السبت، فبراير 23، 2008

قرار ايراني أُبلغ للعرب: لبنان لنا كما العراق!

كان رئيس مجلس الشورى الايراني غلام عادل حداد في منتهى الوقاحة والاستعلاء الفارسي المعهودين وهو يتحدث امام مسؤول عربي كبير عن اوضاع لبنان ناصحاً بأن يضغط المسؤول العربي على الاغلبية النيابية في لبنان كي تقدم لحزب الله ما يطالب به في كل المجالات من تنازلات في رئاسة الجمهورية والحكومة والمحكمة الدولية والقرارات الدولية، لأن لا شيء يدفع حزب الله للتراجع، وما لم يستطعه الحزب اليوم سيقدر عليه غداً.
قال حداد بوقاحة لا يحسد عليها بشري: ((ان حزب الله يستطيع احتلال بيروت في ساعتين، ويستطيع احتلال الجنوب والبقاع خلال 48 ساعة ويستطيع ان يحاصر الشمال وجبل لبنان ولا يترك لأهلهما إلا بحراً ممتداً عدة كلمترات فقط استناداً الى جماعة ميشال عون التي تمسك بقدر كبير من الساحل المسيحي)).
ما قاله المسؤول الايراني في دولة عربية مهتمة بالشأن اللبناني، ينفذه حزب الله على الارض اللبنانية وفق منهجية حاسمة بالاستعداد الكامل للسيطرة على بيروت اولاً، وهذا ما بات يعرفه اهلها ويعيشونه فضلاً عن معلومات وصلت الى كبار سياسيي البلد عن خطة لحزب الله لم تعد خافية على أحد.
العملية الافتراضية
وفقاً لهذه المعلومات فإن الحزب المذكور أجرى منذ مدة ما اطلق عليه اسم ((العملية الافتراضية)) لإحتلال بيروت، نفذت في الساعة الثانية والنصف فجراً، وانطلق فيها في ساعة الصفر آلاف المحبذين في حزب الله دون اسلحة، ونفذ كل منهم ضمن مجموعات متفرقة صغيرة قد لا تتجاوز الاثنين وكبيرة قد تصل الى العشرين مهمات تراوح بين احتلال مدخل عمارة في حي شعبي، الى الإمساك بمدخل شارع استراتيجي، واستمرت هذه العمليات عدة ساعات انسحب بعدها عناصر الحزب الايراني من الشوارع، بعد ان اعتبرت قيادتهم انهم أدوا المهمة بنجاح كبير، مذكرة اياهم بما فعلوه في الجنوب منذ عدة اشهر حين نفذوا مناورة افتراضية ايضاً.
ما هي اهداف هذه العملية؟
حددت قيادة الحرس الثوري الايراني في بيروت لجماعاتها في حزب الله هدفين علنيين يعمل عليهما الحزب ميدانياً للوصول الى فرض شروطه السياسية التي تحدث عنها رئيس مجلس الشورى الايراني.
الهدف الاول: هو إخراج الجيش اللبناني من الشارع نهائياً، ومنع دوره في حماية أمن الوطن والمواطنين، وترك الصراع الداخلي يأخذ ((مساره الطبيعي)) أي ان النصر سيكون لمن يملك القوة المسلحة طبعاً، وحزب الله لديه 30 ألف صاروخ حسب قول امينه العام حسن نصرالله بينما ترفض قوى الاستقلال والسيادة والعروبة تسليح أي فرد منها.
الهدف الثاني: هو اخضاع الشارع اللبناني بدءاً من بيروت لمصلحتهم ولقرارهم ولتوجيهاتهم، استناداً الى ان الناس في بيروت يئسوا وأصابهم العجز، ونال منهم الفقر والجوع، وزادت حاجتهم الى الأمن والأمان فيسهل اخضاعها وقيادها.
كان هدفا العملية الافتراضية واضحين للتنفيذ العملي، وقد باشر حزب الله تحقيقهما ميدانياً وفق المنظور التالي:
-1الهجوم على آليات الجيش اللبناني التي تشكل فضلاً عن قيمتها العسكرية الميدانية، هيبة حقيقية للأمن والأمان سواء للناس في الشارع والمحلات والمنازل والمكاتب والمدارس والجامعات.. او لعناصر الجيش نفسه جنوداً او ضباطاً فضلاً عن اصابة الجيش في كرامته الشخصية والمناقبية والوطنية.
ولتبرير الهجوم على آليات الجيش كان لا بد من ايجاد دوافع للحزب المذكور لهذا العمل اللاوطني الذي يخدم في حقيقته اسرائيل ونظام بشار الاسد وحكام طهران.
كانت تجربة الهجوم على الجيش اللبناني في منطقة مار مخايل احد المبررات التي استند اليها حزب الله في الهدف المنشود، خاصة بعد ان نجح الجيش عسكراً وضباطاً وقيادة في منع التطاول عليه واستدراجه لمواجهة شارعية.
وكان حسم الجيش للأمر سريعاً حتى بسقوط قتلى بواسطة عملاء لحزب الله لاستدراج الفتنة، والاساءة الى سمعة الجيش، وتبرير إخراج قائده من الخيار الجماعي لانتخابه رئيساً للجمهورية، ما اسقط في يد الحزب فقرر ان يوسع مشروعه الميداني، بعد ان نجح في اظهار الجيش طرفاً لمواجهته، فانطلق الى (الخطة ب) من العملية الافتراضية وهي سرقة آليات الجيش من مجنـزرات وآليات مصفحة لاستخدامها ضد الجيش اولاً، ثم ضد الناس، والزعم بأن ما حصل هو انتفاضة شعبية ضد ((الظلم)) الذي لحق بالمواطنين نتيجة ((تصدي)) الجيش ((لمطالبهم)) بالتيار الكهربائي..
حتى الآن.. اكتفى الجيش بأن أبعد اكثر من 90% من آلياته المجنـزرة من شوارع بيروت، الى محيط وزارة الدفاع حيث قيادة الجيش في منطقة اليرزة، تاركاً سيارات صغيرة وشاحنات لنقل الجند، حتى لا يستدرج الى مواجهة مرسومة من الحرس الثوري الايراني في لبنان لاهداف لم تعد خافية على احد.
-2عمليات طيارة في شوارع بيروت خاصة حيث كثافة الوجود الاسلامي السني لاستفزازه وتخويفه وارهابه، حتى يشعر بأنه لم يعد لديه ما يحميه، وان المطلوب منه هو الخروج على قيادته التي ترفض تسليحه، ويعجز الجيش عن حمايته، فلا يبقى له الا ان يهاجر او يستسلم او ينـزل الى الشارع ليلقى مصيره من ضرب وقتل بالقنص او بهدر الكرامة.
انه استنـزاف للجيش والناس وللاقتصاد ولأعصاب المواطنين ولإرهاب السياسيين الوطنيين الذين يرفضون هذا النوع من السلوكيات غير المعهودة في تاريخ أي تنافس او صراع او مواجهة في لبنان، وربما هذا ما دفع الزعيم الوطني وليد جنبلاط لأن يعلن بمرارة انه لم يعد هناك امكانية للتعايش مع هذا الحزب الفارسي الذي يحتل جزءاً مهماً من لبنان، ويحرك بديماغوجية غرائز بعض الناس حوله استناداً الى اغرائهم بحكم لبنان بعد تغطيتهم بالمال والعطايا في وقت يعاني فيه بقية اللبنانيين العوز والفاقة مما يدفعهم للهجرة او لطلب الستر والمعونة.. او اخضاعهم لمشروعه الفارسي.
ميدانياً
يحاول حزب الله الا يظهر مباشرة في شوارع بيروت او في مواجهة الجيش، لكن احداً في لبنان لا يصدق ان ما يحصل في العاصمة هو بفعل عناصر غير منضبطة يتسبب فيها الحزب الآمر مرة لحركة امل في الشارع الاسلامي، ومرة اخرى لجماعة عون في الشارع المسيحي.
قيادة حركة امل ومسؤولوها ينفون دائماً تورط عناصر الحركة في هذه المواجهات، لكن مصادر امنية تجزم بأن حزب الله استطاع ان يشتري بالمال الوفير ذمم بعض الصبية والشبان في بعض الشوارع البيروتية، وان يعبئهم مذهبياً ضد المسلمين السنة تحت عناوين مزعومة برفض السنة لمشاركة الشيعة في السلطة، ويقف خلف هؤلاء الصبية دائماً، أطر حزب الله المكلفون بتسعير المواجهات في الشوارع ضد الجيش وضد المسلمين السنة لاستفزازهم ودفعهم الى المواجهة، وتحريضهم على قياداتهم لإعطائهم السلاح.
وكان حزب الله قد جرّب ايضاً الاستعانة بجماعة ميشال عون للنـزول الى الشارع ضد الجيش وضد الحكومة، لكن الوضع الشعبي والسياسي المسيحي بدأ بالتحول منذ سنتين تحديداً ضد سلوك ونهج وسياسة عون اثر تحالفه مع حزب الله في شباط/فبراير 2006.
ماذا يريد حزب الله؟
لم يعد خافياً على احد ان حزب الله في أدنى مطالبه هو منع انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، الا اذا كان على شاكلة الرئيس الراحل عن قصر بعبدا صنيعة الاستخبارات السورية وبشار الاسد، اما مطلبه الحقيقي الذي يكشف عن نفسه يوماً بعد يوم فهو منع قيام دولة لبنانية بكل معنى الكلمة، كي تبقى له السيطرة الكاملة على مناطقه وصولاً الى فرض هذه السيطرة على كل لبنان.
لماذا؟
خدمة لمشروعه في دولته التي بات لها جيشها المزود بعتاد لا يملكه الجيش اللبناني نفسه، فضلاً عن ميزانيته اللامحدودة التي ترسلها قيادة الحرس الثوري الايراني لإحدى فرقها في لبنان وهو حزب الله للإمساك بلبنان كما امسك هذا الحرس بجزء كبير من العراق من رأس الحكومة الى وزارة الداخلية الى النفط المنهوب علناً وسراً.
حزب الله لا يريد دولة في لبنان الا دولته، ومن يقول اذا كان الحزب يريد الثلث المعطل في الحكومة الحالية او المقبلة وانه اذا اعطي الحزب هذا الثلث المعطل قضي الأمر هو واهم لأن الحزب لا يريد الدولة ابداً لا بمؤسساتها ولا بحكومتها ولا بجيشها، بل يريد حكم لبنان كما تحكم ايران العراق، مع بقاء مناطق يحكمها غيره وفق منطق عبدالعزيز الحكيم في العراق أي تقسيمه الى اقاليم متنافرة مذهبياً وسياسياً واقتصادياً.
كيف يرد الوطنيون على المشروع الايراني؟
كانت الحشود الشعبية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان، حتى تلك التي اجتمعت يوم 14 آذار/مارس 2005 وأدت الى طرد نظام الوصاية السورية الكريهة على وطنهم، هي الرد الحاسم على المشروع الفارسي في لبنان الذي تنفذه فرقة الحرس الثوري الايراني المسماة حزب الله.
تكالبت التهديدات الامنية التي اطلقها حزب الله واتباعه من يتامى الاستخبارات السورية في اللقاء الوطني، كما تكالبت التهديدات السياسية التي اطلقها المجنون ميشال عون ضد ذكرى 14 شباط/فبراير يوم استشهاد رفيق الحريري، لمنع الناس من الحضور في الذكرى الثالثة لاستشهاد رئيس وزراء لبنان الأسبق، كما تكالبت العواصف والثلوج وقطع الطرقات والبرد القارس والشتاء الغزير كلها لمنع الناس من الحضور في هذه المناسبة التي ارادتها قوى الاستقلال استنهاضاً للوطنية اللبنانية من جديد للمحافظة على هويتها اللبنانية – العربية في وجه الفارسية، ولمنع نظام الوصاية السورية الكريهة من العودة للامساك بوطنها إذلالاً للناس ونهباً للوطن وثرواته.
ومع هذا، وبرغم كل هذا التكالب نـزل اللبنانيون في تظاهرة مليونية قالت وكالة ((الانباء الفرنسية)) انها تجاوزت المليون ونصف المليون انسان، واستجابت لنداء قياداتها الوطنية اللبنانية العروبية، وشكلت صحوة جديدة لانتفاضة الاستقلال وثورة الارز، واعطت تفويضاً جديداً لقياداتها الوطنية بالاستمرار في نهجها السياسي، حتى قال عنها وليد جنبلاط ان الناس يسبقوننا الى المواقف المطلوبة، وبرغم التضحيات والمصاعب الاقتصادية والارهاب اليومي ضدهم وضد مصالحهم فان الناس يشكلون السياج المنيع حول دعوتها للحرية والاستقلال ورفضاً للفارسية والوصاية السورية وارهاب جماعاتهما في لبنان.
ماذا على الجانب المسيحي؟
عجلت المشاركة الشعبية المسيحية الكاسحة في الذكرى الثالثة لاستشهاد رفيق الحريري في اظهار نتائج الاستفتاء المنتظر قبل حصوله في انتخابات ربيع 2009، بعد ان اسقطت اسطورة سيطرة المجنون ميشال عون على الشارع المسيحي.
كان ميشال عون يتعالى ويتباهى بأنه يملك اصوات 70% من المسيحيين قياساً بحصوله على هذه النسبة من اصواتهم في انتخابات 2005.
سقطت هذه النسبة الى نحو 51% في انتخابات المتن الشمالي الفرعية ونجاح مرشحه على حساب رئيس الكتائب الرئيس السابق للجمهورية وأحد قادة ثورة الارز الشيخ امين الجميل، الذي حصل على نحو 49% من الاصوات دون نسيان ان ميشال عون لا يملك من هذه النسبة عملياً الا حوالى 4 الى 5 آلاف اما البقية فكانت للأرمن وجماعة ميشال المر وبعض الشيعة وأنصار الحزبين الشيوعي (جناح خالد حداده – سعد الله مزرعاني) والحزب السوري القومي الاجتماعي المرتبط بالاستخبارات السورية.
لم يفهم عون اسباب ودوافع هذا التخلي الشعبي المسيحي عنه، واستمر في غيّه السياسي مندفعاً وراء حزب الله، وتعليمات المحور السوري – الايراني، مكابراً في وصف التراجع الشعبي عنه بأنه جاء نتيجة عدم شرح مضمون هذا التفاهم مع حزب الله جيداً للجمهور المسيحي!.
حتى جاءت الفكرة بعد ان راحت السكرة، فإذا بميشال عون معزولاً في الوسط الشعبي المسيحي، فهرب الى تحدي المرجعية الدينية لافتعال مشكلة معها، فسقط في المحظور مرة اخرى، الى مستوى متدهور، وكانت الطامة الكبرى هي الاجماع الشعبي والسياسي (العلني) اللبناني (والعربي والدولي) على ضرورة انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية حيث سقط عون الى مستوى لم يعهده زعيم سياسي قبله، بسرعة الانحدار والنهاية المستعجلة، حيث تسابقت الجماهير المارونية في أقضية جبيل وكسروان وبعبدا لإظهار تأييدها للعماد سليمان فضلاً عن تأييد عدد كبير من نواب كتلته لهذا الخيار، حتى اضطر عون لترداد أكذوبة ان انتخاب سليمان هو الورقة المستورة له دون خجل او حياء.
والخوف كل الخوف ان يلجأ عون الى استخدام السلاح ميدانياً لمحاولة وقف التدهور قبل الانتخابات المقبلة التي يقول مراقبون في الشارع المسيحي ان عون لن يضمن فيها نجاحه شخصياً في أي منطقة من المناطق، بعد ان كشفت انتخابات الطلاب في الثانويات والجامعات وانتخابات الاتحادات المهنية والنقابية ان السيطرة شبه الكاملة فيها هي لقوى الرابع عشر من آذار/مارس وتحديداً في الجانب المسيحي للقوات اللبنانية وحزب الكتائب.
كيف يستخدم عون السلاح وهو معزول شعبياً بحيث لا يريد أي مسيحي عاقل الاندفاع لحرق ما تبقى من حضور مسيحي سياسي وسيادي وشعبي من اجل معتوه يموت ويحيا في كابوس رئاسة الجمهورية التي كانت وما زالت بعيدة عنه بعد السماء عن الارض.
رهان عون الدائم هو على دفع حزب الله الى استخدام السلاح علّه يحسم الامر عسكرياً في الشارع فيسيطر سياسياً ويجيء بعون رئيساً للجمهورية، وهو أي عون لا يريد ان يفهم ان مشروع حزب الله هو إلغاء رئاسة الجمهورية وفي احسن الحالات المجيء بشيعي رئيساً لجمهورية لبنان بعد تعديل الطائف لإعادة الصلاحيات الى الرئاسة الاولى.
الحشود المسيحية الكثيفة في ذكرى 14 شباط/فبراير 2008، هي آخر رسالة وجهها المسيحيون الى عون بأن الخطيئة التي ارتكبت عام 2005، وأعطته كتلة من 22 نائباً في مجلس النواب في انتخابات 2005 لن تتكرر ثانية، وان عليه منذ الآن البحث عن مكان يرشح نفسه فيه في قضاء ما في الجنوب، يكون فيه لحزب الله حضور شيعي يؤمن فوز احد اتباعه.. ميشال عون.. أو غيره.
حسن صبرا
الشراع

ليست هناك تعليقات: