السبت، أبريل 12، 2008

من هو رئيس وزراء باكستان الثالث والعشرون؟

د. عبدالله المدني
منذ انفصالها عن الهند البريطانية وقيامها كدولة مستقلة في منتصف أغسطس/آب 1947 وحتى الشهر الجاري، شهدت باكستان 32 حكومة، فيما بلغ عدد رؤساء حكوماتها 23 ، على اعتبار أن بعض الحكومات شكلها رؤساء وزراء سابقون. غير أنه في القائمة أيضا شخصيات جمعت ما بين رئاسة الحكومة والدولة ومنصب الحاكم العام – المتوارث من الزمن البريطاني - و الذي بدأ مع الزعيم المؤسس محمد علي جناح ولم يلغ لصالح منصب رئيس الجمهورية إلا في عام 1956 ، زمن الجنرال اسكندر ميرزا الذي تصفه الأدبيات التاريخية الباكستانية بأنه آخر حاكم عام للبلاد وأول رئيس جمهورية لها ( رغم أن هاتين الصفتين لم تحفظ للرجل حتى حق الدفن في تراب بلاده من بعد وفاته في المنفى البريطاني في عام 1969 ليأتي شاه إيران محمد رضا بهلوي ويأمر بنقل جثمان الرجل للدفن في إيران بكامل الطقوس المتعارف عليها في حالات دفن الزعماء). وفي القائمة أيضا فترات خلت من وجود مجلس وزراء بسبب تطبيق الأحكام العرفية، من اشهرها وأطولها الفترة الممتدة من أكتوبر/تشرين الأول 1958 وحتى مارس / آذار 1969 والتي أدارها الفيلد ماريشال محمد أيوب خان، ثم الفترة الممتدة من الخامس من يوليو/ تموز 1977 إلى 24 مارس/ آذار 1985 والتي أدارها الجنرال محمد ضياء الحق.

32 حكومة و23 رئيس وزراء
والحكومات التي شكلت منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم، كان على رأسها التالية أسماؤهم بحسب تواريخ شغلهم للمنصب:
محمد علي جناح، لياقت علي خان، خواجه نظام الدين، محمد علي بورغا، تشودري محمد علي، حسين شهيد سهرواردي، إبراهيم إسماعيل تشوندريغار، السير فيروز خان نون، محمد أيوب خان، نور الأمين، ذوالفقار علي بوتو، محمد ضياء الحق، محمد خان جونيجو، محمد ضياء الحق، بي نظير بوتو، غلام مصطفى جاتوئي، نواز شريف، بلخ شير مزاري، نواز شريف، معين قريشي، بي نظير بوتو، معراج خالد، نواز شريف، برويز مشرف، برويز مشرف، ظفر الله خان جمالي، تشودري شجاعت حسين، شوكت عزيز، وأخيرا مخدوم سيد يوسف رضا جيلاني الذي شكل الحكومة الثالثة والعشرين هذا الشهر.



ست رؤساء حكومات فقط من الجناح الشرقي
وبقراءة القائمة السابقة قراءة تحليلية نجد انه على مدى نحو ربع قرن من ارتباط ما صار يعرف اليوم بدولة بنغلاديش بباكستان كجناح شرقي للأخيرة، لم يصل إلى سدة رئاسة الوزراء من ذوي الثقافة البنغالية إلا ست شخصيات. وهذه الشخصيات هي: خواجة نظام الدين ، محمد علي بورغا، حسين شهيد سهرواردي، إبراهيم إسماعيل تشوندريغار، نور الأمين، اسكندر ميرزا. الأمر الآخر الملفت للنظر هو أن كل هؤلاء تولوا رئاسة الحكومة في السنوات الأولى من قيام باكستان، أي قبل أن يكتشف أبناء الجناح الشرقي أن الكيان المسلم المستقل والذي أرادوه حاميا لهم من تمييز مفترض ضدهم من قبل هندوس الهند، هو نفسه الذي يمارس التمييز ضدهم. هذا الاكتشاف الذي ظهر جليا في انتخابات عام 1971 والتي رفض قادة الجناح الغربي وعلى رأسهم زعيم حزب الشعب ذوالفقار علي بوتو ورئيس الجمهورية الجنرال محمد يحيى خان نتائجها، فقط لأن زعيما شعبيا بارزا من الجناح الشرقي يدعى الشيخ مجيب الرحمن اكتسحها، وهو ما أطلق الشرارة الأولى لحرب البنغال التي أدت ضمن نتائج أخرى إلى تمزيق باكستان وقيام دولة بنغلاديش.


رئيس حكومة وحيد من الاقلية البلوشية
مقابل الشخصيات البنغالية الست المذكورة، هذا كان هناك 16 رئيس حكومة من الجناح الغربي، موزعين كما يلي: ست من إقليم السند (محمد علي جناح و ذوالفقار علي بوتو و بي نظير بوتو ومحمد خان جونيجو وغلام مصطفى جاتوئي، وشوكت عزيز) وثمان من إقليم البنجاب(السير فيروز خان نون ولياقت علي خان و الماريشال محمد أيوب خان (البشتوني عرقا والبنجابي ميلادا) والجنرال ضياء الحق ومعين قريشي ومعراج خالد ونواز شريف و تشودري شجاعت حسين) وواحد فقط من الأقلية البلوشية (ظفر الله خان جمالي)، إضافة إلى السردار بلخ شير مزاري المنتمي إلى الحزام الحدودي الفاصل ما بين أراضي السند والبنجاب وبلوشستان)، و المسمى بالمناطق السيراكية حيث تختلط القبائل البنجابية بالبلوشية والسندية وتسمع لهجات مختلفة وتمارس مذاهب وطقوس متعددة اشهرها الصوفية. وربما كان الانتماء إلى هذه المنطقة التي من اشهر مدنها راجانبور و جامبور وروح جهان، و فضلبور و ميرانبور وحاجيبور ونوربور، هو القاسم المشترك الوحيد بين هذا الذي تولى حكومة انتقالية ما بين 18 ابريل/ نيسان 1993 و 26 مايو/ أيار منه وبين رئيس الوزراء الحالي المنحدر من عائلة من كبار ملاك الأراضي من مولتان، فضلا عن أنها عائلة تملك نفوذا سياسيا وروحيا كبيرا.



رئيس الحكومة الجديد : ميلاده ودراسته
ولد الرجل في كراتشي، ميناء باكستان الأكبر واشهر مدنها، في التاسع من يونيو/ حزيران 1952 لأب هو السيد "موسى باك" الذي عرف بزعامته الروحية في مولتان وبنشره للطريقة الصوفية القادرية، والأخير يقال انه منحدر من إقليم جيلان في بلاد فارس. تلقى رئيس الوزراء الجديد علومه الأولية في مدرستي سانت ماري و سال في مولتان، قبل أن يحصل في عام 1970 على ليسانس الصحافة من جامعة البنجاب، وفي عام 1976 على ماجستير الصحافة من الجامعة نفسها. وفي هذا، يختلف جيلاني عن العديد من رؤساء حكومات باكستان الذين ذهبوا إلى الغرب للتخصص وتخرجوا من جامعات بريطانية عريقة مثل كامبردج واكسفورد، على نحو ما حدث مع جناح، ولياقت علي خان، وسهرواردي، وفيروز خان، وبوتو الأب، وبي نظير بوتو، و محمد خان جونيجو، وغلام مصطفى جاتوئي، و معراج خالد، ناهيك عن الماريشال أيوب خان الذي أكمل علومه العسكرية في كلية ساند هيرست


سيرته الاجتماعية
وتقول سيرة جيلاني الاجتماعية انه متزوج وله من الأبناء أربع ومن البنات واحدة هي فائزة جيلاني التي أنجبت له حفيدا. ومؤخرا ارتبط اكبر أبناء الرجل واسمه "يوسف رضا، مخدوم سيد عبدالقادر جيلاني" بحفيدة الزعيم السندي النافذ " بير بغارا"


خبراته السياسية
ويأتي جيلاني إلى السلطة التنفيذية في بلاده مسلحا بخبرة طويلة في عالم السياسة التي خاض غمارها ابتداء من خلال الانتساب إلى حزب الرابطة الإسلامية، وفي زمن تميز بالقمع والمطاردة والتضييق على السياسيين والمتحزبين، ونقصد بذلك زمن الأحكام العرفية التي فرضها الجنرال ضياء الحق في أواخر السبعينات بعيد انقلابه المشؤوم على حكومة ذوالفقار علي بوتو المدنية المنتخبة. كما أن خبرته في إدارة الشئون الحكومية ليست بالبسيطة. ذلك أن دخوله عالم السياسة سهل له البروز الحزبي وبالتالي وقوع الاختيار عليه من قبل رئيس الوزراء "محمد خان جونيجو" ليتولى أولا حقيبة العمل والإسكان من ابريل/ نيسان 1985 وحتى يناير/كانون الثاني 1986، ومن ثم حقيبة السكك الحديدية من يناير/ كانون الثاني 1986 إلى ديسمبر/ كانون الأول منه

ويستطيع جيلاني أن يفتخر بأمور أخرى كثيرة وقد دانت له اليوم قيادة بلاده بتخويل شعبي، وان لم يكن هذا التخويل حاسما! فخبرته السياسية لا يستمدها فقط من حزب الرابطة الإسلامية النافذ في إقليم البنجاب، بل وأيضا من حزب البلاد القوي الآخر أي حزب الشعب النافذ في إقليم السند. ذلك انه في العام 1988 قرر الانتقال إلى الأخير ليصبح منذ ذلك التاريخ مواليا صلبا لآل بوتو، ورفيقا للراحلة بي نظير وزوجها آصف علي زرداري في ابرز محطاتهما السياسية وصراعاتهما القضائية ومبارزاتهما التشريعية. و بسبب من هذا الولاء اختارته بي نظير وزيرا في حكومتها الأولى ما بين 1988 و 1990 أولا كوزير للسياحة ثم كوزير للإسكان والعمل.


خبراته التشريعية
وقد أضاف جيلاني إلى ما سبق خبرات جديدة من خلال ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمعية الوطنية في بداية عهد بي نظير بوتو الثاني في عام 1993 ، فنال مراده ليبقى في المنصب حتى فبراير/ كانون الثاني 1997 ، هذا علما بأن الرجل كان قد فاز مرارا كنائب في البرلمان عن منطقة مولتان، مما عزز خبراته كمشرع وساعده على الاحتكاك ببرلمانيين أجانب. وكان آخر مرة فاز فيها بمقعد نيابي في عام 2008 حينما اكتسح اسكندر حيات مرشح حزب الرابطة الإسلامية – جناح القائد الأعظم (الموالي للجنرال برويز مشرف).



تجربته في المعتقل
وتجربة دخول السجن والمعتقل التي تخلو منها سير معظم رؤساء الحكومات الباكستانية في العصر الحديث، على خلاف الرعيل الأول منهم الذين سجن معظمهم في زمن الهند البريطانية لنشاطهم السياسي، تحتاج إلى وقفة. ففي الحادي عشر من فبراير/ كانون الثاني 2001 تم إلقاء القبض عليه بموجب اتهام من مكتب المحاسبة الوطني ومفوضية مكافحة الفساد الحكومية التي كانت حكومة الرئيس برويز مشرف العسكرية قد أقامتها في عام 1999 بسؤ استخدام صلاحياته أثناء شغله منصب رئاسة الجمعية الوطنية، وتحديدا بتهمة صرف أموال حكومية في توظيف 600 شخص من دائرته الانتخابية، وتكبيد وزارة المالية خسائر سنوية تزيد على 30 مليون روبية. وهما التهمتان اللتان كانت عقوبتهما السجن لمدة ست أعوام.



ماذا يعني انحداره من الحزام السريلانكي؟
بناء على المعطيات السابقة، قيل عن لجؤ حزب الشعب، الفائز الأكبر في انتخابات فبراير/ شباط النيابية الأخيرة، إلى اختيار جيلاني لرئاسة الحكومة الائتلافية، وتجاوز شخصيات أخرى محسوبة عليه أو على شريكه الأقوى (حزب الرابطة الإسلامية – جناح نواز شريف)، انه أسلوب مقصود يستهدف تضييق المنافسة التقليدية ما بين البنجابيين وأبناء السند، على اعتبار أن جيلاني يملك روابط وعلاقات طيبة بكلا الجانبين، ويمكن أن يصنف في كلتا الخانتين. من جهة أخرى، قيل أن اختيار رجل مثله من منطقة الحزام السريلاكي في اقليم البنجاب، يمكن أن يضفي على منصب رئاسة الحكومة الاحترام، على اعتبار أن أبناء هذه المنطقة معروفون بالحكمة والرؤية الصائبة ويعتبرون أنفسهم رسل سلام ومحبة وتعايش، انطلاقا من التعاليم الصوفية.

فهل يا ترى، سترى باكستان تحت إدارة رئيس وزرائها الثالث والعشرين مخدوم سيد يوسف رضا جيلاني نمطا جديدا من القيادة، أم أن الأمر لن يكون سوى تكرار لما حدث في عهد أسلافه؟

د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة : 6 ابريل/ نيسان 2008
البريد الالكتروني : elmadani@batelco.com.bh

ليست هناك تعليقات: