الاثنين، فبراير 04، 2008

من أهم نتائج حرب تموز

سعيد علم الدين
الحديث عن حرب تموز وتداعياتها الخطيرة على لبنان المرهق من جراء الحروب، فيه الكثير من الألم والحزن والأسى والشجون، ويحمل في طياته لكل لبناني محب لوطنه وعربي مخلص لأمته مرارةً في الحلق.
ولكن تقييم نتائجها بحيادية وتجرد وعقلانية وصدق، سيزعج بالتأكيد أصحاب الانتصارات الإلهية وأنصارهم الخوارج في الداخل والخارج، الخارجين عن مشاعر الحس الوطني والعربي والإنساني السليم، وقواعد المنطق.
فهؤلاء وبعكس العدو الإسرائيلي الذي يسعى جاهداً للمكاشفة والمحاسبة ويرفض تجميل الوقائع ولفلفة الحقائق، يريدون فقط تضخيم البطولات العنترية بالهالات الغيبية وتمجيدها انتفاخاً بالانتصارات الوهمية دون النظر إلى نتائجها المدمرة العبثية. فهم ولعقدة نقص في الشخصية وربما تاريخية، بحاجة ماسة لسماع كلمات المدح وآيات الثناء التي تطرب لها آذانهم ويشعرون بعدها بالسعادة والارتواء، ومنتهى الغبطة والسرور على حساب شعب لبنان المقهور.
فهؤلاء يريدون فقط لمن يعمل على إظهار الحقيقة وينتقد أخطائهم واضعا النقاط على الحروف، السكوت، وإذا قال وجهة نظره بما يراه الحق، فهو في نظرهم: الخائن والعميل والمنهزم الانبطاحي فاقد الشرف العكروت.
فهم لا يريدون رؤية الأخطاء، ويرفضون المحاسبة وما تسببت بها أيديهم الملوثة بدماء الأبرياء من بلاء.
ويفسرون النتائج الكارثية: انفعالا عاطفيا مزاجيا حسب الأهواء!
ليس هذا فحسب، بل ويريد جماعة أبو ذقون أن يفرضوا على الشعب اللبناني المطعون بغدرهم وممارساتهم الخبيثة وما يفعلون، أن يعترف لهم بصمت وسكون، بنصرهم الاستراتيجي الإلهي الخارق الحارق على بني صهيون.
ومن هنا وقبل أن تنهالَ علينا اتهاماتُ المتورطينَ، وصراخُ الفاجرين، وسخافاتُ الغوغائيين، وسباب الفاشلين من مشايخ ونواب" كتلة الوفاء لسوريا وإيران وتجارتهم الكاسدة بقضية شعب فلسطين، وتلفيقات "المنار"، وأكاذيب "الأخبار"، وفبركات جريدة "الوطن" السورية وبذاءات أختها "تشرين"، بالعمالة والأمركة والتخوين، نقول لهؤلاء: المنافقين الوقحين، الساقطين، المنقلبين على الشراكة الوطنية والشرعية الدستورية والنظام الديمقراطي، المتاجرين بمصير لبنان وشعبه الوفي الأمين، المشاغبين اليوم ضد جيشنا القوي الأبي المتماسك المتين، الغارقين بالاغتيالات والفساد، ومستنقعات الوحل الآسن والطين، وبراز عاصمة ثقافة القمع والاعتقالات، دمشق البشارية، لأحرار سوريا المثقفين. نقول وبصوت مرتفع عال يطن في آذانهم جميعا ويصم لهم الطبلتين، بأن:
كلمة الحق الساطع هي كالسيف القاطع على رقاب القتلة والمجرمين!
سنقولها مجردةً من غمدها كالسيف المرفوع في وجه آلهة الباطل. ولن نهدأ ولن نستكين حتى يستيقظ المغفلون من غفوتهم، وتنكشف الغشاوة عن بصيرة المغرر بهم من الطيبين، وتنتصرُ الحقيقة على الأفاكين، وينتفضُ الشعب المظلوم العنيد على القتلة واللصوص والجلادين.
وإذا كان لأهل الإفكِ والبهتان واللف والدوران والدجل والتضليل جولة، فإن للحقيقة ألف صولة وجولة!
ومن هذا المنطلق فبعيدا عن تحقيق لجنة فينوغراد المستقلة وإخفاقات إسرائيل الخطيرة الشكلية في الشكل أكثر منها في المضمون، والتي لم تكن حربا مصيرية في لحظة ما بالنسبة لها، بينما من الجانب الآخر مصير لبنان يرقص على كفوف العفاريت بسبب انتصارات الحزب اللاهي المزعومة الاستراتيجية العالمية الإلهية التوقيت، والتي جلبت لشعب لبنان البؤس والتعتير والدمار، ولحسن نصر الله بالذات الصداع الدائم والانحسار، بسبب الظلام الدامس والاختفاء نهائياً عن الأنظار، الذي غطى على رؤيته فضاعت بوصلته خلف البحار، وتشتت عنده القيم والأفكار. ويعود هنا الشكر لطلاته بين الحين والآخر في المهرجانات ونشرات الأخبار فقط لمهندسي شاشة "المنار".
وجلبت له أيضا وباعترافه الصريح الحسرة وأكل الأصابع والندم بقوله العتيد لشبكة "تلفزيون الجديد" الأحد 27-8-2006 " لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا".
وبعيدا عن مئات القتلى والجرحى من الجانب الإسرائيلي يقابلهم آلاف الشهداء والجرحى من الجانب اللبناني.
وبعيداً عن أن الحرب انتهت بالنسبة لإسرائيل وعادت الحياة الطبيعية إلى دورتها العادية مُبْعِدَةً عدوها اللدود عشرات الكيلومترات عن حدودها، وبوجهِهِ عازلٌ من 30 ألف جندي لبناني وينوفيلي يحافظون على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة، بينما الجانب اللبناني لم يتخلص بعد من آثارها وجرائر مآسيها، وما زالت حتى اليوم العديد من المصانع محترقة، والجسور مدمرة، والشوارع مقطوعة، والقرى مهجورة والقنابل العنقودية تحصد الأبرياء بين فترة وأخرى.
وبعيدا عن خسارة الحزب اللاهي لجبهة الجنوب واحتلاله عوضاً عنها لوسط بيروت. ولهذا صار بدل أن يستفز العدو الإسرائيلي ويعتدي عليه، يستفز اللبنانيين جميعا ويعتدي على أهالي الطريق الجديدة والبسطة وعين الرمانة، وصار بدل أن يحرر مزارع شبعا من العدو يريد تحرير السراي الحكومي من الحكومة الشرعية الدستورية الحرة، وصار بدل أن يهدد ويتوعد إسرائيل يهدد ويتوعد أبناء الوطن وجيشه المقدام وأحراره الشرفاء.
وبعيدا عن الخسائر الطفيفة التي منيت بها إسرائيل، فلبنان تم تدمير بنيته التحتية والفوقية ومئات الجسور وعشرات المصانع الانتاجية الضخمة.
وبعيدا عن الحرية المطلقة والسيطرة الكاملة التي كانت تتمتع بها إسرائيل في عملياتها العسكرية براً وبحراً وجواً، بينما لبنان تعرض خلال الحرب وبعده لحصار خانق براً وبحراً وجواً، واستمر شهرا بعد وقف اطلاق النار، ولم ترفعه إسرائيل إلا بعد أن قَبَّلَ العالم يديها.
بعيدا عن كل ذلك!
فإن من أهم نتائج حرب تموز التي لم يتطرق إليها الكثيرون هي:
- أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد الحرب ظلت متماسكة، وليست متناحرة وعلى كف عفريت كما في لبنان.
- والحكومة ظلت تعمل بانسجام، وليست محاصرة كحكومة لبنان.
- والوسط التجاري في تل أبيب خلية عمل، وليس محتلا بالخيم الفارغة والأفكار التافهة ونباريج نراجيل تنابل المرشد، ومعطلا كما في بيروت.
- ولا اعتدءات على المناطق الآمن وممتلكاتهم في إسرائيل، كما حصل من جماعة الحزب اللاهي وأقليته الباغية المسلحة وغوغائه في لبنان، من تحريض على الآمنين، وحرق دواليب وقطع طرق وسقوط شهداء وتورط حتى باغتيالات ووضع متفجرات وسقوط أبرياء، ومحاولة هدم النظام الديمقراطي العام بالكامل، لولا سهر الجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي على البلاد.
- ولم تتعرض المعارضة الإسرائيلية لجيشها بسوء، كما يتعرض الجيش اللبناني من أعمال إرهابية إجرامية خبيثة، الذي قدم الأرواح من أجل سيادة الوطن، وأمن المواطنين واستقرارهم.
ما أوردناه من نتائج هو أكبر خدمة استراتيجية للعدو الإسرائيلي وعلى المدى البعيد.
حتى أن تقرير فينوغراد يعترف بأن إسرائيل لم تكن في وارد الحرب على لبنان، بل استدرجت إليها، وتسرعت في خوضها حيث تحدث عن "فشل في اتخاذ القرارات على المستويين السياسي والعسكري".
هذا يؤكد تخبط إسرائيل وعدم استعدادها. وينفي بالتالي قول الحزب اللاهي أن إسرائيل كانت تخطط لحرب على لبنان. فالمعروف عن إسرائيل أنها لا تغامر. وتدرس خطواتها وحروبها وضرباتها بشكل حرفي جدا وناجح. الأمثلة كثيرة جدا من تفكيك الرادار في مصر إلى تحرير الرهائن في أوغندا إلى ضرب المفاعل النووي في العراق وأخيرا في سوريا دون أن تسقط لها طائرة واحدة أو يصاب جندي بأذى.
ولهذا فلو كانت إسرائيل تخطط حقا لحرب لبنان، لما تخبطت في قراراتها سياسيا وعسكريا على هذا الشكل الذي رأيناه خلال الحرب ومن دون الإشارة إليه في التقرير!
ومن هنا فالحزب اللاهي هو المسبب الأول لجر البلد للحروب والنكبات، والدمار والخراب، والتعطيل المستمر للمؤسسات، وفبركة المشاكل التي أدت إلى عدم الاستقرار وهروب رأس المال وتراجع الاستثمار واستفحال ضائقة الدولة الاقتصادية والشعبية المعيشية، دون أن يرف جفن لهذه الأقلية الخشبية الخالية من الشعور الوطني والعربي والإنساني.
للتذكير الحزب اللاهي قبل الحرب هو من كان يسرح ويمرح، ويتعنتر ويتغندر، ويتجبر ويتكبر، بسلاحه وصواريخه وغرور عمامات مشايخه في الجنوب، رافضا رفضا قاطعاً دخول جيش الوطن الى الجنوب والتمركز على الحدود، للدفاع عن لبنان، معتبرا ذلك مطلبا إسرائيلياً. وخلال الحرب وافق على النقاط السبع التي فرضتها حكومه المقاومة السياسية بقيادة الأستاذ فؤاد السنيورة على كل الأجندات الإسرائيلية والأمريكية وأدت إلى وقف إطلاق النار بالقرار 1701 ، وبأفضل الشروط الاستراتيجة لمستقبل لبنان وشعبه. تأكيداً على ما نقول فإن لجنة فينوغراد اعتبرت أن القرار 1701 "إنجاز خطير لدولة إسرائيل"!على أشياخ ونواب الحزب اللاهي أن يخرسوا خجلا أمام حكومة السنيورة الحرة، ورئيسها المقاوم الأول، ويستحوا وجلا من غضبة شعب لبنان المرهق المنهك لما عانه ويعانيه من مآسي وتكبده ويتكبده من خسائر بسبب عمالتهم لإيران وسوريا!

ليست هناك تعليقات: