الثلاثاء، فبراير 19، 2008

ليس بالقبل وحدها يحيا الإنسان


عطا مناع
قبل أن اسرد قصتي التي أصبحت "بايتة" خاصة أنني أصبحت مزعجا لكثرة حديثيعن واقعنا نحن اللاجئين الفلسطينيين المحشورين في المخيمات رغما عن منتظرين ساعة الفرج التي يبدوا أنها ستأتي بعد قرن من الزمان في زمن غير زمننا على يد جيل لا يعرف المساومة ولا الاستكانة "للواقعية السياسية" هذا السيف المسلط على رقابنا نحن الفلسطينيون المحاصرون التائهون المشردون في وطننا الذي فقد السلطة على نفسه لتستباح بكارته على أيدي العابثين ممن عرفوا أن"أمريكا حق".في مخيم الدهيشة حيث اسكن، وبالتحديد في حارتنا المزدحمة كما باقي الحارات، ازدحام يتيح لك دون وجه حق أن تستمع لأدق التفاصيل التي يعيشونها جيرانك الذين كما أنت ليس بيدهم حيلة أمام هذا الواقع الذي تحسن كثيرا لتصبح لك بعض الخصوصية بعد انقراض الخيام والحمامات الجماعية وعين الماء والشوارع المحفرة والمختار والعنصرية الاجتماعية تجاه اللاجئين من محيطهم، مظاهر كثرة غابت عن أعيننا لكنها لا زالت محفورة في الذاكرة تطل برأسها بين الحين والآخر لتذكرنا أننا مختلفين عن محيطنا الاجتماعي المتناغم مع نفسه.
في حارتنا والحارات الأخرى تتجول مجموعات من "المتضامنين" في أزقتنا ، مسلحين بكاميرا الفيديو يعكفون على التقاط الصور"التذكارية" مع الأطفال بشكل خاص، وانأ بصراحة لا اعرف لماذا....
لكن هذه المرة اختلف المشهد حيث كان الضجيج والصخب ما ميز"المتضامنون معنا"... وقفوا على أبواب البيوت الفقيرة واسترقوا النظر لداخلها ليكتشفوا بعض ما يمكن أن يروه لأصدقائهم بعد عودتهم إلى أوطانهم، لم يكتفوا بذلك فانهالوا على سيدة بالقبل الحارة المقرونة بالصور التذكارية...
حاولت أن أفسر المشهد لم استطع.... أقفلت شباكي وعدت لمتابعة مستجدات الأخبار على المواقع الالكترونية...لكن المشهد سبب لي الصداع ففكرت بيني وبين نفسي قائلا.نحن لسنا قرودا يمطرنا زوارنا بالابتسامات والقبل بمبرر وبدون مبرر، ونحن لسنا مزارا أو مجرد مغامرة للذين يريدون أن يدخلوا التجديد لأنماط حياتهم،وقد نكون في غالبيتنا فقراء معدمين وبحاجة إلى التضامن معنا في محنتنا، لكن للتضامن أصول يفترض الالتزام بها وعلى رأسها عدم اعتماد الفوضى في التعامل مع شعبنا، لأننا نعرف الفرق بينهم وبين راشيل كوري المناضلة الأمريكية التي تضامنت مع الشعب الفلسطيني حتى الموت ، كوري التي وقفت في وجه البلد وزر الإسرائيلي لتموت دفاعا عن الفلسطينيين، وغير كوري هناك المئات من المتضامنين الأجانب الذين يأتون إلى فلسطين من اجلها وبطريقة منظمة.أنا اعرف أن المؤسسات التي تتعامل مع المتضامنين الأجانب تخضعهم لدورات وندوات حول عاداتنا وتقاليدنا، كيف نأكل ...
ماذا نحب وماذا نكرة... كيف نفكر... إنهم يقفون على كل صغيرة وكبيرة مع المتضامنين، لهذا نجحت الفعاليات المناهضة لجدار الضم ... ولهذا نشأت علاقات وثيقة بين المواطنين الفلسطينيين والمئات من المتضامنين الذين تعاطفوا معنا حتى الموت، اختلط عرقهم بعرقنا ودمهم بدمنا...
توحدت المشاعر بين المتضامن وصاحب الحق... استنشقوا الغاز المسيل للدموع سوية...شكلوا الجدار البشري العملاق في وجه جنود الاحتلال...اخذوا منا وتطبعوا بثقافتنا الملتزمة.شتان بين النضال من اجل الحقوق المدعومة من أنصار الحرية، واستجلاب المشاريع المدفوعة الأجر....المشروطة الأداء...المقيدة بتوجهات سقفها غير فلسطيني...
المستنفذة للطاقة الكامنة فينا تحت شعار الانفتاح على الآخر... وللآخر حكاية أخرى...
وفي هذا الصدد تستحضرني مقولة الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في رائعته أم سعد"خيمة عن خيمة بتفرق"... كدلالة واضحة على الهدف والمضمون الذي يقف وراء سلوكياتنا، وبمعزل عن الاتجاه الايجابي في أداء القليل من الجهات الفلسطينية إلا أن الصورة قاتمة...عفوية.. تكسبيه...استغلالية...غير منتمية لواقعها...تحمل في أحشائها التناقضات التي ستسبب المزيد من الضياع والانحطاط الفكري الذي يفتقر للمضمون المعبر عن مصالح الشعب المتطلع إلى الخلاص من الاحتلال واسقاطاتة الثقافية والتبعية الاقتصادية له.السؤال المركزي...
هل يمكن ترميم الانفلات ألقيمي والثقافي التي تعيشه بعض الأوساط التي قفزت عن واقعها وأصبحت أسيرة تطلعاتها التي اعتمدت مبدأ دعة يعمل دعة يسير...؟ أين طريق السلامة..... وما هي سبل العلاج لمرض استفحل في مجتمعنا ...؟ لماذا لا تخضع تلك الجهات ...عبده الدولار إلى الرقابة الوطنية والاجتماعية الداعمة للتفاعل مع الآخر ولكن على أسس تحفظ كرامتنا ومصالحنا وتاريخنا ....
والى متى تبقى الجعجعة الكلامية وقطعان الفوضى والتطبيع يتحكمون في مصائرنا وتطلعاتنا وسلمنا الأهلي الذي يشكل دعامة لأسباب وجودنا.ما يحدث في الوطن المحتل من عمليات توالد لشريحة أمية هدفها احدث انقلاب في بنيتنا يفرض علينا أن نقرع ناقوس الخطر، وإشاحة النظر عن ممارساتهم التي قد يكون بعضها حق ولكن يراد بة باطل، والمطالبة بتصويب الأوضاع المؤسساتية في وطننا الذي أصبح مرتعا للفاشلين الذين حرقوا السفن التي تربطهم بواقعهم، لهذا نرى مشاهد مقززة تحدث في أوساطنا ... مشاهد تعكس فوضى المؤسسات التي تؤدي دورا لا يتناغم ومجتمعها الذي له فيها رأي واضح

ليست هناك تعليقات: