الاثنين، فبراير 18، 2008

من ذاكرة الأسر 23

راسم عبيدات

الأسيران المقدسيان مجد بربر ومحمد الغول
شموع على طريق الحرية
......" لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" ، هكذا آمن بربر والغول، ومن هنا كان جل اهتمامهم ينصب على توعية وتثقيف الشباب في مقتبل العمر، تثقيفاً في الجوانب النظرية والسياسية والتربوية وغيرها، عملاً بقول الشهيد غسان كنفاني" انه لا ثورة بلا ثقافة"، وأيضاً اهتموا بتثقيف أنفسهم وتطوير قدراتهم وملكاتهم التنظيمية والسياسية والأمنية، وتسلحوا بالأمل والإرادة، بأنه رغم كل حالات التراجع والانهيار التي منيت بها قوى اليسار على المستوى العالمي، بسبب الزلزال الذي حصل في مركز الاشتراكية الاتحاد السوفياتي سابقاٌ ،فإن هذا الانهيار والتراجع مؤقتين، وكان أكثر ما عز عليهما أن حزبهم (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ، والتي تعتبر سلوان المقدسية إحدى قلاعه الحصينة في منطقة القدس، بدأ في التراجع والخسارة لصالح أطر أخرى، ومن هنا شمروا عن سواعدهم ،وبدؤوا مرحلة حرث جدي، وعملوا على تأطير الشباب، من خلال تأسيس جمعية شباب العمل التقدمية، من أجل القيام بسلسلة من الأنشطة والفعاليات الجماهيرية، وبالفعل بالعمل والإرادة ورغم قلة الإمكانيات والموارد ، تمكنوا من إحداث حالة من التغير الجدي في المنطقة على صعيد الأنشطة والفعاليات، ولكي يمتد دورهم ونشاطهم إلى خارج منطقة سلوان، وينتقلون للمشاركة في أنشطة وفعاليات الجبهة وأطرها الجماهيرية على صعيد القدس، وينتظموا في إطارها الحزبي، وتندلع الانتفاضة الثانية آب/2000 ، ويشاركون فيها بفعالية ونشاط، ويشكلون قادة ميدانيين للحزب ونشاطاته في منطقة القدس، وتستعيد الجبهة عزها وعنفوانها في القدس، ومن هنا يبدأ الاحتلال في تتبع وملاحقة هؤلاء الشبان، والذي يرى في نشاطاتهم خطورة وتطور نوعي، وتحديداً في منطقة القدس، التي يعملون على تهويدها وأسرلتها بكل الوسائل والسبل، وتجري ملاحقتهم ومتابعتهم، ليتم اعتقالهم في أواخر شهر آذار وتحديداً في يوم الأرض 30/3/2001، حيث كانوا يقومون بسلسلة من النشاطات والفعاليات الجماهيرية والكفاحية في ذلك اليوم، حسب ما سمعت منهم في المعتقل، ويجري اعتقالهم بطريقة غاية في القسوة والوحشية من قبل وحدات خاصة إسرائيلية، ويتعرضون لتحقيق قاسي لأكثر من شهرين، تحقيق استخدمت فيه كل الوسائل والأساليب المشروعة وغير المشروعة، لحملهم على الاعتراف بمسؤوليتهم عن ما تقوم به الجبهة الشعبية من عمليات عسكرية في منطقة القدس، حيث ان الاحتلال وأجهزته الأمنية، كانوا يصورون الأمور على أن هؤلاء الشبان لهم علاقة بالسيارات المفخخة، ورغم نفيهم القاطع والمستمر لذلك، وتسجيل البربر لموقف صمودي وبطولي لافت في التحقيق،إلا أن جهاز المخابرات الإسرائيلية"الشاباك" كان معني بإدانتهم تحت أي شكل من الأشكال، ويتم ترحيلهم للسجون الإسرائيلية ، في المقدمة منها سجن عسقلان المركزي، وفي السجن لم يتأقلموا مباشرة مع الحياة الإعتقالية، ليس بمعنى عدم الانتظام والانضباط ،بل الأمور الحياتية من السهر والطبخ في الغرفة بعد ساعة معينة ليلاً، ويشعر محمد الغول بجثته الضخمة ،أن السجن "حبسه وقلت أكل ونوم"، وتراه في أواخر الليل وأوائل الفجر يقوم بعمل طنجرة مقلوبة مع علبة مرتديلا، لعدم توفر اللحمة، أو يقوم بقلي عدد من البيضات، وذلك لكي يسكن جوعه وجوع رفاقه من الأسرى، وبمرور الوقت في المعتقل، فإن هؤلاء الرفاق وضعوا خطة لحياتهم ويومياتهم في المعتقل، خطة تقوم على استغلال الوقت بأقصى طاقة ممكنة، وبما يعود عليهم وعلى رفاقهم والمعتقل عامة بالفائدة، مجد بربر"أبو المنتصر" ،وضع نصب عينية تطوير ذاته وقدراته ومعارفه في الجوانب النظرية والفكرية والتنظيمية خاصة، وفي الجوانب الإعتقالية والثقافية عامة، ناهيك عن تحسين وتطوير لغته العبرية من أجل الالتحاق في الجامعة، وفي هذه الجوانب أستطاع أن يراكم حصيلة جيدة من المعارف والتجارب والخبرات والقدرات، مكنته من أن يشارك ويقود منظمات حزبه في الأسر، ناهيك عن دوره الإيجابي في القضايا الإعتقالية، من نسج وإقامة للعلاقات الإعتقالية مع مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني الإعتقالي، لما فيه مصلحة وخدمة قضايا الحركة الأسيرة، وكل هذا لم يمنعه من الالتحاق بالجامعة، وتحقيق نتائج لا بأس بها على الصعيد الأكاديمي،"وأبو المنتصر" حسب ما عرفته من السجن صاحب مشاعر وعواطف جياشة تجاه زوجته وأطفاله، ويحرص على المراسلة والتواصل معهم، عبر رسائل المحبة والود، وكذلك الرسائل التي ترشدهم وتشرح لهم ظروف وواقع الأسر الفلسطيني ، وتدعوهم الى الصبر والثبات، والحق يقال فزوجة الرفيق"أبو المنتصر" إنسانة مناضلة وتنتمي لبيت نضالي، سجن أكثر من فرد منه، وهذا حال أسرة"أبو المنتصر".

أما رفيق دربه الأسير المناضل محمد الغول، فعائلته معروفة كعائلة لها باع ودور كبير في النضال، وجزء من أبناء هذه العائلة ،كانوا في حركة القوميين العرب، قبل أن تنشئ وتتأسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والغول إنسان معطاء،وطور من قدراته الثقافية والإعتقالية بشكل كبير وواسع،ولكن الغول في بعض الأحيان يبدو عصبياً وحاد المزاج،ويتعاط بردات الفعل، ولكنه يمتاز بالقدرة على نسج العلاقات الاجتماعية ،مع الأجيال الشابة وغير متزمت ومتشدد في القضايا الحياتية في المعتقل، وفي خلال فترة وجوده في السجن كون حصيلة من المعارف الجيدة في الثقافة العامة،فهو قارئ جيد وأفاده ذلك في تطوير مهاراته الكتابية،في مختلف جوانب العمل الحزبي التنظيمي والسياسي والثقافي ، وهو كغيره من الأسرى ففي بعض الأحيان يسرح مع سلوان والأصحاب ورفاقه وزملاءه الأسرى الذين تحرروا من الأسر، وتراه في الزيارة يعطي جزءاً كبيراً منها للسؤال عن رفاقه وأهل بلدته، والغول وأن بدا حزيناً في السنوات الأولى لاعتقاله، حيث أن والده غادر الدنيا بدون موعد،كحال رفيقه المرحوم الدكتور احمد المسلماني، إذ غادروها وهو في المعتقل والوالدة أعياها المرض، ومحمد يقول لا بأس هذا هو حال الكثير من أبناء شعبنا،ونحن ندفع ضريبة النضال والصمود والثبات على أرضنا ومواقفنا، ولا بد من أن يأتي يوماً ،يؤتي فيه هذا النضال أكله، رغم مرارة وقسوة المرحلة، ومحمد قانع أن حالة الشرذمة والانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية،هي حالة مؤقتة وعلى الجميع العمل الجاد والمخلص من أجل تجاوزها والخروج منها،لما تلحقه من ضرر بالغ بقضيتنا الفلسطينية ومشروعنا الوطني عامة، والحركة الأسيرة الفلسطينية خاصة.
وأنا واثق أن "أبو المنتصر" والغول كأسرى مقدسيين،يشعرون كباقي الأسرى المقدسيين،بمرارة عالية من الإهمال والقصور العاليين، من السلطة الفلسطينية أولاً ومن الأحزاب والفصائل تجاه قضياهم، حيث رسخت لديهم قناعات، بأن قضيتهم تركت تحت رحمة الإملاءات والاشتراطات الإسرائيلية، وهي قضية خاضعة للابتزاز السياسي، وهم يطالبون أن لا يتم الخضوع للمعايير والشروط الإسرائيلية لإطلاق سراحهم، هم وأسرى مناطق 1948، فهم جزء أساسي من الحركة الأسيرة الفلسطينية، ويجب التعاطي والتعامل معها كملف واحد ،سوءا قبل الإسرائيليين أم لم يقبلوا الإسرائيليين.
القدس- فلسطين

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات: