نقولا ناصر
(ان بوش الذي يشترط التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى "تعريف" للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة لا يرى أي تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها)
من يتابع الاستعدادات القائمة على قدم وساق للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لانشاء دولة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين لا يسعه الا ملاحظة ان اثنين من آل بوش سيقودان هذه الاحتفالات احدهما الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب في الولايات المتحدة والثاني الرئيس الحالي بوش الابن في اسرائيل ولا يسعه كذلك سوى ان يلاحظ بان واشنطن تحتفل بالمناسبة باعتبارها انجازا اميركيا تاريخيا وبطريقة وفي ظروف تجعل أي حديث اميركي عن اقامة دولة فلسطينية مجرد نكتة سمجة تستهتر ليس فقط بالنكبة العربية في فلسطين وبالطموحات الوطنية المشروعة لضحايا النكبة في حقهم في تقرير المصير واقامة دولة لهم على ترابهم الوطني بل تستهتر ايضا بعقول ومشاعر من ما زالوا في المنطقة يراهنون على واشنطن للمساهمة في احلال سلام اقليمي عادل وشامل .
غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بالضد من كل الحقائق المحبطة حد الياس ، متمسك باصرار بان يستمر في منح شعبه بارقة امل في ان الموقف الاميركي يمكن ان يساهم في احلال سلام على اساس حل الدولتين ، لكنه في الوقت نفسه يحرص على عدم الخلط بين الامل وبين السراب الخادع وبالتالي فانه لم يتردد في ان يعترف علنا بانه عاد من قمته يوم الخميس الماضي مع الرئيس بوش بخفي حنين ليقول للاسوشيتدبرس ، بلهجة وصفتها الوكالة ب"المتشائمة" ، في مقابلة استغرقت خمسة عشرة دقيقة بجناحه الفندقي بواشنطن يوم الجمعة الماضي ، انه "فشل" في احراز أي تقدم في محادثاته مع بوش .
قال عباس: "بصراحة ، حتى الان لم يتحقق شيء" ، واعرب عن "خيبة امله" لان الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغط على اسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية ، ونقلت الوكالة عن مساعديه انه خرج "مستاء" من لقائه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يوم الخميس ، ليقول للاسوشيتدبرس في ختام زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي ان الاميركان لم يقدموا أي مقترحات جديدة ، وانه لم يتم احراز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية وان "كل الملفات ما زالت مفتوحة ولم يتم الانتهاء من اي واحد منها" ، ليضيف فيما وصفته الوكالة ب"ومضة غضب نادرة" قائلا: "لقد طالبناهم ان يتحدثوا عن حدود عام 1967 (لكن) ايا منهم (أي المسؤولون الاميركان الذين قابلهم) لا يتحدث عن حدود 1967" .
بالرغم من ذلك اعلن عباس انه سوف يواصل لقاءاته الدورية مع رئيس وزراء دولة الاحتلال ايهود اولمرت وسوف يلتقي بوش ثانية في شرم الشيخ بعد يومين ونصف اليوم يقضيها الاخير في مشاركة الاسرائيليين احتفالاتهم بالذكرى السنوية الستين لاقامة دولتهم اواسط الشهر المقبل ، مما دفع الكثير من المحللين الفلسطينيين والعرب الى التساؤل عن السر الكامن وراء اصرار عباس على مواصلة هذا النهج بالرغم من حقائق الموقف الاميركي التي تصفع دون رحمة أي حد ادنى بقي لاي امل فلسطيني في هذا الموقف .
واذا كانت مقابلة عباس نفسه مع الاسوشيتدبرس هي احدث هذه الحقائق فان ما كشفه تقرير للواشنطن بوست عشية قمته مع بوش يقدم تفسيرا واضحا لرفض أي مسؤول اميركي الحديث عن حدود 1967 . فقد كشفت البوست ان رايس توصلت الى "اتفاق سري" بين بلادها وبين اسرائيل في ربيع عام 2005 اعاد التاكيد على رسالة الضمانات التي "سلمها الرئيس بوش شخصيا" في 14 نيسان / ابريل عام 2004 الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون التي اعتبرت عودة قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 ، وتفكيك المستعمرات الاستيطانية البهودية الكبرى في الضفة الغربية ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين امورا "غير واقعية" ، مما يفسر تماما لماذا يرفض بوش الحديث عن حدود عام 1967 ويفسر ايضا رفضه لممارسة أي ضغط على اسرائيل لوقف الاستيطان .
ان هذا الرفض الاميركي الذي اثار "ومضة غضب نادرة" لدى عباس يدحض نفي رايس ووزارتها لتقرير الواشنطن بوست في الرابع والعشرين من الشهر الجاري لا بل انه يؤكد صحته في الوقت الذي يكشف ان كل التصريحات الاميركية الرسمية ، وخصوصا تصريحات رايس ، منذ مؤتمر انابوليس في 27 تشرين الثاني / نوفمبر العام الماضي عن الالتزام الاميركي بخريطة الطريق وبما تنص عليه من الزام اسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وكذلك انتقادات رايس ووزارتها للتوسع الاستيطاني الاسرائيلي وبخاصة في القدس ومحيطها المباشر لم تكن الا ذرا للرماد في العيون الفلسطينية ومناورات علاقات عامة لفظية غير مقرونة باي اجراءات عملية تسندها وتتناقض تماما مع الموقف الرسمي للادارة الاميركية ، بحيث يصعب التمييز بين هذه التصريحات وبين الكذب الصريح على القيادة الفلسطينية وشعبها .
لماذا اذن يدعو بوش نظيره الفلسطيني الى واشنطن اذا كانت دعوته سوف تتمخض فقط عن تجديد "رؤيته" الغامضة بالتوصل الى مجرد اتفاق او مسودة اتفاق فلسطيني – اسرائيلي على ما اسماه "تعريفا" بدولة فلسطينية دون أي "تدخل" اميركي ودون ان تسمح واشنطن باي تدخل غير اميركي في صياغة "التعريف" المامول او تسمح باعتماد شرعية القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة مرجعية لاستخلاص تعريف للدولة المرجوة !
واذا كان عباس قد سجل على بوش رسميا رفضه الحديث عن حدود 1967 ورفضه ممارسة أي ضغط لوقف الاستيطان فان المراقب لا يفوته الا ان يسجل على بوش عدم استخدامه لعبارة "الاحتلال الاسرائيلي" ولو لمرة واحدة طوال ثماني سنوات خلال ولايتيه ، ولم يستخدم أي عبارات غيرها لوصف تواجد القوات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة ، وبالتالي فانه وادارته تعاملوا مع هذه الاراضي باعتبارها مناطق "متنازعا عليها" بين الاسرئيليين وبين الفلسطينيين يتم تسوية النزاع حولها بالطرق السلمية عبر مفاوضات ثنائية فقط ، بينما الاتفاق على ان هذه المناطق الفلسطينية الخاضعة للحكم العسكري الاسرائيلي منذ عام 1967 هي مناطق واقعة تحت الاحتلال هو شرط مسبق للتوصل الى أي "تعريف" ذي مصداقية لاي دولة فلسطينية موعودة .
والمفارقة المفجعة ان بوش الذي يعتبر التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى تعريف للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة انجازا سلميا تاريخيا لرئاسته وادارته لا يرى أي ضير او تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها والتي ما زالت بلا دستور لهذا السبب بالذات ، أي لكي لا تضطر الى تعريف اين تقف حدودها وهو الامر الذي تنص عليه كل دساتير الدول في العالم .
واذا لم يكن أي عربي ، وخصوصا اذا كان هذا العربي فلسطينيا ، لا يتوقع ابدا من بوش او غيره من قادة اميركا الحاليين او السابقين او اللاحقين ان يشاركه يوما ما في الذكرى السنوية ل"النكبة" فان أي عربي لم يخطر بباله قط ان تبادر واشنطن الى الاحتفال رسميا بالمناسبة التي قادت الى هذه النكبة فيما هي "ترعى" ما يسمى "عملية سلام" بين ضحايا النكبة وبين من تسببوا في النكبة ، وكان بامكان الرئاسة الاميركية تاجيل مشاركتها في احتفالية اسرائيل الستينية الى ما بعد ما قد تتمخض عنه عملية السلام اذ من المؤكد حسب المعطيات الدولية والعربية والفلسطينية الراهنة ان دولة المشروع الصهيوني في فلسطين سوف تحتفل بمئويتها وبالتالي فان المناسبة لن تفوت الادارة الاميركية للمشاركة فيها ، او في الاقل كان يمكن لهذه الادارة تاجيل مشاركتها في الاحتفالية الاسرائيلية الى ما بعد انكفاء قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود "دستورية" معترف بها للدولة الاسرائيلية .
ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية هي اعتراف اميركي مدو باحتلالها وبتوسعها الاقليمي وبنهجها العدواني الذي احبط كل مساعي السلام حتى الان في تجاهل كامل للنكبة العربية في فلسطين بل موافقة عليها ، لا بل ان هذه المشاركة الاميركية مقرونة باعتراف بوش المعلن باسرائيل ك"دولة يهودية" انما ينذر بنكبة جديدة لعرب فلسطين . ولن يخفف من كون هذه المشاركة زيتا يصب على نار العداء لاميركا في الاوساط العربية والاسلامية محاولة بوش تجنب المزيد من الاستفزاز للعرب والمسلمين بعامة وللفلسطينيين منهم بخاصة بتحاشيه زيارة هضبة الجولان العربي السوري المحتل او زيارة معالم يهودية في القدس او في الضفة العربية اثناء زيارته المقبلة .
ومما يزيد في تخبط بوش التناقض بين اعلانه خلال لقائه المشترك مع عباس مع وسائل الاعلام انه "عائد الى الشرق الاوسط" من اجل عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية وبين رفضه لقاء الرئيس عباس في الاراضي الفلسطينية المحتلة واختياره شرم الشيخ المصرية لهذا الغرض . فقمة شرم الشيخ التي يجري الترويج لها كمحطة مقبلة لدفع عملية السلام لا علاقة لها بذلك لانها ستنعقد ، ان انعقدت ، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط الذي يستضيفه المنتجع المصري على البحر الاحمر بين 18 و 20 الشهر المقبل وليست مقررة في حد ذاتها . والدعوة لقمة كهذه هي رغبة للرئاستين الفلسطينية والمصرية ويبدو ان هذه القمة المقترحة قد وئدت وهي ما تزال "رغبة" بسبب التحفظات الاميركية عليها والرفض الاسرائيلي لها . وطبقا لمصادر اميركية واسرائيلية رفض ايهود اولمرت دعوة الرئيس المصري حسني مبارك له لحضورها .
علق جون الترمان خبير الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن على ذلك قائلا: "انك بالتاكيد تضيف الملح الى الجرح عندما تسافر الى اسرائيل ويضطر الفلسطينيون للسفر الى مصر كي يروك" !
غير ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية ما هي الا جزء فقط من احتفالات اميركية اوسع واذا احاط المراقب بتفاصيل الاستعدادات الاميركية لهذه المناسبة سيكتشف ان المناسبة اميركية قبل ان تكون اسرائيلية وان واشنطن تحتفل بانشاء اسرائيل باعتباره انجازا اميركيا تاريخيا اكثر من كونه انجازا اسرائيليا او يهوديا .
في مقابلة له مع الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الجاري لخص رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس الدور الاميركي بقوله: "بعد ستين عاما نريد ان نقف ونقول: شكرا لك اميركا" .
وفي الثاني والثالث والعشرين من نيسان / ابريل اجاز مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الاميركي يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين على التوالي "بالاجماع" قرارين يهنئان اسرائيل بعيدها الستين . والامر غير العادي ان مشروع قرار مجلس الشيوخ قدمه الاعضاء المائة جميعهم دون استثناء . وكان الامر غير العادي في مجلس النواب ان مشروع القرار قدمته رئيسة المجلس الديموقراطية نانسي بيلوسي بالاشتراك مع زعيم الاقلية الجمهورية المعارضة جون بويهنر . وقد اعلنت بيلوسي انها سوف تنضم الى الرئيس بوش لمشاركة اسرائيل احتفالاتها . ورحبت اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة "ايباك" في بيان بالقرارين و"بالاجماع" بين الحزبين عليهما .
وقد انشئت "لجنة قومية" اميركية للاحتفال بستينية اسرائيل يشارك في رئاستها الرئيسان السابقان جورج بوش الاب وبيل كلينتون ، وقد انضم اليها كنواب لرئاستها المرشحون الرئيسيون الثلاثة للرئاسة الاميركية في كانون الثاني / يناير المقبل الجمهوري جون ماكين والديموقراطيان هيلاري كلينتون وباراك اوباما . كما انضم كل وزراء الخارجية الاحياء الى اللجنة التي نظمها "مؤتمر رؤساء المنظمات الاميركية اليهودية الكبرى" والتي ستغطي احتفالاتها العديدة المتنوعة الولايات المتحدة الاميركية كافة .
ان زيارة بوش المقبلة لا علاقة لها البتة بعملية السلام والا لوازنها في الاقل بزيارة قصيرة رمزية لبعض الناجين من النكبة في احد مخيمات لجوئهم بالضفة الغربية ولها كل العلاقة باحتفال بوش بانجاز اميركي تاريخي في فلسطين اسمه "اسرائيل" وكل الحقائق المرتبطة بهذه الزيارة تظهر تصميما واجماعا اميركيا على حماية هذا الانجاز بكل الوسائل بطريقة كانما تقول لعرب فلسطين انه لا تاريخ لكم هنا وماضيكم القريب لا اهمية له اما وجودكم الحاضر فاما ان يخدم هذا الانجاز او فليذهب الى الجحيم .
وما يزال عرب فلسطين تحت الاحتلال يتساءلون عن السر الذي يحتفظ به الرئيس عباس ليسوغ استمرار مراهنته على بوش وواشنطن ، هذا اذا كان هناك أي سر كهذا على الاطلاق !
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
(ان بوش الذي يشترط التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى "تعريف" للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة لا يرى أي تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها)
من يتابع الاستعدادات القائمة على قدم وساق للاحتفال بالذكرى السنوية الستين لانشاء دولة الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين لا يسعه الا ملاحظة ان اثنين من آل بوش سيقودان هذه الاحتفالات احدهما الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب في الولايات المتحدة والثاني الرئيس الحالي بوش الابن في اسرائيل ولا يسعه كذلك سوى ان يلاحظ بان واشنطن تحتفل بالمناسبة باعتبارها انجازا اميركيا تاريخيا وبطريقة وفي ظروف تجعل أي حديث اميركي عن اقامة دولة فلسطينية مجرد نكتة سمجة تستهتر ليس فقط بالنكبة العربية في فلسطين وبالطموحات الوطنية المشروعة لضحايا النكبة في حقهم في تقرير المصير واقامة دولة لهم على ترابهم الوطني بل تستهتر ايضا بعقول ومشاعر من ما زالوا في المنطقة يراهنون على واشنطن للمساهمة في احلال سلام اقليمي عادل وشامل .
غير ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بالضد من كل الحقائق المحبطة حد الياس ، متمسك باصرار بان يستمر في منح شعبه بارقة امل في ان الموقف الاميركي يمكن ان يساهم في احلال سلام على اساس حل الدولتين ، لكنه في الوقت نفسه يحرص على عدم الخلط بين الامل وبين السراب الخادع وبالتالي فانه لم يتردد في ان يعترف علنا بانه عاد من قمته يوم الخميس الماضي مع الرئيس بوش بخفي حنين ليقول للاسوشيتدبرس ، بلهجة وصفتها الوكالة ب"المتشائمة" ، في مقابلة استغرقت خمسة عشرة دقيقة بجناحه الفندقي بواشنطن يوم الجمعة الماضي ، انه "فشل" في احراز أي تقدم في محادثاته مع بوش .
قال عباس: "بصراحة ، حتى الان لم يتحقق شيء" ، واعرب عن "خيبة امله" لان الولايات المتحدة لا تمارس أي ضغط على اسرائيل لوقف نشاطاتها الاستيطانية ، ونقلت الوكالة عن مساعديه انه خرج "مستاء" من لقائه مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس يوم الخميس ، ليقول للاسوشيتدبرس في ختام زيارته لواشنطن الاسبوع الماضي ان الاميركان لم يقدموا أي مقترحات جديدة ، وانه لم يتم احراز أي تقدم في أي من القضايا الجوهرية وان "كل الملفات ما زالت مفتوحة ولم يتم الانتهاء من اي واحد منها" ، ليضيف فيما وصفته الوكالة ب"ومضة غضب نادرة" قائلا: "لقد طالبناهم ان يتحدثوا عن حدود عام 1967 (لكن) ايا منهم (أي المسؤولون الاميركان الذين قابلهم) لا يتحدث عن حدود 1967" .
بالرغم من ذلك اعلن عباس انه سوف يواصل لقاءاته الدورية مع رئيس وزراء دولة الاحتلال ايهود اولمرت وسوف يلتقي بوش ثانية في شرم الشيخ بعد يومين ونصف اليوم يقضيها الاخير في مشاركة الاسرائيليين احتفالاتهم بالذكرى السنوية الستين لاقامة دولتهم اواسط الشهر المقبل ، مما دفع الكثير من المحللين الفلسطينيين والعرب الى التساؤل عن السر الكامن وراء اصرار عباس على مواصلة هذا النهج بالرغم من حقائق الموقف الاميركي التي تصفع دون رحمة أي حد ادنى بقي لاي امل فلسطيني في هذا الموقف .
واذا كانت مقابلة عباس نفسه مع الاسوشيتدبرس هي احدث هذه الحقائق فان ما كشفه تقرير للواشنطن بوست عشية قمته مع بوش يقدم تفسيرا واضحا لرفض أي مسؤول اميركي الحديث عن حدود 1967 . فقد كشفت البوست ان رايس توصلت الى "اتفاق سري" بين بلادها وبين اسرائيل في ربيع عام 2005 اعاد التاكيد على رسالة الضمانات التي "سلمها الرئيس بوش شخصيا" في 14 نيسان / ابريل عام 2004 الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون التي اعتبرت عودة قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 ، وتفكيك المستعمرات الاستيطانية البهودية الكبرى في الضفة الغربية ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين امورا "غير واقعية" ، مما يفسر تماما لماذا يرفض بوش الحديث عن حدود عام 1967 ويفسر ايضا رفضه لممارسة أي ضغط على اسرائيل لوقف الاستيطان .
ان هذا الرفض الاميركي الذي اثار "ومضة غضب نادرة" لدى عباس يدحض نفي رايس ووزارتها لتقرير الواشنطن بوست في الرابع والعشرين من الشهر الجاري لا بل انه يؤكد صحته في الوقت الذي يكشف ان كل التصريحات الاميركية الرسمية ، وخصوصا تصريحات رايس ، منذ مؤتمر انابوليس في 27 تشرين الثاني / نوفمبر العام الماضي عن الالتزام الاميركي بخريطة الطريق وبما تنص عليه من الزام اسرائيل بوقف النشاطات الاستيطانية وكذلك انتقادات رايس ووزارتها للتوسع الاستيطاني الاسرائيلي وبخاصة في القدس ومحيطها المباشر لم تكن الا ذرا للرماد في العيون الفلسطينية ومناورات علاقات عامة لفظية غير مقرونة باي اجراءات عملية تسندها وتتناقض تماما مع الموقف الرسمي للادارة الاميركية ، بحيث يصعب التمييز بين هذه التصريحات وبين الكذب الصريح على القيادة الفلسطينية وشعبها .
لماذا اذن يدعو بوش نظيره الفلسطيني الى واشنطن اذا كانت دعوته سوف تتمخض فقط عن تجديد "رؤيته" الغامضة بالتوصل الى مجرد اتفاق او مسودة اتفاق فلسطيني – اسرائيلي على ما اسماه "تعريفا" بدولة فلسطينية دون أي "تدخل" اميركي ودون ان تسمح واشنطن باي تدخل غير اميركي في صياغة "التعريف" المامول او تسمح باعتماد شرعية القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة مرجعية لاستخلاص تعريف للدولة المرجوة !
واذا كان عباس قد سجل على بوش رسميا رفضه الحديث عن حدود 1967 ورفضه ممارسة أي ضغط لوقف الاستيطان فان المراقب لا يفوته الا ان يسجل على بوش عدم استخدامه لعبارة "الاحتلال الاسرائيلي" ولو لمرة واحدة طوال ثماني سنوات خلال ولايتيه ، ولم يستخدم أي عبارات غيرها لوصف تواجد القوات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة ، وبالتالي فانه وادارته تعاملوا مع هذه الاراضي باعتبارها مناطق "متنازعا عليها" بين الاسرئيليين وبين الفلسطينيين يتم تسوية النزاع حولها بالطرق السلمية عبر مفاوضات ثنائية فقط ، بينما الاتفاق على ان هذه المناطق الفلسطينية الخاضعة للحكم العسكري الاسرائيلي منذ عام 1967 هي مناطق واقعة تحت الاحتلال هو شرط مسبق للتوصل الى أي "تعريف" ذي مصداقية لاي دولة فلسطينية موعودة .
والمفارقة المفجعة ان بوش الذي يعتبر التوصل الفلسطيني الاسرائيلي الثنائي الى تعريف للدولة الفلسطينية قبل ان "يتدخل" عمليا لاقامة هذه الدولة انجازا سلميا تاريخيا لرئاسته وادارته لا يرى أي ضير او تناقض في ان ينتقل الى القدس المحتلة للاحتفال بمرور ستين عاما على تاسيس الدولة الاسرائيلية التي ما زالت دون أي تعريف لاقليمها وحدودها والتي ما زالت بلا دستور لهذا السبب بالذات ، أي لكي لا تضطر الى تعريف اين تقف حدودها وهو الامر الذي تنص عليه كل دساتير الدول في العالم .
واذا لم يكن أي عربي ، وخصوصا اذا كان هذا العربي فلسطينيا ، لا يتوقع ابدا من بوش او غيره من قادة اميركا الحاليين او السابقين او اللاحقين ان يشاركه يوما ما في الذكرى السنوية ل"النكبة" فان أي عربي لم يخطر بباله قط ان تبادر واشنطن الى الاحتفال رسميا بالمناسبة التي قادت الى هذه النكبة فيما هي "ترعى" ما يسمى "عملية سلام" بين ضحايا النكبة وبين من تسببوا في النكبة ، وكان بامكان الرئاسة الاميركية تاجيل مشاركتها في احتفالية اسرائيل الستينية الى ما بعد ما قد تتمخض عنه عملية السلام اذ من المؤكد حسب المعطيات الدولية والعربية والفلسطينية الراهنة ان دولة المشروع الصهيوني في فلسطين سوف تحتفل بمئويتها وبالتالي فان المناسبة لن تفوت الادارة الاميركية للمشاركة فيها ، او في الاقل كان يمكن لهذه الادارة تاجيل مشاركتها في الاحتفالية الاسرائيلية الى ما بعد انكفاء قوات الاحتلال الاسرائيلي الى حدود "دستورية" معترف بها للدولة الاسرائيلية .
ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية هي اعتراف اميركي مدو باحتلالها وبتوسعها الاقليمي وبنهجها العدواني الذي احبط كل مساعي السلام حتى الان في تجاهل كامل للنكبة العربية في فلسطين بل موافقة عليها ، لا بل ان هذه المشاركة الاميركية مقرونة باعتراف بوش المعلن باسرائيل ك"دولة يهودية" انما ينذر بنكبة جديدة لعرب فلسطين . ولن يخفف من كون هذه المشاركة زيتا يصب على نار العداء لاميركا في الاوساط العربية والاسلامية محاولة بوش تجنب المزيد من الاستفزاز للعرب والمسلمين بعامة وللفلسطينيين منهم بخاصة بتحاشيه زيارة هضبة الجولان العربي السوري المحتل او زيارة معالم يهودية في القدس او في الضفة العربية اثناء زيارته المقبلة .
ومما يزيد في تخبط بوش التناقض بين اعلانه خلال لقائه المشترك مع عباس مع وسائل الاعلام انه "عائد الى الشرق الاوسط" من اجل عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية وبين رفضه لقاء الرئيس عباس في الاراضي الفلسطينية المحتلة واختياره شرم الشيخ المصرية لهذا الغرض . فقمة شرم الشيخ التي يجري الترويج لها كمحطة مقبلة لدفع عملية السلام لا علاقة لها بذلك لانها ستنعقد ، ان انعقدت ، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الاوسط الذي يستضيفه المنتجع المصري على البحر الاحمر بين 18 و 20 الشهر المقبل وليست مقررة في حد ذاتها . والدعوة لقمة كهذه هي رغبة للرئاستين الفلسطينية والمصرية ويبدو ان هذه القمة المقترحة قد وئدت وهي ما تزال "رغبة" بسبب التحفظات الاميركية عليها والرفض الاسرائيلي لها . وطبقا لمصادر اميركية واسرائيلية رفض ايهود اولمرت دعوة الرئيس المصري حسني مبارك له لحضورها .
علق جون الترمان خبير الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن على ذلك قائلا: "انك بالتاكيد تضيف الملح الى الجرح عندما تسافر الى اسرائيل ويضطر الفلسطينيون للسفر الى مصر كي يروك" !
غير ان مشاركة بوش في احتفالات اسرائيل الستينية ما هي الا جزء فقط من احتفالات اميركية اوسع واذا احاط المراقب بتفاصيل الاستعدادات الاميركية لهذه المناسبة سيكتشف ان المناسبة اميركية قبل ان تكون اسرائيلية وان واشنطن تحتفل بانشاء اسرائيل باعتباره انجازا اميركيا تاريخيا اكثر من كونه انجازا اسرائيليا او يهوديا .
في مقابلة له مع الاسوشيتدبرس في التاسع من الشهر الجاري لخص رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريس الدور الاميركي بقوله: "بعد ستين عاما نريد ان نقف ونقول: شكرا لك اميركا" .
وفي الثاني والثالث والعشرين من نيسان / ابريل اجاز مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الاميركي يومي الثلاثاء والاربعاء الماضيين على التوالي "بالاجماع" قرارين يهنئان اسرائيل بعيدها الستين . والامر غير العادي ان مشروع قرار مجلس الشيوخ قدمه الاعضاء المائة جميعهم دون استثناء . وكان الامر غير العادي في مجلس النواب ان مشروع القرار قدمته رئيسة المجلس الديموقراطية نانسي بيلوسي بالاشتراك مع زعيم الاقلية الجمهورية المعارضة جون بويهنر . وقد اعلنت بيلوسي انها سوف تنضم الى الرئيس بوش لمشاركة اسرائيل احتفالاتها . ورحبت اللجنة الاميركية – الاسرائيلية للشؤون العامة "ايباك" في بيان بالقرارين و"بالاجماع" بين الحزبين عليهما .
وقد انشئت "لجنة قومية" اميركية للاحتفال بستينية اسرائيل يشارك في رئاستها الرئيسان السابقان جورج بوش الاب وبيل كلينتون ، وقد انضم اليها كنواب لرئاستها المرشحون الرئيسيون الثلاثة للرئاسة الاميركية في كانون الثاني / يناير المقبل الجمهوري جون ماكين والديموقراطيان هيلاري كلينتون وباراك اوباما . كما انضم كل وزراء الخارجية الاحياء الى اللجنة التي نظمها "مؤتمر رؤساء المنظمات الاميركية اليهودية الكبرى" والتي ستغطي احتفالاتها العديدة المتنوعة الولايات المتحدة الاميركية كافة .
ان زيارة بوش المقبلة لا علاقة لها البتة بعملية السلام والا لوازنها في الاقل بزيارة قصيرة رمزية لبعض الناجين من النكبة في احد مخيمات لجوئهم بالضفة الغربية ولها كل العلاقة باحتفال بوش بانجاز اميركي تاريخي في فلسطين اسمه "اسرائيل" وكل الحقائق المرتبطة بهذه الزيارة تظهر تصميما واجماعا اميركيا على حماية هذا الانجاز بكل الوسائل بطريقة كانما تقول لعرب فلسطين انه لا تاريخ لكم هنا وماضيكم القريب لا اهمية له اما وجودكم الحاضر فاما ان يخدم هذا الانجاز او فليذهب الى الجحيم .
وما يزال عرب فلسطين تحت الاحتلال يتساءلون عن السر الذي يحتفظ به الرئيس عباس ليسوغ استمرار مراهنته على بوش وواشنطن ، هذا اذا كان هناك أي سر كهذا على الاطلاق !
*كاتب عربي من فلسطين
nicolanasser@yahoo.com*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق