الياس بجاني
الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية
اليوم ونحن نستعرض حياة وصفات وعطاءات وطهارة أبينا القديس مارون ونحتفل بذكراه السنوية، لا بد أن نسأل، هل يعقل أن يصل حال التخلي والضلال عند بعض القيادات المارونية إلى حد التهجم السافر والوقح على صرح بكركي، وعلى سيده الجليل "واستفراغ" التهم الباطلة بحقه دون خجل أو وجل، خدمة لمشروع فُرس ولاية الفقيه، وأطماع بعث القرداحة، وإجرام وكفر وهرطقات ربع الأصوليين؟
أيُعقل أن يكون هؤلاء الأقزام فكراً وإيماناً وممارسة فعلاً من أتباع كنسية القديس مارون؟ إنه بالفعل زمن المحل كما نقول في جبالنا اللبنانية الأبية: "زمن بتنط فيه العنزة على الفحل". كما أنه زمن أغبر هذا الذي وصلنا إليه، ويصح بهؤلاء القادة الصغار النفوس ما وجهه الرب بلسان النبي إشعيا بقوله لشعبه: "هذا الشعب يكرّمني بشفتيه، أما قلبه فبعيد عني كثيراً، فباطلاً يعبدونني، وهم يعلمّون تعاليم البشر".
إن طرق تعاملنا كموارنة مع هؤلاء الضالين والإسخريوتيين من القادة والسياسيين الموارنة لا بد وأن نستعيرها من روح وأُطر (رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل قورنتس 5-11 إلى 13) التي تقول: "كتبت إليكم ألاَّ تخالطوا من يُدْعى أخِّاً (مسيحياً) وهو زانٍ، جَشِع،ٌ عابدُ أوثان، شَتَّامٌ، سِكِّرٌ، أو سراق. فمثلُ هذا الرجلِ لا تُواكِلوه. فَما بالي أَدينُ الَّذينَ في خارجِ الكنيسة؟ أَما عليّكُم أَنتُم أّن، تَدينوا الَّذينَ في داخِلِها؟ أّما الَّذين في خارجها فاللهُ هو الذي يَدينُهم. "أّزيلوا الفاسد من بينكم".
في هذه الأيام الشديدة الوطأة ما أحوجنا نحن الموارنة إلى الوعي الإيماني والوحدة والتضامن،
وما أحوجنا إلى عزل الفاسدين من قادتنا وكشف عوراتهم،
وما أحوجنا إلى نبذ الأحقاد والابتعاد عن الأنانية والأنا،
وما أحوجنا أن نأخذ من أبينا القديس مارون الأمثولة، وهي ألا يعيش كل منا لنفسه، بل أن يفكّر في غيره من الناس ويبادر إلى مساعدتهم،
وكم حولنا من لبنانيين نكبتهم الأيام، فلم يقووا على مواجهة النكبة، وهم في اشد الحاجة إلى من يمد لهم يد العون لينهضوا من كبوتهم.
علينا إدراك حقيقة مهمة، وهي أنه يستحيل على الوطن، أي وطن أن يقوم، إن لم يضافر أبناؤه جهودهم لينهضوه. وقد آن الأوان ليقلع كل ماروني وكل لبناني عن أنانيته والتفكير في مصلحته الخاصة الضيقة من مواقع ومراكز وكراسي ونفوذ، اعتقاداً منه انه ينجو بنفسه منفرداً. والواقع الذي لا سبيل إلى إنكاره، هو أننا كلبنانيين نبحر في مركب واحد مثقوب، فإذا غرق غرقنا معاً، وإذا نجونا نجونا معاً.
نحتفل اليوم في لبنان وبلاد الانتشار بالذكرى السنوية لمؤسس كنيستنا وشفيعنا القديس مارون. إنها مناسبة عطرة وفرحة وهي عصارة ونتاج واستمرارية 1600 سنة من النضال والإيمان والصبر والعطاء من تاريخ أمتنا وشعبنا وكنيستنا المشرقية السريانية.
نرفع الصلاة خاشعين طالبين تقوية إيمان وصبر وعزيمة أفراد شعبنا ورعاتنا، والمديد من السنين لغبطة أبينا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير سيد بكركي التي أعطي لها مجد لبنان، ونسأل المصلوب بشفاعة أمه سيدة لبنان أن يقي وطن الأرز وأهله شر الحروب والصراعات والاضطرابات وأن يبقيه وطناً لرسالة المحبة والتسامح والتعايش المساواة والإخاء.
أبونا مار مارون هذا الناسك الذي عاش في القرن الرابع في جبال قورش شمال إنطاكية ما زال حيّا في قلوبنا وعقولنا والوجدان نحن أبنائه الموارنة، واليوم نحتفل بذكراه ليس فقط في لبنان، حيث مركزنا الديني والوطني، بل في كل أنحاء العالم حيث تقيم جالياتنا وتنتشر.
من الضرورة أن لا ننسى تحت أي ظرف أن حياة أبيا القديس مارون كانت حياة تقشف وتعبد وإيمان وعطاء، فكان يكتفي باليسير مما يحتاج إليه الناس في دنياهم من قليل الطعام والشراب واللباس، ولهذا سلك طرق التقوى والإيمان والجهاد وقد حرم نفسه ما كانت تشتهيه، وهذه هي الطرق الوعرة التي سار عليها الأبرار والقديسون كافة. كان محور حياته مركزا على الصلاة والتعبد والتأمل والإماتة. لذلك اعتزل الدنيا وأقام تحت خمية من شعر تقيه حر الصيف وبرد الشتاء.
كان الناس يأتون إليه ليسألوه صلاته وبركته، فيصرف أفكارهم عنه ليوجهها إلى الله مصدر كل خير وينبوع كل صلاح، وهذا هو نمط الأبرار فلا يجتذبون الناس إليهم ليطروا صفاتهم الحسنة، ويمتدحوا أعمالهم الباهرة، بل ليحملوهم على الإقبال على الله.
لقد قاوم وتحدى القديس مارون مغريات العالم وأباطيله فشاع صيت قداسته، وقد طبعت روحانيته وشهادته كنيستنا المارونية التي حملت اسمه ونبتت مثل السنبلة من حبة القمح. إنها كنيسة أمة وقضية ورسالة، وقد احتضنت شعبها المؤمن منذ 1600 سنة وشهدت ولا تزال لروحانية أبيها في الوحدة والشركة على تقليد إنطاكيا، وهي كانت ولا تزال وسوف تبقى، منفتحة على الشعوب والحوار، ومتمسكة بتراثها السرياني المشرقي العريق، وبهويتها المميزة.
نسأل الرب أن يمنحنا جميعاً قدرة تفهم تعاليم أبونا مارون، والثبات في الإيمان لنعمل بوحيها، فنرص الصفوف، ونوحد الكلمة ونعمل بتجرد على إعادة وطن الأرز إلى سابق عهده في البحبوحة والازدهار في ظل سلام دائم وعادل وشامل.
نسأل الرب بشفاعة أبينا مارون أن يقوي إيمان وإدراك رعاتنا وقادتنا وأفراد شعبنا ويمدهم بنعمتي الإيمان والرجاء حتى لا ترهبهم ضغوط أو شدائد، وحتى ولا تضعف ثقتهم بنفسهم وبعقيدتهم فيغريهم موقع أو ثروة.
ونخص في صلاتنا اليوم من أجل التوبة والرجوع إلى حظائر الحقيقة والحق قيادات مارونية سياسية ذاقت على مدار سنوات طويلة مرارة العزلة والنفي والإهانة، إلا أنها لم تتعظ يوم تحرر الوطن بفضل قرابين أبناء أمتها وتضحياتهم، فعادت إلى ممارسة المسؤوليات بطروادية ونرجسية مركزة وجهتها على الكراسي والنفوذ، هذه القيادات التي منحها الموارنة ثقتهم فنقضت كل العهود والوعود.
لهؤلاء نصلي لعلهم يرتدون إلى الطريق القويم، وإلا فحسابهم يوم الحساب الذي لا بد آت حيث البكاء وصريف الأسنان
نهنىء أهلنا الموارنة وعموم اللبنانيين بهذا العيد، ونصلي معهم للمصلوب لينعم علينا وعليهم بنعم الاقتداء بفضائل صاحب العيد وبكل ما اتصف به من خشية لله وتجرد عن أباطيل الدنيا ومحبة للناس.
وكل عيد وانتم بخير
عنوان الكاتب الألكتروني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق