الأربعاء، فبراير 13، 2008

التكفيريون وبطاقات الدخول لجهنم

عطا مناع
بقلم عطا مناع يجب أن نعترف أن ضيق الأفق والتشدد الأيدلوجي ونفي الآخر وإصدار الأحكام الجاهزة ما يميز الحقبة التي نعيشها، وبعيدا عن الانغماس في مستنقع الرذيلة الفكرية التي أصبحت مدرسة لها امتدادها ومؤيدوها الذين اتخذوا من العدمية شعارا لهم مستغليين اللامعرفة والأمية الفكرية التي فعلت فعلها في المجتمعات العربية المثقلة بقرون من الاستعمار والتخلف والتناحر الداخلي والخطاب الديني التكفيري والاضطهاد الاجتماعي ولاقتصادي للشرائح الضعيفة التي شكلت دون أن تدري جمهورا تابعا للخطاب التضليلي لبعض المفكرين واشباة المفكرين اللذين يزورون التاريخ ويتخذوا من أوجاع ومعاناة شعوبهم مرتعا لمصالحهم الفردية بالاختباء وراء الجمل الجاهزة التي تعزز الانقسام والانصراف عن الهموم الوطنية.
لفت نظري مقال نشر على أكثر من موقع الالكتروني لمحمد اسعد بيوض التميمي حمل عنوان"جورج حبش صليبي ماركسي لينيني عدو لله والعروبة والإسلام" تعرض خلاله السيد التميمي للقائد الفلسطيني الدكتور جورج حبش واصفا الحكيم بأنة ألد أعداء العروبة والإسلام كمؤسس لحركة القوميين العرب التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فهي صناعة صهيونية معادية للعرب والفلسطينيين، لدرجة أن السيد التميمي غضب من ما كتب في الحكيم كمفكر عربي قومي له بصماته الواضحة على حالة النهوض والمد القومي التي اجتاحت الشارع العربي بمشاربه الفكرية والدينية المختلفة .
لقد اعتمد التميمي في تهجمه على الحكيم المنهج العدائي التكفيري ألتشكيكي في وطنية رجل عاش زاهدا في حياته منخرطا بهموم شعبة مقتنعا حتى النفس الأخير بان فلسطين للفلسطينيين مهما طال الاحتلال، هذا المنهج الوطني اتخذه الحكيم على مدى سنوات عملة السياسي كقائد فلسطيني وبعد أن تنحى عن قيادة حزبه معتقدا أنة سيقدم نموذجا تربويا للتميمي وغيرة ممن أزعجهم تهج الحكيم الديمقراطي ووضعهم في الزاوية ليقولوا أن رفاق الحكيم تنكروا له وعزلوا كما قال التميمي الذي اثبت أنة يجهل الحكيم كقائد عربي فلسطيني تميز عن غير من اشباة القادة المحتكرين للكرسي والفكرة والذين لا يرون أكثر من أرنبة أنوفهم، فما أصعب أن تناقش حياة قادة هذا الشعب بهذا الشكل من التسطيح ليذهب التميمي ومن أصيب بعمى البصيرة ليقول للحكيم أنت أصبت بالشلل قبل عشون عاما فماذا فعلت وطالتك يد الموت فإلى جهنم وبئس المصير.
بصرف النظر عن الهرطقة الفكرية والفكر ألظلامي الذي تنادي بة المدرسة التي ينتمي لها التميمي والبعيدة كل البعد عن قضايا الشعوب العربية المعقدة، تلك القضايا التي يبسطونها في فتوى بالتكفير أو التصفية الجسدية لكل من يعارضهم، فوصفة الإلحاد كانت من نصيب نخبة المفكرين العرب من أمثال عميد الأدب العربي طه حسين الذي ألصقت بة تهمة الإلحاد حينما قال احد نواب حزب الوفد أن كتابة "في الشعر الجاهلي" "مملوء بالأخطاء والزندقة والكفر ويشوه الإسلام"، وطه حسين الملحد الوحيد في نظر التكفيريين الذي ينتمي إليهم السيد التميمي، لقد كفر بعض الفقهاء قاسم أمين عندما اصدر كتاب تحرير المرأة عام 1899 وكتاب المرأة الجديدة عام 1900 وكفر طاهر الحداد لكتابة امرأتنا في الشريعة والمجتمع وفي عام 1925 سحبوا الشهادة الأزهرية من الشيخ علي عبد الرازق لتاليفة كتاب الإسلام وأصول الحكم، ووصفوا الحبيب أبو رقيبة بالإلحاد عندما اصدر مجلة الأحوال الشخصية في التونسية عام 1956 .الحكيم لن يكون آخر ضحايا الفكر الانعزالي ألترهيبي التكفيري، لقد كفروا محمد احمد خلف اللة عندما تقدم بأطروحة
موضوعها "الفن القصصي في القران" عام 1949 ووصفوا بالإلحاد الشيخ أمين الخولي الذي اشرف على أطروحة الشيخ خلف اللة، وللشعراء كان نصيب كبير من أحكام التكفيريين فقد كفر الشاعر التونسي أبو القاسم ألشابي لقولة... إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وكفروا الشاعر جميل صدقي الزهاوي لقولة "لما جهلت من الطبيعة أمرها... وأقمت نفسك في مقام معدل... أثبت ربا تبتغي حلا بة...للمشكلات فكان اكبر مشكل.
لقد تعاظم دور الفكر التكفيري بحضور الجماعات الدينية المتطرفة التي حملت على عاتقها النهوض بمهام شكلت انعطافة خطيرة وصلت الى حد القذارة ففي عام 1977 اغتالت جماعة التكفير والهجرة الشيخ محمد حسين الذهبي العالم الأزهري الموالي للسلطة ، وفي عام 1992 اغتيل المفكر العلماني فرج فوده على أيدي الجماعة الإسلامية في القاهرة ، وكان فوده قد دعا إلى علمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة وله مؤلفات منها زواج المتعة وحوارات حول الشريعة والحقيقة الغائبة، ولا زالت محاولة اغتيال الأديب المصري الكبير الحائزة على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ حاضرة في أذهان الملايين من أبناء الأمة العربية.
إذن نحن بصدد مدرسة تكفيرية تعبر عن أيدلوجية قمعية تستهدف الآخر بالأحكام الجاهزة الغير قابلة للنقاش، مدرسة لها امتداداتها التاريخية المتأصلة في المجتمع العربي والغير قابلة للتأقلم مع مستجدات العصر التي شرعت التنوع الفكري في المجتمعات الحديثة، نحن أمام ظاهرة تناقض الثقافة والقيم التي نشأت عليها الديانات المختلفة التي نبذت النهج التكفيري وتخلت عنة مثل البوذية والهندوسية اللتان لم تعرفا التكفير إلا في فترات نادرة، وهذا ينسحب على الديانتين المسيحية واليهودية، وبذلك تخلت المجتمعات والأديان عن التكفير على اعتبار أنة دعوة مباشرة للقتل ضمن سياسة التصنيف التي تصدر عن بعض المفكرين الذين ينتهكون مجتمعاتنا المنتهكة أصلا والغير جاهزة لمثل هذه الأفكار الغريبة عن قيمنا وانسجامنا الاجتماعي.
وعودة إلى السيد التميمي الذي وجد ضالته في شخص الدكتور جورج حبش ليصفه بالصليبي في إشارة إلى القذف متناسيا أن المسيحيين الفلسطينيين كان ولا زال لهم الباع الطويل في الحفاظ على هويتنا الوطنية كشعب فلسطيني، لهم ما لنا وعليهم ما علينا كمسلمين ، نواجه نحن وإياهم الحصار والحواجز وصواريخ الاحتلال ، ونقبع سوية في السجون متسلحين بوحدتنا الاجتماعية والوطنية التي حاول الاحتلال كسرها على مدى عقود دون فائدة، ليخرج علينا السيد التميمي ليلعب دورا لا يتناسب مع واقعنا وليحاول إقناعنا بأننا مجرد غوغاء في محاولة لشطب حقبة ذهبية من تاريخنا ويمس بقائد وطني مشهود له فلسطينيا وعربيا وعالميا ، غير مدرك إن السكوت في مثل حالته من ذهب على اعتبار أنة انسجم مع الإعلام ألاحتلالي الذي عنون خبر رحيل الحكيم قائلا..
توفي في العاصمة الأردنية جورج حبش الماركسي اللينيني المسيحي الإرهابي، وأنا أحاول أن أجد الاختلاف بين ما قالوه وما قلته يا سيدي ، أنت كفرته ووصفته بأبشع الأوصاف وهم يعدون العدة لمحاكمة من أبنوة في مدينة التي أحبها مدينة اللد، لقد سبحت ضد التيار الجماهيري من شرق العالم إلى غربة حيث كان الحكيم في كل تجمع فلسطيني وعربي ، فبرحيله استحضرنا كرامتنا ووحدتنا عبر المئات من الأقلام التي عبر عن كافة أطياف العمل السياسي والفكري في سيمفونية وطنية متناغمة لم يعكر صفوها سوى ما صدر عنك من نشاز..

ليست هناك تعليقات: