الاثنين، فبراير 11، 2008

من ذاكرة الأسر 22

راسم عبيدات


الأسيران ناصر عبدربه وفراس عويضه
شموع على طريق الحرية

........ القدس كانت دائماً في قلب الحدث وفي دائرته، وهي محور الصراع، وتملك مفاتيح الحرب والسلام، ولم يبخل أهلها في تقديم التضحيات في سبيلها ،وسجلها حافل بالعطاء والتضحيات، والسجون والمعتقلات الإسرائيلية ، كانت وما زالت ملئا بالمعتقلين المقدسيين، هؤلاء المعتقلين المؤجلة قضيتهم إلى المرحلة النهائية،كما هو حال مدينتهم، والتي يستغل الاحتلال ذلك في سبيل تهويدها وأسرلتها ، تمهيداً لحسم مصيرها والسيادة عليها وإخراجها من دائرة ،أي مفاوضة مستقبلية حولها، والمأساة هنا أن الطرفان الفلسطيني والعربي مسلمان بهذا الأمر، فالأسرى المقدسيين محرمون من أية افراجات ،في إطار ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية، وقضيتهم يرهنّها ويخضعها الاحتلال للابتزاز والاشتراطات، وأهالي الأسرى المقدسيين، يواصلون اعتصاماتهم الأسبوعية ،كل يوم خميس أمام مكاتب الصليب الأحمر في القدس، للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهم ، والصحيح والمطلوب هو أن ينفذ الأسرى إعتصاماتهم الأسبوعية أمام مكتب الرئيس والسلطة الفلسطينية في رام الله، ومطالبتهم بعدم الشروع في أية مفاوضات تستثني أبنائهم ، الذين ناضلوا وضحوا من أجل الوطن، ولا يجوز تركهم تحت رحمة الشروط والاملاءات الإسرائيلية، فالكثير من أسرى القدس ، هم من أصحاب الأحكام العالية، والذي قضوا فترات طويلة في السجون الإسرائيلية،فمن أصل ثلاثة وسبعين أسير فلسطيني وعربي ،قضوا في السجون الإسرائيلية عشرين عاماً فما فوق هناك ثلاثة عشر أسير مقدسي، أي ما يعادل 18% تقريباً، ناهيك عن أن الافراجات التي تمت في مرحلة أوسلو، لم تطل سوى عدد محدود وقليل جداً من الأسرى المقدسيين.
وناصر عبدربه (دويات) من قرية صورباهر،إحدى القرى الجنوبية لمدينة القدس، وما يطلق عليها بالموطن الأول لحركة الأخوان المسلمين في القدس، ومن ثم أحد المعاقل الأساسية لفتح في المنطقة ، وناصر كغيره من الشبان المتقدين شعلة ونشاط، مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام/1987 – انتفاضة الحجر- انتظم في صفوف حركة فتح، لكي يقوم ويعبر عند دوره الوطني في مقاومة الاحتلال، ولم تمضي سنة على الانتفاضة ،حتى اعتقل ناصر وشبان آخرين على خلفية نشاطهم وفعلهم الكفاحي والمقاوم ضد الاحتلال، وتبدأ رحلته مع محطة نضالية جديدة ، هي المحطة الاعتقالية، وفي المعتقل آمن ناصر كغيره من المعتقلين، أن الانتفاضة ستحقق الأهداف، التي من أجلها انطلقت في الحرية والاستقلال، ومن هنا كان شعلة عطاء ونشاط على صعيد فتح وعلى الصعيد الإعتقالي، وناصر الذي كان يقضي محكوميه ليست طويلة ، لفقت له إدارة السجن تصفية أحد المتعاونين معها في المعتقل، ليحكم بالسجن المؤبد، وفي المعتقل يصقل تجربته وخبراته التنظيمية والإعتقالية، ويصبح محط ثقة أخوته في الحركة الفتحاوية والحركة الإعتقالية ، وكم من مرة أصبح عضواً في هيئاتها القيادية التنظيمية، وكذلك كان في الكثير من المرات مسؤولاً عن "الكنتينة" مالية السجن، ولاحقاً أصبح ممثل المعتقل، وناصر المناضل ، يتمتع بروح الكيف والمرح ، وهو بالمناسبة من عشاق مطربة الشباب نانسي عجرم، وعندما كتبت عنها مقالة في صحيفة القدس ، منتقداً ما تقدمه من فن هابط، بعث لي رسالة مع الأسرى ، يقول لي فيها طبعاً بمودة ومحبة ، اكتب عن كل شيء يا أبو شادي إلا عن نانسي فهي معشوقة ومطربة الشباب.
وأذكر انه عندما كنا في سجن نفحة عام 2002 ، كان ناصر من أكثر الأسرى حيوية ، وهو من رياضي السجن ، ويعشق ألعاب كرة السلة والطائرة، وعادة ما يكون "كبتن" فريقه في هذه الألعاب، وبحكم "الجيرة" كانت تربطني بناصر علاقات جيدة ونتفاعل مع بعضنا في الأمور الإعتقالية والحياتية وغيرها، وفي شهر رمضان ، كان الأسرى يقيمون الولائم والعزائم الرمضانية، وقد أقام ناصر وأخوته الأسرى في غرفة 25 قسم ألف في سجن نفحة القديم ، وليمة لعدد من الأسرى وكنت أنا من ضمن هؤلاء الأسرى، وعندما تكون هناك وليمة رمضانية، ينهمك الأسرى في التحضير والترتيب لهذه الوليمة، ووليمة الأسرى هنا تكون "مناسف" دجاج، حيث يختصر الداعين حصصهم من الدجاج الأسبوعية لضيافة المدعوين، وطبعاً الحديث يجري هنا، عندما كانت الحركة الأسيرة ، تعيش أيام عزها، وقبل أن تهاجمها إدارات السجون وننزع منها الكثير من المنجزات والمكتسبات ، مثل المرافق الاعتقالية كالمطبخ والمغسلة وغيرها، حيث كانت تلك المرافق بيد الأسرى الأمنيين.
أما الأسير فراس عويضة من منطقة وادي الجوز في القدس، فقد عرف هو الآخر طريقه للعمل الوطني مبكراً، حيث انتظم في إطار اتحاد لجان الطلبة الثانويين في القدس، أحد الأذرع الطلابية المقربة من الجبهة الشعبية، وكان من المبادرين لنشاطات هذا الإطار في العديد من مدارس القدس، فهو يهتم بتوعية وتثقيف وتأطير الطلبة الثانويين بهمومهم ومشاكلهم الطلابية والوطنية، ويقوم بالعديد من الأنشطة من إقامة المعارض مثل معرض الكتاب، وأنشطة فنية وتراثية ملتزمة، ناهيك عن إصدار مجلة حائط ثقافية، وإحياء المناسبات الوطنية مثل يوم الأرض ويوم الأسير وذكرى الاستقلال وغيرها، ومع بدايات الانتفاضة الثانية عام/ 2000 ،شارك فيها هو وعدد من رفاقه بفاعلية ،ورأى أن القدس ،يجب أن تلعب دوراً بارزاً في هذه الانتفاضة، وفي النصف الثاني من عام /2001 ، يتم اعتقاله ، ويحكم بالسجن لمدة ثمانية أعوام ، ويبدأ رحلته الإعتقالية متنقلاً بين السجون الإسرائيلية، وفي السجن يطور بشكل كبير من قدراته الثقافية والتنظيمية ، وخصوصاً في الجوانب الأدبية، وأصبح لديه قدرات جيده جداً في مجال كتابة الخاطرة الأدبية ، وكذلك الشعر والمقالة الأدبية وغيرها، وفراس رغم أنه في سن الشباب،إلا أنه بفضل رؤيته بأن المعتقل ،محطة ومكان يستطيع المناضل ،أن يحقق فيه الكثير على صعيد الاستفادة في حقول العمل التنظيمية والسياسية والإعتقالية والثقافية وغيرها، أما إذا بقي منشداً لذاته ولهمومه الشخصية،فإنه يخرج من السجن دون أن يحقق أية إنجازات تذكر، وفي العديد من المرات،عندما تسأل عن هذا الأسير أو ذاك ، فلربما يجيبك الكثيريين، بأنه خرج من المعتقل كما دخل، أي بمعنى أنه أهدر وأضاع وقته وسنوات عمره، دون أن يحقق الفائدة المرجوة، وفراس طاقة تكمن فيها الكثير من الإبداعات والمبادرات ،إذا ما أحسن استغلالها بشكل جيد وخلاق، فأنا قانع أنه قد يبدع في مجال العمل الشبابي والمجتمعي، وخاصة أن الشباب في مدينة القدس في غياب المؤسسات الراعية والمؤطرة، يعيشون حالة من الضياع والفراغ والاغتراب.
وختاماً أقول بالضرورة،أن لا تبقى قضية أسرى القدس كما هو حال مدينتهم ،مؤجلة إلى المراحل النهائية ، والتي ربما إن أتت يكون الكثير منهم في عداد الشهداء.

القدس – فلسطين

11/2/2008
Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: