الجمعة، فبراير 08، 2008

من يفاوض من ؟

راسم عبيدات
..... عبثية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية،والتي رغم أكثر من عشرة لقاءات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي "يهود أولمرت" ، لم تحقق أية نتائج تذكر لا في القضايا الجوهرية ، ولا حتى في الجزئيات والقضايا المعيشية اليومية ، وفي كل لقاء يجري الحديث من قبل الطرف الفلسطيني المفاوض ،والذي أدمن التفاوض من أجل التفاوض، عن الانجازات والانتصارات التي سيحققها الطرف الفلسطيني، من هذه المفاوضات، وبالمقابل الطرف الإسرائيلي،يهلل ويطبل ويزمر لهذه اللقاءات، وعن حجم التنازلات التي سيقدمها،لدعم قوى الاعتدال الفلسطينية والعربية، وعلى أرض الواقع،نسمع طحناً ولا نرى طحيناً، بل نرى ونشاهد ممارسات مغايرة، لكل ما يجري الحديث عنه وما يثار حوله من صخب إعلامي،وحتى لا أتهم أنا والذين على شاكلتي بالتطرف وكذلك الإشفاق على دعاة هذا النهج، والذين يوجه لهم الطرف الإسرائيلي الصفعة تلو الصفعة، وهم كالمسيح إذا ضربك عدوك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومع فارق التشبيه،وسأسوق وأدعم وجهة نظري بالكثير من الأمثلة والشواهد ، والتي تثبت أن القيادة الإسرائيلية، لا تؤمن إلا بنهج القوة"والزعرنة والبلطجة"، وهي تحتقر الطرف الفلسطيني، وتريد منه أن يأتي إلى المفاوضات صاغراً وطالباً السفح والمغفرة ومسلما ، بكل الاشتراطات والاملاءات الإسرائيلية، ومن القدس أبدأ ف"اولمرت وكل أركان حكومته " يفاخرون ويجاهرون ليل نهار،أنه لا وقف للاستيطان في القدس، بل وأعلن وأقر العديد من المشاريع الاستيطانية الضخمة في القدس العربية، حتى أن أحزاب إسرائيلية كبرى مثل"إسرائيل بيتنا" بقيادة"الإرهابي ليبرمان" وكذلك حركة" شاس" وأباها الروحي الحاخام"عوفاديا يوسف" والذي لم يترك وصفاً أو كلمة سيئة في قاموس لغته وتوراته ،إلا وقالها بحق الفلسطينيين والعرب،أعلنوا أنهم سينسحبون من الحكومة مجرد تطرق تلك المفاوضات لقضايا الحل الدائم من قدس ولاجئين وغيرها، والمفاوض الفلسطيني لا أظن أن الحقائق والممارسات الإسرائيلية اليومية في القدس،لا تصفع وجهه مثل منع مجرد إقامة احتفال للجنة المرأة الفلسطينية في القدس ،أو إغلاق منتدى ثقافي تعليمي مقدسي في قرية صورباهر، ومنع عقد مؤتمرات أو لقاءات طابعها جماهيري واجتماعي ، مثل منع إقامة احتفال لانطلاقة وتأسيس برلمان شباب القدس،وليصل الأمر الى ذروته ، بمنع عائلة حبش من إقامة عزاء في جمعية الشابات المسيحية بالقدس ، برحيل أبرز عمالقة النضال الوطني والقومي الفلسطيني والعربي القائد الكبير الدكتور جورج حبش، وهذه الحكومة "المحبة والمتباكية على السلام" والتي يفاوضها الطرف الفلسطيني، هي التي قال أحد "إرهابيها" رئيس "الشاباك"السابق ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي"آفي ديختر" في تلاسن مع أعضاء الكنيست العرب، الذين حضروا مراسيم تشيع جنازة الحكيم،بأن الحكيم"حثالة" وهو من كبار"الإرهابيين" ،أما حضرته والموغل في الدم الفلسطيني من رأسه حتى أخمص قدميه،فهو "حمل وديع وحمامة سلام" والأمر لم يقتصر على هذا الوزير،بل وعلى الكثير من أعضاء الحكومة والكنيست الإسرائيليين، والذي طالبوا بمحاكمة أعضاء الكنيست العرب، الذين حضروا مراسيم تشيع جنازة الحكيم في عمان،أما إذا عرجت على الضفة الغربية، فالمشهد يصفع ويفضح كل دعاة نهج التفاوض من أجل التفاوض، فالاغتيالات تتواصل بشكل يومي، وكذلك الاعتقالات ومسلسل الإذلال والقمع اليومي، ومحاربة واهانة الفلسطيني، حتى في أبسط مقومات وجوده وحياته، ومنعه من التنقل والمرور وتلقى الخدمات الصحية والتعليمية ،ناهيك عن الاقتحامات اليومية والمتكررة وغيرها.
أما في قطاع غزة ، فشعب بأكمله يتعرض إلى موت وإبادة جماعية، ويحرم من أبسط مقومات الحياة، وتحت سمع وبصر ما يسمى بالمجتمع الدولي،ترتكب إسرائيل أبشع جرائم الحرب،بحق أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني، ولا نسمع مجرد إدانة أو استنكار لمثل هذه الجرائم ، من قبل من ينصبون أنفسهم دعاة وحماة لحقوق الإنسان، والذين فقط يستنفرون ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها ،أذا ما قتل مستوطن إسرائيلي،أما الشهداء الفلسطينيين ،فهم مجرد أرقام "وإرهابيين"، في العرف الأمريكي والغربي، فقطع الكهرباء ومنع تزويد القطاع بها، ومنع إدخال أية مساعدات طبية وغذائية وإنسانية وغيرها للقطاع،ومنع علاج المرضى وذوي الأمراض المزمنة،فهذا في عرفهم ،ليس"قمة الإرهاب" ومنافاة لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية .
باختصار ما جدوى اللقاءات المتكررة "والمارثونية" والتي يتعرض فيها الرئيس والفريق الفلسطيني المفاوض،إلى الإهانات المتكررة والمتتالية،رغم أن هؤلاء أعلنوا مراراً وتكراراً،أن المفاوضات خيارهم الاستراتيجي، وانتقدوا وأدانوا إطلاق الصواريخ والعمليات الفدائية، حتى أن وزير الإعلام الفلسطيني الدكتور رياض المالكي، أصبح خبيراً ومحللاً عسكرياً،حيث أنه أثناء خروج العديد من أبناء القطاع للدول العربية لقضاء مصالحهم وشؤونهم الخاصة،وفي إطار التبرير الإسرائيلي،لعودتهم من خلال معرف رفح،قال بأن جزء منهم تلقى تدريبات عسكرية في سوريا وإيران،وطبعاً كل ذلك لم يشفع لا للمالكي ولغيره من فريق التفاوض، فعشرة لقاءات،لم تنجح في إزالة حاجز عسكري واحد أو حتى إزالة "كرفان"استيطاني واحد.
والمفاوضات حقيقة تجري بين إسرائيل وأمريكيا، حول مستقبل الشعب الفلسطيني وأرضه،فمن رؤية"بوش" الرؤية التي قامت على أساس ،أن حل الدولتين يتطلب، تصفية والتخلص من القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس الشهيد الراحل أبو عمار، باعتبارها وفق رؤيتهم"إرهابية" ولا تشكل شريكاً سلمياً،إلى وعد "بوش" ،الوعد القائم على تشريع الاحتلال وحقه في تجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية ، وجواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وكذلك الوعد"البوشي"يجب أن يضمن لإسرائيل عدا عن رسم حدودها وفق رغبتها وما تريده،بل وكذلك أن تبقى أجواء ومعابر ما يسمى بالدولة الفلسطينية ،عدا أنها منزوعة السلاح ،تحت السيطرة الإسرائيلية، وكذلك حقها في اقتحام الأراضي الفلسطينية، وحتى إعادة احتلالها إذا ما شعرت بأي تهديد لأمنها ووجودها، وإزاء كل الذي ذكرته،هل سيستمر الطرف الفلسطيني،ومعسكر الاعتدال العربي في مواصلة هذا النهج العقيم؟، والذي لم يوصل حتى اللحظة الراهنة، لاستعادة ولو جزء يسير من الحقوق العربية والفلسطينية،بل أن إسرائيل تستغل هذه المفاوضات، لقضم المزيد من الأراضي والحقوق الفلسطينية والعربية، وإذا كان أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، وكممثل للنظام الرسمي العربي،قد أعلن مراراً وتكراراً موت عملية السلام وفق الصيغ والمرجعيات الحالية، فلماذا هذه العبثية وإضاعة الوقت والحقوق، والجري وراء السراب والأوهام ومقولة "عنزة ولو طارت"، ولماذا لا تتخذ الدول العربية والفريق الفلسطيني المفاوض خطوات احتجاجية وجدية ضد هذا النهج المدمر وغير الموصل للحقوق؟.


القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: