محمد داود
نقلت وكالات الأنباء العالمية والمحلية هذا الأسبوع عن مبادرة تقدم بها الرئيس اليمني حفظه الله "علي عبد الله صالح" مشكوراً بمبادرته الحسنة لعودة الحوار بين حركتي فتح وحماس من أجل رأب الصدع الفلسطيني ووضع نهاية لحالة الانقسام والضياع التي تشهدها الساحة الفلسطينية لا سيما من تجزئة أراضيه، نتيجة ما أفرزه كارثة الانقلاب من تداعيات يلعقها الشعب الفلسطيني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وجغرافياً و....، وبالفعل كان الرد المسارع من قبل السيد الرئيس "أبو مازن" واضعاً المصلحة الوطنية والجماهيرية نصب عينيه، وفوق كل اعتبار سياسي أو حزبي أو شخصي، في المقابل كان الرد الرافض فوراً من قبل الطرف الأخر "حماس" على هذه المبادرة لتضاف إلى سجل المبادرات المرفوضة قطعاً، وفي اعتقادي لن تكون مفاجأة لأنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل الحوار الفلسطيني الفلسطيني، مع العلم أن هناك مبادرات ورؤى عديدة طرحتها أطراف داخلية وخارجية أي " شرفاء هذا الوطن من شخصيات قيادية ورموز وطنية وفصائلية فلسطينية محايدة، وأخرى جهود عربية سيما جمهورية مصر العربية الشقيقة التي لم تتوانى لحظة واحدة عن وقوفها ودعمها لجانب القضية الفلسطينية، كذلك السعودية التي أعطت اهتماماً كبيراً في هذه المسألة التي أخذت جانباً من التعقيد، وكأننا مع نموذج أخر مع لبنان الشقيق الذي يعاني هو الأخر "أزمة في الأمن العام" بكل جوانبه بفعل التدخلات الخارجية في القرار السياسي، مع العلم أن الصراع اللبناني صراع طائفي، بينما الصراع الفلسطيني الفلسطيني وأعتذر عن هذا المصطلح لأن صراعنا هو "عربي – إسرائيلي محض" إلا أن اختلافنا هو "حزبي سلطوي وفكري"، أي أن مشكلتنا بسيطة وعلاجها الثقة وإخلاص النية لله وللوطن ثانياً، وأن نبني موقفً موحد خاصة اتجاه قضيتنا المهددة بالاندثار حتى ننقذ مشروعنا الوطني المهدد بالتدمير.
فاستمرار الرفض لكل المبادرات، بحجة " أنها غير مجدية أو لأنها احتوت على واحد بالمائة من الشروط بالتالي هي مرفوضة جملةً وتفصيلاً دون التعاطي مع مضمونها "، إنما هي تندرج في إطار الإمعان في استمرار حالة الانقسام والتشجيع على تطبيق سياسة الفصل بكل معانيها التي تحدثت عنه إسرائيل وتعمل على تكريسه، لولا الحرص المتنبه، الوطني الفلسطيني والقومي المصري اتجاه قضيتنا بإفشال هذه الخطط التي سيقت وتساق ربما "بقصد أو بدون قصد بوعي أو بدون وعي" لدى ساسة سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.
إذاً ما هي المستحقات أو المقاس السياسي الذي ينبغي على الرئيس "أبو مازن" التنازل عنه حتى تقبل حركة حماس مبدأ التفاوض.؟،وما هو حجم حصتها في السلطة أو في منظمة التحرير وفق المعايير الهيكلية التي ترتئيها هي لصالحها ..؟ ، ذلك للخروج من الأزمة الراهنة التي تزداد تأزماً وتعقيداً كلما طالت، وقد قرأت وجه الاختلاف بيت تيارات الحركة في أماكن تواجدهم، ... فطرف يلتقي مع السيد الرئيس في رام الله ويبايعه، وبين تيار يعطي وعوداً في الخارج بمتابعتها المسألة باهتمام مع ذوي الأطراف ، وبين تيار وظيفته الرفض والإفشال والغريب أنه أبدى نوعاً من الرضا سلفاً، الأمر الذي أعطى بريقاً من الأمل .... في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية من شن عدواناً واسعاً على قطاع غزة، وهي مسألة مستحضرة وتمارسها إسرائيل على المستويين "السياسي والعسكري" فسياسياً تنظم إسرائيل حملة إعلامية في المحافل الدولية وعلى مستوى رئاسي، بشرح خطر الصواريخ الفلسطينية، والتضخيم من تعاظم قوة الفصائل المسلحة الفلسطينية، أما الناحية العسكرية وهي مجرياتها واقعة يومياً في كل مكان من خاصرة هذا الوطن النازف، وقد أصبح دورنا فتح بيوتاً للعزاء وزف الكواكب من الشهداء بشكل يومي دون أدنى استنكار، ووصل معيارنا في استجدائنا لأي هدنة أو تهدئة مع إسرائيل، والتي وصلت لمرحلة الذل والتركيع ورغم ذلك فالعدوان مستمر ومتواصل بحجة أن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها في الزمان والمكان المناسبين، بالتالي هذا فرض يدعوا إلى التراجع والتوحد من قبل سلطة الأمر الواقع وعودة الطرف الحاكم قبل 14/6/2007م لسدة الحكم وتحل كل العقد الداخلية بالحوار والوفاق والتراضي.
فما المطلوب من الرئيس عباس إذاً .؟، هل يسلم بالأمر الواقع وأن يعلن على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية "الدولة الفلسطينية" التي طال انتظارها، فيما يعلن الطرف الثاني في القطاع أيضاً عن كوسوفو الإسلامية الثانية لا سيما بعد زيارة مبعوث وكالة الغوث للقطاع، وتقرير الاتحاد الأوروبي الذي أصدر رسالة شديدة اللهجة محذراً إسرائيل من مغبة مواصلة الحصار على القطاع، الذي ترجمه الكثيرون على أنه اختراق في الموقف الغربي ويمهد إلى ميلاد كيان سياسي خاص بحماس بعيداً عن وحدة الوطن، يمكن من خلاله أن ينبنى عليه مواقف سياسية كثيرة، ولا أستبعد تفكير الساسة أصحاب الأحلام والتطلعات بأن تبرم صفقة ضخمة تصل لحد الإقليمية تكون تركيا وإيران وقطر ودول أوسطية جزئاً منها مع الاتحاد الأوروبي ، تنفيذا لمشروع الشراكة المتوسطية التي ينفذها الاتحاد الأوروبي مع بعض دول الشرق أوسطية وشمال أفريقيا الذي أبرمها الاتحاد سابقاً مع تلك الدول في مؤتمر بارشلونة، خاصة وأن المؤشرات تؤكد بأن تغيرات كبيرة ستحدث في منطقة الشرق الأوسط، وغالباً ما تكون القرارات السياسية حاسمة عند قرب نهاية ولاية كل رئيس أمريكي، وفي حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وفي إسرائيل سيما بعد تقرير فينوغراد الذي مثل اعترافاً رسمياً بهزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006م.
هذه المؤشرات وغيرها تستدعي وبقوة أن نهرول للحوار وللخيار الفلسطيني ولنستبق الزمن وأن ننبذ خلافتنا الحزبية الضيقة ونحيدها، لأن قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات والتوغلات الإسرائيلية المتواصلة التي لا تميز بين فتحاوي أو حمساوي أو ....من جنين إلى رفح هي بمثابة دافع أكبر ومتين لرص الصفوف وحماية البيت الفلسطيني ووحدة الصف الوطني والجغرافي
كاتب وباحث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق