الخميس، أبريل 30، 2009

الحساب مع أوباما .. بالمفرّق

صبحي غندور

اعتاد الأميركيون، مع بدء أي إدارة أميركية جديدة، على التوقّف عند محطّة "المائة يوم" كمناسبة لتقييم أعمال الإدارة ومدى التزام الرئيس الأميركي الجديد في الوعود التي قطعها خلال الحملات الانتخابية على نفسه.

وقد أكّدت استطلاعات الرأي العام الأميركي في الأيام الماضية أنّ حوالي ثلثي الأميركيين يثقون بقيادة أوباما ويدعمون خططه وبرامجه المتنوعة.

طبعاً، القضية الأهم الآن بالنسبة إلى الشعب الأميركي هي تردّي الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية السيّئة على عشرات الملايين من الأميركيين، لكنّ ذلك لا يعني تقليلاً من أهمّية القضايا الأخرى الداخلية منها والخارجية.

فهناك مخاوف أميركية الآن من انهيار الأوضاع في بلدان متورّطة فيها أميركا عسكرياً، وبخاصّة مع تطوّرات الأوضاع الحالية في باكستان وأفغانستان وفي العراق.

ولعلّ تنوّع الأزمات التي أورثتها الإدارة السابقة تجعل من الصعب اختيار قضية واحدة تصلح كمعيار لمحاسبة إدارة أوباما بعد مرور مائة يوم على استلامها الحكم.

وتختلف أيضاً معايير الأميركيين عن غيرهم من شعوب العالم، حيث تكون السياسة الخارجية هي الأهمّ لدى البلدان الأخرى في مجال التقييم والمحاسبة.

بشكلٍ عام، فإنّ إدارة أوباما أظهرت حتى الآن تعديلاً في الخطاب الأميركي، وفي أساليب التعامل مع الأزمات الدولية الراهنة ومع الكثير من الحكومات في العالم، إلا أنّ هذا التعديل ما زال في حدود "الشكل" ولم يصل بعد إلى جوهر ومضمون القضايا الدولية المعنية الولايات المتحدة بها .

وهذا الأمر ليس بالمستغرب لأنّ المسافة الزمنية من حكم إدارة أوباما ما زالت قصيرة وفي أشهرها الأولى، ولأنّه – وهذا هو الأهم- لا يجوز أصلاً توقّع انقلابات في المواقف والسياسات تحت رئاسة باراك أوباما. فانتصار أوباما بالانتخابات الرئاسية الأميركية كان تعبيراً عن رغبة أميركية بالخلاص من نهج الإدارة السابقة أكثر منه دعماً لتغيير جذري في المجتمع الأميركي أو في السياسة الخارجية. وحين وصل أوباما إلى سدّة الرئاسة، دخل المجال الحيوي لحركته السياسية في ثلاث "مناطق": "المنطقة الخضراء" والتي فيها الصلاحيات الدستورية المعطاة للرئيس في إصدار مراسيم تنفيذية أو التي لا تشكّل مسّاً بالمصالح الأميركية العامّة المتوافق عليها داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري ومن يقف وراءهما من مؤسسات أميركية كبرى.

"المنطقة" الثانية هي المنطقة "الصفراء" التي على الرئيس الأميركي التمهّل قليلاً فيها قبل إصدار أحكامه النهائية في القضايا المعنية ضمن دائرة هذه المنطقة.

أمّا "المنطفة" الحمراء، فهي التي يعرف الرئيس أوباما أنّها تستوجب منه التوقّف بشكل كامل قبل أي تعديل أو تغيير في مضامينها، فيكون التعامل مع قضاياها بحذر وبحتمية مراجعة مؤسسات الدولة الأميركية وأقطاب الكونغرس قبل البتّ بأيّ شأنٍ فيها.

وقد كان قرار أوباما بإغلاق معتقل غوانتامو مثالاً على حرّية سيره في "المنطقة الخضراء"، كذلك كان اختياره لأركان إدارته ولقراره بشأن حالات التعذيب التي مارستها وكالة المخابرات الأميركية. أيضاً، يدخل في حيّز "المنطقة الخضراء" قرار أوباما بوقف استخدام تعبير "الحرب على الإرهاب" والخطاب الأيديولوجي السلبي الذي كان سائداً في إدارة بوش، خاصّةً تجاه العالم الإسلامي.

أمّا نماذج "المنطقة الصفراء" في مسيرة إدارة أوباما، فكانت واضحة في تراجع أوباما عن ترشيح فيليس فريمان ليكون رئيساً لمجلس وكالات المخابرات الأميركية، بعد الحملة التي قامت بها جماعات "اللوبي الإسرائيلي" ضدّ هذا الترشيح.

وربّما يمكن أيضاً إدخال قرار أوباما بالانسحاب من العراق في حيّز هذه "المنطقة الصفراء"، حيث اضطرّ بعد استلامه الحكم لتعديل البرنامج الزمني الذي أعلنه بشأن الانسحاب من العراق مع حرصه على تأكيد قرار الانسحاب من حيث المبدأ.

أيضاً، نجد أنّ أسلوب الرئيس أوباما في تعامله مع الرئيس الفنزويلي تشافيز وفي قضية العلاقات مع كوبا، يدخل في إطار هذه "الدائرة الصفراء" حيث تحكم توجّهات أوباما الجديدة مع أميركا اللاتينية مجموعة من الضوابط التي لا يستطيع تجاوزها.

أمّا خير مثال على كيفيّة تعاطي إدارة أوباما مع "المنطقة الحمراء" فهو مؤتمر مكافحة العنصرية في جنيف حيث قرّرت واشنطن مقاطعة المؤتمر رغم أنّه كان فرصة كبيرة وهامّة لإدارة أوباما وللرئيس شخصياً لاستخدام منبر هذا المؤتمر من أجل تأكيد تجاوز أميركا للعنصرية حينما اختارت أوباما رئيساً لها، وهو الأميركي ذو البشرة السوداء ابن المهاجر الأفريقي المسلم.

فمقاطعة المؤتمر كانت تعبيراً عن حجم التأثير الإسرائيلي في القرارات الأميركية، باعتبار أنّ مؤتمر جنيف كان متواصلاً مع المؤتمر الأول في جنوب أفريقيا في العام 2001 والذي أدان معظم المشاركين فيه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ورأوا أنّ الصهيونية حركة مساوية للعنصرية.

كذلك، نلمس الحذر الشديد الذي يتعامل فيه الرئيس أوباما مع الملف الفلسطيني، رغم اختياره الموفّق لموفده جورج ميتشل، فالإدارة الأميركية الحالية تبنّت الآن الشروط نفسها التي وضعتها إدارة بوش على "حركة حماس" من أجل الحوار معها أو لتمثيلها في الحكومة الفلسطينية القادمة.

إنّ إدارة أوباما هي بلا شك حالة مختلفة عن إدارة بوش السابقة، وهي أشبه بسيّارة تسير الآن في الاتجاه الصحيح لكن أمامها الكثير من العقبات والمطبّات، كما أنّها محكومة بقوانين "السير الأميركية" وباحترام "إشارات المرور" أمامها!!

إنّ الرئيس أوباما هو حالة تصحيح لمسار أميركي شرد كثيراً في السنوات الثماني الماضية، وأضرّ بالمصالح الأميركية عموماً، وطغت عليه الصبغة الأيديولوجية في مجتمع لا يستسيغ "الحكومات العقائدية. فانتصار أوباما كان نصراً لنهج الاعتدال بعد سنوات من سياسة التطرّف وفشل مشروع "الانفرادية" الأميركية في تقرير مصير العالم.

وإدراك أهمّية هذا التصحيح لم يكن نابعاً من رؤية أوباما الشخصية وبرنامجه الانتخابي فحسب، بل كان ذلك واضحاً في "تقرير بيكر/هاملتون" الذي صدر في نهاية العام 2006 من قبل مجموعة هامّة من الخبراء والسياسيين الأميركيين المخضرمين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ولقد وجد الذين ساهموا في إعداد التقرير، وما يقف خلفهم من شبكة ضخمة من المصالح والمؤسسات الأميركية، في شخص باراك أوباما وفي مواقفه ما يجعل منه "البطل" الذي يقوم بتنفيذ ما ورد في هذا التقرير من توصيات. وهو ما يقوم به الآن فعلاً على أصعدة مختلفة في السياسة الأميركية.

إنّ الحساب مع إدارة أوباما يجب أن يكون بالمفرّق وليس بالجملة. كذلك معايير التقييم التي تفرض التنوّع وليس الانحسار في قضية واحدة مهما كانت أهمّيتها.

وما حصل في الانتخابات الأميركية الأخيرة من إسقاط لنهج التطرّف يقتضي أيضاً إسقاط التطرّف في كيفيّة رؤية باراك أوباما. فلا يصحّ القول أن لا فرق بين إدارة أميركية وأخرى، كما من الخطأ الكبير التوهّم أنّ إدارة أوباما هي حركة انقلابية على المصالح والسياسات العامّة الأميركية.

مبروك البراءة

الهام ناصر


ثبت بالدليل القاطع بأن قوى 8 آذار " المعارضة " من كانت تعتقل الضباط الأربعة.

لولا التعطيل المستمر لكل ما يتعلّق بالمحكمة الدولية ، لكان الضباط الأربعة في بيوتهم منذ سنتين.

......

حين أٌقرّت المحكمة الدولية، وظهر على الشاشة الزرقاء سعد الحريري ابن الشهيد رفيق الحريري معلنا هذا الخبر السعيد الذي و"بلا شك" أسعدَ كل اللبنانيين، سادت الفرحة عموم الشعب وانطلقت الاحتفالات في الشوارع اللبنانية ونقلت شتى وسائل الإعلام هذه الاحتفالات... اللهم بعض المحطات التابعة لقوى المعارضة التي لم تجد في الأمر ما يستحق!

وكلما كان الحديث عن المحكمة، أو نقل خبر ما يخصّها، نجد البعض نفسه ينأى بنفسه عن المشاركة بأي مناسبة تخصها، فالمحكمة مشكوكٌ بأمرها!

وكان اعتكاف وزراء حزب الله وحركة أمل!

وكانت الاستقالة من الحكومة!

وكان إغلاق المجلس النيابي!

وكان التعطيل!

وكان ما كان من تشكيك متواصل مستمر.

اليوم...

أهلا بالمحكمة!

والقضاء الدولي نزيه وشريف.

وشكرا للقاضي فرانسن.

ولكن في الغد..

في حال طلبت المحكمة أي شخصية للشهادة أو للتحقيق، فهل ستبقى في نظر المعارضة نزيهة وشريفة!

مبروك براءة المحكمة الدولية من تهمة التسييس.

وطالما ظهرت براءة المحكمة من التسييس، الآن وعاجلا وفورا يُنتظر إطلاق سراح مذكّرة التفاهم من سجن تسويف وزراء المعارضة.

ودمتم.

الفرحة لمن يضحك في النهاية

سعيد علم الدين

هناك مثل يردده الألمان في مناسبات كمناسبة اطلاق الضباط الاربعة يقول ردا على كل من يعلن فرحته الاستباقية التالي" من يضحك في آخر الامر هو السعيد". اي ان على الانسان ان لا يستبق النتائج النهائية ويعلن عن سعادته ويقهقه عاليا او يفرقع في الهواء قبل اعلان خواتم الأمور. فلا النصر في الحرب تحدده معركة، ولا الافراج المسبق عن متهم قبل اختتام اعمال المحكمة يؤكد براءته.
مما لا شك فيه ان الضباط الاربعة لم يتم اعتقالهم عبثا وبشهادة المحقق الألماني السيد ميليس، وانما هناك الكثير من الدلائل القضائية تشير الى تورطهم بشكل ما في جريمة العصر، كإنقاص عدد حراس الحريري، والتضليل الاعلامي بفبركة شريط ابي عدس، واللعب بمسرح الجريمة، وغيرها من الدلائل المعروفة.
الا ان الاهم، ان هؤلاء الضباط كانوا أدوات صغيرة تحركهم الأوامر العليا من القيادة السورية. ولهذا فهدف محكمة العصر نسبة الى جريمة العصر ليس اضاعة الوقت مع الادوات، وانما الوصول الى الحقيقة بكشف من اعطى الأوامر. فنحن هنا في نظام شمولي دكتاتوري لا يمكن ان تحدث فيه جريمة ارهابية سياسية الابعاد بامتياز كجريمة 14 شباط الزلزال دون قرار رئاسي من بشار وبمعاونة احزاب الارهاب اللبنانية والمنظمات الفلسطينية كحزب الله و"القيادة العامة" والقومي السوري وفتح الانتفاضة وتسخير قدراتها وطاقاتها وامكانياتها الهائلة في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم البشعة التي ارتكبت في وضح النهار.
لا ننسى انه بعد اعتقال الضباط الاربعة تواصلت عمليات التفجير والتضليل والاغتيالات السياسية لقوى 14 اذار وبترابط محكم ومتزامن مع حركة اقرار المحكمة، مما يدل على ان القتلة الحقيقيين ليسوا الضباط الأربعة.
النظام الأساسي للمحكمة والذي شارك بصياغته خيرة القضاة في العالم صيغ بشكل حاسم وشفاف واحترافي معتمدا قمة المثالية والدقة في حماية حقوق الموقوف والمتهم والمدان الى ان تثبت ادانته.
ومن هنا يأتي اطلاق الضباط تعبيرا صادقا عن نظام المحكمة المثالي في تطبيق القوانين التي تسعى فقط لكشف الحقيقة ومعاقبة القتلة الحقيقيين بعيدا عن التسييس.
ومن هنا هذا الإفراج يعتبر احراجا لكل من اتهم المحكمة بالتسييس ولجما لكل من سيتهمها لاحقا اذا جرت مداولاتها ونتائجها عكس ما تشتهيه سفنه الغارقة في بحر الجريمة.
قرار الافراج عنهم ايضا هو التعبير الصادق على ان المحكمة ليست اداة بيد الغرب او امريكا او ال الحريري او غيرهم للنيل من النظام السوري ومن ميليشيا حزب الله.
فعلى هؤلاء ان لا يضحكوا الآن عاليا، لان ضحكاتهم ستنقلب مع الأيام مرا علقا في حلوقهم.
انها محكمة العصر ايها السادة لمحاكمة انظمة الكذب والغش والاغتيال والغدر والجريمة المنظمة.

الأربعاء، أبريل 29، 2009

مؤتمر.. التعليم والمواطنة في مصر

انطوني ولسن

عقد مؤتمر التعليم والمواطنة في مصر بالمقر الرئيسي لحزب التجمع بالقاهرة يوم الجمعة 24 ابريل/نيسان 2009 وختم الاجتماع يوم السبت 25 ابريل/نيسان2009. وكان الغرض من المؤتمر مناقشة الجوانب المختلفة للتميز الديني في التعليم.
لا اعرف لماذا يصر شيطان النكتة ان ابدأ حديثي عن المؤتمر بنكتة كنت سمعتها ولا اعرف ان كانت تناسب هذا الموضوع أم لا.. والأمر متروك لكم اعزائي القراء.
تقول النكتة ان رجلا ذهب الى حديقة الحيوانات وجمع حوله جميع الحيوانات بالحديقة وحكي لهم نكتة اضحكتهم جميعا ما عدا الحمار.
تضايق الرجل ومع ذلك لم يسأل الحمار ولكنه فضل ان يذهب في اليوم التالي الى الحديقة ليرى الحمار.
كانت المفاجأة للرجل انه رأى الحمار يضحك وبصوت عال ويكاد ان يستلقى على ظهره من شدة الضحك، فلما سأل الرجل الحمار عن سبب ضحكه، رد عليه الحمار النكتة التي حكيتها لنا بالأمس.
منذ سنوات عديدة تعدت العقود ونحن نكتب عن التعليم في مصر واحيانا نستشهد بتحقيقات تلفزيونية قام بها التلفزيون الاسترالي القناة الحكومية اي بي سي الذي صور المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية وما يدرس بها وما ينشدون في الصباح من نشيد لا يمت بصلة لمصر ويحيون علما ليس العلم المصري.
التعليم في مصر مثله مثل اي شيء قد اعتلاه التغير بعد عام 1956، ومع الأسف ليس للأفضل لمصر ولا للشعب المصري.
واذا سأل احدكم، لماذا بعد عام 1956 بالذات علما انه عام النصر.. عام تأميم قناة السويس، وعام ردع العدوان الثلاثي (انغلترا وفرنسا واسرائيل) على مصر؟!
الاجابة على السؤال نقول انه بالطبع عام 1956 هو نقطة تحول كبيرة في تاريخ مصر والمنطقة العربية. لأن تأميم قناة السويس كان وما يزال عملا استقبلناه نحن المنتقلون من الملكية التي لم نمارس بها اية حياة عملية او سياسية وعن نفسي حتى التعليمية التي كنت قد وصلت الى العام الثاني الثانوي 1952، عام قيام العسكر بانقلابهم المعروف.
لذا كان عام 1956 بالنسبة لنا عام فرح وابتهاج فقد اممنا القناة التي حفرها اجدادنا باظافرهم وجرت دمائهم فيها قبل المياه. وأضيف الى هذا العمل العظيم عملا اعظم منه انتصارنا على جيوش اكبر دول غربية ومعهم اسرائيل التي كنا نردد دائما وبكل ثقة اننا سنلقي بها في البحر، واستقال مستر ايدن رئيس وزراء انجلترا وخرج علينا الزعيم ناصر يخبرنا بذلك النبأ الهام ويطمئننا انه قوي وجيش مصر قوي واننا انتصرنا.
صدقنا كما صدق العالم العربي المغلوب على امره ذلك النصر العظيم وبدأت ردات فعل الحدث تنعكس على شخصية الزعيم حتى ان بعضا من الدول العربية بدأت تفكر في الوحدة العربية بينها وبين مصر تحت زعامة ناصر.
وتمت الوحدة بين مصر وسوريا ورفض العراق الوحدة بعد ان غير العلم ووضع عليه نجوم ثلاث، مصر وسوريا والعراق والذي ما زال حتى الأن.
أحقر ما تم في تلك الوحدة بين سوريا ومصر هو حذف اسم مصر نهائيا.. وها هي سوريا الأن احد الاقطاب الثلاث في محور التكتل ضد مصر.. سوريا وقطر وايران.
وهكذا ترون ان عام 1956 هو عام بداية النهاية التي اصابت مصر في مقتل.. لقد ضحكت كل الحيوانات على النكتة ما عدا الحمار. لكنه عاد في اليوم التالي وضحك حتى كاد ان يستلقي على ظهره.
ساعرض عليكم بعضا مما تناوله المؤتمر وايضا بعضا من توصياته ولكني مؤمن بان مصر في اشد الحاجة ليس لمؤتمر التعليم والمواطنة، بل لمؤتمر المصري والمواطنة. لان المصري اصبحت صورته باهته ممسوخة لا تعرف لها لونا معينا حتى تصفه بها.
لكن قبل ان نتحدث عن المؤتمر سأنقل لكم بعضا من حوار اجرته الزميلة جريدة الطريق والحق الغراء التي تصدر في مصر وعدد شهر ابريل 2009 ويمكن الاطلاع عليها عبر الموقع الالكتروني www.eltareeq.com مع الاستاذ منتصر الزيات المحامي، تحت عنوان» هل سينتصر منتصر؟ والذي حاوره كل من الاساتذة وديع وسيم وسميح مكرم، واليكم بعضا من ردوده:
- افضل طريق للمواطنة انتخاب رئيس جمهورية مسيحي، ولو حصل هذا لمجتمع مكروب زي ده سوف يتعدل الحال، ومن يعارض هذا يعارض نصوصا غير قرأنية او أحاديث.
تعليقي على ذلك.. استاذ منتصر في عرضك هذا.. ان افضل طريق هو انتخاب رئيس جمهورية مسيحي.. اليس فيه سخرية من المسيحيين لانك وبكل صراحة تقول لهم.. ابقوا قابلوني في المشمش.
وأضفت سيادتك ومن يعارض هذا يعرض نصوصا غير قرأنية أو أحاديث.
سامحني سيادتك وخدني على قدر فهمي هل حقيقة لا توجد نصوص قرأنية واحاديث تعارض اختيار مسيحي قيادي مثل منصب رئيس الجمهورية؟.. وعلى مدى ما يقرب من 1400 سنة هل حقا وتاريخيا بالادلة والاسماء حدث ان تولى مسيحي او غير مسلم اي منصب قيادي في التاريخ الاسلامي؟!! انتقل الى نقطة اخرى من الحديث.
- الاستاذ منتصر الزيات: في المسيحية لا يوجد نص يمنع المسيحي ان يكون مسلما، وأنا عندي نص من بدل دينه فأقتلوه.
تعليقي: من لسانك ادينك يا اسرائيل.. هكذا يقول الرب.. في المسيحية لا يوجد نص يمنع المسيحي ان يكون مسلما.. هل يعرف سيادتكم لماذا؟.. اسمح لي ان اقول لكم لماذا؟! لان الله في المسيحية إله محبة.. وبكامل حريته قبل ان يتجسد من الطاهرة مريم العذراء ويصير جسدا ويحل بيننا.
اذن كما ان الله عز وجل حر.. ترك الحرية للانسان منذ خلقه.. حذره وحذر معينته من عدم الأكل من ثمار شجرة المعرفة ولم يحذره من اكل ثمار شجرة الحياة . واختار الانسان بكامل حريته الاكل من ثمار شجرة المعرفة.
اما في الاسلام كما قلت.. وانا عندي نص من بدل دينه فأقتلوه.. فأين حرية الانسان المسلم في اختيار ما يؤمن به والسيف مسلط على رقبته ورقبة عائلته؟! هل هذه هي سماحة الاسلام؟!.. لا اعرف!!.
وقلت سيادتكم تكملة لنفس الموضوع..
.. هذه المشكلة تحتاج حلا.. وانا ليس لدي حل، وبصفتي محامي لو حرم هذا المواطن من وجود من يدافع عنه سأدافع عنه.
تعليقي: سامحني يا اخا الوطن لم افهم من تقصد بالدفاع عنه، هل هو المسلم اذا غير دينه؟ ام المسيحي اذا غير دينه؟!
هناك عدم الرؤيا في الكلام والوضوح.
او لربما خانني الفهم؟
انتقل الى النقطة الاخيرة التي اخترتها من الحوار مع الاستاذ منتصر الزيات حيث يقول:
ويجب ان ندرك ان بالمجتمع مشاكل واصل حل المشاكل دي ان نتكلم فيها بصراحة. والحل ليس في لقاء الشيوخ والقساوسة ويحضنوا بعض وبذلك تنتهي الازمة، أزمة المجتمع تحل عندما نناقشها.. الى متى السكوت! هل يستطيع المسيحي ان يقول بان ثقافته ليست اسلامية؟.. هو يعيش وسطنا فماذا يفعل؟. المسيحيون اسلموا فكريا، وهذا غصبا عنهم، ورد فعل طبيعي للثقافة الاسلامية الموجودة في كل مكان.
تعليقي: صدقت استاذ منتصر الزيات.. المسيحيون اسلموا فكريا، وهذا غصبا عنهم.
وهذا هو الفكر الاسلامي العربي الذي اضيف اليه الفكر الوهابي الغير معترف بالغير.. فأين الحل في خلق مواطن مصري يؤمن بمصر وطنا يفتديه ويعبد إلها هو فيه حر في اختيار الطريق الذي يوصله الى هذا الاله الذي في السموات.
كل الطرق مغلقة في وجه المصري ليكون حرا.. لكن عند المسيحيين آية تقول.. الغير مستطاع عند الانسان.. مستطاع عند الله.
فهل هناك قوة اقوى من قوة الله الحق؟!! عموما لقد استمتعت بالحوار واشكرك استاذ منتصر الزيات والف مبروك مقدما لزواج ابنتكم.
اعود بكم اعزائي القراء الى الموضوع الرئيسي، الذي هو مؤتمر التعليم والمواطنة في مصر وأنقل لكم بعضا من المواضيع التي ناقشها المؤتمر وايضا بعضا من توصيات المؤتمر نقلا عن الموقع الالكتروني «الاقباط متحدون Copts United بتاريخ الاثنين 27 ابريل/نيسان 2009 وتغطية الاستاذ عماد توماس.
- ناقش المؤتمر الجوانب المختلفة للتميز الديني في التعليم.
- لا يصح بيع كتب الكفر والتنجيم والشعوذة والفلسفة.
- لعن الله اليهود والنصاري.
- هيمنة الاسلام السياسي على النشاط الطلابي في الجامعة.
الدكتوره شيماء الشريف عن «التعليم من اجل الابداع» اكدت فيها علي ان مصر لم تكن عبر تاريخها المديد في حاجة الى ثورة في التعليم، واعتبرت الباحثة قضية التعليم هي المعركة الاخيرة اذا كسبناها نكسب بعدها كل شيء واذا خسرناها فلن تقوم لنا قائمة بعدها.
اما عن توصيات المؤتمر فأنقل التوصية الثانية
- ان يتم دمج المعاهد الازهرية ضمن منظومة التعليم المدني تحت اشراف وزارة التربية والتعليم، وإن تعود جامعة الازهر لتصبح جامعة دراسات دينية اسلامية يلتحق بها الراغبون بعد انتهائهم من التعليم الجامعي مع تطوير الدراسات الدينية بحيث تعالج مشاكل وقضايا الحاضر والمستقبل بدلا من حبسها في اطار الماضي السحيق.
واقول مصر تحتاج ليس فقط مؤتمرا للتعليم والمواطنة بل لكل نواحي الحياة التي اصبح المواطن فيها لا يعرف ان هو حقا مواطنا مصريا ام لا للمعاملات المختلفة التي يلقاها المواطنون.
ادخلت في هذا المقال اللقاء الذي اجرى مع الاستاذ منتصر الزيات عن عمد، لانه يخص المواطنة ايضا وان دار الحديث حول حق الاقباط والمواطنة.
والمؤتمر الذي عقد، الخاص بالتعليم والمواطنة اشكر الله واحمد فضله على انني عشت وقرأت اهم التوصيات التي منذ عقود تناولتها والمقالات محفوظة في سلسلة كتب «المغترب» والتي اصدرت منها 6 كتب، بل انني كتبت بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بجريدة «المستقبل» التي تصدر في سدني مقالا يحمل هذا العنوان «هل حقا يستجيب الازهر لطلب فصل الكليات العملية عن جامعة الازهر؟!!» وكان المقال تعبيرا عن ما قرأته على موقع جريدة المصري اليوم بتاريخ 4/11/2008.
وسبق ايضا وكتبت مقالا يحمل هذا العنوان «يااااه»
اخيرا يا دكتور العوا..!! والذي نشر على صفحات جريدة المستقبل بتاريخ 3/3/2007 وعلى موقع جريدة المصري التي تصدر في استراليا بتاريخ 14/3/2007 www.elmassrynewspaperonline.com
وسأكتفي بنقل فقرة من المقال خاص بموقف الدكتور رفعت السعيد مني في هذا الشأن وما دار بيننا والذي نشر كما سبق وكتبت في 22/11/2008 بجريدة المستقبل.
«وان نسيت لن انسى تلك النظرة التي حدجني بها الصديق الحميم الدكتور رفعت السعيد عندما كنت اتحدث عن هذا الموضوع. وعندما استفسرت منه عن سبب تلك النظرة، كان رده انني اطلب المستحيل. ودخلت معه في سجال انتهى باصراري على الاستمرار في مطالبة اعادة الجامعة الازهرية الى ما كانت عليه من تخصص في كل ما يتعلق بالدين الاسلامي من فقه وشريعة وعلوم دينية كثيرة تحتاج الى هذه الجامعة بالفعل لتخريج علماء وفقهاء ومشايخ واساتذة تخصصهم في مجالهم الديني».
قبل ان اختم مقالي اعود الى فقرة التوصية الثانية للمؤتمر والتي ذكرتها هنا في هذا المقال.. «ان يتم دمج المعاهد الازهرية ضمن منظومة التعليم المدني تحت اشراف وزارة التربية والتعليم، وان تعود جامعة الازهر لتصبح جامعة دراسات دينية اسلامية يلتحق بها الراغبون بعد انتهائهم من التعليم الجامعي...»
وهذا ما ناديت به دائما.. وبهذا كان ردي على من كتبوا إلي معترضين وشبهوا ما تقوم به جامعة الازهر بما تقوم به جامعات اللاهوت المسيحية التي يتخرج منها قساوسة ورهبان. وكان ردي عليهم ان هذه الجامعات او الكليات التي تدرس اللاهوت هي كليات خاصة غير حكومية ويلتحق بها كل من انهى دراسته الجامعية في الجامعات المصرية الحكومية منها والخاصة.
وهذا بالحرف الواحد الذي تضمنته التوصية الثانية والخاصة بجامعة الأزهر.
والسؤال هنا.. لماذا الأن بدأ الاهتمام بالتعليم وبالجامعة الازهرية على الرغم من رد الدكتور الصديق رفعت السعيد علي.. انني اطلب المستحيل؟!
أم كل مايدور في مصر الأن يندرج تحت ما حدث بعد عام 1956 لاختيار زعيم جديد لمصر يختاره الشعب المصري في الداخل والخارج!!
وأضيف هنا حلما الى احلامي وهو حق المصريون في الخارج من المشاركة الفعلية في كل ما يحدث في داخل مصر.
ارجو ان لا يضحك الناس على احلامي ويعتبرونها نكتة احكيها لهم.. لانني لن انتظر اليوم التالي لمعرفة لماذا لم يضحك.. مع الضاحكين؟!!

مؤتمر.. التعليم والمواطنة في مصر

انطوني ولسن

عقد مؤتمر التعليم والمواطنة في مصر بالمقر الرئيسي لحزب التجمع بالقاهرة يوم الجمعة 24 ابريل/نيسان 2009 وختم الاجتماع يوم السبت 25 ابريل/نيسان2009. وكان الغرض من المؤتمر مناقشة الجوانب المختلفة للتميز الديني في التعليم.
لا اعرف لماذا يصر شيطان النكتة ان ابدأ حديثي عن المؤتمر بنكتة كنت سمعتها ولا اعرف ان كانت تناسب هذا الموضوع أم لا.. والأمر متروك لكم اعزائي القراء.
تقول النكتة ان رجلا ذهب الى حديقة الحيوانات وجمع حوله جميع الحيوانات بالحديقة وحكي لهم نكتة اضحكتهم جميعا ما عدا الحمار.
تضايق الرجل ومع ذلك لم يسأل الحمار ولكنه فضل ان يذهب في اليوم التالي الى الحديقة ليرى الحمار.
كانت المفاجأة للرجل انه رأى الحمار يضحك وبصوت عال ويكاد ان يستلقى على ظهره من شدة الضحك، فلما سأل الرجل الحمار عن سبب ضحكه، رد عليه الحمار النكتة التي حكيتها لنا بالأمس.
منذ سنوات عديدة تعدت العقود ونحن نكتب عن التعليم في مصر واحيانا نستشهد بتحقيقات تلفزيونية قام بها التلفزيون الاسترالي القناة الحكومية اي بي سي الذي صور المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية وما يدرس بها وما ينشدون في الصباح من نشيد لا يمت بصلة لمصر ويحيون علما ليس العلم المصري.
التعليم في مصر مثله مثل اي شيء قد اعتلاه التغير بعد عام 1956، ومع الأسف ليس للأفضل لمصر ولا للشعب المصري.
واذا سأل احدكم، لماذا بعد عام 1956 بالذات علما انه عام النصر.. عام تأميم قناة السويس، وعام ردع العدوان الثلاثي (انغلترا وفرنسا واسرائيل) على مصر؟!
الاجابة على السؤال نقول انه بالطبع عام 1956 هو نقطة تحول كبيرة في تاريخ مصر والمنطقة العربية. لأن تأميم قناة السويس كان وما يزال عملا استقبلناه نحن المنتقلون من الملكية التي لم نمارس بها اية حياة عملية او سياسية وعن نفسي حتى التعليمية التي كنت قد وصلت الى العام الثاني الثانوي 1952، عام قيام العسكر بانقلابهم المعروف.
لذا كان عام 1956 بالنسبة لنا عام فرح وابتهاج فقد اممنا القناة التي حفرها اجدادنا باظافرهم وجرت دمائهم فيها قبل المياه. وأضيف الى هذا العمل العظيم عملا اعظم منه انتصارنا على جيوش اكبر دول غربية ومعهم اسرائيل التي كنا نردد دائما وبكل ثقة اننا سنلقي بها في البحر، واستقال مستر ايدن رئيس وزراء انجلترا وخرج علينا الزعيم ناصر يخبرنا بذلك النبأ الهام ويطمئننا انه قوي وجيش مصر قوي واننا انتصرنا.
صدقنا كما صدق العالم العربي المغلوب على امره ذلك النصر العظيم وبدأت ردات فعل الحدث تنعكس على شخصية الزعيم حتى ان بعضا من الدول العربية بدأت تفكر في الوحدة العربية بينها وبين مصر تحت زعامة ناصر.
وتمت الوحدة بين مصر وسوريا ورفض العراق الوحدة بعد ان غير العلم ووضع عليه نجوم ثلاث، مصر وسوريا والعراق والذي ما زال حتى الأن.
أحقر ما تم في تلك الوحدة بين سوريا ومصر هو حذف اسم مصر نهائيا.. وها هي سوريا الأن احد الاقطاب الثلاث في محور التكتل ضد مصر.. سوريا وقطر وايران.
وهكذا ترون ان عام 1956 هو عام بداية النهاية التي اصابت مصر في مقتل.. لقد ضحكت كل الحيوانات على النكتة ما عدا الحمار. لكنه عاد في اليوم التالي وضحك حتى كاد ان يستلقي على ظهره.
ساعرض عليكم بعضا مما تناوله المؤتمر وايضا بعضا من توصياته ولكني مؤمن بان مصر في اشد الحاجة ليس لمؤتمر التعليم والمواطنة، بل لمؤتمر المصري والمواطنة. لان المصري اصبحت صورته باهته ممسوخة لا تعرف لها لونا معينا حتى تصفه بها.
لكن قبل ان نتحدث عن المؤتمر سأنقل لكم بعضا من حوار اجرته الزميلة جريدة الطريق والحق الغراء التي تصدر في مصر وعدد شهر ابريل 2009 ويمكن الاطلاع عليها عبر الموقع الالكتروني www.eltareeq.com مع الاستاذ منتصر الزيات المحامي، تحت عنوان» هل سينتصر منتصر؟ والذي حاوره كل من الاساتذة وديع وسيم وسميح مكرم، واليكم بعضا من ردوده:
- افضل طريق للمواطنة انتخاب رئيس جمهورية مسيحي، ولو حصل هذا لمجتمع مكروب زي ده سوف يتعدل الحال، ومن يعارض هذا يعارض نصوصا غير قرأنية او أحاديث.
تعليقي على ذلك.. استاذ منتصر في عرضك هذا.. ان افضل طريق هو انتخاب رئيس جمهورية مسيحي.. اليس فيه سخرية من المسيحيين لانك وبكل صراحة تقول لهم.. ابقوا قابلوني في المشمش.
وأضفت سيادتك ومن يعارض هذا يعرض نصوصا غير قرأنية أو أحاديث.
سامحني سيادتك وخدني على قدر فهمي هل حقيقة لا توجد نصوص قرأنية واحاديث تعارض اختيار مسيحي قيادي مثل منصب رئيس الجمهورية؟.. وعلى مدى ما يقرب من 1400 سنة هل حقا وتاريخيا بالادلة والاسماء حدث ان تولى مسيحي او غير مسلم اي منصب قيادي في التاريخ الاسلامي؟!! انتقل الى نقطة اخرى من الحديث.
- الاستاذ منتصر الزيات: في المسيحية لا يوجد نص يمنع المسيحي ان يكون مسلما، وأنا عندي نص من بدل دينه فأقتلوه.
تعليقي: من لسانك ادينك يا اسرائيل.. هكذا يقول الرب.. في المسيحية لا يوجد نص يمنع المسيحي ان يكون مسلما.. هل يعرف سيادتكم لماذا؟.. اسمح لي ان اقول لكم لماذا؟! لان الله في المسيحية إله محبة.. وبكامل حريته قبل ان يتجسد من الطاهرة مريم العذراء ويصير جسدا ويحل بيننا.
اذن كما ان الله عز وجل حر.. ترك الحرية للانسان منذ خلقه.. حذره وحذر معينته من عدم الأكل من ثمار شجرة المعرفة ولم يحذره من اكل ثمار شجرة الحياة . واختار الانسان بكامل حريته الاكل من ثمار شجرة المعرفة.
اما في الاسلام كما قلت.. وانا عندي نص من بدل دينه فأقتلوه.. فأين حرية الانسان المسلم في اختيار ما يؤمن به والسيف مسلط على رقبته ورقبة عائلته؟! هل هذه هي سماحة الاسلام؟!.. لا اعرف!!.
وقلت سيادتكم تكملة لنفس الموضوع..
.. هذه المشكلة تحتاج حلا.. وانا ليس لدي حل، وبصفتي محامي لو حرم هذا المواطن من وجود من يدافع عنه سأدافع عنه.
تعليقي: سامحني يا اخا الوطن لم افهم من تقصد بالدفاع عنه، هل هو المسلم اذا غير دينه؟ ام المسيحي اذا غير دينه؟!
هناك عدم الرؤيا في الكلام والوضوح.
او لربما خانني الفهم؟
انتقل الى النقطة الاخيرة التي اخترتها من الحوار مع الاستاذ منتصر الزيات حيث يقول:
ويجب ان ندرك ان بالمجتمع مشاكل واصل حل المشاكل دي ان نتكلم فيها بصراحة. والحل ليس في لقاء الشيوخ والقساوسة ويحضنوا بعض وبذلك تنتهي الازمة، أزمة المجتمع تحل عندما نناقشها.. الى متى السكوت! هل يستطيع المسيحي ان يقول بان ثقافته ليست اسلامية؟.. هو يعيش وسطنا فماذا يفعل؟. المسيحيون اسلموا فكريا، وهذا غصبا عنهم، ورد فعل طبيعي للثقافة الاسلامية الموجودة في كل مكان.
تعليقي: صدقت استاذ منتصر الزيات.. المسيحيون اسلموا فكريا، وهذا غصبا عنهم.
وهذا هو الفكر الاسلامي العربي الذي اضيف اليه الفكر الوهابي الغير معترف بالغير.. فأين الحل في خلق مواطن مصري يؤمن بمصر وطنا يفتديه ويعبد إلها هو فيه حر في اختيار الطريق الذي يوصله الى هذا الاله الذي في السموات.
كل الطرق مغلقة في وجه المصري ليكون حرا.. لكن عند المسيحيين آية تقول.. الغير مستطاع عند الانسان.. مستطاع عند الله.
فهل هناك قوة اقوى من قوة الله الحق؟!! عموما لقد استمتعت بالحوار واشكرك استاذ منتصر الزيات والف مبروك مقدما لزواج ابنتكم.
اعود بكم اعزائي القراء الى الموضوع الرئيسي، الذي هو مؤتمر التعليم والمواطنة في مصر وأنقل لكم بعضا من المواضيع التي ناقشها المؤتمر وايضا بعضا من توصيات المؤتمر نقلا عن الموقع الالكتروني «الاقباط متحدون Copts United بتاريخ الاثنين 27 ابريل/نيسان 2009 وتغطية الاستاذ عماد توماس.
- ناقش المؤتمر الجوانب المختلفة للتميز الديني في التعليم.
- لا يصح بيع كتب الكفر والتنجيم والشعوذة والفلسفة.
- لعن الله اليهود والنصاري.
- هيمنة الاسلام السياسي على النشاط الطلابي في الجامعة.
الدكتوره شيماء الشريف عن «التعليم من اجل الابداع» اكدت فيها علي ان مصر لم تكن عبر تاريخها المديد في حاجة الى ثورة في التعليم، واعتبرت الباحثة قضية التعليم هي المعركة الاخيرة اذا كسبناها نكسب بعدها كل شيء واذا خسرناها فلن تقوم لنا قائمة بعدها.
اما عن توصيات المؤتمر فأنقل التوصية الثانية
- ان يتم دمج المعاهد الازهرية ضمن منظومة التعليم المدني تحت اشراف وزارة التربية والتعليم، وإن تعود جامعة الازهر لتصبح جامعة دراسات دينية اسلامية يلتحق بها الراغبون بعد انتهائهم من التعليم الجامعي مع تطوير الدراسات الدينية بحيث تعالج مشاكل وقضايا الحاضر والمستقبل بدلا من حبسها في اطار الماضي السحيق.
واقول مصر تحتاج ليس فقط مؤتمرا للتعليم والمواطنة بل لكل نواحي الحياة التي اصبح المواطن فيها لا يعرف ان هو حقا مواطنا مصريا ام لا للمعاملات المختلفة التي يلقاها المواطنون.
ادخلت في هذا المقال اللقاء الذي اجرى مع الاستاذ منتصر الزيات عن عمد، لانه يخص المواطنة ايضا وان دار الحديث حول حق الاقباط والمواطنة.
والمؤتمر الذي عقد، الخاص بالتعليم والمواطنة اشكر الله واحمد فضله على انني عشت وقرأت اهم التوصيات التي منذ عقود تناولتها والمقالات محفوظة في سلسلة كتب «المغترب» والتي اصدرت منها 6 كتب، بل انني كتبت بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بجريدة «المستقبل» التي تصدر في سدني مقالا يحمل هذا العنوان «هل حقا يستجيب الازهر لطلب فصل الكليات العملية عن جامعة الازهر؟!!» وكان المقال تعبيرا عن ما قرأته على موقع جريدة المصري اليوم بتاريخ 4/11/2008.
وسبق ايضا وكتبت مقالا يحمل هذا العنوان «يااااه»
اخيرا يا دكتور العوا..!! والذي نشر على صفحات جريدة المستقبل بتاريخ 3/3/2007 وعلى موقع جريدة المصري التي تصدر في استراليا بتاريخ 14/3/2007 www.elmassrynewspaperonline.com
وسأكتفي بنقل فقرة من المقال خاص بموقف الدكتور رفعت السعيد مني في هذا الشأن وما دار بيننا والذي نشر كما سبق وكتبت في 22/11/2008 بجريدة المستقبل.
«وان نسيت لن انسى تلك النظرة التي حدجني بها الصديق الحميم الدكتور رفعت السعيد عندما كنت اتحدث عن هذا الموضوع. وعندما استفسرت منه عن سبب تلك النظرة، كان رده انني اطلب المستحيل. ودخلت معه في سجال انتهى باصراري على الاستمرار في مطالبة اعادة الجامعة الازهرية الى ما كانت عليه من تخصص في كل ما يتعلق بالدين الاسلامي من فقه وشريعة وعلوم دينية كثيرة تحتاج الى هذه الجامعة بالفعل لتخريج علماء وفقهاء ومشايخ واساتذة تخصصهم في مجالهم الديني».
قبل ان اختم مقالي اعود الى فقرة التوصية الثانية للمؤتمر والتي ذكرتها هنا في هذا المقال.. «ان يتم دمج المعاهد الازهرية ضمن منظومة التعليم المدني تحت اشراف وزارة التربية والتعليم، وان تعود جامعة الازهر لتصبح جامعة دراسات دينية اسلامية يلتحق بها الراغبون بعد انتهائهم من التعليم الجامعي...»
وهذا ما ناديت به دائما.. وبهذا كان ردي على من كتبوا إلي معترضين وشبهوا ما تقوم به جامعة الازهر بما تقوم به جامعات اللاهوت المسيحية التي يتخرج منها قساوسة ورهبان. وكان ردي عليهم ان هذه الجامعات او الكليات التي تدرس اللاهوت هي كليات خاصة غير حكومية ويلتحق بها كل من انهى دراسته الجامعية في الجامعات المصرية الحكومية منها والخاصة.
وهذا بالحرف الواحد الذي تضمنته التوصية الثانية والخاصة بجامعة الأزهر.
والسؤال هنا.. لماذا الأن بدأ الاهتمام بالتعليم وبالجامعة الازهرية على الرغم من رد الدكتور الصديق رفعت السعيد علي.. انني اطلب المستحيل؟!
أم كل مايدور في مصر الأن يندرج تحت ما حدث بعد عام 1956 لاختيار زعيم جديد لمصر يختاره الشعب المصري في الداخل والخارج!!
وأضيف هنا حلما الى احلامي وهو حق المصريون في الخارج من المشاركة الفعلية في كل ما يحدث في داخل مصر.
ارجو ان لا يضحك الناس على احلامي ويعتبرونها نكتة احكيها لهم.. لانني لن انتظر اليوم التالي لمعرفة لماذا لم يضحك.. مع الضاحكين؟!!

البحث العلمي بوابتنا إلى العالم

حسام الدجني

الدور الإقليمي, الاكتفاء الذاتي, أن تكون أحد أركان النظام العالمي, التصنيع, القوة, الأمن القومي, الاقتصاد, المجال الفضائي, البرنامج النووي السلمي, غير ذلك.
ما سبق مصطلحات تمثل طموح أي دولة في العالم, هناك دول استطاعت تحقيق ذلك وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل), وهناك دول تحاول تحقيق ذلك, وتمتلك من الطموح والإرادة ما قد يساعدها, وأبرزها إيران, وهناك دول تعيش في سبات عميق, وأبرزهم الدول العربية.
كيفية تحقيق ما سبق يتمثل في مدى اهتمام الدول في البحث العلمي, وكم من الموازنات تخصص له.
على صعيد فلسطين, حالها كحال العالم العربي, حيث عززت المؤسسات السياسية الفلسطينية ثقافة الاستهلاك, فالهم الأكبر عند الحكومات المتعاقبة هو توفير فاتورة الرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين والتي تقدر بــ 120 مليون دولار شهريا, وتغطية نفقات الوزارات والوزراء والشخصيات الاعتبارية, والمظاهر البرتوكولية, ونفقات بدل السفر, وتغطية سياحة المؤتمرات, وكأننا أصبحنا كيانا مستقلا نبحث فيه عن مظاهر الترف والرخاء, ونسينا أن النظام السياسي الفلسطيني هو نظام أنشئ دون استقلال كامل, حيث الاحتلال الإسرائيلي يحيط بنا من الجو والبحر والبر, ولا نمتلك أي مظهر من مظاهر السيادة, والتي يتطلب منا العمل الدؤوب والمتواصل في التفكير عن أقصر الطرق لإزالة الاحتلال من أرضنا وصولا إلى تحقيق طموحات شعبنا في بناء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف, مع ضمان حق عودة اللاجئين لأراضيهم, والإفراج عن أسرانا ومعتقلينا في سجون الاحتلال الصهيوني.
جرت الانتخابات التشريعية في عام 2006, وفازت بها كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس", فاستبشر الناس خيرا, وتحديدا فئة المثقفين والأكاديميين والنخب, حيث كان من المتوقع أن تهتم الحركة الإسلامية في قضايا بالغة الأهمية, حيث تشكل عنوان ومفتاح النصر والتحرير, ألا وهي البحث العلمي, لدرجة أننا توقعنا إنشاء هيئة أو وزارة للبحث العلمي, ينفق عليها ملايين الدولارات, حتى ترسم الطريق الصحيح والمسار الملائم لقضيتنا ومسيرتنا الوطنية, ولا عيب في أن نتعلم من أعدائنا الإسرائيليين, حيث تهتم إسرائيل بالبحث العلمي, وهنا أتطرق إلى ما نشر في موقع مؤسسة تنمية بتاريخ 5/8/2005, " الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل (ما عدا العسكري) حوالي 9.8 مليارات «شيكل»، أي ما يوازي 2.6٪ من حجم إجمالي الناتج الوطني في عام 1999م، أما في عام 2004م فقد وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل إلى 4.7٪ من ناتجها القومي الإجمالي(3). علمًا بأن معدل ما تصرفه حكومة إسرائيل على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي ما يوازي 30.6٪ من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله، ويصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب، والمنشآت، والصيانة، والتجهيزات... على العكس تمامًا ما يحدث في البلدان العربية، إذ أغلب الموازنة المخصصة للبحث العلمي تصرف على الرواتب والمكافآت والبدلات وغيرها. والجدير بالذكر أن المؤسسات التجارية والصناعية في إسرائيل تنفق ضعفي ما تنفقه الحكومية الإسرائيلية على التعليم العالي".
صحيح أن واقع الحكومة العاشرة والحادية عشر والتي شكلتها حركة حماس, قد تعرضت لضغوط وحصار شديد, إلا أن كان من الضروري تشكيل هيئة البحث العلمي حتى تدرس في أول أبحاثها كيفية التعامل مع الحصار وطرق كسره على أساس علمي مهني, وهنا استذكر بعض التقارير الصادرة من حكومة الوحدة الوطنية حول انجازات بعض الوزراء في توزيع ملايين الدولارات كمساعدات عاجلة لعمالنا البواسل, وللفقراء والمحتاجين, وعلى الرغم من أهمية تعزيز صمود أبناء شعبنا, إلا انه ينبغي على الحكومة في قطاع غزة, المسارعة في دراسة تأسيس هيئة للبحث العلمي تتكون من مجموعة من النخب والباحثين والأكاديميين, وتعمل في أجواء وطنية مهنية بعيدة عن المصالح الحزبية, تدرس القرارات السياسية وتعطي التوصيات والتحليلات والرؤى والتقييمات الإستراتيجية للقادة والوزراء والنخب السياسية, حتى لا يخضع قرارنا الفلسطيني للارتجالية والتي يترتب عليها استحقاقات سياسية مكلفة ومؤلمة في بعض الأحيان.
أعتقد إذا أردنا تحقيق النصر على الاحتلال فإن أقصر الطرق هي في دعم البحث العلمي في كافة تصنيفات المعرفة البشرية, فيجب أن تخضع المقاومة والمفاوضات إلى بحث علمي معمق, يستنير به المفاوض في مفاوضاته والمقاوم في مقاومته, وكذلك جميع شرائح المجتمع.

كاتب وباحث فلسطيني
HOSSAM555@HOTMAIL.COM

الجنرال عون والحقيقة

طانيوس قزّي
سيدني


هل تعلم بأنّك عندما تجادل بالحق إنّما تجادل وأنت مرفوع الرأس خصوصاً عندما تدافع عن مواقف زعماء شرفاء رؤوسهم مرفوعة لا يكذبون فيما بالمقابل هناك أناس يعملون على الريموت كونترول ويجادلونك عن جهل وعندما تطرح عليهم سؤالاً يطأطئون الرؤوس؟.

هل تعلم أنّه بالإضافة إلى معارضة الجنرال عون للتوطين في لبنان وإصراره على مطلب حقّ عودة الفلسطينيين إلى ديارهم وتصميمه على بناء دولة عصريّة لا طائفيّة علمانيّة محارباً الإقطاع المبني عليه لبنان وأن التهجّم الظالم عليه سببه الأوّل يعود إلى العام 1999 إبان حرب الإلغاء التي كانت تُشَن ضدّه بسبب مواقفه السياديّة وأرسلت الجامعة العربيّة في حينه مبعوثاً عنها واجتمع حقّاً بالجنرال وعرض عليه عروضاً فيها إغراء شخصي وذهل لمّا سمع الردّ وصرّح من على مدخل قصر بعبدا ما حرفيته: "تناولتُ أفقر غداء مع أشرف رجل" وكانت وجبة الغداء حينها "المجدّرة" فهل قيل كلام كهذا لأي قائد أو زعيم ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم أجمع؟.

والسبب الثاني هو ما حصل في انتخابات 2005 حيث تمكن الجنرال من إيصال ما يفوق العشرين نائباً إلى الندوة البرلمانيّة دون التزلّف لأحد وإنما بفضل صدقه وشفافيته وهذا ما عجز عنه أي زعيم مسيحي سابق هل تعلم بأن السيد وليد جنبلاط فقدَ البوصلة تماماً فضاع وأضاع معه الكثيرين؟ فهو لم يعد يعرف على أيّه موجة يجب أن يعمل!. ولكن بالحق والمواطنيّة السليمة سيعرف الجنرال كيف يهديه سواء السبيل.

في الأول من أيار

راسم عبيدات

.......يأتي الأول من أيار،عيد العمال العالمي هذا العام في ظل ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد فلسطينياً وعالمياً،فعلى الصعيد العالمي،جاءت التطورات لتثبت عقم وفشل نظريات نهاية التاريخ والانتصار النهائي للرأسمالية،حيث نشهد حالياً أزمة اقتصادية عميقة تعصف بالنظام الرأسمالي،وان كانت تجلياتها الأبرز والأوضح في القطاع المالي،فهي في المحصلة تعبير عن شمولية وعمق أزمة النظام الرأسمالي القائم على النهب والتغول والتوحش والاستغلال البشع للعمال،وفي مقابل هذه الأزمة نلحظ وبشكل واضح وملموس اتساع ظاهرة مناهضة العولمة،وتحقيق انتصارات لقوى الطبقة العاملة في أكثر من ساحة وميدان،والتجلي الأبرز لهذه الانتصارات،كان من نصيب دول أمريكا اللاتينية،وكما نسجل تطوراً كميا ونوعيا في النضالات العمالية ضد كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي،وبما يثبت صحة وصوابية خيار الاشتراكية العلمية وفكرها وقدرتها على إيجاد الحلول للمشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية من خلال العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وتقوية وتوسيع القطاع العام،وما نشهده حالياً من أزمة عميقة تعصف بمركز الرأسمالية المعولمة،تحاول قوى الرأسمالية تحميل تداعيات وتبعيات هذه الأزمة لمجموع العمال والشرائح الاجتماعية الفقيرة من خلال تأميم الخسائر وخصخصة الأرباح.

ولعل هذا يتطلب قيادة عمالية صلبة تأخذ على عاتقها تأطير وتنظيم وقيادة الطبقة العاملة وتوحيد جهدها ونضالاتها في معارك نقابية حقيقية وجدية تمكنها من التصدي والدفاع عن حقوقها ومكتسباتها التي حققتها وعمدتها بالتضحيات والدماء.

أما على الصعيد الفلسطيني فلعل الحالة أكثر سوادوية ومأساوية،حيث أن شعبنا الفلسطيني عامة والطبقة العاملة الفلسطينية خاصة،ترزح تحت نير اضطهاد قومي وطبقي واسعين،فالاحتلال بكل تجلياته وتمظهراته،ما زال يمنع شعبنا الفلسطيني من نيل حقوقه الوطنية في العودة والدولة المستقلة وتقرير المصير،وكذلك يحتجز تطوره ونهوضه من خلال سياسات العزل والحصار والتجويع والإغلاق وتقطيع الأوصال والعدوان المستمر والمتواصل،ناهيك عن اتفاقيات اقتصادية تعمق من تبعيته وعدم فكاكه عن الاقتصاد الإسرائيلي.

والطبقة العاملة الفلسطينية،والتي بفعل سياسات الاحتلال ،تحول قسم كبير منها الى قوة خارج العمل،حيث نسبة البطالة،تصل الى ما نسبته 65% في القطاع وتتجاوز 40% قي الضفة الغربية،وأضحت نسبة واسعة من جماهير شعبنا وبالذات طبقته العاملة تعيش على المساعدات والاغاثات،هذه الطبقة التي تزداد بؤساً وفقراً بسبب السياسات الداخلية لحكومتي رام الله والمقالة في غزة،حيث الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي والارتهان إلى سياسة الدول المانحة واشتراطاتها المذلة سياسيا واقتصادياً واجتماعياً،ورغم أن الطبقة العاملة الفلسطينية هي الأوسع والأكثر عطاء وتضحية شهداء وجرحى ومعتقلين وإنتاجا ،ولكن كل ذلك لم يشفع للطبقة العاملة الفلسطينية أن تكون حتى حاضرة وممثلة في الحوار الوطني الفلسطيني،وهذه الأزمة ليست بمعزل عن أزمة الحركة النقابية العمالية،حيث تتنازع تمثيل الطبقة العاملة العديد من الاتحاد العمالية والتي همها بالأساس الصراع على المراكز والنفوذ والاستحواذ على التمويل الخارجي،وغالباً ما يكون مال موجه سياسياً واقتصادياً،ويعطي ليس من أجل خلق فرص عمل وإقامة مصانع أو مؤسسات إنتاجية،بل غالبا ما يكون من أجل عقد ورش عمل ودورات تثقيفية وتدريبية أو لعمل إداري ومكتبي،وهناك فجوة واضحة ما بين القيادة التي تتربع على رأس هرم قيادة الطبقة العاملة،ومن مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،فهي قيادات غير منتخبة منذ أكثر من عشرين عاماً،ناهيك عن أن عدد منها هو جزء من السلطة القائمة وظيفياً،وهذا ينفي الاستقلالية عن الحركة النقابية،وكذلك فالقوى الديمقراطية النقابية عدا عن ضعفها وتفككها الداخلي، فدورها في القرار النقابي العمالي غير مؤثر،كذلك هويتها الفكرية غير واضحة،ووجودها في الاتحاد وهيئاته ومؤسساته بدلاً من أن بشكل رافعة لأوضاعها ولدورها في النهوض بأوضاع الطبقة العمالية،أضحت جزء من الحالة القائمة وفقدت لونها وهويتها وتم تدجينها ومما ساهم في تراجع وتففكك آخرين في أوضاعها وبنيتها.

والأزمة العميقة التي تعصف بالكل الفلسطيني،والتي طالت كل شيء،طالت الحركة النقابية العمالية أيضاً،حيث يمكن توصيف الحالة على أنها عمالياً،خمول وتراجع في مستوى الحضور والفعل النقابي،والتأثير في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية كنتيجة طبيعية لطغيان العمل السياسي وغياب المضمون الطبقي والهيمنة والتفرد والاستحواذ على مقدرات الحركة النقابية واختزالها بأطر ومؤسسات تحولت الى مؤسسات شبه حكومية.

هذه الحالة الفلسطينية البائسة والمزرية سياسياً ونقابياً،تستدعي جملة من المهام والمسؤوليات تنتصب أمام قوى الحالة الديمقراطية النقابية الفلسطينية خاصة،والقوى النقابية الفلسطينية عموماً.

· فالقوى النقابية الديمقراطية من غير الجائز والمقبول أن تستمر في تشتتها وتبعثرها وتعدد تعبيراتها النقابية،وتغييب الديمقراطية في صفوفها،وأن تبقى أسيرة التذيل لهذا الفريق أو ذاك،ومن واجبها الشروع الفوري في توحيد تعبيراتها النقابية،والتمسك بإجراء انتخابات ديمقراطية شاملة للحركة النقابية،وعلى قاعدة وطنية وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.وبما يعزز من دور وحضور وتأثير الحركة النقابية العمالية في كل مناحي وجوانب الحياة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

· من الضروري إجراء انتخابات شاملة لكافة هيئات ومؤسسات الاتحاد،وبما يضمن أوسع مشاركة عمالية من أجل ضمان انتخاب قيادة عمالية،تعبر عن هموم وتطلعات الطبقة العاملة ،فهناك حالة من التكلس والجمود وعدم التجديد في كل هيئات ومؤسسات الاتحاد،وتسلط كتلوي فوقي على هيئات ومؤسسات الاتحاد وقيادة الطبقة العاملة الفلسطينية.

· إن جماهير العمال الفلسطينية وكافة شرائحه الاجتماعية الفقيرة والمهمشة هي التي تدفع أكثر من غيرها ثمن سياسات الاحتلال من جهة،وثمن سياسات الانقسام من جهة أخرى،وهي بحاجة إلى سياسات تنموية واجتماعية تنصفها وتعيد لها كرامتها فهي أداة التنمية وهدفها في آن واحد.

· ما يجري من حديث عن أنظمة وقوانين وخطط تنموية لا قيمة ولا معنى له بدون آليات للتطبيق والتنفيذ ولا معنى لكافة التبريرات التي التي تسوقها وتدعي بها الجهات الرسمية في الرد على تجاهلها،وعليه أرى أن سياسة دعم القطاع الخاص وتطويره،يجب أن لا تكون على حساب الخدمات المقدمة للشرائح الفقيرة والمهمشة ولا بد من ترابط شعار دعم وتشجيع الاستثمار بدعم وحماية العمل والعمال.

· إن الحركة النقابية بواقعها الراهن أعجز من أن تتصدى للمهام الملقاة على عاتقها لذلك نرى أن انعتاق القوى الأكثر التزاماً بالهوية الطبقية مطالبة بالعمل والمبادرة بعيداً عن سياسة الارتهان للمؤسسات النقابية الرسمية والتي تحولت الى مؤسسات شبه حكومية باتجاه استعادة وحدة وبناء الحركة العمالية على أسس وقواعد نقابية ذات بعد طبقي واضح وبما يخدم المشروع الطبقي لجماهير عمالنا وشعبنا.

هذه جزء من المهام التي يجب العمل على القيام بها وتنفيذها،لكي لا يأتي عيد العمال العالمي القادم،ونستمر في اجترار نفس اللغة والمفردات عن والوحدة والديمقراطية والاستقلالية النقابية.

الثلاثاء، أبريل 28، 2009

خطورة الإقتراع لوكلاء حزب الله المسيحيين

الياس بجاني

إن مهمات وأهداف حزب الله العسكرية أصبحت واضحة المعالم، وهي لم تعد مكوناتها خافية حتى على الأطفال والسذج، فهو عملانياً حزب السلاح الإيراني الملتحف كذباً وتمويها عباءة المقاومة والتحرير، وفي الواقع المعاش هو جيش إيران الملالي في لبنان، الذي ليس له أية علاقة لا بالمقاومة ولا بالتحرير.

كل الوقائع الملموسة والمعاشة تقول إنه حزب مسلح ليس فيه أي شيء لبناني، لا عقيدة، ولا انتماءً، ولا قراراً، ولا تمويلاً، ولا مرجعية، ولا تسليحاً ولا ثقافة، ولا أهدافاً. صحيح إن أفراده يحملون الجنسية اللبنانية، ولكن صورياً وورقياً، ودون أي التزام دستوري ووجداني وكياني ومجتمعي بلبنان وكيانه، وهم بكل تأكيد وجزم يحملون مشروع ولاية الفقيه الإيراني التوسعي والتدميري، ويعملون في خدمته وبأمرة مرجعيتهم الإيرانية المطلقة.

الحزب وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، ونائبه الشيخ نعيم قاسم، وغيرهما العشرات من القياديين، لا يخفون هذا الأمر، بل يفاخرون به جهراً، وكتاب الشيخ قاسم الأخير هو خير إثبات على حقيقة الحزب غير اللبنانية والعربية، وحقيقة مشروعه ومرجعيته.

لقد أصبح معروفاً للقاصي والداني بأن الحزب هو ذراع إيرانية عسكرية، وتابع مباشرة للحرس الثوري فيها، وأن دويلته ومربعاته الأمنية المفروضة على اللبنانيين بقوة السلاح "والبلطجة"، في كل من بيروت والجنوب والبقاع، هي ثكنات عسكرية متقدمة بكل ما في الكلمة من معنى، وما يجري بداخلها من أمور وعلى المستويات كافة، لا علم، ولا قرار، ولا سلطة للدولة اللبنانية المركزية بشأنها.

يشار هنا إلى أن سكان الدويلة ومربعاتها، ليس فقط لا يدفعون أية رسوم أو ضرائب كباقي المواطنين اللبنانيين، لا بل إن الممسكين بمصيرهم وقرارهم، وهما حزب الله وحركة أمل يفرضان على الدولة تمويلهما في مجالات عدة، منها مجلس الجنوب، ومعاشات وتقديمات شهرية لأعداد كبيرة جداً من مقاتليهما الأحياء منهم والأموات، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

إن ممارسات حزب الله الإيرانية، العسكرية والمخابرتية، لم تعد مقتصرة على السعي المنظم والدؤوب الميليشياوي لافتراس وإسقاط النظام اللبناني التعايشي والحضاري والديموقراطي تدريجياً، وضرب مكوناته الإثنية والمذهبية المتنوعة، وتسخيف وتجويف وتهميش كل مفاهيم ثقافة السلم والحريات وقبول الآخر والانفتاح والمجتمع المدني، لا بل وسع الحزب دائرة نشاطه، وها هو ينفذ مهمات تدميرية وإرهابية في دول متعددة منها مصر، وغزة واليمن والعراق والبحرين وأميركا الجنوبية وأوروبا وأخيراً وصل "بمقاومته وتحريره" إلى أذربجيان.

جريدة السياسة الكويتية الصادرة بتاريخ 27 نيسان/2009 نشرت الخبر التالي، وقد وجاء تحت عنوان: ("اعتقال عنصرين من "حزب الله" خططا لضرب أهداف غربية في أذربيجان". " كشفت مصادر شديدة الخصوصية أن السلطات الأمنية في أذربيجان اعتقلت اثنين من كوادر "حزب الله" هما عضوان في خلية تابعة للحزب ول¯"الحرس الثوري الإيراني", كانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف غربية في العاصمة باكو, رداً على اغتيال القائد العسكري في الحزب عماد مغنية بواسطة سيارة مفخخة في قلب دمشق في 12 فبراير من العام الماضي.وأوضحت المصادر إن "حزب الله" ما زال يتستر حتى الآن على اعتقال علي نجم الدين وعلي كركي, رغم أن السلطات الأذرية كشفت الخلية التي كانت تخطط لضرب مصالح غربية في العاصمة, قبل أشهر عدة, مشيرة إلى أن الرجلين كانت مهمتهما الإشراف على عمل المجموعات التي تولت جمع المعلومات وتحديد الأهداف ورسم خطط التنفيذ. وكشفت أن "الحرس الثوري" وبغية إخفاء هويتهما الحقيقية, قام بتزويدهما بجوازي سفر إيرانيين بإسمين وهميين, إلا انه خلال التحقيق معهما تبينت هويتهما اللبنانية وانتماؤهما إلى "حزب الله", حيث يدعى الأول علي نجم الدين من سكان مدينة بعلبك, والثاني علي كركي من سكان قرية عين بوسوار التابعة لقضاء النبطية في جنوب لبنان. وأشارت إلى أن "حزب الله" و"الحرس الثوري" امتنعا عن الإعلان عن سقوط هذه الشبكة, خشية افتضاح أمر تورطهما في التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية, ومخافة التأثير السلبي لذلك على معنويات الشبكات الأخرى التي يديرانها في أماكن أخرى في العالم, كما ظهر أخيراً مع اكتشاف شبكة الحزب التي خططت لتنفيذ عمليات تخريبية في مصر. وذكرت المصادر الخاصة أن "حزب الله" يحمل مصطفى بدر الدين الذي تولى منصب مغنية, مسؤولية سقوط الشبكتين في أذربيجان ومصر, مشيرة إلى أن عدم إعلانه عن تابعية المعتقلين اللبنانية حال دون متابعة مصيرهما من قبل وزارة الخارجية")

وفيما كان النائب محمد رعد يبشرنا في بداية هذا الأسبوع: "بضرورة ذهاب حكومة لبنان كما ذهب الرئيس الأميركي جورج بوش وأولمرت، ويقول لنا إن على المعارضة ضرورة الحصول على الأكثرية النيابية مهما حصل"، في هذه الإثناء كانت عناصر من الحزب تقوم بمهمة "تحرير ومقاومة"، في بيروت حيث خطفت لاجئ من عرب إيران من أمام المستشفى الحكومي ونقلته إلى دمشق بصحبة عائلته تمهيداً لترحيله إلى إيران." موقع العربية نت لخص الواقعة المقاومتية هذه في التقرير التالي: (" 27 نيسان 2009 المصدر: موقع العربية. نت: اتهم مصدر حقوقي أحوازي أمس الأحد نشطاء من "حزب الله" بمعاونة أفراد البعثة الديبلوماسية الإيرانية في تنفيذ عملية خطف لاجئ من عرب إيران من أمام المستشفى الحكومي في بيروت ونقله إلى دمشق بصحبة عائلته تمهيداً لترحيله إلى إيران. وقال المسؤول في منظمة حقوق الإنسان الأحوازية كريم بني سعيد عبديان لـ"العربية.نت": "إن المعلومات التي تلقتها المنظمة تفيد أن اللاجئ العربي الأحوازي علي هلالي مجد وزوجته وأطفاله الثلاثة تم نقلهم إلى دمشق تمهيداً لتسليمهم إلى إيران"، مشيراً إلى أن دمشق سبق أن سلمت لاجئين أحوازيين إلى طهران. وأوضح عبديان أن علي هلالي كان نقل طفلته رحاب (3 أشهر) إلى المستشفى الحكومي الأسبوع الماضي في بيروت لتلقي العلاج. وأشار إلى أن أسرة الهلالي كانت حصلت على حق اللجوء من أستراليا قبل عام عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في دمشق، إلا أنها انتقلت لاحقاً إلى بيروت خوفاً من تسليمها إلى إيران، لافتاً إلى أن "العادة جرت في دمشق باعتقال من يحصل على حق اللجوء السياسي وتسليمه إلى السلطات الأمنية الإيرانية قبل انتقاله إلى البلد الذي وافق على منحه الإقامة على أراضيه كلاجئ".)

وفي حين أن أخبار مهمات شبكة حزب الله الإرهابية في مصر تتكشف يوماً بعد يوم، ذكرت الصحف الإسرائيلية هذا الأسبوع أن حزب الله يغرق الدولة العبرية بالمخدرات المتنوعة، ونقل موقع "يديعوت أحرونوت: الإسرائيلي أن كميات كبيرة من المخدرات تتم مصادرتها على الحدود مع لبنان فما اعتقل ما يزيد عن 20 مهرباً جميعهم يعملون بالتنسيق مع حزب الله. هذا وأشارت معطيات الجيش الإسرائيلي إلى تزايد عدد محاولات تهريب المخدرات خلال العام 2008 عبر الحدود مع لبنان مقارنة مع العام 2007، وأنه في العام الماضي تم إحباط 19 عملية تهريب، بينما تم إحباط عملية واحدة في العام 2007.

هذا وتفيد عشرات التقارير الموثقة أن حزب الله يقوم بعمليات تهريب للمخدرات والأسلحة والرجال وللعديد من البضائع بين المكسيك والولايات المتحدة، وفي عدد لا يستهان به من دول أوروبا وأميركا الجنوبية. وهنا لا يغيب عن المراقبين تورط حزب الله العسكري المكشوف في اليمن والعراق والبحرين والكويت.

وبما أن حزب الله يستعمل التيار العوني غطاء مسيحياً لمشروعه، ويجهد حالياً في دعمه انتخابياً، فإنه من المهم جداً العودة إلى ايجابيات زيارة الحج البرتقالية، التي قام بها العماد ميشال عون وربعه إلى إيران السنة الماضية، فقد بدأت تظهر مفاعيلها البرتقالية بقوة، وها هو الرئيس الإيراني أحمد نجاد يروّج لبرتقال إسرائيل ويعترف بحقها في الوجود. ("ا ف ب وموقع العربية. نت 27/4/2009: أقر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد للمرة الأولى بحق إسرائيل في الوجود، مؤكداً انه لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل إقليمي على أساس "دولتين". وتأتي ليونة نجاد في خطابه المعادي لإسرائيل، بعد أيام قليلة من الكشف عن انتشار كميات كبيرة من البرتقال الإسرائيلي في الأسواق الإيرانية تحمل ملصقات عبرية كتبت عليها كلمة "يافا"، وهو الملصق الرسمي الذي تستخدمه المؤسسة الإسرائيلية للترويج للحمضيات".

يحق للعماد ولصهره الوزير باسيل أن يفاخرا أمام الناخبين في كل من جبيل وكسروان وزحلة وبعبدا وجزين بانجازهما الكبير هذا الذي تجسد بنقل شعارهما البرتقالي إلى إيران، وعن طريق الرئيس نجاد نفسه، حتى ولو كان من إنتاج إسرائيلي، ما عاد يهم!!

القصة كلها قصة تجارة وتبادل مصالح، ليمون بصواريخ، ونواب للتيار العوني من الإخوان والحزب الإلهي مقابل التخلي عن الشعارات والوعود، وعن الدولة ومؤسساتها، وحتى عن القميص والبنطلون. ونيال التيار وعماده بنواب وودائع وعباقرة مستقبليين في مقدمهم الوطني والمقاوم الكبير إميل رحمة، وحليف وسند الجيش اللبناني التاريخي زاهر الخطيب، والجنتلمان جداً عاصم قانصو، وغسان الأشقر المسوٌق العنيد للهوية والكيان اللبنانيين، وغاندي الحزب القومي السوري اسعد حردان. "وبالبيروتي الكلاوي: "ولي ملا آخره؟!!!

يجب ألا نغفل أهمية ووزن المرشح غسان الرحباني، فالرجل وكما صرح في مقابلة له من على شاشة التلفزيون البرتقالي، فهو ليس فقط مغنيا وموسيقيا ومونولوجست، وهذه مواهب لا يمكن إنكارها عليه، بل هو "مفكر" أيضاً، وات كي يكتب التاريخ من جديد، كما قال رداً على أحد المتصلين. والله يكون بعون التاريخ، من عون وربعه!!

بناء على كل ما ورد، وما لم يرد، وعطفاً على شعارات تقديس السلاح، وقطع الأعناق والأيدي وبقر البطون، وغزوة بيروت والجبل في 7 أيار، وعلى حرب الـ 2006، حرب "لو كنت أعلم"!! فإن من يقترع في الانتخابات النيابية اللبنانية للمرشحين من وكلاء حزب الله المسيحيين تحديداً، كون نتائج المعركة محصورة بالصوت المسيحي، فهو يقترع لمشروع دولة ولاية الفقيه في لبنان، ويقترع ضد ثوابت ونهج وعطاءات الكنيسة المارونية التاريخية، ويقترع للإرهاب ولمشروع ملالي إيران النووي والتوسعي، ويقترع ضد السلم والحريات والديموقراطية والتعايش، ويقترع لصالح ثقافة الموت والانتحار، ويقترع ضد لبنان الرسالة، والأخطر أنه يقترع لقتلة الشيخ بشير الجميل، والرئيس الحريري، والرئيس رياض الصلح، وسليم اللوزي، والرئيس رينه معوض، وسمير قصير، وانطوان غانم، ووليد عيدو، وجورج حاوي، وفرنسوا الحاج، ووسام عيد، والمفتي حسن خالد، ورياض طه، وكمال جنبلاط، وجبران التويني، وبيار الجميل، وباسل فليحان، وداني شمعون، وباقي شهداء ثورة الأرز الأحياء منهم والأموات، ويقترع ضد دماء وتضحيات كل شهداء لبنان الإبرار. من يريد أن يبقى لبنان دولة غائبة وأرضه سائبة فليقترع لوكلاء حزب الله المسيحيين البرتقاليين..

ليعلم كل مواطن مسيحي تحديداً، بأن الورقة التي سيسقطها في صندوق الإقتراع، إما أن تكون ورقة "نعي" لبنان الكيان والرسالة، إن كانت لصالح وكلاء حزب الله، أو ورقة قيامة الوطن إن كانت لمرشحي ثورة الأرز.

ولأن الحياة موقف، فإن من يشهد للحق، الحق يصونه. ونختم بقول الإمام علي: "لا تكن ممن ينهي ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، ويصف العبرة ولا يعتبر. فهو على الناس طاعن، ولنفسه مُداهن."

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكترونيphoenicia@hotmail.com

الاثنين، أبريل 27، 2009

هلال شيعي..ولا نجمة داوود

د. صلاح عودة الله
تسابق المسئولون المصريون في الفترة الأخيرة في اصدار تصريحاتهم فيما يخص مشكلة بلادهم مع حزب الله, فقد أطل علينا وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط بتصريح لا أول له ولا اخر مدعيا أن سياسة ايران في الشرق الأوسط تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري,وقد علل أبو الغيط ذلك قائلا ان ايران هي التي دعمت حركة حماس في غزة في انقلابها وحسمها العسكري عام 2007, وغزة تقع على مرمى حجر من مصر, وكذلك التغلغل الايراني في العراق مطالبا بفرض القيود على علاقات بلاده مع ايران, والجدير بالذكر ان هذه العلاقات مقطوعة منذ عام 1980 م.
ولكي تكتمل هذه التصريحات, فاجئنا رئيس أكبر دولة عربية والتي كانت تسمى في يوم من الأيام"مصر العروبة" بتصريح ناري مفاده ان"الانقلاب" الذي أقدمت عليه حركة حماس في قطاع غزة غير مقبول وعلى حماس العودة الى الشرعية الفلسطينية.
فعلا, شر البلية ما يضحك..هل أصبحت غزة المحاصرة والمنهوكة تشكل خطرا على سيادة مصر؟, ما هكذا تورد الابل يا أبا الغيط, اننا لا نزال نتذكر تصريحاتك المخزية أثناء الهجوم البربري الصهيوني على غزة هاشم حينما هددت بتكسير عظام كل من يحاول اقتحام المعابر الى مصر, وأنت تعرف تمام المعرفة بأن كل من حاول عبورهذه المعابر لم يكن يقصد الدخول الى الأراضي المصرية للنقاهة والاستجمام,بل للفرار من القنابل الفوسفورية والة البطش الصهيونية التي حرقت الأخضر واليابس على مسامع وأنظار العالم بأسره..فماذا فعلت حكومة بلادك لهذا الجزء من فلسطين والذي كان يخضع لسيادتها حتى حرب حزيران عام 1967 م..أين الأخلاق يا أبا الغيط؟.وهل همكم الوحيد هو محاولتكم قمع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان والتي هي أبعد ما تكون عن أولويات مصر في ماضيها القريب والبعيد, ومصر الكبيرة التي كان يخطب الجميع ودها ويهابها أصبحت تتخوف من تهديد يصدر من هذا الصهيوني أو ذاك..فليبرمان العنصري الصهيوني الحاقد والذي أصبح وزيرا لخارجية العدو هدد بل طالب بضرب السد العالي ومكافئة له على ذلك يتم الترحيب به لزيارة مصر..ويل لكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
وأما بالنسبة لتصريح الرئيس المصري فنقول:عن أية شرعية تتحدث يا سيادة الرئيس؟..تطالب حماس بالعودة الى الشرعية, ونذكرك بأن هذه الشرعية لم تستطع جكومتك والتي تقف على رأس هرمها حمايتها عندما كان الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار رحمه الله يخضع لحصار صهيوني فتاك في المقاطعة في رام الله..كان محاصرا ومن جميع النواحي بالدبابات الصهيونية..ماذا فعلت يا فخامة الرئيس؟ من أضعف الايمان كان عليك أن تقوم بطرد السفير الصهيوني من قاهرة المعتز, لكنك قمت بتشديد الحماية عليه وكل ذلك من أجل العملية السلمية والسلام.
ان السياسة المصرية الرسمية منذ كامب ديفيد تتصف بالازدواجية في التعامل والنفاق السياسي الذي لا حدود له, وهذه السياسة عودتنا على عدم الخروج على المنطق الأمريكي الذي يدعم كل الدعم المنطق الصهيوني, ومن المعروف أن مصر تتلقى 2 مليار دولار من أمريكا سنويا منذ توقيع كامب ديفيد والمقابل الذي تدفعه مصر هو التطبيع مع الصهاينة والابتعاد عن الصف العربي, وهذا ما حصل فعلا..فالدور القيادي المصري تضاءل تحت وطأة الضغط الأمريكي والتهديد بقطع هذه المعونات واستخدم الصهاينة الورقة الأمريكية بنجاح كامل إلى درجة أن
مصر لم تستطع أن تختار لنفسها سياسة مستقلة من شأنها الإضرار بمصالح"إسرائيل" أو حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
ان هذه الازدواجية جعلت من مصرتنادي بضرورة الوفاق العربي و التضامن من جهة ومن جهة أخرى تضرب بعرض الحائط كل مفاهيم الوفاق والوحدة المصيرية من أجل ارضاء امريكا والكيان الصهيوني, فمن المعروف أن العلاقات المصرية-الصهيونية لها الأولوية على حساب العلاقات المصرية العربية..والتأريخ حافل بالمواقف التي تؤكد صحة ما أقول,ابتداء من توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتي لم يستفتى فيها حتى الشعب المصري, ومرورا بتوقيع اتفاقية التجارة"الكويتز" مع الصهاينة, هذه الاتفاقية التي أرادت منها مصر اقامة تطبيع اقتصادي يحل محل التطبيع السياسي الذي رفضه الشعب المصري الأبي.
ان النظام المصري الذي لم يفلح كثيرا في تحقيق إنجاز مهم للارتقاء بمصر في أي مجال من مجالات الحياة, تراه لجأ إلى التحالف مع الخارج لأن"العدو الداخلي" يستطيع مواجهته بالجيش وقوى الأمن التي أصبح دورها وهمها ليس الحفاظ على مصر قوية عزيزة أكثر من حماية النظام نفسه.. فلك الله يا شعب مصر وعظم الله أجرك يا أمة العرب في مصرودورها.
وبالعودة الى تصريحات الرئيس المصري وللحقيقة انها لم تفاجئنا على الاطلاق وأيضا التأريخ يشهد وهو خير من يشهد بأن هذا الرئيس أطلق الكثير من التصريحات نلخص أهمها:القول بأن الشهيد ياسر عرفات صار عقبة في طريق السلام و ليس شارون ليعزل عرفات ويحاصر في المقاطعة.. القول بأن الرئيس العراقي الراحل الشهيد صدام حسين هو سبب مآسي الأمة وليست اتفاقية كامب دافيد ليتم تدميرالعراق بحجج واهية..القول بأن ايران و سوريا تشكلان الخطر الأكبر والذي عليه ان يغير سياسته و ليست"اسرائيل" أو امريكا لتحاصر سوريا سياسيا بل عربيا ودوليا.
وأما بالنسبة لتصريحات الساسة المصريين بخصوص ايران فنقول يا حبذا لو تعلموا من مقولة المفكر المصري جمال البنا"إنه لمن الخير أن ننظر إلى المستقبل البعيد وأن نتعلم من دروس التأريخ ومن ضرورات الوقائع من هو عدونا الحقيقي؟"..انني لا أتفق مع النهج السياسي الايراني تماما الا أنني على يقين بأن ايران هي من الدول الأقوى في المنطقة وعموما لا تشكل خطورة على دولنا العربية والاسلامية, فلماذا لا نقوم بالتحالف معها باعتبار أن العدو واحد ومشترك؟, ومن جهة ثانية, هل يدرك النظام المصري هذا الأمر ويقوم بازالة وهم كبير من رأسه, ألا وهو الوهم الصهيوني والتطبيع معه, لأن الصهاينة هم العدو الأساس وهم في تكاثر مستمر ولا أستغرب أن يقوموا باعادة احتلال سيناء مرة أخرى بعد أن تضيق بهم"رقعتهم"..فهل ستطلب مصر تدخل ايران حينئذ؟, ومن هنا نقول للنظام المصري والأنظمة العربية الأخرى التي تعادي ايران: بدلا من استعداء ايران عليكم بشد الرحال الى التحالف معها والتعلم منها لأن هذا الأمر يخدم ويصب في مصلحة الأمن القومي العربي برمته, هذا الأمن الذي نريده أمنا موحدا له أهدافه المحددة والموجهة والذي نحن بأمس الحاجة اليه اليوم, ونقول أيضا اتركوا الدعارة السياسية والتي لم تجلب لنا الا الويلات وخيبات الأمل والتقهقر, وصدق السيد عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري الأسبق حينما قال"سعينا الى علاقات جيدة مع اسرائيل خدمة للاهداف العربية, لكن امريكا لا تعرف في المنطقة غير مصالح اسرائيل"..فهل يتعظ الساسة المصريون والعرب؟..سؤال ربما ستجيب عليه الفترة القادمة وهي ليست ببعيدة..!.
*نجمة داوود:إن نجمة داود هي رمز يتخذها اليهود شعارا لهم و لدولتهم و يضعونها بين خطين متوازيين لونهما ازرق و النجمة أيضا زرقاء اللون وترمز هذه النجمة إلى اليهود أو إلى بني إسرائيل, و الخطان يرمزان إلى نهري النيل و الفرات, واليهود يؤمنوا بأن الله عز وجل قد وهبهم الأرض الواقعة بين نهري النيل و الفرات.
-القدس المحتلة

الديمقراطية بين العوائق والاستحقاقات

زهير الخويلدي

" إن الديمقراطية هي أبعد المفاهيم السياسية عن الطبيعة وهي وحدها تسمو في المقصد على الأقل على شروط المجتمع المغلق، إنها تنسب للإنسان حقوقا لا يجوز انتهاكها ولكي تبقى هذه الحقوق مصانة توجب على الجميع أن يخلصوا لواجبهم إخلاصا لا يتبدل."[1]

ظلت الأنظمة التي تزعم الديمقراطية منذ بداية المجتمع الانساني مجرد ديمقراطيات زائفة والإنسانية إلى اليوم مازلت تبحث عن دولة ديمقراطية بالمعنى الحقيقي للكلمة تجمع بين النجاعة والعدالة وبين السيادة والمواطنة وبين السؤدد والمجد وكأن النظام الديمقراطي لا يناسب هؤلاء الخطائيين من بني البشر الذين يصعب علينا أن نتصور شعبا يظل مجتمعا دون انقطاع متفرغا في مناقشة الشؤون العمومية" [2]،وبالتالي فإن شعب من الآلهة هو فقط بإمكانه أن يحكم نفسه بطريقة ديمقراطية".

لقد تبادر إلى الأذهان أن الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وأنها احترام المجتمع السياسي الذي يدبر الشأن العام للمجتمع المدني الذي يمثل الشأن الخاص وأنها ناشئة عن تشكل الإرادة العامة عن طريق تعاقد حر بين الأفراد وأن تأسيس الدولة هو أمر ممكن من جهة النظرية الفلسفية وجائز من جهة الممارسة سواء بجعل مدينة الأرض تحاكي مدينة السماء كما يفعل اللاهوتيون أو بإيجاد تناغم مع نظام الكوسموس عند الإغريق ومع الطبيعة البشرية عند فلاسفة الحداثة السياسية ومع نظام العقل وتجليه في التاريخ عند هيجل ولكن كل هذه الأدبيات هرمت بسرعة وبان بالكاشف أنها تعاني من العديد من النقائص وتحولت الدولة الى "أبرد مسخ من المسوخ الباردة تكذب بكل رصانة عندما تقول:"أنا الدولة أنا الشعب""[3] وأصبحت حسب باكونين " كلية مفترسة تعيش على قرابين بشرية و جهاز يضحي بالحرية الطبيعية وبمصالح كل واحد في سبيل مصالح جميع الناس"[4] وبالتالي فهي تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة هيكلة وعرضها على غربال ديمقراطية المعرفة نفسها والشروع الجدي في البحث عن آلية ما بعد ديمقراطية تنهض بسياسة الحضارة وبتدبير فن الحياة على المعمورة.

ان الذي يجب تغييره هو مفهوم الدولة نفسه وكل العدة المفاهيمية التي تستوجبها فهي لم تعد الجسم السياسي والحقوقي الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بل أصبحت الإدارة السياسية التي تعمل على كبح القوى اللاعقلانية المتصارعة في المجتمع وتتفهم دوافعها من أجل التمييز بين الأصدقاء والأعداء.

"الديمقراطية لا توجد البتة بذاتها" والاقتراع العام لا يكفي البتة لتعريفها وليجعل منها نموذجا للحكم الصالح لاسيما وأن الاستعصاءات التي تمنع ظهورها كثيرة والأمراض التي تعاني منها لا تحصى ولا تعد بل إن بعض الأنظمة الملكية يمكنها أن تنتج قوانين مستقيمة وحكومات عادلة ومؤسسات ترسم الحدود لكل شخص وتحقق المساواة. فلماذا تعذر على الإنسانية معايشة الديمقراطية معايشة حقيقية؟ فماهي العوائق والصعوبات التي تحول دون قيام نظام ديمقراطي؟ وماهي الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يتمتع الأفراد بمجموع الحقوق الأساسية التي يضمنها الحكم الراشد؟

إن ما نراهن عليه هو تفادي الاستبداد الديمقراطي الذي يشرع للأفراد الاهتمام بالرغبات الأنانية والعزوف عن المشاركة الفعلية في الشأن العام والعمل على اكتساب عقلية ديمقراطية تكرس حقوق الموطنة في جميع تصرفات ومواقف ومعاملات الأفراد في الفضاء العمومي.

1- في الحاجة الى الديمقراطية:

"إن الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالبا وقل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه فتقع المنازعة وتفضي إلى الحرب والقتال."[5]

الديمقراطية تصور نظري وفكرة فلسفية أكثر منها تجربة معاشة وواقع تاريخي، وهي مفهوم معقد يخفي أكثر مما يظهر متعدد الأبعاد وتختلف حوله وجهات النظر، ويعود هذا الثراء والغموض الى إسهامات العديد الثقافات المختلفة في بلورته والانخراط في النقاش حول القضايا التي يطرحها ، وقد انتهى بالبعض الى اعتبار الديمقراطية بمثابة تراث مشترك للإنسانية وقيمة كونية شأنها في ذلك شأن منظومة حقوق الإنسان وأصبحت الديمقراطية مطلبا شعبيا وحلم كل كائن وبالتالي تلقى قبولاً عاماً ورواجا كبيرا عند مختلف الشعوب والنظم السياسية التي تشهدها المعمورة في العصر ما بعد الصناعي.

تعني الديمقراطية ايتيومولوجيا demoscratos حكم الشعب نفسه بنفسه أي ممارسة الشعب للسيادة وفقا لإرادته العامة ولكن يجب أن نلاحظ أن الديمقراطية هي في ذات الوقت سياسية أو اقتصادية واجتماعية و ترتبط بالحرية والعدالة. فماهي مختلف النظريات التي تطرقت إلى الديمقراطية؟

1- الديمقراطية السياسية تعني إطلاق الحريات المدنية: حرية التفكير وحرية التعبير وحق الاجتماع والتنظم من أجل تكوين الجمعيات والانتماء النقابي والمشاركة في الانتخاب الحر والنزيه... كما تسمح بالتعددية السياسية والاختلاف في الآراء والحوار وتسهر على حق الأمن والملكية والعدالة.

2- في حين تتمثل الديمقراطية الاقتصادية في مشاركة العمال في إدارة شؤون المؤسسات التي يعملون بها وفي إقرار حق كل مواطن في العمل والاستمتاع بأوقات ألفراغ الراحة وبالتالي حقه في دخل يحفظ له كرامته الإنسانية.

3- وتتمثل الديمقراطية الاجتماعية في تمكين الأفراد من العيش والأمن و حماية حياتهم من كل اعتداء و بالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية بمعنى التوزيع المنصف للخيرات.

4- أما الديمقراطية الفردية فتقوم على عدم تفضيل الدوافع الاجتماعية على الدوافع الفردية لأن التقدم الاجتماعي لا يتم إلا عن طريق التقدم الفردي ولذلك ينبغي أن تشجع الدولة الفرد وتحترمه وأن تفسح له المجال لإبراز مواهبه وتربيه على الاعتزاز بكرامته وتشعره بمسؤوليته المادية والمعنوية وتشجع التعاون بين الأفراد وتؤسس المساواة بين الناس بغض النظر عن الاختلافات والفوارق، وكما يقول برتراند رسل:"إن ظهور المبدأ الديمقراطي الحديث يتنافى والاستغلال الفردي أو الاجتماعي. انه يدعو إلى وجوب الاهتمام بالفرد اهتماما شاملا والى ضرورة نشر العدل والحرية والمساواة بين أفراد الشعب جميعا."

إن الديمقراطية حاجة حقيقية يطالب بها الجميع وحتمية تاريخية ينبغي القيام بمنعطف من أجل انجازها وهي كذلك مطلب فردي واقتضاء جماعي بعد أن مل الناس التسلط والانفراد بالرأي والتهميش والإقصاء وبعد شهدت العلاقات بين الدول حالة نكوص وارتداد نحو الحروب والاستعمار ولما تم إعادة إحياء مقولات قروسطية مثل الهمجية والجاهلية والعرق الأرقى والملة المختارة وانتشرت انفعالات سلبية نتيجة الشمولية وانغلاق العالم السياسي مثل الحزن والخوف وكراهية الآخر والغريب والمهاجر.

يجب أن نلاحظ أن الديمقراطية باعتبارها حكم الشعب للشعب ليست إلا مثالا يصعب تحقيقه في الواقع فـ"روسو" ينقد فكرة التمثيل الذي تمارس وفقه الديمقراطية , فممثلو الشعب هم الذين يمارسون السلطة باسمه عبر الانتخاب، ذلك أن "روسو" يرى أن الديمقراطية مباشرة أو لا تكون، وهو ما لا يمكن تحقيقه. و من هذا المنطلق بالذات يعتبر "أفلاطون" أن الديمقراطية هي اقل النظم السياسية سوءا, فهي نظريا النظام المثالي و لكن مثالي لا يمكن تحقيقه في الواقع".

من هذا المنطلق بالذات حذّر "دي توكفيل" من كون الديمقراطية يمكن أن تتحول إلى اضطهاد في ظل تكريس النزعة الفردانية بوصفها الميل إلى إثبات الذات على حساب قيم الآخرين في التكافل والتضامن. وهذا الميل يتمظهر في النظريات التي تبجّل حقوق الفرد على المجتمع إذ تبقى مصلحة الفرد فوق كل التزام سياسي، والدولة الليبرالية لا تكون ديمقراطية بحق إلا إذا حافظت على قيم الحياة الفردية.

2- عوائق الديمقراطية:

"مشكل المستبد ليس إلا الإسقاط الذاتي لمشكل السلطة التي لا يتمثل مرضها في إرادة الأفراد السيئة وعنف الأمير وجبن الرعايا بل في تواطأ عنف الواحد مع جبن الجميع في صورة فاسدة فريدة، في صورة آثمة...تشكل المستبد ونظيره المهان."[6]

إن نقيض الديمقراطية والأمراض التي تعاني منها هي الاستبداد والطغيان والشمولية والبيروقراطية والعنصرية وشعار المجتمع غير الديمقراطي هو "الثبات والهرمية والهيمنة".

ونعنى بالاستبداد Despotisme صفة الحكومة مطلقة العنان التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب" كما يرى عبد الرحمان الكواكبي والحكم الاستبدادي هو القائم على مبدأ حق الأقوى ولكنه أيضا يمكن أن يرتكز على ماهو عادل ومستنير. يصرح مونتسكيو حول هذا الموضوع:"يوجد نوعان من الاستبداد: الأول مادي ويتمثل في العنف الذي تمارسه الدولة والثاني هو الاستبداد بالرأي ويتجلى عندما تفرض الدولة رقابة على التفكير."

إن هم المستبد الأوحد هو ممارسة السلطة والاستمرار في الحكم والاستعباد التام للناس وفي ذلك يقول ديدرو:" ليس من مصيبة تحل بأمة سوى حكم عادل ولطيف ومستنير لكنه استبدادي" وهذا ما عناه دي توكفيل بالاستبداد الناعم والهادئ وسماه الاستبداد الديمقراطي وهو أشد فتكا من الطغيان,

أما الطغيان tyrannie فيبتدئ حيث تنتهي سلطة القانون ويعرفه جون لوك بأنه:" عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند إلى أي حق...وهو يقوم على استخدام امرئ ما السلطة التي آلت إليه من اجل مصلحته الخاصة لا من اجل خير المحكومين"، ويضع شرط لتحول الحكم إلى طغيان وهو" عندما يجعل الحاكم إرادته قاعدة السلوك عوضا عن القانون وعندما تتجه أوامره وأفعاله نحو إرضاء رغباته وشهواته...عوضا عن المحافظة على أملاك شعبه".

وتعني الشمولية totalitarisme نزعة استبدادية ناعمة وهادئة تقوم على استعباد الأفراد وإخضاعهم بطرق شتى إلى نموذج موحد يتمثل في فرض مشاريع سياسية وعقائدية وإيديولوجية واقتصادية عليهم يشرعها قائد واحد يبسط سلطانه على جميع الأفراد وكل المؤسسات. وقد اقترنت الشمولية بظهور أنظمة سياسية مغلقة وكليانية كالنازية والفاشية والستالينية حيث صرح ذات مرة بينوديتو موسيليني:"ان كل شيء في الدولة، لاشيء خارج الدولة ولاشيء ضد الدولة" ،وقد وصف الروائي كافكا النظام الشمولي بالدولة الشبح حيث يكون كل شخص عدو نفسه وفاقدا لخصائص تميزه عن غيره.

في هذا الصدد درست حنا أرندت أسس الشمولية وتبين لها:" النظام الشمولي هو الذي يحول دائما الطبقات الى كتل ولا يضع دكتاتورية الحزب الواحد مكان نظام الأحزاب بل حركة جماهيرية تنقل مركز السلطة من الجيش إلى الشرطة". وتقصد أنه النظام الذي يرفض الحق وحرية التفكير ويسعى إلى تكريس الاعتباطية والهيمنة حيث "ينزع باستمرار إلى استبدال المبادرات الشخصية للمحكومين بمبادراتها التحكمية الخاصة."

أما البيروقراطية فتفيد التنظيم اللاعقلاني للحياة الاجتماعية وغياب الحياد والمصداقية والشفافية في التسيير الإداري وعدم الاحتكام إلى قيم الجدارة والكفاءة والإتقان والتخلي عن تحمل المسؤولية وتفشي العديد في الأمراض في المؤسسات العمومية مثل التحيز والرشوة والمحسوبية. إن الديمقراطيات الحديثة لها طابع بيروقراطي بشكل رئيسي وبالتالي فهي تجنح إلى التقليص من فضاء الحرية, بل تسعى إلى جعلها بدون جدوى وفعالية وبدون معنى, لاسيما وأن البيروقراطية تبدو وكأنها "سلطة بدون هوية سياسية".

في حين أن العنصرية racismeتقوم على التمييز والمفاضلة والإقصاء والاستبعاد من دائرة الإنسانية وتحصر المواطنة في منطق الملة والعرق واللغة وحول هذا الموضوع يقول أدغار موران:"ستظل العنصرية جرح العالم وجرح الإنسان بحيث يمكنها أن تسكن في الأوقات الهادئة من التاريخ لكن أدنى اضطراب داخل مجموعة تجعلها تولد من جديد[7]."

ان هذه الأفكار العنصرية تحول دون تمتع الناس بحقوق المواطنة وتمنع التواصل والتضامن داخل المجتمع الواحد وتربى الناس على الحقد والخوف والتعصب والكراهية وهي ليست حكرا على المجتمعات الأقل حظا في التنمية بل نزعة هي شيطانية متغلغلة في أشد العقول تحضرا.

فماهي السبل الكفيلة بتجاوز هذه العاهات المستديمة والمساعدة على غرس نبتة الديمقراطية؟

3- شروط قيام الديمقراطية:

" لقد بتنا نعتقد أن الديمقراطية قد انتصرت وأنها تفرض نفسها اليوم باعتبارها الشكل الطبيعي للتنظيم السياسي فضلا عن كونها المظهر السياسي الذي تتجلى من خلاله حداثة قائمة على اقتصاد السوق من حيث شكلها الاقتصادي وعلى العلمانية من حيث تعبيرها الثقافي"[8].

لكن ماهو النموذج الديمقراطي الذي نعمل على صنعه؟ هل هي الديمقراطية الشعبية المباشرة أم أنها الديمقراطية التشاركية التوافقية؟ هل تقوم على حكم الأكثرية أم على ضمان حقوق الأقلية؟ وهل تؤدي إلى الوحدة والتطابق التام أم تحترم التنوع والتعدد وتبقي على الاختلاف والمنافسة؟

إذا كان "في النظام الديمقراطي يفوض الفرد حقه الطبيعي إلى الغالبية العظمى من المجتمع" فإن "أكثر الدول حرية هي تلك التي تعتمد قوانينها على العقل السليم" وإن" السيادة الحاكمة هي المبدأ الذي ينبغي أن يكون الأساس الذي تقوم عليه كل دولة سليمة التكوين". في هذا السياق يقول اسبينوزا :" ليست الغاية من تأسيس الدولة تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات وآلات صماء وإنما المقصود منها هو إتاحة الفرصة لأبدانهم وأذهانهم حتى تقوم بوظائفها كاملة في أمان تام." [9]

من البين إذن:"أن الحالة المدنية للمواطن تقوم على ثلاث مبادئ قبلية:

1- حرية كل عضو في المجتمع من جهة كونه إنسانا

2- المساواة بين كل إنسان وأي إنسان آخر من جهة كونه واحد من الرعية

3- استقلالية كل عضو من الجماعة من جهة كونه مواطنا.

أن هذه المبادئ... هي قوانين تسمح بإمكانية تأسيس دولة تمتثل إلى مبادئ العقل في مجال الحقوق الخارجية للبشر بصفة عامة."[10] من هذا المنطلق إن غاية ومبدأ "الديمقراطية هي تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء والإبقاء عليهم بقدر الإمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام وسلام"[11]

تعرف الديمقراطية بخاصيتين هما الحد من السلطة وتلبية الأغلبية مطالب الأقليات، في هذا المعنى يصرح أدغار موران:" إن احترام التعددية يعني أن الديمقراطية لا يمكن إن تكون متطابقة مع ممارسة ديكتاتورية الجماعة على القليات بل يجب إن تضمن حق الأقليات وحق المحتجين في الوجود وفي التعبير كما يجب إن تسمح بالتعبير عن الأفكار الشاذة والمنحرفة."[12]

يرى ألان تورين أن انخراط السلطة السياسية الديمقراطية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان جعلها تصارع على جبهتين، فمن ناحية تصارع ضد السلطة السياسية المطلقة الاستبدادية والكليانية كما أنها من جهة أخرى تعمل على وضع حدود للتصور الفرداني المطلق. وكنتيجة لهذا الصراع فإن النموذج الديمقراطي ينبني على مبادئ الحرية والوعي بالحقوق الشخصية والحقوق الجماعية والقدرة على تدبير الاختلاف والتعدد والاعتراف بتعدد المصالح والأفكار. وعليه فإن طبيعة السلطة السياسية الديمقراطية تتحدد في الاعتراف بالحقوق الأساسية والشرعية المبنية على التمثيل الاجتماعي للقادة وسياساتهم بالإضافة إلى المواطنة أو الانتماء إلى المجتمع على أساس الحقوق.

إذا كان ماكس فيبر يربط وجود الدولة بنوع خاص من العنف المشروع، وهو عنف تحتكره وتخول لنفسها ممارسته بشكل قانوني لحماية النظام العام، فإن بول ريكور يميل إلى ربط الدولة بالسلطة عوض عن العنف المشروع ،لأن فكرة السلطة لا تختزل إلى مجرد فكرة العنف كما أن منح الدولة امتياز العنف لا يعني تعريفها انطلاقا منه وإنما تعريفها انطلاقا من السلطة. والفارق بينهما هو أن العنف يحيل على استعمال القوة لإخضاع الآخرين، بينما تدل السلطة على الإمكانية والقدرة التي يتوفر عليها فرد أو جماعة فتمارس تأثيرها على الآخرين وتوجه تصرفاتهم بدون إكراه أو قوة. ولهذا فإن بول ريكور يضفي على الدولة طابعا مزدوجا عقلانيا وتاريخيا، ويتجلى الطابع المعقول للدولة في وظيفتها التربوية بحيث أن دولة الحق تشرع قواعد تراقب بها عمل الحكومة وتحد من عشوائيتها مع حرصها الشديد على تربية الجميع على الحرية على طريق المناقشة. ويمثل الطابع التاريخي الوجه الآخر للدولة من حيث كونها قوة وسلطة وليست عنفا.

لكن ما القول في الديمقراطية الليبرالية حسب تصور "جان راولز"؟ وهل يمكن أن تجمع بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية؟

خاتمة:

" يأتي تحديد السلطة داخل الدولة من استقلالية كل من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية... ومن التعددية الحزبية وتعدد مصادر المعلومات ومن الإقرار بحقوق الأقليات"[13].

ان مرتكزات الديمقراطية الليبرالية هي ضمان الحرية الفردية في ظل سيادة القانون وذلك بألا تطغى الأغلبية على الأقلية أو تهيمن الأقلية على الأغلبية ،كما تفضل الليبرالية الديمقراطية التمثيلية على الديمقراطية المباشرة، والدستور على سيادة الشعب، والحقوق - الحريات على الحقوق - الواجبات. ورغم ذلك تعاني الديمقراطية من انكماش يتمثل في انصراف الفرد إلى دائرة حياته الخاصة، وفي اللامبالاة بالفضاء العمومي، وعدم الاكتراث بالسياسة وانخفاض حرارة الحس الوطني، واللهاث وراء المتع الدنيوية أو اقتناص بالملذات وفي تسليم الأمر إلى القدر بنوع من الرواقية.

تحاول الديمقراطية الليبرالية أن تجمع بين محاسن الديمقراطية الاجتماعية وهي ضمان الحقوق الأساسية التي تتمثل في التعليم والصحة والسكن والشغل والعدالة ومحاسن الديمقراطية السياسية وهي التعددية والحريات والملكية وتنتقل من دولة الرفاه ومجتمع الوفرة الى دولة العناية ومجتمع التضامن.

حاول راولز استعادة الأمل الديمقراطي بفضل مفهوم العدالة التوزيعية التي تستهدف الفئات الأقل حظا والأكثر حرمانا في المجتمع، وإحياء ثقة المواطنين في المؤسسات الدستورية، وبعث التضامن في نفوس الأفراد. وفي نفس التمشي دعا أدغار موران إلى تبني سياسة كوكبية للحضارة ـاخذ بعين الاعتبار الطابع الثلاثي للوجود الانساني: الفرد والمجتمع والنوع فيتم تطوير علاقة الفرد بالمجتمع في اتجاه تحقيق المصلحة المشتركة وتطوير علاقة الفرد والمجتمع بالنوع في اتجاه المحافظة عليه وتمكينه من الوجود الأحسن الذي يحقق إنسانية الإنسان ويرجع له خاصيات الحميمية والتفرد والإبداعية التي فقدها في المجتمع ذي البعد الواحد المعولم.

من هذا المنطلق أكد موران على ضرورة اعتماد ديمقراطية متعقدة complexe تشكل نسقا سياسيا مركبا يقنن ذاتيا نفوذ الدولة بضمان الحقوق الفردية وحماية الحياة الخاصة والفصل بين السلطات. يصفها موران كما يلي:" تحتاج الديمقراطية إلى توافق أغلب الموطنين واحترام القواعد الديمقراطية، لكنها في نفس الوقت تحتاج إلى التعددية والى أنواع من الصراعات"[14].

هذه الديمقراطية التوافقية ينتجها المواطنون وتعمل هي بدورها على إنتاجهم، إنها ديمقراطية تحمي التعددية في الأفكار والآراء وتبقي على التنوع العرقي والاثني والثقافي وتعمل على إدارة الصراع وتتفادى إلغاء التنافس والتوحيد القسري ونجده يقول في هذا الأمر:"الديمقراطية تتطلب في نفس الوقت التوافق والتعددية والصراعية"[15].

تمثل الديمقراطية نسقا مركبا من عدة عناصر اجتماعية وحقوقية واقتصادية وفردية ومعرفية مترابطة ومتفاعلة وتكون نسيجا متشابكا تكون العناصر أجزاء داخل الكل ويكون الكل المتوحد مشتملا على عناصر متعددة حيث يظل النزاع قائما بين الجزء والكل والعرضي والجوهري وبين الثابت والمتغير وبين الواحد والمتعدد وبين الحق والسلطة. ورغم كون السلطة ضرورية للتنظيم الاجتماعي فإنها تبقى باعتبارها علاقات هيمنة غير محتملة، بما أن كلّ الناس متساوين في الحقوق مبدئيا، لذلك فإن فن السياسة لا يتمثل في شيء آخر سوى إعطاء أساس مشروع لعلاقات السلطة حتى لا يحصل تطابق السلطة بالهيمنة التامة وتطابق الطاعة بالعبودية.

تقوم الدولة الليبرالية على مبادئ إجرائية يتم تحديدها والإجماع على معناها بعد تجربة شاقة وطويلة من النقاش والتفاوض بين المواطنين وهي الحرية والحق والفرد والملكية والمنافسة والعدالة والتسامح، واللافت للنظر أن الحرية هي حالة الفرد في علاقته مع المجتمع المدني والسلطة السياسية وتدل أولا على حرية طبيعية مطلقة وفي مستوى ثان على حرية مدنية نسبية تعني استقلالية الإرادة وغياب كل أشكال القهر والإلزام وتفترض طاعة القانون وليس الخضوع له، في هذا السياق يقول ماركس:" الحرية هي قدرة الإنسان على فعل ما لا يلحق ضرار بحقوق الآخرين"[16].

في حين يحمل معنى الحق على ما يخول للإنسان الفرد بموجب طبيعته من حرية وملكية وحفظ البقاء ويشير أيضا إلى الحق المدني الوضعي وهو التصرف وفق ما يشرعه القانون وما يبيحه أو يمنعه، ويفيد مفهوم القانون مجموع الضوابط والقواعد التشريعية العامة التي تحدد حقوق المواطن وواجباته وما يحق له المطالبة به وما يجب الامتناع عن فعله. وتجمع الدولة في النظرية الليبرالية بين العدالة والتسامح ولكنها تعرف العدالة على أنها تكافؤ الفرص في إطار من المنافسة النزيهة بين القدرات والمؤهلات وتوزيع ما يساعد الفرد على التمتع بحياة الرفاه وتحقيق الثراء، في حين أن التسامح هو قبول الغير والاعتراف به كما هو والسماح له بأن يعبر عن رأيه بحرية حتى وأن كان مخالفا للسائد.

من هذا المنطلق فان المشكل السياسي للسلطة يتمثل في كيفية وضع حدود لها حتى لا تتحول إلى استبداد تام. ويرى مونتسكيو أن السلطة وحدها يمكن أن تقف في وجه السلطة ومن هنا تأتي فكرة التفريق بين السلطات الثلاث. ودولة الحقوق هي الدولة التي تهدف إلى وضع حد لإمكانات استغلال النفوذ الذي يتولد عن غياب المعايير القانونية والحقوقية. إن وجود سلطة مضادة والتشريع للتعددية السياسية وتفعيل المشاركة في الشأن العام مشاركة حقيقية تمثل الشروط الأساسية لتحقيق مواطنة فعلية ولتكون السيادة ممارسة من قبل الشعب لذلك تتقدم الديمقراطية باعتبارها النظام السياسي الأفضل أو بعبارة أفلاطون " الأقل سوءً " في تنظيم الوجود السياسي للإنسان.

يمكن أن تكون الديمقراطية مجرد اتجاه تسير في ركبه البشرية ومثل أعلى تقترب من تحقيقه باستمرار وبحث عن خلاص من عذاب يعيشه الإنسان في هذا العالم، وهي لذلك تعلقا بالمثل الأعلى واليوتوبيا للتعبير عن الاحتجاج من الوضعية المزرية. لكن لنتساءل مع جيل دولوز وفليكس غتاري:" لماذا يناضل الناس من أجل عبوديتهم كما لو تعلق الأمر بخلاصهم؟...لماذا يتحمل الناس منذ قرون الاستغلال والإذلال والاستعباد إلى الدرجة التي يصبحون فيها طلابا لهالا فقط للآخرين بل لأنفسهم؟"[17]

فكيف يكون الارتفاع من حالة الرعية إلى درجة المواطنة هو شرط إمكان قيام النظام الديمقراطي؟ وما قيمة المواطنة في ظل دولة لا تتمتع بسيادة على أراضيها؟ هل يجوز التشريع للتخلي عن السيادة من أجل إعطاء حق الموطنة العالمية والمشاركة في بناء الدولة العالمية؟

كاتب فلسفي


المراجع:

ألان تورين، ماهي الديمقراطية؟ ، حكم الأقلية أم ضمانات الأقلية؟، ترجمة حسن قبيسي، دار الساقي، بيروت الطبعة الثانية 2001.

أدغار موران، تربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي،

اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،

تزفيتان تودوروف، اللانظام العالمي الجديد، ترجمة وليد السويركي، أزمنة، عمان ،الأردن.

هنري برجسن، منبعا الأخلاق والدين، ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم.

عبد الرحمان ابن خلدون، المقدمة، طبعة دار العودة، 1981.

كارل ماركس، المسألة اليهودية، ترجمة نايلة الصالحي، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا، طبعة أولى 2003.

فريدريك نيتشه، هكذا حد زارادت ترجمة فليكس فار، منشورات المكتبة الأهلية بيروت،

Emmanuel Kant, théorie et pratique, section II, Trad. Proust, Coll. GF Flammarion 1994.

Edgar Morin, introduction à une politique de l’homme, Edition Seuil, 1965.

Gille Deleuze, Félix Guattari, Capitalisme et Schizophrénie, T1, Edition de Minuit, 1972.

Mikhaïl Bakounine, des Textes, présenter par Arvon Michel Henri, Seghers. 1996.

Paul Ricœur, Histoire et Vérité, Edition ;Cérès, Tunis, 1995 .


-------------------

[1] هنري برجسن، منبعا الأخلاق والدين، ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم، ص 291

[2] جون جاك روسو، العقد الاجتماعي،

[3] فريدريك نيتشه، هكذا حد زارادت ترجمة فليكس فار، منشورات المكتبة الأهلية بيروت، ص72

[4] Mikhail Bakounine, des Textes, présenter par Arvon Michel Henri, Seghers. 1996. Pp99

[5] عبد الرحمان ابن خلدون، المقدمة، طبعة دار العودة، 1981، ص121

[6]Paul Ricœur, Histoire et Vérité, Edition ;Cérès, Tunis, 1995, pp134

[7] Edgar Morin, introduction à une politique de l’homme,Edition Seuil, 1965, pp92

[8] ألان تورين، ماهي الديمقراطية؟ ، حكم الأقلية أم ضمانات الأقلية؟، ترجمة حسن قبيسي، دار الساقي، بيروت الطبعة الثانية 2001، ص13

[9] اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،

[10] Emmanuel Kant, théorie et pratique, section II, Trad. Proust, Coll. GF Flammarion 1994 ,pp63

[11] اسبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ص383

[12] أدغار موران، تربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، ص101

[13] تزفيتان تودوروف، اللانظام العالمي الجديد، ترجمة وليد السويركي، أزمنة، عمان ،الأردن، ص53

[14] أدغار موران، تربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، ص101

[15] أدغار موران، تربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق ومنير الحجوجي، ص101

[16] كارل ماركس، المسألة اليهودية، ترجمة نايلة الصالحي، منشورات الجمل، كولونيا، ألمانيا، طبعة أولى 2003، ص38

[17] Gille Deleuze, Félix Guattari, Capitalisme et Schizophrénie, T1, Edition de Minuit, 1972, pp37

كوشمار

خالد ساحلي

فوضى العالم ، عناوين نشرة أخبار منتصف الليل . لولا الألم الشديد الذي جعلك تتخبط كطائر مذبوح ما أشعلت التلفاز، قد يلهيك و يسليك لتنسى ألمك بعض الوقت. أنصحك خذ مهدئا من علبة الإسعاف ، اللعنة على الضرس المسوّس . تورمت لثة أسنانك، التعفن يسبّب لك ألم تنهار منه الأعصاب يجعلك قلقا متوترا، هل رأيت مجنونا يشعل النار في ثيابه ؟ النار مشتعلة الآن في لحمك و عظامك ، وجع ، صداع ، قائما قاعدا وعلى جنبك ، يداك تفركان أصابعك تريد كسرها، احتكاك يولد حرارة على ظهر الكف و هذا أيضا يقلقك ، خدّك الأيمن يبدو فرن نار ما إن تضع أصبعك مكان الضرس إلا وتتوّجع وتكاد الروح تغادر بدنك و ترجع لبارئها. نصحوك بالذهاب للطبيب قبل أن يشتد الألم و إن اقتضى الأمر خلعه. أنت لا تخاف الكُلاّب و لا المشرط و لا الإبرة لكنك تتهاون في مداواة نفسك، حتى الحيوان يهرب مما يضره، رميت نفسك في مهلكة و أنت تترك المرض يأكل قوتك و ينخر مناعتك؛ فكرة الضرر التي يلحقها ابن آدم بنفسه التهور و اللامبالاة. ترتعد، تصطك أسنانك من الحمى، هي زكاة الجسد و تخفيفا للذنوب هكذا أخبرتك أمك في صغرك.
كن صريحا معي، أنت لا تكره الطبيب ؟ وترى في المرض الصفاء للذات و الروح ، وتعتقد المعافاة تكون بمغالبة المرض قبل مداواته. المغالبة تجعلك تحس بما يعانيه المرضى أو على الأقل تتفهم رد فعلهم فيما يعانونه من أمراض مزمنة. " اللعنة على هذا الضرس" لما لم تأخذ بنصيحتي قلعت ضرسك و استرحت.
منتصف الليل و أنت تشاهد صورة الأحداث إلى أين وصلت ، سألت نفسك أهؤلاء مثلك لم يأخذوا بنصيحة الطيبين و العقلاء و الحكماء ، لخلع ضرسهم المفسد عليهم حياتهم ؟ نخالف طبيعة الحياة و نخرج عن سبل النواميس الكونية فيصيبنا المرض و الفوضى و يعمّ الهرج و الفساد .
أتعتقد أنت أن النصيحة من بين النواميس ؟ أسمع ضرسك سيفسد عليك باقي أسنانك ، لا محالة سينقل العدوى انتبه .
إذن الطبيب له إمكانية دفع الضرر بإذن الله ، تدري قد تقع في يد طبيب أسنان غير كفأ أو مدمن كحول و حبوب أو يحب الحشيش أو له مواعيد سياسية يكون فيها متعجلا لحضورها أو شيء آخر من هذا القبيل و بدلا من أن يشفي ألمك قد يزيدك عذابا ومعاناة فيترك جزءا من ضرسك حين خلعه. هل ستقنعه إذن بالتخلي عن قلع ضرسك وتطالبه بوصفة أدوية ؟ غدوة في الصباح ستدرس الأمر و تقرر، المهم يتوقف هذا الألم هذا السم الكامن داخل ضرسك و يهدأ ثورانه .
التلفاز لا زال مشتعلا وأنت ترتدي ثيابا مضاعفة وغطاءا صوفيا؛ تشبه أنت المشردين في ساحة " صوفيا " خاصة طريقة لفك الغطاء بجسدك، تنكمش كل أعضائك كأنك عصفور بللّه المطر، نهر يجري من و رائك، ظهرك جدول عرق يصل حتى مؤخرتك، أتشعر بالبرد ؟ بالارتجاف ؟ عيناك محدقتيّن في التلفاز في هذه الأشلاء المحمولة بين يدي رجال المطافئ والممرضين، تلمح من يرتدي المآزر البيضاء، ذكروك بالطبيب ثانية، الأمر مختلف، الطبيب هناك يشرّح الموتى أما الطبيب الذي تتخيله أنت يده غليظة تريد أن تنتزع فكك السفلي. أنت قلت لن تكون غير معاينة روتينية لا غير. نعم أقول ستكون معاينة جرّب فقط .
لِمَا تكثر الكلام هذه الأيام عن الطبيب ؟ إن كان محضوضا في مرافقته الرؤساء والحكام والملوك و الأمراء ؛ إن كان حاضرا في كل مكان إن كان الله قد جعل من مرض الآخرين ثروته، وجعله مستودع أسرار البشر. لا يهمك إن خان الأمانة التي رفضتها الجبال ، هو يحضر حتى مراسيم الوداع للمحكوم عليهم بالإعدام، حتى الإعدام ؟ أضيفك يلتقي بأشهر القتلة وأشهر الفنانين، يمكنه كذلك أن يلتقي بأشهر المعتوهين و الدراويش، بالسفاحين برجال الكنائس بالأئمة، يلتقي حتى برجال الظل. الطبيب يؤخذ أحيانا إلى حيث لا يعلم يلتقي ببائعي الأسرار والمعلومات، يعاينهم يعطيهم و صفات. لا يعلم الطبيب أنه ذو أهمية ؟ لا يعلم لأنه تحت الخدمة .
تقول هذا لأنك سمعت الكثير عن جارك الطبيب بأنه يخالط رجال العصابات و أصحاب النفوذ والمقاولين في السياسة، سمعت أم أنها مزحة لأنك تغار منه لأنه ينادونه بالحكيم ويملك عدة سكنات و فيلة في العاصمة. تقول عنه أنه تاجر ولا يحترم قانون السوق، و يتعامل مع وكلائه كما مع ضحاياه. سمعت أخبارا سيئة أنه بائع قطاع غيار بشري . اللعنة هل يمكن للطبيب أن يحيد عن وظيفته؟ هو بشر لا تضحك على نفسك .
هذيان الحمى ، أشباح كثيرة تحوم حولك بمآزر بيضاء ، وقع الأقدام ، سلاسل الرصاص والرشاشات مرمية على الأرض أمامها جثث مذبوحة و أخرى لا رأس لها ، الماء فوق البلاط تراه يتموج كموج البحر ألا يمكن أن ترى المشاهد على خشبة واحدة ، تقنع نفسك أنك ستتغلب على الحمى ، تعطي نفسك قليلا من الجلد ، تود إطفاء التلفاز ، تزيد في الصوت أحسن حتى تتأكد أنك بالفعل لا زلت تملك قليلا من الشعور و أن الغيبوبة التي تكلم عنها برغسون مجرد مزحة اجتماعية مثلها مثل الديمومة.
لما حضر الطبيب الآن؟ أين الطبيب ، أنت تسمع دقات خفيفة على الباب ، المزلاج فاسد ، أنت لم تقم لتفتح فكيف تأكدت أنه لا يعمل ؟ تمسك كوب الماء تشربه يزداد عطشك، الأخبار مر عليها ساعات، ما الذي تراه على التلفاز؟ التلفاز مغلق ولا ترى إلا مزيج ألوان مخططة وشعار القناة، إلى أين تنظر، لا تعرف ؟ اللعنة على الضرس على الحمى . لا تلعن الحمى فهي مرسلة من عند الله.
أنت تهذي ، تلقي خطبتك على الناس هرب منك عنوان الخطبة ، تذكرت الأخلاق و الحب و عن الدولة الواحدة و الجسم السليم في العقل السياسي السليم و عن الضرس المسوّس داخل المجتمع و الدولة المتحضرة ، عن كلاب الصيد التي تنبح كل يوم في الجوار و عوائها الذي يضايق حارس الورشة المقابلة لعمارتك ، عن البلوريتاريا و الحزب الشيوعي وحوارك على المسينجر مع صديقك الشيوعي اللاجئ في بلجيكا، عن الفأر القاضم لأصبعك يوم رحت تبحث في حذائك عما يوخزك فأخرجته ، عن ثأر الفئران و العبادة و الصلاة و عن الحج . الآن تذكرت لمّا وصلت لكلمة الحج وربطت إدراكك العقلي بالباطني لون الأبيض لون الكفن هو نفسه لون السلام هو نفسه لون الطبيب؟ الآن فقط يمكننك جمع شتات هذياناتك وتقرر في أي شيء كنت تتكلم ، كنت تتكلم عن الطبيب كنت تخبرني أشياءا كثيرة كنت تهذي حقا ، لكن لا شك أنت رجل سياسي لعين كنت تختفي وراء ضرسك اللعين ، تجرأ أنت على الخوض في اللا شعور في الفوضى فالمذهب العبثي لألبير كامي لا يخدمك و لست مؤمنا بالدادائية ، أنت نزعت لحد الآن أضراسا كثيرة و موعود بضرس آخر رغما عنك ، سبب فساد أسنانك و اللثة راجع لما تتفوه به من كلمات عن حقوق الإنسان و الحق و العدل ، تقلّع أضراسك لكثرة الكلام عن الفساد السياسي ، اللعنة على هذا الفم الذي لا يبرأ.
لحد الساعة أنت غير محظوظ كلما ذهبت إلى طبيب الأسنان إلا ووجدته يكلمك عن سراويل الجينز الأمريكية و قمصان إيطالية و أحذية فرنسا وعطورها، كلمك كثيرا عن ماركات لاكوسط وبيار كاردان و لوفيس ومورقان وماركة ناف ناف و عن البدلة العسكرية للمارينز ، طلب منك أن تقتني له بذلة عسكرية مظلية ، أخبرك قبل فحصك عن هوايته في الصيد وعن أشياء أخرى .
الآن تحس الحافلات و الشاحنات تحت النافذة، يهتز زجاجها يحدث ضجيجا حادا من جراء قوة محركاتها، الشاحنات و الحافلات لا تتحرك إلا بعد سخونة محركاتها، اللعنة شقة أبيك تعاني الضوضاء، يوما ما ستنهار البناية. أنت الآن تكلمني، عن الحافلات و الشاحنات، يبدو أنك وعيت كم الوقت الآن ؟ هذا وقت اقتراب ذهاب الأطفال للمدرسة و العاملين للمعامل، كلمتني المرة السابقة عن تسريح العمال من المصانع وعن البطالة في عصر الحداثة التي سرق فيها اللصوص عرق الكادحين.
أسمع أنت تغط في نوم عميق و أنت لا تدري بنفسك، مستيقظ، لست مستيقظا أبدا، والدليل عليك أنك مصاب بتعفن ضرس خطير ودرجة حرارة جسدك تعدت الأربعين، أنت لا تسمعني. لمّا لا تتكلم عن الطبيب ؟ لو أني مصاب حقيقة بالمرض لما قعدت لا أبرح مكاني ناسيا أمر طبيب الأسنان، بت تشك في مرضك أو أنت خائف، لا تقل انك بصدد تعلم المقاومة ؟ ارفع يدك ارفع رجلك أفتح عينيك إن كنت فعلا تتعلم المقاومة ضرس واحد فعل بك كل هذا ؟
يُسْقِطْ الفرد مائة مليون فرد في لحظة واحدة، زر واحد من الأزرار يفجر الأرض كلها، وضرس واحد يتداعى له الجسد بالسهر و الحمى و اللاوعي. عدت ثانية لهذيانك، أنت تقاوم؟ لا، تقول أنك تقاوم أو تتعلم المقاومة ؟ نعم، أثبت إذن ، سوف تثبت ، آمرك بأمر تطبقه ، الشرط أن لا يتعدى قدراتك و لا تكن له صلة بقضايا الأمن القومي أو بما يتعلق بالرئاسة الفرنسية أو ميليشيات العراق أو الوساطة بين دولتين عربيتين و لا حتى بمعجزات كتوقيف الترماي في بريطانيا و جعل ركابه ينزلون أو كجعل العرب و اليهود يأكلون من مثرد واحد ، أو جعل تسونا مي يمر على أمريكا لتثأر الشعوب الضعيفة من القوية ، أو بلقاء بن لادن .
المهم أمرك مطاع فيما يتعلق بك فقط ، و بما هو متعلق بك و بكل ما في هذه الشقة ، أنت لا تزال تهذي و هذا دليل مرضك و أنك في حالة خطيرة والمقاومة عندك لا أثر لها، لما لا تقوم لترى الطبيب ليخلع لك ضرسك لتخلع عنك جنون أفكارك ؟
قلت لك أعطيك أمرا أثبت لك أنك في غيبوبة و لا عقل لك ووجودك الآن بالذات لا وجود له ، أنت تهذي فقط ، حسنا يمكنك أن تتبول على ذاك المسئول الحقير الذي يتكلم الآن من الشاشة ، لكن الشاشة مغلقة، لا أنت غيرّت القناة فهذه قناة أخرى تهتم بالسياسة ، هي كن شجاعا بما يكفي وتبول على ذاك المسئول الذي يعتقد أن لا احد يستطيع أن يفعل له شيء وانه محاط بحرصه، إنه يصرّح بقذارة ألفاظه عن أشياء خطيرة ، هل يمكنك أن تتبول عليه ، سيحس ببولك لا محالة ، سيشم رائحة النشادر صدقني التلفاز قد يحمل رسالة بولك . أنتظر إذا سترى دليلا.
رحت تتبول عليه بلذة و انتصار، لم تأبه بالحافين من حول السياسي القذر، بل بللت الجميع يستحقون هذا، لا تأبه لرؤية الناس لك عاريا في غير استحياء ، لأنهم يرون الآخرين و يسكتون. وأنت تصلي و تعرف ربي وتعرف حدود الشرع ؟ أعطيت الأمر الآن بعد أن أمرت لتحقق الدليل أضف هم يستحقون هذا و أكثر هم لا يأبهون لنا ، أعطيت الدليل واسترحت.
لم تستفق إلا و أنت تصرخ ببذاءة ألفاظ سوقية سفيهة ، البلل في سروالك ، غطائك الملفوف بجسدك المرتعش ، أسنانك تصطك من الحمى ، التلفاز شغال من ليلة البارحة ، الطبيب فوق رأسك يقرر : الحالة خطيرة جدا ينصح بنقله للمستشفى على الفور كنت ترى بياض مئزره اعتقدت انك ترى راية استسلامك المرفوعة فوق رأسك.

التاريخ: كتبت من زمن

حول ذكرى النكبة وآفاق النهضة

المحامي علي حيدر

تحفز ذكرى النكبة الفلسطينية الكثيرين من المثقفين والمفكرين العرب والفلسطينيين بشكل عام وفلسطينيي الداخل بشكل خاص على مراجعة الأسباب التي أدّت إلى النكبة، سيرورتها ونتائجها، مع توقّف لتوصيف الحالة الفلسطينية الراهنة وتشخيصها. كما تقام الكثير من النشاطات السياسية والفعاليات الوطنية والندوات الفكرية، والمعارض الفنية، ومسيرات العودة.
وإن كانت هذه الفعاليات والمساهمات الفكرية تثير التفاؤل وتبشّر بخير، وخصوصاً نتيجة لتواصل الأجيال، وتكامل الأدوار، وتعميق الانتماء للوطن، وحفظ الذاكرة وتجسيد كوننا مركبًا هامًّا من الشعب الفلسطيني بالإضافة للاجئين ولأولئك الرابضين تحت الاحتلال، إلاّ أنّ السؤالَيْن المركزيين اللذين يبقيان مطروحين للنقاش هما: كيف يمكن أن نستنهض قوانا في الداخل الفلسطيني كمجتمع نصوغ تطلعات وأهدافًا واضحة ومتّفقًا عليها، تكون الثوابت الوطنية في صلبها؟ وكيف يمكن أن نكوّن قيادة جماعية قادرة ومؤهلة على قيادة المجتمع لتحقيق هذه التطلعات والأهداف؟
وإن كنّا على وعي تامّ بأنه لا يمكن رسم صورة للمستقبل المرغوب وللنهضة المرجوّة، دون قراءة شاملة للمشهد الراهن والظروف التي نعيشها، وتعريف مصادر القوة والضعف والفرص والتهديدات التي نواجهها كجماعة أصلانية، صاحبة وطن (فاقدة للسيادة)، مؤكّدة على حضورها، رافضة مشاريع الطرد والتهجير والإقصاء، ومجموعة لها امتداداتها: القومية، الحضارية، الثقافية والدينية . إلاّ أنه لا يمكننا طرح تطلعات مستقبلية نهضوية إلا اذا استطعنا مراجعة، تحليل وفهم أين كنا؟، ماذا فعلنا؟ وماذا لم نفعل على مدار السنوات السابقة؟. هذه المراجعة تفتح أمامنا آفاقًا لفهم التوجّهات والتحوّلات، وعلى إثر هذا الإدراك يمكن معرفة ما العمل؟ واهتداء بتصنيف الكاتب طه عبد الرحمن في كتابه "الحقّ العربي في الاختلاف الفلسفي" لأشكال الأسئلة التي تقسم إلى ثلاثة أشكال: "السؤال الناقد"، "السؤال الفاحص" و "السؤال المسؤول"، فأسئلتنا في هذا السياق تندرج تحت مصنّف الأسئلة المسؤولة، وهي الأسئلة التي لا تسأل عن وضعها كأسئلة بقدر ما تسال عن موضوعاتها. ولذلك، فالأسئلة مدفوعة ليس بدافع "السؤالية" فحسب وإنما بدافع المسؤولية أيضا.
لا يمكن من خلال هذه المقالة القصيرة أن نحيط بكامل مقومات النهضة، أو أن نطرح أنموذجًا مكتملاً، ما إن تتوفر كل مقوماته تصبح النهضة أمرًا متحققًا قطعيًّا. فالأحداث والعناصر الفاعلة على المستوى الإقليمي، والدولي قد تكون أقوى من أي تنظير، وبالتالي، فإنّ المقومات المذكورة هنا هي ليست بمثابة قائمة مغلقة، بل هي مجموعة مفتوحة وقابلة للتطوّر.
كما ذكر سابقًا، المجتمع الفلسطيني في الداخل له امتداداته في الوطن العربي والأمة الإسلامية. ونهضة فلسطينيي الداخل ليست معزولة أو منفصلة عما يحدث في هاتين الدائرتين، فنحن نتفاعل، نتأثر ونؤثر. كما أن النهضة هي ليست شيئًا مستحيلاً وغير قابل للتحقيق. فإذا راجعنا تاريخنا (ومن دون المقارنة حاليًّا حتى مع شعوب أخرى) فقد حدثت نهضات مختلفة ومتعددة على مسار التاريخ والزمن، تبعتهما انتكاسات وانحدارات، وهذا شيء حتميّ في حياة الشعوب والحضارات. وفي المقابل، في حال لم نخلق المحفزات ونوفر آليات النهضة، سوف يسوء الأمر ويتدهور أكثر مما هو عليه الآن، وسوف يقود الى حالة تدمير شامل وإحباط تامّ، تكون النهضة في حينها مستحيلة ومتأخرة. وقد عولج موضوع النهضة العربية بشكل عام من قبل العديد من المفكرين العرب في السنوات الأخيرة أمثال الجابري، طيب تيزيني، نديم الببيطار، جليفر أشقر، برهان غليون، عزمي بشارة وآخرين، حيث تركز قسم منهم في المعيقات وأكد قسم آخر على مركبات أساسية، من دونها لا يمكن للنهضة أن تتحقق ولا مجال في هذه العجالة تفصيل كل الطروحات. بل نريد أن نخصّ بالنقاش فلسطينيي الداخل ونقل النقاش من المعيقات الى المقومات، من منطلق الوعي بأن فهم المعيقات هو مدماك هام في عملية بناء المقومات.
أعتقد بان أهمّ مقومات النهضة الحقيقية هو الإحساس بالوضع الذي آلت إليه أمور المجتمع، وإدراك أن هذا الوضع يلقي بأعبائه على الجميع بشكل أو بآخر، ولذلك من حق الجميع المشاركة في صياغته بحيث يكون "مجالاً للنهوض الحضاري الشامل".
ينبغي أن تستثمر البنية الاجتماعية، والسياسية والثقافية التعددية للمجتمع الفلسطيني مقوماً للنهضة ـ وذلك من خلال خلق مناخ لحوار حرّ وخلاّق، قادر على خلق الأفكار وترجمتها بعد مناقشتها إلى ممارسة عملية فعالة ومسؤولة. بدل السجالات التناحرية، والخلافات بين التيارات والأيديولوجية والعصبيات (والتي تؤدي إلى حالة من الريبة والشك والقطيعة، أضف إلى التهريج والاستهزاء بالآخرين) كما يترتب بناء أخلاقيات للتداول والاتصال داخل المجموعة. يلاحظ من يراقب الساحة السياسية والاجتماعية بأن الكثير من الطاقات والجهود توضع في الاقتتالات الداخلية بدل أن توظف في مواجهة القامع والقاهر الخارجي.
من أجل ترشيد الحوار المباشر، والتفاعل الذي يهدف الى وضع تطلعات متفق عليها ورسم خطط فاعلية يجب بناء مرجعية وطنية قوية، تشكل المركز السياسي والإداري للفلسطينيين في الداخل. هذه المرجعية تبادر بدورها لبناء وتطوير مؤسسات تحمل مشروع النهضة. وقد ازداد النقاش مؤ خرا حول لجنة المتابعة وطبيعة عملها وكيفية انتخاب رئاستها وهذه فرصة لإعادة بنائها وانتخابها وإدخال مركبات جديدة كالنقابات والاتحادات المهنية كأعضاء بها، ووضع نظام داخلي يعرف مؤسساتها، يحكم عملها ويوضح كيفية تداول السلطة بها، ومن ألأفضل أن تحدد مرحلة انتقالية يتم بعدها انتخاب المؤسسات بشكل مباشر ، وذلك من أجل تقوية شرعيتها وزيادة ارتباطها بالمجتمع ورفع مستوى أدائها ونجاعة عملها وبطبيعة الحال من أجل بناء وتفعيل مؤسسات يترتب، كما يقول عالم ألاجتماع ماكس فيبر، وجود شخصيات قياديه وكريزماتيه.
النهضة تستدعي خلق الانسجام الناجع بين طموحات الفرد وآماله من جهة، وبين مصالح المجموعة والصالح العام من جهة أخرى، وهذا يحدث نتيجة لمشاركة واسعة للجمهور ومن خلال تواصل دائم بين القيادة والقواعد الشعبية والقوى المجتمعية لإيجاد حلول عملية لقضايا المجتمع.
يجب أن تكون النهضة مدفوعة بقيم العدل والحرية والمساواة والإبداع، وخلق التضامن الداخلي الحقيقي، والصدق والإخلاص والعمل والاجتهاد والمثابرة، وإتقان المهمات والدقة في إنجازها، والاعتماد على الذات وبناء وتطوير الرموز ومراجعة نقدية للتراث والانفتاح على عوالم جديدة.
لا يمكن للنهضة أن تتأتى إلا في جو يشجع على الفكرالعلم والمعرفة في شتى مجالات العلوم وخصوصًا العلمية، التقنية، اللسانيات والفنون مع وضع جهود كثيرة في البحث والتطوير.
إنَّ استخدام اللغة العربية وتأكيد حضورها وممارستها في الحيّز العامّ لهو مركبٌ نهضويٌّ هامّ. كما أن تحدي السلطة والهيمنة ومظاهر السيطرة هي عوامل هامة تشير الى يقظة المجتمع ووعيه، يجب أن تدفعه لوضع استراتيجية نضال.
يترتب تحفيز النمو الاقتصادي لأهميته كمصدر قوة في بناء الذات وخلق الفرص للنجاح ويحرّر من التبعية، يضمن الحياة الصحية والبيئية والتعليم والإعلام والانتاج والتنمية، ومما لا شك فيه أن تفعيل دور المرأة ومشاركتها وتمثيلها هو دور مركزي في تخليق عملية النهضة وتقدمها.

(عبلين)

بابا الفاتيكان: حج تطغى عليه السياسة والسياحة

نقولا ناصر

(يكمن في الخلاف المسيحي – اليهودي على العاصمة الروحية في القدس صراع سياسي مستتر الآن لكنه لم يتوقف أبدا وهو إذا لم ينفجر في الوقت الراهن بسبب طغيان الخلاف الإسلامي – اليهودي عليه لأسباب واقعية فإن انفجاره مستقبلا ليس إلا مسألة وقت)

إن الهدف المعلن من الفاتيكان وممثليه الدينيين والدبلوماسيين المحليين للزيارة التي سيقوم بها البابا بينيديكت السادس عشر للأراضي المقدسة في الأردن وفلسطين في الفترة من 8 – 15 أيار / مايو المقبل هي "الحج" الديني ، فالخليفة ال 265 للكرسي الرسولي في روما الألماني الذي ولد باسم جوزيف ألويس راتزينغر لم يتلق دعوة رسمية من الحكومات الثلاث في الأردن وفلسطين وإسرائيل ، لكن لقاءاته المقررة مع قادتها والصراع السياسي الدموي الطاحن على الوجود وعلى الحدود في المنطقة يجعل من المستحيل لرحلة الحج البابوي إلا أن تكون سياسية ، كما أن حصر المسؤولية عن تنسيق زيارته بوزارات السياحة الثلاث قد حول الحبر الأعظم إلى جائزة سياحية كبرى يبذل وزير السياحة الإسرائيلي بخاصة جهده لاستغلالها تجاريا إلى الحد الأقصى في رمزية تذكر بالصراع الأزلي بين الروح وبين المادة بقدر ما تذكر بشخصية "شيلوك" المسرحية التي خلدها وليم شكسبير .

في الأردن الذي أطلق موقعا الكترونيا بعدة لغات للترحيب بقداسته في "مهد الحضارات" كما قال مدير عام هيئة تنشيط السياحة حميدي نايف الفايز ، سوف يزور البابا "المغطس" ، ويبارك وضع حجر الأساس لكنيسة "معمودية" هناك ، وحجر أساس لجامعة كاثوليكية في مادبا ، ويقيم قداسا في العاصمة ، لكن مركز حج البابا سوف يكون غربي النهر حيث سيطغى السياسي والسياحي على الديني في زيارته .

يقول الفاتيكان إن ثمانين في المئة من المقدسات في الأراضي المقدسة مسيحية وهي جميعها تقريبا موجودة في فلسطين باستثناء "المغطس" الذي تعمد فيه المسيح والذي اعتمده الفاتيكان على الشاطئ الأردني من نهر الأردن بينما كنائس أخرى ما زالت ترى موقعه على الجانب الغربي من النهر ، ومثل كل الكنائس الأخرى تعتبر الكنيسة الكاثوليكية القدس العاصمة الروحية "الوحيدة" للمسيحية والمسيحيين وإن كانت عاصمتها الإدارية في روما ، ولذلك فإنها معنية مباشرة بالجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الاحتلال الإسرائيلي والمنظمات اليهودية العالمية والحركة الصهيونية لتهويد المدينة .

ويلاحظ هنا أن الدعاية الإسرائيلية تحاول جاهدة تغييب هذه الحقيقة والخلاف اليهودي – المسيحي العميق حولها وبسببها عن وعي الرأي العام المسيحي في العالم وتركز بدلا من ذلك على الخلاف اليهودي – الإسلامي لأنها ترى في وجود العاصمة الروحية للإسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة نقطة ضعف إعلامية تعزز الادعاء اليهودي بأن القدس كانت دائما العاصمة الروحية "الوحيدة" لليهودية متجاهلة حقيقة كون القدس عاصمة روحية للإسلام باعتبارها مسرى النبي محمد ومعراجه ومتجاهلة أيضا حقيقة عدم وجود أي مكان مادي مقدس لليهود فيها مثل كنيسة القيامة أو المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ، اللهم باستثناء حائط البراق الذي سمح التسامح الإسلامي والاستهتار السياسي معا لليهود بالصلاة فيه ليتحول إلى "حائط المبكى" وإلى المكان المقدس الوحيد "الموجود" لليهود في بيت المقدس .

ويكمن في هذا الخلاف المسيحي – اليهودي على العاصمة الروحية في القدس صراع سياسي مستتر الآن لكنه لم يتوقف أبدا وهو إذا لم ينفجر في الوقت الراهن بسبب طغيان الخلاف الإسلامي – اليهودي عليه لأسباب واقعية فإن انفجاره مستقبلا ليس إلا مسألة وقت . إن قيام ثلاث بابوات بزيارة القدس والأراضي المقدسة خلال أقل من خمسين سنة ، وهم بالإضافة إلى بينيديكت البابا بولس السادس عام 1964 والبابا السابق يوحنا بولس الثاني عام 2000 ، يعكس المعركة السياسية الصامتة التي يخوضها الفاتيكان باسم "الحج" حول العاصمة الروحية للمسيحية في القدس . وربما كان اختيار ثلاثتهم للآردن ، لا إسرائيل ، معبرا لهم إلى الأراضي المقدسة مؤشر له دلالته في هذا السياق . ومما يلفت النظر هنا حرص القيادات العربية الفلسطينية السياسية والدينية جميعها على الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية معا في بيت المقدس وأكنافه بينما ما زال الفاتيكان يجد حرجا في الإفصاح عن وجود مصلحة مشتركة له مع العرب والمسلمين في الدفاع "المشترك" عن المقدسات الثنائية المهددة جميعها بالتهويد الزاحف والمتسارع للحاضنة العربية الإسلامية لهذه المقدسات .

إن استقبال البابا لأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في الفاتيكان يوم الجمعة الماضي وتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين في اليوم السابق كانا احدث مؤشر إلى أن أبواب الفاتيكان ما زالت كما كانت مفتوحة أمام الدبلوماسية العربية ، التي يقيم الفاتيكان علاقات مع معظم دولها ، غير أن دبلوماسية الفاتيكان تبدو ما زالت أسيرة ضغوط خارجية وعوامل ذاتية تمنعها من الخروج الصريح على الملأ بموقف يحررها من محاولة البقاء على الحياد بين حليف عربي إسلامي يمد أياديه لها لإنقاذ العاصمة الروحية للمسيحية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى حثيثا لاحتكار القدس عاصمة روحية وسياسية لها فقط .

لا بل إن الفاتيكان يبدو أكثر اهتماما بافتعال أسباب تجعل أي تحالف ممكن وواقعي كهذا أبعد منالا ، كما يفهم من تصريحات البابا الزائر عام 2006 التي اعتبرها المسلمون مسيئة لدينهم الحنيف ، وكما يفهم من استنكاف البابا عن الاعتذار عنها حتى الآن كما طالبه زكي بني ارشيد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن مؤخرا عشية زيارته . إن "تسويغ" البابا لإساءته للمسلمين بأنه كان "يقتبس" من نص تاريخي ليس كافيا كاعتذار لهم ، خصوصا في ضوء سابقة "اعتذار" الفاتيكان لليهود . فهل يفاجئنا قداسته خلال زيارته الحالية التي سيجتمع أثناءها مع قادة دينيين مسلمين ويزور الحرم القدسي الشريف بإسقاط هذه العقبة المستجدة أمام تعاون مسيحي إسلامي أفضل سينعكس بالتأكيد إيجابا على حماية المقدسات المشتركة الخاضعة للاحتلال وكذلك على "الوجود المسيحي" في المنطقة .

والمفارقة اللافتة للنظر هنا أن البابا الحالي مثل سلفيه يعلن بأن من أهداف حجه الحفاظ على ما تبقى من "الوجود المسيحي" في الأراضي المقدسة ، متجاهلا الحقيقة التاريخية بأن هذا الوجود قد استمر بفضل حاضنته العربية والإسلامية فقط في وقت غاب فيه الفاتيكان والكاثوليكية عن المنطقة طوال ثمانية قرون من الزمن تقريبا منذ نهاية حروب الفرنجة (كما سماها المؤرخون العرب والمسلمون) أو الحروب الصليبية (حسب المؤرخين الأوروبيين والغربيين) على بلاد العرب والمسلمين ، وبأن هذا الوجود قد بدأ يتعرض للتهديد فعلا أولا بسيطرة الاستعمار الغربي الأوروبي على الوطن العربي وتجزئته ثم ثانيا بتبني هذا الاستعمار للمشروع الصهيوني في فلسطين الذي تحول إلى دولة ما زالت الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة ووريثها الأميركي هي الضامن ليس فقط لأمنها بل ولأمن احتلالها وتوسعها الاستيطاني أيضا .

وهدف آخر معلن لزيارة قداسته هو الحث على السلام والمصالحة . وهذه في جوهرها دعوة سياسية تنفي الصفة الدينية للحج البابوي المعلن . صحيح أن البابا لم يأت بدعوة رسمية من القيادات السياسية المعنية ، بل جاءت الدعوة من مجمع المطارنة "ومني شخصيا ، كما تلقى دعوة من السلطات المدنية المختلفة في الأردن وإسرائيل والأراضي الفلسطينية" كما قال المطران فؤاد الطوال ، مطران الكاثوليك في الأردن وفلسطين وإسرائيل ، الذي استدرك قائلا مع ذلك: "يجب ألا نخدع أنفسنا: يوجد بعد سياسي مئة في المئة ، ... فنحن هنا نتنفس سياسة ، أوكسيجيننا هو السياسة" .
لكن هذه الدعوة للسلام والمصالحة بين قوة قائمة بالاحتلال وبين شعب خاضع للاحتلال ، وبين تهويد متواصل لعاصمة روحية للمسلمين والمسيحيين وبين إنقاذها ، هي دعوة للوقوف على الحياد ، وهذا موقف وصفه المطران الطوال في مقابلة مع "زي نت" يوم الأربعاء الماضي قائلا إنه "توازن جيد" يحاوله الفاتيكان لكنه "توازن جيد يصعب إيجاده والحفاظ عليه" ، ليضيف: "كلما كان الفاتيكان صديقا أكثر لإسرائيل ، كلما كان قادرا أكثر على الانتفاع من تلك الصداقة من أجل سلام وعدل أكبر" ! ولا يسع المراقب إلا أن يتساءل عن الحكمة من منطق كهذا بعد تجربة شراكة تعاقدية في السلام ، لا صداقة فحسب ، فلسطينية ومصرية وأردنية وعربية أخرى لم يتمخض عنها منذ عام 1991 سوى المزيد من الاحتلال والحروب والعدوان والاستيطان والعنف وكل ما يجعل السلام والعدل أبعد من أي وقت مضى . إن الحياد في صراع بين الخير وبين الشر ، وبين الحق وبين الباطل ، إذا كان مفهوما ومتوقعا من القادة السياسيين فإنه يكون مستهجنا إذا تبناه قادة روحيون من وزن الحبر الأعظم .

وفي سياق الحديث عن "انتفاع" الفاتيكان من الصداقة مع إسرائيل ، ربما يكون "مفيدا" تذكير المطران الطوال بالنداء الذي وجهه السفير الفلسطيني السابق لدى الفاتيكان عفيف صافية إلى البابا يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته للقدس في الشهر الثالث من عام ألفين لمساعدته وغيره من المقدسيين المسيحيين في العودة إلى القدس التي حرموا منها لأنهم كانوا خارجها عند وقوع الاحتلال عام 1967 ، ف"صداقة" الفاتيكان مع إسرائيل لم "تنفع" صافية حتى الآن لا في عهد البابا السابق ولا في عهد خليفته وهي إذ فشلت على مستوى أفراد في "نفع" دبلوماسي عريق في صداقته للفاتيكان وفي دعوته للسلام والعدل بعد أن مثل شعبه في لندن وواشنطن وموسكو قبل أن تستغني قيادته عن خدماته مؤخرا لأنه شارك مع سفراء آخرين في مهرجان نظمته حماس فإن المراقب لا يكون متجنيا عندما يتساءل عن أي عدل وسلام يمكن أن تحققه صداقة الفاتيكان وإسرائيل في قضايا على مستوى أهم من الأفراد !

إن الاحتلال الإسرائيلي في باطله لا يراعي للفاتيكان قداسة أو وزنا . فقد اعترف الفاتيكان بإسرائيل بموجب "الاتفاق الأساسي" عام 1993 وبعد خمسة عشر عاما على نفاذ ذلك الاتفاق وعشر سنوات على نفاذ "اتفاق الشخصية القانونية" للكنيسة الكاثوليكية بين الجانبين ، ما زالت المفاوضات الثنائية حول المسائل المالية والأملاك تجرجر أذيالها و"ليس ذلك فقط ، بل إن المعاهدات التي وقعت وصودق عليها ما زالت بانتظار مصادقة الكنيست عليها" كما جاء في مقال عن العلاقات الثنائية نشره الحارس الفرنسسكاني للأرض المقدسة عشية زيارة البابا . وما زالت الصعوبات قائمة أمام منح تأشيرات الدخول الإسرائيلية لكهنة الكنيسة ، وما زال الإسرائيليون يتطاولون على العقيدة المسيحية كما فعلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي في شباط / فبراير الماضي ، وفي التطاول على رأس الكنيسة كما فعل هيلل فايس البروفسور بجامعة بار إيلان في مقال له نشرته أو أشارت إليه عدة صحف إسرائيلية أوائل الشهر الجاري ووزع في المعابد اليهودية عندما هاجم البابا واصفا إياه بأنه "حصان طروادة" لحرمان إسرائيل من "الحوض المقدس" في القدس .

وإذا كان اعتماد جنرال احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي محسوب على العرب الدروز في عسفيا هو بهيج منصور للاتصال مع الفاتيكان والتفاوض معه فيه استهتار بالفاتيكان فإن اعتماد وزير السياحة الإسرائيلي ستاس مايسيزنيكوف من حزب إسرائيل بيتنا الذي يقوده العنصري وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ليكون المسؤول عن تنسيق زيارة البابا فيه إهانة . فهذا الوزير العنصري لم يكتف بوضع عصي سياسية في مسار الزيارة عندما أعلن مثلا مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين قرب بيت لحم "منطقة ج" غير خاضعة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ومنع التحضيرات التي تقوم السلطة بها في المخيم لزيارة البابا بهدف منع زيارته حتى لا يتم تسليط أضواء الإعلام على قضية اللاجئين من ناحية وعلى الجدار الفاصل الذي يشق المخيم ويحاصره من ناحية أخرى ، أو عندما حذف اسم رئيس بلدية سخنين مازن غنيم من قائمة المدعوين العرب لمقابلة مع البابا ، بل إنه حول مناسبة الزيارة إلى بقرة سياحية مقدسة .

فالموقع الإلكتروني الذي أطلقته للمناسبة وزارة السياحة بسبع لغات يتضمن روابط لوكالات السفر والسياحة الإسرائيلية ، ويقتبس من قنصل إسرائيلي في كندا مثلا قوله إن "إسرائيل تتوقع ... أن يسير على خطى البابا" الآلاف من المسيحيين في العالم ، (بينما منحت دولة الاحتلال حسب زعمها عشرة آلاف من مسيحيي الضفة الغربية ومائة أو مائتين من إخوانهم في غزة تصاريح لاستقبال البابا في القدس وبيت لحم والناصرة) . لكن الأهم من كل ذلك هو استغلال البابا نفسه لافتتاح اثنين من أهم المشاريع السياحية الإسرائيلية ، للتعويض عن عشرة ملايين دولار ضختها إسرائيل في التحضير لزيارته ولتبييض صورتها دوليا غداة عدوانها الأخير على قطاع غزة ، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية في السادس من الشهر الجاري .

ففي الناصرة يجهد الصندوق القومي اليهودي التابع للمنظمة الصهيونية العالمية لإكمال بناء مدرج يتسع لأربعين ألف نسمة على سفح تلة حاول اليهود دفع المسيح إلى الموت من فوق أحد منحدراتها ليتزامن افتتاحه مع زيارة البابا في الرابع عشر من الشهر المقبل . وفي القدس المحتلة سوف يزور البابا "مصعد الزمن" السياحي الإسرائيلي ليدشن "الأوديسا الجوية" فيه ليحلق من داخل قاعة تتسع ل 102 متفرجا فوق إسرائيل ليكتشف "ماضيها وحاضرها" من منظور صهيوني ، في دعاية مجانية مباركة على أرفع مستوى لمشروع يراد له أن ينقل السياحة في بيت المقدس من دينية إلى سياسية ترفيهية في سياق عملية التهويد الجارية على قدم وساق .

ربما كانت على حق الشخصيات المسيحية العربية التي حبذت في رسالة إلى الفاتيكان مؤخرا تأجيل زيارة قداسته أو تضمينها محطة غزاوية ، لكن المطران الطوال له رأي آخر في أن تتم الزيارة: "ما الذي ينبغي عمله ؟ هل ننتظر أوقاتا أفضل ؟ إن هذه المنطقة لم تعرف السلام أبدا . أننتظر حتى تحل القضية الفلسطينية ؟ إنني أخشى أن يقضي إثنان أو ثلاث بابوات قبل أن تتم تسويتها بشكل قاطع" !

* كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*