نقولا ناصر
عندما نشرت مجلة "لانسيت" الطبية عام 2006 تقريرا عن سقوط اكثر من (600) الف مدني عراقي نتيجةالاحتلال الاميركي سارعت الحكومة الاميركية والحكومة العراقية المنبثقة عن الاحتلال في ببغداد الى رفض نتائج التقرير والتشكيك في مصداقيته أرقامه وعلميته منهجيته متجاهلين ان جوهر قضيته هو جريمة حرب لا لعبة ارقام ليقول الرئيس جورج دبليو. بوش: "انني لا اعتبره تقريرا ذا مصداقية" وليتناغم معه من العاصمة العراقية المنكوبة المتحدث باسم المنطقة الخضراء علي الدباغ قائلا: "ان التقرير يتخطى الواقع بطريقة غير معقولة" ، بلغة مشتركة كانت وما زالت منفصمة العلاقة تماما بالجريمة ضد الانسانية الجارية في العراق منذ خمس سنوات وكانما ازهاق ارواح (600) الف مدني عراقي جريمة حرب جديرة بالنفي والتشكيك لكن ازهاق ارواح عدد اقل بهذا القدر او ذاك ليس جريمة تقتضي المساءلة .
ان الهولوكوست الاميركي المستمر ضد المدنيين العراقيين لن تقل بشاعته ان قلت او زادت اعداد ضحاياه بضعة آلاف هنا او هناك ولن يعفى الصامتون عنه حد التواطؤ لا من المسؤولية التاريخية ولا من المضاعفات المحتملة له خصوصا في الاطار الاقليمي ، فالالم الانساني معد وثمنه السياسي فادح ولن تفلح لا الحدود السياسية ولا الاجراءات الامنية الوقائية في احتواء مضاعفاته . لقد بلغ حجم هذا الهولوكوست حدا يجعل من المستحيل على أي عنوان او اسم من العناوين والاسماء التي ترتكب جريمته تحتها ان يفلت من مساءلة الشعب العراقي ، سواء اميركيا كان ام "عراقيا" .
وتنشر بين وقت وآخر دراسة جديدة عن الكارثة الانسانية المستمرة في العراق وكل امثال هذه الدراسات تتحول بسرعة الى "لعبة ارقام" تطمس حجم جريمة الحرب ضد الانسانية التي ترتكبها الولايات المتحدة بدل ان تسلط الاضواء عليها . وكان "الاحصاء" الاحدث عبارة عن مشروع مشترك بين الحكومة العراقية تحت الاحتلال ومنظمة الصحة العالمية مولته الامم المتحدة بمبلغ يزيد على مليون ونصف المليون دولار ، بعد ان تحول دور المنظمة الدولية من الحفاظ على السلم العالمي ومنع الحرب حسب ميثاقها الى "عداد" لضحايا الحرب من المدنيين دون ان يتم تغيير هذا الميثاق .
ولفت النظر ان يتم نشر نتائج الدراسة "العراقية" – الاممية الجديدة يوم الاربعاء الماضي في مجلة "نيو انجلاند جورنال اوف ميديسن" ، وليس عبر وسيلة اعلام تابعة لاي من شريكي الدراسة ، ايغالا في تضليل الراي العام العالمي من اجل تعزيز مصداقية وحيادية للدراسة يفتقدهما من قاموا بها ، كما لفت النظر توقيت نشر هذه الدراسة بحيث يتزامن مع الذكرى السنوية الاولى لخطاب الرئيس الاميركي بوش الذي القاه في العاشر من كانون الثاني / يناير عام 2007 واعلن فيه عن استراتيجيته الجديدة ، آنذاك ، لتامين الامن والامان للمدنيين العراقيين انطلاقا من العاصمة بغداد عن طريق زيادة عديد قوات الاحتلال الاميركي في العراق .
خلص "الاحصاء العراقي" – الاممي الى ان (151000) مدني عراقي (او تقديرا ما بين 104 آلاف و 220 الفا) قتلوا في الفترة من الشهر الثالث عام 2003 الى الشهر السادس من عام 2006 . وكان متوقعا ان يثني وزير الصحة العراقي صالح مهدي الحسناوي على الدراسة باعتبارها "مسحا موثوقا جدا" لكنه لم يقنع زميله في وزارة "حقوق الانسان" العراقية التي قالت في تقرير لها في الرابع من الشهر الجاري ان ما لايقل عن مليون ونصف المليون ارملة عراقية مسجلة لدى الحكومة معظمهن فقدن ازواجهن في الحرب التي تتصاعد منذ الغزو عام 2003 بدل ان يخمد اوارها ليسود الامن والامان كما وعد بوش العام الماضي .
وربما يكون محبطا لوعود بوش بالامن للعراقيين ان يقتل الشريك العراقي في اعداد المسح لؤي حقي رشيد وهو في طريقه الى العمل في الشهر الثامن من العام المنصرم قبل مقتل زميل آخر له بعد فترة وجيزة ، وان لا تتمكن الدراسة "لأسباب امنية" من تغطية "مائة" منطقة في بغداد والانبار ، او كما قالت النيويورك تايمز حوالي (11) في المائة من المناطق التي كان من المقرر ان يزورها موظفو "الاحصاء الموثوق جدا" .
ولا بد ان يكون محبطا لبوش ايضا ان بغداد ما زالت دون امن او امان بعد مضي اكثر من عام على اعلان "استراتيجيته الجديدة" ، اذ ان اكثر من نصف الوفيات وقعت في بغداد على ذمة الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الماضي ، وان زيادة عديد قواته المحتلة بموجب هذه الاستراتيجية قد تحول الى سبب اضافي لقتل المزيد من المدنيين العراقيين بدل توفير الامان لهم كما ادعى ، اذ قال الدكتور تايز بويرما مدير الاحصاءات بمنظمة الصحة العالمية ان "الوفيات" التي ذكرتها الدراسة "العراقية" الاممية "لا تشمل حوادث السيارات ولا تشمل الاصابات غير المقصودة ... ان الوفيات الناجمة عن الصراع المسلح تزيد على ثمانين بالمائة من الوفيات الواردة في التقرير" . اما الكريستيان ساينس مونيتور فقد اقتبست من التقرير اياه ان "العمليات العسكرية الاميركية" والحرب مسؤولة عن "تسعة من كل عشر وفيات تقريبا" وردت في التقرير .
وكان تقرير منفصل لمنظمة "اراك بودي كاونت – آي بي سي" ، التي تعمل مع مجموعة ابحاث اوكسفورد ، قد حمل قوات الاحتلال الاميركي المسؤولية عن "37 في المائة من عمليات القتل" بينما "قتلت القوات المعارضة للاحتلال تسعة في المائة من الضحايا المدنيين" . ولم يكن البيان الذي اصدرته قوات الاحتلال يوم الاثنين الماضي واعترفت فيه بقتل المدنيين في الاسكندرية جنوبي بغداد يوم السبت قبل الماضي الا تاكيدا نادرا لمسؤولية قوات الاحتلال عن مقتل المدنيين العراقيين .
كما قد يخيب امل بوش مما اعلنه قائده العسكري في العراق الجنرال ديفيد بترايوس الشهر الماضي بان حوالي اربعين الف مدني عراقي "ماتوا" بين الشهر الاول من عام 2006 الى الشهر الاخير من عام 2007 بينما اوردت وكالة الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الماضي رقما اقل يبلغ (37547) قتيلا حتى تاريخه بسبب الحرب طبقا لتعداد قالت الوكالة انها بداته مع تسلم رئيس الوزراء نوري المالكي لمهام عمله في 28 نيسان / ابريل 2005 لتدحض بذلك تصريحات المالكي عن الامن المزعوم الذي تحقق في عهده بعد ان اعلن تاييده لاستراتيجية بوش الجديدة لاحلال الامن في العراق ، هذا الامن الموعود الذي تبددت اوهامه مع مزق جثث (99) مدنيا عراقيا سقطوا ضحية تفجيري بغداد يوم الجمعة قبل الماضي في اكثر ايام عاصمة الرشيد دموية منذ 18 نيسان / ابريل السابق الذي سقط فيه 191 شهيدا مدنيا .
لكن بوش لا يرعوي ولا يردعه الفشل الثابت لاستراتيجيته الجديدة وهو مصر على المكابرة في الاثم حتى نهاية ولايته كما يبدو . فقد اسقطت طائراته الحربية على ضواحي بغداد عشرات الالاف من القنابل منذ اعلن استراتيجيته الجديدة اوائل العام الماضي لاخضاع العاصمة العراقية . فمنذ عام 2006 حتى نهاية عام 2007 "يرى المرء قفزة من حوالي عشرين الف باوند من القنابل التي اسقطت شهريا الى حوالي ثمانين الفا ثم الى مائة الف" قنبلة كما قال مارك غارلاسكو من منظمة "هيومن رايتس ووتش" للواشنطن بوست في الخامس من شباط / فبراير الجاري . واوضحت الصحيفة الاميركية ذاتها انه "في عام 2006 اسقطت القوات الاميركية في غارات جوية (62) باوند من القنابل وفي اوائل عام 2007 كانت الولايات المتحدة تسقط ما بين (10) آلاف و(15) الف باوند شهريا وفي النصف الثاني من العام نفسه كانت الولايات المتحدة تقصف العراق ب(71) الف باوند من المتفجرات شهريا" ، أي بعد عام من اعلان بوش خطته لاحلال الامن والامان في العراق بدءا من بغداد .
ويمعن بوش في استراتيجية الفشل بدل ان يرعوي . ففي ميزانيته الجديدة التي قدمها للكونغرس يوم الاثنين الماضي طلب زيادة الانفاق العسكري الضخم فعلا دون الحاجة الى أي زيادة ، حيث الانفاق العسكري الاميركي اكبر من الانفاق العسكري لبقية العالم مجتمعا ، بمبلغ يزيد على (515) مليار دولار ، أي بزيادة قدرها اقل من اربعين مليار دولار او سبعة ونصف بالمائة فوق الاعتماد المقر لعام 2008 . كتب جيري وايت في الموقع الالكتروني ل"الاشتراكي العالمي – وورلد سوشاليست" في الخامس من الشهر الجاري يقول ان "الانفاق الاميركي على الحربين (العراقية والافغانية) من المتوقع ان يبلغ هذا العام (180) مليار دولار . وكان الكونغرس قد اعتمد فعلا (691) مليار دولار للانفاق الحربي منذ عام 2001 والتقديرات ان تكاليف الحربين يمكن ان ترتفع الى اقل من (900) مليار دولار في الربيع المقبل ويمكنها ان تقترب من حاجز الترليون دولار بنهاية عام 2009" .
اي ان بوش يعد الشعب العراقي بالتصعيد العسكري وبالمزيد من قتل المدنيين والمقاومين في حرب تجهل الاغلبية الساحقة من شعبه ان ادارته تزج جيشها الاقوى في التاريخ منذ خمس سنوات في حرب ضد شعب يكاد يكون اعزلا بلا دولة ولا جيش بعد ان دمر الغزو الاميركي دولته وجيشه .
واذا كان البنتاغون فقط هو الذي يتحمل المسؤولية "المراقبة" عن نشر الخسائر الاميركية العسكرية في الارواح فان احصاء الخسائر العراقية المدنية في الارواح لا مرجع لها يوثقها سوى مجموعات متنوعة خارجية لها اجنداتها الخاصة ، بالرغم من صفة "التطوع" الغالبة عليها ، والتي يستغلها الغازي الاميركي واجهزة حربه النفسية والاعلامية في "لعبة ارقام" تخدم حربه على الشعب العراقي .
كتب مايكل ذيرين في "اوبن ديموكراسي" في الحادي عشر من كانون الثاني / يناير الماضي: "ان لعبة الارقام في العراق قد لا تنتهي لكن ما تنطوي عليه من حقيقة انسانية راسخة تظل تتحدث عن نفسها ، بصفة مستقلة ، وبعيدا عن الجدل العلمي: ان ارواحا كثيرة تزهق في العراق دون سبب . وبحلول عام 2009 ، ربما يشير الرئيس الاميركي المنتخب الخامس والخمسين الى تلك الحقيقة الانسانية – ربما بمساعدة بعض الارقام عن الوفيات – ليستنتج بان غزو العراق لم يكن تلك الفكرة العظيمة ، وبانه يمكن بناء الدول وتصدير الديموقراطية دون تدخل عسكري" .
ان أي احصاء رسمي "موثوق جدا" عن خسائر العراقيين في الارواح ، وغالبيتهم الساحقة من المدنيين ، لم يتوفر بعد وربما لن يتوفر ابدا لان كثيرا من المسوح والدراسات والاحصاءات لم يتسن لها "لاسباب امنية" تغطية العراق كافة ولان وفيات كثيرة لا يبلغ عنها خشية "المضاعفات الامنية" او لان الوقت لا يتسنى للابلاغ عنها لان الثقافة العربية الاسلامية ترى اكرام الميت في سرعة دفنه . غير ان حصيلة جريمة الحرب ضد الانسانية التي تواصل الادارة الاميركية عبرها الولوغ في دماء العراقيين دون رادع هي حصيلة هائلة ومرعبة بكل المقاييس ، و"ضخمة" كما قال الخبيران في الاحصاء بجامعتي ييل وهارفارد كاثرين وجون برانشتاين للاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الماضي .
واللغو الذي تردده ادارة بوش والبنتاغون والببغاوات التي تقلدهما في بغداد عن الحرب على "الارهاب والقاعدة" لم ولن ينجح في حجب هول وضخامة الحقيقة الدموية الحمراء التي تحصد ارواح العراقيين في طول الوطن وعرضه: فكل الضحايا عراقيون سواء نسبوا للقاعدة ام للبعث او لجيش المهدي او لجند السماء او للعرب او الاكراد او التركمان او للشيعة او للسنة او للمسيحيين ، وكل القتلة اميركيون يقتلون تحت العلم الاميركي او قتلة يستظلون به لكن تحت اعلام طائفية وحزبية وعرقية خاطها الاميركي لهم بعد ان صنع من قتلتهم امعات سياسية كان يامل ، دون ان ينجح حتى الان ، في ان تحجب صغائرهم السياسية الوجه الاميركي القاتل في العراق . ويلفت النظر هنا توقف الغازي الاميركي عن تكرار بث اسطوانته المشروخة عن "المقاتلين والارهابيين الاجانب" القادمين من الخارج .
ان استعراض بعض الارقام التي اوردتها مصادر غير الاحصاء "العراقي" – الاممي الاخير ، الذي لم يستطع التعتيم على تفوقها عليه في المصداقية ، ليس الهدف منه ، كما قال ريتشارد برينان من لجنة الانقاذ الدولية في نيويورك: "اعطاء رقم مطلق دقيق للوفيات" بل الهدف هو "اعطاء احساس بحجم" جريمة الحرب الجارية منذ خمس سنوات بينما وسائل الاعلام العربية بخاصة متورطة في تسليط الاضواء على "العملية السياسية" الدائرة في "المنطقة الخضراء" المحاصرة ببحر الدماء العراقية خارجها .
فعلى سبيل المثال يجدر التذكير هنا ، للمقارنة في الاقل ، بالدراسة التي اجرتها جامعة جون هوبكنز الاميركية في بلتيمور وجامعة المستنصرية في بغداد ونشرتها مجلة "لانسيت جورنال" عام 2006 وقدرت عدد الضحايا العراقيين باكثر من (655) الفا .
وفي السابع من الشهر الجاري استغرب الاستاذ الزميل بجامعة كولومبيا الدكتور ليس روبرتس ، الذي كان كبير الباحثين الذين اشرفوا على تلك الدراسة ، استغرب ان دراسته "لم تحظ باي تغطية تقريبا" في الولايات المتحدة . وفي اليوم نفسه علق مارك لونغ ، مدير دراسات الشرق الاوسط في الجامعة ذاتها ، على نتائجها بالقول انها "تمثل ازمة للسياسة الخارجية الاميركية ... وازمة انسانية ذات ابعاد ضخمة في بلد يتراوح سكانه بين 25 و26 مليون نسمة . وهي تمثل ايضا ازمة اخلاقية فيما يتعلق بمبادئ الحرب العادلة" ، فكم بالحري بحرب ظالمة سقطت كل المسوغات التي ساقتها الادارة الاميركية لتصويرها لشعبها كحرب عادلة .
ومن المثير للفضول التساؤل عما كان سيكون تعليق مارك لونغ على الدراسة التي نشرتها الهيئة البريطانية "اوبنيون ريسيرتش بزنس – او آر بي" مع شريك عراقي لها هو "المعهد المستقل للادارة ودراسات المجتمع المدني" في 28 الشهر الماضي واكدت فيها تقديراتها السابقة بان اكثر من مليون مدني عراقي قتلوا نتيجة الغزو والاحتلال . وكانت الهيئة في ايلول / سبتمبر 2007 قدرت عدد الوفيات بحوالي (1.2) مليون شهيد ، علما بان هذه الهيئة اسسها الرئيس السابق لعمليات معهد "غالوب" المشهور في المملكة المتحدة وقد اجرت مسوحات ودراسات لصالح حزب المحافظين البريطاني وهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" . ولفت النظر في هذه الدراسة ايضا ان معديها لم يستطيعوا الوصول الى محافظتي كربلاء والانبار "لآسباب امنية" بينما "منعوا" من العمل في اربيل العراقية الكردية .
يوم الجمعة الماضي نقلت السي ان ان في تقرير لها عن العنف ضد المراة العراقية ، اقتبست فيه من منظمة العفو الدولية "امنستي" قلقها من تزايد عمليات خطف واغتصاب وقتل العراقيات ، عن فنانة واستاذة جامعة عراقية قولها انه "الخوف ، الخوف دائما موجود" . وبيئة الخوف والقتل هذه هي كل ما يحرص المحتل الاميركي على ان يظل سائدا لانجاح مشروع احتلاله ولكي يخلق لاكثر من مائة الف مرتزق اميركي وغير اميركي يعملون في "الشركات الامنية" بيئة تزيد الطلب على "التعاقد" معهم .
لكن هذه البيئة اللاانسانية في العراق لا يبدو انها تثير أي ازمات انسانية او سياسية او اخلاقية لدى المحيط العربي والاسلامي وكان جريمة الحرب ضد الانسانية الجارية هناك تجري في المريخ وكانما على عيون هذا المحيط غشاوة تذكرني بوعيد سفير عراقي سابق في دولة عربية: "ويل للعرب ان تمكن العراقيون من فك الحصار عنهم دون مساعدتهم" ، وكان يشير الى الحصار الذي ضرب على العراق عام 1991 . حقا ويل للعرب من عرب العراق ان خرج العراقيون من محنتهم الراهنة بينما اشقاؤهم يتفرجون ، وبعضهم يتعمد حتى الا يتفرج لان حساسيته ضد العنف مفرطة . انها ليست لعبة ارقام على الاطلاق بل انها معركة موت او حياة حول الوجود او عدم الوجود !
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ومن المثير للفضول التساؤل عما كان سيكون تعليق مارك لونغ على الدراسة التي نشرتها الهيئة البريطانية "اوبنيون ريسيرتش بزنس – او آر بي" مع شريك عراقي لها هو "المعهد المستقل للادارة ودراسات المجتمع المدني" في 28 الشهر الماضي واكدت فيها تقديراتها السابقة بان اكثر من مليون مدني عراقي قتلوا نتيجة الغزو والاحتلال . وكانت الهيئة في ايلول / سبتمبر 2007 قدرت عدد الوفيات بحوالي (1.2) مليون شهيد ، علما بان هذه الهيئة اسسها الرئيس السابق لعمليات معهد "غالوب" المشهور في المملكة المتحدة وقد اجرت مسوحات ودراسات لصالح حزب المحافظين البريطاني وهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" . ولفت النظر في هذه الدراسة ايضا ان معديها لم يستطيعوا الوصول الى محافظتي كربلاء والانبار "لآسباب امنية" بينما "منعوا" من العمل في اربيل العراقية الكردية .
يوم الجمعة الماضي نقلت السي ان ان في تقرير لها عن العنف ضد المراة العراقية ، اقتبست فيه من منظمة العفو الدولية "امنستي" قلقها من تزايد عمليات خطف واغتصاب وقتل العراقيات ، عن فنانة واستاذة جامعة عراقية قولها انه "الخوف ، الخوف دائما موجود" . وبيئة الخوف والقتل هذه هي كل ما يحرص المحتل الاميركي على ان يظل سائدا لانجاح مشروع احتلاله ولكي يخلق لاكثر من مائة الف مرتزق اميركي وغير اميركي يعملون في "الشركات الامنية" بيئة تزيد الطلب على "التعاقد" معهم .
لكن هذه البيئة اللاانسانية في العراق لا يبدو انها تثير أي ازمات انسانية او سياسية او اخلاقية لدى المحيط العربي والاسلامي وكان جريمة الحرب ضد الانسانية الجارية هناك تجري في المريخ وكانما على عيون هذا المحيط غشاوة تذكرني بوعيد سفير عراقي سابق في دولة عربية: "ويل للعرب ان تمكن العراقيون من فك الحصار عنهم دون مساعدتهم" ، وكان يشير الى الحصار الذي ضرب على العراق عام 1991 . حقا ويل للعرب من عرب العراق ان خرج العراقيون من محنتهم الراهنة بينما اشقاؤهم يتفرجون ، وبعضهم يتعمد حتى الا يتفرج لان حساسيته ضد العنف مفرطة . انها ليست لعبة ارقام على الاطلاق بل انها معركة موت او حياة حول الوجود او عدم الوجود !
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق