيراً صادقاً عن هذا النموذج البطولي.
فأثناء تجوالي اليوم وسط مدينة غزة وتحديداً في شارع عمر المختار الذي يعج بالبائعين والمتسوقين، والبسطات التي تحمل ألوان وأشكال من البضائع والمنتجات المهربة عبر الأنفاق، صادفني حدثاً وكأنني كنت على موعدٍ معه حتى يجمعنا القدر به لكي أسجله هنا لما يحمله من معاني ودلالات رائعة، .. عندما سمعت أسم القائد الفتحاوي "محمد دحلان" عالياً من شبل يبلغ من العمر تقريباً عشرة أعوام فانتابني الشغف لمعرف الثقافة والدافع، بل هذا الفخر والعزة إن صح التعبير،.. فسارعت نحوه لأعرف ما الخطب، فإذا به يشتري قلادة مرسوم عليها صورة القائد الفتحاوي "محمد دحلان"، أرادها حتى يتزين ويفتخر بها في عيد الفطر السعيد، أعاده الله علينا وعلى شعبنا الفلسطيني وقيادته الحكيمة بالخير واليمن والبركات.
وعندما اقتربت وتمعنت بالنظر في "البسطة" التي تحمل على واجهتها صوراً عديدة وقلادات للقادة وشهداء الثورة الفلسطينية على اختلاف انتماءاتهم السياسية، فسألت البائع هل يوجد مزيد من صور القائد "محمد دحلان" أجاب نعم ولكن أسمح لي فأنا أخفيها في الأسفل خشية من أن تصادر البضاعة أو أسجن، فألتفت نحو الشبل واهتممت بالحديث معه قبل أن يغادر، فسألته عن سر طلبه للقلادة وحملها لا سيما وأنها تحمل صورة واسم القائد "دحلان"، رغم أنها مخفية عن وجه البسطة وما السر الذي دفع بهذا الجيل من الأطفال بعمر الزهور لأن يبحثوا ويشتروا تلك القلادة التي تحمل صورة واسم السيد دحلان، وهل هم مدركين حجم التحدي ..؟، أجابني الشبل دون تردد : نعم إن القائد "أبو فادي" حبيب الشعب، ونحن مشتاقون إليه، وهذه القلادة تبعث فينا الأمل والروح لاسيما عندما يراها أصدقائي وعائلتي، فـ"أبو فادي" رجل وطني ويستحق التكريم والوفاء، لأنه يهتم بالشباب الفلسطيني، يشعر بمعاناتنا وبمتطلباتنا، فهو إنسان واقعي ومعطاء،.. اجتماعي وأسري وإنساني ،.. واقتصادي وسياسي من الطراز الأول، يدرك همومنا ومعاناتنا، لأنه الدولة بكامل مؤسساتها، يشعر بمعاناة الأسرى وبحقوقهم وواجباتهم، بما تحتاج الأسر الثكلى.. ويواصل الشبل الذي يتمتع بلباقة مطلقة .. فشعرت أنه من عائلة فتحاوية تربى وترعرع حتى وصل إلى هذه الدرجة من العلم والثقافة السياسية الفتحاوية مضيفاً : رغم السيد أبو فادي بعيداً عنا .. أي هناك في الضفة الغربية التي أجبر على الذهاب إليها كغيره من القادة وأخرهم القيادي أبو ماهر حلس، الذي نجي بمعجزة من الله سبحانه من رصاص عصابات القتل المسيطرة على قطاع غزة، ... ويواصل الشبل حديثه عن السيد دحلان قائلاً "لأبو فادي معزة ومكانة خاصة طال الزمان أم قصر فهو يبقى في وجداننا وقلوبنا، نتمسك بصورهِ وبتذكار له، ونحلف باسمه وبعطائه لأننا عشقناه، فتحية إليك أبي أبو فادي، وإننا باسم أطفال وأشبال قطاع غزة ننتظرك على أحر من الجمر، ونحن على يقين بأنك عائد، وإن غداً لناظره قريب".
وبهذه الكلمات الرائعة التي لم استطع أن أسجلها كاملة في هذا المقام النبيل فإنه اسدل هذا الشبل الستار وتقلد مكانة من الوعي والعلم والفهم والإدراك يستحق بأن يتبوأ مراتب الشرف لإطلاعه التام عن سيرة وحياة القادة التي لن تنساهم فلسطين والثورة الفلسطينية. بالتالي نكون قد نقلنا الأمانة بصدق وشهدنا بالرسالة بأن : الأطفال والشباب والشيوخ و.. وأهل غزة يعشقونك أخي القائد محمد دحلان، فما بالك ابناء الفتح الميامين، الذين عبروا منهم عملياً، بمعاني الحب أبرزها كانت التقلد باسمك الطاهر، فيما آخرين الصقوا الصور على صدر جدرانهم المنزلية وآخرين عبروا من خلال النشيد والأغاني في الأعراس والمناسبات التي تنادي باسمك، رغم المنع والقهر والظلم بعد أن أخذ التحدي فصولاً ومناحي، و أمام هذه المشاهد لم يكُن تحدي الأطفال أيضاً عفوياً، رغم صغر عمرهم لأنهم أدركوا ماذا يعني لهم صورتك أو أسمك، الذي تبوء مراتب كما الشهيد الرئيس ياسر عرفات.
وكل عام وأنتم بخير

الأحد، سبتمبر 28، 2008

الشعب الفلسطيني وحتمية الثورة على الثورة

عطا مناع
تجتاح الشارع الفلسطيني موجة من التساؤلات حول تراكم الجنون السياسي والصراع الداخلي الذي لا نهاية له رغم التقولات الإقليمية التي تعول على وجبات الحوار والاتفاقيات التي تبرمها الدول العربية بين الأشقاء الذين لم يعودوا كذلك، صحيح أنهم يجمعون على ضرورة الخروج من حالة الانقسام الداخلي ولكن الممارسة العملية تؤكد استفحال الحالة واتساع الفجوة وسيادة المنهج البوليسي في التعاطي مع الشعب الفلسطيني الذي يتطلع للخلاص من مرحلة هو وحدة دفع ثمنها باستخدامه حطبا في الصراع وورقة تستخدم في صراع العض على الأصابع بين أسياد الصراع.

وبعيدا عن شعارات الضحك على الذقون التي تدعي الحرص على وحدة الوطن والمواطن وسيادة الديمقراطية والنضال لتحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، يكشف الواقع عن حقائق مؤلمه ترقى لدرجة الانحراف والانقلاب على الشعب وثورته المعاصرة بكل ما تعني من شهداء وأسرى ونضالات، وليس بالضرورة أن تنادي جهة فلسطينية بفلسطين من نهرها إلى بحرها حتى تحصل على ثقة الشعب، لان الشعار حتى يكون شعارا حقيقيا لا يمكن أن يختزل برصاصة أو صاروخ تطلقه هذه الجهة أو تلك التي تحول الفعل الوطني لأداء يفتقر للحياة الكامنة في أوساط الناس البسطاء التي أثبتت غالبية الدراسات أنهم يدفعون الثمن مضاعفا بسبب فقدان البوصلة وبالتالي غياب الفعل التراكمي صانع التغيير الذي يقربنا كشعب من تحقيق طموحاتنا الوطنية.

ما بين الرصاصة والتفريط التفاوضي الذي أصبح مدرسة لها منظريها وأتباعها انخفض الطموح الفلسطيني وتغيرت الأهداف والشعارات الوطنية وسادت الارتجالية والفوضى وتحول بعض الأفراد الذين سطوا على مقدرات الشعب المادية والمعنوية، ويتجلى الهبوط التفاوضي في اللقاءان المتسارعة التي يعول الطرف الفلسطيني فيها على حرق المراحل معتقدا أن دولة الاحتلال جاهزة لعملية التسوية السياسية، لكن الواقع ينتفض بحقائقه الميدانية التي تؤكد مع مرور كل يوم تصاعد الشراسة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، شراسة تعبر عن نفسها بتضييق الحصار على قطاع غزة رغم التهدئة المزعومة وعمليات الاعتقال بالجملة في الضفة الغربية التي تحولت لجزر متباعدة بسبب أكثر من 700 حاجز عسكري وترابي منتشرة في الضفة الغربية وتضاعف الاستيطان في الضفة والقدس عدة مرات منذ مؤتمر انابولس.

ورغم الانقسام الحاد التي تشهده الساحة الفلسطينية، هناك ما هو مشترك بين طرفي الصراع الداخلي ومن يدور في فلك كل منهما من فصائل فلسطينية استمزجت عدم الفعل، المشترك العجز الصارخ في إنجاز الأهداف الوطنية وإفساح المجال لدولة الاحتلال للاستفراد بالوجود المادي والوطني للشعب الفلسطيني الذي أصبح ضحية مستباحة بسبب العجز الواضح في مقارعة الاحتلال باعتماد استراتيجية عمل وطني موحدة من شانها الصمود في وجه الحقبة الأمريكية التي تهدد المنطقة العربية بحرب قد تكون شاملة.

من حيث المضمون انتقلت الأهداف الوطنية المشتركة بين أقطاب الصراع الفلسطيني من كونها شعار فلسطيني رئيسي ينادي بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنجاز المهام التحررية بعودة القدس واللاجئين وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة لشعار ثانوي ومناكفات سياسية فضفاضة تعزز حالة التيه الفلسطيني، فبدل التركيز على الخروج من المأزق الخطير الذي تحول لكرة نار متدحرجة تكبر يوميا تطرح قضايا تتعلق بشرعية الرئيس أو الانتخابات المبكرة والديمقراطية والحوار الذين لن يكتب له النجاح حتى بعملية قيصرية.
وإذا اقترضنا أن النية عند أطراف الصراع الفلسطيني لا تتجه للتوافق وإنما للتصعيد وتحميل المسئوليات والانزلاق للممارسات البوليسية التي تستهدف الإنسان الفلسطيني بأبشع الصور من خلال مصادرة حرياته وملاحقته وزجه في السجون واستخدام الأساليب البدائية والهمجية في عمليات الاستجواب لدرجة الموت أو التصفية الجسدية، ويرافق مصادرة الحريات انتشار الفساد المسبب الرئيس لحالة الجوع والاستغلال التي تعصف بالشعب الفلسطيني الذي سرق منه قراره المستقل ببدائل مستنسخة تعزز حالة الهبوط والتوهان والانفضاض عن أدوات التغير والتحرير، في هذه الحالة يسقط الشعار الذي تتمترس خلفه القوى التي تدعي تمثيل الشعب ويماط اللثام عن حقائق خطيرة تمس العصب الحساس للوجود الفلسطيني الذي بالضرورة سيرسم الصورة من جديد بعيدا عن شعارات الادعاء والشرعيات التي أدارت ظهرها لشعبها وتركته وحيدا في مواجهة قدرة.

لن تستمر حاله الصمت الشعب الفلسطيني على العبث بالواقع الفلسطيني، وهناك أمل متجدد لدى الغالبية الساحقة المسحوقة أن تثمر محاولات الحوار وتحدث معجزة في عصر اللامعجزات، وبعكس ذلك لا مناص من التحرك الشعبي الديمقراطي لإنجاز التوافق الداخلي والقضاء على الانقسام بعيدا عن استخدام القوة المرفوضة شعبيا التي تلوح بها أطراف الصراع التي بحاجه لقراءة التاريخ الفلسطيني مرة أخرى واستخلاص العبر من الانشقاقات التي شهدتها الساحة الفلسطينية في خضم نضالها التحرري الذي سيلفظ من يسبح ضد الحتمية الفلسطينية التي تضع مصالحها الوطنية فوق الأجندات الخاصة التي بالضرورة سينتفض عليها الشعب عاجلا أم آجلا.

أعيدوا للإعلام الفلسطيني هيبته المسلوبة

محمد داود
حرية الإعلام كلمة جميلة الكل يتمسك بها ويدعي بالمحافظة عليها، لأنها من أهم مفردات الحريات المدنية، التي كفلها الدستور الفلسطيني والدولي، لكن المشهد الفلسطيني يروي تفاصيل مغايرة نتيجة التدخل السافر في استقلالية العمل الصحفي والتي أدت إلى تراجعه، كما شهد الخطاب الإعلامي الفلسطيني انحرافاً ملحوظاً عن مساره الوطني، فبعض هذه الوسائل ساهمت في تلفيق الأكاذيب بدلاً من الصدق، والى الانحياز، والتمييز، والتحريف، وبث الشائعات، ومحاولات وأد وإقصاء عنيفة وتكميم أفواه واعتداءات متكررة دون أن يحرك النظام الحاكم ساكناً في معاقبة المسيئين لهذا المرفق الحضاري الحيوي، فضلاً عن سعي الأحزاب والجهات والشخصيات السياسية المختلفة لاحتكار دور الإعلام بما يكفل لها مصالحها وأهدافها الخاصة. ولا مجال للشك أن الأزمات الأمنية تعد من أخطر التهديدات التي تواجه المجتمعات نظرًا لأنها تلحق الأذى بكيانها الداخلي وتهدد أمن المجتمع "وحدته ونسيجه واستقراره"، وهو عملياً الذي شهده قطاع غزة عقب سيطرة حركة حماس بالقوة المسلحة عليه، فكان أي "الإعلام" أحد أعمدة الأزمات من حيث المساهمة عملياً مع لغة الرصاص، بجانب تورطه لعدد من الأزمات الأخرى التي بدأت تظهر في المجتمع الفلسطيني الذي لا يزال يخضع حقيقةً تحت للاحتلال الإسرائيلي. ويعظم خطر هذه الأزمات والأحداث إذا كانت تنطلق من توجهات فكرية أو أيديولوجية أو خدمة لأجند خارجية أو مصالح حزبية أو فكرية أو اقتصادية تخدم فئة معينة وتتسع دائرة تأثيرها على أفراد المجتمع بحيث تزهق فيها أرواح بريئة وأنفس معصومة وتتلف بسببها الممتلكات والمقدرات الخاصة والعامة وتستباح وتنشر الرعب والهلع في المناطق التي تنشط فيها، وقد ساهمت الأحداث المفاجأة في تعرية الواقع وإيضاح مدى استعداد المؤسسات الرسمية والأهلية في مواجهة الأزمات، وهنا كشفت أحداث 14 (يونيو -حزيران) 2007م وما بعدها من أحداث التي شهدها إقليم قطاع غزة، تحول على إثره الجسم الصحفي إلى هدف رئيس للأطراف المتصارعة على المستوى الداخلي، والاستدعاء والتهديد والحبس ومصادرة الأدوات ومنع التغطية للأحداث، كما ينطبق الحال على المؤسسات الإعلامية التي منعت من البث أو النشر، كيف لا وقد كنت أحد ضحايا هذا التجاذب الإعلامي.
إن من المعيب في اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني أن أقول الحقيقة بأن الإعلام الفلسطيني شهد حالة من الفوضى والانفلات الإعلامي بقيامه بعمليات تحرض على القتل وتكميم الأفواه وتعميق ثقافة الانقسام وتكريس العنصرية وإشاعة مناخات الإرهاب الفكري والسياسي والحض على الكراهية، ليسجل بذلك أسوأ الأعوام التي مرت على الإعلام الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية في العام 1993, بسبب احتدام الصراع الحزبي ولا أدل على ذلك من مضمون خطاب الجانبين فتح وحماس، فلا تكاد تخلو رسالة إعلامية واحدة في صحف وإذاعات ومواقع وتلفزيونات الطرفين، وهو الذي لوحظ في الآونة الأخيرة نتيجة الفلتان الإعلامي الانفعالي والتوتيري وألتأثيري لاستمالة مشاعر الجماهير, وميله للإنشائية والمبالغة والتنميق في الحديث والتصريحات النارية كما أقحم الصحفي نفسه في الصراع وذلك بتقديم ولائه السياسي وانتمائه التنظيمي على متطلبات مهنته, مما أثر أيضا علي مصداقية المؤسسة الإعلامية في الحصول علي المعلومة ونشرها من أجل تداولها وتشكيل وعي وطني ومسوؤل لدي الرأي العام الذي يكثر من استعمالها حسب السياسات المرسومة للجهات الإعلامية، باستخدام المصطلحات التحريضية المنافية للقيم المهنية التي وصلت لحد شن حرب التشهير والتخوين والتكفير وتذكي نار الفتنة وتضرب الوحدة الوطنية كما لها مدلولات سياسية كارثية تتعلق بصورة الشعب الفلسطيني أمام المجتمع الدولي فظهرت لدينا أفعال ومصطلحات جديدة ومظاهر أخطرها طغيان المليشيات التي أصبحت تقاسم الإعلام الفلسطيني، على سبيل المثال: التحريض على زعماء ورموز الشعب الفلسطيني المناضلين من تشويه وقذف وحرق وتصويرهم بكل الصفات والمواصفات السيئة، وبكل أسف فإن الإعلام الفلسطيني بوسائله الثلاثة المرئي والمسموع والمقروء أسهم بدوره في لعب هذا الدور عندما فتح الهواء لكل من هب ودب ليشارك في تأجيج نار الخلافات وتسفيه الآخر تحت ستار الحرية الإعلامية التي يرتكب باسمها اليوم أبشع الجرائم والخطابات.. وهلم جرا من المصطلحات والشعارات التي ما أنزل الله بها من سلطان، تستهدف التشويش على العقلية الفلسطينية"، وقد مس هذا المضمون الإعلامي بشكل واضح بالوضع النفسي للفلسطينيين وصورتهم أمام أنفسهم في الداخل والخارج، وأمام غيرهم من الشعوب الأخرى، فأصبحت الصورة سوداء قاتمة لأناس يتصارعون علي السلطة أو من أجل الدفاع عن حزبها وشرعية حكمها بالسيطرة على إقليم هنا أو هناك, وقد أراح هذا الصراع المحتل الإسرائيلي الذي عبر قادتهم بكل صراحة عن ارتياحهم الشديد لما آلت إليه الأوضاع السياسية الفلسطينية سياسياً وجغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً و....، نتيجة الانقسام المدمر واللعين، بغرسه للثقافة، وتبديله للقيم من زعيق وصراخ وشعارات ووأد للحريات وتسفيه للرأي الآخر ومنبر لإثارة الفتن والتحريض وتأجيج نار الخلافات والترويج لمزيد من الانقسام والحقد والعنف وإطلاق شعارات تحرك الغوغاء. ورأينا كيف أسهمت بعض الأقلام والصحف في إثارة الفتنة وإحداث الشرخ وإشعال الحرب في جسد الشعب الفلسطيني والأمة العربية وتسبب في القطيعة الداخلية، فهل نتعظ من التجارب، ونحاسب أنفسنا على كل كلمة نكتبها ونحرص على أن نحافظ على شرف مهنتنا... ونتحمل مسؤوليتنا كاملة ونكرس أقلامنا للحث على الحوار ورأب الصدع الفلسطيني باعتبار ما جرى حالة زائلة إنشاء الله، ولهذا مهما يكن لن نحمل الإعلام الفلسطيني وزر حالة التشرذم والانفلات الإعلامي الطارئة، التي هي جزء من فوضى التصادم بين الأقطاب فهي نتاج طبيعي وأكيد للصراع الأيدلوجي والمنهجي بين الأقطاب الذي حتماً سينتهي في القريب العاجل وبجهود الأوفياء لهذا الوطن، وبإصرار الرئيس الفلسطيني.
كاتب وباحث

فضيحة الحليب الملوث تضع "صنع في الصين" أمام تحديات جديدة

د. عبدالله المدني


تحت عنوان " صنع في الصين يواجه تحديات صعبة" كتبنا قبل فترة مقالا خلصنا فيه إلى أن انتشار الفساد الإداري وأساليب الغش التجاري وصور الاحتيال الصناعي في المستويات المتعددة لأجهزة الدولة ومؤسساتها وفي شركات القطاعين العام والخاص، إضافة إلى البحث عن الثراء السريع في أوساط رجال المال والأعمال الصينيين، تسبب في ضرر كبير للمنتج الصيني وأدى إلى تشويه سمعته وظهوره في الأسواق العالمية كرديف لكل ما هو سيء وسريع العطب وغير معمر. وفي هذا السياق ضربنا أمثلة من واقع ما حدث لمنتجات مصنعة في الصين استوردتها دولا عالمثالثية مثل إطارات السيارات التي تسببت في حوادث مميتة على الطرق، وبطاريات الهواتف الجوالة التي انفجرت في وجوه أصحابها، و الرافيولي والأرز الملوثين بمبيدات الحشرات، ومعجون الأسنان المخلوط بمواد مضادة للجليد، وأدوية السعال سيئة التركيب، ومواد التجميل التي تسببت في ظهور البثور والالتهابات على الأجساد، والتوصيلات الكهربائية التي فجرت مبان وبيوت أولئك الذين استخدموها.


جودة الصناعة الصينية إلى السطح مرة أخرى



واليوم تأتي فضيحة وفاة أكثر من رضيعين صينيين ومرض 1253 رضيعا بل إصابة أكثر من 12 ألف طفل – بحسب إحدى الروايات - بأعراض تتراوح ما بين وجود حصى في الكلى وعسر البول والقيء، جراء تناولهم لحليب مجفف ملوث بمادة الميلامين من إنتاج شركات صينية (22 شركة منتجة للألبان أبرزها شركات منغيو وييلي وغوانغ مينغ) لتعيد موضوع جودة الصناعة الصينية إلى السطح ومعها مدى مسئولية الدولة في الضرب على يد المفسدين والباحثين عن الثراء السريع، بل مدى دورها الرقابي والإشرافي على القطاع الصناعي بمجمله. والمعروف أن الميلامين عنصر كيميائي يستخدم في صناعة المواد البلاستيكية واللاصقة، وهناك مادة تشتق منه ويشيع استخدامها في صناعة المبيدات الحشرية تحت اسم "سيرومازين"، غير أن الميلامين يحظر استخدامه في صناعة المواد الغذائية سواء تلك الموجهة لاستخدامات البشر أو الحيوان، لأنه بحسب الدكتور بيتر يو أستاذ علم الأحياء التطبيقي والتكنولوجيا الكيميائية في جامعة هونغ كونغ التقنية يسبب حصوات الكلى ومشاكل كلوية أخرى على المدى الطويل، لكن ممتهني الغش والاحتيال في القطاع الصناعي كثيرا ما يلجأون إلى استخدامه لإخفاء الحليب المخفف ولإعطاء انطباع للمستهلك بأن المنتج غني بالبروتين، وذلك على نحو ما تم في العام الماضي حينما استخدمت شركات صينية هذه المادة في صناعة أغذية للكلاب والقطط مخصصة للتصدير إلى السوق الأمريكية، فكانت النتيجة نفوق آلاف الكلاب في الولايات المتحدة جراء إصابتها بفشل كلوي حاد. وكذلك على نحو ما حدث في عام 2004 حينما توفي 13 رضيعا على الأقل في إقليم هيبي بشمال الصين بعد تناولهم لحليب مجفف مزيف من إنتاج شركة "سانلو غروب". الأمر الذي أثار المواطنين، فلم تجد السلطات حلا لتطييب خواطر الأمهات اللواتي رفعن أصواتهن بضرورة محاكمة وإعدام المتسببين في الفضيحة سوى إقالة أربعة مسئولين محليين بعد اتهامهم بالإهمال والتسيب.


إنجازات صناعية يشهد لها العدو قبل الصديق



وبطبيعة الحال، لا أحد هنا يجادل في ما بلغته هذه البلاد منذ قيام جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 1949 من تقدم صناعي وما حققته من إنجازات يشهد لها العدو قبل الصديق في تصنيع كل ما يمكن أن يخطر على بال المراقب، من الكماليات والأثاث إلى الملابس، ومن الأغذية والدواء إلى الأجهزة الكهربائية المنزلية والالكترونيات، ومن وسائط الاتصالات و وسائل المواصلات إلى الأسلحة وألعاب الأطفال، غير أن بكين مطالبة اليوم أن تحافظ على هذا الرصيد من الإنجازات، ليس عن طريق معاقبة بعض البيروقراطيين بالسجن أو الفصل الوظيفي أو الإعدام. فمثل هذه العقوبات جربت ولم تثمر عن نتائج فعالة. وإنما عن طريق إتاحة قدر اكبر من الشفافية والحريات التي إذا ما تم منحها للصينيين، لما تأخرت أخبار الفضائح والفساد في الوصول إلى المستويات القيادية العليا في الدولة أو في الحزب الشيوعي الحاكم في بكين، ولتجنبت بكين تقريع ولوم المنظمات الدولية مثل منظمتي الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) اللتين طالبتا الصين بإجراء تحقيق شامل و بتقديم بيانات كاملة عن الحدث المأساوي الأخير، خاصة في ظل ورود تقارير أفادت بأن التاريخ الدقيق للتسمم الناجم عن تلوث الحليب غير معروف، وربما يعود إلى أشهر خلت، الأمر الذي يحمل اتهاما ضمنيا لبكين بحجب معلومات خطيرة عن العالم على النحو الذي فعلته السلطات الصينية سابقا أثناء انتشار وباء الطيور.


خسائر مالية جمة للشركات الاستثمارية الموظفة للعاطلين



والحقيقة أن فضيحة الحليب المجفف لم تضرب فقط الصناعة الصينية في مقتل، ولم تشوه المنتج الصيني أكثر مما شوهته الفضائح المتتالية منذ عام 2004 ، ولم تحرم آلاف الأمهات الصينيات من فلذات أكبادهن في بلد يحدد النسل بقوة القانون، ويجعل أمر حمل المرأة لطفل ذكر حلما يراود الأسرة لسنوات. وإنما تسببت أيضا في خسائر مالية لشركات استثمارية كبرى من تلك التي تساهم في توظيف الآلاف من العاطلين مثل شركة "ستارباكس" الأمريكية التي قالت أنها أجبرت على إغلاق العديد من فروعها أو أجبرت على تقديم قهوتها المتميزة دون حليب بسبب إعلان الحكومة الصينية أن الحليب الذي تستخدمه الشركة هو من منتجات شركة " منغيو" – إحدى الشركات المتهمة بالجريمة. إلى ذلك تسببت الفضيحة في تبادل الاتهامات ما بين حكومتي بكين و ولينغتون، حيث قالت الأخيرة التي تملك – عبر مجموعة فونتيرا النيوزيلندية - نسبة 43 بالمئة من أسهم شركة " سانلو غروب" الصينية المتورطة في إنتاج الحليب السائل والمجفف واللبن الزبادي والمثلجات الملوثة، أنها هي التي تدخلت لسحب الحليب الملوث في تاريخ مبكر، لكن السلطات الصينية لم تكترث وتباطأت، بل وسعت للتغطية على الأمر على مدى أسابيع، مما ساعد في ارتفاع أعداد الضحايا.



فضيحة الحليب تسلب الصين بعض بريق إنجازها الاولمبي



الأمر الآخر الذي لا بد من الإشارة إليه، هو أن هذه الفضيحة تأتي مباشرة بعد ما حققه الصينيون من سمعة مذهلة وريادة في مجال الرياضة والتنظيم اللتين تجسدتا في ما قدموه من عروض وما حققوه من انتصارات خلال دورة 2008 الاولمبية، فبدا كما لو أن فضائح الجودة الصناعية تسلب البلاد وشعبها ما يحصدونه من بريق في المجالات الأخرى، لكن دون دعمنا لنظرية المؤامرة التي يحلو للبعض ترويجها في هذا السياق، ومفادها أن الغرب يقف وراء كل عملية تستهدف النيل من الصين. حيث ثبت من هذه الفضيحة وما شابهها طوال السنوات الماضية أن جشع بعض رجال المال والأعمال في الصين وتحايلهم على القانون والمعايير أو عدم التزامهم بالضوابط المهنية – إضافة إلى تهاون وفساد بعض المسئولين - هو السبب لا أكثر ولا أقل!


عمليات القرصنة الصناعية هي المسئولة!


وبكلام آخر يلعب ما يسمى بعمليات القرصنة الصناعية دورا محوريا هنا. وهذه العمليات ليست سوى قيام شركات متعددة الجنسيات باستئجار مؤسسات صناعية صينية من ملاكها لأجال محددة وبغية تصنيع سلعة ما كأن تكون مئة هاتف خليوي في اليوم مثلا. وهنا بدلا من تشغيل المصنع على ورديتين كل واحدة منها لمدة ثمان ساعات لإنتاج السلعة المرغوبة بالكمية المحددة، يلجأ المستأجرون إلى تشغيل المصنع وردية إضافية ثالثة لإنتاج المزيد من السلعة المذكورة وان كانت بمواصفات اقل جودة ومتانة، ثم يقومون بتصدير تلك الكمية الإضافية إلى الخارج من الأبواب الخلفية وعن طريق شراء ذمم بعض المسئولين في المنافذ البحرية والجوية.


الصين تساهم في تصنيع 65 بالمئة من الإنتاج العالمي للسجائر


ويقال أن أكثر المنتوجات الصينية المزيفة بهذه الطريقة هي السجائر التي تساهم الصين فيها بنسبة 65 بالمئة من إنتاجها العالمي، أو بعبارة أخرى تنتج 35 بليون سيجارة، تصدر منها إلى الخارج نحو 30 بليون سيجارة. فهذه السلعة، فضلا عن كونها مميتة أصلا ومسببة للسرطان وأمراض الرئة، فان الغش في عملية صنعها التي غالبا ما تحدث في مصانع منزلية بدائية وقذرة وبعيدة عن رقابة السلطات، يؤدي إلى مضاعفة خطورتها.


بعد السجائر المزيفة، تأتي قطع غيار المركبات المقلدة



وفي الدرجة الثانية، بعد السجائر المزيفة، تأتي قطع غيار السيارات المزيفة التي تستحوذ على نحو 70 بالمئة من عمليات القرصنة الصناعية على النحو الذي أوضحناه آنفا. وهذه القطع تشمل كل شيء في المركبة ابتداء من أجزاء الفرامل و مرشحات الزيت و سيور الموتور إلى مساحات الزجاج و المصابيح والتوصيلات الكهربائية. وتلقى مثل هذه السلع المقلدة رواجا كبيرا في العالم، ولاسيما عند من يستخدمون المركبات ذات المنشأ الياباني أو الكوري، بسبب رخص ثمنها مقارنة بمثيلاتها الأصليات.


تقليد الدواء وتصديره هما الأكثر إجراما



وإذا كان البعض يرى في عمليات القرصنة الصناعية الخاصة بالغذاء أو السجائر أو قطع غيار المركبات هي الأكثر إجراما وخطورة، فان هناك من يستهين بها في مقابل تلك العمليات الخاصة بصناعة الدواء والتي امتدت إليها أيضا أيادي التزييف والتقليد، بدليل تزايد حالات الوفيات في أوساط الفقراء في جمهوريات أمريكا الوسطى التي دأبت على استيراد أدوية السعال والحقن والمضادات الحيوية والفياغرا الرخيصة من الصين.


العوامل التي تحول دون قيام الدولة بدور حاسم لضبط الأمور



ويرى هؤلاء أن ما يمنع الدولة والحزب من التصدي الحازم لهذه الأطراف التي باتت تتلاعب بسمعة الصين الصناعية، أن الأخيرة بلغت من القوة والنفوذ والشأن ما يستحيل القضاء عليها بسهولة، ناهيك عن أن ضربها يعني ضرب الصناعة الصينية وبالتالي خسارة أسواق عالمية ببلايين الدولارات وخسارة ملايين الفرص الوظيفية، والتسبب في تدهور مستويات المعيشة لشريحة واسعة من المواطنين الذين تحسنت ظروفهم الاقتصادية منذ الانفتاح الذي دشنه الزعيم الراحل " دينغ هيسياو بينغ " في سبعينات القرن الماضي، والذي بدوره أرخ لحقبة جديدة ومختلفة عن الحقبة الماوية لجهة العزلة الدولية وكثرة الشعارات الفضفاضة وتبني المواقف المتشنجة وتطبيق الاشتراكية الفجة. وبعبارة أخرى، فان مئات الملايين من المواطنين ممن استفادوا بطريقة أو بأخرى من الانفتاح الاقتصادي، لن يرضوا أن تمس مكتسباتهم المعيشية تحت أي مسمى.



د. عبدالله المدني

*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين

تاريخ المادة : الأحد 28 سبتمبر/ أيلول 2008

البريد الالكتروني
: elmadani@batelco.com.bh


السبت، سبتمبر 27، 2008

عباس وبوش والوضع الفلسطيني الراهن

نقولا ناصر

يعجب المراقب لماذا لم يعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن خيبة الامل من خطاب نظيره الاميركي جورج دبليو. بوش امام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي عندما تكرم عليه بستة عشر كلمة (منها ثلاثة ضمائر تعود على اسماء من تلك الكلمات الست وستة احرف عطف وال تعريف) في خطاب من 2880 كلمة تقريبا ، اذ ان اشارة بوش نصا الى "شعب الاراضي الفلسطينية ، الذي يستحق دولة حرة مسالمة خاصة به" دون ان يردف ذلك باي اشارة الى "انهاء الاحتلال الاسرائيلي" ليس له الا تفسير واحد وهو ان ما كان يسعى اليه الشريك الاميركي المنتهية ولايته للرئيس عباس في عملية السلام لم يكن يزيد على مشروع "دولة داخل دولة الاحتلال" ، دولة ليست للشعب الفلسطيني بل فقط ل"شعب الاراضي الفلسطينية" التي عجز بوش ومن كتب خطابه له عن وصف الاراضي ب"المحتلة" ووصف الدولة ب"المستقلة" او "المتصلة جغرافيا" او "ذات السيادة" !

لقد كانت هذه الاشارة العابرة الواضحة في مراميها في خطاب بوش كافية لمحو الخط الرفيع الفاصل بين الوهم وبين الامل الذي ما زال الرئيس عباس يعقده على "رؤية" بوش لحل الدولتين لكي يواصل ارتهان القرار الوطني ل"وعد" بوش بتحقيق رؤيته ، وكانت ايضا اشارة كافية للاستنتاج بان ما استنكف بوش عن الزام بلاده به علنا امام المنتدى الدولي الارفع مستوى سيجرد اية وعود كان سيجددها بوش لعباس في اجتماعهما الخاص يوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري وراء الابواب المغلقة للبيت الابيض من اية مصداقية .

وبالتالي كان الاجدى للرئيس الفلسطيني لو انه الغى قمته مع نظيره الاميركي يوم الخميس الماضي وفجر خيبة امله المكبوته غضبا من فوق منصة الامم المتحدة ، ليعلن للمجتمع الدولي وقف اية مفاوضات لاحقة برعاية اميركية خارج اطار المنظمة الدولية وقراراتها ، وليكر عائدا الى ارض الوطن المحتل ليعلن لشعبه الفشل الذريع للرعاية الاميركية لعملية السلام ، وليفتح كل الابواب على مصاريعها امام الحوار الوطني ، ويسقط كل الشروط التي كان يمليها "الفيتو" الاميركي على هذا الحوار ، لينفتح الطريق ممهدا تماما امام الوحدة الوطنية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية واجراء مراجعة شاملة لاستراتيجية التفاوض ومسارها العقيم ، باعتبار السير في هذا الطريق سيقود حتما الى توحيد الشرعية الفلسطينية والتمهيد للتوافق الوطني على اجراء الانتخابات تحت الاحتلال ، طبعا اذا كان الاحتلال سيوافق على اجرائها في ظل أي مستجدات كهذه . غير ان كل هذه الاستحقاقات الوطنية ما هي الا "اضغاث احلام" تراود المعارضة الفلسطينية بالنسبة للرئاسة وفريقها المفاوض ، فالمتابع الفلسطيني لم ينس بعد تصريح الرئيس عباس لصحيفة هارتس في العاشر من الشهر الجاري بانه سيوقع اتفاق اوسلو اليوم لو لم يكن قد وقعه عام 1993 وبانه ما زال مستعدا للمخاطرة بحياته من اجل السلام ، فقد كان للتفاوض انجازاته !؟

اذ يوجد للشعب الفلسطيني في الوضع الراهن ممثل شرعي وحيد معترف به اميركيا واسرائيليا وله رئاسة وحكومة ووزراء وجيشا وشرطة واجهزة امن وبرلمانا واحزابا و"مجتمعا مدنيا" وعضوية في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وحركة عدم الانحياز وسفراء في اكثر من مائة وستين دولة وهو يمارس حياة ديموقراطية وانتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية هي مثار حسد كثير من الشعوب وبخاصة "الشقيقة" ولا تترك علاقاته الدولية الواسعة لرئيسه ورئيس وزرائه وقتا للراحة فهما اما على سفر دائم او ضحايا البروتوكل الممل المرهق لاستقبال الضيوف الاجانب حد الا يسمح جدول اعمالهما المزدحم الا بالقليل من الوقت للقاءات "الوطنية" بحيث اصبح حتى السفير الفلسطيني العائد الى ارض الوطن لهذا السبب او ذاك بحاجة الى "موعد" ينسقه مع كبار مساعديهما لاستقباله ، كما اشتكى احد السفراء لهذا الكاتب وهو "يترحم" على عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات .

ويتباهى المفاوض الفلسطيني بهذا الوضع الراهن باعتباره "انجازا تاريخيا" حقق بالتفاوض ما عجزت المقاومة عن تحقيقه ولا ينتقص من الصورة الوردية لهذا الوضع سوى كونه وضعا يمتلك كل مقومات "الدولة " الا اسمها وسوى كونه وضعا ما زال "تحت الاحتلال" ، وهذا هو المسوغ الذي يسوقه المفاوض لمواصلة التفاوض ، موحيا ان انهاء الاحتلال والوصول الى الدولة هما قاب قوسين او ادنى ، وان مفتاح النجاح لهذه العملية يكمن في استمرار "الاشتباك التفاوضي" من اجل "انتزاع" موافقة دولة الاحتلال على قيام هذه الدولة ، ولا ضير في ان يبقى المفاوض و"انجازاته" بحماية قوات الاحتلال حتى ذلك الحين !

لكن هذه الصورة الوردية التي يرسمها المفاوض تمزقها عناوين الحقائق القاسية للوضع الراهن على الارض التي ترسم صورة مناقضة تماما تفرغ تلك "الانجازات" من أي مضمون حقيقي وتحولها الى هياكل كرتونية او رسم على الورق لاحلام وطنية ، فعلى سبيل المثال قاد الاستعمار الاستيطاني اليهودي الى محو خط هدنة عام 1949 الفاصل بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وبين الضفة الغربية التي احتلتها عام 1967 ، وهو الحد الغربي الذي كان مفترضا للدولة الموعودة الذي انساق المفاوض مع اطلاق الاحتلال اسم "الخط الاخضر" عليه ، باعتباره ضوءا اخضر لعبور الاستيطان والمستوطنين ، وكان الاحرى بهذا المفاوض ان يسميه "الخط الاحمر" ويلتزم باعتباره خطا احمر فعلا يفصل بين التفاوض وبين عدم التفاوض .

ومثلما امحى "الخط الاخضر" ، فان "عملية انابوليس" تكاد تمحو الان الخط الرفيع الفاصل بين "التنسيق" وبين "التعاون" الامني والسياسي بين دولة الاحتلال وبين سلطة الحكم الذاتي لان المفاوض ما زال يلتزم بهذه العملية ويصر على ارتهان القضية الوطنية على الخط الرفيع الفاصل بين وهمها الذي انقشع وبين الامال التي ما زال المفاوض يعلقها عليها بالرغم من كل الادلة المبددة لهذه الامال وبالرغم من انهيارها تفاوضا ومرجعية وحتى رموزا قيادية .

واذا كانت مكابرة المفاوض تدفعه الى الاستهتار بحجج المعارضة الوطنية له فان مكابرته هذه قد بدات بالتاكيد تضعه في حرج كبير امام دفق لا ينقطع من الادلة على انهيار حل الدولتين بسبب فقدان الاسس المادية على الارض لاقامة الدويلة الموعودة وبسبب انهيار عملية انابوليس للتفاوض على اقامتها ، وهذا الحرج دفع المفاوض الى ركوب موجة الانتقادات له ولنهجه لكي يبدا في التبني المناور لبعض اطروحات المنتقدين مثل خيار الدولة الواحدة او ثنائية القومية والتهديد التكتيكي بها كخيارات استراتيجية بديلة لحل الدولتين ، لكن "العدو" قبل الصديق لا ياخذ مثل هذه التهديدات على محمل الجد اكثر مما ياخذ المواطن الفلسطيني نفسه وعود مفاوضيه له على محمل الجد بسبب فقدان هذا المفاوض لمصداقيته .

وقد تلقت هذه المصداقية مؤخرا سلسلة متلاحقة من الضربات في عمق الاسس الاقتصادية التي يبني المفاوض عليها لاقامة دولته المرجوة كمشروع اقتصادي سلمي يتم التفاوض عليه يدعمه المانحون ماليا وتدعمه سياسيا اللجنة الرباعية الدولية (الامم والولايات المتحدة والاتحادان الاوروبي والروسي) التي ارتضاها المفاوض بديلا للامم المتحدة وارتضى الاملاءات الاسرايلية -- التي تبنتها هذه اللجنة كشروط مسبقة للدعمين المالي والسياسي -- بديلا للقرارات الاممية .

فيوم الخميس الماضي اصدرت احدى وعشرون منظمة دولية غير حكومية معتمدة لدى الامم المتحدة تقريرا قال ان "الرباعية الدولية" قد فشلت في تحقيق اهدافها الفلسطينية وحذر من انه "ما لم يحدث تحسن سريع وجذري فانه سيكون من الضروري التساؤل عما سيكون عليه مستقبل رباعية الشرق الاوسط" -- وهي السند الذي يستقوي المفاوض الفلسطيني به – ليضيف التقرير ان الرباعية لم تحرز "أي تقدم" او حدث "تدهور فعلي" في خمس من عشرة اهداف اوصت بها اللجنة .
وفي الخامس عشر من الشهر اصدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) تقريرا خلص الى ان السلطة الفلسطينية اذا لم تمتلك ناصية السيادة الكاملة في صنع القرار الاقتصادي فان الاقتصاد الفلسطيني لن يتعافى او يعرف نموا مستداما ، حتى لو تم رفع سياسة الاغلاق والحواجز التي يفرضها الاحتلال على حرية حركة الناس والسلع وتم تفكيك جدار الضم والتوسع الذي يبنيه الاحتلال في الضفة الغربية وتم تكثيف الدعم المالي من المانحين وعملية الاصلاح المؤسسي في السلطة ، فكل ذلك "ليس كافيا في حد ذاته لوضع الاقتصاد في طريق التنمية المستدامة" . وقد جاء تقرير الاونكتاد قبل يومين من تقرير للبنك الدولي في السابع عشر من الشهر الى المانحين حذر من ان الفلسطينيين تحت الاحتلال يزدادون ارتهانا لكونهم عالة على المعونات الخارجية خلافا لخطة السنوات الثلاث التي تبناها المانحون في مؤتمر باريس وتعهدوا فيها بمليارات الدولارات لكي يقل اعتمادهم على المعونات الاجنبية .

*كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com

الجمعة، سبتمبر 26، 2008

ما أعظم الثورة..ما أصغر الدولة..وما أكثر الأوغاد؟

د. صلاح عودة الله
عندما كنت طفلا أحببت كثيرا الجلوس والاستماع الى "خراريف" جدي رحمه الله..كانت هذه" الخراريف"مشوقة جدا, ومع وصفي لها بهذا الوصف الا أنه بامكاني القول بأنها علمتني الكثير من الأمور ومن أهمها جزءا لا بأس به من تاريخ قضية شعبنا الفلسطيني كما رواه وعايشه جدي..أي أنه بعيدا كل البعد عن التزوير..كان جدي يحدثني دائما عن الوطن المسلوب والحنين اليه..عن الأرض فهي كالعرض لا يمكن التفريط به..كان يحدثني عن النكبة والتهجير واللاجئين..عن المجازروالمذابح التي ارتكبتها عصابات الصهاينة بحق ابناء شعبنا..وكان يحدثني كثيرا عن الثوار ومقاومتهم للاستعمار البريطاني والصهاينة بسلاحهم البدائي,وعن سلاحهم الأقوى من كل شيء..الارادة والوحدة والتصميم..أعمال بطولية كان يقوم بها الثوار, وكان هؤلاء يدعمون الثورة وبشتى الوسائل كل حسب طاقته ولا يبخلون..كان يقول لي كيف كانت جدتي تقوم ومع باقي النسوة بأخذ القوت للثوار ليلا وهم متمركزون في مخابئهم في الجبال..نعم انها اعمال بطولية لا مثيل لها..ومما كان يردده جدي من أقوال وبكثرة قوله"خايف يا ولدي انو ييجي اليوم واللي تشوفو فيه انتو واولادكم انو كل اللي عملناه يروح بشربة مي"..! اه يا جدي, كما كنت صادقا في "خراريفك" وتخوفاتك؟ فاليوم وبعدنا ما زلنا في مرحلة الثورة والتحرر ولكن الفرق شاسع جدا,فبدلا من أن نقوم بالتضحية من أجل القضية التي ضحيتم واستشهدتم من أجلها..في أيامنا هذه الكل يحاول ان يأخذ ويسرق وينهب بدلا من أن يعطي..انهم اناس قاموا بوضع وتنصيب انفسهم قادة على هذا الشعب المسكين, فوضعوا مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة فوق كل اعتبار..لقد اصبحت المصالح الوطنية العليا أمرا ثانويا بل أمرا لا قيمة له..! لقد كان جدي اميا لا يعرف القراءة والكتابة, لكنه كغيره وهم كثر كانوا ثوارا بكل ما في الكلمة من معنى, والسؤال الذي يطرح نفسه,هل كان جدي يتقن فن قراءة الفنجان؟ وهل كان جدي يعلم بما سيقوله القائد الأممي تشي جيفارا"الثورة يصنعها الشرفاء ويستغلها الأوغاد"؟ وهل كان يعي ما سيقوله الشهيد كمال ناصر"سيأتي عليكم يوم تصبح فيه الخيانة مجرد وجهة نظر"؟ أو ما قاله اخر"سيأتي عليكم يوم تصبح فيه مقاومة العدو ارهابا,والعملاء مجرد نشيطين في حقوق الانسان"؟. فعلا,ما اصغر الدولة وما اعظم الثورة وما أكثر الأوغاد والمستغلين..الثورة تتدحرج واحيانا تتعثر ولا تواصل تقدمها، المطبات والمنعطفات، والحواجز تستوقفها فتتراجع، من هنا فان مواصلة دفعها الى امام هو فن وصناعة ثورية شعبية، لا خامات لها غير جسد يتماهى مع روحه الواثقة من طريقها، ويوميات البحث كفيلة بالصهر والتعدين، والصقل والاستقطاب والترويج..الثورة صراع ارادات وكلما كانت ارادة الثوار متلاصقة بحلمها كلما كان النصر حليفها، وارادة العدوتتآكل كلما صقلت ارادة الثوار باحتكاكات صادقة ومخلصة مع الاهالي. وكم كان جيفارا صادقا عندما قال مقولته الشهيرة: "الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن..لا يهمني متى واين سأموت لكن يهمني ان يبقى الثوارمنتصبين ويصدحون في الارض ضجيجا كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق اجساد البائسين والفقراء والمظلومين". لقد ختمت النبوة السماوية لكن النبوة الثورية لا تختم، فجنتها ونارها على الارض, وحادي عيسها الهاما ورمزا لا يأفل ابدا, قيامتها ثوار فلسطين الحقيقيون وحشرها حشرهم وميزانها ميزانهم..هكذا كانت الثورة وهكذا هي اليوم ورحم الله"أيام زمان" وجدي وجميع ثوار فلسطين..!
----**منذ نعومة اظفاري اعرف انني انتمي وبفخر لشعب اسمه شعب فلسطين..فلسطين,هذا"الوطن" الذي يمتد من النهر الى البحر..هذا ما علمني اياه جدي ووالدي رحمهما الله..ومن بعد, هذا ما رسمته واقتنعت به ولم ولا ولن ارضى عن غير ذلك..لكن التاريخ المزور والذي كتبه المزورون والذين لا تاريخ لهم كان لهم رأيا اخرا..فمن فلسطين التاريخية حاولوا وما زالوا أن يقنعونا بأن حدود الوطن قابلة للتغير تبعا للظروف والتطورات الحضارية وكأننا نتحدث عن علم "الحاسوب". عندما كنا نقول فلسطين,فلن المخيلة كانت تتفتق صورا وخيالات..ومن اسهلها وابسطها أن للفلسطينيين الأرض والشمس والقدس والساحات والبيوت العتيقة..وعلى أرضها الطاهرة يوجد ذاك الصبي الربيعي القابض على حجره الذي هو سلاحه البسيط الوحيد والذي يقوم برميه على الجندي المدجج بالسلاح الفتاك والكراهية والحقد وأوامر تكسيرالعظام والتدميروالقتل..وخارجها نرى ابنة التسعين ونيف العاضة بما تبقى لها من أسنان(ان تبقى..) على مفتاح العودة, وعلى جسدها الثوب الشعبي الذي ,وان صار كالخرقة البالية, لكن الوانه لا تنمحي ابد الدهر. الان اذا قيل فلسطين, قيل ماذا تقصدون..؟فلسطين الواقعة على حدود الأردن"الضفة الغربية لنهر الأردن", أم فلسطين المجاورة لمصر"قطاع غزة"..؟ اذا قيل فلسطين, قيل نعرفها تمام المعرفة..هي فلسطين التي يقوم ابنها بالاعتداء على نفسه, ويقوم باشهار سلاحه بوجه نفسه, ولم يقم بالاكتفاء بالحكم الصادرعليه بالاعدام مع التنفيذ أنى شاء سلاح الاخرعلى الطرف الاخر,واثر أن يشارك الاخر في حصته من الدم الفلسطيني التي لم يأخذها كلها بعد ولم يقم بالرحيل..بل يطلب المزيد..! في يوم الخميس السادس عشر من ايلول عام 1982 ارتكبت ميليشيات الكتائب اللبنانية العميلة وبتغطية صهيونية"شارونية" مجزرة بحق مخيمي صبرا وشاتيلا..مجزرة استشهد فيها الالاف من الفلسطينيين..انه يوم الخميس الأسود..كما هو "أيلول" الأسود, وكثيرة هي الأيام السوداء في تاريخ شعبنا الفلسطيني..والى هؤلاء الشهداء أقول,في هذا اليوم انقضت عليكم عصابات المجرمين وقامت بتسخير كل ما لديها من ادوات للقمع والقتل والتنكيل,وكأنكم لستم بشرا على الاطلاق ولا حق لكم بالحياة على الأرض بعد أن كانت لكم أرض تستحقون انتم وحدكم ولا أحد غيركم الحياة عليها..والنتيجة أنها جعلتكم صرعى كأعجاز نخل خاوية لا فائدة منها..وعليكم أن تحمدوا الله وتشكروه على نعمته هذه, لأنكم غادرتم هذه الحياة قبل أن تقوموا بمشاهدة ومعرفة ما حصل لوطنكم..وطنكم الجريح أصلا, فلسطين..هذا الوطن جريح هذه المرة والفاعل هو أبناؤه..حتى عبارة "وتصبحون على وطن", فقد اخوتكم بل أفقدوها معناها..فالوطن أصبح الان دويلتان أو امارتان لا حول ولا قوة لهن بجواردولة كبرى عاتية وقوية قامت على وطن لكم..كان أسمه"فلسطين"..!. هل ما زلتم تتذكرون يا شهداء صبرا وشاتيلا كيف كانت الوجهة الحقيقية للسلاح الفلسطيني؟هل ما زلتم تسمعون عن بنادق غسان كنفاني والتي لها اتجاه واحد وهو صدر العدو؟ وهل ما زال صدى الشعارالمشهور"المخذول" مسموعاً بين قبوركم: "حرمة الدم الفلسطيني"..؟ في أيامنا هذه كل الأمور اخنلفت واختلط الحابل بالنابل..في أيامنا هذه يجوزكل شيء ولا شيء محرم سوى الدفاع عن الوطن..يجوزللفلسطيني ، الذي له سلطة"بفتح السين واللام" وليست له دولة، أن يقيم دويلتين تبغي إحداهما على الأخرى ولا تفيء إحداهما إلى المصلحة الوطنية الأسمى ، ولا تريدان أن تجنحا للسلم وتغليب مقام الوطن على أرجل الكراسي..وبعد كل ما ذكرت وهذا جزء بسيط من واقعنا المأساوي, هل ما زلتم مصرين على العودة الى الحياة؟. في أيامنا هذه كل شيء تغير وبقدرة قادر..الان كل شيء غير الذي كان..فلنا علمان, الأول علم يتغير وأحرفه تتبعثر,فلا يجرؤون على قول"فلسطين".. فلسطين الان هي عبارة عن"دويلة الضفة الملونة", و"امارة غزة الخضراء".. نعم..فلسطين الآن دويلتان وحكومتان ولكن بلا وطن ، وصلاتان واحدة فرض ورثها البعض عن الأنبياء، والأخرى خارجة على القانون..فلسطين الآن عَلَمان ودستوران..هي حركة باتجاه الموت والانتحار وليس صوب الولادة والانبعاث..فلسطين الآن أهداف تشرى بأل"فلس"، وأخرى دُفِنت في ال"طين"..هذه هي فلسطين اليوم يا شهداء صبرا وشاتيلا..فناموا قريري العيون ولا تفكروا أبدا بالعودة الينا..لأنه لم يبق على هذه الأرض ما يستحق الحياة..مع معذرتي لشاعرنا العظيم الراحل محمود درويش..واعلموا أيضا حتى وان كنتم ما تزالوا مصرين على العودة فلا يوجد لكم حق بذلك, لأننا تنازلنا عن حق كان اسمه يوما ما"حق العودة" واللاجئين, وذلك لنقوم بارضاء أسيادنا الذين وعدونا بكيان مستقل..فكيف لا نكافئهم على ذلك الوعد؟ ***ان ما دعاني لكتابة ما كتبت هو انه قبل بضعة أيام دار حديث بيني وبين سائق سيارة أجرة فلسطيني مقدسي لا أعرفه, ومن بين ما تناوله حديثنا موضوع حق العودة..وكان رده هو التالي:"الفلسطينيون مساكين ما زالوا يحلمون بهذا الحق..لقد باعوا ما باعوا لليهود وما يزالون على نفس الدرب سائرين..زعماء السلطة تنازلوا عن هذا الحق,ويأتيك شخص يحمل ويحتفظ بمفتاح"أطول منه ومصدي" ويقول لك بأنه مفتاح بيته في بلدته الذي اغتصبها اليهود..واذا قمت بالبحث عن هذه البلدة لن تجد لها موقعا أو أثرا, فقد قاموا بمسحها عن الوجود..قال حق عودة قال..اتركونا بحالنا وخلينا نعيش"..! وصلت الى المكان الذي أردت وبعد أن دفعت الأجرة غادرته ولسان حالي يقول:ان هذا الانسان البسيط لا يمكنه التفكير بهذه الطريقة الا اذا كان فعلا يرى ويتابع ما يجري من نقاشات ومداولات حول هذا الحق وخاصة في الفترة الأخيرة..وبالرغم من كل ذلك اتمنى أنها حالة عرضية ولا يتصف بها الا ما ندر من أبناء شعبنا..حتى لا ينطبق علينا قول من قال:اذا كان رب البيت بالدف ضاربا**فشيمة أهل البيت كلهم الرقص..! وفي نهاية حديثي أقول:ان مجزرة صبرا وشاتيلا وغيرها الكثير من المجازرالتي ارتكبت بحق أبناء شعبنا ستبقى نقطة سوداء في سجلات العدالة وشاهداً يصرخ في وجه القتلة ، يشير إليهم والى كل هذا الخزي والعار الذي لحق بالضمير العالمي وان على مذبح مصالح الأمم تنحر حقوقنا وتهدر يومياً ، وتؤكد أن شعب هذه الامة لن يركع ولن يستسلم لمخططاتهم ، لن يسمح للخونة وتجار الدم بالعبث بمصيره ومهما فعلوا لازالة الشرفاء والاحرار سيبقى منا الكثير الكثير يحمل مسؤولية التصدي ومتابعة الصراع..!
-القدس المحتلة

الأسرى الفلسطينيون ما بين قمع ادارت السجون وصفقة شاليط

راسم عبيدات

......من بعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة،بدأت اسرائيل بانتهاج سياسة جديدة تجاه أسرى القطاع،والعديد من أسرى الضفة الغربية،تقوم على حرمانهم من الزيارات العائلية لفترات طويلة،تحت حجج وذرائع الخطورة الأمنية للأسرى المنوي زيارتهم،وعدم منح التصاريخ للأهل الزائرين تحت نفس الحجج والذرائع،وهذه السياسة توسعت بشكل واسع وكبير،بعد أسر المقاومة الفلسطينية للجندي الاسرائيلي "جلعاد شاليط"،وبدأت اسرائيل تفكر وتبتكر طريقة جديدة،تلغي من خلالها زيارات الأهالي لأبنائهم الأسرى،طريقة تلغي كل العواطف والمشاعر الانسانية،وتمنع الأهالي من الاطلاع الحقيقي على الظروف المأساوية التي يعيشها أبناءهم في سجونها ومعتقلاتها،وهذه الطريقة هي نظام "الفيديو كونفرنس" والذي تتحكم به ادارة السجن من ألفه الى يائه،وهذه الخطوة جداً جطيرة ومخالفة صريحة لنص المادة 116 من ميثاق جنيف والتي تنص على أن تنظم سلطات الاحتلال لأهالي الأسرى زيارات منتظمة لأبنائهم الأسرى في سجونها،وهذه الخطوة هي حلقة في مسلسل متواصل من الاجراءات القمعية،لإنقضاض ادارات سجون الاحتلال على منجزات ومكتسبات الحركة الأسيرة الفلسطينية،مستفيدة من حالة الضعف والانقسام الفلسطيني،وقد حاولت قبل هذه الخطوة الخطيرة،أن تفرض على الأسرى الفلسطينيون لبس الزي البرتقالي الخاص بالأسرى الجنائيين،والذي رفض الأسرى التعاطي معه وخاضوا معارك نضالية ضد هذه الخطوة،واليوم تحاول ادارات السجون،حرمان الأسرى وأهاليهم من أبسط حقوقهم في التواصل والتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم،أي قتل الانسانية فيهم،وهذا يتطلب ليس فقط تصدي حازم من الأسرى لهذه الخطوة،بل يجب العمل على فضح وتعرية هذه الخطوة الاسرائيلية اعلامياُ ودولياً ودعوة الصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان الى تحمل مسؤولياتها ازاء هذه الخطوة الاسرائيلية المنافية والمخالفة لكل الأهداف والمواثيق الدولية.

ان هذه الممارسات والاجراءات القمعية الاسرائيلية المتواصلة بحق الأسرى الفلسطينيين،تتطلب منا ليس العمل على فضح وتعرية والتصدي ومقاومة مثل هذه الممارسات والاجراءات الاسرائيلية القمعية فقط،بل يجب العمل على تأمين شروط الإفراج عن أسرانا في السجون والمعتقلات الاسرائيلية،والذين دخل العديد منهم كتاب"دينيس"للإرقام القياسية،واليوم هناك ورقة جداً مهمة في يد المقاومة الفلسطينية،والتي قد تشكل الفرصة الأخيرة لمثل هؤلاء الأسرى في التحرر من الأسر،انها ورقة الجندي الاسرائيلي المأسور"جلعاد شاليط"،حيث رشحت أنباء على أن القيادة المصرية الوسيط المباشر في الصفقة بين اسرائيل وحماس،تسعى بالتعاون مع أطراف عربية أخرى،الى عقد صفقة اقليمية شاملة حول قطاع غزة المحاصر،تشتمل على رفع الحصار وفتح المعابر وانهاء حالة الانقسام الفلسطيني،عبر انهاء سيطرة حماس على القطاع وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية،وأيضاً تمديد التهدئة القائمة بين اسرائيل وحماس،واجراء صفقة التبادل ما بين حماس واسرائيل.

وهذه الأنباء تزامنت عن موافقة الحكومة الاسرائيلية على تخفيف أو تغيرالمعايير الخاصة بالأسرى الفلسطينيين المنوي اطلاق سراحهم بالصفقة،والانباء تتحدث عن قائمة من 450 أسير فلسطيني،ستقدم لرئيس الوزراء الاسرائيلي"يهود أولمرت" للمصادقة عليها ،ومن ثم رفعها للجانب المصري،لكي يسلمها الى حركة حماس،وهي تشتمل على نصف عدد الأسرى في القائمة التي قدمتها حماس،واذا كانت هذه المماطلة والتسويف من قبل اسرائيل تعكس عدم الجدية في انهاء ملف الجندي الاسرائيلي المأسور،فالتراجع لصالح القائمة التي قدمتها حماس،يشير الى خطوة الى الأمام،ولكن هذا الصلف والعنجهية الاسرائيليتين،تشيران الى نوايا اسرائيل،في جعل ملف الأسرى الفلسطينيين،جزء من عملية الابتزاز السياسي،في العملية التفاوضية،أي تطلق اسرائيل سراح الأسرى مقابل تقديم الطرف الفلسطيني،لتنازلات سياسية في قضايا جوهرية أخرى.

والمطلب الفلسطيني المتواضع باطلاق سراح ألف أسير فلسطيني،من أحد عشر ألف أسر،أكثر من ثلاثمائة منهم قضوا خمسة عشرعاماً فما فوق،ليس بالتعجيزي أو اللامعقول،وتحديداً أن أغلب من تطالب حماس باطلاق سراحهم،ليس لهم أمل بالخروج من المعتقلات الاسرائيلية،وفق ما يسمى ببوادر حسن النية الاسرائيلية،او صفقات الافراج آحادية الجانب،والتي يتحكم الطرف الاسرائيلي في كل تفاصيلها من أسماء وأعداد ومدة حكم..الخ،وهنا لابد من التأكيد والتشديد،على ضرورة كسر المعايير والشروط الاسرائيلية المتعلقة بالأسرى المفرج عنهم،ليس من زاوية ما تسمية اسرائيل الأسرى"الملطخة أيديهم بالدماء"فقط،بل من زاوية أسرى الداخل(عرب 1948 ) والقدس،والذين ترفض اسرائيل الاعتراف بفلسطينيتهم وحق الطرف الفلسطيني التحدث باسمهم.

وشعبنا الفلسطيني المحاصر في القطاع، والذي دفع ثمناً باهظاً،منذ أسر الجندي الاسرائيلي،شهداء وجرحى وأسرى وجوع وحصار ودمار وتخريب،قادر على الصمود والدفاع عن حقوقه وثوابته،ومن هنا فإنه لا منا ص أمام المقاومة الفلسطينية،وآسري الجندي الاسرائيلي سوى الثبات والتمسك بشروطهم،بالنسبة للأسرى المطلوب اطلاق سراحهم في الصفقة،ومهما تأخر اتمام الصفقة،فليس أما آسري الجندي وفصائل المقاومة وشعبنا،سوى الثابت والتمسك بشروطهم،وان لاتذهب تضحيات ومعانيات شعبنا هباءً،فالكثير من أسرى شعبنا وبالتحديد القدماء منهم( قبل مرحلة أوسلو)،سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ،الى شهداء فعليين،وهم يبنون ويعلقون آمالهم على نيل الحرية بعزة وكرامة،وبما يصون نضالاتهم وتضحياتهم من خلال هذه الصفقة،بعد أن انتظروا كثيراً وطال انتظارهم،وتبددت آمالهم وطموحاتهم قي التحرر من الأسر،في صفقات التبادل السابقة،ليس لعدم جدية أو صدقية سماحة الشيخ حسن نصر الله،بل لو لكون الجنود الاسرائيليين الأسرى في تشرين أول/2000 وتموز/2006 ،لم يكونوا على قيد الحياة .

واليوم واسرائيل تمعن في اذلال واهانة أبناءنا الأسرى،وتمارس بحقهم شتى صنوف العذاب،لا بد من خوض نضال جاد وحقيقي،على كل الصعد والمستويات،لتأمين اطلاق سراحهم من سجون ومعتقلات العدو الاسرائيلي،ويأتي في مقدمة ذلك صفقة الجندي المأسور"شاليط"،والتي يشكل الاصرار على التمسك بشروطها وبأسماء وأعداد الأسرى المطلوب اطلاق سراحهم،اعادة لهيبة الحركة الأسيرة وثقتها بقياداتها وفصائلها المقاومة،وانتصاراً لهذا النهج والخيار.

الخميس، سبتمبر 25، 2008

ما العمل ... مجلي وهبة لا يريد ان يكون زينة في الأحزاب اليهودية ؟

نبيل عودة

على أثر نشري لمقالي : " عرب طيبون … حتى متى ؟! " قبل اسبوع ، علمت ان الصحفي اليهودي جدعون ليفي ، من صحيفة هآرتس ، قد نشر بنفس اليوم مقالا تناول فيه نفس الموضوع ، وهوالأعضاء العرب في الأحزاب اليهودية – الصهيونية ، ووجه نقده اللاذع لهذه الظاهرة ، وكتب : "العربي الجيد لا يستطيع أن يؤيد هذه الأحزاب المسؤولة مباشرة عن ظلم واحتلال وقتل أبناء شعبه. ولكن عندما يتضح أن الضائقة تتسبب بالعار: رشوة الانتخابات بدلاً من خوض الكفاح، والعمالة بدلاً من الكرامة الوطنية. من الممكن أن يؤمنوا بالسلام وبالتعايش من دون انبطاح انتهازي، ومن الممكن دفع شؤون وسطهم من دون ممارسة الإفساد، ومن الممكن حتى السعي للمساواة في الحقوق من دون الظهور في الصور أمام الإعلان بصورة مثيرة للسخرية إلى جانب شاؤول موفاز وآفي دختر".

وانهى مقاله بجملة هامة وخطيرة : " كان من الصعب إطلاق الأحكام على جيل الآباء ولكن على «جيل الدولة من العرب أن يتخلص من هذه الأنماط الفاسدة. يكفي هؤلاء العرب الأليفين أن يصغوا للطريقة التي يتحدث فيها أسيادهم عنهم بصورة ساخرة وكيف يتحدث عنهم النشطاء اليهود الذين اشتروا أصواتهم بثمن رخيص في مبيعات نهاية الموسم، نهاية موسم الكرامة الوطنية" .

جدعون ليفي صحفي معروف بمواقفه الدمقراطية والمناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني داخل اسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وهو صوت جريء في ادانة القمع الاحتلالي ، وانفلات وجرائم سوائب المستوطنين اليهود .

في مقالي عالجت الموضوع من زاويتي العربية الفلسطينية ، وجهت انتقادا مشابها حول الانضمام لأحزاب تشارك بقمع شعبنا والتنكر لحقوقة القومية ، هنا داخل اسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورايت ان جحافل المواطنين العرب الأعضاء في الأحزاب اليهودية ، يكررون مأساة 1948 ، حين اندمجوا في خدمة المشاريع الصهيونية ضد شعبهم ، بل ونجندوا للقتال ضد شعبهم ، وليعذرني القراء لعدم قدرتي على كشف التفاصيل ، وأوجههم الى الكتاب المذهل في الحقائق المؤلمة التي يكشفها من أرشيف الحركة الصهيونية والهاجانا اليهودية ووثائق الحكم العسكري وأذرع المخابرات وقرارات الحكومة ـــ كتاب " عرب طيبون " للباحث هيلل كوهن ، الذي استوحيت منه عنوان مقالي، في اشارة واضحة الى ما كان عام 1948 ، وكأن الحال لم تتغير ... بل تسوء ويزداد التسابق لتكرار ما فعله السابقون .

عضو الكنيست من حزب كديما ، ونائب وزير الخارجية رد بمقال يحمل عنوان : " لسنا عربا للزينة !" يقول فيه : " كان غدعون ليفي يفضل أن يرى الجمهور العربي والدرزي في دولة إسرائيل يتنازل عن حقوقه باسم "النضال القومي" الذي يثمنه كثيرًا. كان يريدنا جميعا أن نرفع أيدينا في النضال من أجل المساواة ونعتكف في "جيتو" الأحزاب العربية وأن نركز على توزيع المواعظ. "

ويضيف : " ما أسهل مهمة غدعون ليفي كيهودي يعيش في دولة إسرائيل أن يتخذ هذا الموقف المتفاضل والذي يقضي بأنه يتوجب على غير اليهود الذين يعيشون هنا أن يتواجدوا في صدارة النضال العربي الوطني. ولا عجب أن يقول ذلك لأنه يعيش في تل أبيب ويحصل على كامل حقوقه بينما يجب علينا نحن في الوقت ذاته أن نناضل من أجل الحصول على ما نستحقه، دون منة من أحد. "

السيد مجلي وهبه ، نائب وزير خارجية اسرائيل يطرح أفكارا هجينة حول النضال والحقوق ، ومجرد تقسيمنا الى عرب ودروز ، ينفي عن ابناء طائفته صفة العروبة عنهم ، فلماذا هو قلق اذن من مقال جدعون ليفي عن " عرب البلاط " - أي العرب الذين باعوا أنفسهم ؟

وهل النضال العربي الوطني يعتبر خيانة لحقوقنا في دولة اسرائيل ، في مفاهيم نائب وزير خارجية اسرائيل ؟ وهل كان نضالنا ضد احتلال وطننا من الحركة الصهيونية في عام 1948 هو أيضا خيانة وطنية لفلسطين ؟!

ما يطرحة جدعون ليفي الذي يسكن تل ابيب بالغ الخطر عليه من العصابات الصهيونية الارهابية . اليوم فقط ( 08 – 10 – 25 ) حاولوا اغتيال البروفسور التقدمي اليساري اليهودي زئيف شطرانهيل ، حيث وضعوا حزاما ناسفا مربوطا بباب بيته ، وسبب له اصابات مختلفة، نقل على أثرها للمستشفى ، واعلن الارهابيون اليهود عن جائزة مالية لكل من يقتل يساري يهودي . وذنب شطرانهيل انتقاد سياسة الحكومة المتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني وتصرفات سوائب المستوطنين في الضفة الغربية ودعوته لقلع المستوطنات والانسحاب من الآراضي الفلسطينية .

اذن جدعون ليفي يا ممثل الخارجية الاسرائيلية يحمل دمه على كفه في مواقفه الشجاعة ضد المستوطنين ومن أجل جماهير عربية تحافظ على كرامتها وتناضل قوميا من أجل حقوقها وحقوق شعبها الفلسطيني مع شرفاء يهود أمثال جدعون ليفي وزئيف شطرانهيل والاف غيرهم من أعضاء " سلام الآن " وحركات يسارية يهودية أخرى.

السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا ماذا أنجز "عرب البلاط "، بما قيهم نائب وزير الخارجية لحقوق شعبنا هنا في الداخل ، وهناك حيث يعاني من الاحتلال ومن سوائب المستوطنين؟

هل وجودكم في " أحزابكم " اليهودية ، تجاوز ذبح الخراف ونصب موائد الطعام والرقص والدبكة لحضرة الوزير ، والتحول الى مقاولي أصوات من أجل نصرته في المنافسات الحزبية التي لا تخصنا ، لأن القادم أخو الرايح ؟!

هل تجاوزتم حقا كونكم زينة عربية ؟! استبدلنا القمباز والعقال ، بالبدلة وربطة العنق ، فهل تغير شيء في تفكيرنا وتصرفاتنا عما جاء في كتاب " عرب طيبون " ؟ هل استعدنا وعينا أم ازددنا جهالة وضياعا؟ حتى تسميتنا بأسمنا كشعب تمزقت بفضلكم .. لم نعد شعبا فلسطينيا ، أقلية قومية عربية فلسطينية ، بل صرنا مسلمين ومسيحيين وبدو ودروز ،وأنت تكرر سيدي نائب وزير الخارجية نفس الموقف المستهجن والمرفوض وطنيا !! هل ترى تعتمد على واقعنا القومي السيء؟

أسمعني على لسانك ولو تصريحا واحدا تؤكد فيه حق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة ، (وحتى أسهل عليك المهمة )باضافة : "الى جانب دولة اسرائيل وليس مكانها ؟!"

أسمعني موقفا حول الحقوق المتساوية للأقلية العربية في اسرائيل .. أو" للعرب والدروز" كما تحب أن تقول متماثلا مع سياسة تقسيمنا والتنكر لهويتنا القومية!!

انت كابن للطائفة المعروفية ، هل استطعت ان تحقق حتى لطائفتك فقط ، مساواة نسبية افضل من واقع التمييز الذي يعاني منه كل العرب في اسرائيل وبضمنهم أبناء طائفتك ؟!

هل أنجزت في وجودك داخل الحزب الحاكم اليوم وسابقا ، وبوازة هامة ، مساواة لأبناء طائفتك ، الا في المقابر العسكرية ؟

لو كنت مكانك لما تسرعت بالرد على جدعون ليفي .. لطمرت رأسي بالرمل حتى لا أرى ولا أسمع . ربما تعبير "عرب البلاط " مثير للغضب ، وهل تعبير " عرب طيبون " أكثر ملاءمة ؟ ، جدعون ليفي اختار أبسط التعابير وأقلها استفزازا ... حقا ، حتى متى سنظل "عرب طيبون " ، أو الأصح هل أبقى لنا "العرب الطيبون" من عملاء الحركة الصهيونية والمقاتلين ضد شعبهم الى جانبها في العام 1948 ، غير الخجل من أنفسنا ؟!

يؤسفني انك كنت صادقا في مسألة واحدة ، خطأ الاعتكاف في " جيتو " الأحزاب العربية ، حسب تعبيرك . لعلهم قرأوا ما كتبت ، ولعلهم صاروا يفهمون المقروء . أصارحك أن أحزابنا العربية تعيش حقا في جيتو مذل للفكر ومذل للنضال الوطني . يكفيها ذلا انها لم تحرك ساكنا خلال عشرات السنين في مواجهة ظاهرة تدفق العرب لتزيين الأحزاب اليهودية والتحول الى مقاولي أصوات وذابحي خراف للأسياد كلما هلت طلعتهم الانتخابية في قرانا وبلداتنا العربية.

لا سيدي نائب الوزير .. لست متفائلا على مستقبلنا في وطننا ، لا من وجودكم في احزاب السلطة ، ولا من نضال أحزابنا "الهام جدا جدا " للوصول الى البرلمان !!

حان الوقت لتحرك جديد .. تحرك مجموعات لم تفقد بوصلتها ، نحو انقاذ مجتمعنا المدني من ذل الانضمام لأحزاب الأسياد اليهود المتنكرين لحقوقنا ، ومن أحزابنا المتصارعة كالديوك على نفس الشعارات ونفس الدجل السياسي ، ونفس الأطماع ، ونفس الضياع !!

حان الوقت لتفكير سياسي جديد ، يعيد صياغة خطابنا السياسي ، ويطرح التعاون الواسع مع القوي اليهودية الدمقراطية ، أمثال ليفي وشطرانهيل والسلام الآن والشبيبة العربية اليهودية العاملة والمتعلمة ، وتنظيمات شبابية يهودية يسارية مختلفة ، ومنتشرة في العديد من المدن اليهودية ، تريد الحياة والتقدم وترفض الموت والاستعلاء القومي وقمع الشعوب واحتلال اراضيها . وكان لي نصيب لقاء العديد من هذه المجموعات في الندوات التي دعيت اليها في الأشهر الماضية ، ان خطاب صحيح قادر على توسيع مساحة التعاون والدعم المتبادل وصعود حركة سياسية بتفكير سياسي جديد !!

لا أرى طريقا أخرى!!

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي - الناصرة

افكاري هذه وان سعت لقتلي

علي السيد جعفر

بدءا" من مناهج تعليم بالية لا تقوى على تحفيز ذهنية المتلقي والرقي به بعد ان زخرت بمنة لنا على غيرنا من الأمم واقران كل ما أصابها من رقي حضاري لأيادي ( أثيمة غازية) لأرث حضاري شهده عصر ( ذهبي) لنا ، أفقد أنا على الأقل وعبر سبر كل سبل تأريخنا الموحشة دلالاته المكانية والزمانية ان وجد فعلا".
الناس في عالمنا لاتجيد غير حديث الجنة والنار وماسواه من علوم (هرطقة ومس شيطان رجيم ولهو عن ذكر الله)، بعد ان اشاعت مؤسسة دينية متنفذة وعبر تحالف مشبوه مع سلطات جائرة تحول هي الأخرى دون اي تغيير او اصلاح، عناوين ايمان موهمة لعقل بشري مستكين اصلا" عن ادراك الحقيقة مثل ( نوم المؤمن عبادة ) فوق نومنا العميق الذي نحن عليه الآن والمتجذر فينا منذ مئات السنين، (والموت في سبيل الله ) دون الحياة في سبيله جل وعلا والسعي نحو حياة أفضل تحفظ لنا كرامتنا بعد ان قرن كل فعل لنا بما يعيب بني البشر.
وكأي دين سماوي أو معتقد ارضي يشيع مفاهيم العدل والمساواة والتسامح الديني والتعايش السلمي والشعور بالمواطنة ، باتت الكراهية ونبذ الآخر عنوانا" لنا صنفت مواطنينا وفق سلم الايمان والكفر جعلت من ابناء الوطن مؤمنين وزنادقة وملحدين وخارجين عن الدين يحق( للناطقين بأسم الله ) سل سيوف (حقهم) والحاقهم بسعير.
أمة الكسل هذه ورغم عجزها عن خلق اي مفردة حياتية تعين بها مجتمعاتها، وتقتات على منة الله عليها وما اكتنز لها في باطن ارضها من خيرات اكشفها لها غرب ( كافر) وتجهل هي بوجودها اصلا" تشعر بسموَ قيمها وايمانها وانحطاط مثيلاتها من الأمم ، وان كانت قيم الآخر محفزة له على الابداع، بعد ان نفض عنه جلباب مقدس يخشى المس به عندنا، فقد غابت عنا لغة حوار سليمة امام وصاية البعض عن الله والدين معا" تصادر معها حريات الاختيار والتعددية ويجد كل مخالف نفسه عرضة للقتل والتشريد والتفريق عن الزوجة.
أبناء بلادي لايفقهون من الفساد غير جسد المرأة فسرقة المال العام والكذب والخيانة والنفاق والدجل كلها تهون مادام جسد تلك التي ( كلها عورة ) ملتحف سواداته.
للناس في بلادي وعلى سعة الجهل الذي هم فيه وقلة المعرفة وقراءاتهم الرديئة قدرة فائقة على التصنيف بين ماهو سكين جنات عدن وآخر خالد في نار جهنم مثلي.

* لست ضد آلهة الجمهور ، بل ضد فكرة الجمهور عن الآلهة ( ارسطو)

كاتب عراقي
ali_sadiq2@yahoo.com