رشا أرنست
للمرة الخامسة عشر تتحدد جلسة انتخاب رئيس لبنان، والتوقع بتأجيلها قائم بنسبة 99%. فلا جديد بعد كل هذه المحاولات. وإذ كان أبناء البلد الواحد لا يتفقون فيما بينهم، فنسبة نجاح أي تدخل خارجي للتوصل لنتيجة ايجابية تخص حال هذا البلد تكون ضعيفة. فصورة الوضع في لبنان أصبحت قاتمة لدرجة تحجب النظر إليها من كل الاتجاهات. ما يحدث في مجلس النواب تعدى مسألة الاختلاف وأصبح جريمة في حق هذا البلد. والمؤلم أن أبناؤه هم من يرتكبون الجريمة في حقه، وكأنهم مراهقون حوّلوا لبنان إلى ساحة سباق، وهم متسابقون لم يدركوا هدف السباق فابتكروا أهداف أخرى، وتحول السباق إلى معركة شرسة نحو الكرسي الرئاسي. ومن يملك كروت ضغط ودعم خارجي أكثر، تزيد فرصه للفوز. ونسوا جميعهم أن ما يتسابقون عليه هو وطن غير قابل للمساومة.
لست بصدد الحكم على هؤلاء الكبار الغير قادرون على إدارة شئون وطنهم، وإنما المسألة تعدّت مجرد انتخاب رئيس. فالمشكلة تعمقت حتى وصلت جذورها لأساس هذا البلد، وأصبح كل شيء قابل للانهيار. وبدل أن يكون لبنان مثال يحتذي به بين الدول العربية في الحرية والديمقراطية، أصبح مثال لمشروع فاشل اسمه "مواطن عربي حرّ".
دستور واضح.. حرية كاملة.. مفاوضات.. مبادرات.. الكل يملك الكلمة....الخ. كل ما يلزم لاتخاذ قرار صائب بحرية مطلقة لصالح لبنان في متناول أيدي النواب إلا شيئا واحد وهو الإرادة الداخلية. هؤلاء المرشحون لمنصب الرئاسة والآخرون المخيرون لاختيار الرئيس اغلبهم لا يملكون إرادة داخلية حقيقية. إنما الواضح أن الأغلبية يملكون إرادة سلطوية أنانية تسعى للسيطرة والحكم، وبعضهم تحت سيطرة إرادة خارجية احترفت المساومة. كل منهم يريد لبنان على قياسه، على طريقته، وليس لبنان الوطن. أصبحت أشياء وأهداف أخرى غير سلام واستقرار لبنان تحركهم. غيرّوا ألوان الأرز الأخضر النابض بالحياة للأوان لا روح فيها ولا معنى. العلم الواحد انقسم وأصبح أعلام، كل واحد منهم له علمه ولونه. منذ متى ونصنع الأوطان على قياسنا؟ الم تكن الأوطان أولاً ثم جئنا نحن، أم الآن أصبح يحدث العكس أيها النواب؟ منذ متى ويُعرف اللبناني بلون غير لون الأرز الأخضر ودم الشهداء الأحمر؟
المسافة كبيرة بين القول والفعل. وما يقولونه ويصرحون به هؤلاء النواب لم يعد احد يصدقه لأنه لا يقترن بالفعل. لا يتعدى مجرد شعارات تكتب وبجوارها أعلامهم الجديدة. الأزمة اللبنانية تخطت الاتفاق على اختيار رئيس، فالنواب تخطوا كل الفرص وتعدوا على آمن لبنان واستقراره وحقه في السيادة. وجميعهم مسئولون عن ضياع قيمة لبنان كدولة مستقلة. فقد حوّلوا مبدأ الرئاسة من غاية نزيهة لحماية الدولة ورمز لوحدته، وتأمين حقوق مواطنيه إلى وسيلة لتحقيق مصالح شخصية أو فرض وصاية بعينها. هؤلاء الذين يتفاوضون من اجل الكرسي الرئاسي يتحدثون باطلا باسم شعب لبنان. فما يسعون إلى تحقيقه ليس إرادة الشعب، إنما هو صراع واضح ومأساة حقيقية، تحكمهم فيها الإرادة الذاتية وليست الإرادة الشعبية. وإرادة شعب لبنان لا تريد التفرقة أو الانقسام الذي تسببوا به، والذي قسمهم إلى أحزاب داخل الأحزاب. إرادة شعب لبنان ترفض هذا التردد والشعارات الكاذبة والألوان المتعددة، ورسائل التهديد التي يبتكرها هؤلاء كل يوم. إرادة شعب لبنان مثل إرادة كل الشعوب الأحرار الذين يريدون الحياة في امن وسلام بعيد عن السياسة والمؤامرات والعقول المتجمدة.
متى ستتخلون أيها النواب المسئولون عن نزعاتكم الفردية وتفكرون في لبنان الكلّ؟ كم جلسة أخرى ستكون حتى تقرروا خلاص هذا البلد؟ كم شهيد أخر لابد أن يقدم حياته ثمن لاستقرار البلد؟ كم يوم آخر من الخوف واليأس والتهديد والانتظار لعودة السيادة للبنان؟ كم شاب عليه أن يفكر بالهجرة ويبحث عن بلد آخر قبل استقرار لبنان؟.... إلى متى يدفعون الصالحون والشرفاء ثمن أخطائكم؟.. حتى متى ستستمر تلك المهزلة الانتخابية ومتى ستكتب لها النهاية ليبدأ لبنان من جديد؟
ما يحتاجه لبنان الآن ليس معجزة أو مستحيل، وإنما إرادة حرة وإيمان بالوطن، الإيمان الذي يدفعكم لاختيار رئيس والتوصل لاتفاق واحد. ما يحتاجه لبنان هو أن تحافظوا على كرامته. أن تجعلوا اجتماعكم اجتماع أفراد أحرار، متساوين وعقلانيين لهم كرامة يجتمعوا على حبّ وطن واحد تحت راية علم واحد، ويتفقوا على إيجاد الحلّ الذي يكفل حق اللبنانيون جميعاً. وحق أن يكون لبنان واحد للكلّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق