راسم عبيدات
الأسيران مدحت العيساوي وصالح زهران
شموع على طريق الحرية
..... المناضل مدحت العيساوي ابن قرية العيساوية، إحدى قرى شمال شرق القدس، والمحاطة بالمستوطنات من كل جانب، والتي تنهب وتصادر أراضيها لصالح المستوطنين بشكل مستمر، كما وتتعرض حركة البناء العمراني فيها لتقيدات وتعقيدات كثيرة، لمنع توسعها وتمددها، ولذلك تزداد وتتصاعد فيها عمليات هدم المنازل من قبل ما يسمى ببلدية القدس، وهذا ناتج عدا عن كون ذلك سياسية إسرائيلية، تستهدف تهويد المدينة وأسرلة سكانها، فالعيساوية تقع بين المناطق المحتلة عام 48، والأراضي التي استكمل احتلالها عام 67 ، وهي قريبة وملاصقة لعدد من المؤسسات الإسرائيلية الهامة جداً، الجامعة العبرية ومستشفى هداسا الشرقية، ومن هنا كانت دوماً في دائرة وأولويات الاستهداف الإسرائيلي لها .
وفي سبيل دفاع أهل العيساوية وسكانها عن أرضهم ووجودهم، قدموا العشرات من الشهداء، والمئات من الأسرى، وللحق يقال أنه حتى بداية مرحلة أوسلو، كانت العيساوية إحدى قلاع الجبهة الديمقراطية، وكان هناك حضور يساري لبأس به في البلدة، وبالأخص الجبهتان الديمقراطية والشعبية، والمناضل مدحت العيساوي، ليس دخيل أو طارئ أو منتمي بالصدفة، فهو ابن عائلة عريقة في النضال والكفاح، من زمن جده لأبيه احمد العيساوي، والذي كان مشهوداً له بوطنيته وحضوره كأحد رجالات الإصلاح والحل العشائري على مستوى القدس، وأعمامه هاني وتامر كانوا جزء من قادة الحركة الوطنية، وما زال لهم دور وطني ونضالي يحظى بالثقة والاحترام، وباقي العائلة هم جزء من الحركة والحالة الوطنية العامة، وأسرة مدحت على وجه الخصوص قدمت أحد أبنائها شهيداً، وفي السنوات العجاف مرحلة أوسلو ،حيث استشهد عام 1994 على أرض العيساوية، وله شقيقان قي الأسر هما سامر والمحكوم بالسجن 28 عاماً، وشادي الذي تحرر من الأسر حديثاً، ومن ثم جرى اعتقاله قبل عدة أشهر مجدداً، ومدحت والذي عرفته قبل الأسر، تربى وتعلم وقاد وتزعم منظمات الجبهة الديمقراطية الجماهيرية في القدس، حيث كان قائد الإطار الطلابي اتحاد لجان الطلبة الثانويين، ومن ثم قاد اتحاد الشباب الديمقراطي، وهذا الشاب المفعم بالنشاط والحيوية،وصدق الانتماء والإخلاص والوفاء للعمل والوطن والكفاح،آمن أن القائد مكانه في الميدان، وكما كان منخرطاً ومبادراً في الانتفاضة الأولى، لم يتأخر عن أداء دوره وواجبه في الانتفاضة الثانية، وليعتقل في عام 2001، ولتبدأ رحلته مع السجون ومراكز التحقيق التي عرفته وعرفها سابقاً، وقد شكل وجوده في المعتقل حضوراً قوياً ليس على صعيد الجبهة الديمقراطية،بل وعلى صعيد مجموع الحركة الأسيرة، ومدحت له الفضل على كثير من أبناء الحركة الأسيرة من مختلف ألوان الطيف السياسي، في التواصل مع أهاليهم وعائلاتهم، وقد دفع في أحيان كثيرة أشهر وسنوات من العزل في الزنازين وأقسام العزل الخاصة، وأصبح مدحت العيساوي، يلقب بمدحت "بيلفون"،كون إدارات السجون كانت تعتبره أحد المتهمين الرئيسيين المسؤولين عن إدخال هذه الخدمة للأسرى، ومدحت رغم العزل والقيد لم يتسرب الى نفسه اليأس مطلقاً، بل كان عميق القناعات وجذري الانتماء، وملتصق بالثورة والنضال ،التصاق الأم برضيعها، وكان محط ثقة رفاقه والذين كان يشكل لهم القدوة والقائد، وللإنصاف أقول أن والده لمدحت وسامر وشادي، هو مناضل حقيقي فتراه في كل المناشطات والفعاليات المتعلقة بالأسرى، يشحذ الهمم ويرفع من المعنويات، ولسانه سليط في الحق ،فهو ينتقد قصور وإهمال السلطة بحق الأسرى المقدسيين خاصة والأسرى الفلسطينيين عامة، وهو يرى أن الرهان على حسن النوايا والمفاوضات العبثية مع إسرائيل، لن تؤدي الى تحرير الأسرى، وخصوصاً أسرى القدس والثمانية وأربعين الذين وافق الطرف الفلسطيني المفاوض، على الشروط الإسرائيلية بعدم التحدث باسمهم وتمثيلهم.
أما الأسير المناضل صالح زهران من بلدة دير أبو مشعل / رام الله، هذه القرية التي تعتاش من الفلاحة، وصالح ابن هذه القرية، كان قد تعود على اقتحامات الجيش لبلدتهم وبيتهم، حيث اعتقل أخيه احمد لعدة سنوات، وليعاد اعتقاله قبل مدة لا تتجاوز الثلاثة شهور مرة أخرى، وصالح والذي تربى وتعود على المناشطات الانتفاضية مع الاحتلال، حيث يمر بالقرب من بلدتهم شارع استيطاني، وكثيراً ما كان شبان الانتفاضة يقومون بضرب سيارات المستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة، وينتظم صالح في إطار العمل الكفاحي،من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويشارك في العمل الانتفاضي والكفاحي كغيره من شبان القرية، ومع تطور وتواصل هذه المناشطات والفعاليات، تحركت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبدأت عملية رصد ومتابعة وملاحقة لهؤلاء الشبان، وليعتقل صالح وعدد آخر من رفاقه، مع نهابة عام 2003 ، ويبدأ رحلته الإعتقالية بمحطة نضالية جديدة، وصالح الذي التقيته في سجن عسقلان في عام 2005و2006، كان في مقتبل العمر، وبحكم عمله في " المردوان" لخدمة أسرى قسم 4+8 في سجن عسقلان، كان لا يهتم بالقراءة كثيراً، وكان المرحوم الدكتور احمد المسلماني، يطلق عليه لقب سائق الليل، حيث كان في فترة ما بعد إطفاء الكهرباء في غرف المعتقل الساعة العاشرة ليلاً، يستغل التلفاز، أما من أجل اللعب على جهاز"الأتاري"،أو حضور أفلام أجنبية، وصالح الذي كان ينام في"البرش" الواقع فوق "برشي"مباشرة ، كنت في البداية أطلب منه أن يقوم بنسخ عدد من المقالات التي أكتبها، ومن ثم نسخ بعض الجلسات السياسية، ومن ثم التحق بدراسة اللغة العبرية مع رفيقنا المعلم المخضرم في هذا الجانب محمد زياده (أبو منصور)، وبسبب تشددي في جلسة الاقتصاد السياسي،بدأ رحلة جدية من القراءة ثقافياً وتعليمياً، وصالح يمتاز بالمرح،وأذكر انه في إحدى الجلسات السياسية التي كان يقدمها أحد الرفاق والتي شطح فيها كثيراً عن الحقيقة، قال فيها صالح يا أبو شادي اختباء في "برشك"،حتى لا تأتيك رصاصة طائشة من رفيقنا المحاضر، وصالح الذي تركته في سجن عسقلان ، بعد التحرر من الأسر، كان لدي قناعات بأن هذا الشاب عنده خامة جيده إذا ما جرى استغلالها بشكل جيد،فبإمكانه أن يطور من قدراته ومعارفه وخبراته الكثير، وعندما سألت أحد الرفاق الذين تحرروا من الأسر حديثاً عن صالح، قال لي أنه التحق في الجامعة العبرية المفتوحة، وحقق نجاح متميز، ناهيك عن أنه يتطور ويتقدم بفعل الإرادة وتفهم الواقع وصدق الانتماء،في كل المجالات التنظيمية والسياسية والفكرية والمعرفية ،ويراكم خبرات وتجارب.
وتبقى قضية الأسرى مدحت العيساوي وصالح زهران، هي جزء من الهم ألاعتقالي العام،هم الحركة الأسيرة الفلسطينية، التي تحتاج للكثير من الجهود والطاقات، والعمل المخلص والدؤوب، من أجل تحرير أسرانا قبل فوات الأوان، وقبل أن يتحول الكثير منهم لشهداء.
القدس- فلسطين
الأسيران مدحت العيساوي وصالح زهران
شموع على طريق الحرية
..... المناضل مدحت العيساوي ابن قرية العيساوية، إحدى قرى شمال شرق القدس، والمحاطة بالمستوطنات من كل جانب، والتي تنهب وتصادر أراضيها لصالح المستوطنين بشكل مستمر، كما وتتعرض حركة البناء العمراني فيها لتقيدات وتعقيدات كثيرة، لمنع توسعها وتمددها، ولذلك تزداد وتتصاعد فيها عمليات هدم المنازل من قبل ما يسمى ببلدية القدس، وهذا ناتج عدا عن كون ذلك سياسية إسرائيلية، تستهدف تهويد المدينة وأسرلة سكانها، فالعيساوية تقع بين المناطق المحتلة عام 48، والأراضي التي استكمل احتلالها عام 67 ، وهي قريبة وملاصقة لعدد من المؤسسات الإسرائيلية الهامة جداً، الجامعة العبرية ومستشفى هداسا الشرقية، ومن هنا كانت دوماً في دائرة وأولويات الاستهداف الإسرائيلي لها .
وفي سبيل دفاع أهل العيساوية وسكانها عن أرضهم ووجودهم، قدموا العشرات من الشهداء، والمئات من الأسرى، وللحق يقال أنه حتى بداية مرحلة أوسلو، كانت العيساوية إحدى قلاع الجبهة الديمقراطية، وكان هناك حضور يساري لبأس به في البلدة، وبالأخص الجبهتان الديمقراطية والشعبية، والمناضل مدحت العيساوي، ليس دخيل أو طارئ أو منتمي بالصدفة، فهو ابن عائلة عريقة في النضال والكفاح، من زمن جده لأبيه احمد العيساوي، والذي كان مشهوداً له بوطنيته وحضوره كأحد رجالات الإصلاح والحل العشائري على مستوى القدس، وأعمامه هاني وتامر كانوا جزء من قادة الحركة الوطنية، وما زال لهم دور وطني ونضالي يحظى بالثقة والاحترام، وباقي العائلة هم جزء من الحركة والحالة الوطنية العامة، وأسرة مدحت على وجه الخصوص قدمت أحد أبنائها شهيداً، وفي السنوات العجاف مرحلة أوسلو ،حيث استشهد عام 1994 على أرض العيساوية، وله شقيقان قي الأسر هما سامر والمحكوم بالسجن 28 عاماً، وشادي الذي تحرر من الأسر حديثاً، ومن ثم جرى اعتقاله قبل عدة أشهر مجدداً، ومدحت والذي عرفته قبل الأسر، تربى وتعلم وقاد وتزعم منظمات الجبهة الديمقراطية الجماهيرية في القدس، حيث كان قائد الإطار الطلابي اتحاد لجان الطلبة الثانويين، ومن ثم قاد اتحاد الشباب الديمقراطي، وهذا الشاب المفعم بالنشاط والحيوية،وصدق الانتماء والإخلاص والوفاء للعمل والوطن والكفاح،آمن أن القائد مكانه في الميدان، وكما كان منخرطاً ومبادراً في الانتفاضة الأولى، لم يتأخر عن أداء دوره وواجبه في الانتفاضة الثانية، وليعتقل في عام 2001، ولتبدأ رحلته مع السجون ومراكز التحقيق التي عرفته وعرفها سابقاً، وقد شكل وجوده في المعتقل حضوراً قوياً ليس على صعيد الجبهة الديمقراطية،بل وعلى صعيد مجموع الحركة الأسيرة، ومدحت له الفضل على كثير من أبناء الحركة الأسيرة من مختلف ألوان الطيف السياسي، في التواصل مع أهاليهم وعائلاتهم، وقد دفع في أحيان كثيرة أشهر وسنوات من العزل في الزنازين وأقسام العزل الخاصة، وأصبح مدحت العيساوي، يلقب بمدحت "بيلفون"،كون إدارات السجون كانت تعتبره أحد المتهمين الرئيسيين المسؤولين عن إدخال هذه الخدمة للأسرى، ومدحت رغم العزل والقيد لم يتسرب الى نفسه اليأس مطلقاً، بل كان عميق القناعات وجذري الانتماء، وملتصق بالثورة والنضال ،التصاق الأم برضيعها، وكان محط ثقة رفاقه والذين كان يشكل لهم القدوة والقائد، وللإنصاف أقول أن والده لمدحت وسامر وشادي، هو مناضل حقيقي فتراه في كل المناشطات والفعاليات المتعلقة بالأسرى، يشحذ الهمم ويرفع من المعنويات، ولسانه سليط في الحق ،فهو ينتقد قصور وإهمال السلطة بحق الأسرى المقدسيين خاصة والأسرى الفلسطينيين عامة، وهو يرى أن الرهان على حسن النوايا والمفاوضات العبثية مع إسرائيل، لن تؤدي الى تحرير الأسرى، وخصوصاً أسرى القدس والثمانية وأربعين الذين وافق الطرف الفلسطيني المفاوض، على الشروط الإسرائيلية بعدم التحدث باسمهم وتمثيلهم.
أما الأسير المناضل صالح زهران من بلدة دير أبو مشعل / رام الله، هذه القرية التي تعتاش من الفلاحة، وصالح ابن هذه القرية، كان قد تعود على اقتحامات الجيش لبلدتهم وبيتهم، حيث اعتقل أخيه احمد لعدة سنوات، وليعاد اعتقاله قبل مدة لا تتجاوز الثلاثة شهور مرة أخرى، وصالح والذي تربى وتعود على المناشطات الانتفاضية مع الاحتلال، حيث يمر بالقرب من بلدتهم شارع استيطاني، وكثيراً ما كان شبان الانتفاضة يقومون بضرب سيارات المستوطنين بالحجارة والزجاجات الحارقة، وينتظم صالح في إطار العمل الكفاحي،من خلال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويشارك في العمل الانتفاضي والكفاحي كغيره من شبان القرية، ومع تطور وتواصل هذه المناشطات والفعاليات، تحركت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبدأت عملية رصد ومتابعة وملاحقة لهؤلاء الشبان، وليعتقل صالح وعدد آخر من رفاقه، مع نهابة عام 2003 ، ويبدأ رحلته الإعتقالية بمحطة نضالية جديدة، وصالح الذي التقيته في سجن عسقلان في عام 2005و2006، كان في مقتبل العمر، وبحكم عمله في " المردوان" لخدمة أسرى قسم 4+8 في سجن عسقلان، كان لا يهتم بالقراءة كثيراً، وكان المرحوم الدكتور احمد المسلماني، يطلق عليه لقب سائق الليل، حيث كان في فترة ما بعد إطفاء الكهرباء في غرف المعتقل الساعة العاشرة ليلاً، يستغل التلفاز، أما من أجل اللعب على جهاز"الأتاري"،أو حضور أفلام أجنبية، وصالح الذي كان ينام في"البرش" الواقع فوق "برشي"مباشرة ، كنت في البداية أطلب منه أن يقوم بنسخ عدد من المقالات التي أكتبها، ومن ثم نسخ بعض الجلسات السياسية، ومن ثم التحق بدراسة اللغة العبرية مع رفيقنا المعلم المخضرم في هذا الجانب محمد زياده (أبو منصور)، وبسبب تشددي في جلسة الاقتصاد السياسي،بدأ رحلة جدية من القراءة ثقافياً وتعليمياً، وصالح يمتاز بالمرح،وأذكر انه في إحدى الجلسات السياسية التي كان يقدمها أحد الرفاق والتي شطح فيها كثيراً عن الحقيقة، قال فيها صالح يا أبو شادي اختباء في "برشك"،حتى لا تأتيك رصاصة طائشة من رفيقنا المحاضر، وصالح الذي تركته في سجن عسقلان ، بعد التحرر من الأسر، كان لدي قناعات بأن هذا الشاب عنده خامة جيده إذا ما جرى استغلالها بشكل جيد،فبإمكانه أن يطور من قدراته ومعارفه وخبراته الكثير، وعندما سألت أحد الرفاق الذين تحرروا من الأسر حديثاً عن صالح، قال لي أنه التحق في الجامعة العبرية المفتوحة، وحقق نجاح متميز، ناهيك عن أنه يتطور ويتقدم بفعل الإرادة وتفهم الواقع وصدق الانتماء،في كل المجالات التنظيمية والسياسية والفكرية والمعرفية ،ويراكم خبرات وتجارب.
وتبقى قضية الأسرى مدحت العيساوي وصالح زهران، هي جزء من الهم ألاعتقالي العام،هم الحركة الأسيرة الفلسطينية، التي تحتاج للكثير من الجهود والطاقات، والعمل المخلص والدؤوب، من أجل تحرير أسرانا قبل فوات الأوان، وقبل أن يتحول الكثير منهم لشهداء.
القدس- فلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق