محمد داود
عمال فلسطين ... هي قصة طويلة مع المعاناة والألم، بدأت رحلتها منذ أن احتلت أراضيهم، من النكبة إلى النكسة، ثم أخذت ضروباً ومراحل من المعاناة عقب كل هبة شعبية يعبر الفلسطينيون من خلالها عن رفضهم الكامل للاحتلال وجرائمه البشعة، وحرب التطهير والتمييز، الذي يمارسها، ضمن مسلسل إرهابي وعنصري ممنهج ومنظم، يأتي على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والعيش بكرامة أسوة بشعوب العالم الحر.
وقد سطر صمود العامل الفلسطيني رغم آلم الجوع وشدة العوز … أروع الملاحم في النضال والمقاومة والفخر، أسوة بالنضال والكفاح الوطني الجماهيري، متحدياً أشكال القهر والتعذيب والتنكيل والاستعباد، … حقاً إنها شراسة الحرب المفتوحة، وبأساليبها المتنوعة .. القتل ..والتجويع،.. والحرمان، …والحاجة إلى لقمة العيش المغمسة بالذل والدم وشدة القهر والظلم، بفعل سياسات الإغلاق وحجج "كذبة الأمن" الإسرائيلية الواهية التي لم تنتهي، من أجل ابتزاز الإنسان الفلسطيني وكسر شوكته، وإركاعه ومساومته، وتجويعه بغرض إضعاف عصب الحياة الفلسطينية المنهكة أصلاً، هذا بالإضافة لأشكال الملاحقة والمطاردة والاعتقال الاستفزازي والتعسفي البغيض دون وازع يذكر، كانت أشدها قسوة.. منع العمال الفلسطينيين نهائياً من التوجه لأماكن عملهم، أسفرت عن قطع أرزاق مئات الألوف من تلك العمالة المتوجه للعمل داخل الخط الأخضر، إضافة بإقامة جدار فصل عنصري على أراضي السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعزل مدنهم وقراهم و يسلب أراضيهم بالاستيطان، والاجتياحات اليومية، وتهويد مقدساته في القدس، وطمس هويتها التاريخية والدينية والروحية العربية والإسلامية، وسد منافذ تواصلها جغرافياً وسكانياً وديمغرافياً مع الضفة الغربية، وعزلها ووضع الفلسطينيين داخلها وخارجها تحت الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً، ليحولها إلى معازل و"غيتوهات"، ويسرق ويضم الأراضي بلا حساب أو عقاب، بل وبتواطؤ ممن تعتبر نفسها حامية الديمقراطية، وبسط السلام في العالم.
فيما معاناة سكان قطاع غزة ليست بأفضل حال عنها، إذ اتسمت هي الأخرى بأشكال متعددة من الحرمان وقتل للحياة والأمل،... اتخذت فصولاً مختلفة من العدوان الوحشي والعنجهية الإسرائيلية الصماء،... بمحاصرة وإعدام مليون ونصف مواطن في سجن كبير، وهو يأتي في سياق الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الشعب الفلسطيني، وممارسة سياسات تدميرية وتخريبية مختلفة لضرب العمود الفقري لاقتصاده الوطني وبنيته التحتية الهشة، التي تفتقر لكل مقومات الصمود والتحدي، من خلال استهداف إسرائيل المستمر للمنشآت الخدماتية بالقصف والتجريف للمزروعات، واقتلاع الأشجار، وتدمير الدفيئات والمنشآت الإنتاجية، وقصف الورش والمصانع، ووضع الحواجز وإغلاق المعابر والحدود بهدف تكبيد الاقتصاد الفلسطيني أكبر قدر ممكن من الخسائر، والسيطرة والتحكم في موارده الطبيعية والسلع ومواد الخام، المصدرة والمستوردة، والتي لا تمر إلا من خلال الموانئ والمنافذ التي تتحكم بها إسرائيل، مما أفرزت واقع جديد ضاعف من المعاناة الفلسطينية، فزادت نسبة الفقر والبطالة، وفي أحدث استطلاعات الرأي فاقت النسبة عن ثمانين بالمائة في قطاع غزة، ضاربة بعرض الحائط كل المعايير الدولية والمواثيق الإنسانية.
وفي هذه المناسبة التكريمية لعمال العالم، التي اتخذت الأول من شهر مايو من كل عام يوماً يتضامن فيه العالم نصرة للعمال والدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة والعيش بعزة وجلاء... نستذكر في هذه اللحظات العامل الفلسطيني، الذي مزجت دماؤه عبر صيرورة تاريخية من العطاء والصمود الجسدي والفكري المقاوم، في كل الساحات والميادين، من أجل بناء الوطن،... وتحقيق حلمه و مشروعه الوطني الكبير، مقدماً الجوع والصبر والصمود على الاستسلام والركوع أو الخنوع… إنها الكرامة وشرف الانتماء الذي سطر أمجادها عبر صيرورة من الكفاح والمقاومة والصمود سجلتها الثورة الفلسطينية في أروع صفحاتها التاريخية، تميزت بدعم صمود العامل الفلسطيني.
نعم نستذكر معاناة الشعب الفلسطيني وطبقته الكادحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، هؤلاء الذين باتوا بين نار الاحتلال وجرائمه البشعة، وبين سنديان جحيم الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني، وما شكله من ضربة قاسمة، عصفت بالقضية وبالمشروع الوطني الفلسطيني برمته، فنالت من وحدت أراضيه ومشروعه المقاوم والسياسي التحرري، ليزيد من وطأته، لتلحق الدمار والأذى لما تبقى له من معاني الصمود، ليكون العامل الفلسطيني أحد أعمدة ضحايا هذا الانقسام، فبات منسياً، يطارد كبونة طال انتظارها هنا أو هناك، لعلها تسعف في أن تسد رمق أبنائهم الصغار بعض الوقت، لتبقى المعاناة كما هي أشهر وأعوام و....!!
وأتساءل أين أصحاب الضمائر الحية من حقوق العمال،.. أليس هم جزءاً من مكونات هذا الشعب المكلوم،..وأي مقاومة تأتي على حساب حقوقهم المهضومة، ونحن ندرك أن أي مقاومة يجب أن يتوفر لها المقومات الأزمة....؟!
كاتب وباحث
عمال فلسطين ... هي قصة طويلة مع المعاناة والألم، بدأت رحلتها منذ أن احتلت أراضيهم، من النكبة إلى النكسة، ثم أخذت ضروباً ومراحل من المعاناة عقب كل هبة شعبية يعبر الفلسطينيون من خلالها عن رفضهم الكامل للاحتلال وجرائمه البشعة، وحرب التطهير والتمييز، الذي يمارسها، ضمن مسلسل إرهابي وعنصري ممنهج ومنظم، يأتي على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والعيش بكرامة أسوة بشعوب العالم الحر.
وقد سطر صمود العامل الفلسطيني رغم آلم الجوع وشدة العوز … أروع الملاحم في النضال والمقاومة والفخر، أسوة بالنضال والكفاح الوطني الجماهيري، متحدياً أشكال القهر والتعذيب والتنكيل والاستعباد، … حقاً إنها شراسة الحرب المفتوحة، وبأساليبها المتنوعة .. القتل ..والتجويع،.. والحرمان، …والحاجة إلى لقمة العيش المغمسة بالذل والدم وشدة القهر والظلم، بفعل سياسات الإغلاق وحجج "كذبة الأمن" الإسرائيلية الواهية التي لم تنتهي، من أجل ابتزاز الإنسان الفلسطيني وكسر شوكته، وإركاعه ومساومته، وتجويعه بغرض إضعاف عصب الحياة الفلسطينية المنهكة أصلاً، هذا بالإضافة لأشكال الملاحقة والمطاردة والاعتقال الاستفزازي والتعسفي البغيض دون وازع يذكر، كانت أشدها قسوة.. منع العمال الفلسطينيين نهائياً من التوجه لأماكن عملهم، أسفرت عن قطع أرزاق مئات الألوف من تلك العمالة المتوجه للعمل داخل الخط الأخضر، إضافة بإقامة جدار فصل عنصري على أراضي السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، يعزل مدنهم وقراهم و يسلب أراضيهم بالاستيطان، والاجتياحات اليومية، وتهويد مقدساته في القدس، وطمس هويتها التاريخية والدينية والروحية العربية والإسلامية، وسد منافذ تواصلها جغرافياً وسكانياً وديمغرافياً مع الضفة الغربية، وعزلها ووضع الفلسطينيين داخلها وخارجها تحت الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً، ليحولها إلى معازل و"غيتوهات"، ويسرق ويضم الأراضي بلا حساب أو عقاب، بل وبتواطؤ ممن تعتبر نفسها حامية الديمقراطية، وبسط السلام في العالم.
فيما معاناة سكان قطاع غزة ليست بأفضل حال عنها، إذ اتسمت هي الأخرى بأشكال متعددة من الحرمان وقتل للحياة والأمل،... اتخذت فصولاً مختلفة من العدوان الوحشي والعنجهية الإسرائيلية الصماء،... بمحاصرة وإعدام مليون ونصف مواطن في سجن كبير، وهو يأتي في سياق الحرب الإسرائيلية المفتوحة على الشعب الفلسطيني، وممارسة سياسات تدميرية وتخريبية مختلفة لضرب العمود الفقري لاقتصاده الوطني وبنيته التحتية الهشة، التي تفتقر لكل مقومات الصمود والتحدي، من خلال استهداف إسرائيل المستمر للمنشآت الخدماتية بالقصف والتجريف للمزروعات، واقتلاع الأشجار، وتدمير الدفيئات والمنشآت الإنتاجية، وقصف الورش والمصانع، ووضع الحواجز وإغلاق المعابر والحدود بهدف تكبيد الاقتصاد الفلسطيني أكبر قدر ممكن من الخسائر، والسيطرة والتحكم في موارده الطبيعية والسلع ومواد الخام، المصدرة والمستوردة، والتي لا تمر إلا من خلال الموانئ والمنافذ التي تتحكم بها إسرائيل، مما أفرزت واقع جديد ضاعف من المعاناة الفلسطينية، فزادت نسبة الفقر والبطالة، وفي أحدث استطلاعات الرأي فاقت النسبة عن ثمانين بالمائة في قطاع غزة، ضاربة بعرض الحائط كل المعايير الدولية والمواثيق الإنسانية.
وفي هذه المناسبة التكريمية لعمال العالم، التي اتخذت الأول من شهر مايو من كل عام يوماً يتضامن فيه العالم نصرة للعمال والدفاع عن حقهم في الحياة الكريمة والعيش بعزة وجلاء... نستذكر في هذه اللحظات العامل الفلسطيني، الذي مزجت دماؤه عبر صيرورة تاريخية من العطاء والصمود الجسدي والفكري المقاوم، في كل الساحات والميادين، من أجل بناء الوطن،... وتحقيق حلمه و مشروعه الوطني الكبير، مقدماً الجوع والصبر والصمود على الاستسلام والركوع أو الخنوع… إنها الكرامة وشرف الانتماء الذي سطر أمجادها عبر صيرورة من الكفاح والمقاومة والصمود سجلتها الثورة الفلسطينية في أروع صفحاتها التاريخية، تميزت بدعم صمود العامل الفلسطيني.
نعم نستذكر معاناة الشعب الفلسطيني وطبقته الكادحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، هؤلاء الذين باتوا بين نار الاحتلال وجرائمه البشعة، وبين سنديان جحيم الانقسام والاقتتال الداخلي الفلسطيني، وما شكله من ضربة قاسمة، عصفت بالقضية وبالمشروع الوطني الفلسطيني برمته، فنالت من وحدت أراضيه ومشروعه المقاوم والسياسي التحرري، ليزيد من وطأته، لتلحق الدمار والأذى لما تبقى له من معاني الصمود، ليكون العامل الفلسطيني أحد أعمدة ضحايا هذا الانقسام، فبات منسياً، يطارد كبونة طال انتظارها هنا أو هناك، لعلها تسعف في أن تسد رمق أبنائهم الصغار بعض الوقت، لتبقى المعاناة كما هي أشهر وأعوام و....!!
وأتساءل أين أصحاب الضمائر الحية من حقوق العمال،.. أليس هم جزءاً من مكونات هذا الشعب المكلوم،..وأي مقاومة تأتي على حساب حقوقهم المهضومة، ونحن ندرك أن أي مقاومة يجب أن يتوفر لها المقومات الأزمة....؟!
كاتب وباحث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق