الخميس، فبراير 14، 2008

غزة بين لعنة "فينوغراد" وصمود "ستالينغراد"

د.عدنان بكريه
بات من الواضح بان ساعة الصفر قد اقتربت لاجتياح قطاع غزة وتقطيع أوصاله بغية القضاء على المقاومة الفلسطينية هناك والتي جاءت كردة فعل على الحصار المفروض على شعبنا في القطاع.. إسرائيل لم تخرج لهذه المغامرة إلا بعد أن أخذت موافقة الولايات المتحدة اثر زيارة بوش للمنطقة وهيأت لها دبلوماسيا وزيارة اولمرت لألمانيا تصب باتجاه كسب تأييد الرأي العام العالمي لعدوانها القادم .
إن اجتياح القطاع سيكلف إسرائيل الكثير وستدفع ثمنا باهظا مقابل مقامرتها هذه في ظل تصاعد قوة وقدرة المقاومة الفلسطينية..وهذا ما صرح به داني ياتوم نائب وزير الأمن في حكومة اولمرت وحذر منه "إن احتلال غزة مجددا هو عملية مؤلمة ومكلفة تستدعي تغطية دولية " ودعا لرؤيتها خيارا آخرا ينبغي التفكير في كيفية الخروج منه "
إن حملة كهذه ستعني أيضا مجزرة دموية كبيرة ضد شعبنا الفلسطيني يتوجب على إسرائيل التهيؤ لها دبلوماسيا وضمان الصمت العالمي إزاء ما سيجري هناك... لقد جرب الاحتلال كل الوسائل الممكنة وكل الأسلحة الفتاكة وفشل... جرب إخضاع شعبنا وتركيعه من خلال فرض حصار تجويعي لم يشهد التاريخ مثيلا له.. وهنا يكمن اللغز أي إن أي عملية عسكرية سيكون مصيرها الفشل ولن تستطيع آلية الحرب الإسرائيلية بالقضاء على جذوة المقاومة المتوقدة.
إن حسابات وزير الأمن باراك واو لمرت تأتي كحسابات سياسية حزبية انتخابية ضيقة.. فاولمرت الذي أصبح مصيره السياسي على كف عفريت بعد أن بدأت تلاحقه (لعنة فينوغراد) والتي حملته المسؤولية عن الفشل في حرب لبنان يجهد في سبيل حصد مكسب عسكري بسيط وعلى حساب الشعب الفلسطيني لإخراج نفسه من مأزق فينوغراد ولرفع أسهمه في الساحة السياسية الإسرائيلية وهكذا براك الذي سيستثمر أي انتصار في غزة لتعزيز قوته أمام اولمرت ... ومهما يكن إلا أنني أرى الفشل يظلل جنرالات الحرب لان غزة ستصمد وتتصدى للغزاة.. إذ أن المسألة أصبحت مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يفضل الموت على البقاء رهينة في قفص الحصار الإسرائيلي... فهل ستكون غزة (ستالينغراد) العرب التي ستضع فاصلا للتاريخ ؟؟
*******
قادة الدولة العبرية بدؤوا يتهيئون للاجتياح وربما لحرب شاملة والأجواء السياسية التي تشهدها إسرائيل من تجهيزات على مستوى الدفاع المدني وتوزيع نشرات على المواطنين لإرشادهم وتهيئتهم للحرب القادمة يقطع الشك باليقين بان إسرائيل عازمة على خوض مقامرة مجنونة وهذا ما صرح به أكثر من مسئول إسرائيلي
تساحي هنغبي الليكودي أعلن " ينبغي الإطاحة بنظام حماس والقضاء على قوتها العسكرية وتصفية جميع قادتها فلقد ظهر في الآونة الأخيرة على حدودنا الجنوبية كيان إرهابي متعصب وقوة متقدمة لإيران تملك التصميم والتدريب هدفها استنزافنا " إننا نقرأ من هذا التصريح أن الهدف ابعد من الاكتفاء باجتياح القطاع ليطول إيران وربما سوريا ... قلنا سابقا إن زيارة بوش للمنطقة تندرج في هذا السياق حيث أعلن حينها( باراك) بان إسرائيل تضع كل قدراتها وجاهزيتها العسكرية تحت تصرف الولايات المتحدة في حال توجيه ضربة لإيران أو سوريا .. فهل ستكون الحرب على غزة عملية جس نبض لإيران ولسوريا.. وهل سيكون الاجتياح بداية لحرب إقليمية جديدة ؟ وهل سيكون لحزب الله دور في هذه الحرب .
يبدو إن تصريحات القادة الإسرائيليين تصب باتجاه اجتياح واسع النطاق لقطاع غزة فوزير الأمن ايهود باراك صرح أمس الاثنين بأنه أعطى الأوامر للجيش بالاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة ودراسة عواقبها .. من هنا فان ما هو مطلوب من قادة شعبنا وبغض النظر عن انتماءاتهم الفصائلية الاستعداد للمرحلة الحرجة القادمة وتناسي الخلافات الداخلية ... المطلوب تفعيل الطاقات الدبلوماسية وإثارة الرأي العام العالمي والعربي وشحذ آليات المقاومة للتصدي لأي عدوان محتمل على القطاع .
******
بات واضحا بأن حكومة إسرائيل بدأت حملتها العسكرية ضد قطاع غزة ومما يسهل تنفيذ هذه الحملة الانقسام الفلسطيني الحاصل وما يرافقه من حملات إعلامية متبادلة بين حركتي فتح وحماس وفي هذه الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا.. ولا أعتقد بأن أحدا ينكر بأن ضعف الموقف الفلسطيني نابع من عدم مقدرة الأطراف الفلسطينية على لملمة جراحها والتوحد في حلف متراص ومتماسك على خطوط المواجهة مع أشرس عدو عرفه التاريخ ! وإذا كان الشارع الإسرائيلي بيمينه ويساره قد توحد حول ضرب الحقوق الوطنية الفلسطينية وأجمع على اجتياح غزة وضرب شعبنا هناك... فحري بالشارع الفلسطيني أن يتوحد الآن وبسرعة حول الدفاع عن قضاياه الوطنية وحقوقه المستهدفة ..
نحن لا ننكر بأن هناك خلاف عميق بين أطراف الصراع الرئيسية في الشارع الفلسطيني وفي نفس الوقت نجزم بأن حالة الانقسام من شأنها أن تعمق هذا الخلاف وتجعل إمكانية التصدي للعدوان القادم صعبة
لذا فإن ما هو مطلوب الآن القفز عن الصراع العقائدي والفكري إن كان موجودا بالأصل وشحذ كل الطاقات وصبها باتجاه فك الحصار المفروض على شعبنا في القطاع ومنع أي عدوان إسرائيلي محتمل.. لأن من سيدفع ثمن هذا العدوان هو شعبنا بأطفاله ونسائه وشيوخه وبغض النظر عن انتماءاته العقائدية .. فقنابل الجندي الإسرائيلي لن تدقق في الهوية الفصائلية لأي كان !
إن شعبنا والذي دفع مئات آلاف الشهداء على مذبح التضحية الوطنية لا يمكنه القبول بأن يبقى الانقسام الفلسطيني هو المسيطر على مسيرة شعبنا ولا يمكنه القبول بأن يدفع المزيد من أبنائه على مذبح الخلافات الفصائلية الدائرة .
******
إن رهاننا على المجتمع الدولي وانابوليس والمفاوضات الوهمية هو رهان خاسر وثبت ذالك أيام قلائل بعد انفضاض لقاء انابوليس ... ثبت بان إسرائيل لا تنحو تجاه السلام بل إن هدفها يبقى حصد مكاسب سياسية ودبلوماسية واقتصادية من العالم العربي مقابل الاستمرار بعمليات القتل والحصار ضد شعبنا في غزة وكلما حاول العالم العربي التقدم بمبادرة سلمية ( الأرض مقابل السلام ) تحاول إسرائيل وضع الألغام على طريق هذه المبادرات ونسفها لأنها تريد سلاما مقابل تطبيع دون إن تقدم أي تنازلات للطرف الآخر .
إن التهديد الإسرائيلي باجتياح قطاع غزة هو تهرب واضح من نتائج لقاء انابوليس وتعهداتها الوهمية بتحريك العملية السلمية !! هو تنكر لكل القوانين والأعراف الدولية ... فهل سيشكل الاجتياح نقطة تحول في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعربي الإسرائيلي ؟؟ فانتصار المقاومة الفلسطينية سيشكل منعطفا حادا في مجمل العلاقات الدولية ويضع حدا نهائيا للغطرسة الإسرائيلية... فهل ستكون غزة (ستالينغراد ) العرب ؟؟
د.عدنان بكريه / باحث ومحلل سياسي
dr.adnanb@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: