الجمعة، أبريل 04، 2008

عنوان مفتعل للانقسام العربي

نقولا ناصر

(الانقسام العربي الراهن يعطي الانطباع بان الازمة اللبنانية قد حلت محل القضية الفلسطينية باعتبارها "القضية المركزية" للامة العربية)

ان السجالات الساخنة بين دمشق وبين المقاطعين لقمتها تعطي عناوين "عربية" في الظاهر لاسباب الانقسام العربي غير ان دخان شبه الحرب الاعلامية الناتجة عن هذه السجالات لم تنجح في ان تحجب وراء سحبها السوداء الكثيفة العامل الخارجي غير العربي المسبب للانقسام ولم تنجح كذلك في اقناع ابعد المواطنين العرب عن السياسة بالحجج التي يسوقها طرفا الانقسام لتسويغه لان أي فطرة سليمة لا تستطيع ان ترى في غير الوحدة والتضامن طريقا لتحقيق الاهداف المشتركة ولا يسعها الا ان ترى الجميع خاسرا من الانقسام .

ولم يتوقع المواطن العربي يوما ان تتحول جامعة "الدول" العربية الى ممثل "قومي" لطموحاته الشعبية ولم يبن في اي يوم آمالا خادعة على مؤسسة القمة العربية وكان ياسه الدائم من الجامعة وقمتها كثيرا ما يصل به حد المطالبة بانهاء هذا العائق بينه وبين البحث عن بديل لهما يكون اقرب اليه والى همومه وطموحاته لكنه في الاغلب ظل متعلقا بوهم انهما قد يحافظان على حد ادنى من التضامن لا يقطع ما تبقى من اواصر قومية الى "ان يفرجها الله" ، وقد جاءت قمة دمشق لتعزز قناعاته هذه دون ان يثبت المشاركون فيها والمقاطعون لها على حد سواء خطا قناعاته .

فاذا كان "الاجماع" على اهم قضيتين عربيتين ، وهما الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاحتلال الاميركي للعراق ، قاسما مشتركا بين المقاطعين لقمة دمشق وبين المشاركين فيها ، فان اختلافهم على كيفية حل ازمة الرئاسة اللبنانية ينبغي ان يكون اختلافا ثانويا غير كاف لتسويغ الانقسام ، والمواطن العربي بفطرته السوية لا يستوعب ان تكون هذه الازمة سببا في انهيار الحد الادنى من التضامن العربي الذي كان حريا به ان ينقسم لا ان يجمع في القضية الفلسطينية على "السلام كخيار استراتيجي" التي حرمت كل ما يتعارض مع هذه الاستراتيجية من اشكال مقاومة الاحتلال الاسرائيلي التي حللها القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والشرائع السماوية ، وان ينقسم للاسباب ذاتها حول القضية العراقية التي يوجد اجماع عربي (ما زالت ليبيا هي الاستثناء الوحيد له) على التعاطي العملي مع مبدا الغزو الاجنبي لتغيير نظام حكم في بلد هو عضو مؤسس في جامعة الدول العربية وعلى القبول الايجابي او السلبي بالنظام المنبثق عن هذا الغزو ، الذي شارك في قمة دمشق والقمم السابقة لها منذ عام 2003 ، دون أي اعتبار لمخاطر انطباق المبدا نفسه على بقية الاعضاء .

وليس سرا ان القاسم المشترك بين الدول المقاطعة للقمة او المخفضة لمستوى تمثيلها فيها هو ارتباطها بمعاهدات سلام مع اسرائيل او بتحالفات او صداقات تحالفية مع الولايات المتحدة الاميركية وبالتالي لا يمكنها ان تكون جزءا من أي "مواجهة" مع دولتي الاحتلال في فلسطين والعراق سواء كانت هذه المواجهة عسكرية ام سياسية وتستثنى من هذه الدول طبعا فلسطين والعراق اللتين لا خيار سياديا لهما لخضوعهما المباشر للاحتلال الاسرائيلي والاميركي واللتين يقتضي المنطق تعليق مشاركتهما في القمم العربية ، ان لم يكن تعليق عضويتهما في الجامعة العربية ، لحين امتلاكهما شروط الحد الادنى للسيادة ، لكن "الواقعية" المفرطة لقيادات الواقع العربي الراهن ، والمدى الذي انحدر اليه العمل العربي المشترك منذ اجهزت تلك المعاهدات والتحالفات على "المرحومة" معاهدة الدفاع العربي المشترك ، وايغال الدول العربية في القطرية حد الاقليمية التي لم تبق لها صلة بالعروبة غير لغتها الرسمية وعضويتها في الجامعة العربية ، والمدى الذي بلغته الهيمنة الاميركية على المنطقة ، وتغول الاحتلال الاسرائيلي حد تحول دولته الى القوة الاقليمية الاكبر ، كلها عوامل لم تبق للتضامن العربي مجالا لصنع السياسات العربية باي منطق قومي .

وهنا يكمن السبب الرئيسي للانقسام العربي حول أي قضية لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بدولتي الاحتلال في العالم العربي بغض النظر عن الاسباب المباشرة الظاهرية لانفجار الخلافات العربية بين وقت واخر حول هذه القضية الثنائية او تلك وليس سرا ايضا ان دولتي الاحتلال تستغلان مثل هذه الخلافات العربية البينية لخدمة استراتيجياتهما العسكرية والسياسية في المنطقة .

وهذا هو الانقسام الاساس الذي يمزق الصف العربي والذي تغطيه غلالة شفافة من الحفاظ على وحدة الصفوف العربية خصوصا منذ تقرر عقد مؤسسة القمة العربية بصفة دورية منذ عام الفين ولذلك فان تحميل كل من طرفي الانقسام العربي المسؤولية عن الانقسام في الصف العربي للطرف الاخر فيه اجحاف بالحقيقة وبحق كل طرف منهما بقدر ما فيه من تضليل للشعوب العربية حول السبب الفعلي للانقسام العربي .

والمشكلة ان القادة العرب المختلفين ظاهريا اختلافا ينبغي ان يكون ثانويا حول ازمة الرئاسة اللبنانية لا يبدو انهم يدركون الحقيقة البسيطة التي يراها المواطن العربي العادي واضحة جلية وهي ان هذه الازمة التي عجزوا عن حلها وهم مجتمعون فانه يستحيل عليهم حلها وهم منقسمون ، وبما انه من السذاجة الافتراض بان القادة لا يدركون ذلك فان اتخاذهم من هذه الازمة عنوانا لانقسامهم فيه قدر كبير من الافتعال وعدم الاحترام لعقول مواطنيهم التي لا ترى في كل هذه الضجة حول الازمة اللبنانية سوى محاولة واعية او غير واعية لحجب العامل الخارجي ، الاميركي تحديدا ، المسبب للانقسام العربي الراهن بين معتدلين ومتطرفين .

وقد تحولت قمة دمشق الى مناسبة لوضع حد نهائي لهذا التقسيم الاميركي المصطنع الذي تسعى واشنطن الى افتعاله في الصف العربي ، فالمعتدلون المشاركون يكادوا يعادلون في وزنهم السياسي وزن المعتدلين المقاطعين اذا كانت العلاقة مع اميركا هي المعيار لقياس الاعتدال ولا يختلف الامر اذا كان هذا المعيار هو السلام الذي لم يجد افصح من وزير الخارجية السوري للتعبير عنه في اعادة تاكيد التزام بلاده بالسلام كخيار استراتيجي وبمبادرة السلام العربية لا بل انه كرر الدعوة التي وجهها تشيني الى الدول العربية لاثبات حضورها في العراق . ان التدقيق في مواقف المقاطعين والمشاركين يدحض التقسيم الاميركي للصفوف العربية بين معتدل وبين متطرف اذ من الواضح ان "الاعتدال" هو قاسم عربي مشترك آخر عليه "اجماع" .

ان هشاشة الوضع العربي العام التي سمحت للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بان يدلي بدلوه في قضايا الخلاف العربية "السيادية" حول قمة دمشق لا تترك مجالا للمراقب لكي لا يصدق ما صرح به وزيرا الخارجية السوري والليبي وليد المعلم وعبد الرحمن شلغم وغيرهما عن حجم الضغوط الاميركية التي تعرضت لها الدول المشاركة كي تحجم عن المشاركة ، وقبل ذلك لم يخف نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني خلال جولته الاخيرة في المنطقة انه حث القادة العرب الذين التقاهم على التصدي ل"التدخل" السوري والايراني في لبنان ، ثم جاء توقيت زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس للمنطقة متزامنا مع افتتاح قمة دمشق ويود المراقب ان يصدق تفسيرات واشنطن لها بانها كانت زيارة "مقررة" وبان توقيتها بعد مجرد ثلاثة اسابيع من زيارة تشيني كان لان كل منهما كان "يتابع ملفات مختلفة" غير ان الشواهد ترجح علاقة زيارتها بالضغوط الاميركية "المعلنة" لافشال قمة دمشق ، اذ ما الذي بقي لرايس كي تقوله بعد جولة نائب رئيسها لم يقله هو !

وفي هذا السياق تاتي الدعوة التي وجهها الرئيس الاميركي جورج دبلي. بوش عشية القمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس للقائه في الرابع والعشرين من نيسان / ابريل الجاري من اجل ان يبقى حيا وهم ان بوش سيفي بوعده لاقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته اوائل العام المقبل . وهنا لا بد من ملاحظة الوضع الحرج للرئيس الفلسطيني الذي دفعه الى حضور القمة لان المصلحة الوطنية الفلسطينية تقتضي حضوره بالرغم من رهانه الاستراتيجي على واشنطن وعلى ما تسميه الادارة الاميركية "معسكر المعتدلين" العرب المحرضين على مقاطعة القمة .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: