السبت، أبريل 12، 2008

فلسطين والعراق: الحال والحل واحد

نقولا ناصر
عندما ترد في تقارير الاخبار عبارات التطهير العرقي والطائفي والاحتلال والغزو والحصار والمجازر واللاجئين والجدران والاسوار "الامنية" والشهداء والاسرى والمعتقلين وسقوط الاطفال وغيرهم من المدنيين في القصف الجوي والمدفعي العشوائي وانتهاكات حقوق الانسان والقانون الدولي والمقاومة والمليشيات والانفلات الامني والفساد ثم تسويغ الحال -- الذي يتخذ من كل العبارات السابقة وغيرها عناوين له -- بمحاربة الارهاب والديموقراطية والتعددية لن يستطيع قارئ الاخبار او مشاهدها او المستمع لها تمييز اين تجري وقائع هذه الاخبار ان لم تذكر وسائل الاعلام مكانها في فلسطين او في العراق حيث السبب والخصم والاستراتيجية والتكتيك والجلاد والضحية والحال برمته وكذلك الحل واحد .

على سبيل المثال اقتبست "ديموكراسي ناو" في الذكرى الخامسة للغزو الاميركي للعراق ما يلي من اقوال مواطنين عراقيين: "لا نستطيع الخروج لشراء الطعام . لا نستطيع استعمال سياراتنا . لا نستطيع اخذ المرضى الى المستشفيات . اننا نعيش في الظلام . الحال سيء فلا خدمات ولا غاز ولا وقود ولا شيء" بينما نقلت وكالة انباء ان ما لا يقل عن اربعة اشخاص قتلوا في الهجمات الاخيرة منهم ثلاثة افراد من عائلة واحدة كانت تتناول وجبة الافطار . فهل يمكن حقا معرفة ما اذا كان القائل والشهداء عراقيين من بغداد ام فلسطينيين من غزة لو لم توضح وسيلة الاعلام ذلك !

في التاسع من نيسان / ابريل قبل ستين عاما غزت العصابات الصهيونية قرية دير ياسين الفلسطينية وهي غافية على احلام ربيعية لترتكب مجزرة هدفها اثارة الرعب على اوسع نطاق بين المدنيين الآمنين من عرب فلسطين في ذروة حملة تطهير عرقي تفتح امامها الطريق الى السيطرة على بيت المقدس كمفتاح لفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه وفي التاسع من الشهر الربيعي نفسه قبل خمس سنوات غزا مرتزقة الجيش الاميركي (اذ لا يوجد فيه مقاتل واحد مجند للخدمة العسكرية "الوطنية" وجميع جنوده "متطوعون" كما قال نائب الرئيس ديك تشيني خلال جولته الاخيرة في المنطقة) ليرتكب جرائم حرب ما زالت متواصلة للسيطرة على عاصمة الخلافات العربية الاسلامية في ذروة حملة تطهير حضاري تستهدف سلخ العراق عن هويته العربية الاسلامية كمفتاح لفرض الخريطة التي تريدها الامبراطورية الاميركية على الاقليم الشرق اوسطي كافة بعربه وفرسه واتراكه واكراده وافارقته ومسلميه ومسيحييه وسنته وشيعته .

واذا كان عنوان الغزو في فلسطين صهيونيا يسند ظهره الى الحليف الاستراتيجي الاميركي وعنوان الغزو في العراق اميركيا يسند ظهره الى الحليف الاستراتيجي الصهيوني فان رؤية الحليفين الاستراتيجية للاقليم موحدة وتراه وتخطط له وتتعامل معه كوحدة استراتيجية واحدة لا تفرق بين اثنياته واديانه وطوائفه وانظمة حكم ممالك الطوائف فيه الا بمقدار ما تخدم كل مفردة استراتيجية الحليفين وتكتيك "فرق تسد" الذي ينتهجانه لضرب كل مفردة بالاخرى لتفتيت أي جهد موحد لمقاومتهما واضعاف المنطقة تسهيلا لاحكام هيمنتهما عليها .

وفي فلسطين كما في العراق احتلال اجنبي مقيم يسعى الى تغيير هوية البشر والشجر والحجر واسمائهم وتاريخهم ليفرض عليهم مستقبلا ليس من اختيارهم ويقرر مصيرهم عنهم ويسحب الارض والثروة والموارد الوطنية من ايديهم ومن تحت ارجلهم ويغزو عقولهم ثقافيا لترطن السنتهم بلغته ومصطاحاته لكن بالحرف العربي الذي باركه الله لسانا لكتابه العزيز ، احتلال اجنبي يتوسع منذ ستين عاما في فلسطين ويترسخ منذ خمس سنوات في العراق ويقود في الحالتين "عملية سياسية" يسميها عملية سلام هدفها الوحيد المساعدة في ادارة الاحتلال لكسب المزيد من الوقت لاستكمال ما لم يستكمله بعد من اهدافه ، دون أي استرتيجية او خطة واضحة معلنة للانسحاب وانهاء الاحتلال .

وفي فلسكين كما في العراق انقسام وطني تشير كل الدلائل الى انه لن ينتهي الا اذا انتهى الاحتلال او اذا انفك التنسيق بين احد طرفي الانقسام وبين الاحتلال وفيهما دعوة الى المصالحة الوطنية تشير كل الدلائل الى انها لن تتحقق الا اذا تجردت من الشروط المسبقة التي يمليها الاحتلال لتحقيقها وفي كليهما شرعية سياسية تستمد مقوماتها من اعتراف الاحتلال بها اكثر مما تستمده من أي مرجعية شعبية طبيعية لمنح الشرعية السياسية حسب ما تقتضيه القوانين والاعراف الدولية المتعارف عليها .

وفي الحالتين الدور العربي والاسلامي غائب او عاجز او متواطئ ودور الامم المتحدة لا يتعدى دور شاهد الزور ويقتصر الدوران على اللحاق بقوات الاحتلال لمساهمة رمزية في تخفيف المعاناة الانسانية الناجمة عن الاحتلال ، خصوصا معاناة ملايين اللاجئين الى خارج الوطن والمهجرين داخله ، بينما المجتمع الدولي ، بحجة تعزيز "المجتمع المدني" ، منشغل في تمويل شبكات مريبة من المنظمات غير الحكومية التي تساهم مع هيئات الامم المتحدة في تخفيف الاعباء المالية للقوتين المحتلتين الملزمتين بموجب القانون الدولي بتحمل هذه الاعباء ، في وقت يجري تفكيك المنظمات الوطنية للمجتمع الاهلي المنبثقة من تراثه القومي والديني بحجة كونها شبكات لدعم الارهاب !

وفي كلتا الحالتين تجري اكبر عملية تضليل اعلامي للراي العام العالمي فالمحتل الاميركي الذي يجثم على صدر العراق والعراقيين بمائة وستين الف مرتزق في الجيش النظامي للولايات المتحدة وحوالي مائة الف آخرين من المرتزقة "المتعاقدين" مع"الشركات الامنية" المتعاقدة بدورها في معظمها مع الحكومة الاميركية ووزارتي خارجيتها ودفاعها لا يجدون أي حرج في تضخيم دور بضع مئات من "المقاتلين الاجانب" من بعض العرب والمسلمين الذين تمكنوا من اختراق الحصار العربي المفروض على وصول أي دعم للمقاومة الوطنية العراقية ضد الاحتلال ، بينما صم المحتل الاميركي وحليفه الاسرائيلي آذان المجتمع الدولي بالدعم الايراني والسوري ل"ارهاب" المقاومة الوطنية الفلسطينية فيما مليارات الدولارات تتدفق وكبار الجنرالات الاميركان منشغلون على قدم وساق في خلق موازن "فلسطيني" لهذه المقاومة التي لا بد وانها تتمنى لو ياتيها فعلا اي دعم خارجي ، سوريا كان ام ايرانيا ، ماليا كان ام ماديا ، يغنيها عن صهر المخلفات المعدنية وطناجر الطبخ ، التي لم يترك الحصار شيئا يطبخ فيها ، في "ورشات" الخراطة البدائية القليلة التي سلمت من تدمير طائرات اف-16 الاسرائيلية اميركية الصنع من اجل صنع مقذوفات بدائية تدفع الضرر اكثر مما تلحقه بينما ايران "المتهمة" تطلق الجيل الثالث من صواريخها متوسطة المدى وسوريا تعتبر سلاحها الصاروخي سرا عسكريا تحفظه ليوم اسود .

واذا كان "الطابور الخامس" و"المتعاونون" ظاهرتين شاذتين مرفوضتين ومحاربتين مألوفتين تاريخيا في كل عمليات الغزو فان ما هو غير مالوف هو حال "الاجماع" بين الضحايا الحاليين والمستقبليين للغزوين الصهيوني والاميركي على السقوط في حبائل استراتيجيتهما وتكتيكاتهما باسم الواقعية السياسية التي تختار الانحناء امام العاصفة بدل الاستعداد لها ، وهي "الواقعية" التي تسوغ خداع الذات بامكانية الفصل بين الغازيين اللذين يعلنان ولا يخفيان تحالفهما الاستراتيجي ، مثلا عن طريق الاجماع العربي على السلام مع احدهما ك"خيار استراتيجي" بوهم ان قوة الاحتلال الاميركي في العراق يمكنها حقا ان تقوم بدور الوسيط العادل النزيه لانهاء احتلال حليفها الاستراتيجي لفلسطين والجولان بعد ستين عاما من الدعم الاميركي للاسيطان الصهيوني في فلسطين واربعين عاما من الدعم الاميركي للمكاسب الاقليمية التوسعية للاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية والسورية .

ان الحال في فلسطين والعراق واحد ، والاحتلال واحد لا اثنان ، والجلاد واحد ، والضحية عربية اسلامية واحدة ، واستراتيجية الاحتلال وتكتيكاته واحدة ، فلماذا تكون المقاومة المشروعة لهذا الاحتلال مجزاة لا موحدة وتفتقد حتى الحد الادنى من التنسيق ولو سياسيا في الاقل ؟

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: