السبت، أبريل 26، 2008

دعوة اولمرت بين الثعْلبة والابتزاز!

د. عدنان بكريه
فلسطين الداخل
كان بودنا أن يكون السلام العادل خيارا استراتيجيا لدى حكومة (اولمرت) وان تنسحب من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان والضفة ،لكننا لا نثق ولا يمكننا اعتماد الموقف الذي نقله (اوردغان) من أن رئيس الوزراء اولمرت على استعداد للانسحاب من كامل هضبة الجولان المحتلة .... وهذه الدعوة تأتي في ظروف سياسية معقدة بهدف ابتزاز الطرف السوري والفلسطيني واللبناني لتعزيز سياسة الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
ليس هناك من معطيات سياسية على الساحة الإسرائيلية تشير إلى مصداقية الطرف الإسرائيلي وبالتحديد (اولمرت) الذي يواجه أزمات عديدة على المستوى الداخلي وما زال يتخبط في أزماته التي حولته إلى رقم ضعيف في تاريخ السياسة الإسرائيلية ... حتى لو كانت لاولمرت نوايا سلمية كما يقال إلا انه ليس بذالك الرجل القوي الذي باستطاعته إقناع اليمين الإسرائيلي وأحزاب المعارضة بأهمية نواياه ! وإذا ما تجرأ وبدأ بمفاوضات حول الانسحاب فانه سيجد نفسه محاصرا من المعارضة وخارج الحلبة السياسية .
ساعات قلائل بعد إعلان الوزيرة السورية (بثينة شعبان) عن دعوة اولمرت بدأت أصوات المعارضة الإسرائيلية تتعالى مطالبة ايهود اولمرت بتفسير هذه الأقاويل... مذكرة إياه بالتعهدات التي قطعها على نفسه قبيل تشكيل ائتلافه الحكومي والتي تقضي بعدم التنازل عن الأراضي العربية المحتلة !! من هنا نلمس بأن اولمرت سيواجه صعوبات جمة على المستوى الداخلي الإسرائيلي ولن يكن بمقدوره التصرف بمصير الجولان لأنه سيجد نفسه خارج الحلبة السياسية !! فهو لن يقامر ويغامر بمستقبله السياسي ويضع نفسه تحت جلدات اليمين الإسرائيلي ..وهو الذي لم يتخلص بعد من كابوس (فينوغراد )! لم يتخلص من انعكاسات حرب لبنان على وضعه السياسي الداخلي ! لم يتخلص من ملفات الفساد التي تلاحقه !
إن دعوة اولمرت لا تخرج عن نطاق الحملة الإعلامية التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة بهدف نسف أسس التعاون السوري اللبناني والسوري الفلسطيني والسوري الإيراني وتفكيك هذا المحور الذي بات يقلق إسرائيل والولايات المتحدة .
النوايا الإسرائيلية تنقصها المصداقية وتدخل في إطار (الثعلَبة ) وتفتقر إلى النية الصادقة... خاصة وان إسرائيل لا تتصرف بهذا الشأن دون أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة حليفتها الاستراتيجي ..وكيف بإمكاننا الوثوق بهذه الدعوة في الوقت الذي تقود فيه الولايات المتحدة حملة مبرمجة ضد سوريا وتثير موضوع الخطر النووي السوري في الكونغرس الأمريكي !! في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة حملة تحريضية ضد سوريا في اجتماع دول جوار العراق وتتهمها بتأزيم الوضع اللبناني ..من هنا فإن دعوة اولمرت يعتريها الثعلبة والخبث السياسي وهدفها إحراج سوريا ومحاولة إخراجها من حلقتها التحالفية مع إيران وحزب الله !! تحت ضغط أمريكي ملخصه اتهام سوريا ببرنامج نووي غير سلمي !
دعوة اولمرت تجيء في خضم المفاوضات الامريكية الفلسطينية التي تدور نتيجة تنكر إسرائيل للحق الفلسطيني وفي خضم الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وعمليات القتل والاجتياح المستمرة ...كل هذه الممارسات تدفن صدق النوايا الإسرائيلية وتجعل الدعوة مجرد حملة إعلامية لحصد تنازلات من الطرف الفلسطيني فيما يتعلق بمفاوضات الحل النهائي ! ولكسر شوكة قوى المقاومة الفلسطينية التي تربطها بسوريا علاقات قوية.
إننا نتخوف من بعض الأنظمة العربية التي تنتظر هذه اللحظة لتتهافت إلى خانة التطبيع المجاني مع إسرائيل وبذالك تضعف الموقف السوري في أية مفاوضات قد تبدأ ... فإسرائيل ربما أرادت من وراء إعلانها هذا جر الدول العربية إلى التطبيع وقبل أن تثبت صدق نواياها ! وبعض الدول العربية تنتظر انفراج خفيف في الوضع لتزحف باتجاه التطبيع الرسمي مع إسرائيل !!
سوريا تدرك النوايا الإسرائيلية بأبعادها وأهدافها وهي لن تقبل بالسلام المنقوص والغير شامل والذي ينتقص من الحق السوري في استعادة هضبة الجولان كاملة وإعادة السيادة السورية على كامل أراضيها..والسؤال المطروح لو صدقت النوايا الإسرائيلية... فهل ستتم المفاوضات بمعزل عن تناول الوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ؟ وهل تقبل سوريا بإبرام اتفاقات منفردة مع إسرائيل لا تشمل الوضع الفلسطيني والوضع اللبناني ؟!
إن ما هو مطلوب وإذا قدر وصحت النوايا الإسرائيلية وهذا ما استبعده !! بأن يتم التنسيق بين الطرفين السوري والفلسطيني حول ربط المسارين وربما دمجهما بمسار واحد..فأي اتفاق لا يشمل الوضع الفلسطيني لن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي تماما وبشكل كامل.
إسرائيل تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى قوة الموقف السوري وصلابته وغير قابليته للتفريط والتنازل ، لذا ستسعى إلى ممارسة ضغوطات جمة على سوريا من خلال حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة وبعض الدول العربية بهدف ابتزاز سوريا وبشتى الوسائل وقبل بدء المفاوضات وعليه فإننا نحذر من أن تكون هذه الدعوة فقط لابتزاز الطرف السوري وبالتالي تعليق المفاوضات تحت حجج وذرائع متعددة كما حصل مع وديعة (رابين ) اثر مؤتمر مدريد للسلام !
إننا نشكك بصدق النوايا الإسرائيلية ...فلو كانت إسرائيل معنية بالسلام الثابت والشامل والدائم لأوقفت ممارساتها الابادية بحق شعبنا الفلسطيني وتوقفت عن بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة وبالتحديد في محيط القدس .
واليوم نؤكد على أهمية السلام العادل والشامل والثابت في المنطقة ، أما اللجوء إلى تعدد وفصل مسارات التفاوض بهدف ابتزاز الأطراف كل على حدة لن يحل المشكلة ولن يضع حدا للصراع العربي الإسرائيلي .

dr.adnanb@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: