الأربعاء، أبريل 23، 2008

حاصر حصارَك ..لا مفر ...!!

د. عدنان بكريه
فلسطين الداخل
"سقط القناع عن القناع عن القناع ..سقط القناع لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء يا صديقي لا قلاع لا الماء عندك لا الدواء، ولا السماء، ولا الدماء ولا الشراء، ولا الأمام، ولا الوراء حاصر حصارك.. لا مفر"

إذا كان التاريخ الفلسطيني يبدأ بانطلاقة الثورة الفلسطينية ويمر بمرحلة ما بعد بيروت، فإنه اليوم يتوقف عند غزة..عند محطة الشرف والعزة ..غزة التي قهرت الغزاة على مر التاريخ ولم تندحر أصبحت عصية على الانكسار... تخط بدم شهدائها تاريخا جديدا ومرحلة جديدة ...إنه مخاض ولادة الدولة الفلسطينية العتيدة .
أصبح واضحا للقاصي والداني بأن حكم الإعدام الذي صدر بحق غزة وبمشاركة عربية واضحة يهدف إلى القضاء على جذوة المقاومة المتوقدة في وجدان كل طفل وكل شيخ... يهدف إلى تركيع الشعب الفلسطيني وجره إلى مائدة الحلول الاستسلامية !! فكيف بإمكاننا تفسير الصمت العربي على الحصار ألتجويعي بحق شعبنا في غزة ؟ ورغم اتخاذ القمة العربية قرارا مركزيا بفك الحصار إلا أن هذا القرار لم يكن إلا مجاملة هدفها امتصاص نقمة الشعوب وحفظ ماء الوجه !
شعب غزة بات يشكل خطرا على النظام الرسمي العربي لأنه الصرخة المنطلقة من قلب الحصار التي لا بد لها إن تستفز الوجدان والشعلة المتوقدة في الظلام الدامس، إنها صرخة الفلسطيني المؤمن بحقه في الحياة والعيش كباقي شعوب الأرض...ومهما حاصروه إلا أنه يعرف كيف يحاصر حصارَه ويخرج كالعنقاء من الرماد ماردا يحمل قنديل الثورة في العنق.
كنا نتوقع من الدول العربية وعملا بشعار التضامن العربي أن تقدم على كسر الحصار عن أهل غزة من خلال فتح حدودها وإرسال قوافل الإغاثة، لكنها عززت الحصار من خلال منعها لأهل غزة في اجتياز الحدود بحثا عن لقمة العيش ! ولم تتورع بعض الدول عن تهديد أبناء غزة بالعواقب الوخيمة التي سيواجهونها لو أقدموا على اجتياز الحدود... أين التضامن العربي ؟! أين الأخوة المصيرية والشعارات المرفوعة ؟!
من حقنا أن نسأل مصر العروبة (أم الدنيا ) مصر التي سطرت بدم شهدائها التاريخ ...من حقنا أن نسألها هل أبناء غزة يشكلون خطرا على الأمن القومي المصري حقا ؟!
وهل اختراقهم الحدود للبحث عن اللقمة صار محرما في قاموس الأمن القومي المصري ؟! ولماذا لم تحتج مصر على السفن الحربية الأمريكية التي تنتهك المياه الإقليمية العربية كل يوم ؟! هل أصبح أطفال غزة بوارجا بحرية وقنابلا موقوتة تهدد استقرار وامن مصر ؟! إننا نستغرب هذا الموقف الذي يعبر عن مدى الاستهتار بحياة الانسان الفلسطيني .... إننا نستغرب هذا الموقف الذي لن يطوع ويركع أطفال غزة ،بل سيزيدهم إصرارا على مواصلة طريقهم نحو كسر الحصار المفروض.
كنا نتمنى على الشقيقة مصر أن تبادر وأمام العالم على فتح حدودها مع غزة وتمكين الأهل المحاصرين من الوصول إلى حاجياتهم حتى يفهم العالم معنى التضامن العربي وبأن الشعب الفلسطيني لن يكون وحده في معركته لفك الحصار... كنا نتمنى أن تبادر الدول العربية إلى تشكيل لجنة إغاثة رسمية تخترق الحصار وتحطمه بقوافل الإغاثة الإنسانية حتى يفهم العالم بأن التضامن العربي لا يعرف الحدود ولا الأسلاك الشائكة !
إغاثة غزة أصبح واجبا إنسانيا وسياسيا بغض النظر عن طبيعة وهوية الفصيل المسيطر هناك ..فالجوع يقتحم بيت الفتحاوي قبل الحمساوي ... لا فرق بين فلسطيني وفلسطيني... الجوع لا يفرق والموت لا يفرق والعدو لا يفرق !
النظام لرسمي العربي يتحمل المسؤولية الكبرى عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها أبناء غزة كونه يوصد كل الأبواب للخروج من الحصار الجائر والحصار لا يمكنه تغيير المعادلة السياسية القائمة لا بل من شأنه إن يزيد الوضع تأزما وغليانا وبالتالي فإن نتائجه ستكون عكسية على مستوى العلاقات الفلسطينية الداخلية والعلاقات الفلسطينية العربية.
حصار غزة كشف الأقنعة عن العهر السياسي الذي يلف الأنظمة العربية الرسمية وتحولت من عنصر محايد إلى عنصر شريك في المؤامرة على وجود الشعب الفلسطيني ، فقد انكشفت حقيقة هذا النظام البائس الذي يصمت على تجويع وترويع جزءا حيا من الأمة العربية ولم يعد هناك ما يمكن إخفائه والتستر عليه ! فالدول العربية لم تنل استقلالها الوطني حتى يومنا هذا، لأن قراراتها رهينة بيد الولايات المتحدة وهي عاجزة عن اتخاذ قرار بتأمين الماء والغذاء والدواء لأهل غزة... عاجزة عن اختراق الحصار المفروض لإنقاذ أهل غزة !!
القمة العربية وضعت على سلم أولوياتها وضمن قرار رسمي (فك الحصار عن غزة ) ! فماذا فعلت الأنظمة لتطبيق هذا القرار ؟! وهل تجرأت هذه الأنظمة على على ضخ كأس من البترول لأهل غزة المحاصرين ؟ في الوقت الذي يتدفق فيه البترول العربي إلى العواصم الأوروبية !!
من حقنا أن نطالب الدول العربية بتطبيق قرار القمة العربية المتعلق بفك الحصار وإذا لم يكن فمن حق أهلنا المحاصرين في غزة كسر الحصار لضمان حياة أطفالهم !
من حقهم مطالبة النظام الرسمي العربي السعي لفك الحصار ودون ذالك سيبقى النظام العربي عنصرا معززا ومكرسا للحصار ! وإلا بماذا يمكننا تفسير الصمت العربي على ما يجري لأهل غزة ؟
غزة أسقطت أوراق التوت وكشفت الواقع العربي بأنظمته الشريكة في مؤامرة تصفية الشعب الفلسطيني! ورغم شلال الدم الراعف من صدور أطفال غزة ،إلا أن التاريخ الفلسطيني الجديد وربما العربي قد بدأ هناك وسيمتد ليطال دولا عربية أخرى ! فهل سيستخلص النظام الرسمي العربي العبر ؟!

ليست هناك تعليقات: