الاثنين، فبراير 25، 2008

واشنطن تسقط سياسيا في كوسوفو


نقولا ناصر

لقد كان الاعتراف الاميركي باعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد سقوطا سياسيا كشف من ناحية مدى استهتار واشنطن بالامم المتحدة وميثاقها وكشف من ناحية ثانية ازدواجية معايير السياسة الخارجية الاميركية باجلى صورها ولا يكشف هذا السقوط السياسي الاميركي اكثر من تردد الحليف الاستراتيجي الاسرائيلي في الانضمام الى واشنطن في اعترافها بكوسوفو خشية ان تجد تل ابيب نفسها مطالبة بتطبيق حيثيات أي اعتراف كهذا على نفسها .

فعلى سبيل المثال تمتلك الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل كل الاسباب التي ساقتها واشنطن للاعتراف باعلان كوسوفو الانفصال من جانب واحد عن صربيا ، وقد بدات هذه الاقلية منذ ما يزيد على عام تطالب بحقها في حكم ذاتي موسع كاقلية قومية بعد ان فقدت الامل في الحصول على حقوق مواطنة متساوية مع حقوق الاكثرية اليهودية كما كانت تطالب طوال الستين عاما المنصرمة دون جدوى . لكن واشنطن تجاهلت مطالب الاقلية العربية في الحكم الذاتي ، ناهيك عن المطالبة بالانفصال ، مثلما كانت تتجاهل مطالبتها بالمواطنة المتساوية في دولة لكل مواطنيها منذ النكبة عام 1948 .

ومن المعروف ان البديل للانفصال والاستقلال هو المواطنة المتساوية وان الدولة التي ترفض منح اقلية فيها الحق في الانفصال يجب ان تمنحها حقوقها كاملة في المواطنة والامثلة في العالم وافرة من كويبك في كندا مرورا بايرلندا الشمالية وكتالونيا الاسبانية والشيشان العضو في الاتحاد الروسي وصولا الى مئات الاقليات العرقية والدينية والطائفية في الصين والهند . وينكشف السقوط السياسي الاميركي في كوسوفو في تاييد حق للاقلية الالبانية في الانفصال عن صربيا بالرغم من المساواة الكاملة لهذه الاقلية في حقوق المواطنة ومن هنا الذعر الذي اصاب المجتمع الدولي من السابقة الاميركية في كوسوفو .

ويذكر الاعتراف الاميركي خلال ساعات بعد اعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد باعلان واشنطن اعترافها بدولة الاحتلال الاسرائيلي قبل ستين عاما وينذر هذا الاعتراف بتفجير وضع عالمي مماثل يهدد السلم العالمي بعدم الاستقرار والحروب خصوصا لان واشنطن هذه المرة عملت خارج اطار الامم المتحدة وضربت في الصميم احد المبادئ الاساسية التي قامت الهيئة الاممية عليها وهو احترام السيادة الوطنية للدول الاعضاء .

ان المجتمع الدولي الذي دعم الحروب الاميركية خارج اطار الامم المتحدة او بغطاء شفاف من شرعية الهيئة الدولية ضد صربيا وافغانستان والعراق يكتشف الان ، مثل اسبانيا ، انه انما كان قد دعم سوابق اميركية تهدد نيرانها حاليا بالامتداد اليه بعد ان شاهد واشنطن تدير ظهرها للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ، مستهترة ومنتشية بغطرسة القوة العظمى الاوحد في العالم ، عندما فشلت الادارة الاميركية في حملهما على تاييد اعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد بسبب المعارضة الروسية والصينية بصفة اساسية ناهيك عن معارضة الهند واسبانيا واندونسيا واليونان وغيرها من الدول المهددة بسابقة كوسوفو .

غير ان السابقة الاميركية في كوسوفو بالنسبة للعرب وخصوصا الفلسطينيين منهم قد سلطت اضواء قوية كاشفة على ازدواجية معايير السياسات الخارجية الاميركية لم تبق لاي رهان عربي وفلسطيني على واشنطن حدا ادنى من المصداقية يسوغ الاستمرار فيه .

ففي الخامس عشر من كانون الاول / نوفمبر 1988 اقر المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر "اعلان الاستقلال" واعلن قيام دولة فلسطين ضمن حدود الرابع من حزيران / يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف واعترف اكثر من مئة بلد في العالم بذلك الاعلان وفي الرابع من ايار / مايو 1999 صادق المجلس الوطني الفلسطيني على اعلان الاستقلال وحظيت مصادقته مجددا على تاييد دولي ساحق لكن الاعلان ظل حتى الآن حبرا على ورق لسبب واحد فقط هو معارضة واشنطن له .

ولا يسع العرب الآن الا المقارنة بين القرار الاميركي بقصف صربيا عام 1999 ثم السماح لقوات الناتو باحتلال اقليم كوسوفو فقط من اجل منع صربيا من ممارسة سيادتها فيه تمهيدا لاعلان استقلال الاقليم من جانب واحد وبين الدعم الاميركي للحروب الاسرائيلية التوسعية ثم للاحتلال الناجم عن هذه الحروب العدوانية بالرغم من اعلان اسرائيل من جانب واحد توسيع سيادتها وممارسة هذه السيادة في القدس وهضبة الجولان اللتين ضمتهما من جانب واحد دون ان تحرك واشنطن ساكنا لا بل انها ضاعفت معوناتها السنوية لدولة الاحتلال اكثر من ستة اضعاف وكانما تكافئها على عدوانها .

التلويح ب"كوسوفو فلسطينية"

ان الحجة الرئيسية التي تسوغ بها واشنطن سابقتها الخطيرة دوليا في كوسوفو كانت عمليات التطهير العرقي الصربية والمجازر وعمليات التهجير القسري والعقوبات الجماعية التي رافقتها وهذه جميعها ممارسات اسرائيلية موثقة وهي مستمرة منذ ستين عاما حتى الآن ، واحدث حلقاتها تتركز حاليا في قطاع غزة . لكن استنكاف واشنطن عن التعامل مع أسرائيل بمثل ما تعاملت به مع صربيا واستمرارها في الكيل بمكيالين عندما يتعلق الامر بالعرب هو مثال صارخ على ازدواجية المعايير الاميركية يقتضي وقفة فاصلة تعيد النظر فى جدوى استمرار الرهان العربي والفلسطيني على أي دور مامول في وساطة اميركية نزيهة ، خصوصا بعد الضجة التي اثيرت بعد تلويح فلسطيني فردي وغير رسمي ب"كوسوفو فلسطينية" .

وينبغي للعرب والعالم الاسلامي عدم توفير غطاء "اسلامي" لتحدي واشنطن الصارخ لاحترام السيادة الوطنية للدول ولمبدا اساس من مبادئ الامم المتحدة وبالتالي للهيئة الاممية نفسها لان أي غطاء كهذا هو سيف ذو حدين يمكن ان تستخدمه الادارة الاميركية لاحقا لتهدد السيادة الوطنية لكل دولة عربية واسلامية تحتمي بسيادتها اقليات عرقية او دينية او طائفية او ثقافية وليس سرا ان واشنطن تسعى الآن جاهدة للحصول على مثل هذه التغطية "الاسلامية" للقنبلة الموقوتة ضد السلم العالمي التي زرعتها في كوسوفو .

اذ خلال ايجاز صحفي له بعد اعلان كوسوفو الاستقلال من جانب واحد تملق وكيل وزارة الخارجية الاميركية وليم بيرنز العرب والمسلمين عندما اشاد بترحيب منظمة المؤتمر الاسلامي بهذه الخطوة التي قال عنها: "نعتقد انها خطوة ايجابية جدا ان هذه الدولة المسلمة ، الدولة ذات الاغلبية المسلمة ، قد خلقت اليوم" ، متجاهلا ان ثلاث دول فقط من بين حوالي ستين دولة عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي قد انضمت للاعتراف الاميركي ليس بينها دولة عربية واحدة وهي تركيا والسنغال وافغانستان .

ان الاعتراف التركي قد تزامن في مفارقة لافتة للنظر مع بدء حملة عسكرية كبرى عبر الحدود العراقية في مطاردة ساخنة لمقاتلين اكراد لا يطالبون باكثر مما اعترفت به تركيا لالبان كوسوفو مما ينطوي على تناقض بين اعتراف انقرة بحق الاقلية الالبانية في كوسوفو في اعلان الانفصال من جانب واحد عن السيادة الوطنية لصربيا وبين رفض الحق نفسه للاقلية الكردية في تركيا التي تمثل حوالي عشرين في المئة من السكان ، ويبدو ان انقرة قد حصلت على ضمانات من حليفها الاميركي في "الناتو" بان لا تكرر واشنطن اعترافها باعلان مماثل كردي – تركي او كردي – عراقي وكلا الاحتمالين اعلنت انقرة انهما خط احمر يسوغ لجوئها الى الحرب لمنعهما ، او ان انقرة تامل في ان تسحب واشنطن المبدا نفسه للاعتراف بجمهورية شمال قبرص المعلنة من جانب واحد .

ويبقى ان تفسر انقرة نفسها حيثيات اعترافها بكوسوفو لان احدا لا يفترض فيها السذاجة بحيث يعتقد انها قد صدقت المسوغات التي اعلنها الناطق بلسان الخارجية الاميركية سين ماكورماك يوم الاربعاء الماضي ليسوغ رفض واشنطن لاي مقارنة بين كوسوفو وبين فلسطين تعليقا على اقتراح فلسطيني باعلان الاستقلال من جانب واحد اسوة بكوسوفو عندما قال ان كوسوفو حالة "فريدة من نوعها" وانها "ليست سابقة لاي حالة اخرى حول العالم" .

ان واشنطن في اعترافها بكوسوفو وفي رفضها عقد مقارنة بينها وبين فلسطين على حد سواء قد اثارت من القضايا والتساؤلات المتفجرة قدرا لم يترك لاي عربي وبخاصة اذا كان فلسطينيا أي مهرب من المقارنة بين الوضعين وبين موقفي واشنطن المتناقضين حيال كل منهما . فصربيا واسرائيل دولتان تعترف واشنطن بسيادتهما وكلتاهما عضو في الامم المتحدة لكنها تنتقص من سيادة احداهما ، صربيا ، باعترافها باعلان اقلية فيها الانفصال من جانب واحد في تحد صارخ لميثاق الامم المتحدة بينما تعترف للثانية ، اسرائيل ، بالتوسيع الاقليمي لسيادتها الوطنية خارج الحدود التي اعترفت الامم المتحدة لها بها بواسطة الحروب العدوانية والقوة المسلحة على حساب السيادات الوطنية لدول مجاورة اعضاء في المنظمة الاممية وترفض مجرد فكرة الاعتراف بحق شعوب اصيلة لا اقليات خاضعة لاحتلال اسرائيل في اعلان استقلالها من جانب واحد في تحد صارخ ايضا للامم المتحدة وميثاقها .

واذا كان وضع الاراضي الفلسطينية والجولان العربي السوري ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة عام 1967 وضعا لا يمكن مقارنته بالتاكيد بالوضع في كوسوفو فان هذا الوضع يمتلك من اسباب الشرعية والقانون الدولي والحق السياسي والانساني ما يسوغ مطالبة واشنطن بان تتصرف حيال اسرائيل تصرفا لا يقل عن الحرب المدمرة التي شنتها على صربيا بغير حق بذرائع لا مسوغ لها في الشرعية والقانون الدوليين .

لقد كان الاختلاف العلني بين اعضاء الفريق المفاوض لمنظمة التحرير الفلسطينية حول اقتراح التلويح باعلان الاستقلال الفلسطيني من جانب واحد على طريقة كوسوفو دليل وصول "مبادرة انابوليس" الاميركية لاحياء عملية سلام فلسطينية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي الى الطريق المسدود الذي كان متوقعا لها بعد مضي ثلاثة اشهر على اطلاقها في 27 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بقدر ما كان دليل تخبط قيادة المنظمة حول ما ينبغي عمله في حال فشل هذه المبادرة الذي بات شبه مؤكد ، بغض النظر عن بصيص امل فيها تحاول الرئاسة الفلسطينية التعلق به لاسباب لا تعرفها سوى الرئاسة نفسها .

وبغض النظر عن صواب او عدم صواب الاقتراح الذي اعلنه امين عام اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه باعلان الاستقلال من جانب واحد اسوة بكوسوفو ، كخيار ثان في حال فشل "الخيار الاول" ل"مفاوضات ناجحة" مع دولة الاحتلال على حد قوله ، وبغض النظر عن صواب او عدم صواب المعارضة لاقتراحه من الرئاسة الفلسطينية ودائرة المفاوضات في المنظمة ورئاسة الوفد المفاوض الذي هو عضو فيه ، فان مجرد لجوئه الى "الاعلان" عن اقتراحه ولجوء بقية اركان فريقه المفاوض "علنا" الى معارضة اقتراحه باعلانهم الاصرار على مواصلة مفاوضات عقيمة يقول هو ويتفقون معه في انها غير مثمرة ولم تحرز أي تقدم حتى الآن ، ثم اعلان الرئيس محمود عباس لاقتراح "العودة الى الاشقاء العرب" ان استمر وضع المفاوضات على حاله الراهن كاقتراح بديل لاقتراحه ، انما هو اعتراف صريح بفشلهم جميعا في استراتيجية الرهان على الولايات المتحدة لانتزاع الحد الادنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية من دولة الاحتلال حتى وفق "الرؤية" الاميركية المشوشة عمدا والمنحازة لتفسير دولة الاحتلال لما يسمى ب"حل الدولتين" .

انه اعتراف بفشل قنوات التفاوض المعلنة والسرية التي انطلقت من انابوليس في التوصل الى "مفاوضات ناجحة" وتعبير عن يأس خبراء مخضرمين في التفاوض كسبوا من الاعداء الفلسطينيين اكثر مما كسبوا من اصدقاء السلام الاجانب نتيجة تمسكهم بالسلام والتفاوض كخيار استراتيجي حد الادانة العلنية للمقاومة الوطنية ب"الارهاب" بالرغم من "شرعية" مقاومة الاحتلال التي ينص عليها ميثاق الامم المتحدة ، هذا الميثاق الذي يعتبر المرجعية الام للشرعية الدولية التي بح صوتهم وهم يطالبون بتطبيق قراراتها علنا لكنهم في الواقع ينتهجون استراتيجية للتفاوض لا تستند اليها بل تتناقض معها ، كما يتضح من استراتيجية انابوليس التي وقعوا في فخها ، وربما لهذا السبب بالذات يجدون انفسهم الآن في حالة التخبط التي هم فيها والتي لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا .

كما كان الاختلاف العلني بين اعضاء الفريق المفاوض اعلانا ايضا عن عدم وجود استراتيجية موحدة مدروسة لهذا الفريق وكذلك اعلانا عن عدم وجود حد ادنى من التنسيق بين فريق من المفترض انه يفاوض على تقرير مصير الشعب الفلسطيني واعلانا عن غياب أي تقويم لما وصلت اليه المفاوضات وعن غياب أي آلية لاجراء أي تقويم كهذا .

ومما يزيد الاحساس بالاحباط وخيبة الامل ان فريق المفاوضات هو نفسه فريق القيادة التي تخوض اصطراعا داخليا لتاكيد سلطتها كممثل شرعي ووحيد لشعبها .

ان الاختلاف العلني بين اعضاء الفريق الفلسطيني المفاوض يعكس غلبة الاجتهاد الفردي وتضارب الاجتهادات الذاتية وردود الافعال الآنية على ما يفترض ان يكون جهدا استراتيجيا موضوعيا لعمل مؤسسي مبرمج لقيادة جماعية في لحظة تاريخية قد تقرر مصير القضية الوطنية لفترة طويلة مقبلة ، مما يزيد في الصدمة من الحالة التي تسود قيادة منظمة التحرير وهي تظهر نفسها كمجموعة غير متماسكة من القادة الافراد الذين يفتقدون التنسيق البيني ولا يتورعون عن الانزلاق الى التناقض مع بعضهم علنا في وقت عصيب احوج ما يكون فيه الشعب والقضية الى وحدة القيادة ، خصوصا في مرحلة تتنازع فيها قيادتان وشرعيتان وحكومتان على الولاء الوطني دون ان يسمح الانقسام الوطني لاي منهما بان توسع قيادتها وشرعيتها وحكومتها على المستوى "الوطني" .

ومما لا شك فيه ان هذا الاختلاف العلني للقلة النافذة في "اللجنة التنفيذية" للمنظمة يسلط الاضواء على الشلل الذي تعانيه هذه اللجنة كمؤسسة قيادية باتت وظيفتها الوحيدة مقتصرة على اجتماع دوري مهمته الموافقة على بيانات معدة سلفا تصدر باسمه ، صياغتها تسبب صداعا لاي محرر الصحفي ، اختلافا يسلط الضوء على اكثرية من شيوخ المناضلين الوطنيين اختارت الصمت في العلن ، وبعضهم نسي الراي العام الوطني حتى اسماءهم وهو يتساءل ان كان الصمت هو خيارهم ايضا داخل تلك الاجتماعات الدورية ، مما يعطي اولوية قصوى لاحياء وتفعيل المنظمة وليس مؤسساتها القيادية فقط بحيث تكتسب الصفة التمثيلية الوطنية حقا وتحتوي ان لم تمنع مثل هذا الاختلاف والفردية والتناقض وغير ذلك من مظاهر الهرم والشلل والتخبط في هيئة ما زال العدو قبل الصديق يعترف بانها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، والا فانها بالتاكيد ستفقد اكثر مما فقدت حتى الآن من صفتها التمثيلية لدى شعبها نفسه ولن ينفعها في هذه الحالة اعتراف العالم كافة بها .

لقد زاد الاختلاف والتضارب والتناقض بين اعضاء الفريق القيادي من اهتزاز الثقة الشعبية في المنظمة وقيادتها واستراتيجيتها غير ان ما هو اهم من ذلك انه كشف للخصم التفاوضي وحليفه الاميركي مدى نجاحهما في خلق حالة من الارباك والعجز والياس لدى التفاوضي الفلسطيني تجعله مرتهنا بين العجز عن وقف مفاوضات عقيمة وبين العجز عن ايجاد بدائل لهذه المفاوضات وبالتالي في حالة ضعف تسهل عليهما انتزاع تنازلات استراتيجية او في احسن الحالات تبقي على الوضع الراهن لمنح الاحتلال المزيد من الوقت لخلق حقائق على الارض ، خصوصا في القدس ، تستبق نتائج أي مفاوضات مجدية على ما اصطلح على وصفه بقضايا الوضع النهائي .

وكانت مسارعة الاحتلال وحليفه الاميركي الى رفض المقارنة بين كوسوفو وبين فلسطين دليلا على تسرع الرئاسة الفلسطينية ورئاسة وفدها المفاوض ودائرة مفاوضاتها في رفض التلويح بكوسوفو فلسطينية لا يقل عن تسرع صاحب الاقتراح في التفرد باعلانه دون تنسيق مسبق ودراسة مؤسسية ، اذ ما الضير في حشر الوسيط الاميركي غير النزيه في موقف الدفاع عن ازدواجية معاييره .

اما التلويح بالاقتراح في حد ذاته ثم رد الرئاسة عليه باقتراح العودة الى الاشقاء العرب ك"خيار ثان" في حال الياس تماما من جدوى الاستمرار في عملية انابوليس فانهما اقتراحان يعبران فقط عن ياس اصحاب الاقتراحين ويؤكدان صدقية شبه الاجماع الفلسطيني على عقم هذا النهج التفاوضي المستند فقط الى المراهنة على وسيط اميركي مجرب فلسطينيا بعيدا عن الامم المتحدة وشرعيتها ، بالرغم من ان عجز المنظمة الاممية مجرب بدوره منذ ستين عاما ، وبعيدا عن المؤسسات والقوى والوحدة الوطنية .

والاقتراحان لا يعدان الشعب الفلسطيني بغير استمرار الوضع الراهن للعقم التفاوضي والانقسام الوطني وحصار قطاع غزة والارتهان السياسي للضفة الغربية ومحاصرة المقاومة بكل اشكالها وتسارع تهويد القدس مما يعكس افلاسا سياسيا حان له ان يتوقف ، فعندما يعلن وزير خارجية العربية السعودية الامير سعود الفيصل مباشرة بعد زيارته لواشنطن ان الدول العربية قد تعيد النظر في مبادرة السلام العربية وينضم امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى اليه والى قيادة منظمة التحرير وزوارها الاجانب ، وكان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير آخرهم ، في الاعلان بان مفاوضات السلام لا تحرز أي تقدم لا يعود امام المفاوض الفلسطيني سوى خيار واحد هو العودة الى الوحدة الوطنية للبحث الموحد عن مخرج وطني ، لانه لا يجوز تعميم "ياس" هذا المفاوض لينعكس حالة عامة من الياس لم تكن ابدا في أي وقت خيارا لعرب فلسطين طوال نضالهم الوطني .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: