الأحد، أبريل 06، 2008

اسقاط "اعلان صنعاء" عربيا

نقولا ناصر
(لقد حان الوقت لكي يفك القادة العرب ، وفي مقدمتهم قادة فلسطين ، الارتباط بين عملية السلام مع الاحتلال الاسرائيلي وبين المصالحة الفلسطينية ، من اجل تحقيق هذه المصالحة ، التي يثبت يوميا ان أي عملية سلام محكوم عليها بالفشل دونها)

كان اقرار قمة دمشق العربية للمبادرة اليمنية دون اقرار "اعلان صنعاء" المنبثق عنها احدث مثال على موقف عربي يتسم بانعدام للحسم ازاء الانقسام الفلسطيني يساهم في اطالة امد هذا الانقسام بكل ما يترتب على استمراره من مضاعفات تجعل حله اكثر تعقيدا وابعد منالا بمرور الوقت .

طبعا لا يمكن اتهام الموقف العربي باللامبالاة ازاء الانقسام الفلسطيني الذي كان على جدول اعمال قمة دمشق وقبلها قمة الرياض ناهيك عن اجتماعات وزراء الخارجية العرب كما لا يمكن توجيه الاتهام نفسه للعرب فرادى بدليل المبادرات "القطرية" العديدة والمتتالية لحل الخلاف الفلسطيني بدءا من المبادرة القطرية وانتهاء بالمبادرة اليمنية .

لقد اخذ الرئيس السوري بشار الاسد بصفته الرئيس الدوري للقمة العربية على عاتقه متابعة ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية وقالت تقارير اخبارية انه ينوي ترتيب "قمة فلسطينية" في دمشق على اساس المبادرة اليمنية للمساهمة في حل انقسام احبط حتى الان كل المبادرات الفلسطينية والعربية لحله .

غير ان استنكاف قمة دمشق عن اقرار "اعلان صنعاء" ومسارعة الرئاسة الفلسطينية الى وأد هذا الاعلان قبل ان يجف حبره يشير بصورة واضحة الى ان العوامل الدولية وامتداداتها الفلسطينية ما زالت قوية لكي تحول دون انجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية بقدر ما تشير الى وجود عوامل ذاتية فلسطينية لدى طرفي الانقسام لا تريد لهذه المصالحة ان تتم ولا بد من الاشارة هنا الى الجراة الادبية التي دفعت عزام الاحمد ، الذي وقع اعلان صنعاء عن منظمة التحرير الفلسطينية وفتح ، الى وضع اصبعه على الجرح عندما قال بوضوح لا لبس فيه انه يوجد "هنا وهناك" ، أي في فتح وحماس ، من لا يريد للمصالحة الوطنية ان تتم .

ان عدم اقرار "اعلان صنعاء" في قمة دمشق كان نجاحا للرئيس الفلسطيني محمود عباس بقدر ما كان توقيع هذا الاعلان نجاحا للقيادة اليمنية ومبادرتها لذلك فان تراجع القمة عنه كان في الواقع انحيازا منها للرئيس عباس بقدر ما كان تراجعا عن انجاز حققته المبادرة اليمنية وترك ارتياحا فلسطينيا عاما خلق تفاؤلا وطنيا بان الانقسام الفلسطيني ربما خطا الخطوة الاولى نحو الحل ، لكن الاهم ان اسقاط الاعلان من البيان الختامي للقمة كان فشلا لها ونكسة للمبادرة اليمنية اعادتها الى الوراء لتطيل امد الانقسام الفلسطيني .

ولم يكن الحسم او اللاحسم العربي افضل حالا ازاء اتفاق مكة الذي اعتمدته المبادرة اليمنية في نصها الذي اعتمدته قمة دمشق بدورها ، فالموقف العربي ، وفي مقدمته السعودي ، عجز عن حماية هذا الانجاز الذي اسس لشراكة وطنية في صنع القرار الفلسطيني اذ لو توفر حد ادنى من التضامن العربي لحماية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن الاتفاق من الحصار الاميركي – الاوروبي – الاسرائيلي التي فرض عليها لما وقع الانقسام بل ربما كانت حظوظ عملية السلام نفسها افضل بكثير مما هي عليه الآن .

وفي هذا السياق لا ينبغي اغفال الدلالات التي ينطوي عليها الهجوم الذي شنه الاسبوع الماضي ايمن الظواهري الساعد الايمن لاسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على قيادة حماس ولا دلالات ان تقتبس صحيفة "اراب نيوز" السعودية في افتتاحية لها يوم الخميس الماضي من رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل قوله ان "حماس التزمت بحل سياسي على اساس وثيقة المصالحة الوطنية (وثيقة الاسرى) يعيد اسرائيل الى حدود ما قبل عام 1967 ويسمح باقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشريف" ل"ترحب" الصحيفة السعودية بهذا "التغير" في موقف حماس التي سبق لها ان كررت تفويضها لمنظمة التحرير والرئيس عباس بالتفاوض ، وهو الموقف الذي اثار غضب الظواهري لكنه حتى الان لا يلقى سوى آذانا صماء من الاحتلال الاسرائيلي وراعيه الاميركي .

ويقترن موقف حماس هذا مع تراجع كل اركان فريق التفاوض الفلسطيني عن تفاؤلهم السابق الذي بنوه على وعد الرئيس الاميركي جورج دبليو. بوش لهم باقامة دولة فلسطينية قبل انتها ولايته في كانون الثاني / يناير المقبل نتيجة لانهيار عملية انابوليس التي يجمعون على انها تتحطم الآن على صخرة استشراء سرطان الاستيطان اليهودي خصوصا في بيت المقدس ، بحيث اصبح المفاوض الفلسطيني اكثر تواضعا فيما يعد شعبه به ، اذ تراجع المفاوض عن وعده بدولة بنهاية العام الحالي الى وعده باتفاق على قضايا "الوضع النهائي" ، قبل ان يشكك الرئيس عباس في القاهرة يوم الاربعاء الماضي في احراز أي تقدم حتى لانجاز متواضع كهذا لم تتمخض لقاءاته الدورية كل اسبوعين مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال ايهود اولمرت منذ ايار / مايو المنصرم ولا الاجتماعات السرية لفريقه المفاوض (التي زادت على 50 لقاء سريا غير اللقاءات العلنية حسب يديعوت احرونوت في 30 الشهر الماضي) عن كتابة حرف واحد فيه .

ويتزامن كل ذلك مع توقعات واقعية بشن حروب عدوانية اسرائيلية واميركية جديدة في المنطقة منها عدوان اسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان ، كما يتوقع خالد مشعل ، في وقت تنبا اركان فريق الرئيس عباس علنا بفشل حل الدولتين حسب "رؤية" بوش بينما يحذر علنا ايضا حلفاء عباس في استراتيجية السلام من امثال د. مصطفى البرغوثي وغسان الخطيب من فشل استراتيجية عزل حماس ويطالبون بمراجعة لهذه الاستراتيجية تقترن بتعليق او وقف المفاوضات العقيمة مع اسرائيل لينضم اليهم خلال الاسبوع الماضي "بلدوزر" سلام فلسطيني من وزن ياسر عبد ربه .

ان حصيلة 14 جولة لوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في المنطقة خلال ال 15 شهرا المنصرمة وبعد اكثر من اربعة شهور على اطلاق عملية انابوليس تكاد تكون صفرا كما قالت النيويورك تايمز في افتتاحية لها يوم الاربعاء الماضي ، اذ "لم يتغير شيء . فكل ما يحدث هو علاقات عامة" اميركية كما قال رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات . فهل تكفي هذه "الحصيلة" لاستمرار الرعب الفلسطيني من تهديد اسرائيل ب"انهاء المحادثات" ان تصالحت حركتا فتح وحماس كما ذكرت صحيفة هآرتس في 24 الشهر الماضي . لكن ليس انهاء المحادثات هو ما يرعب الرئاسة الفلسطينية بل ما يتبع انهاءها من اعادة فرض الحصار على الضفة الغربية كما قطاع غزة وهنا ياتي دور الدور العربي المفقود سواء عبر مؤسسة القمة او دونها .

لماذا اذن استمرار الرهان العربي على عملية سلام وصلت الى طريق مسدود ، وهل يوجد أي تفسير مقنع لمواصلة اللهاث وراء هذا الوهم غير التورط في رهانات عقيمة على الولايات المتحدة ثمنها اطالة امد الانقسام الفلسطيني بكل المخاطر التي ينطوي عليها فلسطينيا وعربيا . الم يحن الوقت لاجراء اعادة تقويم كاملة لاستراتيجية السلام العربية والفلسطينية كما قال امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في دمشق ، تحرر الفلسطينيين من انقسامهم ؟

ان موقف قمة دمشق هو استمرار لنهج غير حاسم اتسمت به القمم التي سبقتها ومؤسسة جامعة الدول العربية بصفة عامة في معظم القضايا العربية التي فشلت في معالجة أي منها ، لكن في القضية الفلسطينية بصفة خاصة . فلجنة تقصي حقائق ما حدث في قطاع غزة في حزيران / يونيو الماضي التي اقرتها قمة الرياض السابقة بحاجة الان الى لجنة تتقصى ما حل بها ولماذا لم تفعل شيئا ، اما قرار وزراء الخارجية العرب اللاحق بالعمل على رفع الحصار عن القطاع فقد طواه النسيان الا عندما تذكر به حماس بين وقت وآخر .

ويبدو واضحا ان قمة دمشق "علقت" المصالحة الفلسطينية مثلما "علقت" كل القضايا الرئيسية الاخرى التي عرضت عليها مانحة بذلك فسحة زمنية لاختبار الوعود الاميركية للعرب ولعرب فلسطين منهم بخاصة لذلك فانها لم تحسم امرها في مصير مبادرة السلام العربية بل جددت التزامها بها لكنها تركت مراجعتها للقاء يعقده وزراء خارجيتها في حزيران / يونيو المقبل وليس سرا ان مصير المصالحة الفلسطينية مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير الوعود الاميركية للرئاسة الفلسطينية .

ومما يؤكد هذا الارتباط الوثيق بين مصير عملية السلام وبين مصير المصالحة الفلسطينية ان كل العوامل الفلسطينية الذاتية والعربية تكاد تكون مكتملة لانهاء الانقسام الفلسطيني فالاجماع الوطني والعربي على خطورة استمرار هذا الانقسام وحيوية الوحدة الوطنية للنضال الفلسطيني وحتى لعملية السلام نفسها يكاد يكون كاملا لكن ما يحول دون تحويل الاجماع الفلسطيني والعربي الى قرار ثم واقع على الارض هو استمرار التعلق الفلسطيني والعربي باحتمال تدحضه كل الوقائع ان يفي الاميركان بوعودهم التي يشترطون مسبقا للوفاء بها استمرار الانقسام الفلسطيني .

ومن الواضح ان توقيت لقاء وزراء الخارجية العرب في حزيران / يونيو المقبل املته الاجندة الاميركية فقمة دمشق ارادت معرفة ما ستتمخض عنه القمة الاميركية – الفلسطينية عندما يلتقي الرئيسان بوش ومحمود عباس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري وما ستتمخض عنه زيارة بوش لاسرائيل في الرابع عشر من ايار / مايو المقبل وما ستتمخض عنه قمة اميركية – اسرائيلية – فلسطينية – مصرية – اردنية يجري الحديث عن الاعداد لها في شرم الشيخ المصرية اثناء زيارة بوش ، في تجاهل مثير للاستغراب لحقيقة ان الهدف الرئيسي لزيارة الرئيس الاميركي المقبلة هو مشاركة اسرائيل في احتفالاتها في الذكرى السنوية الستين لتاسيسها وان أي اجتماعات اقليمية اخرى قد تتزامن معها لن تزيد على كونها لقاءات مجاملة وعلاقات عامة لا يتوقع ان ينجز بوش فيها ما رفض انجازه طوال ثماني سنوات من ولايتيه .

لقد حان الوقت لكي يفك القادة العرب ، وفي مقدمتهم قادة فلسطين ، الارتباط بين عملية السلام مع الاحتلال الاسرائيلي وبين المصالحة الفلسطينية ، من اجل تحقيق هذه المصالحة ، التي يثبت يوميا ان أي عملية سلام محكوم عليها بالفشل دونها ، مثلما هي عملية السلام العربية الاسرائيلية محكوم عليها بالفشل طالما استمر الانقسام العربي ، وقد اثبتت استراتيجية عزل او تصفية "الراي الآخر" غير الاميركي في الحالتين فشلها وان نتائجها كانت عكسية على عملية السلام نفسها . لقد تغير العرب والفلسطينيون كثيرا وقد حان الوقت لكي يتغير الاسرائيليون والاميركيون بعد ستين عاما من الفشل في املاء ارادتهم على العرب والفلسطينيين منهم بخاصة .

*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*

ليست هناك تعليقات: