الأربعاء، أكتوبر 31، 2007

هكذا سلبت فلسطين...!!!

محمد داود
وعد بلفور يوم أن سلبت فلسطين ..! :
في إطار البحث عن وطن قومي يلملم شتات اليهود من أنحاء المعمورة، فقد تمكن اليهودي هرتزل من رسم الخطوط العريضة لإقامة وطن قومي لليهود، فكانت أعين المجتمعين في المؤتمر الصهيوني الأول ببازل في سويسرا عام 1897م ترنوا أعينهم نحو فلسطين، حيث تمكن اليهودي وايزمان الذي تسلم الزعامة بعد هرتزل من استدراج عطف الزعماء البريطانيين والغرب، لجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود، سيما وأن وايزمان اكتشف مادة الأسيتون الصناعي التي استعانت بها بريطانيا أثناء الحرب الدائرة رحاها آنذاك وهي الحرب العالمية الأولى بين دول الوفاق التي كانت تضم فرنسا وروسيا بالإضافة لبريطانيا وبين معسكر الحلف الثلاثي الذي يضم ألمانيا والنمسا وايطاليا والتي أدت في نهاية المطاف إلى هزيمة الحلف الأخير وفرض عليه أملاءات وشروط مذلة صاغتها الدول الكبرى في مؤتمر فرساي وهو الأمر ذاته الذي دفع إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية في مرحلة لا حقة.
فعندما سأل لويد جورج وايزمان ، بماذا استطيع أن أكافئك ، فأجاب وايزمان "أصنع لشعبي شيئاً"، وأمام جملة من المصالح الاقتصادية والهيمنة على المشرق العربي من قبل الغرب، وهو ما خشيت منه بريطانيا بأن تلعب ألمانيا دوراً في السيطرة على الحركة الصهيونية لا سيما وأن هناك علاقات حسنة تربط ألمانيا بتركيا أو الدولة العثمانية" التي قد تسمح بالهجرة والاستيطان في فلسطين ذات الموقع الجغرافي والإستراتيجي باعتبارها نافذة مطلة على العالمين العربي والإسلامي، والعكس تماماً بأنها تطل على العالم الغربي، حيث كانت محطة انطلاق للمسلمون إلى وسط أوربا، بالتالي تكون الحاجة أكبر بأن يتم زرع هذا الكيان السرطاني لتفتيت أي وحدة تقوم بها الدول المحيطة وتبقى الهيمنة والسيطرة و النفوذ جاثمة على صدور الشعوب العربية والإسلامية وعلى ثرواتها وحضارتها العريقة وإبقائها مرهقة وفي حالة انشغال دائم.
وأمام تلك المصالح البريطانية والغربية المجحفة بحق فلسطين أصدر لويد جورج في الثاني من نوفمبر 2/11/1917م وعداً لأفراد الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين فأرسل مبعوثه سايكس الذي أجتمع بالزعماء الصهاينة "صموئيل ووايزمان وروتشيلد" الذين التقوا مع الورد آرثر بلفور وتمكنوا من إقناعه، فأصدر خطابه الشهير إلى روتشيلد.
ورغم عدم شرعية هذا التصريح المشئوم الذي لا يخرج عن نطاق رسالة، عابرة غير ملزم لا دولياً ولا رسميا،ً سيما وأن بريطانيا قدمت هذه الهدية وهي لا تملك أي حق على أرض فلسطين ونستطيع القول أنه " أعطي من لا يملك أرضاً لمن لا يستحق"، بالتالي تسقط شرعية الوعد الذي يتسم بالصبغة الصهيونية والغموض مدام أنه لم يؤخذ رأي من يعنيهم الأمر وهم السكان الفلسطينيون .. أصحاب الأرض والشأن، الذين يشكلون الأغلبية السكانية المضاعفة مع تجاهل حقهم السياسي في تقرير مصيرهم أسوة بالدول التي استقلت بعد من هيمنة الدول المستعمرة.
وبهذا اليوم يكون قد أستل الستار على العام التسعون ولا زالت المعاناة الفلسطينية تحاكي نفسها ولا يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمن هذه الغلطة التاريخية، التي ارتكبت بحقه ، ... مقدماً مئات الألوف من الشهداء والجرحى والأسرى، كما أنه على استعداد بأن يقدم المزيد والمزيد، فيما تبقى اللعبة السياسية والمصالح الإستراتيجية الغربية وقرارات الشرعية الدولية تصب في خدمة الكيان الصهيونية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره وقيام دولته على أرضه التاريخية.

كاتب وباحث

هل حقاً سيقف الجيش على الحياد(1)؟

سعيد علم الدين
في حديث مباشر بثته قناة "الجزيرة" مساء 07.10.30 كشف فيه رئيس "اللقاء الديمقراطي الزعيم وليد جنبلاط" أن أحد كبار الضباط نقل إليه أن الجيش اللبناني سيقف على الحياد في حال اقتحام عناصر "حزب الله" السرايا الحكومية انطلاقاً من المخيم في وسط بيروت"
نحن لا نشك بكلام جنبلاط، بل ولا بد من شكره على هذه المعلومة القيمة في هذا الظرف الدقيق. لأنه عندما يتكلم جنبلاط فلكلامه وزن من الحجم الثقيل وأبعاد تتعدى لبنان، وصحة في قراءة الواقع، ودقة في دراسة الوقائع، لاستشفاف المستقبل ومواجهة الأسوأ القادم والتهيؤ للزمن القاتم.
لا بد من شكره أيضا لأنه يريدنا نحن الشعب المنتفض الحر على ظلام الاستبداد أن نستعد لنحمي الوطن من الضياع قبل أن تفترسه الضباع ولكي لا نؤخذ على حين غرة من المخططين في أقبية الظلام ومربعات الغدر.
ولهذا لا بد من هذه المصارحة الجنبلاطية المعهودة من إنسان شهم يحمل هموم الوطن وآلام الشعب ويعمل مع رفاقه الشجعان فرسان لبنان أحرار 14 آذار في مواجهة ما يتعرض له لبنان من مؤامرات خبيثة تهدف للقضاء على رسالته الحضارية في العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وهويته العربية، ونظامه الديمقراطي التعددي الحر.
ولكن لا بد من طرح السؤال: هل ما قاله الضابط الكبير لجنبلاط يمثل رأي القيادة العسكرية؟ سنترك الوقائع تتكلم:
في 14 آذار 05 تغاضى الجيش عن تنفيذ أوامر السلطة السياسية السورية لحكومة عمر كرامي في وقف التظاهر وتفريق التجمعات ومنع الناس من الوصول إلى بيروت، متلاحما مع الشعب المنتفض، تاركا للمد الجماهيري الثائر لكرامته المجروحة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه أن يأخذ مجراه دون عائق يذكر متقبلا الأزهار والورود من الصبايا والشباب.
وتلاحم الجيش مع الشعب في سابقة لم يشهدها لبنان من قبل. ومنذ الرابع عشر من آذار أصبح الجيش اللبناني بحق جيش الشعب وليس جيش النظام أو الدولة أو الطائفة.
هو جيش الشعب في الدفاع عن النظام والدولة والمؤسسات الوطنية!
لقد تماهى هنا الجيش مع الدستور الذي يعطي الحق للمواطنين في حرية التعبير والتظاهر السلمي. انطلاقا من هذا الحق وقف الجيش إلى جانب الشعب وما يمليه الدستور، ضاربا بقرارات السلطة السياسية . حتى أن لحود قالها بغيظ وخبث ولؤم ظاهر محاولاً تخويف الناس وإرهابهم لكي لا يشتركوا في التظاهر:" ما بيفزعوا انو حدا حيطلوا شي قنبلة".
منذ ذلك التاريخ وحتى هذه اللحظة مرت البلاد بظروف حرجة وخطيرة جدا والجيش ساهر على الأمن وحماية النظام وورد كيد المعتدين إلى نحورهم إخماد الفتن المفتعلة هنا وهناك من قبل زعران "معارضة" ومنها اعتداءات 23 و25 كانون الثاني التي ارتكبتها ميليشيات الحزب اللاهي وأمل على بيروت الأبية، ومنها وحوش عصابة المخابرات السورية" فتح الإسلام" ومؤامرتها لإقامة إمارة تحشيش في الشمال.
وكما أن شاكر العبسي أراد ضرب المشروع الأمريكي وتحرير القدس من مخيم نهر البارد، أيضا فإن حسن نصر الله أراد وما زال يريد ضرب المشروع الأمريكي وتحرير القدس من ساحة رياض الصلح.
لا ننسى أنه كان قد أعلن انتصاره الإلهي على مشروع إدارة بوش واستطاع إيقافه عند حده ورده إلى نحره وإغراقه مع البارجة الإسرائيلية بمباركة صواريخ المرشد خامنئي، وذلك قبل أن يستفحل في المنطقة بكاملها ويُأمْرِكُها، ولم يبق أمامه إلا تحرير القدس عبر اقتحام السراي؟ أي طريق القدس تمر بالسراي.
هل سيكون ذلك نزهة لقائد الأمة الغامضة التعريف عند حسن نصر الله؟ أهي فارسية، أم عربية، أم لبنانية، أم فينيقية، أم بعثية، أم قرداحية أم قميَّة؟ الظاهر أنها الأمة الصفوية!
هل سيكون اقتحام السراي نزهة للحزب اللاهي أم أنه سيفُكُّ رقبتَهُ ويكسرُ عاموده الفقري وينقصم ظهره بعد أن قطع يديه وكسر رجليه وهشم وجهه في حرب يوليو الكارثية التي تسبب بها للبنان؟ هذا ما سنجيب عليه غدا في القسم الثاني من هذا المقال. .

الثلاثاء، أكتوبر 30، 2007

من تسبب بكل هذه التدخلات في لبنان؟

سعيد علم الدين
لماذا كل هذه الضجة المفتعلة في انتخابات الرئيس؟ لماذا كل هذه القرقعة والضجيج؟ ولماذا كل هذه التدخلات في الشأن اللبناني التي فاقت التصورات؟ وكأن الهيمنة أو السيطرة على هذا البلد الصغير، والذي لا يوجد فيه لا مخزون غاز ولا بترول ولا مناجم ذهب ولا قصدير، ستمكن مقتنصها من السيطرة على العالم؟
لا بد من الإشارة إلى أن التدخلات الحاصلة لا يمكن وضعها كلها في سلة واحدة، لأن: منها المضر والسيئ والمخرب، كصب الزيت على النار لكل تقدم يحصل بين اللبنانيين، ومنها المفيد والجيد والبناء الحريص على الإطفاء ومساعدة اللبنانيين على تخطي هذه المرحلة بسلام. هنا يجب أن لا نؤخذ بتصريحات بعض المتدخلين ومقولتهم المتكررة " دعم كل ما يتوافق عليه اللبنانيون". هم يقولون ذلك علنا ويعملون من تحت الطاولة على عرقلة أي توافق ووفاق.
من يريد مساعدة اللبنانيين حقا يدعم دولتهم ولا يرسل الصواريخ والمخربين لتخريبها. ولن يفيد لبنان بشيء التوافق على رئيس ضعيف لا يطبق القرارات الدولية الخاصة بلبنان أو يعمل على عرقلتها ليظل لبنان ساحة مستباحة ودولة مغلوب على أمرها أمام دويلة ولاية الفقيه الفارسية والدويلات الأخرى.
لماذا كل هذا التكالب على لبنان الجريح؟ لقد كشفت الأحداث ومنذ التمديد للحود خريف 04 عن وحشية المتكالبين وحقيقة مشاريعهم التآمرية المدمرة الخبيثة في مواجهة الأوهام التي يخترعونها لإقناع السذج والعوام؟ للأسف يدفع ثمن ذلك اللبنانيون من دمهم ومالهم واستقرارهم وازدهارهم ومستقبلهم وبناء دولتهم.
لماذا كل هذا التنغيص الشرير لحياة الشعب اللبناني الأليف، الذي لم يؤذِ أحدا ولم يقدم للعرب والعالم إلا الخير والخير الكثير؟ حتى غدا اللبنانيون صورة حضارية مشرقة معطاء من صور الشرق الجميلة.
لماذا كل هذا الظلم الهمجي الدموي الذي يتعرض له قادة لبنان من 14 آذار اغتيالا وتفجيرا؟
وبما أن لكل حالة سبب، ولكل حادث حديث فهناك سبب. وهناك حديث وسنحاول أن نلقي الضوء على المسبب لهذه التدخلات من خلال الحديث؟
هل المسبب هم زعماء لبنان أنفسهم بخلافاتهم؟ أم هي الأطماع السورية أو الإسرائيلية أو الأمريكية أو الإيرانية الفارسية في لبنان؟
للإجابة عن كل هذه التساؤلات لا بد من عودة سريعة ومختصرة للماضي وصولا إلى ما نراه اليوم من هذه الحركة النشطة والمكثفة والمحمومة أحينا من التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني؟
فنحن أمام حركة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة من الزيارات اليومية لوزراء ومبعوثين وسفراء لزعماء لبنان. وما يكاد يغادر وزير صديق إلا ويأتي ثان شقيق. وآخر الأمر صار الوزراء الأصدقاء يأتون بالجملة.
حتى ان انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية العالمية أصبح شأنا عالميا بامتياز.
كيف لا ولبنان اليوم مع أفول عهد لحود المشؤوم قابع في غرفة العناية القصوى بفضل التدخل السوري الإيراني، ممداً على سرير الرئاسة وموصولا بكل الماكينات الطبية والأجهزة المختلفة. الحرارة ترتفع كل يوم والموعد يقترب أكثر. منهم من يهدد بالفراغ أي وضع المريض في الغيبوبة الكاملة. منهم من يهدد بالقتل أي قطع الكهرباء أو الأنابيب عن أجهزة الإنعاش. ومن هنا ياتي هذا الهجوم الوقح والسافر من العميل الصغير وئام وهاب على الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية الداعمة الكبرى للبنان. ومن هنا أيضا يأتي خلق معسكرات وهمية وقواعد أمريكية يعج بها لبنان على الورق الانترنيتي فقط، كما فعل مؤخرا العميل المخابراتي السوري ناصر قنديل.
لبنان يتعرض لمؤامرة دنيئة لا أخلاقية ومستمرة لم يتعرض لها شعب على الإطلاق. الهدف الهيمنة عليه وكسر إرادته في الحرية وتشويه نظامه الديمقراطي، لكي يظل تحت وصايتهم وساحة مفتوحة لحروبهم ومواجهاتهم وعبدا مأمورا لأوامرهم.
قبل نهاية حرب تموز أطل حسن نصر الله ليقول "ايا تكن نتائج الحرب, فلبنان لن يكون اميركيا او اسرائيليا". وكأنه بذلك يقول لن تخرجوا أيها اللبنانيون من تحت الوصاية السورية والإيرانية. أو يتهمهم علنا أنهم بخروجهم أو محاولة خروجهم من هذه الوصاية والهيمنة سيصبحوا امريكيين واسرائيليين. وهذا الذي حدث بعد ذلك حيث تم اغتيال رموز من يطالب بالحرية والسيادة والاستقلال للبنان سيد عربي حر ديمقراطي مستقل!
الماضي يشهد. ويشهد على أفعالهم التي كشفت حقيقتهم. فعندما دخل الجيش السوري عام 76 كان هدف حافظ الأسد ليس إعادة السلام والمساعدة على بناء لبنان وإنما الهيمنة الكاملة عليه وبنائه بعثيا شموليا، ليكون الدجاجة التي تبيض ذهبا للنظام العقيم في دمشق. لأنه يعرف أن ضم لبنان ليس بالأمر السهل دوليا وعربيا.
وبما أن الهيمنة لا يمكن أن تتحقق بوجود زعماء كبار يمثلون شعبهم. فما كان إلا أن تم اغتيال الشهيد المعلم كمال جنبلاط كإنذار لكل من يرفع وجهه أمام حافظ الأسد من زعماء البلاد. بعد اغتيال جنبلاط استمرت قصة اغتيال الزعماء الكبار الأحرار كالرؤساء بشير الجميل ورينيه معوض وكالمفتي حسن خالد القائمة تطول ومنهم من نفي أو سجن أو تقوقع بعيداً عن السياسة. استتب الأمر لحافظ الأسد واستطاع الهيمنة الكاملة على لبنان إلى أن ظهر الرئيس الشهيد رفيق الحريري كزعيم كبير وعلى مستوى دولي استفاد منه حافظ الأسد إلى أبعد الحدود.
كيف لا ورفيق الحريري كان شهما وكريما ومخلصا وصادقا إلى أبعد الحدود. وراثة بشار كانت نكبة حقيقية ليس على سورية فقط وإنما على اللبنانيين، هذا لا يعني أن والده لم يكن هو الاخر نكبة. إلا أن ما كان يحصل عليه حافظ باللين والإقناع والمراوغة والسياسة والمونة، صار بشار يريد الحصول علية بالعنف والإكراه والحماقة والتهديد والتكسير.
التمديد البشاري للحود كان الهدف منه تمديد الهيمنة على لبنان برئيس ضعيف يخدم السياسة الإيرانية والسورية في آن.
الرئيس الشهيد الحريري كان في المقابل يعمل بصمت وهدوء على تخليص لبنان من هذه الهيمنة. ردا على تدخلات بشار بالتمديد للحود جاء القرار 1559. وتبعه سلة الاغتيالات والتفجيرات ردا والقرارات الدولية ردا على الرد.
ولهذا فمحاولة فرض رئيس على لبنان من قبل المحور الايراني السوري أو التهديد بالفراغ، كان لا بد من مواجهته عربيا ودوليا بما نراه اليوم من هذه الحركة النشطة دعما لانتخاب رئيس صنع في لبنان.ومن هنا فالمسبب الأول لكل التدخلات التي نشهدها اليوم هو بشار الأسد بسياسته الحمقاء مدعوم من ايران واتباعها في لبنان كالحزب اللاهي.

أيها اللاجئون .. عند ليبرمان القول الفصل


عطا مناع
فاشيون لكنهم لا يكذبون، يتصالحون مع أنفسهم، يناطحون حركة التاريخ ويعومون ضد التيار،اقنعوا أنفسهم وبعضا منا أن بلدنا هي ارض ميعادهم، وأنها ارض بلا شعب وان من يسكنها "أغيار" وجدوا لخدمتهم، يمارسون عنصريتهم وعقدهم عليهم، يستحضروا مراحل بشعة من التاريخ الإنساني حيث القطعان والهمجية والوحشية والطقوس الشيطانية التي توغل في لحم الضعفاء والمضطهدين، لا بد من فهم الآخر حتى تتعامل معه، إن قراءة الأخر من أبجديات تكوين الوعي، ومعرفة الآخر لا تتمثل في لقاءات الضحك على الذقون ولا في ورشات العمل والمؤتمرات الباردة التي تفتقر للحياة، لا يمكن أن تعرف الأخر إلا من خلال تاريخه وممارساته وفكرة والغوص في اعماقة، بدون ذلك نكون نضحك على أنفسنا، وهذا ما يحدث معنا نحن الفلسطينيين، نكذب الكذبة ونصدقها وللأسف نعرف بعد حين ويكون الزمن قد سبقنا.
ما الفرق بيننا وبينهم، قلنا أن حق العودة حق مقدس.. قالوا لن نسمح لكم بالعودة إلى بيوتكم وأراضيكم، قلنا سنموت من اجل حقنا وبالفعل قدم فقرائنا حياتهم قربانا على مذبح الشعار المقدس، حصدوا منا مئات آلاف من الشهداء ونغصوا علينا حياتنا واستسهلوا قتلنا وحصارنا والسطو على هويتنا وتاريخنا فلم يسلم منهم حتى الثوب الفلسطيني والآكلات الشعبية الشاهد الأصيل على انغراسنا في أرضنا، خرج منا رجال قالوا...نموت واقفين ولن نركع، وهناك من قال فلسطين من النهر إلى البحر ونمت شهداء دون الوطن والحقوق والكرامة الوطنية، جيل حمل الحقيقة التي عجزت الأمة عن حملها، جيل اعتقد أنة سلم الراية لمن يحافظ عليها، ويحميها من السقوط والاندثار، لقد اخطئوا التقدير ونحن ندفع ثمن هذا الخطاء.
يقول المفاوض الفلسطيني أنة متمسك بالوصول إلى تسوية وحل مع دولة الاحتلال من منطلق إن المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تتطلب هذا التوجه، وذهب ساستنا إلى التبرع للإسرائيليين بتقديم تنازلات مجانية خرج إطار الحوار الرسمي في ظل فوضى التصريحات السياسية والمؤتمرات الصحفية النرجسية التي تضر ولا تنفع، وبالمقابل يتمسك المفاوض الفلسطيني بحق العودة والقدس والانسحاب من الضفة، هذا الانفصام السياسي يتم عبر وسائل الإعلام التي أصبحت هي الوسيلة التخديرية للشعب الذي يعرف مسبقا أن هناك كذب وتضليل وتزوير للحقائق التي تدور في الغرف المغلقة مع المفاوض الإسرائيلي الذي لم يتراجع قيد أنملة عن سياسته الاحتلالية المدعومة بممارسات إجرامية في الميدان، وابسط شاهد على تعنت وصلف الاحتلال الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية وعمليات الإعدام التي تتم بتغطية من الفضائيات العربية والقمع الغير مسبوق للأسرى الفلسطينيين في سجن النقب والسجون الأخرى التي يقبع فيها أكثر من احد عشر ألف أسي فلسطيني .
المفاوض الفلسطيني عاجز عن تحقيق ابسط القضايا وهذا ليس ذنبه ولكنة يتحمل المسؤولية عن استمرار هذه اللعبة المكشوفة التي ندفع تمنعا دما ولحما وفقرا وحصار،المفاوض الفلسطيني يتحمل المسؤولية في عدم وضع الشعب قي صورة ما يحدث، وبالتاي تصبح الرواية الإسرائيلية هي السائدة وخاصة أنهم يختلفون عنا بطرح الأمور بوضوح وبالاسم ، وبالتالي يكشفون عدم دقة الرواية الفلسطينية التي تتلاعب بالمواطن الفلسطيني، وفي هذا السياق يؤكد المفاوض الفلسطيني تمسكه بمؤتمر الخريف وبالثوابت الفلسطينية واستمرار المفاوضات مع دولة الاحتلال ليعبر عن حالة تناقضيه ليس لها مخرج.
الإسرائيليون يهللون ويكبرون ليل نهار أنهم لن يقدموا شيئا للمفاوض الفلسطيني الدائم التفاؤل ويتلخص الموقف الإسرائيلي في وثيقة نائب رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير" التهديدات الاسترتيجية" أفيغدور ليبرمان اليميني المتطرف وله تأثير في خارطة التحالفات الحزبية الإسرائيلية، يؤكد ليبرمان في وثيقته علة أن أي تسوية يجب أن تحافظ علة الطابع اليهودي لدولة الاحتلال، ويتحدث عن سيطرة إسرائيل على القدس المحتلة والأماكن المقدسة أو كما يسميها"الحوض المقدس"، ويقول أن إسرائيل لن تسمع بممر امن بين الضفة وغزة، وترفض الوثيقة عودة اللاجئين إلى أراضيهم حتى الحالات الإنسانية كما يؤكد، ويشير إلى إلغاء كافة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتبادل السكاني، ليبرمان ليس الرافض الوحيد في دولة الاحتلال فهناك الحاخامات الذين هددوا بإقامة "صلاة اللعنة" على اولمرت وبوش وهي صلاة أقيمت قبل اغتيال رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق اسق رابين.
المزاج الداخلي الإسرائيلي في هذه المرحلة يتصف بالعدوانية وأجواء الحرب هي المسيطرة حيث التدريبات والإجراءات الداخلية التحضيرية للحرب والدعوات الموجهة للإسرائيليين باتخاذ احتياطات غذائية، بمعنى نحن الفلسطينيين لسنا في حساب الإسرائيليين والأمريكيين الذين هددوا على لسان رئيسهم ياشعال الحرب العالمية الثالثة، ومن الأجدى للفلسطينيين أن ينظروا إلى الخلف والتطلع إلى الوضع الداخلي الذي يعيش أسوء اوقاتة.

تنظير عنصري من قاضي مركزية في اسرائيل

نبيل عودة

المساواة هي الطريق للسلام والأمن


نشرت صحيفة " معريف" ( 2007 – 10 – 28 ) مقالا لقاضي محكمة مركزية يدعى اوري شتروزمان ، تحت عنوان : " المساواة متعذرة بين اليهود والعرب الى ان يحل السلام".
وبما ان الكاتب هو قاضي ، يبرر وجهة نظره بالاعتماد على تفسيرات قوانين ومناقضة أحكام ونقدها صدرت عن المحكمة العليا الاسرائيلية.
المقال مثير للاهتمام من منطلق العقلية التي تروج للتمييز العنصري في اسرائيل.وضروة الاستفادة من منطلقاتها " العقلانية " اذا كان من الممكن ان نسمي مثل هذه المواقف عقلانية، وطرح خطاب سياسي " يفرغ " هذه العقلية من حججها.
سعادة قاضي المركزية يوجه سهام انتقاده ضد المؤسسة القضائية العليا ، المحكمة العليا ، وضد المؤسسة التشريعية العليا ، الكنيست ( البرلمان ). الأولى لأنها لا تصدر أحكاما تسد الطريق على المساواة في الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، داخل دولة اسرائيل بين المواطن العربي والمواطن واليهودي . والثانية لأنها لا تشرع ما يمنع المحكمة العليا من رؤيتها المبدئية لحق كل مواطن ، بغض النظر عن اختلافه القومي ، بالحصول على نفس الحقوق والامتيازات والخدمات .
لا أدعي ان الحقوق كاملة للمواطنين العرب ، ولست الآن في باب استعراض جديد لما تعاني منه الجماهير العربية في اسرائيل من تمييز عنصري واضطهاد قومي في كل المؤسسات ومجالات الحياة ، مما يتناقض مع وثيقة استقلال الدولة والقوانين الأساس في الدولة. وباتت المؤسسات العربية الأهلية أكثر وعيا لأهمية الالتماس للمحكمة العليا ضد التمييز الصارخ المناقض لقوانين حقوق الانسان والمواطن التي يضمنها القانون الاسرائيلي بنصه على الأقل.
ان القضاء الاسرائيلي ، وخاصة المحكمة العليا ، تنقذ بقراراتها ، التي لا تسر قاضي المركزية ، وغلاة المتطرفين العنصريين في اسرائيل ، ليس حقوق الجماهير العربية المغبونة ، والتي تصطدم ، حتى بعد اقرارها بالعليا بالكثير من العقبات اثناء التنفيذ ، انما تنقذ وجه الدمقراطية الاسرائيلية ، اذ تقوم العليا بابراز اسرائيل أخرى امام المجموعة الدولية والراي العام الدولي ومنظمات حقوق الانسان الدولية ، كدولة قانون ومساواة في الحقوق ، دولة دمقراطية ليبرالية ، دولة مؤسسات مستقلة ، لا تميز بين مواطنيها العرب واليهود و دولة عدل اجتماعي . هذه الخدمة لا تقدر بثمن سياسي واخلاقي لدولة ما تزال تمارس البطش بالشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة ، ولا تتردد في استعمال كافة اشكال العنف ضد مواطني الدولة العرب اذا هبوا للدفاع عن حقوقهم . ومع ذلك أكون بلا ضمير اذا رأيت فقط سلبيات الدمقراطية والليبرالية الأسرائيلية ، ولكنه ليس موضوعي الآن، انما أقول ما قاله مثقف عربي للدكتور عزمي بشارة - ما معناه :" نتمنى ان نحصل في عواصمنا العربية على جزء صغير من الدمقراطية التي تتمتع بها في تل-ابيب والقدس والناصرة". طبعا قبل اختياره الرحيل .
السيد القاضي يصر على ان ابناء الشعب الفلسطيني مواطني اسرائيل ، لا يختلفون بعدائهم لدولة اسرائيل وشعبها عن حماس وفتح، الا بكونهم كما يكتب : " لا يتجرأون على الحديث عن طردنا من بلادنا، ولكنهم يقولون يقولون الحقيقة في حديثهم عن تصفية الهوية اليهودية للدولة". ويضيف القاضي : " دليل واضح على ذلك يجد تعبيره في كتاباتهم ، في " الرؤية المستقبلية " لعرب اسرائيل : تعريف الدولة كدولة يهودية والاستخدام للدمقراطية في خدمة يهوديتها يبعدنا عن صفوفها ويضعنا في مواجهة مع طبيعة وجوهر الدولة التي نعيش فيها".
لا شك ان وثيقة " الرؤية المستقبلية " لعرب اسرائيل التي صدرت عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وحضرتها لجنة المتابعة العربية العليا ، كانت رؤية مشوهة ، بنت لنفسها عالما وهميا ، بعيدا عن الواقع ، الحقت الضرر الكبير بنضال الجماهير العربية من أجل المساواة وكسر الانعزال ( تجدون لكاتب هذا المقال مجموعة مراجعات لوثيقة " التصور المستقبلي " منشورة في العديد من مواقع الأنترنت ) .
يمكن القول بلا تردد ان وثيقة " التصور المستقبلي" تتميز صياغتها بالحماقة السياسية ، والقصور الفكري عن رؤية وتفسير الواقع ، وللأهداف الملحة للعرب في اسرائيل ، وعلى رأسها بدء رؤية حقنا بأن نكون شركاء في السلطة وليس محكومين فقط ، وكسر عزلتنا السياسية التي عمقها قادة أحزابنا وبعض مؤسساتنا بمواقف دون كيشوتية.
ان مجتمعا يفقد ترابطة الوطني ، وتواصله الاجتماعي ، ويصبح الانتماء العائلي والقبلي والديني أهم من الانتماء الاجتماعي والوطني ، هو مجتمع مأزوم غير قادر على طرح رؤية مستقبلية عقلانية ومجندة عربيا ، ومؤثرة ايجابيا على


اوساط واسعة في المجتمع اليهودي ، التي تحلم بتغيير واقع العداء ، الى واقع من التعاون والسلام والأمن والحياة المشتركة .
العرب في اسرائيل لا يعيشون على جزيرة نائية. نحن بارتباط وثيق بالواقع الاسرائيلي . والتصرف الذي يعمق انعزالنا السياسي والاجتماعي يلحق الضرر بالأقلية العربية وبمجمل حقوقها وامتيازاتها . هذا يجب ان يبقى مطوحا قبل اتخاذ أي قرار سياسي للأحزاب العربية وممثليها في مختلف المؤسسات . وان الدمقراطية لا تعني الانفلات السياسي واللساني .
لا أرى ان تعريف الدولة هو القرار الحاسم الذي لن يمر . بل أؤمن ان اقرار قوانين ( دستور ) يحمي الحقوق الكاملة ، ويضمن المساواة الكاملة دون تمييز بين عرق او دين او لون ، لكل مواطن ، وفي كل مجالات الحياة داخل اسرائيل ، هي الصيغة التي يجب ان نطرحها في خطابنا السياسي .
لست رجل قانون ، وربما يجد القانونيين العرب الصيغة الأمثل ، ان معركتنا حول التسمية خاسرة من اليوم الأول . الأكثرية تقرر هوية الدولة ، هذا في كل دول العالم بما فيها الدول العربية ودولة فلسطين العتيدة. المطروح هو اقرار دستور ( أو قوانين ) تحمي النظام الدمقراطي وحقوق كل المواطنين في الدولة ومساواتهم أمام القانون ، وامامنا عمل هائل في هذا المجال نضيعة وراء فذلكات لغوية .
هل تسمية اسرائيل " دولة مواطنيها" وبقاء الظواهر العنصرية أفضل من تسميتها " دولة يهودية ودمقرطية " والقضاء على الظواهر العنصرية ؟
لا احلم بالتخلص بسهولة من الواقع العنصري والتمييز ، وأن اقرار قانون ، أو دستور ، هو الأهم قانونيا على الأقل ، لمستقبلنا وتطورنا المتعثر ولواقعنا المتفكك ، ولتقدمنا نحو تحقيق المشاركة الكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة ، وقد تكون هي الضمانة لعودة اللحمة الى مجتمعنا ونبذ العائلية والطائفية المدمرة.
القاضي المحترم يسمح لنفسه ان يحكم على الجماهير العربية في اسرائيل بالجملة ، حسب " القلب والدم " مما يذكرني بفترات سوداء من تاريخ اوروبا الذي دفع الشعب اليهودي نفسه ، شعب القاضي شتروزمان ، ثمنها المأساوي والكارثي.
يكتب القاضي : " عرب اسرائيل ملزمون حسب القانون بالولاء للدولة . حسب واجب القلب والدم ، موالون فقط ، أو أيضا، لأبناء شعبهم ، وبصفتهم ذوي ولاء مزدوج ، وفي وضع تضارب المصالح ، الغبي وحده يضمن بنقاء فكرهم الذي يفترض ان تحركه مصلحة الدولة اليهودية والدمقراطية . الأمور معروفة ولا حاجة للاطالة فيها " .
اصدار مثل هذه الأحكام العنصرية ، وبتجاهل كامل للأهمال السلطوي للعرب وحقوقهم وممارسة سياسات التمييز والقمع والاضطهاد القومي ومصادرة الأرض والحرمان من مناطق صناعية ومناطق لتوسيع مسطحات البلدات العربية وتفشي البطالة بنسب كبيرة وغيرها من السياسات العنصرية ، عدا الأحتلال وقمع شعبنا الفلسطيني، هي من جذور الغضب العربي في اسرائيل . هي من جذور فقدان الانسجام في الواقع الاسرائيلي بين الدولة ومواطنيها . وكان على القاضي المحترم ان يرى الصورة الشاملة . وبجذور هذه الصورة ان العرب أثبتوا وعيا سياسيا تجاوز حتى قادته السياسيين المحبطين ، ويطرحون خطابا يجب الانصات اليه والاهتمام بايصاله للجمهور اليهودي ، وليس الترويج لمقولات سياسية خرقاء تضر بواقع الجماهير العربية ... واثبتت فشلها حتى انتخابيا ، بحصول الآحزاب العربية على أقل من نصف الأصوات العربية .وبعض هذا النصف الذي حصلوا عليه أكثر وعيا وفهما لواقعة من الأحزاب التي لم يجد بديلا عربيا لها يستجيب لكل تطلعاته ، صوتي انا مثلا . وكان عليه ، كرجل قانون .. العودة الى وثيقة قانونية رسمية ، وثيقة " لجنة أور" التي حققت بأحداث اكتوبر 2000 ، وان يقرأ استنتاجاتها وتحميلها جزء كبير من المسؤولية لأجهزة السلطة بدءا من الوزراء ، وانتقادها للتمييز الممارس ضد الأقلية العربية ، وتوصياتها الايجابية بشكل عام ، التي لم تنفذ للأسف الشديد ، مما يعني ان انفجار غضب جديد في الوسط العربي لن يكون مفاجئا ، ولا يحق لأي مسؤول ان يتهم الجماهير العربية بعدم الاخلاص ، واذا كانت من تهمة لعدم الاخلاص لمصالح الدولة فيجب ان توجة للسلطة نفسها .
كلمات القاضي بالغة الخطورة . الاسنتاج الأول لا يمكن لمن يحمل مثل هذه الأفكار ان يكون قاضيا في قضية أحد أطرافها عربي ،وربما لا بد من مراجعة كل احكامه السابقة التي كانت فيها أطراف عربية ، وهذا اتركه للقانونيين العرب.
الاستنتاج البديهي الثاني، مثل هذا القاضي لا يشرف القضاء الاسرائيلي .. الذي تجهد أحيانا المحكمة العليا لتبييض وجهه بقراراتها حول التي ترفض التمييز ضد العرب في بعض المجالات .
ان التزام العرب في اسرائيل بقضايا شعبهم الوطنية لا يتناقض مع الحفاظ على قوانين الدولة والمواطنة ، وكل التجاوزات التي حصلت كانت هامشية جدا ، وحصل ما هو أسوأ منها في الوسط اليهودي في تهريب وبيع السلاح للفلسطينيين مثلا ، او حتى الشراكة الكاملة بسرقة وتجارة قطع السيارات المفككة ، وغيرها من اشكال التحايل ومخالفة القوانين .
وقوفي الى جانب حق شعبي بكنس الاحتلال وبناء دولته المستقلة ، هو نضال سياسي يشاركنا فية الكثير من ابناء الشعب اليهودي ، فهل صاروا تبعا لذلك أعداء للدولة؟ وربما كان على القاضي ان يتهم رئيس حكومة اسرائيل الأسبق المرحوم اسحاق رابين الذي وقع اتفاق سلام واعتراف متبادل مع منظمة التحرير الفلسطينية ، بالعداء للدولة..؟
نحن متنبهون لواقعنا المليء بالاشكال ، في ظروف " دولتي تحارب شعبي" ، ومن هنا معركتي التي أخوضها اعلاميا ، لطرح قيم مدنية اجتماعية جديدة ، وخطاب سياسي يجند المزيد من ابناء الشعب اليهودي ، للوصول الى فرض حل عادل للقضية الفلسطينية.

الخطأ الكبير للقاضي شتروزمان ، هو تجاهله ان اليهود ليسوا كلهم اسرائيليون .هناك عدد من اليهود في مختلف انحاء العالم يفوق العدد الكلي ليهود اسرائيل.
هل يعني ان اليهودي الأمريكي ، او الروسي ، او الهندي او من بقي من اليهود في العالم العربي ، وغيرها من مختلف
دول العالم ، هم غير مخلصون لأوطانهم ، واخلاصهم يتحكم فيه " القلب والدم "؟
من حقهم كيهود وغير يهود الوقوف الى جانب اسرائيل والتبرع لها والتظاهر دفاعا عنها ،او الوقوف ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي يشارك فيه الكثير من يهود اسرائيل ويهود العالم أيضا. لماذا تسحب هذا الحق من الفلسطيني مواطن اسرائيل ، وفورا ترى فيه غير مخلص ولا يقول الحقيقة عن مشاعره وتفكيره ، وبالتالي لا يستحق المساواة ؟ أي بنص آخر ، القاضي يريدنا ان نستنتج ان العربي هو انسان أقل قيمة وأقل انسانية من اليهودي ( ربما علينا ان نستنتج اننا لسنا بشرا يا سعادة القاضي ) ، ولا غبن باضطهاده وحرمانه من الحقوق الاساسية ، وقمعه وقتل ابنائه اذا احتج .. وربما كان عليك سيدي القاضي ان تتهم اليهود مواطني اسرائيل المؤيدين للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بخيانة دولة اسرائيل ، لأن جريمتهم أشد شذوذا من جريمة العرب ؟
لا انتظر الجواب من القاضي .. انما من المستشار القضائي للحكومة ، ومن أعضاء الكنيست : هل يوجد في القضاء الاسرائيلي مكانا لمن يحمل مثل هذه الأفكار التي تلحق الضرر بدولته أولا ثم بالأقلية العربية بما يشيع من أحكام مسبقة عنصرية في مضمونها رغم ظاهرها العقلاني القانوني ، وتلحق الضرر بالأقليات اليهودية في مختلف دول العالم ، حيث يقر قاضي المركزية ان ولائي لغير دولتي وشعبي هو خداع وتضارب مصالح وغباء من الدولة التي تصدق ولائهم ؟!!

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

الاثنين، أكتوبر 29، 2007

رد على النائبِ المسْتَنفَرِ ميشال عون

سعيد علم الدين
لبنان سفينةٌ تتخبطُ في بحرٍ شرق أوسطي ودوليٍ خطرٍٍ هائجٍ تتقاذفها أمواج النظام السوري الإرهابية العاتية من ناحية وعواصف النظام الإيراني النووية المدمرة وبشكل مكثف هذه الأيام الرئاسية من ناحية أخرى. وبدل أن يكون النائب عون أحد البحارة الماهرين ويعمل يداً بيد لإنقاذ السفينة من الغرق والوقوف في وجه الأمواج والعواصف، هو يفعل العكس تماماً. أي يتحالف مع الأمواج والعواصف ويقول لباقي البحارة وفيهم المهرة جدا: إما أن أكون أنا ربانكم الوحيد وإما الغرق الأكيد. أي عليَّ وعلى لبناني وأهلي ووطني وكياني، وعند الضرورة سأكون أول الهاربين كما سبقَ وفعلت، ولكن هذه المرة إلى المنفى السوري أو الإيراني.
منذ الانسحاب السوري من لبنان وبشار يحاول إغراق السفينة اللبنانية: بالفوضى والانفجارات، والشهداء والاغتيالات، والفتن والمظاهرات، والشلل والاعتصامات، والدماء والدمار والحروب ليثبت للبنانيين والعرب والعالم أجمع أن المحكمة الدولية لن تمر ولبنان بدون اليد السورية لن يستقر. هو قال ذلك علناً. والانتهازي عون ينتهز الوضع المأساوي المفتعل الذي يمر به لبنان ليصبح رئيسا لجمهورية إلهية شمولية ظلامية تظللها اليد البعثية والإيرانية وتحكمها شريعة الغاب.
ولهذا فأطل عون المستنفر من شرفة منزله على اللبنانيين أمام وفد من أبناء قضاء عاليه زاره في الرابية يوم 27 أكتوبر. قال وما أدراك ماذا قال! وليته ما قال! حيث أكد مرة أخرى بأنه مستعد أن يدوس على المبادئ والقيم والأخلاق، ويشوه الحقائق ويخلط الحصى بالعجين ويخبزه خبزا عونيا أورنجيا مدمراً ليكسِّرَ به أسنان اللبنانيين، في سبيل الوصول إلى الكرسي بدعم حزب إلهي استكباري عنيد بالباطل لا يلين والقعود عليها على الطريقة اللحودية أي أكثر من ست سنين.
سنفند لعون المستنفر أقواله كما جاءت في خطابه.
هو يقول في اتهام باطل للحكومة ليس له أساس: "أن هناك استمرار في عملية السطو على السلطة من خلال مواقف فيها نوع من الإعتداء وخرق للدستور والقوانين وخرق للقواعد التقليدية لممارسة السلطة في لبنان".
كلامه هذا مناقض لأبسط بديهيات الحقيقة. فالانتخابات التي شارك بها شخصياً والتي ينتقدها حالياً: هي التي أفرزت ديمقراطيا وتحت إشراف مراقبين دوليين مستقلين هذه السلطة الشرعية التي قامت حسب الدستور والأصول وبعد استشارات أجراها رئيس التمديد لحود مع الكتل النيابية تمت على نتيجتها تسمية الاستاذ فؤاد السنيورة، الذي حصلت حكومته على ثقة البرلمان الكاملة والمستمرة حتى اليوم.
فالذي يحاول هنا السطو على السلطة ومخالفة الدستور وخرق القوانين ومخالفة التقاليد وعدم الأخذ بالأصول هو عون وحلفائه في كل ما قاموا ويقيمون به من فتن كما حصل يومي 23 و25 كانون ثاني وأعمال مشينة كهذا الاعتصام الفاشل في قلب بيروت الذي يعبر عن غباء القائمين به.
لو كان عون حقا صادقا في نقده وانتقاده للقانون الانتخابي وليس منافقاً لما شارك يومها ولاحترم نفسه وقعد في رابيته وقاطع الانتخابات احتجاجا. أما أن يأتي اليوم ويتباكى حول القانون المجحف بحقه فهذا نفاق ساطع وكذب قاطع واستخفاف فاقع بعقول اللبنانيين.
ولا نريد للبنان رئيسا منافقاً يستخف بعقولنا!
هو يقول "سنة 1969 حصل إتفاق القاهرة وهنا تشرعنت العملية الفلسطينية على أرض لبنان وكان أكبر خطأ تاريخي".
هذا كلام مغالط ومجحف بحق الحقيقة التاريخية. لأنه ينسى في حُكْمه المتسرع هذا العوامل المؤثرة، والظروف الضاغطة، والمعطيات القاهرة التي مر بها البلد وأدت إلى هذا الاتفاق. أهمها انقسام حاد في لبنان بين من رفع شعار "وطني دائما على حق" كسليمان فرنجية الجد، وبين من رفع شعار "سنحمي العمل الفدائي بالروح والدم" من الجانب المواجه والمدعوم سوريا. حيث أدى هذا الانقسام إلى اعتكاف رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي 7 أشهر بضغوط سورية مسببا بذلك شللا حكوميا ومأزقا دستوريا كان لا بد من الخروج منه، فكان اتفاق القاهرة الذي رعاه الرئيس الراحل عبد الناصر كمخرج وحيد لحل الأزمة. ومن هنا فليس صحيحا عندما يقول عون ان ذلك "كان أكبر خطأ تاريخي" ولكن الأصح أنه وقتها لم يكن هناك حل آخر ممكن ليوحد اللبنانيين. اليوم الشعب اللبناني بجميع طوائفه دفع ثمن ذلك الاتفاق المشؤوم مئات الآلاف من الشهداء وتوحد بأبهى صورة الحضارية بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 آذار المبارك. ما يحصل اليوم بسبب تصرفات عون والحزب اللاهي وباقي العملاء الصغار هو انقسام وهمي مصطنع خدمة لسياسة بشار وليس انقسام حقيقي بين اللبنانيين.
المطلوب اليوم من "معارضة" المفلسة أخلاقيا إظهار اللبنانيين بأنهم منقسمون ولا تجمعهم إلا يد بشار الحنونة.
هو يقول: "ولم يستطيعوا عندها القضاء علي إلا بإتفاق الطائف" .
ينسى عون هنا بأن الحروب كلها تنتهي باتفاق سلام أو استسلام. ومن هنا فقد كان اتفاق الطائف اتفاق سلام لإنهاء الحروب بين اللبنانيين التي استعرت بسبب تدخلات أفاعي النظام السوري حليف عون اليوم.
هو يقول: " فلا يستطيع أحد أن يكون زعيم روحي وزعيم سياسي في الوقت عينه، لأن الواجبات تختلف فواحد يهتم بشؤون السماء وآخر يهتم بشؤون الدنيا، وكلٌ لديه إختصاصه".
هذا الكلام يناقض تصرفات وممارسات قائله. لأنه لو كان حقا صادقا فيما يقول لرفض التحالف مع الزعيم الروحي والسياسي حسن نصر الله. أي هو ينتقد والانتقاد يسري عليه قبل غيره. فعليه أن ينتقد نفسه قبل الآخرين ويصلح من أمره قبل أن يتحول إلى كركوز عصره.
هو يقول " فرضوا علينا قانون إنتخابي سنة 2000 قانون غير دستوري وغير قانوني" .
وهل أيضا وجَّهوا المسدس إلى رأسك وفرضوا عليك الترشيح والمشاركة في الانتخابات أم انك اخترتها بشراهة ما بعدها شراهة كما حصل في انتخابات المتن؟
من يعتبر أن القانون الانتخابي مفروض عليه ومجحف وغير دستوري فلا يشارك من الأساس لو كان حقا صاحب مبدأ وموقف وليس بائع مبادئ وتاجر مواقف، ومهرج سياسي!
ومن هنا فكل من شارك في الانتخابات بقانون إل 2000 ترشيحا وانتخابا بحريةٍ، يعني ذلك هو راضٍ بالقانون وبنتائجه في الربح والخسارة ولا يستطيع بعد ذلك ان يشكي ويبكي كالرضع وقد فقدوا مصاصتهم.
هو يقول" في قانون الإنتخاب تم تحجيمنا للثلث، فجئنا لنتمثل في السلطة فتحول الثلث الى السدس".
وكأنه يريد أن يحصد 99% من عدد النواب على الطريقة الشمولية السورية لكي يرتوي عطشه ويكون سعيدا! وإلا سيستولي على السلطة بالانقلاب على الديمقراطية.
للتذكير انتخابات المتن التي أنزلته إلى أكثر من ثلاثين ألف درجة تحت الزنار. عرته مسيحيا وأكدت بشكل قاطع بأنه تحول من تسونامي 70% عام 2005 إلى موجة صغيرة فازت ب 400 صوت بمساعدة الحزب اللاهي والمخابرات السورية وباقي الأتباع عام 2007.
هو يقول:" ولما رأوا ان الطعون سوف تربح ألغوا المحكمة ( أي المجلس الدستوري)".
هذه كذبة أكبر من كبيرة، لأن المجلس الدستوري عطله لحود، لعدم توقيعه المراسيم بحجة أن الحكومة غير شرعية.
هو يفرض نفسه على الشركاء من الطوائف الأخرى كأنه الزعيم المسيحي الأوحد عندما يقول" أما رئيس المسيحيين فيجب أن يكون اي كان إلا الزعيم".
ولهذا إذا لم يختاروه الآخرون وينصبوه رئيسا رغم أنفهم فهو يهدد بالتقسيم عندما يقول: " يفرضون علينا أي شيء وقد يكون تقسيم الوطن". وهو يهدد بالتالي بالتوطين وبإلغاء لبنان من أساسه ويبشر ب " هجرة واسعة". إذا لم ينتخبوه رئيساً.
هو يتبجح مغرورا عندما يقول: "نحن من غيّر السياسات الخارجية لتدعم لبنان فحصل تلاقٍ بين الإرادة اللبنانية والإرادة الدولية حتى تم الانسحاب".
هو ينسى هنا عملية الاغتيال التي هزت العالم وليس فقط بيروت في 14 شباط ومظاهرة 14 آذار المليونية. فقط هذان الحدثان العظيمان المفصليان هما من أخرجا قوات الاحتلال السوري من لبنان.
هو يقول: " اقترحنا أولاً حكومة وحدة وطنية، وهذا الشيء ملزم في كل دول العالم حين يحصل انقسام كبير ضمن الشعب. فإما تشكيل حكومة وحدة وطنية مثل ما حصل في إيطاليا وألمانيا مؤخراً".
هذا كلام مغلوط وغير صحيح ويدل على ضعف معلومات صاحبه! لأن في لبنان توجد أكثرية عددية من قوى 14 آذار قادرة على الحكم بسهولة أما في ألمانيا مثلا فلا توجد هذه الأكثرية. من هنا لا بد للأحزاب من التحالف أو الدعوة لانتخابات جديدة. التحالف هنا لا يعني حكومة وحدة وطنية بقدر ما يعني تحقيق إرادة الناخب التي فرضت نفسها على الأحزاب، لأنه أعطى أصواته بالتساوي أو بشكل لا يوجد حزب واحد أو تكتل متجانس يملك أكثرية عددية ليحكم البلد.
عون ينزل ليس فقط إلى تحت الزنار بل أيضا إلى أرض الحضيض وقعر الإفلاس الوطني ولا يخجل عندما يستهزئ بالحكومة والأكثرية النيابية، اللذان قدما خيرة الشهداء من أجل لبنان وسيادته واستقلاله وديمقراطية، قائلا: " فلم لا يتكلمون عن اعتصام الحكومة "الزاربة" نفسها في السراي والنواب "الزاربين" أنفسهم في فندق؟
هذا الكلام لا يقوله إنسان عاقلا يملك إحساسا وشعورا وإدراكا لمآسي الوطن وتضحيات الآخرين. حقا لقد فقد عون الميزانية!
أما المحكمة الدولية فإنه لا يذكرها بكلمة واحدة لأنه يعرف أنه بذلك سيغيظ حسن نصر الله وبشار وقنديل وواكيم وسليمان فرنجية ... الخ. رغم أنه يقول: " إغتيال بشير جميل، إغتيال رينيه معوض، كل واحد كانوا يجدون له سببا لإغتياله ويختفي القاتل، والآن قد يختفي كل الذين قتلوا، لأن اللعبة ما زالت كما هي ولم تتغير".
وكيف ستتغير اللعبة القاتلة بوجود حلفائك يا استاذ عون؟ هؤلاء الذين وزعوا الحلوى يوم استشهاد جبران، وهنؤوا بعضهم على محطة الإستيز نبيه على الهواء يوم اغتيال زميلك الشهيد وليد عيدو، وأغلقوا البرلمان لكي لا تتغير اللعبة! أكتفي بهذا القدر احتراما للحكومة الصامدة في وجه الأمواج العاتية والأكثرية المناضلة في وجه العواصف المدمرة، وأيضا إجلالا لأرواح شهداء انتفاضة الاستقلال.

الأحد، أكتوبر 28، 2007

المفاوض الفلسطيني محاصر على الخطوط الحمراء


نقولا ناصر

ربما يأتي الكتاب الجديد ، "أسد الأردن" ، للبروفسور الإسرائيلي أفي شليم ، أستاذ العلاقات الخارجية في كلية سانت انتوني بجامعة أكسفورد "أسد الأردن" ، الذي ينتمي لمدرسة المؤرخين الإسرائيليين الجدد إصدارا جديدا في حينه ليثبت للمفاوض الفلسطيني عقم أي مفاوضات سلام مع إسرائيل ، إذ ما تزال المنطقة تعاني من آثار الغدر الإسرائيلي بداعية سلام مخضرم مثل العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال ، الذي أنفق أكثر من ألف ساعة من المفاوضات مع الإسرائيليين منذ عام 1963 لكي يحصد هو وبلاده والمنطقة الحصاد المر الذي يمزق أهل المنطقة حاليا .

ويقف المفاوض الفلسطيني اليوم على الخطوط الحمراء لثوابته الوطنية محاصرا بين الضغط الخارجي لاستحقاقات المؤتمر الأميركي المقترح قبل نهاية العام الحالي – الذي قال رئيس "مركز أبحاث الأمن القومي" في جامعة حيفا الإسرائيلية البروفيسور دان شيفطان في مقال نشره في صحيفة "هارتس" يوم الخميس الماضي إنه "قضية أميركية إسرائيلية بحتة لا دخل للفلسطينيين فيها" -- وبين الضغط الداخلي للمؤتمر الوطني المقرر عقده في دمشق أوائل الشهر المقبل الذي تقول القيادة الفلسطينية إنه غير شرعي ويعمق الانقسام الوطني .

ويكاد يجمع "المسالمون" و"الممانعون" العرب ، وفي مقدمتهم الفلسطينيون وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس ، على أن الاجتماع الدولي الذي تسعى واشنطن لاستضافته قبل نهاية العام الحالي هو "الفرصة الأخيرة" لإحياء عملية السلام العربية الإسرائيلية بدءا من استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، ويتفق معهم في هذا التقويم قادة عرب كان أولهم العاهل الأردني عبد الله الثاني وقادة أجانب كان آخرهم رئيسة فنلندا تارجا هالونين .

لكن المؤيدين لعقد هذا الاجتماع والمعارضين له ، خصوصا بين العرب ، منقسمون انقساما حادا حول تقويم النتائج المتوقعة من عقده ، وفي الأوساط الفلسطينية على الأخص يعتبر المعارضون للمشاركة فيه مجرد الذهاب إليه جنوحا نحو تجاوز الخطوط الحمر للثوابت الوطنية ، لذلك تداعوا إلى عقد مؤتمر معارض له في دمشق يومي 7 و8 الشهر المقبل .

وتدافع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن قرارها بالمشاركة بحجج عديدة ، منها أن هناك نافذة فرصة أميركية مفتوحة ينبغي استثمارها ، وأن "موقف فتح والسلطة الوطنية" كان يطالب "منذ فترة طويلة بضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام" وليس من المنطقي أن يرفض الفرصة المتاحة لذلك الآن بعد "أن جاءت دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش" كما قال أحمد قريع مفوض التعبئة والتنظيم في حركة فتح ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض لاجتماع حركي لنخبة فتح طبقا لبيان الإعلام المركزي لحركة فتح في 18 الجاري .

وتحتج القيادة أيضا بأنه لا يوجد أي بديل للمبادرة الأميركية للدعوة إلى الاجتماع في أنابوليس بولاية ميريلاند للتحرك الدبلوماسي الفلسطيني ، وأن بذل أقصى الجهود الفلسطينية لإنجاح هذا الاجتماع بالرغم من كل المحبطات الإسرائيلية والأميركية أمر لا مفر منه لأن الشعب الفلسطيني سيدفع ثمنا فادحا لفشل الاجتماع المقترح الذي سيقود فشله أيضا إلى انعدام أي عملية للسلام حتى أمد غير منظور ليسود العنف والتطرف كما قال عباس محذرا في مقابلة أخيرة له مع قناة "العربية" الفضائية ، وسط تقارير إعلامية تتحدث حتى عن احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة وانهيار سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية أو في الأقل عن استقالة محمود عباس .

وترد قيادة المنظمة على انتقادات ذهابها إلى أنابوليس على قاعدة الانقسام الفلسطيني ، مما يزيد ضعفها ضعفا ، بتكرارها القول علنا إن العودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية مع حماس مشروطة بتراجع حركة المقاومة الإسلامية عن "انقلابها" في قطاع غزة ، غير أن هذه الذريعة العلنية تجد لها تفسيرا آخر في المجالس الخاصة أقرب إلى السبب الحقيقي لرفضها الحوار مع حماس يتمثل في رفضها تحمل المسؤولية عن إعادة فرض الحصار الإسرائيلي – الأميركي – الأوروبي على الشعب الفلسطيني باعتبار إعادة فرض هذا الحصار أمرا مفروغا منه إذا ما أعاد عباس وصل ما انقطع مع حماس قبل أن تستجيب حماس للشروط الإسرائيلية – الأميركية التي تبنتها رباعية أميركا – روسيا – الإتحاد الأوروبي – الأمم المتحدة والتي استجابت لهل قيادة عباس وحكومة الطوارئ التي أعلنها في شهر حزيران / يونيو الماضي ، وتتناسى قيادته وحكومته أن هذا الحصار ما زال مفروضا وبقسوة اشد لا ترحم على ثلث الشعب والنصف الآخر من الأرض المحتلة المفروض أنها خاضعة لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني .

إن زيادة حدة الاستقطاب الفلسطيني عشية انعقاد المؤتمرين "الدولي" و"الدمشقي" تظهر مرة أخرى مدى الحاجة الفلسطينية الماسة إلى الوحدة الوطنية وإلى الضرورة الملحة لسرعة العودة إليها باعتبارها الرصيد الإستراتيجي الوحيد لأي قيادة وطنية فلسطينية في إطار الخلل الساحق في موازين القوى لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي ، بسبب الانحياز الكامل لشركاء الرئاسة الفلسطينية في "عملية السلام" لدولة الاحتلال ، وسقوط الخيار العسكري العربي بعد الإجماع الرسمي العربي على السلام ك"خيار إستراتيجي" وغياب التضامن العربي ، وبسبب حسم الرئاسة لموقفها ضد "عسكرة" المقاومة للاحتلال والانتفاضة "الثانية" عليه وهو الموقف المسئول أساسا عن حالة الازدواجية الشرعية المسئولة بدورها عن حالة الانقسام الجغرافي والسياسي التي تمزق النسيج الوطني تمزيقا يهدد في حال استمراره حركة التحرر الفلسطينية المعاصرة بأوخم العواقب .

وقد كانت هذه هي "النصيحة" التي سمعها الرئيس عباس خلال جولته الإسلامية في آسيا الأسبوع الماضي من القادة الإندونيسيين والماليزيين والهنود وهي ذات الرسالة التي يستمر في سماعها من الدول الصديقة للشعب الفلسطيني مثل روسيا والصين والنرويج ناهيك عن عواصم عربية حليفة له في "عملية السلام" .

إجماع فلسطيني معارض

ويكاد يكون هناك إجماع فلسطيني على معارضة الذهاب إلى أنابوليس ، وكان انضمام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، العضو في منظمة التحرير ، إلى ثمانية فصائل مشاركة في مؤتمر دمشق أحدث المؤشرات إلى المسوغات الموضوعية التي توفرها الرئاسة نفسها لانعقاد هذا المؤتمر . وإذا كانت هذه المعارضة لا تعني بالضرورة الموافقة على حضور مؤتمر دمشق فأنها بالتأكيد تقدم للداعين له الكثير من المسوغات لإقناع آخرين بالمشاركة فيه .

فإذا استثنينا حماس ، غير العضو في منظمة التحرير ، التي ترى في الذهاب جزءا من مخطط ل"تصفية المقاومة" ، وتنسجم معها في موقفها الجبهة الشعبية – القيادة العامة العضو في المنظمة ، واستثنينا الجهاد الإسلامي التي تبدو منشغلة تماما في المقاومة ولا يعنيها من كل هذا الجدل سوى احتواء مضاعفاته السلبية على الوحدة الوطنية ، فإن جميع الفصائل الأخرى الأعضاء في منظمة التحرير أو الملتزمة ب"مشروعها الوطني" من غير الأعضاء قد عارضت رسميا وعلنا المشاركة في أنابوليس بشروطها وظروفها الراهنة .

ففي السابع من تشرين الأول / أكتوبر الجاري عقدت الجبهتان الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب و"فدا" والمبادرة الوطنية الفلسطينية "اجتماعا قياديا" لمناقشة التحضيرات للاجتماع و"استهدافاته ومخاطره" وتوصلت "في ضوء النتائج العقيمة التي أفضت إليها مسيرة المفاوضات السابقة" إلى النتائج التالية التي تذهب رئاسة الحكم الذاتي وقيادة المنظمة إلى أنابوليس دون أن تعيرها أي التفات:

أولاً: ترى القوى المجتمعة أن الصيغة الناجعة لإيجاد تسوية للصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي هي صيغة المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات الذي ينعقد بمشاركة جميع الأطراف المعنية على أساس قرارات الشرعية الدولية وبهدف تنفيذ هذه القرارات تحت إشراف دولي جماعي في إطار الأمم المتحدة وتحت رعايتها.

ثانياً: إن الدعوة التي أطلقها الرئيس بوش للقاء الخريف لا تستجيب لمتطلبات هذه الصيغة، بل هي تهدف إلى مواصلة الالتفاف عليها وتشويهها.

ثالثاً: إن مواجهة الاستهدافات التي تنطوي عليها هذه الدعوة الأميركية تتطلب تنسيقاً وثيقاً وعملاً مشتركاً حثيثاً فلسطينياً – عربياً .

رابعاً: إن القوى المجتمعة تحذر من مخاطر عقد اللقاء الدولي المقترح والمشاركة فيه ما لم يتوفر الحد الأدنى من هذه الشروط التي تكفل نجاحه في التقدم على طريق الحل الشامل المتوازن ودرء احتمالات الانزلاق إلى دوامة الحلول الجزئية ومستنقع التسويات التصفوية.

خامساً: إن معيار الجدية في أي جهد دولي لتسوية الصراع يتمثل في حمل إسرائيل على وقف ممارساتها العدوانية ضد شعبنا والكف عن فرض الوقائع على الأرض من جانب واحد وإلغاء القرار التعسفي باعتبار قطاع غزة كياناً معادياً، وفك الحصار عنه.

سادساً: تحذر القوى المجتمعة من المخاطر التي ينطوي عليها خوض المعركة التفاوضية في ظل وعلى قاعدة تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي .

سابعاً: تؤكد القوى المجتمعة أن درء المخاطر والمنزلقات التي تنطوي عليها التحركات السياسية الجارية يتطلب الإشراف الجماعي على إدارة العملية التفاوضية، بمشاركة فاعلة لكافة القوى الفلسطينية الراغبة في ذلك .

وقد تداعت معظم الفصائل الفلسطينية إلى عقد ما سمي "المؤتمر الوطني الفلسطيني لمقاومة برامج تصفية القضية الفلسطينية" في "مجمع صحارى" بدمشق في الفترة الواقعة ما بين 7 – 9 /11/ 2007 تحت شعار "الوحدة الوطنية طريق للتحرير وللعودة" . وحسب نص الدعوة لحضور المؤتمر الموقعة من "رئيس اللجنة التحضيرية د. طلال ناجي" فإن أهداف انعقاد المؤتمر هي "مواجهة الأخطار التي تتهدد القضية الوطنية الفلسطينية ... والتحذير من استهدافات مؤتمر (الرئيس الأميركي جورج دبليو.) بوش ووضع كل الأطراف الفلسطينية المعنية والنظم العربية أمام مسؤولياتها التاريخية بعدم تقديم الغطاء لهذه المغامرة التي تستهدف تصفية حقوق شعبنا" و"وضع آليات لمعالجة حالة الانقسام الفلسطينية الراهنة ... والتأكيد على الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار م.ت.ف." و"التأكيد على حق شعبنا في استمرار المقاومة" و"التأكيد على التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين" .

ثم تتساءل القيادة المفاوضة مستهجنة ومستنكرة بعد كل ذلك ، وغيره كثير ، لماذا ينعقد مؤتمر فلسطيني معارض لمؤتمر بوش ولمشاركتها فيه في دمشق ! والأحرى بها أن تتساءل لماذا لا ينعقد مؤتمر كهذا داخل الوطن أيضا ، ومؤتمرات مماثلة في كل العواصم العربية ، بغض النظر عن الأجندات الفصائلية الخاصة والأجندات الخاصة بالدول التي قد تستضيف أو تمول أو تدعم مثل هذه المؤتمرات ، فهذه الأجندات التي تركز القيادة عليها للطعن في مثل هذه المؤتمرات لن تنجح في الانتقاص من المسوغات الموضوعية لانعقادها ، فالأحرى بالقيادة أن تبحث عن هذه المسوغات في أجندتها هي التي تستجيب لاستحقاقات تسميها دولية وهي في حقيقتها أميركية – إسرائيلية للذهاب إلى مؤتمر يضع خصومها جدول أعماله ليكونوا هم فيه الخصم والحكم في الوقت نفسه .

إن ذهاب القيادة المفاوضة إلى مؤتمر كهذا لا صلاحيات له ولا تشارك فيه كل الأطراف الأصيلة المعنية بالصراع وعلى قاعدة الانقسام فلسطينيا وعربيا وعلى أساس مرجعيات تتجاوز الخطوط الحمراء للثوابت الوطنية ، سيكون مستغربا إن مر دون احتجاجات وطنية واسعة النطاق ودون اعتراضات شعبية عربية أوسع نطاقا تنبه المشاركة العربية والدولية فيه إلى قيامها بدور شاهد الزور .

ويلفت نظر المراقب التناقض الظاهر بين الحملة الإعلامية لهذه القيادة للحط من أهمية "المؤتمر الوطني الفلسطيني" التي تزمع المعارضة عقده وبين حملتها السياسية لمنع انعقاد هذا المؤتمر الذي حقق حتى قبل انعقاده بعض أهداف عقده ، مثل تسليط الأضواء على وجود معارضة فلسطينية للمؤتمر الدولي الذي اقترحته واشنطن لإحياء عملية التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي أو في الأقل وجود معارضة للمرجعيات الجديدة لهذا المؤتمر التي تنطوي على تنازلات حتى عن مرجعيات اتفاقيات أوسلو التي انطلقت عام 1993 .

إن قرار الرئاسة بإيفاد كبير مفاوضي الوضع النهائي أحمد قريع إلى دمشق لثنيها عن استضافة المؤتمر (الخليج الإماراتية والحياة اللندنية) وحثها رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون على إصدار بيان ضد المؤتمر إنما يظهر فقط أن الرئاسة تولي مؤتمر دمشق أهمية تعادل الأهمية التي يعطيها له أصحابه ، مما يتناقض مع وصف أمين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه بأنه "مؤتمر خزعبلات" و "زوبعة في فنجان" سوف "تنتهي آثاره بمجرد رفع أعماله" (الإعلام المركزي لفتح) ووصف الناطق الإعلامي لفتح أحمد عبد الرحمن للمؤتمر بأنه "لا قيمة له" .

وتأخذ القيادة المفاوضة على المؤتمر عدم شرعيته لأن المنظمة لم تدع إليه ولأنه يعمق الانقسام الفلسطيني (بيان رئاسة المجلس الوطني) ، متجاهلة أن قيادة لا تدعو المجلس الوطني نفسه للانعقاد ولا تعقد المؤتمر الحركي لفتح لا يتوقع منها الدعوة إلى أي مؤتمر شعبي في الأقل للاستئناس برأيه حول ما تجريه من مفاوضات ، ومتجاهلة مسؤوليتها الذاتية المشتركة عن حالة الانقسام السائدة وعن استمرارها .

وسارعت قيادة المنظمة إلى انتقاد هذا المؤتمر وحث الأمين العام للجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه الدول العربية على عدم احتضان مؤتمرات تطعن في الشرعية الفلسطينية واتهم سوريا بأنها طالما حاولت وفشلت في شق منظمة التحرير . أما أحمد قريع فإنه في اجتماع نخبة فتح الذي سبقت الإشارة إليه أعرب "عن أمله في أن لا ينعقد هذا المؤتمر من حيث المبدأ ، لأنه يعتبر خطأ كبيرا في محاولة لالحاق ضرر بالقيادة والوفد الفلسطيني سيلحق ضررا مباشرا على قضيتنا الوطنية ، وإن كان لا يعطل المؤتمر" المرتقب ، طبقا لبيان الإعلام المركزي للحركة ، مع أن تقارير إعلامية ترجح حضور القيادي في فتح وفي المنظمة فاروق القدومي مؤتمر دمشق . وقد قرر المجلس الوطني الفلسطيني برئاسة سليم الزعنون يوم الاثنين الماضي عدم المشاركة بالرغم من عدم الإجماع على ذلك وكان دفاع عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة عبد الرحيم ملوح علنا عن حق المشاركين وغيرهم من الفلسطينيين في إبداء آرائهم في اليوم السابق خروجا على الموقف الرسمي للجنة التنفيذية الذي عارض في بيان رسمي الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر في حد ذاته كما عارض استضافة المكان الذي ينعقد فيه له .

قلق وطني مبرر

إن للقلق الوطني الفلسطيني مسوغاته وكذلك التعبير عنه في المؤتمرات وغيرها من أشكال التعبير ، ولا يستمد هذا القلق مسوغاته فقط من تجربته الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي والانحياز الأميركي لهذا الاحتلال والعجز العربي عن توفير خلاص قومي للهم الوطني الفلسطيني بل يستمدها أكثر في الوقت الراهن من عدم ثقة في البرنامج السياسي للقيادة التي أوصلته إلى الوضع الراهن وفي الأداء التفاوضي لهذه القيادة من تجربة السنوات الخمسة عشر الماضية .

إن ترافق توافق المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين على أن تكون الدولة الإسرائيلية وطنا قوميا لليهود والدولة الفلسطينية وطنا قوميا لعرب فلسطين وفق "رؤية" حل الدولتين الأميركية مع تبني واشنطن للمطالبة الإسرائيلية باعتراف فلسطيني وعربي ب"يهودية" دولة الاحتلال قد فتح باب القلق الوطني الفلسطيني على مصراعيه لأن أي اعتراف كهذا هو المدخل السياسي الموضوعي لموافقة القيادة الفلسطينية عل "التبادل الديموغرافي" السكاني بعد موافقتها على التبادل الجغرافي ومثل هذه الموافقة بدورها ستكون المدخل الموضوعي ليس فقط لاستبعاد حق اللاجئين في العودة بل أيضا لل"ترانسفير" الذي يتحين الإستراتيجيون الإسرائيليون الفرص لتطبيقه .

وكلا المبدأين إن تبنتهما القيادة الفلسطينية رسميا ، وقد تبنت أحدهما فعلا ، يمثلان مساومة على حقوق وطنية غير قابلة للتصرف وينطويان على قبول بأن الأراضي المحتلة هي أرض متنازع عليها يمكن تبادلها وبأن عودة اللاجئين ليست حقا وطنيا بل موضوع تفاوض يمكن أن يتفق عليه ومن هنا القلق الوطني من مصطلحات ترددها القيادة الفلسطينية مثل تبنيها لحل "عادل متفق عليه" لقضية اللاجئين وتبنيها رسميا لمبادرة السلام العربية التي تنص على ذلك تحديدا .

فعندما يقول شمعون بيريس رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي إن ما هو معروض على الفلسطينيين في الاجتماع الدولي الذي اقترحته واشنطن هو "ما يعادل 100% من الأرض المحتلة في سنة 1967" ، وليس الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في تلك السنة ، وإن إسرائيل ستحتفظ بالمستعمرات الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية ، وإن مساحة هذه المستعمرات تبلغ 5% من مساحة الضفة ، وإنها ستبادل الفلسطينيين بمساحة تعادل هذه الخمسة في المائة من الأراضي المأهولة بالفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية في إسرائيل ، وإن هذه الخمسة في المائة لا تشمل القدس الشرقية ولا المستعمرات اليهودية فيها ولا مستوطني هذه المستعمرات ، وكل ذلك استنادا إلى التعهدات الأميركية التي وعد الرئيس جورج دبليو. بوش إسرائيل بها في رسالته إلى رئيس الوزراء السابق آرييل شارون في 14 نيسان / أبريل 2004 ، يتضح أن جدول أعمال مؤتمر بوش المقترح ، والذي لم يعلن عنه رسميا حتى الآن ، يتضمن بندين رئيسيين هما "التبادل الجغرافي" و"التبادل السكاني" .

وكان تصريح الرئيس عباس في العاشر من الشهر الجاري بأنه يريد الدولة الفلسطينية المرجوة على مساحة 6205 كيلومترات مربعة هي مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة دون أن يربط ذلك بحدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 متساوقا ومنسجما تماما مع رؤية بيريس ، وكان مثار قلق جديد لشعبه لأنه يتساوق مع مبدأ تبادل الأراضي الذي تصر عليه دولة الاحتلال للاحتفاظ بمكاسبها الاستيطانية من احتلالها ، خصوصا في القدس ، وفي التصريح نفسه دافع عباس عن هذا المبدأ بالقول إنه "بالنسبة لتعديل الحدود فهذا مذكور في القرار 242" مشيرا إلى أن التعديل سيكون "بالمثل" ، وإن وجود الشريك الفلسطيني لمبادرة جنيف غير الرسمية ، ياسر عبد ربه ، في الوفد المفاوض يزيد من القلق لأن مبدأ "المثل" بنسبة 1:1 قد تم اعتماده في المبادرة لمبادلة ثلاث مجمعات استيطانية كبرى في القدس بشريط من صحراء النقب مواز لقطاع غزة !

ولم تصدر حتى الآن عن القيادة الفلسطينية المسئولة عن المفاوضات أي موافقة رسمية على مبدأ التبادل السكاني ، لكن لم يصدر عنها أيضا أي رفض صريح لهذا المبدأ ، ولا أي توضيح للفصل بين تبادل الأراضي كما تفهمه هي وبين تبادل الأراضي كما يفسره بيريس . ولا يوجد ما يسوغ صمتها على تصريحات بيريس وإدانتها بصراحة مباشرة دون الاكتفاء بعرض الموقف الفلسطيني العام لأن "الشيطان" كما يقولون يكمن في التفاصيل .

إن الدعوة الإسرائيلية التي تبناها بوش وإدارته إلى تجديد الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل لكن ك"دولة يهودية" هذه المرة ، دون الاكتفاء بالاعتراف المتبادل الأول مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ، هي دعوة لها صلة وثيقة بمبدأ "التبادل السكاني" . وبالرغم من "الشائعات" الإعلامية فإنه لم يصدر أيضا عن القيادة الفلسطينية رسميا ما يشير إلى استعدادها للاعتراف بدولة الاحتلال ك"دولة يهودية" لكن لم يصدر عنها كذلك أي رفض قاطع جامع مانع لأي اعتراف كهذا ، بالرغم مما لرفض استباقي كهذا من أهمية لتبديد أي شكوك وطنية أو تشكيك مغرض في مصداقية المفاوض الفلسطيني من ناحية ولسد أي ثغرة في الموقف التفاوضي الفلسطيني قد توحي بأي إمكانية لأي استعداد كهذا من ناحية أخرى .

وما زال إعلان مثل هذا الرفض القاطع الجامع المانع استحقاقا مطلوبا من القيادة الفلسطينية المفاوضة لأن الترجمة السياسية لمبدأ التبادل السكاني ذات شقين: أولهما يفتح مدخلا للإبعاد الجماعي "الترانسفير" لعرب فلسطين الصامدين في الوطن منذ عام 1948 دون أن تنجح "الجنسية الإسرائيلية" في النيل من هويتهم الوطنية بينما يغلق ثانيهما
باب الأمل في عودة ضحايا الترانسفير العنصري الأول للنكبة التي حلت بعرب فلسطين قبل ستين عاما . أما "الصمت" وعدم إعلان الرفض الفلسطيني الصريح الذي لا لبس فيه من حيث المبدأ للتبادل السكاني فلا يوجد أي تفسير سياسي له خارج نطاق تجاوز خط أحمر لواحد من الثوابت الوطنية الأهم .

وإذا كان إعلان رفض التبادل السكاني استحقاقا مطلوبا من الرئاسة الفلسطينية ووفدها المفاوض فإن التراجع عن الموافقة المعلنة على التبادل الجغرافي هو استحقاق آخر لم يفت أوانه بعد ، سواء كان هذا التبادل الجغرافي مدخلا للتبادل السكاني كما تريده القيادة الإسرائيلية أم كان مدخلا للاعتراف الفلسطيني بمكاسب لإسرائيل من احتلالها عام 1967 في الضفة الغربية وخصوصا في شرق القدس .

وطالما ترى القيادة بأن الصراع مع دولة الاحتلال قد تحول إلى نزاع على الحدود ، فإن الحد الأدنى لتنازلاتها من أجل السلام في مجال تبادل الأراضي يجب أن يستثني القدس تماما من أي تبادل كهذا لأسباب وطنية وعربية وإسلامية ، ليس أقلها وطنيا أن القدس هي صلة الوصل الإقليمية التي لا غنى عنها بين شمال أي دولة فلسطينية مرجوة قابلة للحياة وبين جنوبها .

وتبدو القيادة المفاوضة متناقضة تماما مع نفسها عندما تكرر المطالبة بالالتزام بخريطة الطريق كمرجعية لمفاوضات الوضع النهائي وتكرر في الوقت نفسه رفضها لدولة فلسطينية انتقالية ذات حدود مؤقتة ودون سيادة ومجردة من السلاح كخيار ورد في المرحلة الثانية من خريطة الطريق ، وتبدو متناقضة أكثر عندما تقرن هذا الرفض اللفظي بالذهاب إلى مؤتمر بوش المقترح دون أن تشترط مسبقا تطبيق قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الخاص بجدار الضم والتوسع الإسرائيلي لأن إسرائيل تقترح "حشر" هذه الدولة المؤقتة بين الجدار ك"حدود ديموغرافية" لها في الغرب وبين الغور الفلسطيني في وادي الأردن ك"حدود أمنية" لها في الشرق .

إن إفراط الرئاسة الفلسطينية في واقعية التجاوب مع استحقاقات تسميها دولية وهي في حقيقتها أميركية – إسرائيلية تشترط مسبقا "تأبيد" الانقسام الفلسطيني للتعاطي مع هذه الرئاسة ك"شريك" مؤهل للتفاوض على السلام يساهم مساهمة رئيسية في خلق بيئة مواتية تماما لتفاقم حدة الاستقطاب الداخلي ويقدم مسوغات مجانية ذات مصداقية لاتساع المعارضة وبالتالي لتعميق الانقسام .

أين الأزمة: في المفاوض أم في موضوع التفاوض ؟

وتجد القيادة المفاوضة من الأسهل عليها أن تلخص الأزمة الفلسطينية المستحكمة بأنها أمنية ناتجة عن "انقلاب" حماس على شرعية الرئاسة في قطاع غزة لكن الأزمة في الواقع سياسية وقد نجمت عن تجاوب الرئاسة مع الاستحقاقات الأميركية الإسرائيلية التي تبنتها الرباعية الدولية مما قادها إلى رفض النتائج التي تمخضت عنها الانتخابات التشريعية أوائل عام 2006 طيلة عام ونصف العام مما دفع حماس إلى "الحسم العسكري" ضد أجهزة أمنية تقول إنها متمردة على شرعية حكومة الوحدة الوطنية التي كانت تقودها .

ويدور حاليا جدل فلسطيني ساخن حول ما يصفه المسئولون الإسرائيليون (وزيرة الخارجية تسيبي ليفني مثلا) ب"العملية الدبلوماسية" التي فرضتها الإدارة الأميركية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لدوافع لها في الأصل علاقة بالوضع الإقليمي أكثر من علاقتها بصنع السلام بينهما .

وبينما يتركز الجدل في الظاهر حول الوفد الفلسطيني المفاوض ، يجري تغييب حقيقة أن الأزمة الداخلية الفلسطينية الوطنية والسياسية تدور في الواقع حول موضوع التفاوض ذاته ، ومرجعياته ، وآفاقه ، وقاعدة الانقسام الوطني الذي يراد استمرارها كشرط مسبق لاستمرار المسعى الأميركي لإحياء المباحثات بين الجانبين ، والإطار "الثنائي" للمفاوضات الجارية الذي تصر واشنطن عليه بالرغم من أنه يحاصر المفاوض الفلسطيني في وضع يكون فيه في أضعف حالاته مرتهنا فقط لحسن النوايا الأميركية ولرحمة موازين القوى الراجحة بشكل حاسم لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي.

غير أن الأزمة تكمن في موضوع التفاوض وفي المفاوض الفلسطيني معا لأن الوضع الراهن الذي يجد الشعب الفلسطيني فيه نفسه أسير عملية سلام سلبياتها أكثر من إيجابياتها هو وضع من صنع الوفد المفاوض الحالي نفسه ، الذي لم يتغير منذ توقيع "إعلان المبادئ" الفلسطيني الإسرائيلي في واشنطن عام 1993 واتفاقيات أوسلو التي أعقبته ، فهذا الوفد "مجرب" كما وصفته عضو المجلس التشريعي حنان عشراوي وطالبت بتغييره ، مع أن وسائل الإعلام الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت وهآرتس مثلا) عقدت مقارنات لصالحه بينه وبين نظيره الإسرائيلي بسبب "تجربته" نفسها التي ينتقدها الفلسطينيون على نطاق واسع .

وإذا كان المفاوض الفلسطيني في رموزه الأساسية لم يتغير منذ خمسة عشر عاما فإن موضوع التفاوض ومرجعياته قد غيرتها واشنطن ، راعية عملية السلام العقيمة ، تغييرا يطال المرجعيات ذاتها التي عدلتها لكي تستوعب المكاسب التي حققتها الدولة المحتلة على الأرض بالقوة المسلحة خلافا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة تحت مظلة السلام الزائف نفسها .

لقد كشفت زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الأخيرة للأراضي المحتلة ودولة الاحتلال ، وهي السابعة في جولاتها المكوكية خلال العام الحالي ، أن إدارتها لا تتورع حتى عن إسقاط القناع الدبلوماسي في ضغطها على المفاوض الفلسطيني تكتيكيا واستراتيجيا ، إذ لا يمكن تلخيص نتائج زيارتها إلا بكونها حلقة جديدة في سلسلة الضغوط الأميركية على هذا المفاوض للتساوق مع الإملاءات الإسرائيلية .

فرايس لم تردعها اللياقة الدبلوماسية عن توفير ضغطها على الرئيس محمود عباس للمجالس الخاصة والدبلوماسية الهادئة إذ عارضته علنا في كل ما يطالب به تقريبا لإنجاح لقاء انابوليس الذي اقترحه رئيسها جورج بوش في 16 أيلول / يوليو الماضي ، وأصرت على عدم تدخل إدارتها في الأقل ل"إقناع" إسرائيل إن لم يكن للضغط عليها للتجاوب مع مطالبه ، كما يطالب المفاوض الفلسطيني ويأمل .

فهي أصرت على ترك المفاوض الفلسطيني لرحمة دولة الاحتلال ، مكررة أن الدعم الأميركي يقتصر على "العملية الثنائية" و"المسار الثنائي" و"الرؤية الثنائية" وأن واشنطن "لا تستطيع أن تكون بديلا للمباحثات الثنائية أو للاتفاقيات الثنائية بين الطرفين" وأن دور المجتمع الدولي يقتصر على دعم ما "يحاول الإسرائيليون والفلسطينيون عمله" ثنائيا "دون أي مساعدة" وأن لقاء أنابوليس "هو اجتماع حول المسار الإسرائيلي الفلسطيني" الثنائي .

وحول مطالبة عباس بجدول زمني قالت إنها "تشك في الجداول الزمنية" . وحول مطالبته بتحديد هدف للمفاوضات قالت إن "الأمر الأهم هو الحوار نفسه" وأن أنابوليس" هي "بداية عملية (حوار) لا نهايتها" . وحول مطالبة عباس بإزالة الغموض عن جدول أعمال اللقاء والأطراف التي ستدعى إليه قالت إن "الوضوح الذي أسعى إليه" هو حول أين وصل الطرفان في مباحثاتهما حول "البيان الثنائي" التي أعربت عن أملها في أن يقدماه للقاء "الخريف" المرتقب !

إن كل الدلائل والقراءات للمواقف الرسمية المعلنة للإدارة الأميركية وحليفها الاستراتيجي الإسرائيلي تثبت بما لا يدع أي مجال للشك أن واشنطن التي يراهن عليها المفاوض الفلسطيني قد غيرت المنطلقات السياسية لعملية التفاوض ، غير أن هذا المفاوض يبدو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال حتى لا تواجه الخطر الداهم الذي يتهددها ، كمن يتعلق بالوهم في إصراره الذي لا يوجد أي تفسير منطقي له على أن المفاوضات ما زالت تستهدف مبادلة الأرض بالسلام لإقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 .

وهذه الرسالة الأميركية قد وصلت في الأقل إلى بعض المصادر الفلسطينية التي نقلت عن رئيس وزراء دولة الاحتلال إيهود أولمرت (مجلة "الحرية" في 18 الجاري) قوله إن المفاوض الإسرائيلي قد اعتمد رسالة جورج بوش إلى سلف أولمرت ، آرييل شارون ، في 14 نيسان/أبريل 2004 ، والتي وصفها عرب فلسطين ب"وعد بلفور الثاني" ، أساسا للتفاوض في لقاء الخريف الدولي في أنابوليس بولاية مريلاند الأميركية قبل نهاية العام الحالي .

وقد أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي ، تزاهي هانيغبي ، ما نسبته "المصادر الفلسطينية" لأولمرت عن الأساس التفاوضي المعتمد للوفد الإسرائيلي في لقاء أنابوليس عندما أبلغ لجنته أن الحكومة الأميركية منحت إسرائيل "التزاما خطيا" بعد إعادة نشر قواتها ومستوطنيها خارج قطاع غزة عام 2005 بالوقوف إلى جانبها عندما تتجه مفاوضات الوضع النهائي نحو بحث قضيتي اللاجئين والمستعمرات الاستيطانية (الجروزالم بوست في 18 الجاري) .

والمفارقة التاريخية أن الموقف الأميركي من الاحتلال الإسرائيلي كافأ الانقلاب في الموقف الإستراتيجي الفلسطيني الذي تبنى حل الدولتين في وثيقة إعلان الاستقلال عام 1988 ، الذي تُرجم لاحقا إلى اعتراف بإسرائيل ، بتراجعات توجتها واشنطن ب"وعد بلفور الثاني" .

فالمستعمرات الاستيطانية اليهودية ، التي تقول آخر التقارير إن عدد مستوطنيها يبلغ الآن نصف مليون مستوطن ، لم تعد في نظر الإدارة الأميركية "غير شرعية" ، وأصبحت المطالبة بتفكيكها أمرا "غير واقعي" ، وبالتالي فإن ضمها إلى إسرائيل تحول إلى واقع يفرض عدم العودة إلى حدود عام 1967 باعتبار أي انسحاب كهذا لقوات الاحتلال أمرا "غير واقعي" بدوره ، وتحولت الأراضي المحتلة في نظر واشنطن إلى أراض "متنازع عليها" يتفاوض الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على تقاسمها .

ثم تحولت "الديموقراطية الوحيدة" الإسرائيلية في الشرق الأوسط التي كانت واشنطن تتغنى بها إلى دولة تطالب الإدارة الأميركية العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون أن يعترفوا بها ك"دولة يهودية" من "غير الواقعي" أيضا أن يعود إليها اللاجئون الفلسطينيون ، لكن من "الواقعي" أن يبدأ الجميع في التفكير في كيفية حل مشكلة مليون ومائتي ألف عربي فلسطيني يحملون جنسيتها للحفاظ على "يهوديتها" ، ربما ب"نقلهم" ، ضمن عملية "تبادل ديموغرافي" (ولم لا طالما وافق المفاوض الفلسطيني على مبدأ التبادل الجغرافي) في عملية السلام ، إلى مخيم اللاجئين الأكبر في العالم الذي يخططون لإطلاق اسم "دولة فلسطينية" عليه في الضفة الغربية وقطاع غزة أو بالإبعاد الجماعي لهم "الترانسفير" كما يصرح وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان !

حماس "تحرر" المفاوض الفلسطيني

إن تأكيد المفاوض الفلسطيني المتكرر على أن الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ومبادرة السلام العربية والاتفاقيات الموقعة وخريطة الطريق ومبادلة الأرض بالسلام هي مرجعياته الإستراتيجية للتفاوض مع "شريك إسرائيلي" يرفض كل هذه المرجعيات مجتمعة ومنفردة يتحول إلى تأكيد لفظي يعادل اللغو ، بينما تتحول المراهنة على "وسيط أميركي" سجله التاريخي حافل بنقض أي تحرك دولي للسلام على أساسها إلى سذاجة سياسية تفتقد الحد الأدنى من الواقعية السياسية إذا افترض المراقب حسن النية ولم ينسق مع الاتهامات التي يسوقها للمفاوض الفلسطيني خصومه السياسيون .

لقد نفى رئيس الوفد الفلسطيني لمحادثات الوضع النهائي أحمد قريع يوم الجمعة قبل الماضي وجود "أزمة" في المفاوضات مع الوفد الإسرائيلي التي عقدت في ذلك اليوم جولتها الثالثة من المباحثات في القدس المحتلة ، ونفيه هذا مستغرب لأنه يتناقض تماما ليس فقط مع كل المقدمات التي عرضنا لها بل ويتناقض كذلك مع الانتقادات التي وجهها الرئيس عباس نفسه عقب لقائيه مع رايس الأسبوع الماضي لإسرائيل وقال فيها إن الأفعال الإسرائيلية على الأرض تهدد بعرقلة "العملية الدبلوماسية" الجارية . لكن قريع طبعا لم ينف وجود أزمة فلسطينية حول المفاوضات نفسها .

إن المؤتمرات السياسية والشعبية التي تتكاثر كالفطر في أوساط اللاجئين والقوى الوطنية ما هي إلا ضوء احمر للنبض الوطني يعكس مدى الإحساس بالخطر نتيجة "الإطار الإستراتيجي" للمفاوضات الراهنة الهادفة إلى إحياء عملية سلام لم يتمخض عنها منذ عام 1991 إلا المزيد من الاحتلال والقتل والاستعمار الاستيطاني والتهجير و"التفاوض" على الحقوق الوطنية التي قررت الشرعية الدولية قبل أن يقرر الضمير الوطني الفلسطيني أنها غير قابلة للتصرف ، سواء بالتفاوض أو بغيره .

ولا ينتقص من هذه المؤتمرات معارضة المفاوض الفلسطيني لها بذرائع قد تكون صحيحة وقد لا تكون ، مثل استضافة دول عربية لها هي بكل المقاييس شريكة للشعب الفلسطيني في السلام وفي المقاومة بغض النظر عن سياسة "فرق تسد" التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي للإيقاع بين "مسارات" الصراع العربية معه .

إن ما تصفه الرئاسة الفلسطينية ب"الانقلاب" في غزة ، وما تصفه رئاسة حكومة الوحدة الوطنية السابقة بعملية "شرعية لفرض القانون والنظام" في القطاع ، قد "حرر" المفاوض الفلسطيني عمليا من أي مشاركة أو مساءلة أو رقابة وطنية قد تحد من إفراطه في المرونة التفاوضية ، وقد ضمنت الرئاسة "تفردها" في التفاوض بإعلانها حالة الطوارئ ، وأهلٌت مفاوضها تماما ليكون مستوفيا لشروط تلبية الاستحقاقات الدولية ، وهي نفسها الاستحقاقات الأميركية الإسرائيلية التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية كشروط لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني ، مما أهل الرئاسة ومفاوضها معا للاعتراف الإسرائيلي – الأميركي بهما "شريكا فلسطينيا" ، لكن ليس للسلام بل للتفاوض إلى ما لا نهاية على السلام .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ديبلوماسية اللحظات الأخيرة في خريف الإدارة الأمريكية



تيسير خالد
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
منذ أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في السادس عشر من تموز الماضي عن دعوته إلى عقد مؤتمر أو لقاء دولي من أجل تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في خريف هذا العام، والتكهنات جارية على قدم وساق حول أسباب صحوة الإدارة الأمريكية. في ذلك اليوم من تموز، وبعد أن توجه الرئيس جورج بوش إلى الرأي العام الأمريكي بتحية المساء، بدا وكأنه بصدد القيام بمراجعة في السياسة وكأن صحوة قد هبطت على إدارته في تعاملها مع أزمات المنطقة.

فقد قال الرئيس: "خلال الأسابيع الأخيرة تركز الجدل في بلدنا حقيقة على الوضع في العراق" وأضاف: "غير أن العراق ليس الموضوع الوحيد البالغ الأهمية في الشرق الأوسط. فقبل أكثر من خمس سنوات، كنت أول رئيس أمريكي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية"، وتابع ليصل إلى أمرين: الأول هو الدعوة إلى عقد لقاء دولي يجمع ممثلين عن البلدان، التي تدعم مبدأ الدولتين، والثاني هو دعوة لجنة الاتصال المختصة، التي تترأسها النرويج وتضم في عضويتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدد من الدول العربية، لتحمل مسؤولياتها وتقديم الدعم الحاسم، على حد تعبيره، لقادة فلسطينيين ذوي مسؤولية يعملون من أجل السلام.

هل تغير شيء على الوضع منذ دعوة الرئيس جورج بوش إلى عقد لقاء أو مؤتمر الخريف لتسوية الصراع على مساره الفلسطيني – الإسرائيلي. بالتأكيد وقع تغيير، فبعد أن توافق الطرفان الأمريكي والإسرائيلي على التعامل مع السلطة الفلسطينية، كما لو كانت كياناً إرهابياً أو كياناً يدعم الإرهاب على امتداد سبع سنوات من عمر الإدارة الأمريكية بقيادة المحافظين الجدد، فقد عادا وتوافقا على أهمية تقديم الدعم لقادة لفلسطينيين ذوي مسؤولية ويعملون من أجل السلام.

تراجعت إلى الخلفتلك الأفكار السوداء، التي تنكرت للمعاناة الشديدة، التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وأنكرت على امتداد سنوات وجود شريك فلسطيني مسؤول يبدي الاستعداد للعمل من أجل السلام.

ذلك تطور في سياسة إدارة وضعتها دراسة هارفرد الشهيرة، التي صدرت في آذار من العام 2006 حول الأوضاع في المنطقة بأنها أكثر الإدارات الأمريكية التي تفضل المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأمريكية، وهو تطور كذلك في سياسة إدارة أمريكية كانت بحجة عدم وجود شريك فلسطيني قد رفضت في صيف العام 2005 مبادرة دعا لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القاهرة لعقد مؤتمر دولي في خريف ذلك العام أيضاً لدفع جهود التسوية وحل الدولتين على مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى الأمام.

كان ذلك تطور على مستويين، فقد تراجعت الإدارة عن سياسة غياب الشريك الفلسطيني، وهي سياسة أطلقت العنان لحكومة إسرائيل لتواصل ممارساتها الاحتلال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ونشاطاتها الاستيطانية بمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لفائدة المستوطنين وبناء جدار الفصل العنصري الذي تستهدف إسرائيل من خلاله رسم صورة التسوية الاستسلامية على الشعب الفلسطيني من خلال إجراءات أحادية الجانب، عبرت عن نفسها بالانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين في قطاع غزة وكادت تتكرر بخطة الانطواء والتجميع في الضفة الغربية، مثلما تراجعت هذه الإدارة، حتى لو كان ذلك تراجعاً جزئياً، عن سياسة الانفراد والتفرد بملف الصراع ورفع الأسوار العالية أمام المجتمع الدولي وفرص مشاركته في البحث حول حلول لهذا الملف.

ولكن، هل يعكس هذا التطور في موقف الإدارة الأمريكية صحوة حقيقية ومراجعة فعلية لسياستها ومواقفها من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي- الإسرائيلي، أم أن ذلك هو الغطاء لسياسة تهيئ المسرح لإعادة بناء الأوضاع في المنطقة في صالح مشروع للهيمنة على مقدرات شعوبها ، وهو مشروع تعثر في أكثر من محطة ولا زال يتعثر في أكثر من ساحة ومكان.

ليس من الحكمة في شيء تبسيط الأمور على هذا الصعيد، بعد كل هذه المعاناة، التي عاشتها المنطقة وعاشها الشعب الفلسطيني بفعل السياسة التي سارت عليها الإدارة الأمريكية بقيادة المحافظين الجدد على امتداد السنوات الماضية، خاصةً وأن هذه الإدارة لا تبدي الحد الأدنى من الاستعداد للتخلي عن نزعة الهيمنة الإمبراطورية على دول وشعوب المنطقة أو للتخلي عن شراكتها الإستراتيجية مع دولة إسرائيل لحساب التوازن في علاقاتها مع دول المنطقة، وهي علاقات ينعقد شرط التوازن فيها بموقف يدعو بوضوح إلى ممارسة الضغط على دولة إسرائيل للبدء بعملية سياسية تفضي إلى تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والعربي – الإسرائيلي على قاعدة واضحة في إطار مؤتمر دولي ينعقد على أساس قرارات الشرعية الدولية، ذات الصلة، وتوفر الأمن والاستقرار لشعوب ودول المنطقة بما فيها دولة فلسطين، التي تمارس سيادتها الكاملة غير المنقوصة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 بما فيها القدس العربية وتوفر متطلبات تسوية عادلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار الأممي 194.

دون شك وقع تطور في سياسة الإدارة الأمريكية، ولكنه تطور لم يبدد المخاوف والأخطار، التي تستشعرها دول وشعوب المنطقة استناداً إلى خبرتها الطويلة مع سياسة هذه الإدارة ونزعتها إلى الهيمنة من ناحية وانحيازها السافر للسياسة العدوانية التوسعية لدولة إسرائيل من ناحية أخرى.

وأبعد من ذلك فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها ولا تجد جواباً يطمئن دول وشعوب المنطقة بشأن دوافع هذا التطور الذي طرأ على سياسة هذه الإدارة. أسئلة كثيرة تزدحم وتتزاحم في عقل ووعي المواطن العادي فضلاً عن العاملين في الشأن السياسي العام ولا تجد جواباً شافياً يفسر هذا الانشغال المتأخر بملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو انشغال يأتي في خريف عمر هذه الإدارة. وتمتد هذه الأسئلة على مساحة واسعة من الشك وعدم اليقين حول الدوافع، التي تحرك سياسة الإدارة أولاً وحول أهدافها ثانياً وحول مقارباتها ودورها في جسر فجوة المواقف ثالثاً، وهكذا.

فالدوافع، التي تحرك سياسة هذه الإدارة ليست واضحة حتى الآن، ومن الصعب أن تنسب إلى مراجعة في الموقف السياسي، أكد على ضرورتها وأهميتها ذلك التقرير الشهير، الذي أعدته مجموعة دراسة العراق، والمعروف بتقرير بيكر – هاملتون، حيث أن السلوك السياسي العام لهذه الإدارة ومقارباتها لأزمات المنطقة يبتعد إلى حد كبير عن تلك التوصيات، التي دونتها تلك المجموعة في تقريرها.

جاء ذلك واضحاً في خطاب الدعوة إلى عقد لقاء أو مؤتمر الخريف، حيث استثنى الرئيس الأمريكي دولاً عربية وإقليمية من المشاركة في المؤتمر باعتباره يبحث حصراً في تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الأمر الذي ألقى ظلالاً من الشكوك حول دوافع الإدارة وأهدافها معاً. لم يكن هذا هو سلوك الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، عندما دعا إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، فقد غطت الديبلومسية الأمريكية في حينه على أيدي تلك الإدارة ووزير خارجيتها آنذاك جيمس بيكر جميع الدول المنخرطة والمعنية في الصراع، خلافاً لسياسة جورج بوش الابن وإدارته، التي يقودها فريق من المحافظين الجدد، والذين لم يرفعوا مشروعهم لبناء شرق أوسط كبير أو جديد من جدول أعمالهم وأولوياتهم، رغم كل الإخفاقات التي مني بها هذا المشروع منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. يضاف إلى ذلك ما يتردد في أروقة السياسة على لسان عدد غير قليل من المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين حول المقاربات لإطلاق عملية سياسية تضع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على طريق التسوية.

فالفجوة لا زالت واسعة جداً بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولا يلوح في الأفق احتمال التوصل إلى وثيقة مشتركة تلبي حتى الحد الأدنى من المصالح والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، أو تؤسس لإطلاق عملية سياسية جادة بين الجانبين. ذلك واضح من مجريات اللقاءات الثمانية التي عقدها الرئيس الفلسطيني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ومن اللقاءات الثلاثة، التي عقدها فريق المفاوضات الفلسطيني برئاسة أبو علاء قريع مع فريق المفاوضات الإسرائيلي برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ومن جولات الحوار، التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في المنطقة، حيث يحتل ملف الأمن أولوية على غيره من الملفات وتحديداً السياسية.

أمن إسرائيل أولاً وأخيراً هو لسان حال جميع المسؤولين في إسرائيل في الحكومة وفي المعارضة، والأمن هنا لا يتعلق فقط بإسرائيل ومواطنيها في حدود العام 1948 أو العام 1967، بل يمتد على مساحة أوسع ليشمل الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس.

ليس هذا فحسب، بل إن تنفيذ أية اتفاقات سابقة أو لاحقة، بما فيها خارطة الطريق الدولية ينعقد شرطه حسب الموقف الإسرائيلي على الجانب الأمني بمعزل عن أية تبادلية في تنفيذ ما اتفق أو ما يتم الاتفاق عليه، وهذا يعني بكل وضوح أن إسرائيل تسعى بكل جهودها لتطويق كل عملية سياسية بسلسلة من الحواجز الأمنية كسياسة متفق عليها بين أحزاب الحكومة والمعارضة، وهي سياسة مارستها بكفاءة تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية وبدعم واسع منها على امتدد السنوات السبع الماضية من عمر هذه الإدارة.

وفي ظل هذه السياسة واصلت حكومات إسرائيل خلق وقائع جديدة على الأرض من خلال التوسع في مصادرة الأراضي والبناء والاستيطان، رغم أن خارطة الطريق الدولية تدعوها بشكل صريح إلى تفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون منذ آذار 2001 وإلى وقف البناء في المستوطنات، حتى لأغراض النمو الطبيعي ومن خلال مواصلة العمل ببناء جدار الفصل العنصري، رغم أن فتوى محكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الجدار يدعوان إسرائيل ليس فقط إلى وقف عمليات البناء بل وإلى هدم ما تم بناؤه وإلى جبر الضرر، الذي ترتب على البناء باعتباره مخالفة صريحة للقانون الدولي.

وتدرك الإدارة الأمريكية أن الهدف من التوسع في مصادرة الأراضي الفلسطينية والبناء في المستوطنات ومن مواصلة العمل ببناء جدار الفصل العنصري هو استباق نتائج المفاوضات حول الوضع الدائم ورسم صورة التسوية بدويلة معازل لا تملك مقومات الحياة فضلاً عن متطلبات السيادة، ومع ذلك فهي لا تحرك ساكناً، حتى بعد الدعوة التي أطلقها الرئيس جورج بوش لعقد مؤتمر لتسوية الصراع في هذا الخريف.

الطريف، الغريب في هذا السياق أن حكومة إسرائيل، التي كانت قد تعهدت في العام 2005 لهذه الإدارة الأمريكية بوقف مشروعها الاستيطاني الخطير في المنطقة المسماة (E1) بين القدس ومستوطنية معاليه أدوميم عادت هذه الأيام لإحياء مشروعها الاستيطاني في المنطقة بمصادرة مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين في أبو ديس والعيزرية وعرب السواحرة والأراضي المحاذية لمقام النبي موسى بهدف شق شارع يخصص لحركة الفلسطينيين فقط للربط بين محافظتي الخليل وبيت لحم ومنطقة أريحا والأغوار، وبما يمكنها من إغلاق المنطقة المسماة (E1) لتشرع بعد ذلك ببناء حيين استيطانيين يستوعبان نحو 3500 وحدة سكنية استيطانية جديدة.

الأمر العسكري الأول بمصادرة نحو 1200 دونم من أراضي المنطقة وقعه القائ العسكري لمنطقة المركز غادي شمني في الرابع والعشرين من أيلول الماضي، وعندما طلبت الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إيضاحات من حكومة إسرائيل بشأن مصادرة الأراضي وفقا لذلك الأمر العسكري ردت حكومة إسرائيل بمصادرة 387 دونماً إضافياً من الأراضي الفلسطينية في نفس المنطقة، فما كان بوسع وزيرة الخارجية رايس إلا أن تبلع ايضاحاتها وتصمت.

إذن محاصرة العملية السياسية، أية عملية سياسية، بسلسلة من الحواجز السياسية الأمنية، كما هو حال الفلسطينيين على الحواجز العسكرية الإسرائيلية في طول الضفة الغربية وعرضها، ومواصلة النشاطات الاستيطانية والبناء في المستوطنات وأعمال بناء الجدار، كلها عمليات تجري في ظل دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش لعقد لقاء أو مؤتمر لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

ذلك يؤشر بوضوح على أمر خطير يلقي مزيداً من الظلال على دوافع وأهداف الإدارة الأمريكية وعلى مصداقيتها في مقاربة سياسية تسهم في جسر الفجوة الواسعة بين مواقف الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. لا شك أن الإدارة الأمريكية تحركها في دعوتها لعقد مؤتمر الخريف دوافع داخلية على أبواب الانتخابات الرئاسية بعد عام ودوافع خارجية تتصل بإعداد المسرح لعمل خطير في المنطقة بهدف إعادة ترتيب أوضاعها بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وحليفتها الإستراتيجية في المنطقة إسرائيل، وهي هنا تطلق الدعوة لمثل هذا المؤتمر كترضية لما تسميه بمعسكر الاعتدال الفلسطيني والعربي.

وديبلوماسية اللحظات الأخيرة في خريف الإدارة الأمريكية تخفي أجندة أمريكية وإسرائيلية، أنها تناسب مصالح الولايات المتحدة ودولة إسرائيل ولكنها لا تناسب مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح الشعوب والدول العربية، وهذا ما يجب أن تفهمه وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في زيارتها القادمة للمنطقة

الذي يخدم شعبة ليس خادما .. يا من تدعون القيادة

نبيل عودة
مؤتمر "انا مش خادم " من يخدم ؟

تمخض جبل "اللجنة لمناهضة الخدمة المدنية" ، بكل تشكيلتها من الاسماء الواسعة الشاملة والهئات الداعمة ، فولد الجبل فأرا. ربما قبل اوانه حتى.
يوم السبت (2007 – 10 - 27 ) عقد في قاعة مسرح الميدان المؤتمر القطري لمناهضة الخدمة المدنية ، تحت شعار مضحك مبكي " انا مش خادم".
توقعت ان يحضر المؤتمر القطري آلاف من الشباب ، فماكنة التضليل للأحزاب ما تزال تعمل حتى وهي مقعدة من الأمراض الفكرية والسياسية المستعصية .
المعروف ان قاعة مسرح الميدان لا تتسع لأكثر من 280 مقعد ، وكانت ثلث المقاعد فارغة مثل الخطابات التي القيت ، أي ان المؤتمر القطري لم يتجاوز عدد الحضور اليه ال 200 شخص ، وبعضهم جاء ليفحص الوضع ، ولكننا لن نتباخل على "الفأر المسكين" ببعض الاضافات .
وراء المؤتمر وقفت " بقامة شامخة " كل الأحزاب والتنظيمات الشبابية الحزبية ، وبالطبع "لجنة المتابعة العربية العليا" ،وهيئات مختلفة ، ولكن شباب شعبنا اجتازوا أهم امتحان سياسي بأن أثبتوا انهم أكثر وعيا ممن يفترض انهم قادته ، وعبروا عن موقفهم الواضح برفض المشاركة في شعوذة سياسية تحت مسميات قومية وهوية وخلط الحابل بالنابل.
اعرف اسماء شباب من تنظيم الشبيبة الشيوعية ومن بيوت وطنية ، انضموا للخدمة المدنية ، وبعضهم ، بالطريق للانضمام ، وكنت قد التقيت قبل اسبوع مع اكثر من 60 شاب وصبية ، مليئين بالحياة والحيوية وحب العطاء لمجتمعهم وأهلهم ، وبدون ان يصرخوا في قاعة مسرح الميدان المغلقة ، هم على استعداد ليكونوا خداما لشعبهم ، اذا كان هذا التعبير يعني خدمة ابناء قومي وبلدي ومجتمعي وأهلي . لذلك يستعدون بحماس للانضمام للخدمة المدنية ، وهم الفوج الأول ووراءة يجري تحضير فوج آخر .. وعدد المسجلين اليوم ، عدا الذين انضموا ، أكبر من عدد المشاركين في المؤتمر القطري الفاشل من ناحية الحضور والخطابات . والملفت للنظر ان الحملة التي تريد الأحزاب المريضة اشعالها ، خبت نارها قبل الانطلاقة الأولى.
لا أكتب لأسخر من أحد . من حق كل انسان ان يفكر ويقرر بدون تحريض غوغائي الموقف الذي يراه سليما وصحيحا.ان لجنة المتابعة العربية العليا ترتكب نفس حماقة أحزابنا التي امتنعت عن المشاركة أو التأثير على صياغة موضوع الخدمة المدنية ، وهي ضرورة اجتماعية لمجتمعنا ولكل مجتمع بشري ، ونحن لن نكون شواذ التاريخ في هذا المجال.
ان الخطأ الأساسي هو خطأ من يدعون انهم قادة هذا الشعب ، ويغيبون عن واقعه ، لأشغالهم "الملحة" في العواصم العربية والاوروبية وفنادق القدس وبناء مسقبلهم المادي ومستقبل ابنائهم.
لا تنسوا انكم انتم الذين أقسمتم يمين الولاء لدولة اسرائيل والحفاظ على أمنها وقوانينها . فبأي حق تقفون اليوم ضد مشروع شرع قانونيا ؟ لو شككت ان المشروع يعني دعم الجهود العسكرية لاستمرار الاحتلال للضفة الغربية وضرب غزة، او لدعم الجهد العسكري لضرب سوريا أو لبنان ، لكنت أكبر المعارضين واشدهم هجوما. لو كان نصف ما تقولونه حقيقة من أن الخدمة شكل من اشكال الخدمة العسكرية ، او مرحلة أولى في اتجاهها لاختلفت حساباتي . لسنا نحن من يرفض الخدمة العسكرية ، انما السلطة غير معنية بنا ، وهو منطق صحيح ، اذا لا يمكن لأي فلسطيني مواطن في اسرائيل ان يقاتل شعبه ، وحتى بغض النظر عن مصداقية شعبنا التي نؤمن بها جميعا. ان اشكالية دولتي تحارب شعبي هي اشكالية لا يمكن الا لغبي تجاهلها ، ولا أعتقد ان السلطة ( التي ننتقدها صبحا ومساء على سياسة التمييز وعدم المساواة) بمثل هذا الغباء.
أقول ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى تفكير عميق وبدون مواقف مسبقة ومتشنجة. الرفض الغوغائي يجعلكم ، ايها المعارضون بدون تفكير ، تلهثون بدون اتجاه واضح ومحدد، وتضربون ضرب عشواء كما فعلتم بمؤتمركم الفاشل رغم تجند كل الأحزاب ومنظماتها الشبابية.
السيد شوقي خطيب الذي أكن له احتراما خاصا ، أخطأ بموقفه ، وناقض نفسه حين حث على نشر روح العطاء . اليست روح العطاء هي الخدمة المدنية أيضا ؟ وهل روح العطاء تعني أيضا ان المتطوع اصبح خادما؟ وهل وصول متطوعين للمساعدة ، باطار الخدمة المدنية الى المدارس في يافة الناصرة ، بلد شوقي خطيب ، وفي شؤون مختلفة تتعلق بالسلطة المحلية في يافة الناصرة أيضا، يعني انهم خداما ؟ أو يعني انهم يساهمون بالجهد العسكري لقمع شعبنا الفلسطيني ؟؟
ان لجنة المتابعة العربية العليا هي لجنة مأزومة كما يعرف أفضل مني المهندس شوقي خطيب الذي يكرر كل فترة انه سيستقيل يأسا من امكانية اصلاحها. وواضح ان أزمتها هي من أزمة تركيبتها ، أي الأحزاب العربية. ولكن هناك جانب آخر لأزمتها وهو كون أكثرية رؤساء السلطات المحلية العربية انتخبوا على اساس عائلي ، هذا الأمر فكك ترابطنا الاجتماعي ، وأصبح ابن العائلة المهزو مة في الانتخابات لا يدفع ضرائب السلطة المحلية على اعتبار ان الدفع يدعم ابن العائلة المنافسة ويجعله ينجح في ادارة المجلس ، وهذه الظاهرة انسحبت على الأحزاب ، هزيمة حزبي تجعلني امتنع عن دفع التزاماتي المالية للسلطة المحلية حتى لا اساهم في نجاح الحزب المنافس وادفعه للفشل لعل وعسى تكون الدورة القادمة من نصيبنا.
هذه العقلية للأسف بدات تسود مجتمعنا وسياستنا ، أـيضا في موضوع الخدمة المدنية ، والمنافسة بين الأحزاب هي تصعيد ومزايدات ، أو بكلمة واحدة : تهريج!!
اذن هل بالصدفة تفشي الفساد في السلطات المحلية العربية ؟ كيف نثق بقيادات بعضها فاسد ؟
اني أدعي ، وأصر ، ان مشروع الخدمة المدنية يحتاج الى رؤية سياسية عربية مغايرة . ما هو قائم اليوم من تنظيمات سياسية حزبية ،وبعضها أحزاب وهمية .. قد استنفذت نفسها ، ليس تنظيميا فقط ، انما سياسيا واجتماعيا وفكريا وثقافيا.
ان شعار المؤتمر " انا مش خادم" هو نتاج العقل السياسي المريض ، وهو نتاج الرؤية الاجتماعية المختلة ، وهو نتاج الثقافة الضحلة ، وهو نتاج الوهم بان لندن " ما زالت مربط خيلنا".
عندما يتوجه أصحاب هذا الشعار لطبيب عربي او يهودي لا فرق ، فهل يتوقعون سماع جملة مشابهة " انا مش خادم"؟ وعندما تتوجه الى موظف مسؤول باي مكتب كان لحل اشكاليات واجهتك فهل تقبل ان تسمع : " انا مش خادم"؟ لماذا تحصلون اذن على خدمات صحية شبه مجانية هي من الأرقى في العالم؟ لماذا لكم حق في مخصصات الأطفال والشيخوخة والعجز اذا حصل والتقاعد ؟ لماذا يحق لابنائكم التعليم المجاني حتى انتهاء الثانوية؟لماذا لكم الحق في خدمات المياه وشبكات الطرق ومختلف البنى التحتية ؟ هل تدفعون مقابلها ومقابل صيانتها ،كاملا من جيوبكم؟ ايضا يستطيعون ان يقولوا لنا : " نحن لسنا خدامكم" .
هل تقولون اذن انكم تريدون مجتمعا اشبه بحارة " كل مين ايدو الو " ؟
هل كان الاف الشباب المتطوعين في مخيمات العمل التطوعية ، بعد انتصار الجبهة في الناصرة ،والتي كانت أشبة باسبوع أفراح وعمل من القلب ، ثم انتقلت لسائر البلدات العربية ، ويندفع اليها الشباب بجماس : فهل تقولون لهم " انتم خدام " ؟!
المشكلة ليست في مشروع الخدمة المدنية ، المشكلة في السياسة العربية في اسرائيل ، لا بد من اعدة صياغة خطابنا السياسي بما يتلائم مع واقعنا المتحول والمتغير باستمرار . لا أحد ينفي الاشكاليات الكبيرة في مجتمعنا بعلاقتنا مع السلطة ، ولكني لا ارى ان "قادة" هذا الشعب يتحملون مسؤولية رسم سياسة تستجيب لتطلعاته واندماجه في الواقع السياسي والتأثير عليه . ربما انتم مرتاحون لوضعكم . لا تعانون مما تعاني منه الجماهير . مستقبلكم مضمون وتقاعدكم مضمون. ان كل ما يقلقكم هو ايجاد مراوح هوائية لدفع شعبنا الى محاربتها ، حتى يظل بحاجة اليكم والى عنترياتكم السياسية .
على شعبنا ، الفلسطينيون مواطني اسرائيل ، ليس فلسطينيو الداخل وليس عرب الداخل وليس عرب ال48 .. هذه تعابير للهرب من الواقع السياسي وتعريفة الصحيح، ولاستمرار المهاترات السياسية والقومجية.عليهم ان يستثمروا ظروفهم ، وما يوفره لهم نظام حكم دمقراطي ليبرالي ، رغم كل عيوبه ، لما فيه مصلحة شعبنا، هنا في اسرائيل ، اذا أحسن استغلالها، من أجل تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق ، ومن أجل شعبنا في المناطق الفلسطينية بهدف انجاز حلمه القومي باقامة دولته المستقلة.وهذا يقتضي تغييرا جذريا للفكر ( او اللا فكر) السياسي الذي تنهجه الأحزاب ضد مصلحة جماهيرها. كفى من ممارسة هذه السياسة السيئة التي لم تقدنا الا الى المآسي . وقد يكون مشروع الخدمة المدنية رافعة لاعادة بعض الحيوية الاجتماعية والثقافية الى مجتمعنا ، وعلامة في الطريق لصياغة خطاب ونهج سياسي جديد ، غير مهادن امام السلطة ، ولكنه يعرف كيف يجند المجتمع اليهودي أيضا الى جانب مطالبنا العادلة ، وتعلمنا تجاربنا السياسية في الماضي ( الغاء الحكم العسكري بدعم الأكثرية اليهودية والغاء التمييز في مخصصات الأطفال العرب بأكثرية يهودية أيضا ) ، وتجارب شعوب أخرى عانت أضعاف ما نعانيه ( جنوب افريقيا مثلا ) انه ممكن..

نبيل عودة – كاتب، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

سامر، ياسين ، وجهاد، أعتذر لكم، فأنا اخجل منكم !!!

راسم عبيدات
... الكتابة عن الأسرى، تثير في النفس شعور ومعاني متضاربة، شعور ومعاني بالعز والفخار،وشعور ومعاني بالأسى والحزن، العز والفخار لأنك تكتب عن أناس من طراز خاص، وهبوا حياتهم للنضال والثورة والوطن، ضحوا بزهرات شبابهم وحملوا أرواحهم على أكفهم، في سبيل أن يحيا الشعب الفلسطيني، حياة حرة كريمة، ويحقق أهدافه في الحرية والإستقلال، فهم شموع تحترق من أجل أن يحيا الوطن والشعب، وهم يعبدون الطريق نحو الحرية والإستقلال، بصمودهم وتضحياتهم،وفي المقابل أشعر بالحزن والآسى على هؤلاء المناضلين، حزناً وأسى لأننا تركناهم وحيدين يواجهون قدرهم ومصيرهم وبطش سجانيهم، ولا نتذكرهم إلا في الخطب والشعارات والمهرجانات " والهوبرات" الأعلامية، ورضينا أن نعقد الإتفاقيات مع العدو، دون أن تضمن إطلاق سراحهم ، بل وأبعد من ذلك ، تخلينا طواعية عن تمثيل هذا الجيش، عندما خضعنا للإشتراطات والإملاءات الإسرائيلية، بان لا تشمل صفقات الإفراج، أسرى القدس والثمانية وأربعين، وكأننا نعاقب هؤلاء الأسرى على نضالاتهم وتضحياتهم ومواقفهم، وبحيث بات الكثيرين من الأسرى يشعرون بان الثورة تاكل وتتنكر لأبنائها، وأي شيء أصعب من أن يشعر المناضل، أنه لا حاضنة له ولعائلته، وانه يدفع هذه الفاتورة النضالية الباهظة، لكي يجري إستغلالها في سبيل مصالح فئوية وحزبية وشخصية، وخدمة لأهداف وأجندات وأولويات غير فلسطينية، هذا الشعور محبط وقاتل ويخلق حالة واسعة من الإحباط واليأس والكفر والسخط عند الحركة الأسيرة، من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وتحديداً على من قادوا ووقعوا الإتفاقيات الأوسلوية، والتي تركت مصيرهم لحسن النوايا والتصنيفات والتقسيمات الإسرائيلية وأجهزتها الإستخبارية، بإختصار شعر الأسرى بأنهم ورقة إبتزاز ومساومة، وليس قضية وطنية على درجة عالية من الأهمية ، يستحيل عقد أية إتفاقيات مع الإسرائيلين مهما كان نوعها وشكلها تتجاوزها أو تقفز عنها.
وأنا عندما أستذكر هؤلاء المناضلين المقدسيين، الذين لربما عرفتهم ، وهم في مقتبل العمر وسنوات المراهقة، والذين دخلوا الان في العقد الرابع من أعمارهم، فإنني أخجل منهم ومن ذويهم ومن كل أسرى شعبنا الفلسطيني، فأي ثورة وأحزاب هذه تترك أسراها ومناضليها أكثر من عشرين عاماً في المعتقلات ؟، واليوم عندما يدخل الأسرى المقدسيين ياسين أبو خضير وسامر أبو سير وجهاد العبيدي كما دخل غيرهم وقبلهم ومن معهم من الأسرى والمعتقلين، عامهم الإعتقالي العشرين فإن هذا يستحق منا أن نقف مع ذواتنا،أسرى سابقين وأحزاب وفصائل ومؤسسات وسلطة، ماذا قدمنا وفعلنا من أجل هؤلاء المناضلين؟، والذين يموتون في اليوم ألف مرة ، من قبل إدارات السجون الفاشية الإسرائيلية، والتي تتفنن في تعذيبهم وإمتهان كرامتهم وإنسانيتهم، ولا تتورع عن قتلهم، كما حدث بالأمس القريب مع المناضل محمد الأشقر، والذي قتلته قوات قمع السجون الإسرائيلية المسماة "بالنحشون"، وهو أعزل في سجن النقب الصحراوي، وبسلاح سري يستخدم لأول مرة، بل وإمعانا في إمتهان الإنسان الفلسطيني وإذلاله، وزيادة في الحقد والفاشية والعنصرية، لم تفك القيود من رجليه ولا يديه وهو يحتضر، فالذين يقتلون الأطفال في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، من أمثال "بوش وتشيني ورامسفيلد وبلير وأولمرت وموفاز وليبرمان" من الإستحالة أن يكونوا رسل سلام في يوم من الأيام، بل هم قتلة ومجرمي حرب يجب ملاحقتهم في كافة الهيئات والمحافل والمحاكم الدولية .

آه أيها المناضلون المقدسيون، أعرف أنكم في هذا الزمن الرديء قابضين على مبادئكم كالقابض على الجمر، وأعرف أنكم تتناقشون وتتساءلون، هل دفعنا أعمارنا وزهرات شبابنا ،وضحينا بالغالي والنفيس، من أجل أن يقتتل رفاق الدرب والسلاح ، على وهم سلطة بدون أي شكل من أشكال السيادة، ومن أجل أن يغرقوا الوطن في إحتراب داخلي يحصد الأخضر واليابس، ويقسمنا جغرافياً وسياسياً ، ويقضي على مشروعنا الوطني ، ويبدد كل منجزاتنا ومكتسباتنا التي عمدت بشلالات من الدماء سالت وما زالت تسيل على مذبح الحرية.

آه أيها المناضلين لو تعرفون ماذا حل بالقدس، الذين أنتم من صلبها ، ومن أجل عروبتها وحريتها، ناضلتم وضحيتم، إنها أضحت مدينة مصلوبة ومدينة أشباح، مدينة تطوقها الجدران من كل الجوانب، مدينة يتكثف فيها الإستيطان ليس في الأطراف والمحيط، بل في قلبها وقلب أحيائها العربية، مدينة يتم عزلها عن محيطها العربي الفلسطيني، ليس سياسياً فقط بل جغرافياً وإقتصادياً وديمغرافياً وخدماتياً وصحياً، مدينة بإختصار يجري تهويد أرضها وأسرلة سكانها ، بكل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة ، مدينة لو ما قدر لكم أن تخرجوا من أكياسكم الحجرية، بعد هذه المدة الطويلة من الأسر، فأنا واثق أنكم لن تتعرفوا على أماكن سكناكم ،وستتفاجئون من حجم الإستيطان في مدينتكم، وبالقدر الذي تخلت في السلطة عنكم كأسرى مقدسيين، تخلت عن مدينتكم، وهي تستخدمها كما تستخدمكم مادة للدعاية والإعلام والخطب والشعارات، اما على الأرض فإننا نسمع طحناً ولا نرى طحيناً، فالإهمال والتقصير يطال كل القطاعات والخدمات، والهموم الإقتصادية والإجتماعية ، وكذلك في الهم الوطني والسياسي، تغيب المرجعيات والعناوين الواضحة والمحددة، والمسألة حكراً على س أو ص من القريبين من صناع القرار، أو المحظيين بالتعينات" والفرمانات"، ولا مكان للرجل المناسب في المكان المناسب، فالمهم أن يكون الشخص المعين من هذا اللون السياسي أو ذاك، والمواجهة تقتصر على الهمة والعمل الفرديين، وفي الكثير من الأحيان تتضارب المصالح والأهداف والغايات، والمواطن المغلوب على أمره يدفع الثمن، ويحاول قدر الإمكان ان يصمد على أرضه وفق قدراته وإمكانياته، بعد ان سئم طول الإنتظار، ومل من الوعود والشعارات البراقة بالدعم والمساندة من الساكنين خلف" المحاسيم"، هذا بإختصار حال مدينتكم، وهو ليس بأفضل من حالكم، رغم قناعتي أنكم لن تأسفوا او تندموا يوما على على تاريخكم ونضالكم، وانا بقدر معرفتي بكم ،فأنا أدرك أنكم متجذرين في قناعاتكم وإنتماءكم، وانتم لن تضيعوا البوصلة أبداً، وستبقى بوصلتكم دائماً تشير إلى القدس، لآن البوصلة التي تشير لخلاف ذلك بوصلة مشبوهة.
واليوم وأنتم تدخلون عامكم الإعتقالي العشرين، مكللين بأكاليل العز والغار، ستبقون عنوان نضالنا، والنبراس الذي نسير على هديه ودربه، متسلحين بالنهج والمبدأ الذي سرتم عليه، أنتم ومجموع أسرى شعبنا الفلسطيني، أنتم صناع المجد والتاريخ، صناع الفجر والتحرر، والإنعتاق من الإحتلال، انتم بصمودكم ووحدتكم، لن تسمحوا للإحتلال أن يستغل ما يحدث في الساحة الفلسطينية من إحتراب وإقتتال، لكي يؤثر على معنوياتكم وحدتكم وتلاحمكم وصلابتكم ، فأنتم قلعة من قلاع النضال المتقدمة، والتي تشكل الدرع الحامي والواقي لمشروعنا الوطني، والتي يحاول البعض أن يعبث بأركانه، وأنا مدرك أنه كما فشلت مشاريع سابقة، سيفشل أي مشروع سياسي ومهما كانت قوة الدفع خلفه، فرغم سوداوية المرحلة والوضعين العربي والفلسطيني، إلا أنني واثق أن قوى الممانعة والمعارضة والمقاومة العربية، التي أفشلت الكثير من المشاريع التصفوية السياسية السابقة، والتي كان آخرها مشروع الشرق الأوسط الجديد، ستفشل أي مشروع سياسي لا يستجيب لأماني وتطلعات شعبنا الفلسطيني في الحرية والإستقلال، والعودة والدولة المستقلة .

القدس- فسطين

السبت، أكتوبر 27، 2007

هل سيطرت اللغة العبرية على لسان العرب في اسرائيل؟





نبيل عودة
هذا السؤال التلقائي الذي استنتجه الصحفي عكيفا إلدار من "هآرتس" في تغطيته لاجتماع عقد في القدس ، بمناسبة 40 سنة لتأسيس صندوق اسرائيل ، ولافتتاح المبنى الجديد للمدرس ة المختلطة ( ثنائية اللغة) اليهودية العربية في القدس .
يقول الصحفي إلدار ، ان المشاركين لم يذكروا الكلمات والاصطلاحات المثيرة للخلاف مثل "التهديد الديمو غرافي " او "خطر الثنائية القومية " او "ترانسفير العرب في اسرائيل " ، ولكن ما سيطر على القاعة كان الاحتلال الاسرائيلي - احتلال اللسان العبري للسان العربي .
المستشرق البروفيسور أمنون كوهين ( من الجامعة العبرية) ، تساءل اذا كانت " ثنائية اللغة" تختصر الفجوات وتخفي الخلاف بين متكلمي اللغتين ، او انها على العكس ، تشكل اداة لابراز خلاف الرأي .
وطرح سؤال :" هل الثنائية اللغوية تهدد الخصوصية الثقافية للمتحدثين باللغة العربية الذين يعيشون داخل بحر يتحدث بالعبرية في اسرائيل ؟ .. وماذا حققت اللغة القديمة – الجديدة ( العبرية) للستة ملايين مواطن يهودي في الدولة الشابة ، للغة ( العربية ) المتأصلة في افواه 250 مليون شخص " ؟
في دولة اسرائيل اليوم، اتقان اللغة العبرية ه و شرط اولي لنجاح عربي اسرائيلي في جميع المجالات . ومعرفة اللغة الانجليزية هي شرط للتقدم الاكاديمي ، اللغة الام العربية ، لغة الوطن الفلسطيني ، تنحسر الى المكان الثالث ، والهامشي في المجتمع العربي ، وخاصة المجتمع القروي .
المؤرخ الدكتور عادل مناع مدير "المركز لابحاث المجتمع العربي " في معهد فان لير في القدس ، تحدث باللقاء بان "تجربته الاولى ك ابن للأقلية كانت في الجامعة ، وحتى وصل للاكاديميا ، تعلم وتحدث بالعربية ، وان الواقع الذي التقى به كان بعيداً عن وعود وثيقة الاستقلال " .- ( جاء في ميثاق استقلال دولة اسرائيل :" تقيم المساواة التامة في الحقوق اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعاياها من غير تغيير في الدين والعنصر والجنس وتؤمن حرية الأديان والضمير والكلام والتعليم والثقافة")
ومع ذلك ، اضاف مناع انتقاداً :" ان اتقان اللغة العبرية والنجاح في الدراسة ، ليسوا ضمانة لنجاح العربي في الاكاديميا الاسرائيلي ة " . وواصل يقول انه :" حتى اليوم لم يعين أي عربي لمحاضر كبير في قسم الشرق الاوسط ، وحتى في قسم اللغة العربية في الجامعة العبرية " . وأضاف :" ماذا كنت م ستقولون لو انه في قسم تاريخ الشعب اليهودي في برينستون او ييل لا يوجد أي محاضر يهودي ؟" .
وقال مناع :" انه يعرف اكثر واكثر اكاديميين عرب ، يفكرون بالعبرية حين يتحدثون بالعربية " . وتحدث قائلاً بانه :" كان شاهداً لموقف مخجل عندما حاضر عربي اسرائيلي يعد لل دكتوراة امام جمهور عربي ، ولم ينجح بان يلفظ حتى جملة واحدة بالعربية ، دون اصطلاحات عبرية " . ورغم ان العريف عاد واكد للمحاضر مرات عدة انه في القاعة مواطنين من المناطق (الفلسطينية ) لا يعرفون العبرية ، ومع ذلك معد الدكتوراة لم ينجح ان يخرج الكلمات الصحيحة باللغة العربية ، واخيراً جمع اوراقه وغادر المنصة " .
واشار الباحث مناع الى ان انتصار العبرية بارز بشكل خاص في المدن المختلطة، وفي اوساط الطائفة الدرزية والبدو .
للوهلة الاولى يمكن تفسير ذلك بسبب خدمتهم بالجيش الاسرائيلي ،ولكن هذه الحجة واهية تماما . لا بد من دراسة هذه الظاهرة بشكل يأخذ أيضا برامج التعليم ، وخاصة تعليم اللغة العربية ومستوى هذا التعليم ، وجاهزية المعلمين وقدراتهم على التعليم ، وأعرف مثلا معلمي لغة عربية في مدارس عربية في المثلث والجليل عملوا معي كمراسلين صحفيين ، مستواهم اللغوي مأساوي تماما ، وبالكاد يكتبون لغة صحيحة ومفهومة . وكنت شخصيا قد شاركت ، قبل أشهر قليلة ، بيوم اللغة العربية في مدرسة ابتدائية في الناصرة ، ووقع من نصيبي الصف السادس ، وتوقعت من الطلاب مستوى معرفة فوق المتوسط ، فانا في جيلهم قرأت نجيب محفوظ ، واحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ومحمد عبد الحليم عبدالله وكتابات جبران ونعيمة وبعض كتبات مارون عبود ، وأدب سوفياتي وعشرات روايات الهلال المترجمة وصحف عربية مختلفة . وقد فوجئت انهم لا يلمون حتى بقراءة نص واحد بشكل صحيح ( مثلا قصة للصغار )، وفهمهم للمقروء يعاني من التباسات حادة ، وانهم عدا وظائفهم المدرسية ، لا يقرأون شيئا ، بعضهم كشف ان مكتبة المدرسة مغلقة . المعلم المتواجد في الصف أصر انها مفتوحة دائما للطلاب ، الطلاب تكلموا باندفاع وحماس ان المكتبة لم تفتح ابوابها منذ منتصف السنة الدراسية الماضية . بالطبع المكتبة المدرسية ليست هي الحل للمشكلة ، البيت أيضا يفتقر لمضامين هامة في التربية . بيت بلا مكتبة ليس بيتا لأبناء البشر. هذا الجيل سيكون أسوأ من آبائه ، ونحن ، ممارسي الكتابة نعيش هذه المأساة ، وتجعلنا نفقد كل توهج للدخول في ابداع جديد ، النشر يكلف ولا يوجد مردود لتجديد قدرتنا على نشر اعمال جديدة ، فلمن نكتب؟
كذلك لا يمكن تجاهل ظاهرة الفضائيات العربية التي تضاعف الجهل والغيبية ببرامجها ، والانترنت الذي يستعمل في اتجاهات غير تربوية وغير تعليمية بغياب التوجيه وبضحالة ثقافة الوالدين اساسا ، وبضعف برامج التعليم والحالة المزرية للعديد من المدارس .وأجد نفسي مضطرا هنا للمصارحة .
حررت خلال سنتين مجلة للطلاب الابتدائيين، كان يشارك بكتابة موادها الأساسية الطلاب انفسهم . وقد انكشف واقع التعليم ومستواه بسهولة أمامي . وتبين لي ان المدارس الأهلية ، مدارس الارساليات المسيحية ، في الناصرة والى حد ما حيفا ، هي الأفضل والأرفع في مستوى الطلاب ( وبالطبع مستوى التعليم والاهتمام بالطالب) . وبشكل عام مستوى المدارس الحكومية في الناصرة مقبول .. كذلك الوضع في مدارس بعض قرى وبلدات عربية في الجليل والمثلث مثل كفرياسيف والرامة وام الفحم وباقة الغربية وغيرها مع تفاوت كبير في مدارس نفس البلدة ، بعضها ما دون المتوسط وما دون الحد الأدنى المطلوب لمدارس ابتدائية .. طبعا هناك تفاوت بين الطلاب أنفسهم .. نجد طلابا بمستوى عشر نقاط ، حتى في مدارس متدنية بمستواها بشكل عام ،وبنفس الصفوف نجد طلابا لا يتعدون النقاط الخمسة الأولى.وانا أميل هنا لرؤية تأثير البيت وأهميته في تطوير قدرة الطالب . وهذا ينسحب على اللغة العربية وتأصلها في ذاكرة الطلاب ولسانهم .واكتشفت ان بعض المدارس ، جعلت موضوع المطالعة العامة نهجا مكملا للتعليم ، وبالفعل كان طلابها الأبرع في الكتابة والتعبير اللغوي والابداع الأدبي وأيضا الابداع العلمي في كافة المواضيع .وبعض المدارس خاضت تجارب فريدة من نوعها ، اذ أدخلت موضوع الموسيقى الكلاسيكية والعربية ، مع معلمين مستقلين ومنهم المهاجرين الروس الجدد الذي وصلوا الى اسرائيل ويتمتعون بمستويات موسيقية راقية جدا ، وباسلوب تعليمي علمي كامل ، وكان من الممتع ان تسمع الطلاب في الصفوف الابتدائية المتقدمة يشرحون قطعا موسيقية لكبار الملحنين الكلاسيكيين ، وقاد هذا البرنامج الى اكتشاف عشرات الموهوبين موسيقيا ، وبعضهم اليوم من الأسماء التي تنطلق الى آفاق حدودها السماء ، وأيضا من لم يختار الموسيقى حقق تقدما في سائر المواد التعليمية ، ولم تشكل الموسيقى عبئا جديدا على التعليم ، بل نافذة ثقافية حضارية ، وسعت عالم الطلاب ومداركهم وقدراتهم على التعبير والكتابة والتقدم العلمي والانفتاح على ثقافتهم والثقافات العالمية .
وهو مشروع بدأه انسان قمة في الذكاء والقدرة على العطاء والدفع ن المهندس والمربي والنشيط في اعداد برامج التثقيف الموسيقي للطلاب والشباب دعيبس عبود أشقر ، احد الأصدقاء المقربين للمرحوم ادوارد سعيد ، ووالد العازف الذي انطلق الى العالمية ، وبات من عازفي البيانو الأكثر شهرة عالميا وأعني سليم عبود أشقر.
****
في اللقاء اياه تحدث الصحفي رفيق حلبي واشتكى من انه لا ينجح بان يدفع ابنيه بقول جملتين بلغة عربية نظيفة من العبرية. وقال ان والده لم يكن يعرف الا خمس كلمات عبرية بسبب علاقته التجارية كصاحب دكان مع بلدة يهودية . واشار الى كلمات عربية دخلت للغة العبرية بلفظ مشوه ، أصبحت تستعمل من العرب باللفظ العبري المشوه. الى جانب ان الملمين جيدا بالعربية أصبحوا يستعملون في حديثهم اللغتين ، حتى مع زوجاتهم ، بجمل نصفها عبري ونصفها عربي .وقال حلبي انه في قرية شركسية ، يصلون بالمسجد بالعربية ، ولكن يخرجون ويواصلون حياتهم اليومية باللغة العبرية. واشار الى ان أكثر اللافتات على المحلات في القرى العربية مكتوبة بالعبرية ، ليس لأن زبائنهم يهود ، بل هي صورة عن مأساة العرب في اسرائيل.

واشار حلبي انه " ليست فقط لغة اليهود تسيطر على العرب ، وانما الموسيقى أيضا والملابس ، والسينما . وقال انه " يرى بالتنازل عن لغة الأم تنازلا عن جزء من الهوية. وان من يفقد هويته، هو انسان ضائع".
البحث تناول تجارب اخرى من اكاديميين عرب وادباء عرب ...
ولكني رأيت ان أسجل بالأساس الموضوع الأكثر اقلاقا . هل هزمت اللغة العربية في اسرائيل؟
بالطبع لست في باب اعطاء الجواب الحاسم . فالأجوبة الحاسمة باتت مقولات لسياسيينا الأفاضل .انما أنوي طرح جوانب مختلفة من هذه الاشكالية المرعبة بكل المقاييسس .
واعترف انا مثلا اني اكتسبت ثقافتي العربية بجهدي الذاتي ، وبتشجيع ودفع من والدتي بالأساس ، حتى اتقنت القراءة وعشقتها وانا في الصف الثالث ، ولكني واصلت دراستي الثانوية بمدرسة عبرية ، وزملائي العرب بنفس الصف غير قادرين اليوم على صياغة رسالة بعشرة اسطر بلغة عربية غير مكسرة وبجمل واضحة مكتملة .
حقا لا أعرف القواعد العربية او قواعد النحو والاعراب ، وقدراتي اللغوية الصياغية لا لبس فيها ، وأكثر ما أنشره لا يمر على مصحح لغوي ، لذلك أواجه أحيانا بانتقادات من بعض التافهين المتحالين بجدول جارتهم . لو كان فيهم بعض العقل لميزوا على الأقل بين الصياغة اللغوية الكاملة والسليمة نصا وفكرا، في طرح الرؤية والموقف الواضح بلغة يسيرة على الفهم ، وبين بعض قليل من أخطاء في القواعد ، لا تؤثر على المضمون . أعرف ان لغتي ممتازة ،وانا لست قلقا من الانتقاد ، وليت منتقدي لغتي يلمون ببعض ثراء لغتي كلمات وفكرا وتعبيرا.
ولكن لست انا المشكلة ، وليست قدراتي اللغوية هي النقاش المطروح ..
في دراسة فريدة من نوعها ، للمحاضر في قسم اللغة العربية في جامعة تل أبيب ، الناقد الدكتور سليمان جبران ، وحملت عنوان " على هامش التجديد والتقييد في اللغة العربية المعاصرة" طرح العوامل المؤثرة سلبا وايجابا .
يطرح د. سليمان جبران تساؤل زميل مترجم مواد تعليمية من العبرية الى العربية ، يسأل :" كيف تطورت اللغة العبرية ، في مدة قصيرة نسبيا ، من "لغة ميتة" الى لغة عصرية تماما ، بينما تعرج لغتنا وراء الحضارة المعاصرة بصعوبة؟"
ويضيف الزميل :"أترجم من العبرية الى العربية فأجد عشرات بل مئات من المصطلحات الحديثة وجدوا لها البديل العبري حتى شاع على الألسن ، بينما يصعب وأحيانا يتعذر علي ايجاد البديل العربي المناسب ، رغم استعانتي بكل القواميس المتاحة " .
ويكتب الدكتور جبران :" الواقع ان العبرية تعاني أيضا كثيرا في لحاقها بالثورة الفكرية والتكنلوجية المعاصرة، وغالبا ما يدور الجدل هناك أيضا بين المجددين والمحافظين، بين من يتبنى المطلح الأجنبي بعلاته ومن يحافظ على العبرية و"نقائها" دون هوادة" . ويصل للشرح : "علينا الأعتراف ان العبرية تطورت فعلا أكثر من العربية في المئة سنة الأخيرة " ويضيف : " الدليل على ذلك ان الترجمة من اللغات الأجنبية ، الانجليزية مثلا ، الى العبرية ، أسهل بكثير من الترجمة الى العربية، سواء من حيث المصطلحات أو مباني الجمل أيضا".
ويستنتج :" السبب الأول في رأينا ، وليس الأهم بالضرورة ، ان العبرية أكثر طواعية من العربية، فالعبرية " تخلصت " منذ عهد بعيد من حركة الآخر وعلامات الاعراب الأخرى ، كما حدث في لغتنا المحكية . وعلاماتى الاعراب ، كما لا يخفى على كل مهتم باللغة العربية، عبء على الكاتب والقارئ والمترجم. ثم ان نحو العبرية الحديثة سهل طيع ، تكاد تصوغ الجملة فيه كما ترغب ، دونما خوف من الوقوع في "الممنوع " أو غير المألوف ، على الأقل".
ويقول : " ان نحو لغتنا الفصيحة بقي صارما ، تحكمه القواعد التي وضعها سيبويه وأقرانه منذ مئات السنين ، فيما عدا تغييرات طفيفة أملتها الحياة المعاصرة، ويعتبرها " الغيورون" خروجا على اللغة طبعا".
وتسائل : " هل هناك لغة حديثة يحكمها نحو وضعوه قبل مئات السنين، ولم يؤلف فيما بعد - في رأينا- نحو حديث يتناول ضبط اللغة الحديثة؟ كيف يمكن للغتنا ان تخضع لسيبويه والكسائي الى أبد الآبدين" ؟
ويواصل د. جبران بحثة الممتاز : " السبب الثاني ، وهو الأهم في نظرنا ، هو سبب انساني ، فالقائمون على اللغة ، والفكر عامة ، في اسرائيل ، يتصلون بالغرب واللغات والثقافات الأجنبية اتصالا مباشرا، ونقل الحضارة الغربية من تكنلوجيا وثقافات وآداب ، يكاد يتزامن مع نشوء هذه الحضارة في مجتمعاتها الأصلية هناك" .
يفسر د. جبران ذلك بسهولة نقل المستحدثات في اللغة العبرية وترويجها ونشاط اكاديمية اللغة العبرية وصوتها المسموع.
ويقارن ذلك مع وضع اللغة العربية المختلف .:" عالم مترامي الأطراف . اذاعات وفضائيات وصحف لا تعد ولا تحصى ، ومجامع لغوية بدل مجمع واحد مشترك. وصوتها لا يكاد يسمع" .ويستنتج ان اللغة العربية لا تتطور بمساعدة المؤسسات والهيئات ، بل يمكن القول انها تتطور رغم المؤسسات ورغم " اللغويين " الذين يعترضون على كل تجديد في المعجم أو النحو، كانما التجديد عمل منكر".
اذا كانت هذه هي حال اللغة العربية في موطنها ، فماذا تنتظرون ممن واجه سياسة تجهيل مريعة في السنوات الاولى للدولة يوم كان يفصل كل معلم وطني أو لا يتماثل مع السلطة ؟
ومع ذلك كان مستوى التعليم ، رغم الارهاب المسلط فوق رؤوس المعلمين ، خاصة في اللغة العربية ،أرقى من مستواه اليوم .
وكان النشاط الثقافي الحزبي ( الشيوعي في وقته) واسعا ومربيا ومعوضا على نقص وشح المصادر الأدبية العربية ، وجعل من الثقافة الوطنية مهمة سياسية اجتماعية حضارية لها اولوية عظمى ، فأصدر أفضل مجلة ثقافية عربية ،مجلة " الجديد " ربما الأفضل عربيا حتى اليوم (كمان أبرز محرريها المؤرخ والناقد والقائد الشيوعي اميل توما ، الباحث والمفكر جبرا نقولا ،الشاعروالكاتب عيسى لوباني الشاعر محمود درويش ، الشاعر والمفكر سالم جبران وباقة كبيرة من الأدباء والمفكرين البارزين من العرب في اسرائيل ، وتوقفت مع تضعضع أوضاع الحزب) وكانت صحيفة "الاتحاد" ( الشيوعية أيضا ) مدرسة ثقافية أدبية سياسية فكرية نقدية ، ظل منها اليوم اسمها فقط . وكانت منظمة الشبيبة الشيوعية ، مدرسة نضالية وتعليمية للغة العربية والثقافة والفكر والمجتمع للشباب الطلائعيين . ومن يقرأ كتاب "عرب طيبون" للباحث هيلل كوهين من الجامعة العبرية ، يكتشف الدور المذهل في أهميته الذي لعبه الشيوعيون في الأنقاذ الوطني والثقافي للأقلية العربية في اسرائيل من براثن سياسة التجهيل والعدمية القومية والترحيل ومصادرة الأرض .
انا اشتغلت مضطرا ، بعد دراستي للفلسفة والعلوم الاجتماعية ، حدادا ،لأني استبعدت من الوظائف الرسمية بسبب قناعاتي السياسية ( الشيوعية في وقته ) وتقدمت مهنيا لأصبح مديرا لنوعية الانتاج ، وبعدها مديرا للعمل بالصناعات الثقيلة ، ومديرا للانتاج في أكبر مصانع الفولاذ في اسرائيل ، وما زلت مستشارا للكثير من المقاولين الذين يطلبون مساعدتي وخبرتي المهنية في الانتاج والتركيب.
الذي اريد ان أقوله اني لم استطع استعمال اللغة العربية في مهنتي ، لم أجد التعابير التي يمكن ان انقل فيها معارفي التكنلوجية والمهنية ، وأكثر من ذلك لا اعرف كيف اشرح خارطة أو خطة عمل باللغة العربية للمهنيين ، أجد نفسي ، انا عاشق اللغة العربية والغيور عليها .. مضطرا للخلط .. نتفاهم عموما بالعربية ونستعمل المصطلحات المهنية العبرية لشرح العمل وطرق تنفيذه ، وكم أجهدت نفسي في محاولات ايجاد تعابير مهنية عربية ، وقد وجدت ان كل مجموعة سكانية عربية تستعمل تعابير مختلفة عن الآخرين ، وغير مفهومة لي أو للآخرين ( مثلا الأردنيين والفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية الذين عملوا معي ، كانوا يستعملون تسميات عربية لم أجدها قابلة للفهم وللتطبيق ).
ان مساحة اللغة العربية في حياتنا داخل اسرائيل لا تتعدى 20% من ساعات يومنا ، وعلى الأقل 50% من وقتنا نفكر ونتحدث بالعبرية مع بعض الخلط لكلمات عربية . هذا عدا اعتمادنا على الأخبار والتقارير الاخبارية الراقية والمثيرة بالعبرية ، حيث النقد وعدم الصمت على تجاوزات المسؤولين الرسميين او غير الرسميين ، ولا أظن ان له مثيلا حتى في الغرب الدمقراطي.
والسؤال الرهيب أكثر : هل حال اللغة العربية في مواطنها العربية أفضل من حال اللغة العربية في اسرائيل ؟
كم من المواطنين العرب ملمين بلغة عربية سليمة ؟
وما هي نسبة المواطنين العرب الذين يعرفون لغة الاعلام ( اللغة العربية الفصحى السهلة ) ويفهونها ؟
عندما يكون 80% من سكان العالم العربي فقراء أو تحت خط الفقر ، فهل يحتاجون الى تعلم لغة ما ، عربية أو غيرها؟
وعندم تصل نسبة الأمية في القرن الواحد والعشرين ، قرن الحضارات المنطلقة للفضاء الكوني بكل اتساعه الى 70% في العالم العربي (النسبة أعظم بين النساء ) ، فأي قيمة تبقى للغة ، حتى بالنسبة لمن يفكون الحرف ويحسبون مع غير الأميين ..؟
وماذا نسمي اكاديميين لا شيء يربطهم بلغتهم وثقافتهم ؟
من هنا أيضا أفهم خوف العرب من التطبيع ... الثقافة الدخيلة واللغة الدخيلة ، أكثر جاهزية للتقدم والحياة من الثقافة العربية المنغلقة فكريا ولغويا. وحالة العرب في اسرائيل ، حيث نسبة الأمية تكاد تقترب من الصفر، ونسبة التعليم الجامعي مرتفعة ، الا ان لغتهم لا تشكل تحديا حضاريا للغة العبرية ، للأسباب التي ذكرتها. وما زلنا نبحث عن المصادر الممتازة بالعبرية ، ليس فقط لعدم وجودها بالعربية ، انما لأن العبرية أكثر دقة في الترجمة وسهولة الفهم ، وكنت قد كتبت سابقا عن حالة واجهتني مع كتاب الاستشراق لادوارد سعيد ، ترجمه بروفسور عربي للغة العربية ، لم انجح بفهم طروحات سعيد ولغة الكتاب العربية المعقدة ، فقرأته بالعبرية بلغة رائعة سهلة وواضحة . الى جانب حقيقة ان أجمل ابداعات الأدب والفكر والأبحاث والعلوم تصدر بالعبرية فورا بعد ظهورها في اللغات الأجنبية . واذا صدرت متأخرة باللغة العربية ، فهي تكون بلغة مقعرة او مفككة ، متعبة للقراءة.
ان اندثار اللغة العربية مسألة وقت اذا لم يتغير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعالم العربي ، نحو نهضة اقتصادية اجتماعية علمية و ثقافية ولغوية .

نبيل عودة – كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com