الجمعة، فبراير 08، 2008

وهل سيفهم نصر الله المقياس الديمقراطي؟

سعيد علم الدين
بعيدا عن التعصب الأعمى والتطرف في الحكم على الأمور، ومراعاةً للحقيقة حتى ولو كان البعضُ لا يتقبلها بسبب تعصبه الأعمى وتطرفه. لا بد من الاعتراف، ومن منطلق اعرف عدوك تحمي نفسك، بأنه يوجد في إسرائيل مجتمعٌ مدنيٌّ منفتحٌ وليس مختنقاً، وإنسانٌ على العموم مستنيرٌ وليس جاهلا، ورأي عام حرٌّ وليس مستعبدا، ونظامٌ ديمقراطيٌّ فاعل وليس مكبلا، وبرلمانٌ مفتوحٌ وليس مغلقا، ومؤسساتُ دولةٍ تسعى لتلبية رغبات مواطنيها ومصلحة شعبها العليا بالدرجة الأولى بعيدا عن حرتقات الأحزاب من يمين ويسار وخلافاتهم العادية كما في أي دولة ديمقراطية في العالم.
فمؤسساتها الدستورية قادرةٌ من خلال ممثلي الشعب في البرلمان على الثبات في وجه الحكام ومحاسبتهم وليس لفلفة أخطائهم ومداهنتهم. نتيجة لما أسلفنا كان لا بد أن تقوم في إسرائيل لجنة مستقلة كلجنة فينوغراد رغم إرادة رئيس الحكومة أولمرت. إلا أن المظاهرات الشعبية مدعومة من المعارضة والنواب أرغمته على الانصياع على محاسبة حكومته وقياس نتائج حربها التموزية على لبنان في المقياس الديمقراطي.
بالتأكيد كل ذلك حدث من خلال احترام إرادة الشعب والقوانين والمؤسسات الدستورية، وليس من خلال الفوضى والفتن والتحريض والشغب، وقطع الطرق والصراخ وحرق الدواليب، والاعتصامات والشتائم والاضطرابات والاتهامات بالتخوين، واحتلال وسط تل أبيب التجاري.
من هنا فمن حقنا في لبنان الديمقراطي في المقابل محاسبة نصر الله الذي اعتدى على القرار الوطني بشكل سافر مغامرا بلبنان: دولةً وحكومةً وشعباً وجيشاً واقتصادا ومستقبلا، في حرب فاشلة من بدايتها، أشعلها بعملية الخطف التي أثبتت الوقائع أنها تمت بإيعاز من وليه الإلهي لمصلحة إيران وسوريا.
والأنكى من كل ذلك أنه نسى عذابات الشعب وصراخ الأطفال وبكاء الأرامل وما زال يغامر بشكل هستيري ضد مصلحة لبنان العليا، ويجاهد بشعبه المغلوب على أمره ويقامر، ويرفض المبادرات لانتخاب العماد سليمان ويزجر، ويهددُ أحرار الوطن والحكومة والجيش ويتوعدُ، ويزأرُ يوميا مع جوقته الفلتانة ألسنتها ويزمجرُ، وكل ذلك لخراب البصرة على أهلها: بخبثِ المناور، وحيل السمسار، وخدعِ التاجر، ونفاق العاهر الذي يدجِّلُ بالعفة والطهارة والصدق، وهو الفاجر!
هذا وخرج تقرير فينوغراد المكون من 600ص. بنتيجة منطقية واقعية بعد طول درس وتدقيق استمر أكثر من سنة إلى أن حرب صيف 2006 شكلت "اخفاقا كبيرا وخطيرا " لإسرائيل. والأهم قوله "لقد كشفنا وجود ثغرات خطيرة على اعلى مستويات الهرمية السياسية والعسكرية".
لا بد هنا من طرح السؤال التالي: هل يفهم نصر الله المقياس الديمقراطي الذي يؤدي إلى محاسبة الحكام وأصحاب القرار، وبالتالي إلى رقي الشعوب وتحضرها، وصقل الدول وتقدمها، وتطور المجتمعات وتألقها؟
بالتأكيد لا! بل هو يقدم يوميا الدليل تلو الدليل على أنه في الفكر الديمقراطي الصحيح: يتخبط بلا بصيرة منيرة و"أعمى طلطميس".
ومن هنا تأتي تصرفاته الوحشية بحق النظام الديمقراطي اللبناني مع أقليته المسلحة الفاشية بممارسات استبدادية منافية للدستور والقوانين، وللقيم والأعراف والتقاليد: كإغلاق البرلمان، المؤسسة الديمقراطية الأم، في وجه ممثلي الشعب، وإفراغ قصر بعبدا من رمز الوطن، ومحاولة إسقاط حكومة السنيورة الدستورية السيادية بكيل الشتائم الشخصية المنحطة والبذيئة، وتوجيه الاتهامات الغوغائية الكاذبة، وارتكاب كافة المحرمات وحبك المؤامرات وإيقاظ شتى أنواع الفتن من رقادها.
ولماذا كل ذلك؟ لتعطيل المحكمة، وإجهاض ثورة الأرز الجماهيرية، ومنع قيامة لبنان الديمقراطي الحر باستقلاله الثاني، وفرض شريعة الغاب والمربعات ومعها هيمنتهم المدمرة ليظل الواقع اللبناني جرحاً مفتوحاً في صدر شعبه الْمُعاني، وورقة سمسرة رابحة بيد النظامين السوري والإيراني.
النظام الديمقراطي التعددي القائم في لبنان رغم مآخذنا عليه، إلا أنه بصيغته الحضارية المميزة ومنذ حوالي القرن تقريبا، كان ناجحا إلى حد ما وما زال، رغم المؤامرات العديدة التي حاولت هدمه ومنذ الخمسينيات وبالأخص مؤامرات النظام الشمولي الدكتاتوري السوري الذي عبث به تخريبا خلال احتلاله وعبث به اليوم بشكل سافر من خلال أذنابه المسلحة بقيادة حزب نصر الله.
وكيف سيفهم نصر الله ماهية هذا النظام الحضاري إذا كان مرشده الأكبر خامنئي قد أفرغ الديمقراطية في إيران من محتواها، عندما قصقص أجنحتها وحولها من طائر يطير بجناحين معارضة وموالاة في السماء، إلى دجاجة لصيقة بالأرض تبيض بيضها فقط للنظام لكي يبقى مستبداً بالحكم.
وهكذا عملا بإرشاداته الإلهية فقد قامت الهيئات التي يسيطر عليها المستبدون والمكلَّفةُ النظر بالترشيحات برفض اكثر من 50% من ترشيحات الاصلاحيين الى الانتخابات التشريعية التي ستجرى في 14 آذار المقبل. مع العلم أن هؤلاء معظمهم رجال دين كالرئيس السابق خاتمي، حتى أن مجلس صيانة الدستور مَنَعَ حفيد زعيم الثورة، الخميني، علي اشراقي، من ترشيح نفسه.
وإذا كان مرشد نصر الله الوالي الإلهي يفعل ذلك فماذا سننتظر من تلاميذه المطيعين الخانعين الأذلاء كنصر الله ونعيم قاسم ومحمد رعد وغيرهم.
ومن هنا فنصر الله عاجز على استيعاب الديمقراطية وغير قادر على فهم ماهيتها وقوتها وعمق فلسفتها، وقيمها العالية وأخلاقها السامية التي تؤكدها من خلال معاييرها الشفافة ومقاييسها الحساسة، وإلا لما رفض في كلمة له خلال احتفال الحزب اللاهي باحياء ذكرى عاشوراء 08.01.19 "أي تنظير حول ديموقراطية لبنان، وحول مبدأ أكثرية وأقلية". وكأنه أحد فطاحلها الكبار أو جهبذها الجبار!
ولا عجب بعد ذلك أن يكون عاجزا عن هضم المقياس الديمقراطي وتفسير تقرير فينوغراد على أنه اعتراف بهزيمة لإسرائيل وبالتالي انتصار إلهي لحزبه اللاهي.
كيف لا والمقياس الديمقراطي يخالف فكر نصر الله، لأنه قانوني شرعي منطقي سليم شفاف حساس، لا يقبل الغش والتزوير والتلاعب لإرضاء الحكام والضحك على عقول الناس، تفرضه إرادة الشعوب الحرة على القادة فينصاع له حتى الزعيم التاريخي الكبير، كما انصاع له المنتصر في الحرب الكونية الثانية على النازية ونستون تشرشل، الذي خذله الشعب البريطاني في الانتخابات. وكما انصاع له الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول المنتصر على النازية الألمانية أيضا عندما خذله الشعب في الاستفتاء. هذا هو صقل الدول وتطورها!
كيف لا والمقياس الديمقراطي يناقض عقلية نصر الله، لأنه مقياس عقلاني هادئ وليس عاطفي انفعالي أهوج غوغائي خاوي يفرضه الزعيم الصنم على الشعب الخانع له بكلمة نعم.
فمع احترامنا للزعيم التاريخي الكبير جمال عبد الناصر إلا أنه بعد فشله في مشروع الوحدة العربية بين مصر وسورية ظلت الجماهير بالملايين تعبده وتصفق له دون أن يحاسبه أحد ولو بكلمة.
في المقابل حقق المستشار الألماني السابق هيلموت كول أحلام الألمان في الوحدة وتوحدت على يديه الدولتين الألمانيتين ودخل التاريخ من بابه الواسع كموحد ألمانيا رغم ذلك خذله الناخب الألماني عام 1998 في الانتخابات وحاسبه بعد ذلك على أي خطأ. لأن توحيد ألمانيا بالنسبة للشعب هو واجب المستشار. ولا يعني بالتالي أن يدين الشعب لقائده طيلة العمر. هذا هو تطور الأمم وتالقها!
نحن ندين ونخنع للقائد الضرورة طيلة العمر دون أن يحقق شيئاً هذا إذ لم يخسر الحروب ويخرب البلد ومنهم من يرثه ابنه المدلل كبشار الأسد، الذي يرسل الإرهابيين لخراب لبنان والعراق في وضح النهار، ويغتال مع عملائه الأشرار شرفاء لبنان وأسياده وديمقراطييه الأحرار.
صدام حسين القائد الضرورة خرج من الكويت مدحورا لينجح في الاستفتاء الصوري بنسبة 100% . جورج بوش الأب الذي انتصر على صدام ودحره من الكويت بأقل الخسائر خسر الانتخابات الأمريكية أمام كلينتون.
انتصار بوش الأب لم يهتز له الناخب الأمريكي، لأنه بالنسبة للناخب الديمقراطي هناك أشياء أهم بكثير من هذا الانتصار على صدام حسين. هذا هو رقي المجتمعات!
أوردت هذه الأمثلة وهناك غيرها الكثير جداً لأؤكد أن تقرير فينو غراد وَزَنَ الحرب بالمقياس الديمقراطي لمصلحة إسرائيل ومستقبلها ومحاسبة المسؤول الذي إذا رفض الاستقالة اليوم فسيخذله الشعب غدا في الانتخابات. وهذا المقياس في وزن الأمور مناقض تماما لمقاييس نصر الله المفتوحة على الغيبيات بلا قعور.
ولنقارن بين المقياسيين:
- فاسرائيل مثلا تعتبر نفسها فاشلة فشلا ذريعا إذا عجزت عن تحقيق كل أهدافها، نصر الله بالمقابل يعتبر نفسه نجح نجاحا إلهيا إذا استطاع الصمود عدة أسابيع.
- إسرائيل تعتبر نفسها قد خسرت الحرب إذا فقدت مئات الجنود، نصر الله بالمقابل يعتبر نفسه ربحها استراتيجيا حتى لو فقد آلاف اللبنانيين.
فمقاييس نصر الله فوضوية لا عقلانية ومختلفة تماماً عن المقياس الديمقراطي فهو لو قتل بضع جنود اسرائيليين ودمر بعض الدبابات يعتبر ذلك نصرا إلهيا، متناسيا كم كلف ذلك لبنان وشعبه من خسائر بالأرواح والمليارات كنا في غنى عنها.
كل هذا لا قيمة له عند نصر الله في سبيل خدمة المشروع الإيراني السوري في تفتيت لبنان ليقع لقمة سائغة بأفواههم النتنة المفتوحة.

ليست هناك تعليقات: