الاثنين، فبراير 25، 2008

نصيحة للأسد: لا تعقدها

عبد الباري عطوان
القدس العربي
تشهد العاصمة السعودية الرياض نشاطا ديبلوماسيا عربيا مكثفا يتعلق بانعقاد القمة العربية المقبلة في دمشق، اواخر الشهر المقبل، حيث وصلها بالأمس الرئيس المصري حسني مبارك، ومن المتوقع ان يشد الرحال اليها غدا الاربعاء العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني.د
وتأتي هذه الزيارات والتحركات بعد اسبوع من زيارة قام بها الي دمشق الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، وحاكم دبي، علي رأس وفد كبير ضم وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد، واكد البيان المشترك الذي صدر في اعقاب الزيارة علي ضرورة استمرار التنسيق والتشاور بين الاطراف العربية المعنية، من اجل انجاح القمة العربية المقبلة.
ولا نعرف اين المشكلة التي تتطلب كل هذه الاتصالات والمشاورات، فالقمة عادية ودورية، وليس من المفترض ان يواجه انعقادها كل هذه المشاكل، ولماذا هذا الحرص المفاجيء علي انجاح هذه القمة، وكأن جميع القمم السابقة كانت خارقة للعادة في نتائجها، وأنجزت الحلول المأمولة لكل القضايا العربية المزمنة، ولذلك لا يجب ان تأتي القمة العربية المقبلة استثناء.
قادة الدول، المتحضرة منها والمتخلفة علي حد سواء، لا يلتقون في اجتماعاتهم الدورية، او الطارئة، من اجل الاستجمام، او تبادل التحيات، وأحدث النكات، وانما من اجل بحث القضايا الخلافية المدرجة علي جدول الاعمال، ومحاولة التوصل الي تسويات لها، أو للغالبية العظمي منها.
ولم نسمع مطلقا عن عقبات تعترض القمم الافريقية او الاوروبية، ولم نقرأ ان احداها تأجلت لان هذا الزعيم في حال حرد ، او آخر غاضب، او ثالث لان دولة ما لم تنتخب رئيسا لها، فالمغرب قاطع جميع القمم الافريقية السابقة لانها اعترفت بالبوليزاريو، فماذا حدث؟
قمة الرياض الاخيرة لم يشارك فيها الزعيم الليبي معمر القذافي، وقاطعها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي احتجاجا، لان العاهل السعودي لم يشارك في القمة العربية التي استضافتها بلاده قبل ثلاث سنوات، وكذلك فعل العاهل المغربي. ولم نسمع او نقرأ عن اي اتصالات او انشطة دبلوماسية مكثفة لتأجيلها او الغائها بسبب هذا الغياب.
وخرجت القمة بقرارات اعادت تبني المبادرة العربية للسلام، واكدت علي رغبة مضيفها، والمشاركين فيها، في التطبيع الكامل مع اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الاراضي العربية المحتلة.
وعلي اساسها انعقدت قمة انابوليس للسلام في امريكا، وانطلقت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وباقي القصة معروف.پما يجري حاليا، وباختصار شديد، هو عملية ابتزاز واضحة لسورية، ليست لها علاقة بلبنان، بقدر ما لها علاقة بملفات اقليمية مثل البرنامج النووي الايراني، وتنامي قوة حزب الله بصورة تشكل قلقا للولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما في المنطقة.
فاما ان يقبل النظام السوري بشروط دول الاعتدال بزعامة السعودية ومصر بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وتوزيع الحقائب الوزارية، بما يضمن هيمنة الموالاة علي القرار في لبنان، كمرحلة اولي، ومقدمة لافتعال حرب تؤدي الي نزع سلاح المقاومة، وإلا فان القمة لن تعقد، واذا اصرت سورية علي المضي قدما في عقدها في موعدها فان زعيمي البلدين وزعماء آخرين من حلفائهما قد يتغيبون عنها بهدف نسفها.
السيد فؤاد السنيورة ممثل الموالاة او جماعة الرابع عشر من آذار، قالها بصراحة في لندن، بان القمة العربية لن تعقد الا اذا تم انتخاب رئيس للبنان، وسمّي العماد ميشال سليمان قائد الجيش اللبناني الحالي، كشخصية توافقية هي الانسب لهذا الغرض.
لبنان يشهد حاليا صراع ارادات بين المملكة العربية السعودية من ناحية، وسورية من ناحية ثانية، وكل طرف يستخدم ما لديه من اوراق في هذه المعركة المحتدمة، ومن الطبيعي ان تكون الاوراق السعودية الاكثر تأثيرا، لانها مدعومة بدخل نفطي يزيد عن 250 مليار دولار سنويا، ودعم من دول عربية مثل مصر، وعظمي مثل الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا.
القمة العربية المقبلة ستكون ضحية هذا الصراع بطريقة او بأخري وانعكاسا مباشرا له، وانعقادها رهن بتنازل احد الطرفين المتـصارعين عن مواقفه، ولا نري حتي هذه اللحظة الا تصعيدا في المواقف، وتعثرا في الوساطات، وتوسعا في حال الاستقطاب العربي المتفاقمة.
فسورية لم تسلم دعوة رسمية الي العاهل السعودي للمشاركة في القمة، لان جميع الطرق والمسالك الدبلوماسية بين الرياض ودمشق مغلقة، والحرب الاعلامية بين نظامي البلدين علي اوجها علي الساحة اللبنانية.وحماس الحكومة السعودية اللافت لانعقاد المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الراحل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الاسبق بأسرع وقت ممكن، وتعزيزه بتسديد نصيبها المالي المقرر لهذه المحكمة بالكامل، عمّقا القطيعة بين البلدين.
وهي المحكمة التي من المتوقع ان تطالب بتسليم مسؤولين كبار في النظام السوري.النظام السوري يواجه حاليا ظروفا مماثلة لتلك التي واجهها نظيره الليبي اثناء أزمة لوكربي، اي عزلة عربية، وحصارا امريكيا يشتد يوما بعد يوم.
فقد بدأت الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية تضاف الي العقوبات السياسية المفروضة علي دمشق، آخرها تجميد اموال رامي مخلوف أحد ابرز حيتان النظام الاقتصادية والمالية، وابن خال الرئيس، بتهمة الفساد. فاذا كان الرجل فاسدا فعلا، فلماذا الصمت عليه، والتعاطي معه، لاكثر من عشرين عاما كوّن خلالها عدة مليارات من الدولارات علي شكل ارصدة وعقارات واصول مالية، وشركات متعددة الأذرع داخل سورية وخارجها؟وهل كانت امواله ستجمد لو ان سورية قبلت بالمحاولات الامريكية والعربية بإبعادها عن ايران وحزب الله و حماس ؟ وتعاونت بالكامل مع المشروع الامريكي في العراق؟
النظام الرسمي العربي بدأ يأكل ابناءه، وحلفاء الامس الذين حكموا المنطقة لاكثر من ثلاثين عاما، ينقلبون علي بعضهم البعض، ولا نعتقد ان الشعب العربي المغلوب علي أمره الذي دفع ثمنا باهظا لهذا الحلف غير المقدس، سيكون آسفا او قلقا، بل ربما يتطلع الي المزيد من الانهيارات والخلافات، ولسان حاله يقول: اللهم اجعل بأسهم فيما بينهم شديداً.
المعادلة بسيطة، وتكشف مدي بؤس النظام الرسمي العربي وغبائه، فاذا كان انعقاد القمة مرهونا بانتخاب رئيس للبنان، فإن عدم انعقادها لن يجعل هذه المهمة اسهل، بل اكثر تعقيدا وربما المزيد من التصعيد والخلافات، يدفع ثمنها الشعب اللبناني مضاعفا من دم ابنائه وقوت اطفاله، وقد يكون عدم الانعقاد، او مقاطعة اطراف نافذة للقمة بهدف افشالها، المفجر للاحتقان المتفاقم في لبنان، واندلاع الحرب الاهلية بالتالي.المنطق يقول ان انعقاد القمة بحضور جميع الزعماء العرب، والعاهل السعودي علي وجه الخصوص، قد يؤدي الي تنفيس هذا الاحتقان في لبنان ولو مؤقتا ويمهد الطريق للتوصل الي مخارج للأزمة، اما نقلها الي مكان آخر، او تأجيلها مثلما تقول بعض التسريبات الدبلوماسية القادمة من القاهرة والرياض عقابا لسورية ونظامها، فقد يفسر علي انه مقدمة للحرب، ليس في لبنان، وانما في المنطقة بأسرها. ولكن متي كان الزعماء العرب، او معظمهم، يفهمون المنطق ويعملون علي اساسه!
فمن الواضح ان واشنطن تريدها واسرائيل تحرض عليها، وتستعد لها، للانتقام من اخفاقها في الحرب الاولي قبل عامين، فالجيش الاسرائيلي هُزم في لبنان، لان عدم انتصاره في حروبه هو الهزيمة بعينها، فالمقاومة يجب ان تُذبح في لبنان وفلسطين والعراق، والنظام العربي الرسمي يسنّ اسلحته واسنانه لأداء هذه المهمة، نيابة عن واشنطن، او اصطفافا الي جانبها.
نصيحتي للرئيس السوري بشار الاسد، ولا اعتقد انه يقبل نصائح من احد غير مستشاريه، هي ان يبادر بالاعتذار عن عدم استضافة هذه القمة، ومصارحة شعبه بالحقائق من خلال خطاب شعبي تاريخي، ويسمي الاشياء بأسمائها، دون أي مواربة، ويضع كل طرف امام مسؤولياته، فذلك اشرف له ولبلاده من ان يأتي القرار بافشالها او مقاطعتها من غيره. فمعظم المشاركين المفترضين في هذه القمة اتخذوا قرارهم بالحرب في الخندق الامريكي، وليته يقرأ التجربة العراقية بشكل جيد، ويستخرج منها العبر والدروس.

ليست هناك تعليقات: