الأربعاء، فبراير 06، 2008

فلسطينيي الداخل بين هاجس الإنتماء وعُقدة الارتباط


د. عدنان بكريه
لقد كتب علينا نحن الجزء الباقي من الشعب العربي الفلسطيني أن نعيش في دوامة من الإحباط والتخبط وذالك نتيجة للوضعية السياسية والانتمائية التي نعيشها داخل دولة إسرائيل ، إذ حُتم علينا ومنذ عام 48 أن نكون (بين حانا ومانا ) كما يقول مثلنا العربي .. كوننا ننتمي للأمة العربية وللشعب الفلسطيني ثقافة وحضارة وفي نفس الوقت ننتمي جغرافيا ومدنيا لدولة تقف على جبهة العداء لامتنا العربية ولشعبنا الفلسطيني.. هذه الازدواجية القسرية خلقت لدينا نوعا من الإحباط والضياع وعدم الوضوح... الأمر الذي جعل من موقفنا السياسي مقيدا وغير قادر على التحليق في فضاء الرفض التام وظل يراوح تحت سقف القانون الإسرائيلي وضوابطه الأمنية.. وإذا ما حاول اختراق السقف القانوني الإسرائيلي فان هناك ألف علامة سؤال تُطرح في أروقة الدولة وفي مقدمتها وضعيتنا كأقلية قومية تبغي البقاء متجذرة في ترابها الوطني ... دائما حاولنا التوفيق بين وضعيتنا كأقلية قومية داخل إسرائيل لها رؤية بعيدة المدى بشأن الصراع العربي الإسرائيلي..تود رفع مستوى تفاعلها مع القضايا الراهنة ... بكلمات أخرى لها موقف داعم لقضايا الأمة العربية وشعبنا الفلسطيني .. لكن هذا الموقف يبقى محصورا في هواجس العواطف والعقل غير قادر على التحليق عاليا واختراق سقف القانون الإسرائيلي.
****
نحن من نصف قرن وبالتحديد منذ عام 48 .. نقاتل قتال الشرفاء من أجل انتزاع حقوقنا الحياتية المدنية والوطنية على أرضنا التي ترعرعنا عليها وتشرشنا في أعماقها..حيث لم يعد بإمكان أية قوة في العالم نزع شرعية وجودنا وانتزاع حبها من تجاويف قلوبنا ..دَمنا أصبح مجبولا بترابها ... وقاماتنا صارت تطاول السحاب وتتحدى كل العواصف العاتيات ..استطعنا بفضل كفاحنا أن نفشل كل المحاولات الرامية لشطبنا من أيقونة البقاء والوجود...
هذا كله بفضل إدراكنا وحكمتنا على التوفيق بين المواطنة المدنية والانتماء القومي والوطني لامتنا العربية ولشعبنا الفلسطيني برغم المخططات والمحاولات العديدة التي هدفت إلى النيل منا وتجريدنا من مركبات بقائنا وانتمائنا
لقد دأبت المؤسسة الحاكمة في إسرائيل من يمينها إلى يسارها على رسم مخططات لتضييق الخناق على الأقلية الفلسطينية هنا ظنا منها بأنها ستجعل من وجودنا ريشة في مهب الريح وبالتالي ترغمنا على الهجرة لأن وجودنا هنا على ارض آبائنا وأجدادنا يشكل خطرا على الإستراتيجية الصهيونية الساعية لضمان (يهودية الدولة )...يشكل خطرا ديموغرافيا قد يطيح بطموحات الحركة الصهيونية وحلمها بإسرائيل يهودية خالصة دون غرباء !!.
إنني أسوق هذا الحديث ... بسبب أن العديد منا لا يستطيع الموازنة بين أمرين... انتماؤنا المدني وانتماؤنا القومي الوطني الذي لا جدال فيه ... وهو أننا جزء من الأمة العربية والشعب الفلسطيني شاء من شاء وأبى من أبى ... حتى لو كنا نحمل الجنسية الإسرائيلية فهذا لا يتناقض مع تفاعلنا مع قضايا شعبنا وقضايا الأمة العربية .. نعم وضعنا حساس للغاية... لكن لا يمكن الصمت على سياسات إسرائيل الممارسة ضد شعبنا والشعوب العربية الأخرى...لا بل علينا أن نرسم رؤية جماعية لكيفية اخذ دورنا الفاعل في التفاعل مع الأحداث المتسارعة التي تعصف بشعبنا وامتنا ... علينا أن نرسم رؤية مستقبلية لكيفية النهوض بدورنا النضالي مع المحافظة على أسس وقاعدة الارتباط المدني...لأننا لا نريد أن نفقد هوية ارتباطنا ونفتح الطريق أمام هواجس حكام إسرائيل الرامية إلى تهجيرنا من اجل الحفاظ على دولة عبرية خالية من الغرباء !! ومن هم الغرباء بنظرهم ؟ نحن أصحاب الأرض والوطن الأصليين .
****
هويتنا لن تضيع ما دمنا قادرين على التوفيق بين الأمرين ! بين كوننا ابناءا للشعب الفلسطيني والأمة العربية وكوننا مواطنين في دولة إسرائيل .. وعلينا أن نتعامل مع هذه الحقيقة بحكمة وحنكة دون أن ندخل أنفسنا في مهاترات قد تجعلنا عرضة للاقتلاع ! نعم الاقتلاع ! خاصة وان إسرائيل تنتظر الفرصة المواتية لإخراجنا من دائرة المواطنة لأنها تعتبرنا غرباء عن مجتمعها وعن وطننا وأرضنا.. ترى بنا سرطانا في جسم الدولة يتوجب استئصاله !!هذه هي العقلية الصهيونية وأيدلوجيتها المبنية على احتقار وإذلال الآخر .
لا أحد منا ينكر سياسة التمييز العنصري التي نواجهها منذ أن نخرج من أرحام أمهاتنا وحتى مماتنا وفي شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والحياتية وهنا لا أريد الخوض في تفاصيل هذه السياسات المنهجية الموجهة والمبرمجة من قبل صناع القرار في الدولة !! ولا أحد ينكر بان الديمقراطية المزيفة هنا هي ليست للعرب بل لليهود ... وحتى لو مُنحنا هامشا ديموقراطيا ضيقا يظل هذا الهامش يُراوح في دائرة الانتخابات البرلمانية تبييضا لوجه الديموقراطية الإسرائيلية !! ولئلا يصنف النظام هنا ( بأبارتهايد) جديد في العالم .. وهذا ما لن ترضى به حتى الولايات المتحدة وأوروبا ليس من وازع حرصهما على الديمقراطية، بل من أجل تبرير هجومهما على العالم العربي تحت حجة انعدام الديمقراطية هناك !! من هنا فان الهامش الديمقراطي الممنوح للعرب هنا داخل إسرائيل يبقى لحفظ ماء وجه النظام هنا...وليس لإيمان النظام بالمساواة والديمقراطية والحرية !!
هناك عدة حقائق يجب أخذها بعين الاعتبار في أي تصنيف للنظام السياسي داخل إسرائيل ولوضعيتنا نحن في دائرة هذا النظام
الحقيقة الأولى : بأن أي دولة لا تحترم الأقليات داخلها هي ليست دولة ديمقراطية ونظامها يصنف من أسوء الأنظمة القمعية في العالم !! والنظام الذي لا ينصف الأقليات ويعمل على مساواتها يبقى نظاما مهزوزا ومزعزعا وعرضه للانهيار ... وتبقى الأقليات المضطهدة أخطر فئة على النظام السياسي في الدولة !!هذه هي الحقيقة التاريخية التي يجب أن يعيها حكام إسرائيل وأن لا يبقوا يقارنوا ديموقراطيتهم بديموقراطيات العالم العربي !! وأن يوزعوا التهم جزافا تجاه الأنظمة العربية... فعليهم أولا تأمين حقوق الإنسان والأقليات هنا قبل كيل الاتهامات للآخرين ...
الحقيقة الثانية: أن أي نظام يحاول تشريع قوانين هدفها ضرب شرعية الأقليات وتحجيم حيز تواجدها والحد من نشاطها السياسي الديمقراطي، لا يمكن تصنيفه كنظام ديمقراطي ! فمشاريع القوانين العنصرية المقترحة على الكنيست باعتبارها الهيئة التشريعية للدولة كثيرة جدا وآخرها قانون يحرم أي شخص زار دولة معادية من الترشح للكنيست بكلمات أخرى ضرب أسس التواصل مع إخواننا في العالم العربي ومع القوى القومية العربية .
من هنا نستنتج بأن النظام السياسي في إسرائيل ليس ديموقراطيا تجاه العديد من المركبات الاجتماعية وفي مقدمتهم الأقلية الفلسطينية في الداخل كونه نظاما ينهج ويعتمد التمييز العنصري في تعامله معنا وفي شتى المجالات الحياتية والادعاء القائل بان إسرائيل هي دولة العدل والحرية والمساواة !! هو ادعاء باطل من أساسه ولا يمت الى الحقيقة بصلة ويندرج في إطار تبييض صورة النظام الصهيوني العنصري .
أما الأمر الهام في توصيف النظام السياسي هنا .. هو الاحتلال بحد ذاته، إذ لم يتبقى أي احتلال في العالم إلا الاحتلال الإسرائيلي الأمريكي للأراضي العربية.. للأراضي الفلسطينية والسورية وللعراق.. وانه لأمر بديهي أن يكون الاحتلال هو سبب المصائب والكوارث الاقتصادية والعلات التي تواجه المجتمع الاسرائيلي، كون هذا الاحتلال يستنفذ كل الطاقات الاقتصادية للدولة والتي كان بالإمكان استثمارها في مجالات اجتماعية واستثمارية أخرى .
وهنا لا بد لنا من الإشارة الى أن نظام لا يحترم القوانين الدولية وقائم على الاحتلال والبطش لا يمكن تصنيفه كنظام ديموقراطي ... نظام لا يحترم الآخر ويضطهده في شتى المجالات هو نظام قمعي !! ولا يمكن تصنيفه كنظام مسالم وانهي بمقولة خالد الذكر توفيق زياد " إذا كانت إسرائيل لا تستطيع صنع السلام مع نصف مليون عربي هنا في الداخل فكيف بإمكانها أن تصنعه مع مائة مليون عربي في العالم ؟!!"
الدكتور عدنان بكريه / فلسطين / الجليل

ليست هناك تعليقات: